نتناول في ليلتنا هذه -إن شاء الله- تفسير سورة تبارك، سورة تبارك ورد في فضلها جملة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها متكلم فيها، ومن أهل العلم من يحسنها لكونها في فضائل الأعمال.
من هذه الأحاديث التي وردت في فضل سورة تبارك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لصاحبها عند الله عز وجل) فهذا الحديث إسناده فيه ضعف، لكن من العلماء من قبله؛ لأنه من فضائل الأعمال، وكذلك ورد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ سورة تبارك)، ولكن في الحديث ضعف، ومن أهل العلم من حسنه لكونه في فضائل الأعمال، وورد حديث يصفها (بأنها منجية) وأيضاً في إسناده كلام.
فتبارك: تفاعل من البركة، أي: تزايدت بركته وتكاثرت بركته، ومن أهل العلم من قال: تعالى وتعاظم.
وفي الآية الكريمة إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى، وقد تقدم الحديث على هذا باستفاضة.
ومن الأدلة في هذا الباب:
قوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64], وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يد الله ملأى، سحاء الليل والنهار) , فلله يد لكن: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ملك ماذا؟ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [الزخرف:85] وملك كل شيء, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ [الملك:2] من العلماء من قدر محذوفاً وقال: هو الذي خلق الموت والحياة أي: خلقكم للموت وخلقكم للحياة, هذا قول، والقول الآخر أن الموت والحياة مخلوقان من مخلوقات الله سبحانه وتعالى, كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح, فيوقف على قنطرة بين الجنة والنار, ثم ينادى: يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت! ويقال: يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم نعرفه هذا الموت! فيذبح الموت على قنطرة بين الجنة والنار ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39])، فالشاهد: أن من أهل العلم من قال: إن الموت والحياة مخلوقان من مخلوقات الله سبحانه وتعالى, كسائر المخلوقات لقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ وما هي إلا عبرة.
والعلة من خلق الموت والحياة بينها الله في قوله: (لِيَبْلُوَكُمْ) أي: ليختبركم (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) أي: من منكم أحسن عملاً؟
إذاً: فالعلة من خلق الموت والحياة هي الاختبار, فالله سبحانه وتعالى قد نفى عن نفسه العبث قال سبحانه وتعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [المؤمنون:115-116] أي: تعالى الله عن العبث, فما خلقكم عبثاً أبداً، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [المؤمنون:115-116] تعالى وتنزه عن أن يعبث، وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16] , مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:39]، وقال سبحانه: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17]، وعلى هذا: فحياتنا ليست للهو ولا للعبث ولا للمجون ولا للتسالي, إنما كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهذه الفترة التي نعيشها هي أعمارنا، وهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه على وجه الإجمال والتغليب: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليل منهم من يتجاوز ذلك)، هذه المدة الزمنية التي نعيشها نحن, إنما نعيشها للابتلاء فيها وللاختبار كما اختبر من كان قبلنا, فقد اختبرت أمم من قبلنا كانوا أقوى منا أجساماً وأبداناً، وأطول منا أعماراً، ذكرهم الله في كتابه فقال تعالى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا [الفرقان:38-39]، فالمدة التي نعيشها في زماننا -التي هي ستون إلى سبعين سنة من أعمارنا على الغالب- مدة للاختبار وللابتلاء كما ابتلي من كان قبلنا، فلسنا بدعاً من الخلق, ورسولنا ليس بدعاً من الرسل صلى الله عليه وسلم, فكما جلس مثل مجالسنا من كان قبلنا فكذلك نحن نجلس مثل هذه المجالس للاختبار في هذه الحياة الدنيا، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] أي: ليختبركم, ليظهر منكم من هو أحسن عملاً من الآخر، ولم يقل: أكثر عملاً، فدل على أن حسن العمل هو الأمر المطلوب قبل كثرة العمل, فقد يكثر الشخص العمل، وعمله باطل أو ليس بباطل ولكنه قليل في أجره, وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج فقال: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) فالخوارج -كطائفة من أهل عمان الآن- إذا جلست بجوار أحدهم وهو يصلي مثلاً في الحرم بعد المغرب لا تستطيع أبداً أن تسابقه في صلاته! يصلي بجوارك عشرين ركعة وهو لا يمل! (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم, وصيامكم إلى صيامهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) كما أن السهم يدخل في الهدف الذي صوب إليه ويخرج سريعاً لا يكاد يبتل بالدم, فكذلك هم يدخلون الدين ويخرجون منه ولا يكادون ينالون أي فضل، ولا يظهر عليهم أي أثر من هذا الدين!!
ففي قوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) دلالة على أن حسن العمل أفضل من كثرة العمل, فلا بد -أولاً- من سلامة العمل ومن حسن العمل, قد يكون العمل قليلاً، ويسبق عملاً كثيراً عمله آخرون!!
حتى أبواب الخير تتفاضل، قال عليه الصلاة والسلام لـجويرية وقد تركها، وهي تذكر الله بعد صلاة الصبح، وخرج وانصرف وغاب عنها مدة ثم رجع فقال: (ما زلت على الحالة التي فارقتكِ عليها! لقد قلت بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلتي لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)، فالكلام الكثير الفارغ -خاصة في زماننا هذا- مذموم إذا لم يكن يحمل علماً أصيلاً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن أقوال الصحابة رضي الله عنهم.
وقد تفشت عادة إطالة الخطب مع قلة الفائدة! عادة حشو الخطب وملؤها بالقصص والحكايات والخرافات والأضاحيك والمزعجات، والأشياء التي تبكي والأشياء التي تضحك، وروايات مملة مخلة والجدوى من وراءها ضعيفة, ويقصون تجارباً للبشر، وكل هذه لا تكاد تثبت في القلوب كما يثبت قول الله وكما يثبت حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالت أم المؤمنين عائشة : (لم يكن صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم, إنما كان يتكلم كلاماً لو عدَّه العاد لأحصاه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن قصر خطبة الرجل وطول الصلاة مئنة من فقهه) يعني: متوقفة على فقه الرجل.
فيجدر بإخواننا -الذي هم دعاة وخطباء في المساجد- أن يركزوا في خطبهم على المادة العلمية الصحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله, فسر للناس آية من كتاب الله أو حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو اشرح لهم مسألة من مسائل الفقه، وكيف يجمع بين هذه الآية وهذا الحديث؟ كيف يزال الاضطراب الذي قد يتوهمه شخص بين هذه الآية وبين تلك الآية؟ حتى يخرج الناس وقد تعلموا شيئاً من كتاب ربهم ومن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، أما أن تحكي لهم تجاربك الشخصية ومغامراتك وقصصك وخيالاتك، فكل هذا لا نفع فيه, إنما النفع بالدرجة الأولى في كتاب الله وفي سنة رسول الله، وأنت إذا بلغت عن الله آية تثاب على تبليغها, وإذا بلغت عن رسول الله حديثاً تثاب على تبليغه، قال عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها)، لكن إذا حكيت للناس قصة فقد تخطئ في تلك القصة وقد تصيب, وقد تعطي الغرض منها من جانب، وتضر من جانب آخر, فلزاماً أن نكرس جهودنا في تبليغ كتاب الله عز وجل، وفي تبليغ حديث رسول الله!
وَهُوَ الْعَزِيزُ الغَفُور [الملك:2] العزيز: منيع الجناب عظيم السلطان لا يغلبه أحد, فهو لا يغالب ولا يمانع مما أراد, وإذا أراد الله شيئاً فلا راد لقضائه وإرادته, فالعزيز هو: منيع الجناب، عظيم السلطان، لا يغالب ولا يقهر سبحانه وتعالى.
(الْغَفُورُ) يدل هذا الاسم على سعة مغفرة الله سبحانه وتعالى, وعلى كثرة مغفرته سبحانه وتعالى, إذا علمت أن الله غفور دفع عنك اليأس من رحمة الله, فإن اليأس من رحمة الله كبيرة من الكبائر, ففي هذه الآية قال: (غفور)، وفي الآية الأخرى قال: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32], وفي الآية الثالثة: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيماً [النساء:110] وأضيفت إلى الغفور صفة الرحمة (يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)، وفي الآية الرابعة: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27].
فدلّت هذه الآيات وغيرها على سعة مغفرة الله سبحانه وتعالى (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) فمن ثمّ لا ينبغي أن يتسرب إليك شك في رحمة الله، وفي أن الله يقبل التوبة عن عباده, ولا ينبغي أن يتسرب إليك القنوط، وقد قدمنا بحثاً في هذا الباب.
ولما ذكر الزهري رحمه الله تعالى الحديث الذي فيه: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها, لا هي أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت) وذكر أيضاً حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: (إن رجلاً ممن كان قبلكم لما حضرته الوفاة قال لبنيه: أي بني! أي أب كنت لكم؟ قالوا: كنت خير أب, قال: الأب لم يبتئر -أي: لم يدخر- خيراً قط, فإذا أنا مت فحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم في يوم عاصف, فلئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين, فلما مات وفعلوا به ذلك، قال الله له: كن رجلاً, فإذا هو رجل قائم بين يدي الله! فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك يا رب! فغفر له) روى الزهري الحديثين -كما في صحيح مسلم- وبعد أن ذكر الحديثين، قال ما حاصله: حتى لا ييئس أحد من رحمة، ولا يغتر أحد بسعة عفو الله سبحانه وتعالى.
لكن هنا: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا [الملك:3] أي: سماء فوق سماء، ثم سماء فوق سماء، إلى آخره، أو كل ما علا يطلق عليه: سما, يقال: سما فلان، أي: علا فلان, فالسماوات أطلق عليهن سماوات لعلوها وارتفاع مكانها.
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [الملك:3] أي: لا ترى خللاً ولا ترى ثقباً في هذه السماوات كما قال تعالى: وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6], فلا ثقب فيها، ولا تشقق فيها، ولا تصدع فيها.
قال تعالى: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [الملك:3] وأصل الفطور التشقق، (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تفطّرت قدماه) أي: تشققت قدماه، (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) أي: هل ترى من شقوق؟!
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك:4] أي: مرتين أخريين بعد المرة الأولى, أي: انظر إلى السماء مرتين أخريين، وركز البصر هل تكتشف فيها ثقوباً أو لا؟
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ [الملك:4] أي: يرجع, ومنه قوله تعالى: وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:31] أي: رجعوا, ومنه قول صفية بنت حيي : (قام معي النبي صلى الله عليه وسلم ليقلبني إلى بيتي)، أي: يرجعني إلى بيتي، يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4] الخاسئ: المطرود المبعد, فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65] أي: مطرودين مبعدين, ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـابن صياد : (اخسأ! فلن تعدو قدرك), فالخاسئ هو: المطرود.
(يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا ) مبعداً طريداً (وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي: كليل, فالحسير: المتعب الكليل، (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ) يعني: إذا فكرت أن تكتشف في السماء ثقباً أو خللاً أو عيباً في بنائها فانظر وركز النظر, ثم أعد النظر مرتين, ففي كل مرة من هذه النظرات سينقلب إليك البصر فاشلاً في الاكتشاف، وسيرجع ذليلاً مطروداً خاسئاً كما قال تعالى: (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ) ففي الآية حث على التفكر في مخلوقات الله, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (يقوم من الليل فينظر إلى السماء ويقرأ هذه الآيات، وهي خواتيم آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ [آل عمران:190-191] -أي: ما خلقت هذا أبداً عبثاً ولا لهواً- فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191] إلى آخر الآيات العشر).
فيجدر بالعبد أن يتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وهذا علم ضيعه الأكثرون, علم التفكر في مخلوقات الله, والنظر في آثار المتقدمين والمتأخرين والاعتبار بهم, والاعتبار بمخلوقات الله كما قال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20] كل هذا نوع من أنواع العلوم شغل الناس عنه ببهرج وزخارف الحياة الدنيا.
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) أي: جعلنا هذه النجوم رجوماً للشياطين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومسترق السمع هكذا بعضهم فوق بعض, يتسمعون الملأ الأعلى, فيسمعون إلى الملائكة وهم يتكلمون في العنان, فيخطف أحدهم -أي: الجني- الكلمة خطفاً, فيتبعه شهاب ثاقب)وكما قال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ [الصافات:6-9].
فالجن كانت تتنصت في السماء، وتستمع إلى الملائكة التي تتحدث فيها, وتختطف الأخبار وتنزل بها على الكهنة, فبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم شددت الحراسة على السماء كما قالت الجن: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا [الجن:9] أي: من السماء, مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ [الجن:9] أي: للتجسس والتصنت فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن:9], بعد بعثة الرسول شددت الحراسة على السماء وأصبح أي جني يستمع يأتيه شهاب يحرقه إما قبل أن يلقي الكلمة على فم الكاهن، وإما بعد أن يلقيها على فم الكاهن (فيكذب الكاهن معها مائة كذبة) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشاهد: أن الله قال: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) فالنجوم من فوائدها: أنها زينة للسماء الدنيا, (وَجَعَلْنَاهَا) أي: جعلنا هذه المصابيح أيضاً رجوماً للشياطين, وهل قوله: (وَجَعَلْنَاهَا) من باب: أكلت رغيفاً ونصفه, ومن باب: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] أو من باب آخر؟
ومعنى قولهم: أكلت رغيفاً ونصفه، أي: أكلت رغيفاً ونصف رغيف آخر, ومعنى قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ [فاطر:11] أي: من عمر معمر آخر، فكذلك هنا هل يقال: من النجوم نجوم زينة للحياة الدنيا, ونجوم أخر لرجم الشياطين, أم أن الكواكب التي هي زينة هي نفسها التي ترجم الشياطين؟
للعلماء في ذلك قولان، ولعل هذا واضح.
(وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) من أهل العلم من قال: إن السعير إحدى دركات النار, وقد سلف أن منهم من قال: هناك الحطمة, وجهنم, والسعير, ولظى, إلى غير ذلك.
وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ [الملك:5-6] للشياطين عذاب السعير, وللذين كفروا من الآدميين عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الملك:6], ولا يمنع أن يدخل الجن جهنم أيضاً، ويدخل الإنس السعير أيضاً بدليل قوله تعالى مخبراً عن قول الجن: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:14-15] فمن الجن من يدخل جهنم, وهذا على القول بأن جهنم دركة، والسعير دركة أخرى، أما إذا قيل: إن جهنم والسعير ولظى والحطمة كلها مسمى لشيء واحد وهو النار على اختلاف دركاتها؛ فلا إشكال، وهو قول تبناه عدد من أهل العلم.
(وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الذي يصيرون إليه.
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ [الملك:7] فيه دليل على أن النار لها شهيق, ولها أيضاً زفير كما قال تعالى: إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الفرقان:12] فإن قال قائل: لماذا عبر في هذه الآية الكريمة بلفظ: الشهيق، وفي الآية الأخرى بلفظ الزفير؟
الشهيق -كما هو معلوم لديكم- إدخال الهواء بشدة إلى الجوف, فكأن جهنم عندما يلقى فيها الكفار تشهق شهقة تأخذهم وتسحبهم إلى جوفها من الداخل، أما (إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) فكأنها كانت تكتم شيئاً في صدرها، فأخرجت النفس ارتياحاً لأنها رأت بغيتها! فلما رأتهم من مكان بعيد أخرجت الهواء الذي بداخلها ثم لما ألقوا فيها سحبتهم بشهيق زائد حتى أدخلتهم في جوفها حتى يتمكنوا فيها من الداخل, والله أعلم.
قال تعالى: (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ) تفور: تغلي, فالنار لها شهيق، ولها زفير، وهي تتكلم, وهي أيضاً تتغيظ كما قال تعالى: (إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) وكل هذه صفات للنار على وجه الإجمال، وهي تتكلم كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يخرج عنق من النار فيقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد, وبمن جعل مع الله إلهاً آخر, وبالمصورين).
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك:8] يعني: تكاد أن تتقطع قطعاً من شدة تغيظها على الكفار, وذكر بعض علماء الحيوان أن من الحيات حيات شديدة التغيظ على بني آدم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الحيات على وجه الإجمال: (والله ما سالمناهن منذ حاربناهن) فبين الحيات وبين بني آدم عداوات منذ أن بدأت بينهما الحرب, ومتى بدأت هذه الحرب بينهما؟ الله أعلم بالتحديد, لكن في بعض الروايات الإسرائيلية وبعض آثار السلف أن هذا بدأ منذ إخراج آدم من الجنة عليه السلام، الشاهد: أنهم يذكرون أن من أنواع الحيات حيات شديدة التغيظ جداً على بني آدم, كلها غيظ عليك, إذا رأتك من مكان بعيد دفعت برأسها وطارت إليك! ويسمع لها دوي هائل وهي في الطريق إليك, فإذا صادفتك خرقت جسمك ودخلت من ناحية وخرجت من ناحية أخرى!! وذكروا مخرجاً من هذه الحيات فقالوا: إذا سمعت صوتها في الهواء، وهي متجهة إليك، فانبطح على الأرض على بطنك, فإذا نزلت بجوارك ولم تصب مرادها منك، تقطعت قطعاً من شدة غيظها، وتتفتت أمامك!! فالغيظ يفتتها قطعاً!
فجهنم يقول الله عنها: (تَكَادُ تَمَيَّزُ) والتميز: التقطع والانفصال, ومنه قوله تعالى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس:59] أي: انفصلوا اليوم أيها المجرمون، فـ(تكاد تميز من الغيظ) أي: تكاد تتقطع النار من شدة غيظها على الكفار, انظر إذا كنت متغيظاً على شخص ثم تمكنت منه كيف تكاد تتقطع منه؟!
أما ما جاء أن رضوان خازن الجنة فلا أعلم فيه خبراً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا [الزمر:71] فالخزنة تسعة عشر لقوله تعالى: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30] ولماذا تسعة عشر؟ لماذا هذا العدد بالذات؟ جعل الله هذا العدد فتنة: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ [المدثر:31] أي: عددهم إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:31]، لكن هل الخزنة هؤلاء لهم أتباع أو ليس لهم أتباع؟ وكذلك ملك الموت هل هو ملك واحد أم هم عدة ملائكة كبيرهم واحد وهو يأمرهم بالأمر وهم ينفذونه؟
من العلماء من قال: إن ملك الموت الكبير واحد, وله أتباع لقوله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61] ومن العلماء من قال: هو واحد بلا أتباع لقوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة:11]، فهل يقال أيضاً في خزنة النار: إن الكبار هم التسعة عشر، ولهم أتباع أو نمسك عن ذلك إلى أن تأتينا نصوص أخر؟
هناك دليل قد يشهد للقول بأن لهم أتباعاً، وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه -وإن كان فيه نوع انتقاد- قال: (يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) في تفسير قوله تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23].
قال سبحانه: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا) الخزنة أي: القائمين عليها, ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الخازن الأمين إذا أعطى ما أمره به سيده فهو أحد المتصدقين) الخازن الأمين يكون -مثلاً- خازناً لرجل ثري, أو لرجل له تجارات, فيكون قائماً على المخزن فيقول له: اعط فلاناً كذا, فقد يكون الخازن بخيلاً لا يريد أن يعطيه أصلاً، ومنهم من يكون سهلاً يقول له: خذ تفضل، فهذا أحد المتصدقين.
يقول الله سبحانه: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ [الملك:8-9] صار الكلام الآن على لسان الملائكة, فالملائكة ترد عليهم وتقول: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ [الملك:9], وهذا واضح، فقد يكون الخطاب على وتيرة واحدة ثم يتحول من شخص إلى شخص آخر, كما في قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:51-52] القائل: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) هم الكفار, هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52] كثير من المفسرين يقولون: إن القائلين: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) هم الملائكة، فالكفار يقولون: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) فتقول الملائكة: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ), ومنهم من يقول: هي أيضاً من قول الكفار، فهنا قوله تعالى: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) فترد الملائكة عليهم: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ).
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10] نادوا على أنفسهم بالغباء وبالجهل, نادوا على أنفسهم على رءوس الأشهاد بأنهم كانوا في الدنيا أغبياء جهلة.
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا [الملك:11] أي: بعداً وهلاكاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:11].
استدل بعض أهل العلم بقوله تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8] على مسألة العذر بالجهل, وأورد الشنقيطي في أضواء البيان هذه الآية في جملة الآيات التي يستدل بها على مسألة العذر بالجهل, والآيات الأخرى التي على شاكلتها هي قوله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165], وقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15], وقول الحواريين لعيسى: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ [المائدة:112] فالشك في قدرة الله كفر, لكنهم ما كفروا بسبب جهلهم، وقول بني إسرائيل لموسى: يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138], وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ), وقول ذلك الرجل كما في الحديث: (لئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين) وسجود بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرد النهي، في جملة استدلالات استدلوا بها على مسألة العذر بالجهل, والحاصل: أن من فعل شركاً وهو جاهل لا يؤاخذ بهذا الشرك مادام يشهد أن لا إله إلا الله، ويشهد أن محمداً رسول الله, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
الجواب: صحيح هذا باب يجب أن ينبه عليه, حتى لا يكون هؤلاء أشقياء في الدنيا وأشقياء في الآخرة, فجدير بنا أن نذكرهم ونعينهم على أنفسهم, وقت الصلاة لابد من إيقافهم وإدخالهم المسجد، وينبغي للعمال أن يرتبوا أنفسهم من بداية الخلطة على أن الخلطة تنتهي عند وقت الصلاة.
الجواب: أنت الآن آثم وظالم, أولاً: أخذت غير دراجتك.
ثانياً: اتهمت أناساً بناء على اتهام أمين الشرطة, ووقعت على ذلك, فإذا أخذت شيئاً ليس لك فأنت كالسارق، وقد ظلمت عباداً لله سبحانه وتعالى.
السائل: ثم قال لي: بعد يومين ستستلم الدراجة, ثم بعثت إلي النيابة لأحضر للتحقيق أمامها, فذهبت وأنكرت اتهامي للمتهمين!
الشيخ: أحسنت.
السائل: ثم أبديت موافقة على أن هذه الدراجة التي رأيتها في المحضر ملكي, ثم وقعت على ذلك؟
الشيخ: ماذا تريد؟ أنت -أولاً وأخيراً- مسرف على نفسك، كان الواجب عليك إذا سُئلت: الدراجة لك؟ تقول: لا، ليست لي، ليست حقي.
وإن سئلت: هل تتهم فلاناً؟
تقول: لا أتهم فلاناً, وانتهى الأمر.
أما كونك ترتكب جرائم في حق الناس وتريد أن نحلها لك!! عليك الآن أن تستغفر الله, وإن استطعت أن تبرئ من اتهمتهم أبرأته، وعليك أن ترد ما ليس لك باختصار, لا تأخذ شيئاً ليس لك, ولا تتهم إنساناً بريئاً.
فإن صدر منك شيء، فاجتهد أن تتحلل من كل شيء ارتكبته في حق الناس.
الجواب: الوضوء قبل الحدث الأكبر لا يجب, ويجزئ أن تغسل كل جسمك مرة واحدة ولو بالدش مرة واحدة, لكن إذا أحدثت حدثاً أصغر في نصف الاغتسال فأقول لك من باب الاحتياط: ابدأ غسلك من جديد, والله أعلم.
الجواب: يجوز إذا لم تكن ستسافر بلا محرم، وكان لها مكان آمن تستقر فيه هنالك, إذا وصلتها أنت إلى مكان آمن، مثلاً: كلية داخلها جمعية للبنات, وأنت توصلها إلى هناك، وإذا أرادت أن ترجع أرجعتها بنفسك, والمكان آمن، كله بنات مع بعضهن البعض، فهذا يجوز مع أن الأولى ترك ذلك, والله أعلم.
الجواب: نعم هذا صحيح, والعلماء يذكرون هذا خاصة في النساء إذا جامع الرجل زوجته وبعد أن جامعها قامت سريعاً فاغتسلت, وبعد أن اغتسلت خرج منها مني الرجل, فيقولون: يلزمها الوضوء فقط.
وكذلك الرجل إذا قضى حاجته وبعدما استنجى خرج منه السائل الأبيض, فيتوضأ ويغسل ذكره, وهذا ودي لأن من صفات المني الذي يوجب الاغتسال: أن يخرج بشهوة وبدفق ويتبعه فتور, كما قال العلماء في وصفه: يخرج بشهوة وبدفق ويتبعه فتور, والذي حدث عند السائل -أظنه والله أعلم- من باب الودي، وليس منياً، والله أعلم.
الجواب: يا إخوان! الأخ الملتزم والأخت الملتزمة اصطلاحات جديدة لم تكن دارجة بين أصحاب الرسول, الملتزم والملتزمة هذه الألفاظ ابتعدوا عنها، قولوا كما قال الله: إنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] تلك اصطلاحات دخلت في أوساطنا، واستعلمها حتى بعض المشايخ!! هذا كتاب الله ليس فيه كلمة ملتزم, وكذلك سنة الرسول، قولوا: الصالحات والطيبات بالاصطلاحات التي في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26], قولوا: عبد الله، رجل صالح, هذه الألفاظ نريد أن نعيدها بدل الأخ الملتزم والأخت الملتزمة, حتى في اصطلاحات البيوت يأتيك فيها جديد، يقول لك: عم فلان! والصواب عمك فلان، الآن يقول الأب لابنه إذا جاءهم شخص غريب: هذا عم فلان!! لم لا يقول: هذا عمك فلان، ويقول: خالة فلانة! لم لا يقول: خالتك فلانة؟ هذه تعديلات حصلت على الاصطلاحات التي كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والناس ينساقون وراءها ولا يفكرون, كلٌ يأخذ من فم الآخر ويطبق, فيجب أن تأخذ الذي صدر من في الرسول عليه الصلاة والسلام وتطبقه.
أما فيما يتعلق بالإجابة على السؤال فلأقول: ليس عليه إثم, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل).
الجواب: مع احترامنا له هو جاهل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا تدافعت الأمور اختار الأيسر منها, مثلاً: خطأان لازم أن تقع في واحد منهما فاختر الخطأ الأقل, والحاصل هنا أن أحد الخطأين هو أن أؤذي جاري وأضر بالمسلم الذي بجواري وأؤلمه طول الصلاة والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن إيذاء الجار، والخطأ الثاني أن أترك سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وهي لا تخل بصحة الصلاة ولا تؤثر على سلامتها, الصواب أن أختار أخف الضررين فإن الرسول (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)، والنبي يقول: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) يعني: صل على الحال التي تستطيع, إذا ما استطعت أن تصلي قائماً صل جالساً, وإذا ما استطعت أن تصلي جالساً صل مضطجعاً, وإذا ما استطعت أن تصلي مضطجعاً أومئ إيماءً بعينك, وإذا ما استطعت أن تومئ بعينك مرر أركان الصلاة على قلبك، لكن أن تؤذي عبداً من عباد الله بجوارك وتزعم أنك مطبق للسنة!! هذا ضرب من ضروب الجهل يا إخوة! لأنه حصر السنة في التورك فقط, وغفل أن من سنة الرسول أنه بالمؤمنين رءوف رحيم صلى الله عليه وسلم.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى, والسلام عليكم ورحمة الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر