تقدم لنا ذكر المستحاضة وذكرنا أن المستحاضة على أقسام، وبقينا في القسم الأخير: وهي المتحيرة، وقبل ذلك تكلمنا عن أحكام المبتدأة، وتطرقنا لتعريف المستحاضة، ومن هي المستحاضة، وذكرنا أن المشهور من المذهب أن المستحاضة: هي التي تجاوز دمها خمسة عشر يوماً، وهذا قول كثير من العلماء رحمهم الله تعالى.
والرأي الثاني في هذه المسألة: أن المستحاضة هي التي ترى دماً لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً، وذكرنا من هذه الأقسام:
أن يكون لهذه المستحاضة تمييز، وليس لها عادة؛ فترجع إلى التمييز ما دام أن التمييز صالح، وذكرنا ضابط التمييز الصالح.
والحالة الثانية: أن يكون لها عادة وليس لها تمييز فهذه ترجع إلى عادتها.
والحالة الثالثة: أن يكون لها عادة وتمييز، وهذه موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى: هل ترجع إلى التمييز أو ترجع إلى عادتها؟ والمشهور من المذهب أنها ترجع إلى عادتها، وذكرنا بأن هذا هو الأقرب في هذه المسألة.
بقينا في القسم الأخير: وهو أن يكون لها عادة لكن لا تمييز لها، أو لها تمييز لكنه غير صالح.
القسم الأخير من أقسام المستحاضة: أن يكون لها عادة وتنسى العادة وليس لها تمييز، أو لها تمييز غير صالح، وهذه كما ذكرنا يسميها العلماء رحمهم الله تعالى بالمتحيرة، ومثال ذلك: امرأة أطبق عليها الدم وكان لها عادة من اليوم العاشر إلى اليوم الخامس عشر، وليس لها تمييز بل الدم على وتيرة واحدة، فنسيت متى كانت العادة تأتيها، أو لها تمييز لكنه غير صالح، كما تقدم أن التمييز: أن يتميز الدم ببعض صفات الحيض إما بالاسوداد، يعني يميل إلى الاسوداد، أو بالرائحة، أو بالثخونة، فإذا اتصف بشيء من صفات الحيض ولم ينقص عن أقل الحيض، ولم يجاوز أكثره، فهذا تمييز صالح، لكن هذه المرأة لها تمييز غير صالح؛ لأن هذا الدم المتميز أقل من يوم وليلة، أو أكثر من خمسة عشر يوماً، وهذه المستحاضة ذكر المؤلف رحمه الله تعالى لها ثلاثة أقسام. وقد سبق أن ذكر المؤلف أنه إذا لم يكن لها تمييز فغالب الحيض كالعالمة بموضعه الناسية لعدده، وإن علمت عدده ونسيت موضعه من الشهر ولو نصفه جلستها من أوله.
هذه المرأة التي نسيت العادة وليس لها تمييز أو لها تمييز غير صالح لها ثلاثة أقسام:
وأما تحديد العدد فنقول: تجلس من الأيام على حسب ما يحيض من يشابهها من نسائها في العمر وفي الخلق، فعندنا بالنسبة للقسم الأول من أقسام الناسية لعادتها وليس لها تمييز: أن تنسى الموضع وتنسى العدد، وقد ذكرنا كيف نحدد الموضع والعدد.
وبالنسبة للعدد إذا قالت: لا أدري، نقول: تحيضي كما يتحيض نساؤك؛ يعني من تشابهك من نسائك في العمر وفي الخلق، فإذا كانت نساؤها يحضن خمسة أيام أو ستة فتجلس خمسة أيام أو ستة أيام من أول ما كان الدم يأتيها أو كانت عادتها تأتيها.
فتلخص لنا في القسم الأخير: المستحاضة التي تنسى عادتها وليس لها تمييز أو لها تمييز غير صالح أن تحتها ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن تنسى العدد والموضع.
أما بالنسبة للعدد فتحيض كما تحيض نساؤها، وأما بالنسبة للموضع فمن أول كل شهر هلالي إلا إذا قالت: أنا أعرف أنه في النصف الثاني؛ فنقول: الصواب أنها تبدأ من النصف الثاني، وإذا قالت: أنا أعرف أنه في العشر الأواخر فنقول: تحيضي من أول العشر الأواخر، وإذا قالت: أنا لا أدري هل هو في العشر الأول أو في الأواسط أو في الأواخر فنقول: تبدأ من أول كل شهر هلالي.
القسم الثاني: أن تعرف الموضع لكنها تنسى العدد، فتقول: يأتيني في اليوم الفلاني لكنني لا أدري هل هو خمسة أو ستة أو سبعة؛ فنقول: تحيضي كما يحيض نساؤك.
القسم الثالث: تعرف العدد لكنها تنسى الموضع؛ فنقول: بالنسبة للموضع تبدأ من أول كل شهر هلالي، إلا إذا قالت على الصحيح: أنا أعرف أنه في العشر الأول؛ فنقول: ابدئي من أول العشر الأول، أو أنا أعرف أنه في العشر الأواسط؛ فنقول: ابدئي من أول العشر الأواسط، أو أنا أعرف أنه في العشر الأواخر؛ فنقول: ابدئي من أول العشر الأواخر، وأما بالنسبة للعدد فهي تحفظ أنه خمسة أيام مثلاً.
قال المؤلف رحمه الله: (كمن لا عادة لها ولا تمييز).
هذه هي المبتدأة التي لا عادة لها ولا تمييز كما تقدم، فإذا أصابها دم الحيض وأطبق عليها فليس لها عادة لأنها مبتدأة، وليس لها تمييز فدمها على وتيرة واحدة لا يتصف بشيء من صفات الحيض؛ فنقول: هذه تحيض كما يحيض نساؤها من أول ما أصابها الدم، فإن أصابها الدم في أول الشهر فنقول: اجلسي ما يجلسه من يشابهك من نسائك.
شرع المؤلف رحمه الله تعالى في بيان الطوارئ التي تطرأ على دم الحيض.
الرأي الثاني رأي المالكية والشافعية: أنها إذا تقدمت أو تأخرت فهو حيض.
والصواب في ذلك: إذا زادت العادة أو تقدمت أو تأخرت أنه حيض ما دام أن هذا على صفة الدم المعروف عند النساء؛ لأن الله سبحانه وتعالى علق الأحكام الشرعية على وجود الأذى، وسواء وجد هذا الأذى في هذا الوقت أو وجد في الوقت الثاني فإنه تترتب عليه الأحكام، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، والمرأة إذا تقدمت عليها العادة أو تأخرت، وحصل لها هذا الاضطراب فلا بد أن تحتاط فيه، فإذا كان بصفة دم الحيض بكثرته وصفته ولونه فنحكم بأنه دم حيض، وإن كان مخالفاً لدم الحيض فالمرأة تحتاط فيه، ونحكم بأنه دم عرق، وعلى هذا تصلي وتصوم ما دام أنه ليس في زمن العادة.
الطارئ الرابع: ما نقص عن العادة، فمثلاً: هذه المرأة عادتها ستة أيام، ثم بعد ذلك رأت الطهر لخمسة أيام، فنحكم بأنها تغتسل وتصوم وتصلي، وهذا اليوم الناقص الذي لم تر فيه دماً يرى المؤلف رحمه الله بأنه طهر وهو الصواب.
قال المؤلف رحمه الله: (وما عاد فيها جلسته).
قوله: (وما عاد فيها) يعني: في أيام الدورة، مثال ذلك: امرأة دورتها ستة أيام، رأت الدم في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني، وفي اليوم الثالث، والرابع انقطع الدم، وفي اليوم الخامس عاد الدم، فبالنسبة لهذا اليوم الخامس نحكم بأنه حيض ما دام أنه في زمن الدورة.
الصفرة: شيء كالصديد تعلوه صفرة، والكدرة: شيء كدر ليس على ألوان الدماء، والكدرة إلى دم الحيض أكثر ميلاً بالنسبة للصفرة.
فالصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، وعلى هذا لو كانت دورتها ستة أيام فرأت الدم ثلاثة أيام، وثلاثة أيام أخرى رأت فيها صفرة أو كدرة؛ فنقول بأن هذه الصفرة والكدرة حيض، ويدل لذلك قول أم عطية رضي الله تعالى عنها: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً. فدل ذلك على أنها قبل الطهر تعد شيئاً، وأسماء رضي الله تعالى عنها أيضاً تقول: اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك -أي الصفرة- حتى لا ترين إلا البياض. وهذا ثابت عن أسماء رضي الله تعالى عنها، رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن.
وكذلك أيضاً قول عائشة رضي الله تعالى عنها: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. وهو ثابت عنها، فالصفرة والكدرة حيض كما ذكر المؤلف، وهو قول جمهور أهل العلم خلافاً لـابن حزم رحمه الله؛ فإنه يرى أن الصفرة والكدرة ليست حيضاً، والصواب أنها حيض كما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
فالصفرة والكدرة تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن تكون الصفرة والكدرة قبل نزول دم الحيض، فبعض النساء قبل أن ينزل معها دم الحيض ترى صفرة أو كدرة، فنقول: هذه لا عبرة بها، ويدل لذلك قول أم عطية كما سلف: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً.
القسم الثاني: أن تكون هذه الصفرة والكدرة في زمن الحيض قبل الطهر، فنقول بأنها حيض؛ لما تقدم عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
القسم الثالث: أن تكون هذه الصفرة والكدرة بعد الطهر يعني: بعد أن ترى القصة البيضاء، أو ترى الطهر بالنشاف في آخر الدورة فهذه لا عبرة بها؛ لما تقدم عن أم عطية رضي الله تعالى عنها.
القسم الرابع: أن تكون هذه الصفرة والكدرة متصلة بزمن الدورة، فإذا انتهى زمن الدورة واستمر مع المرأة صفرة أو كدرة، فإذا كانت متصلة بالدورة، وزادت عن أيام الدورة؛ فإنها تحتاط وتغتسل وتصلي.
قوله: (يوماً) هذا ليس له مفهوم، المقصود أن المرأة ترى في بعض الوقت دماً يخرج منها، وفي بعض الأوقات يرقأ الدم: يقف، فمثلاً عادتها ستة أيام، هذه الساعة رأت دماً، والساعة الثانية ما عندها دم، وفي الساعة الثالثة رأت دماً، والساعة الرابعة لم تر دماً، سواء كان يوماً أو أقل من يوم، فالدم نعتبره حيضاً، لكن يشترط لكي نعتبر الدم حيضاً أن يبلغ مجموعه أقل الحيض: يوماً وليلة فأكثر، ولا يزيد على أكثره؛ وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فنجمع هذه الساعات وننظر كم تساوي فيكون الحكم كما ذكرنا، وهذا يسمى عند العلماء بالتلفيق، يعني ضم الدماء بعضها إلى بعض وجعلها حيضةً واحدة، فدم الحيض لا يخرج دائماً.
قال المؤلف رحمه الله: (والنقاء طهر).
يعني: هذه المرأة رأت الدم الساعة السابعة ثم توقف، فما جاءها إلا في الساعة الرابعة، فتوقفت الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة، فهذا النقاء طهر، فتغتسل وتصلي فيه، فحكمها في هذه الفترة حكم الطاهرات، فإذا مرت عليها صلاة فيجب عليها أن تغتسل وتصلي، وهذا هو المشهور من المذهب يقولون: النقاء طهر حتى ولو كان في أثناء الدورة، وهذا لا شك أن فيه مشقة.
الرأي الثاني: أن النقاء يكون طهراً إذا كان يوماً فأكثر، تغتسل فيه وتصلي، وتؤدي العبادة التي وجبت عليها فيها، وهذا اختيار ابن قدامة رحمه الله تعالى، وعلى هذا إذا رأت الطهر لمدة عشر ساعات فحكمه حكم الحيض.
الرأي الثالث: أنه لا فرق بين أقل وأكثر، فما دام أنه في زمن الدورة فهذا كله حيض، وعلى هذا فالمرأة لو رأت في اليوم الأول دم الحيض واستمر معها لمدة عشر ساعات، أو لمدة عشرين ساعة ثم ما رأت شيئاً فإنه حيض، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب في هذه المسألة؛ لأن في غيره مشقة، ولأن خروج دم الحيض من المرأة ليس على سبيل التتابع والاستمرار، بل يخرج تارة، ويتوقف تارةً أخرى، فكوننا نقول: بأن النقاء طهر هذا فيه مشقة وصعوبة.
أراد المؤلف رحمه الله هنا أن يبين أحكام المستحاضة بعد أن ذكر أحوالها، وذكر الطوارئ على دم الحيض.
قوله: (ونحوها) يعني: من يشابهها في كون الحدث يخرج منه على سبيل الاستمرار، مثل من به سلس بول، أو به سلس غائط، أو به سلس ريح ونحو ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: (تغسل فرجها).
هذا الحكم الأول غسل الفرج، ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام للمستحاضة: ( فاغسلي عنك الدم ثم صلي )، رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، ولأن هذا الدم خبيث نجس فيجب عليها أن تغسله، هذا هو الحكم الأول.
قال المؤلف رحمه الله: (وتعصبه).
تتحفظ: تجعل لفافةً تمنع خروج هذا الخارج، ويدل لذلك ( أن
قال رحمه الله: (وتتوضأ وقت كل صلاة، وتصلي فروضاً ونوافل).
الحكم الثالث: أنها تتوضأ وقت كل صلاة، فإذا دخل عليها وقت كل صلاة فإنها تعيد الوضوء مرةً أخرى، وهذا هو المشهور من المذهب ومذهب أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن هذا الخارج موجود الآن، واستدلوا على ذلك بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت )، وأشد من هذا رأي الشافعية رحمهم الله، فإنهم يقولون: تتوضأ لكل فريضة؛ لأنها إذا توضأت للوقت قد تصلي في الوقت فريضتين، قد تصلي أداءً وقضاءً، فلابد أن تتوضأ لكل صلاة مفروضة.
الرأي الثالث كما سلف لنا قال به الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لا يجب عليها أن تتوضأ مرةً أخرى حتى يخرج حدث طبيعي.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثم توضئي لكل صلاة ) فهذه اللفظة ليست مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي موقوفة على عروة ، فالصواب في هذا أنه لا يجب على المرأة المستحاضة ونحو المستحاضة -كمن به سلس بول أو غائط أو ريح- أن يتوضأ لكل صلاة، وإنما يجب أن يعيد الوضوء إذا خرج حدث طبيعي، أما هذا الحادث غير الطبيعي فلا يجب إعادة الوضوء له، ومثله أيضاً غسل الفرج فلا يجب أن تغسل الفرج وأن تعيد اللفافة مرةً أخرى حتى يخرج حدث طبيعي.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا توطأ إلا مع خوف العنت).
الحكم الرابع: لا تجامع المستحاضة إلا مع خوف العنت، يعني: المشقة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ويلحقون دم الاستحاضة بدم الحيض.
الرأي الثاني: رأي جمهور العلماء رحمهم الله: أنه لا بأس من وطء المستحاضة، واستدلوا على ذلك بأن النساء اللاتي استحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجهن باعتزالهن، بل حمنة استحيضت وكان زوجها يجامعها، وكذلك أيضاً أم حبيبة رضي الله تعالى عنها كانت تستحاض وكان زوجها يجامعها، فالصواب في هذه المسألة أن وطء المستحاضة جائز، والحنابلة يقولون: لا يجوز ومع ذلك خففوا فقالوا: مع العنت يجوز، ولو وطئها لا كفارة فيه، فليس كدم الحيض تجب فيه الكفارة.
قال المؤلف رحمه الله: (ويستحب غسلها لكل صلاة).
الحكم الخامس: أن تغتسل لكل صلاة؛ لأن (
ولما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى ما يتعلق بدم الاستحاضة شرع بذكر ما يتعلق بدم النفاس.
والنفاس في الاصطلاح: دم يرخيه الرحم مع الولادة أو بعد الولادة.
وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً في المشهور من مذهب الإمام أحمد ، واستدلوا على ذلك بحديث أم سلمة قالت: ( كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً )، وهذا الحديث رواه أحمد وأهل السنن، وفيه ضعف، لكنه وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم: عمر وعثمان بن أبي العاص وأنس وابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
وعند مالك والشافعي : أنها تجلس ستين يوماً، والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله: أنها تجلس أربعين يوماً.
وهذا قول الأطباء الآن، فالأطباء في الوقت الحاضر يقولون بأن النفاس السوي ستة أسابيع، وهذا ما يقرب من أربعين يوماً.
القسم الأول: أن يخرج بعد الولادة؛ فنقول بأنه نفاس.
القسم الثاني: أن يخرج مع الولادة، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم والصواب أنه نفاس.
القسم الثالث: أن يخرج قبل الولادة؛ والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه إذا خرج قبل الولادة ننظر فإن كان قبل الولادة بزمن يسير ومعه أمارة على الولادة -علامة على الولادة كالطلق- فهذا نفاس، وإلا فليس نفاساً، فلا نحكم بأنه نفاس إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يسبق الولادة بزمن يسير.
الشرط الثاني: أن يكون معه علامة على الولادة كالطلق.
يعني: متى طهرت قبل الأربعين تطهرت فتغتسل وتصلي، لكن لا بد أن ينقطع الدم وتنقطع الصفرة والكدرة، فلا يكون معها شيء -تنشف تماماً- لأن بعض النساء أو كثير من النساء ترى الدم لمدة عشرة أيام، أو لمدة عشرين يوماً، وبعد ذلك يستمر معها خروج صفرة أو كدرة إلى أن تصل إلى أربعين، فإذا وصلت إلى أربعين فإننا نقول لها: اغتسلي وصلي، لكن لو أنها رأت دماً لمدة عشرين يوماً وصفرة لمدة عشرة أيام ثم نشفت فليس معها شيء فإننا نقول لها: اغتسلي وصلي، لكن لو كان معها آثار النفاس من صفرة أو كدرة فإنها معتبرة ما دام أنها في زمن النفاس -وهو أربعون يوماً- نقول: لا تصلي ولا تصوم حتى تنشف تماماً من هذه الأشياء، فإذا نشفت تماماً من هذه الأشياء فإننا نقول لها: اغتسلي وصلي، فإما أن تنشف منها أو تتم أربعين يوماً، فإذا تمت أربعين يوماً ولو كان معها صفرة أو كدرة أو دم فإنها تغتسل وتصلي.
يعني هذه امرأة تم لها ثلاثون يوماً ثم انقطع عنها دم النفاس، ولا ترى لا صفرة ولا كدرة فاغتسلت وصلت، فالمشهور من المذهب أنه يكره له أن يجامعها لقول عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه لزوجته لما أتته قبل الأربعين قال: لا تقربيني.
الرأي الثاني: رأي جمهور العلماء: أن هذا جائز ولا يكره؛ لأن الأصل الحل، وكما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إذا صلت حلت، فالصواب: أنه لا يكره وطؤها.
هذه امرأة لما تم لها ثلاثون يوماً رأت الطهر ثم نشفت فليس معها شيء فاغتسلت وشرعت تصلي، ثم بعد خمسة أيام جاءها دم! فهذا الدم الذي أصابها بعد أن مضى لها خمسة وثلاثون يوماً يقول المؤلف رحمه الله: هو دم مشكوك فيه، فتصوم وتصلي وتقضي الواجب؛ لأن الواجبات وجبت بيقين، وهذا مشكوك فيه، والشك لا يزيل اليقين.
الرأي الثاني: رواية عن الإمام أحمد أن هذا الدم دم نفاس، وليس هناك دم مشكوك فيه، وهذا القول هو الصواب؛ لما يترتب على غيره من إيجاب العبادة مرتين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر