وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل البيت مثابة للناس وأمناً، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه القائل: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد)، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فقال للناس في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاسمحوا لي أن أتوقف عن التفسير في أشهر الحج؛ لأن الله يقول: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وهذا رأي جمهور العلماء، وهذا أولاً.
ثانياً: أني ألمح مؤامرة خبيثة على الحج والعمرة ممن رضعوا من عصارة العلمانية، وممن دفعتهم يد خبيثة تكره الإسلام، وتبغض للأمة أن تلتف حول بيت ربها عز وجل، فإذا بأقلام مسعورة تكتب: لابد أن ننظر في قضية العمرة والحج؛ لأنها تستنزف اقتصاد البلاد، وتؤثر على الخزينة العامة، وتضيع أموالنا في غير موضعها، الله أكبر! أما نظروا إلى حفلات الرقص الماجنة في الفنادق، والتي ينفق فيها في ساعات قليلة أكثر من مائة ألف أو من خمسين ألفاً، وربما ينفق على رقصة هابطة خمسين ألفاً، أما نظروا إلى البلايين التي تتسرب من أموال الفقراء إلى بنوك أوروبا، أما نظروا إلى مظاهر الترف والإسراف الذي نعيشه ولا يخفى على أحد، لقد ضاقوا ذراعاً بالحج والعمرة، فقالوا: لا يمكن لأحد أن يكرر العمرة في أقل من خمس سنين فضلاً عن الحج، فنقول: نحن مع التنظيم، لكن من رزقه الله سعة في ماله فأنفق، وأدى حق الله عليه، وأراد أن يطوف كل عام ببيت الله فهل يملك أحد أن يمنعه؟ تعالوا بنا إلى سيرة السلف لننظر كم كانوا يحجون، وكم كانوا يعتمرون، والنبي في حديث يبين لنا أن علاج الفقر هو المتابعة بين الحج والعمرة، وأن من مفاتيح الرزق أيضاً المتابعة بين الحج والعمرة، ولذلك عندنا مفهوم خاطئ ألا وهو: أننا نؤخر الحج إلى آخر الحياة، فتجد غالب حجاج مصر قد جاوزوا السبعين أو الستين بعد سن المعاش، وربما لا يستطيع أن يؤدي النسك، وهو يملك أموالاً لا حصر لها، لكن مع ذلك يقول: أولاً أبني العمارات، وأزوج البنين والبنات، وأغير موديلات السيارات، وأقتني أرقى الأجهزة، ثم أحج بعد ذلك! لابد أن تعلم أن الله يقول: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، وتأمل لـسعيد بن جبير وهو يقول: كان لي جار موسر، فمات ولم يحج بعد، فأبيت أن أصلي عليه. وأريد من الدارسين أن يأخذوا شريحة واحدة من المجتمع، كالأطباء، أو المحامين، أو أي شريحة تتقاضى أجوراً مرتفعة، وانظر إلى دخلها، فيقول لك: أنا غير قادر على الحج! وهو يملك الآلاف المؤلفة من المال، لكن الشيطان يوهمه، لذلك كانت قضية الحج والنظر إليها من أهم القضايا.
فهذا هارون الرشيد كان يحج عاماً ويجاهد عاماً، وابن حنبل حج خمس مرات؛ أربعاً راكباً ومرة ماشياً على قدميه، يقول: خرجت مع يحيى بن معين نقصد الحج، ثم بعد الحج عزمنا على أن نرحل إلى صنعاء لنسمع الحديث من عبد الرزاق ، فهمه حج ثم طلب للعلم، فبينما يحيى يطوف بالبيت إذ قابل عبد الرزاق فقال: يا أحمد ها هو عبد الرزاق قد كفانا مشقة السفر إلى اليمن، فهيا بنا نسمع الحديث منه هنا بجوار بيت الله، فقال ابن حنبل : يا يحيى خرجت من بغداد ونيتي أن أسمع الحديث في صنعاء، فلن أغير نيتي في طلب العلم، وأبى أن يسمع شيئاً ورحل بعد الحج إلى صنعاء.
لذلك أقول: لا داعي لهذه الترهات، فمليوني موحد في ليلة سبع وعشرين من رمضان يؤمنون خلف إمام واحد، ومكة قد أغلقت كل طرقها، والجميع على قلب رجل واحد، والكل يبكي لربه، إنه مظهر يزعج قوى الشرك ويقلق قوى الكفر، إذاً: سيقول الحاقدون: لابد أن نخطط لتدميره، والأقلام المأجورة تكتب دون وعي ولا حس، فاتقوا الله في الأمة، فإنه لم يبق لنا إلا الحج والعمرة، ثم ماذا تريدون بعد ذلك؟ أخشى أن يوجهوا الناس إلى مكان آخر للحج! وذلك كما قال بعضهم: لابد أن نعالج الازدحام الشديد يوم عرفة! قلنا: كيف يا جهبذ تعالجها؟ قال: الإسلام لم يحدد يوماً لعرفة، فلا بأس أن نجعل يوم عرفة في أكثر من يوم في ذي الحجة! ويكتب الآخر معلقاً: اقتراح جدير بالدراسة، الله أكبر! وسد الأمر إلى غير أهله، ونطقت الرويبضة، وتحدث السفيه في أمر العامة، نسأل الله العفو والعافية.
إن منهجية البخاري في صحيحه أنه قسم الكتاب إلى كتب، وعدد كتبه سبعة وتسعون كتاباً، أولها كتاب: بدء الوحي، ثم الإيمان، ثم العلم، ثم الوضوء، ثم الغسل، وهكذا حتى ختم بكتاب التوحيد، ثم قسم الكتب إلى أبواب، وفقه البخاري في تبويباته جدير بأن يدرسه العلماء.
وحينما أقول سعيد أذكر في الحال الحجاج بن يوسف الثقفي ؛ لأنه هو الذي قتل سعيداً ظلماً، فقد جاء في ترجمة الحجاج: أنه لما كان على فراش الموت وجاءه ملك الموت كان ينتفض ويقول: ما لي ولـسعيد، ما لي ولـسعيد ، تذكر ذلك الدم الذي قتله ظلماً.
أخذ سعيد بن جبير الحديث والقرآن من فم ابن عباس رضي الله عنهما، وتتلمذ على يده، وسمع منه القرآن تلاوة وتفسيراً ولازمه، وهذا معناه: أنه لابد لك أن تلازم شيخاً، فالعلم لا يؤخذ هكذا كما بينا قبل ذلك، فقد صعد سعيد يوماً إلى سطح المسجد مع تلامذته فقال لهم: سلوني عما شئتم، فيوشك ألا تروني بعد ذلك، وكأنه استشعر باقتراب أجله، وفي هذا دليل على أن العالم ينبغي له أن يخرج على الناس ويقول: سلوني، وهذا ليس فيه شيء، ولا ينبغي للعالم أن يضع العراقيل أو القيود على بابه، بل عليه أن يعرض نفسه على الناس، فقد جاء في الحديث عند البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبرز للناس ليسألوه)، فلا مكان للعالم الذي يحجب نفسه ويغلق هاتفه ويقيد حركته، لابد للعالم أن يكون متواضعاً مع طلبة العلم، فيعطيهم من وقته، ولا يبخل على أحد منهم طرق بابه في ليل أو نهار، لأن ذلك هو زكاة العلم، والعلم يزكو بالإنفاق والمال تنقصه النفقة، وهذا نقصان ظاهري حتماً.
أيضاً في قول سعيد -سلوني- إشارة إلى منزلة العلماء الربانيين، العلماء الذي لا يصدرون الفتوى حسب الطلب والأهواء، وحسب الحجم والظروف والأحوال، فتارة فوائد البنوك حرام بإجماع مجمع البحوث، وتارة فوائد البنوك حلال بأغلبية مجمع البحوث، الله أكبر! من قال بالأمس: إنها حرام عاد يحلها اليوم، ما الذي حدث يا عبد الله؟! وماذا يكون الربا إن لم تكن فوائد البنوك ربا، ببساطة شديدة: البنك شخص معنوي، واعتبرني بنكاً مثلاً فآخذ منك مبلغاً وأعطيك فائدة ثابتة 10%، والآن انخفضت إلى 8% في حالة الإيداع، فيأتي آخر يريد أن يقترض من البنك، ففي هذه الحالة هو مقرض، وفي الحالة الأولى مودع، فبكم يعطيه؟ 18%، يعني: عمله يأخذ المال من هذا بسعر فائدة قليل، ويعيد إقراضه بسعر فائدة أعلى، أليس هذا هو عين الربا يا عباد الله؟ إن الربا هو: النماء والزيادة، ولكن لمن نقول؟ ومن يسمع؟!
وعلى كل فقد أخذ تلاميذ سعيد بن جبير يسألونه حتى أكثروا عليه السؤال، وفي هذا إشارة إلى حرصهم على طلب العلم أيضاً، فلما أكثروا عليه السؤال سألوه عن قصة مقام إبراهيم، فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لما كان بين إبراهيم وزوجه ما كان، أي: لما كان بين إبراهيم وزوجته سارة ؛ لأن إبراهيم عليه السلام تزوج من سارة وظل أكثر من ثمانين عاماً لم ينجب منها، ولما نزلت سارة إلى مصر، ودخلت على ملك ظالم فراودها عن نفسها، والقصة معروفة في حديث آخر، والمهم أنها دعت عليه فأصيب بشلل نصفي مرات عديدة، فقال: أخرجوها فلقد أدخلتم علي شيطانة، وأعطاها مملوكة أو أمة اسمها: هاجر ، فلما أخذتها أعطتها لإبراهيم عليه السلام، فتزوج إبراهيم من هاجر ، ولما تزوج من هاجر حملت منه، وغيرة النساء معلومة، فالأولى لم تحمل والثانية حملت.
لذا لابد أن القديمة ستغار، ولا يمكن أن نغض الطرف عن الغيرة في الصالحات، ففي الحديث عند البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم بات عند
والغيرة قد تكون أحياناً محمودة، وقد تكون أحياناً مذمومة، وطالما أن الشرع يقيدها فلا بأس؛ لأنها من طبائع النساء، فلما غارت سارة فرق بينهما إبراهيم عليه السلام، والرجل الحكيم هو الذي لا يجمع بين زوجتين في مكان واحد، وذلك حتى لا تدب الغيرة بينهن، فأخذ إبراهيم هاجر وانطلق بها إلى مكة بأمر ربه عز وجل بعد أن ولدت له إسماعيل عليه السلام، واتخذت هاجر لباساً أو معطفاً يجر على الأرض، وربطته على رأسها أو في وسطها، حتى تخفي أثرها على سارة فلا تعرف لها طريقاً.
ولذلك هناك أمور لا ينبغي للزوج أن يتغاضى عنها، كالسؤال عن مصدر الدخل والإنفاق وغيرها من الأمور، وظلت هاجر تنادي على إبراهيم ولا يجيب، حتى وصلت إلى مكان اسمه (كداء)، وهو بعد مكة بقليل، فسألته فقالت: يا إبراهيم أربك أمرك بهذا؟ فلا يمكن أن تتركنا على هذه الطريقة إلا إذا كان ربك أمرك بهذا، فالتفت إليها قائلاً: نعم، فقالت المرأة المؤمنة التقية المحتسبة: إذاً فلن يضيعنا الله، ولننظر لو أن أحدنا فعل هذا مع زوجته لاتهمته بالجنون؛ لأنه ليس عندها ثقة ويقين في الله، بينما هذه امرأة تعلمنا أن نثق في وعد الله، وأن نثق في نصر الله، ونوقن أنه كلما ضاقت الأمور سيأتي الفرج بإذن الله سبحانه، والله حافظ دينه مهما تآمر المتآمرون وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]، وكلما ضاقت فرجت، وأن بعد العسر يسراً، وأن بعد ظلام الليل فجراً، وبعد ألم المخاض وضعاً، فلا تحزن فإن النصر قادم لا محالة، لأنه دين رب العالمين، فهو الذي يحفظه، وهو الذي يؤيده، وهو القادر سبحانه وتعالى.
ولما قال ذلك إبراهيم سلمت الأمر إلى ربها ثقة ويقيناً به عز وجل، ولما ذهب إبراهيم من عندها واختفى عنها وعن ولدها دعا ربه -وهذا من حكمته عليه الصلاة السلام- حتى لا تصاب بقلق واضطراب، فرفع يديه قائلا: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37]، دعا إبراهيم ربه ثم انصرف إلى أرض الشام، لكنه ترك هاجر المحتسبة الصابرة، فنفد الماء، ونفد التمر، وانقطع الغذاء، وجف صدرها عن اللبن، وما وجدت لبناً لإرضاعه، ويوماً بعد يوم وإسماعيل يتلوى على بطنه وظهره من شدة العطش وألم الجوع، والأم لا تجد شيئاً، فتقوم بأخذ الأسباب، فتتركه وتصعد إلى أعلى جبل الصفا؛ لعلها تحس من أحد أو تجد أحداً، ثم تنزل إلى بطن الوادي تلك المنطقة المحصورة بين علمين أخضرين الآن، ثم تهرول سريعاً إلى آخر الصفا لعلها تجد أحداً، وهي بعد كل شوط تعود إلى ولدها فتنظر في حاله، وللأسف الشديد نجد اليوم بعض الآباء والأمهات يتركون الأبناء سنوات عديدة لا يعرفون هل هم أحياء أم أموات؟! وكأنهم ما أنجبوا ولداً، والولد أمانة لابد أن تطمئن عليه في كل يوم وليلة، لذلك صدق من قال:
أرضعوا الأطفال في المهد الحرام علموهم فحشهم قبل الكلام
هدهدوهم بغناء بفسوق فإذا شبوا فماذا يصنعون؟
فأول أمر نعلمه للأبناء الصغار: يا ولد سب عمك، وابصق في وجه جدك، الله أكبر! ولا نعلمه التوحيد، ولا نأخذ بيده إلى الفقه، ولا نعلمه الأذكار، (علموا أولادكم الصلاة لسبع)، (يا غلام احفظ الله يحفظك)، غلام لم يبلغ الحلم، ومع ذلك يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة الصحيحة والسليمة.
ولم تيأس هاجر عليها السلام، بل أخذت بالأسباب، وما تركت السعي بعد شوطين أو ثلاثة، بل قطعت سبعة أشواط من الصفا إلى المروة، لعلها تجد فرجاً، ولعلها تجد مخرجاً، فإذا بصوت ينادي فقالت لنفسها: صه، أي: أنصتي فهناك صوت، فإذا بجبريل يأتيها في صورة حسنة فقال: من أنت؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم، تفتخر بزوجها، فقال لها: كيف ترككم هنا؟ ولمن وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى الله، فقال جبريل: لقد وكلكما إلى عظيم، ثم ضرب الأرض بجزء من عقبه أو بطرف جناحه، والشك من الراوي كما جاء في الرواية.
وقد أخبرني أحد الإخوة أنه سمع عالماً يتحدث في الإذاعة ويقول: من قال: إن للملائكة أجنحة فهو كذاب؛ لأن الملائكة ليس لها أجنحة، وإنما هي مجاز، كقول الله سبحانه: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24]، يشير إلى التواضع، يا عبد الله! أما تتقي الله في دينك، أما علمت أن النبي قال: (رأيت جبريل وله ستمائة جناح)، أما علمت أن جبريل حمل قرى لوط على جزء من جناحه، أما قرأت في قول المفسرين لقول الله: جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1]، ولكن كما قلت لكم: المسألة لا ضابط لها ولا رابط، ونسأل الله العافية، لذلك احذر أن تقول: سمعت، فليس من مصادر التشريع عندنا: رواه التلفزيون، أو رواه الراديو، بل اعلم الدليل، قال الشافعي :
العلم قال الله قال رسوله وما سوى ذاك وسواس الشياطين
فلابد أن يكون الدليل حجة وصحيحاً لا شك فيه، ولابد أن يفهم فهم العلماء للدليل، فهذا هو العلم المعتبر.
ثم بعد أن ضرب جبريل الأرض بعقبه أو بجزء من جناحه نبع ماء زمزم، ولم تصدق ذلك هاجر ، وظلت تعكف على الماء فتحوطه من كل جانب، فتشرب وتملأ رحمة بولدها الذي أشرف على الموت، ولما فعلت ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (رحم الله
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
أما بعد:
فبعد أن نبع الماء أتى فوق الماء طير، والعرب كان عندهم ذكاء، إذ كانوا يفهمون بالإشارات والقرائن، وعلم القرائن مهم جداً، ولذلك قالها شاهد يوسف: إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [يوسف:26]، فالقرينة دائماً تفيد معنى، ومن ثم قال الفقهاء: لو أن امرأة بكراً حملت لكان ذلك قرينة على الزنى، لأنه كيف تحمل وهي بكر؟! إذاً لابد من قرينة واضحة، فكذلك رأت قبيلة جرهم -قبيلة عربية أصيلة تتحدث العربية بطلاقة- طائراً يحلق من بعيد، فأرسلت رسولها إلى مكان الطائر فوق الماء لينظر هل هناك من أحد أم لا؟ فوجد هاجر مع ولدها والماء بجوارهما، فأخبر قبيلته فجاءوا جميعاً إلى هاجر يستسمحونها أو يأخذون الإذن منها على أن يقيموا معها في هذا المكان، فوافقت هاجر على ذلك، لأنها تحب الأنس، والإنسان أليف بطبعه وليس انطوائياً، وهو اجتماعي يؤثر ويتأثر، وكما يقول علماء الاجتماع: هو وليد البيئة، يعني: يتأثر بالبيئة وتؤثر فيه، وهذا لا شك فيه، ولذلك كان من شروط توبة الزاني غير المحصن أن يقام عليه الحد: (جلد مائة وتغريب عام)، فتغريبه عن المكان سنة، لينسى البيئة وتنساه البيئة، وأيضاً فإن أرض المعصية تذكره فلابد أن ينساها وتنساه، ومن ثم قال العلماء: الهجرة أنواع، منها: هجرة الأوطان، فإن كان الوطن لا يساعدك على طاعة الله وإنما يدفعك إلى معصية الله فارحل إلى بلد آخر يعاونك على طاعة الله عز وجل.
ولما جاءت قبيلة جرهم عند هاجر وابنها إسماعيل وشب إسماعيل بينهم، ألهمه الله الفصاحة والتحدث بالعربية بطلاقة، فأعجبت قبيلة جرهم بشخصية إسماعيل، فأرادوا أن يزوجوه منهم فتزوج منهم، وبعد أن ماتت هاجر رحمها الله تعالى جاء إبراهيم يطمئن على أهل بيته، فلم يجد هاجر ووجد بيت إسماعيل عليه السلام، فلم تعرفه زوجة إسماعيل، وإنما رأته شيخاً كبيراً وعليه غبار السفر، إذاً يحتاج إلى رعاية وضيافة وحسن استقبال، لكن أول ما وصل إلى بيت إسماعيل سأل عن حالهم، وانظر إلى هذه الزوجة -وما أكثرهن إلا القليل- تشكو زوجها للغريب، ولا تعرف للزوج الحقوق، ولا تعلم أنه إبراهيم والد إسماعيل، فقال لها: كيف حالكم؟ قالت: شر حال: في ضيق عيش وفي كد وتعب، وظلت تشكو الخالق إلى المخلوق، وما حمدت الله وأثنت على زوجها، وإنما كانت ناكرة جاحدة، فقال لها إبراهيم: إن جاء إسماعيل فأقرئيه السلام، وفي الحديث: إن إسماعيل خرج للصيد، وإلى شبابنا أقول: احذر أن تكون كسولاً لا عمل لك، وعلى شماعة الالتزام تلقي هذا الإهمال، فتقول: أنا لست فاضياً للعمل وإنما عندي ورد، وعندي دراسة، وعندي مجلس علم، فتتأخر في دراستك ولا تكون منتجاً، وتعيش عالة فتسيء إلى نفسك وإلينا جميعاً، وإنما اعمل، واكدح، (فإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)، والعمل قيمة يا عبد الله فلا تركن أبداً، فهذا إسماعيل يخرج للصيد، وموسى يرعى الغنم عليه السلام، وما من نبي إلا وله صنعة يأكل منها، وهي مصدر وسبب في رزقه، ولذلك عندما جاء إبراهيم إلى بيت ولده لم يجده نائماً، أو جالساً أو مضطجعاً، لا، وإنما وجده في عمله.
ثم قال إبراهيم لزوجة ابنه: وأخبريه أن يغير عتبة بيته، فشبه المرأة بالعتبة، لأن العتبة تحفظ البيت وتصونه، وهي محل الوصل أيضاً، فكذلك المرأة صيانة للبيت وحفظ له، ولما جاء إسماعيل من الخارج لابد أن يطمئن ماذا حدث حال غيابه؟ ومن اتصل؟ ومن سأل؟ وما أخباركم؟ وما حالكم؟ فهذا هو الزوج، والذي ينام دون أن يسأل يلقي التبعة على غيره، فقالت زوجته: جاء رجل صفته كذا وكذا، ووصفته بأقبح الوصف، ولم تكن حتى في لسانها طيبة، ثم قال لها: ماذا قال لك؟ قالت: قال: أقرئيه السلام، وأخبريه أن يغير عتبة بيته، قال: أنت العتبة وهذا أبي، فالزمي بيت أهلك، طاعة لوالده.
وهنا نقول: إن أمرك الأب بطلاق زوجتك أتفعل؟ المسألة تحتاج إلى توقف، فإن كان الأب يأمر بذلك لسبب شرعي ديني فاستجب، وإن كان يأمر لهوى في نفسه فلا، ولذلك لما أمر عمر ابنه عبد الله أن يطلق زوجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
وغاب إبراهيم مرة أخرى ثم عاد وقد تزوج إسماعيل مرة أخرى، وفي هذا إشارة إلى أن الرجل بدون زوجة فتنة، فتزوج مباشرة واستبدل الخبيث بالطيب، ولما رأت زوجة إسماعيل إبراهيم عليه السلام قالت: أنت شيخ كبير، وعليك تعب السفر، وعناء السفر، ولابد قبل أن تتحدث أن تغسل رأسك من هذا التراب، فقال إبراهيم: كيف حالكم؟ قالت: بخير والحمد لله، فنحن في أكمل حال، وأثنت على زوجها، فقال عليه السلام: ما طعامكم؟ قالت: اللحم والماء، فقال إبراهيم: اللهم بارك لهم في لحمهم وفي مائهم، (ولم يكن يومها حب) كما قال صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول العلماء: لو ظل المرء في مكة لا يشرب إلا الماء ويأكل اللحم ما أصيب بأذى، أما في سواها فقد يصاب بأذى، وهذا كله بفضل دعوة إبراهيم عليه السلام، والحديث عند البخاري ، ثم قال لها: مريه أن يثبت عتبة بيته.
قال عليه الصلاة والسلام: (أنا دعوة أبي إبراهيم، ونبوءة أخي عيسى، ورأت أمي حين ولدتني نوراً أضاء لها قصور الشام)، والحديث في سنن أبي داود وهو صحيح، وعلى كل بنى إبراهيم الكعبة أو أعاد بناءها، ورفع القواعد -وكان مقامه بجوار الكعبة إلى أن جاء زمن عمر فأبعد المقام من الكعبة حتى يتسع المطاف- وعند ذلك ارتقى إبراهيم فنادى: إن الله قد فرض عليكم الحج، فسمعه من شاء الله أن يسمعه، وقال من قدر الله له: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إجابة تلو إجابة، وستستمر الإجابة رغم أنف الحاقدين إلى أن يشاء الله رب العالمين سبحانه:
يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
طبتم وطاب دليلكم يا حيرتي الشوق أقلقني وصوت الحادي
ويطيب لي ما بين زمزم والصفا عند المقام سمعت صوت منادي
من نال من عرفات نظرة ساعة نال السرور ونال كل مرادي
اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، اللهم ارزقنا حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً صالحاً متقبلاً.
اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، ولا تفضحنا يا رب يوم العرض.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك.
اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا.
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا.
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم اربط على قلوب الموحدين.
اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، فرج كرب المكروبين، ارفع الظلم عن المظلومين، استجب لدعاء الموحدين فإنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت بكل جميل كفيل.
آمين آمين آمين.
وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.
وبعد:
فقبل أن أجيب عن الأسئلة هناك أمر لابد أن نحذر منه، وأن نرشد من لنا عليه ولاية، ألا وهو: الاحتفال بأعياد (الكريسمس)، أو ما يسمونه بـ (رأس السنة)، حيث تعم المعاصي ويسود الفجور، فتشرب الخمور ويحصل الرقص والدعارة، وأهل الباطل يتنافسون، فمنهم من يقول: عندنا أفضل الرقص، وأجود الغناء، ومع النجم الساطع الساهر إلى طلوع الفجر، والناس تحجز من الآن بآلاف الجنيهات، وأنا أقول لمن يدعون إلى حفظ الأموال: بدلاً من أن تحاربوا الحج والعمرة حاربوا هذه الخلاعة، نسأل الله العافية، ولذلك لابد أن نعلم أنه لا شأن لنا بهذه الأعياد أبداً من بعيد أو من قريب.
وقد قال كثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72]، أي: الذين لا يشهدون أعياد المشركين، وإبراهيم عليه السلام حينما دعاه القوم للاحتفال معهم في أعياد النمرود قال لهم: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، أي: سقيم من فعلكم، سقيم من حالكم ومما تصنعون، وقد كانوا يخرجون بالأصنام وليس هناك طبل ولا رقص، ولا اختلاط ولا شرب لما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا سهر إلى الفجر فيما لا يرضى عنه رب العالمين.
ولذا فأقول: ينبغي أن تحذر من لك عليهم ولاية، وانصح فقط لا غير، لكن لا يمكن بحال أن تأمر وتنهى من لا يستجيب لك، وإنما أقم عليه الحجة بحكمة ورفق ولين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22]، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48]، وهذه نصوص تبين أن وظيفتك البلاغ لا أكثر ولا أقل، ومن سار على نهجه صلى الله عليه وسلم قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، أي: على علم، والبعض قد يخرج ورقة كتب عليها حكم الاحتفال ويوزعها، وربما قد تحدث ضجراً أو تحدث قلقاً، أو تكون سبباً في مشاكل معينة، فلا داعي لذلك، وإنما بلغ في إطارك، فإن البعض قد يتعجل وقد يكون عنده انفعال في التغيير، فنقول له: الحكمة ودراسة المصالح والمفاسد لابد منها في الدعوة إلى الله عز وجل، وربما توزيع الورقة مصلحة، لكن المفسدة المترتبة على ذلك أكبر بكثير، فتتسبب في كذا وكذا، وعند ذلك أنت لم توازن بين المصالح والمفاسد، فأقول: الدين كله مبني على المصالح والمفاسد، فادرس هذه المسألة مع العلماء، وقل وبلغ دون ضرر بأحد، وأيضاً لابد أن ننبه لهذا، وأن نناشد الناس بالمخالفة.
لكن قد يقول قائل: قد يكون يوم كذا إجازة، فهل أذهب إلى العمل أم لا؟
فنقول: لا شك أن ذلك لا يمكن، لأن المقصود بالمخالفة: أنك لا تخرج إن خرجوا، ولا تصوم إذا صاموا، ولا تحتفل إذا احتفلوا، وإنما استثمر هذا اليوم في طاعة الله عز وجل، فاعتكف في بيتك، أقم الليل، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة.
الجواب: بدعة، لأن القيام في جماعة لا يكون إلا في رمضان، ولم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، وإنما الذي يجوز هو ما ورد في البخاري من حديث ابن عباس في كتاب الصلاة أنه قال: (بت عند خالتي
وأما إذا جمع الرجل أهل بيته وصلى بهم فلا إشكال في ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله زوجاً قام من الليل فأيقظ أهله ليصلوا معه)، وسواء صلى مفترضاً وهم متنفلون، أو هم مفترضون وهو نفل، فلا حرج في ذلك.
وهنا أمر ينبغي التنبيه عليه، ألا وهو: قيام بعض الناس في ليلة أول يوم من شوال، وعدم قيامهم في أول ليلة من ليالي رمضان! وهذا مخالف لما عليه الهدي النبوي.
الجواب: لا يجوز، والمقصود المخالفة لهم في كل شيء، والله تعالى أعلم.
الجواب: لا يجوز، وعليه إن أردت أن تشتري ذهباً أو فضة، أو تبيع ذهباً أو فضة أن تجعل كل بيعة على انفراد، فتقبض في مجلس العقد، ثم تعود لصفقة أخرى، أما أن توزن هذه وتوزن هذه وتأخذ الفارق بينهما فلا يجوز؛ لأن بيع الذهب والفضة يخضع لمعايير تختلف عن غيره، والله تعالى أعلم.
الجواب: لابد أن تقيمي عليه الحجة وأن تنصحيه، وأن ينصحه أهل العلم، وأن تتخذي معه كل السبل اللازمة أولاً، ثم إن أصر على ترك الصلاة وشرب الخمر ففارقيه ولا تخشي على الأولاد من البقاء معه، فإن الحافظ هو الله تعالى.
والمرأة التي لا تصلي أيضاً كافرة يا عبد الله! فكيف تبقيها؟! وهل بعد ترك الصلاة من ذنب؟ الناس اليوم يتهاونون في الحكم على من ترك الصلاة، هذا إبراهيم أمر ابنه أن يطلق امرأة جاحدة تشكو الخالق إلى المخلوق وليست تاركة للصلاة، فقال: غير عتبة بيتك، فالمرأة إذا قلت لها: لئن لم تصلي لأطلقنك، فتقول لك: طلقني لكن لن أصلي، فهي اختارت الطلاق على الصلاة، فهذه جاحدة للصلاة تختار الانفصال على أن تصلي وتبقى في بيتها، إذاً الصلاة ثقيلة عليها، وهذا كلام خطير جداً ينبغي أن يكون واضحاً بيناً.
وعليه فإذا نصحت الزوجة زوجها، وأخذت السبل معه، والزوج لا يزال يصر على شرب الخمر وترك الصلاة فيلزمها أن تنفصل عنه في الحال، إما بالطلاق وإما أن تخلع نفساها إن أبى أن يطلقها، أما الأولاد فمن الخطر أن يظلوا تحت هذا الرجل شارب الخمر وتارك الصلاة، وحفظ الأولاد في بقائهم مع أمهم الصالحة، وضياعهم في بقائهم مع هذا الأب الفاسد، وليس من أجل الأولاد نضيع الشرع يا إخواني بارك الله فيكم.
الجواب: ترك إبراهيم لزوجته كان لأسباب شرعية، لذا قال العلماء: لا يجوز إلا إذا أذنت الزوجة، والمدة التي يجوز للزوج أن يبتعد عن زوجته هي ستة أشهر أو أربعة أشهر: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، قال العلماء: إن زادت إلى ستة شهور فلا شيء عليه، لكن لو قالت الزوجة: لا أطيق أن أفارقك أكثر من ذلك، لزمه أن يأتي، وإلا تطلق للضرر، قال تعالى: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227].
وعليه لابد أن يراعى حق الزوجة في هذا، وإن قالت الزوجة: امكث السنة وأنا موافقة، فلا حرج في ذلك، لأن ذلك باختيارهما كما فعلت سودة عندما أعطت ليلتها لـعائشة رضي الله عنهما، لكن العجب أن بعض الرجال يذهب من بيته فيمكث السنة والسنتين والثلاث، ثم يأتي بالأموال الهائلة وقد ضاع عرضه وأولاده! فبقاؤه مع أهله بجوار زوجته وأولاده في حال ضيق وكرب أفضل بكثير من بنائه للعمارات مع ضياع الزوجة والأولاد، وحدث ولا حرج عن هذا، ثم هل هناك زوج يستطيع أن يفارق الزوجة لثلاث سنوات متتابعات؟! يقول العلماء: من أسباب التعدد: أن بعض الرجال لا يطيق أن يفارق امرأته في مدة الحيض الستة أو السبعة الأيام، ويمكن أن تطول المدة إلى خمسة عشر يوماً، لذلك يقولون: زوج الواحدة يحيض حينما تحيض، وينفس حينما تنفس، وهذا كلام ليس فيه شيء، وإنما لبيانه، فإن كان الرجل عنده قوة ولا يستطيع أن يفارق الزوجة في مدة الحيض، فله أن يتزوج، لكن انقلبت الآن المعايير عند النساء، فتوافق على الزنى ولا توافق على الزواج! وأنا أقول هذا الكلام بشواهد من الواقع، فتوافق المرأة على أن يكون للزوج صديقة ولا توافق أن يكون له زوجة، لكن نقول: التعدد يجب أن يكون بالضوابط الشرعية: من العدل، وعدم الظلم، وإعطاء الحق لكل واحدة منهن، والله تعالى أعلم.
الجواب: جائز 100%، وكم من علماء يغيرون المهنة إلى جزار، ولا يوجد مشكلة في ذلك، وهذه قيود وضعتها البلاد، فبدل أن أدفع خمسة عشر ألفاً خير لي أن أدفع ألفاً ونصف، وكذلك جائز إذا ذهب أحدهم إلى الحج تحت مسمى خدمة الحجاج، وعليه فكل السبل التي توصلك إلى بيت الله طالما أنها مشروعة فلا بأس، والله تعالى أعلم.
الجواب: لا يجوز، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لأنه غير مكلف بالحج؛ أي: أنه غير مستطيع، والله عز وجل يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
ثانياً: تركهم للجمعة بلا عذر، والجمعة لابد أن تكون في مسجد جامع، وهذا ليس بمسجد جامع، لكن قد نجد بعض إخواننا من العلماء الذين ندين لهم بالحب والإجلال يفتون بالجواز، لكن نقول: ما هي الآثار المترتبة على الحبس؟ هناك تضييع للجمعة، وتضييع للجماعات، فضلاً عن الاختلاط بين الرجال والنساء في مكان واحد، وقد تعجب من رجل غني عنده مائة ألف قد حبس نفسه لمدة ثلاثة أشهر من أجل ألا يمس الرصيد، أو يفك الوديعة، ويقول لك: أذهب فأصرف تسعمائة بدل أن أصرف خمسة عشر ألفاً! فهو حسبها حسبة اقتصادية! بخل وتقتير على ربه عز وجل.
الجواب: المرأة التي لا تجد محرماً ليس عليها حج؛ لأن من شروط الحج للمرأة: أن يكون معها محرم، وكذلك ذهابها إلى العمرة.
الجواب: يجوز، وهذا قول للشافعي خلافاً للجمهور، ولو وجد الشافعي في زمننا اليوم لقال: أنا آسف على هذا القول، فأين الصحبة الآمنة؟ ثم إن المرأة وهي تركب الطائرة قد تصاب بدوار، أو بمغص، أو قد تتعثر على سلم الطائرة، وتريد أحداً يساعدها ويأخذ بيدها، وعلى كل فالمرأة بدون محرم فتنة ولا ينبغي أن نغفل عن هذا الأمر.
لكن قد يقول قائل: لو قام أحد أقرباء المرأة بتوديعها من المطار على أن ينتظرها قريب لها في المطار الآخر، فكذلك لا يجوز، لأنه قد يركب بجوارها إنسان فاسد، وقد يستدرجها إلى أمر ما، وأيضاً قد تحتاج هذه المرأة إلى المساعدة في الطائرة، فمن ذا الذي سيساعدها؟! لذلك كان وجود المحرم مع المرأة ضرورياً، وحتى لا تقع المرأة في أخطاء في العمرة أو الحج، وهذه بعض المواقف التي حصل فيها أخطاء في العمرة أو الحج:
الموقف الأول: ذهبنا عمرة وكان معنا شاب، وأول ما نزلنا من الباخرة سأل هذا الشاب جد أبي قائلاً: يا شيخ! الكعبة في مكة أو في المدينة؟!
الموقف الثاني: امرأة مصرية في صلاة الفجر كانت تملأ أوعيتها بماء زمزم من البرادات التي في الخارج، وبينما هي على ذلك إذ بالإمام في السجدة الأخيرة، فتركت الإناء وسجدت معه وسلمت! وهي تظن أنها بذلك قد أدركت الصلاة بإدراك السجدة الأخيرة مع الإمام.
الموقف الثالث: رجل آخر من طنطا بلغ من العمر فوق السبعين، نزل من الطائرة مباشرة إلى الحلاق، فحلق وظن أنه قد أتى بعمرة! فأين الطواف والسعي؟
الموقف الرابع: معظم البعثة النيجيرية يذهبون إلى الحج، فإذا ناموا من الساعة العاشرة صباحاً حتى الواحدة أو الثانية عشر ظهراً استيقظوا على أذان المؤذن، فيصلون دون وضوء! ولم يعلمون أن النوم ناقض للوضوء، ولذا فأقول: في مناسك الحج يحدث الجهل والخطأ الكثير، وحدث ولا حرج عن ذلك.
لذلك أقترح على بعض المساجد أن يأتوا برسوم توضيحية للمناسك، ليعملوا الناس كيفية أداء المناسك بشكل تطبيقي عملي، وقد فعل هذا الصحابي الجليل مالك بن الحويرث كما عند البخاري ، وذلك عندما قام على المنبر وصلى وقال: لا أريد صلاة، وإنما أردت أن أعلمكم كيف صلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عثمان عندما أتى بماء وتوضأ بين أيديهم عملياً وقال: أردت أن أعلمكم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فالتعليم بوسائل الإيضاح لا يوجد فيه إشكال.
الجواب: لا تصل فيه سداً للذريعة؛ لأن المسجد حمل اسم صاحب الضريح، وإن كان مضطراً فله حكم خاص.
الجواب: أولاً: كان إسماعيل معها.
ثانياً: أنه لا يوجد إشكال في ذلك، فقد هاجرت امرأة صحابية مع صحابي وليس معها محرم، قال العلماء: لأن بقاءها في دار الكفر فتنة، وهجرتها مع غير ذي محرم فتنة، فأيهما أشد فتنة: البقاء في دار الكفر أم الهجرة مع غير ذي محرم؟ لا شك أن هجرتها مع غير ذي محرم أقل مفسدة من بقائها في دار الكفر، وكذلك هاجر حينما وافقت على أن ينزلوا عندها كان لضرورة شرعية، ولأن بقاءها بدون أنس فتنة، وبقاءها مع أنس ليسوا بمحارم لها فتنة، لكن ذلك أقل ضرراً من بقائها بدون أنس.
ثالثاً: أنه يمكن لأي امرأة مات عنها الزوج أن تعيش في بيتها في وسط الرجال، وليس هذا باختلاط، فهي في بيتها وهم في بيوتهم، والله أعلم.
الجواب: لا يجوز، لأن ذلك خلوة، وكذلك مثله صعود (المصعد الكهربائي)، فلا يجوز للرجل أن يصعد مع المرأة، وإذا حصل وأن التقى رجل وامرأة عند باب المصعد، فإما أن تصعد هي ويبقى هو، وإما أن يصعد وتبقى هي، وإن كانوا أكثر من رجل فيمكن لها أن تركب معهم، وإن كان سد الذريعة هو الأولى بأن لا تركب امرأة واحدة مع رجل بمفرده أو رجلين أو ثلاثة.
الجواب: إن تنازل الأب عن حقه في حياته لأحد أعمامك فلا حق لك في المطالبة، ما لم يكن هناك حيلة ليحرم الأبناء أو يحتال على الشرع.
الجواب: حج المسابقات فيه تفصيل، فإن كانت المسابقة شرعية فلا بأس، وإن كانت المسابقة غير شرعية فحج الشخص لا يجوز، أما المسابقة القرآنية مع تحديد الفائز الأول وحجه على حساب المركز، أو مسابقة دينية فقهية والأول سيحج، أو بحث علمي في إذاعة القرآن فيجوز، وأما مسابقة إريل، وأمواج، ومن سيربح المليون فكلها لا تجوز، والله تعالى أعلم.
الجواب: الذي يسأل ليس بفاهم، والذي يجيب أيضاً ليس بفاهم، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام قال هذا للقوم على سبيل المناظرة والجدال، ونزولاً إلى ساحة الخصم، وذلك كما يقول في الأرياف: خليك مع الكذاب إلى حد الباب، ولما أثبت لهم أن هذه الكواكب تغيب قال: إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:78-79]، يعني: أن إبراهيم لم يعلم إلا بعد هذا! والله يقول: وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة:135]، فهو يريد أن يقول: إن إبراهيم كان مشركاً قبل البعثة! فكيف ذلك ونحن نبرئ الأنبياء من الكبائر قبل البعثة وبعدها، فما بالك بالشرك الذي لا يغفر الله لصاحبه!
الجواب: لا يجوز، وإنما كل يكبر بمفرده، فأنا أقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، وأنت أيضاً تكبر في حالك، لا أن ننقسم إلى فريقين، هؤلاء يقولون: الله أكبر ويكملون، والآخرون يبدءون وهكذا، فهذا التقسيم ما ورد في الشرع أبداً، وأرجح الأقوال في التكبير ما ورد في مصنف ابن أبي شيبة : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله لحمد، والثاني يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد، لكن الأصل كما ذكرنا أن الناس انقسموا إلى فريقين، فريق يقول هكذا وفريق يقول هكذا، ويرفع هؤلاء أصواتهم وأصبح هرج وفوضى وليس بعيد، ومعلوم أن صلاة العيد سنة مؤكدة، والتكبير فيها أيضاً سنة، واتفاق المسلمين واجب، فلا نضيع واجباً لأجل سنة، وفريق آخر يسرعون في تكبيرهم، وأصبحنا نهرج على بعض، وعليه فإن وجدت أن هناك إصراراً من هؤلاء على هذه الصيغية فكبر في نفسك، ولا تختلف معهم، فالخلاف شر كله، وإنما لابد أن تقيم السنة.
ومرة كنت في ساحة من الساحات لأخطب خطبة العيد، وكان بجواري مدير إدارة أوقاف، وبينما أنا أكبر على السنة قال لي: صل على سيدك عليه الصلاة والسلام! فقلت: اللهم صل على نبينا محمد، ثم قال لي: قم فاخطب فلن أخطب، فهذه ومثلها أمور تريد فهماً وسعة صدر، وعدم تطاحن، وعدم تضييع فروض لأجل سنن، وفقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد مهم جداً قد غاب عنا اليوم.
الجواب: أنصح أخي الفاضل الطبيب -بارك الله فيه وجزاه الله خيراً- بقراءة كتاب: أهل الأعذار لشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، وهو جزء من كتاب الممتع شرح زاد المستقنع، حيث بين فيه الأحكام الفقهية المتعلقة بصلاة أهل الأعذار، كالمسافر، والمريض، والمسجون، والمكروه وغيرهم.
الجواب: الحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح، وهذه الفتوى أنا أعلم قائلها، وأعلم أنه قد عاد في حلقة ثانية، وبدأ يفصل أن الجمهور قالوا كذا وأبو حنيفة قال كذا، لكن الراجح من الأقوال ينبغي أن نعرضه على الناس، فمثلاً قال أبو حنيفة : يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بغير ولي، فلا ينبغي أن أخرج وأقول على الشاشة: يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بغير ولي، وهذا هو رأي الأحناف، ورأي الجمهور كذا، وتيسيراً على الناس نقول برأي الأحناف، فينقلب المجتمع إلى فوضى بسبب هذا الرأي.
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر
فخلاف الأحناف في هذه النقطة غير معتبر، وإنما يطرح جانباً، ولا يمكن أن نترك رأي الجمهور وأدلته الساطعة لرأي اجتهادي خالف النص: (لا نكاح إلا بولي)، وعليه فلا ينبغي أن نقول: يجوز أن تصوم القضاء والسنة بنية واحدة، وهذا رأي للأحناف وهو مرجوح، فالقضاء له نية والسنة لها نية، ولا يجوز أن تقضي مع السنة أبداً، والقضاء أولاً ثم بعد ذلك تصوم الست من شوال، لأن الحديث يقول: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر)، والحديث لـمسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه.
الجواب: مصافحة المرأة حرام، إنما الخلاف هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ والراجح أنه لا ينقض إلا إذا أنزل.
الجواب: الجمهور على صيام القضاء قبل الست؛ لأن الحديث يقول: (من صام رمضان...)، وهو ما صام رمضان بعد، والقضاء مقدم على السنة لاسيما والإنسان لا يضمن البقاء، وهناك قول بجواز القضاء إلى آخر شعبان، وهذا قول عند المالكية، لكن نقول: لم يكن أهل المدينة يصومون الست من شوال، لأن ذلك مخالفاً لما عليه عمل أهل المدينة، ومعلوم كما عند الإمام مالك أن عمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد، وهذه قاعدة مرجوحة ولا يؤخذ بها، وعلى كلٍ فالقول بأن القضاء يؤخر إلى آخر شعبان لأن عائشة كانت تقضي في شعبان، نقول: لم يكن أهل المدينة يصومون الست من شوال، وبهذا يكون قد زال الإشكال، ويكون الاستدلال في غير محله.
الجواب: الخوف من الله يدفعك لطاعته، ولزيادة الطاعة، وأن تفعل الطاعة وتخشى عدم القبول، وسوء الظن بالله أن تسيء الظن بربك، بأنه لا يغفر الذنب، أو أن تقنط من رحمة الله عز وجل.
الجواب: إن كنت من أهل الأعذار فتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وذلك كحال المستحاضة.
الجواب: هناك خصام شرعي وخصام غير شرعي، (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، لكن قد يمتد إلى أكثر من ثلاث لمصلحة شرعية، وذلك كما هجر النبي الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، والهجر أكثر من ثلاث إن كان له أثر دعوي وإيجابي، يعني: رجل عاص علمت أنك إذا هجرته فسيرجع عن معصيته وجرمه فلك هجره، وإن كان هجره سيزيد في عصيانه فلا تهجره، إذاً فالمسألة لها ضابط وليس على إطلاقها كما يقول العلماء.
الجواب: يجوز للزوج أن يهجر زوجته في المضجع، وذلك لقول الله تعالى: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، وكذلك بالضرب غير المبرح، كالضرب بالسواك، وأيضاً إن كان الهجر لأمر شرعي، كأن يهجر الرجل زوجته مدة حتى تصلي وتعود إلى رشدها.
الجواب: لا يجوز للزوج أن يأكل بمفرده في مطعم ويترك أهل بيته بدون طعام، إلا إذا كان العمل يفرض عليه ذلك، فله عند ذلك أن يدبر لهم طعام أو فلوس، ولا يتركهم يضيعون، فإبراهيم عليه السلام ترك لأهله طعاماً، وهذا هو الأصل.
الجواب: إن كان هناك سبب شرعي فلا بأس وإلا فلا، وذلك كأن يهجرها لعدم قيامها بالصلاة، فله أن يهجرها حتى تصلي، وإن كان الهجر لأمر دنيوي فلا يجوز.
الجواب: إذا صلت المرأة فستكشف وجهها وكفيها، وعليه فإذا صلت بمراقبة يمكن أن يرى الرجل الوجه والكفين، فنقول لها: صل بعيداً عن كاميرات المراقبة أو انتقبي للضرورة، وذلك كما كانت عائشة تفعل في الحج، تقول: كنا نطوف مع الرجال فإذا خالطناهم أسدلنا، رغم أن هناك نهياً عن أن تنتقب المرأة المحرمة، لكن هذه ضرورة شرعية.
الجواب: لا أيتها الأخت الفاضلة الطبيبة، فقد كنا كحالك، يعني: عندما كنا في كلية أصول الدين والدكتور يحذف نصف المنهج فيفرح الطلاب لذلك، فلا تخرجي من التعليم من أجل هذا السبب، وإنما ادرسي معهم المقرر وأكملي الباقي بمفردك، واحذري أن تتركي الدراسة، فهذا تعليم شرعي، وكتاب شرعي، فادرسيه، والعلم الممنهج والدراسة المنهجية تفيد كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر