بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى جميع المرسلين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام! السلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة.
تقدم معنا الكلام في فضل التفقه، وتقدم معنا الكلام كذلك عما ينبغي للمسلم فعله من أجل أن يحصل ثقافة شرعية صحيحة، وبقي أن أقول: إن الفتوى هي الإخبار بحكم شرعي جواباً عن سؤال سائل، وهذه الفتوى منزلتها من الدين عظيمة، فقد تولاها رب العالمين جل جلاله بنفسه فقال سبحانه: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [النساء:127]، وقال تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176].
وتولاها كذلك خير البشر وسيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فحين كان يسأل الصحابة رضوان الله عليهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن الأشربة، وعن الألبسة، وعن الأنكحة، ويسألونه عن علامات الساعة وغير ذلك، كان صلى الله عليه وسلم يجيبهم.
وكذلك تولاها من بعده أكابر أصحابه وفضلاؤهم كـأبي بكر و عمر و عثمان و علي و أبي بن كعب و معاذ بن جبل و عبد الله بن عباس و أبي هريرة و أبي موسى الأشعري و عبد الله بن عمر رضوان الله على الجميع.
والمفتي كما قال الإمام القرافي من المالكية: هو ترجمان عن الله عز وجل، فعده القرافي ترجماناً عن الله.
وكذلك الإمام ابن القيم رحمه الله عده موقعاً عن الله، ولذلك كتب سفره القيم الذي سماه: إعلام الموقعين عن رب العالمين، وقال: إذا كان التوقيع عن الملوك بالمكان الذي لا يجهل، والمنزلة التي لا تنكر، فكيف بالتوقيع عن رب الأرض والسموات، يعني: لو أن ملكاً من ملوك الأرض خول واحداً من الناس سلطة التوقيع عنه في القرارات والمراسيم لكانت منزلة عظيمة، فالمفتي حين يقول: هذا حلال وهذا حرام، فإنما يوقع عن رب الأرض والسموات جل جلاله.
ومن هنا أقول: إن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم، فينبغي للواحد منا أن يتوقف وأن يتردد قبل أن يقول على الله ما لا يعلم، ونعوذ بالله من أن نتكلف ما لا نحسن أو نقول على الله ما لا نعلم، وربنا جل جلاله قال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال سبحانه: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117]، وقال سبحانه: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:68-70]، وقال سبحانه: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].
والشرك حقيقته قول على الله بغير علم كما قال سبحانه: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:4-5].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار )، وكان صلوات ربي وسلامه عليه وهو أعلم الناس، وأفقه الناس، وأتقى الناس، وأخشى الناس، كان يسأل عن الشيء أحياناً فيقول: لا أدري، وكان يسأل عن الشيء أحياناً فيصمت حتى ينزل عليه الوحي، فلما جاءه رجل وسأله عن شر البقاع سكت عليه الصلاة والسلام وقال: لا أدري حتى أسأل جبريل، فلما جاء جبريل سأله عليه الصلاة والسلام فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، ثم أتى بالجواب فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن أحب البلاد إلى الله المساجد، وإن أبغض البلاد إلى الله الأسواق )، ولما سأله رجل عن الساعة سكت عليه الصلاة والسلام حتى ظن الصحابة أنه قد كره مسألته، ثم قال: ( أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، غير أني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: أبشر، فإن المرء مع من أحب ) ، وتلا عليه قول ربه جل جلاله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70].
ولما جاءت امرأة سعد بن الربيع رضي الله عنهما فقالت: ( يا رسول الله! إن سعداً قد هلك يوم أحد، وقد ترك بنتين فجاء عمهما فأخذ مالهما، ولا تنكحان إلا بمال، فسكت عليه الصلاة والسلام حتى نزلت آية النساء: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11] إلى آخر الآية، فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم عم تلك البنتين وقال: أعط البنتين الثلثين وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك ).
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أورع الناس في الفتيا، فقد روى الإمام الدارمي رحمه الله في سننه: باب تورع السلف عن الفتيا، وذكر بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل أحدهم عن الفتيا إلا ود لو أن أخاه كفاه، ولا يحدث أحدهم بالحديث إلا ود لو أن أخاه كفاه.
وروى عن الشعبي رحمه الله أن رجلاً سأله قال له: كيف كنتم تصنعون إذا عرضت لكم فتيا؟ فقال: على الخبير سقطت، كان الواحد يحيل على أخيه، والآخر يحيل على الآخر حتى ترجع إلى الأول.
والإمام أبو عبد الله مالك بن أنس رحمه الله لما جاءه رجل من أهل اليمن، وسأله عن ثمانٍ وأربعين مسألة أجابه مالك في ست عشرة مسألة، وقال في اثنتين وثلاثين: لا أدري، فقال له الرجل: جئتك من اليمن وتقول: لا أدري، قال: نعم لا أدري، فقال: وماذا أقول للناس؟ قال: قل لهم: مالك بن أنس لا يدري، فقال له: أما تستحي؟ فقال له مالك رحمه الله: لكن الملائكة ما استحت حينما قالت: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32].
والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه نشأ في بيت علم ودين وهدى، هذا الرجل المبارك لما سألة بعض الناس عن مسألة، فقال له القاسم بن محمد : لا أدري، فقال له شيخ من قريش جالس: ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم، فقال له القاسم : والله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول على الله ما لا أعلم.
وكان علي رضي الله عنه يقول: وا بردها على الكبد! قيل له: وما ذاك؟ قال: أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول: لا أعلم.
وقال عبد الله بن مسعود : إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون، وقال: أيها الناس! من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم، فقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86].
وللعلم إنما أقول هذا الكلام لأن كثيراً من الناس يجترئون على الفتيا، فقد تجد الواحد منهم قليل البضاعة يسير العلم، وقد تجد بعضهم لا علم له أصلاً، وإنما يتقحم الأمر تقحماً، ويجترئ عليه جرأةً غير محمودة، ولذلك ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله لما دخل عليه بعض الناس وجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ قال: استفتي من لا علم عنده، لبعض من يفتي هنا أولى بالسجن من السراق، يعني: أنها جرت عادة الناس أن السارق يسجن، فيقول: إن بعض الناس يفتي وهو أولى بالسجن من السراق.
ويشتد الأمر خطورة إذا تعلق الأمر بتفسير القرآن، فالواجب على المسلم أن يتوقف، وأن يتحسس ما يقول، وأن يتأمل فيما ينطق به؛ لأنه يتحدث عن أفضل الكلام وأعلاه وأغلاه وأحسنه، نعوذ بالله أن نقول على الله ما لا نعلم، فتجد بعض الناس يُسأل، فيقول: هذه الآية واضحة ثم يقتحم بغير علم، وفي الحديث: ( من قال برأيه في كتاب الله فأصاب فقد أخطأ )، وهؤلاء أكابر العلماء وأجلة الفقهاء وسادات المسلمين كانوا يتورعون، فأبو بكر رضي الله عنه لما سئل عن آية قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم، ولما سئل عن قوله تعالى: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا [عبس:31]، ما معنى الأب؟ توقف رضي الله عنه. وكذلك عمر بن الخطاب لما كان على المنبر، فقرأ قول الله عز وجل: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:45-47]، قال: التخوف؟ ثم قال: وماذا على ابن أم عمر أن يجهل آية في كتاب الله، وهكذا عبد الله بن عباس و علي بن أبي طالب ، وغيرهم رضوان الله عليهم، رغم علمهم بلغة العرب، ورغم معاصرتهم للتنزيل، ورغم مخالطتهم للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، كانوا يتوقفون ويترددون قبل أن يقولوا في كتاب الله ويتكلمون.
ولذلك أقول: لا ينبغي للإنسان أن يجترئ على الخوض في تفسير القرآن بغير علم.
وقل مثل ذلك في رواية السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن بعض الناس ربما جاءه حديث في بريده الإلكتروني مثلاً، أو ربما وجد ورقة توزع مكتوباً فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيطبعها، وينسخها ويبدأ يوزعها قبل أن يسأل: هل هذا الكلام يصح نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو لا؟ وهل تحل روايته أو لا؟ فلا يتثبت منه ولا يتوقف عنده، بل يخبط خبط عشواء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين )، ويقول بعض التابعين: صحبت عبد الله بن مسعود سنة، فما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، وتغير وجهه، وتصبب منه العرق، ثم قال: أو فوق ذلك أو دون ذلك، يعني: هذا الكلام الذي قلته لكم قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال ما هو أزيد من ذلك، أو هو ما دون ذلك، وهذا من ورعهم رضوان الله عليهم.
فينبغي أن نتورع حين الخوض في تفسير القرآن، ونتورع في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي أن نتورع حين نقول: هذا حلال وهذا حرام.
وللأسف الآن يتجرأ كثير من غير المختصين على الخوض في المسائل الشرعية بدعوى أنها خفيفة سهلة، وربما بعض الناس تحت ضغط الواقع يقول: هذا حلال أو هذا حرام دون أن يتثبت ودون أن يتبين، ولذلك علينا أن ندعو دائماً بأن يسلمنا ربنا، وأن يسلم الناس منا حتى نخرج لا لنا ولا علينا.
أسأل الله أن يحفظنا والمسلمين أجمعين.
المتصل: شيخ بارك الله فيك! لدي بعض الأسئلة أرجو الإجابة عليها.
السؤال الأول: ما المقصود بتخاصم أهل النار؟
السؤال الثاني: نقرأ في كثير من كتب تفسير الأحاديث فيقول: هذا الحديث ضعفه الألباني ، فنريد أن نعرف الألباني هذا هل هو بنفس درجة البخاري و مسلم أم أقل منهما درجة؟
السؤال الثالث: ما هي أقصى فترة لختم القرآن؛ لأني أحياناً أختمه مرة في كل شهر، وأحياناً في كل شهرين؟
السؤال: متى يبدأ ثلث الليل الآخر؟ ومتى ينتهي؟ ومتى دخول وقت السحر؟
الجواب: ثلث الليل الآخر ليس له ساعة محددة يدخل فيها، وإنما الإنسان يحسب من بداية الليل عند غروب الشمس إلى طلوع الفجر -وهو نهاية الليل- ثم يقسمها ثلاثاً، فمثلاً: في يومنا هذا الشمس غربت في السادسة وأربعين دقيقة، والفجر مثلاً يطلع في الساعة الخامسة وخمسين دقيقة، فالليل كله حوالي إحدى عشرة ساعة، فلو أن الإنسان قسمها ثلاثة أقسام فإنه يتبين له متى يدخل ثلث الليل الآخر، وأما السحر فإنه يكون في سدس الليل الآخر، يعني: في النصف الثاني من الثلث الأخير من الليل.
السؤال: الدعاء بين الأذان والإقامة من أوقات الإجابة، فكيف ذلك للمرأة في بيتها؟
الجواب: المرأة في بيتها تدعو بين الأذان والإقامة، ودعاؤها مستجاب، وكذلك لو دعت في السجود فدعاؤها مستجاب، ولو دعت دبر الصلوات المكتوبات كذلك مستجاب، ولو دعت عند نزول الغيث فمستجاب أيضاً، ولو دعت عند الاضطرار أو في الصيام أو عند الإفطار فهذه كلها من الأوقات التي هي مظان الإجابة إن شاء الله.
السؤال: توفي رجل وترك أماً، وأخاً لأم، وأخوين لأب، فما نصيب كل منهم؟
الجواب: الأم لها السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة، والأخ لأم له السدس للانفراد، والباقي لإخوته من الأب تعصيباً، والله تعالى أعلم.
السؤال: أخونا صالح يقول: ما هو تخاصم أهل النار؟
الجواب: لو قرأت ما قبلها لعلمت، لما قال الله عز وجل: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ص:64]، قبلها بين ربنا جل جلاله عذاب أهل النار، إلى أن قال: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ [ص:57-59]، يعني: أهل النار يقولون للفوج المقتحم: لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار، قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ [ص:60-61]، فهكذا يخاصم بعضهم بعضاً، وفي آية أخرى قال الله عز وجل: يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ [سبأ:31-33]، وفي آية ثالثة يقول الله عز وجل: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:67-68]، وقال سبحانه: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38]، وفي آية أخرى بين ربنا جل جلاله أن الخصومة تحصل بين أهل النار وبين الشيطان: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22]، بل أكثر من ذلك والعياذ بالله الواحد في النار يخاصم أعضاءه حين تشهد عليه كما قال ربنا: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، وكما قال ربنا جل جلاله: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:19-20]، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت:21-23]، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الأعضاء إذا شهدت على صاحبها بما كان يأتي من المعاصي، وما كان يقع فيه من الفسوق، فإنه يقول لأعضائه: تعساً لكن وبعداً، فعنكن كنت أناضل، يعني: لما كانت هذه الأعضاء تصاب بشيء في الدنيا فإن الإنسان كان يسارع إلى طلب العلاج، وكان يسعى في الفكاك من المرض، ويحفظ هذه الأعضاء ويكنها، لكنها يوم القيامة تشهد عليه، نسأل الله أن يقينا عذابه ولا يخزينا يوم يبعثون.
المتصل: بارك الله فيك يا شيخ! لدي مجموعة أسئلة أرجو الإجابة عليها.
السؤال الأول: عندنا واحد هنا في كسلا يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم صلوا معهم صلاة الفجر يقظة لا مناماً، فهل يصح ذلك؟
السؤال الثاني: بعض الشيوخ يقول للمسحور أن يشرب من ريق الشخص الذي سحره، فما حكم الدين في هذا؟
السؤال الثالث: أسأل عن سيدنا عمر رضي الله عنه، لماذا عزل سعد بن أبي وقاص لما ادعى عليه رجل في العراق بالكذب؟
السؤال الرابع: عندنا في منطقتنا تزوج رجلان كل واحد منهما بابنة الآخر، فما حكم الشرع في هذا؟
السؤال الخامس: ما رأيك فيما يفعله الناس في دفن الجنازة، فأحياناً يدفنونها في مقابر تبعد خمسة عشر كيلو متراً، ويتركون المقابر القريبة؟
السؤال السادس: ما رأيك في الناس الذين يزورون قبر شيخهم الميت ويقولون: إننا عندما نزوره سبعة أيام أو ثمانية أيام فإنه يحقق لنا الشيء الذي نريده، مع العلم أنهم يتبركون بتراب القبر؟
السؤال: أسأل عن كيفية بيع وشراء الذهب، فأنا مرة اشتريت ذهباً وبقي علي شيء من قيمته، فالبائع قال لي: يا أخي! خذ الذهب وأعطني الباقي وقتاً آخر، فأخذت الذهب ثم في اليوم الثاني أعطيته باقي القيمة، فما الحكم؟
الجواب: يا أخانا! الذهب سلعة لا كالسلع؛ ومثله الفضة، فالذهب والفضة جعلا أثماناً للأشياء، وهذان المعدنان فيهما من الخصائص ما ليس في غيرهما، ومن قديم الزمان والناس مجبولون على الاهتمام بهما، وإغلاء سعرهما، ومن خصائصهما أنه لا تؤثر فيهما العوامل التي تؤثر في غيرهما من المعادن، فلا يؤثر فيهما الحر ولا البرد ولا الماء ولا الهواء ولا غير ذلك.
ومن قديم الزمان الناس جعلوها أثماناً للأشياء وقيماً للمتلفات، وبها يتبايعون ويشترون، وإلى عهد قريب كانت العملة ليس لها قيمة إلا بمقدار غطائها من الذهب في البنوك المركزية في العالم كله، ولذلك الذهب ليس كسائر السلع في بيعه وشرائه؛ ولذلك فلا يجوز التعامل به إلا نقداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض )، بمعنى: لا تزيدوا، ( ولا تبيعوا غائباً منها بناجز )، بمعنى: أن الذهب لو أنني أردت أن أشتريه فلا بد أن يكون نقداً، وما يفعله بعض الناس من أنه يشتري ذهباً ولا يدفع شيئاً ويقول له: سآتيك بالقيمة بعد شهر أو بعد أسبوع أو بعد يوم، فهذا لا يصلح، ومثله لو نقده بعض الثمن وجعل بعضه نسيئة فهذا لا يصلح، بل لا بد أن يكون بيعه بالنقد في مجلس العقد.
وبعض الناس يذهب فيستبدل ذهباً بذهب بزيادة، فنقول: هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب مثلاً بمثل ). لكن بعض النساء يكون عندها ذهب قديم وتريد ذهباً جديداً، فنقول لها: لا بد من عقدين منفصلين: فتبيع القديم وتأخذ الثمن، ثم بعد ذلك تشتري ما تريد، إما من البائع نفسه، وإما من غيره، والبعض قد يقول: ما الفرق بين هذا وذاك؟ نقول: الفرق بأن هذا بيع وهذا ربا، وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا[البقرة:275].
السؤال: أخونا السائل قال: بأن أناساً مات لهم ميت فحملوا جنازته، وتركوا المقابر القريبة، وذهبوا إلى مقابر تبعد خمسة عشر كيلو متراً؟
الجواب: المطلوب تعجيل دفن الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أسرعوا بالجنازة، فإن يكن خيراً فخير تقدمونه لها، وإن يكن شراً فشر تضعونه عن رقابكم )، فلا ينبغي أن ينقل الميت إلى مكان بعيد، اللهم إلا ما قاله أهل العلم: إذا كان للمكان فضيلة كمكة زادها الله شرفاً، أو المدينة زادها الله نوراً، واستدلوا على ذلك بأن سعداً رضي الله عنه مات في قصره بالعقيق، ثم نقل رضي الله عنه فدفن في بقيع الغرقد، أما أن يموت الميت في مكان -خاصة مع تعثر حركة المرور وازدحام الشوارع- فنذهب به إلى مكانٍ بعيد فهذا لا ينبغي، فأرض الله كلها سواء.
وكما قال بعض الصالحين: اعلموا أن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس المرء عمله، فالدفن هنا أو هنا كلها سواء، فأرض الله سواء، وإذا كان عمل الميت صالحاً فإن قبره روضة من رياض الجنة ولو دفن في مكان ليس فيه مسلمون، ولو كان عمله سيئاً فقبره حفرة من حفر النار ولو دفن في البقيع، فهذه مسألة ينبغي أن تكون واضحة.
السؤال: أخونا السائل يقول: إن بعض الناس يزورون قبر شيخهم فيزورونه سبعة أيام متتابعة بزعم جلب البركة، وأنهم يأخذون شيئاً من التراب ويتمسحون به، أو يذوبونه ويشربون ماءه أو غير ذلك؟
الجواب: لا شك أن هذا كله من الضلال البعيد الذي ينبغي أن يتورع عنه المسلمون العقلاء، الذين فقهوا القرآن والسنة، وعلموا أن الله جل جلاله هو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يضر وينفع، وهو الذي يمرض ويشفي، وهو سبحانه بيده مقاليد كل شيء.
وزيارة القبور إنما شرعت من أجل أن نتذكر الآخرة، ومن أجل أن نسلم على الأموات، ومن أجل أن ندعو لهم، وهذا الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحون من بعده.
السؤال: أخونا آدم ذكر أن رجلين تزوج كل منهما ابنة الآخر، فما الحكم؟
الجواب: لا مانع من هذا إن شاء الله، ما لم يكن هناك سبب محرم من نسب أو رضاع، وما لم يكن نكاح شغار، فإن ( النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار )، والشغار معناه: أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، وليس بينهما مهر، وإنما كل منهما يجعل بنته فداء له، يعني: هي المهر في مقابل بنت الآخر، أو يقول له: زوجني أختك على أن أزوجك أختي، أو زوجني بنتك على أن أزوجك أختي، أو زوجني أختك على أن أزوجك بنتي، فإذا شغر النكاح من المهر، فهذا يسمى نكاح الشغار، وهو نكاح باطل؛ لأنه قائم على أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن المهر هذا حق للزوجة، كما قال ربنا جل جلاله: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4]، فليس من حق الوالد ولا من حق الأخ أن يفدي نفسه بصداق البنت، قال الله عز وجل: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4].
السؤال: أنا من كردفان، وسؤالي هو: كان عيد الأضحى الماضي موافقاً ليوم الجمعة، فالإمام عندما أراد أن يخطب للجمعة قام له أحد الحاضرين -لا نعلم أهو فقيه أم لا- وقال له: إنه لا يصح اجتماع أربع خطب في يوم واحد، بل إذا اجتمع العيد مع الجمعة فإنه يصلي ركعتين للجمعة دون خطبة، فهل هذا صحيح؟
الجواب: هذا ما قال به أحد من الأولين ولا من الآخرين، وهذا مذهب جديد ما شاء الله!! على كل حال هذا الرجل يحتاج إلى أن يسمع المقدمة التي ذكرت في بداية هذه الحلقة؛ لأنه قال على الله ما لا يعلم، وهذا قد مضى الكلام عنه.
أما بالنسبة لسؤاله فنبينا صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة العيد وكان في يوم جمعة، فقال: ( أيها الناس! قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، وقد أصبتم خيراً، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون )، فقال لهم: أنا سأصلي الجمعة، ولذلك قال أهل العلم: إنه واجب على إمام الجمعة أن يصلي الجمعة، أما الناس الذين صلوا العيد فهم بالخيار: إن شاءوا جاءوا إلى صلاة الجمعة وهو أفضل؛ لأنهم مقتدون بالنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وإن شاءوا صلوها ظهراً، وتبرأ بذلك ذمته إن شاء الله. لكن لم يقل أحد بأن الناس يصلون العيد، ثم يأتون في وقت الجمعة فيصلون ركعتين، فهذا الرجل قد افترى، ونعوذ بالله من الافتراء: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:144].
السؤال: أخونا عبد المنعم من بحري قال: لماذا عزل عمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما لما شكاه أهل الكوفة؟
الجواب: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ومن العشرة المبشرين بالجنة، و سعد بن أبي وقاص أيضاً من العشرة المبشرين بالجنة، وهو خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو سعد بن أبي وقاص الزهري ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفاخر به ويقول: ( هذا خالي، فليرني امرؤ من خاله )، وهو الذي فداه النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه، قال له: ( ارم فداك أبي وأمي )، وسعد كان والياً على الكوفة, فأكثر أهل الكوفة من شكايته، فبدءوا يكتبون لـعمر ويشكون سعداً ، فـعمر رضي الله عنه عزل سعداً ، وولى أبا موسى وقال له: انظر ما ينقمون من سعد ؟ فصار أبو موسى يدخل مساجد الكوفة مسجداً مسجداً، يسأل الناس ما تنقمون من سعد ؟ فكانوا لا يردون، حتى دخل مسجداً لبني عبس فقام رجل يقال له: أسامة بن قتادة فقال: إن سعداً لا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، ولا يحسن الصلاة، فقال سعد : والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسمعة، فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن، فالرجل طال عمره، وكثر عياله، وعظم فقره، وسقط حاجباه على عينيه من الكبر، وكان يتعرض للجواري في الطريق يغمزهن، يعني: يشاغل البنات كما يقال بلهجة أهل هذه البلاد، فكان يقال له: اتق الله، يعني: احترم سنك، أنت رجل كبير، وهذا الكلام لا يصلح منك، فكان يقول: أنا شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد ، والعياذ بالله.
فعمر رضي الله عنه عزل سعداً ، وقال له: والله إني لا أتهمك، ولكن كرهت أن تكون سنة، أن يكره الناس أميرهم فيجبرون عليه.
ويدل على ذلك: أن عمر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة -بعدما طعنه المجوسي أبو لؤلؤة لعنه الله- قيل له: ألا تستخلف؟ يعني: أنت ستتركنا هكذا من غير خليفة.
قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، يعني: أبا بكر ، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سمى ستة وهم: عثمان بن عفان ، و علي بن أبي طالب ، و سعد بن أبي وقاص ، و الزبير بن العوام ، و عبد الرحمن بن عوف ، و طلحة بن عبيد الله ، وقال: هؤلاء النفر قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فليختاروا من بينهم واحداً.
وفعلاً: بعدما دفن عمر اجتمع هؤلاء الستة ثلاثة لثلاثة، قال الزبير : أمري لـعلي ، وقال طلحة : أمري لـعثمان ، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: لـعثمان و علي اجعلوها لي أحكم بينكما، فبدأ عبد الرحمن يستشير الناس، فاستشار الرجال والنساء والصبيان، وهذا ما نسميه اليوم بالاستفتاء، استفتاء عام لأهل المدينة؛ لأن ذلك كان هو المتيسر في ذلك الوقت، ولا يمكن أن يستفتوا أهل الأمصار في العراق والشام ومصر، ومعلوم بأن المسافات كانت بعيدة، وليس هناك وسيلة للتنقل إلا الرواحل وما أشبهها، فلذلك اكتفوا أن يستفتوا أهل المدينة، ثم لما انقضت الليلة الثالثة جمع عبد الرحمن عثمان و علياً رضي الله عنهما، وأخذ عليهما عهد الله وميثاقه إن بويع لأحدهما أن يسمع الآخر ويطيع، وأن يسير بسيرة الشيخين من قبله، فلما أخذ عليهم العهود والمواثيق، قال: إني بلوت الناس أياماً ثلاثة، فما وجدتهم يعدلون بـعثمان أحداً، وبايعه علي رضوان الله على الجميع.
الخلاصة يا عبد المنعم : أن عمر ما عزل سعداً ؛ لأنه صدق تهم أهل الكوفة، وإنما كره أن تكون سنة، وذلك بأن يكره الناس أميرهم فيجبرون عليه.
السؤال: لدي مبلغ من المال وضعته في البنك، على نية شراء منزل، فمر عليه حول كامل ولم أشتر المنزل والمال قدره ثلاثون مليوناً، فهل علي الزكاة؟ وما نصاب ذلك؟ وهل أعطيها لأقرب الناس إلي؟
الجواب: نعم عليك زكاة، ومقدار ما ذكرته من مال فإنه قد بلغ النصاب نحواً من عشر مرات، فلتخرجي منها ربع العشر، وينبغي أن تعلمي بأن الزكاة تحسب بالحول الهجري، وليس بالحول الميلادي، يعني: بالحول القمري، فانظري في أي شهر هجري وضعت هذا المبلغ، فإذا حال مثله فيجب عليك أن تخرجي ربع العشر (2,5%).
الشيخ: أخونا عبد الماجد قال: إن بعض الناس يقول: إن المسحور يشرب من ريق الشخص الذي سحره؟
فأقول: يا أخي! إذا كنت تقصد العين؛ لأن بعض الناس يخلط بين العين والسحر، وبينهما فرق، فإن السحر لا يكون إلا من شرير ضال، أما العين فقد تكون من الإنسان الطيب، من الإنسان الذي لا يريد لك شراً، بل قد يعين الرجل ولده، وقد يعين زوجه، بل قد يعين بعض ماله، فمثلاً: ينظر إلى دابته أو سيارته أو كذا نظرة إعجاب ولا يذكر الله عز وجل، فيحدث تأثير العين بإذن الله، والعين قد تمرض وقد تقتل، فلذلك نقول: إنه إذا عرف العائن، الإنسان الذي أصيب بعينه فإنه يؤمر بأن يتوضأ وضوءاً مخصوصاً؛ فيغسل يديه ووجهه وركبته وداخلة إزاره، ثم يؤخذ هذا الماء فيصب على المعين بغتة دون أن ينتبه، فيصب عليه من ورائه فيبرأ بإذن الله، ودليل ذلك ما رواه مالك رحمه الله في الموطأ من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه: ( بأنه رآه عامر بن ربيعة وهو يتوضـأ، فقال: ما رأيت جلداً كاليوم قط، وكأنه جلد مخبئة -المخبئة الفتاة العذراء التي دائماً تكون في البيت وفي الظل، يكون جلدها ناعماً- فلُبط سهل في مكانه -يعني: أصيب في مكانه- ولما قيل له: من تتهم؟ قال: عامر بن ربيعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم تغيظ عليه وقال له: علامَ يقتل أحدكم أخاه، هلا بركته )، يعني: هلا قلت: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، أو ما شاء الله تبارك الله.
ولذلك أقول: الواحد منا إذا رأى مثلاً من الطفل الصغير شيئاً يعجبه، فليقل: ما شاء الله، فأحياناً بعض الأطفال يكون فصيح اللسان، أو ذكياً أو حاضر البديهة ونحو ذلك، فبعض الناس يعجب بكلامه ولا يذكر الله، أو يعجب ببعض أفعاله وحركاته ولا يذكر الله، فيصاب هذا الطفل البريء المسكين، فينبغي علينا دائماً أن نعود أنفسنا إذا رأينا ما يعجبنا أن نقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
السؤال: أخونا مصطفى من كسلا ذكر بأن إنساناً يقول: إنه يصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومع الخلفاء الأربعة يقظة لا مناماً؟
الجواب: حقيقة ليس لنا إلا أن نقول: بأنه مسكين؛ فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد فارق هذه الدنيا، وهو في قبره بالمدينة المنورة، حي حياة برزخية، أكمل من حياتنا وأنعم، ولا يعلم حقيقتها إلا الله جل في علاه.
أما ما يعتقد بعض الناس من أنه يحضر، أو أنه يدخل، أو كذا، أو أنه مد يده وسلم على بعض الناس، فهذا كله من الضلال، وقد اشتغل أئمتنا برد هذا وتزييفه، كالحافظ ابن حجر العسقلاني و القاضي عياض بن موسى وغيرهم رحمة الله على الجميع.
السؤال: زوجة أخينا صالح قالت: ما هي أقصى فترة لختمة القرآن؟
الجواب: أقول: ليس هناك تحديد شرعي لأقصى فترة، وإنما حسب الطاقة، فربما بعض الناس يختم في كل ثلاث مرة، وبعضهم يختم في كل سبع مرة، وبعضهم يختم في الشهر مرتين، وبعضهم يختم ثلاثاً، ولكن بعض أهل العلم كره أن يختم المسلم ختمة، يعني: يكون عنده في كل يوم جزء من القرآن، وغني عن البيان ههنا أن نذكر بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها )، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ( يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا )، لكن المطلوب أيضاً التدبر والتفهم، وكان بعض الصالحين يقول: لأن أقرأ آية من كتاب الله مع تدبر وتفهم أحب إلي من ختمة، فلا يكون هم أحدنا فقط أن يختم وإنما يتدبر ويتفهم.
السؤال: أخونا صالح يقول: بأن هناك أحاديث يقال: ضعفها الألباني أو صححها
الألباني
، ويقول: هل الألباني بمنزلة البخاري و مسلم ؟الجواب: أقول لك يا أخي الكريم: الشيخ ناصر الدين الألباني هو أحد علماء بلاد الشام، ممن فتح الله عليهم في علوم السنة، فعكف عليها زماناً طويلاً، يتتبع مخطوطاتها وينظر في كتبها، وأدمن قراءة كتب الحديث حتى صارت له ملكة في تمييز الصحيح من السقيم، وكان له جهد مشكور في تقريب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس، وعمل في ذلك عملاً طيباً، ونشر علماً كثيراً مباركاً فيه، نسأل الله أن يتغمده برحمته، وأن يسكنه فسيح جنته، وأن يتجاوز عنه فيما أخطأ فيه أو نسي، وأن يرحمنا جميعاً برحمته التي وسعت كل شيء، ولا نقول أبداً: بأن الألباني يضاهي أئمتنا المتقدمين، أبداً، فأولئك جهابذة وعلماء، وقد كتب الله لهم القبول، و الألباني رحمه الله، ومن كان مثله ومن كان فوقه هم دون ذلك بكثير، فلا نقارن الألباني بـالبخاري و مسلم وابن ماجه و الترمذي و الدارمي والإمام المبجل أحمد بن حنبل ولا بـالشافعي ولا بـمالك ، وإنما نقول: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ[البقرة:134]، لكنني أقول: بأن الشيخ الألباني رحمه الله بما آتاه الله من علم: هو حجة في علم الحديث، بل ومحدث هذا العصر، وقد شهد بذلك أكابر العلماء وجهابذة الفقهاء، وارتضوا أحكامه، وبينوا أن صوابه يغلب خطأه، وما هو بالمعصوم رحمه الله وغفر له.
السؤال: يقول: في يوم من أيام رمضان استيقظت بعد أذان الفجر وقبل الإقامة، فقمت بتناول شيء صغير من الأكل، مظنة أن الأكل بين الأذان الأخير وإقامة الصلاة يجوز، وفي اليوم الذي قبل ذلك اليوم، قدم لي أحد أفراد الأسرة كوب ماء بين الأذان الأخير والإقامة، فقلت له: إن ذلك لا يجوز، فماذا علي؟
الجواب: أنا أعجب منك؛ لأن المرة الأولى قلت: لا يجوز، والمرة الثانية أكلت، فيا أخي الكريم! تب إلى لله أولاً، ويلزمك القضاء ثانياً، وما عليك كفارة؛ لأنك ما كنت تعلم.
السؤال: اشتغلت بأحد المصانع وكان هناك مسئول عن تعيين العمال وكبير للعمال، لكنه ليس بصاحب المصنع، وفي آخر الشهر قدم لي مبلغاً أكبر من راتبي، فأخبرته بالأمر، إلا أنه قال: أنا لا أستطيع أن أرد المال الزائد إلى صاحب المصنع، وبعد ذلك قال لي: تصدق بنصف المبلغ الزائد عن راتبك، وخذ النصف الآخر، ففعلت ما أمرني به، فماذا علي؟
الجواب: عليك يا أخي أن تعيد المال الزائد كله لصاحب المصنع وبوسيلة ما، وانصح صاحبك هذا بأن يتقي الله عز وجل في مال الرجل، وألا يوزعه هكذا؛ لأنه ليس ملكاً له، وهذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
السؤال: إن هناك تابعين سودانيين من رواة الحديث هل هذا صحيح؟
الجواب: لا أعرف إلا يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي ، هذا كان من أجلة التابعين وصالحيهم، ومن رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما مسألة سوداني أو شامي أو عراقي أو مصري، فالدين واحد، وممن جاء ممن تلقت الأمة أقوالهم بالقبول فإننا نأخذه على العين والرأس، ولا نتوقف، فنقول: مالك سوداني أو أصبحي أو مدني، و الشافعي من أين؟ أبو حنيفة من أين؟ وإنما الدين ذوّب هذه الفوارق كلها، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
السؤال: سافر زوجي منذ سبع وتركني حاملاً، ولا نعرف عنه شيئاً، علماً بأنه بنفس البلد؟
الجواب: هذه من حقها أن تطلب الطلاق، والقاضي يطلقها؛ لأن القاضي يطلق في ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: حال الغيبة كما هو حاصل في هذا السؤال.
الحال الثانية: في حال السجن، كإنسان حكم عليه بالسجن والزوجة لا تستطيع أن تنتظر فالقاضي يطلق؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار.
الحال الثالثة: إذا أضر الزوج بزوجته، فإذا أساء معاملتها أو ترك الإنفاق عليها فإن القاضي يطلقها.
أسأل الله أن يجمعنا على الخير مرة بعد مرة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر