إسلام ويب

أخطاء يقع فيها بعض الشبابللشيخ : سعد البريك

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشباب هم عمود الأمة وأساسها، وبهم تُبنى، لكن الناظر في أحوال كثير من شباب الإسلام يجد العجب العجاب، فهو يجد ما يندى له الجبين من الغفلة والوهن، والوقوع في المحرمات، والبعد عن الدين، وقد أوصى الإسلام أبناءه باغتنام الأوقات والعمل لما بعد الموت، من أجل هذا الدين والدعوة إليه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، في نطاق ما سبق تحدث الشيخ وأفاد.

    1.   

    أهمية المخيمات الصيفية

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أيها الأحبة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله عز وجل أن يجزي القائمين على مركز الدعوة والإرشاد في هذه المنطقة خير الجزاء، حيث بحثوا وخرجوا يتحسسون الناس ويتتبعون مواقع البشر يدعونهم إلى الله عز وجل، فإن من واجب الدعاة ومن أولويات الدعوة أن من تصدى لهذا الأمر لا ينزوي أو يتقوقع في مكانٍ ويقول للناس: هلموا إلي وأتوا إلي، بل واجبه أن يخرج إليهم وأن يتبعهم وأن يلاحقهم، وإن سمع منهم ما يسوءه؛ فيتمثل قول الله عز وجل: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] وإن رأى منهم شيئاً مما يورث الألم؛ فيتذكر قول الله عز وجل: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمران:159].

    فالواجب أيها الأحبة: الواجب أن يكون بجوار كل منطقة تنتشر فيها المخيمات مخيمٌ يتسع لعدد هؤلاء الذين ينتشرون فيها، ومن ثم يخرج الناس إليها وينسلون إلى هذه المخيمات من كل حدبٍ وصوب، ليسمعوا داعي الله؛ ليسمعوا الكلمة، والآية، والموعظة، والحديث، والقصة، والقصيدة، والملحة الطريفة الظريفة حتى تتحرك النفوس في اتجاه الصلاح والاستقامة، والواجب أن تخاطب هذه العقول، وأن تنادى هذه الأفئدة بكل وسيلة تبلغ وتوصل رسالة الله إلى العباد.

    إن الله عز وجل قد أرسل من هو خيرٌ منا إلى من هم شرٌ من شرار الخلق في هذا الزمان، أرسل موسى وهارون إلى فرعون الذي قال مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] الذي قال منكراً مستهتراً: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً [غافر:36-37] بعث الله خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله، موسى وهارون، إلى شر الخليقة في ذلك الزمن إلى فرعون، ولم يقل الله فلترسلا أو تبعثا إليه رسولاً ليأت فرعون إليكما، وإنما قال الله عز وجل: فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ [الشعراء:16] اذهبا واخرجا إليه، فمن واجبنا ومهماتنا ومسئولياتنا -أيها الأحبة- أن نتتبع تجمع الشباب والأماكن التي يرتادها الناس ونحن لا نريد منهم جزاءً ولا شكوراً، فلسنا فقراء نريد منهم مالاً، ولسنا أذلاء نريد منهم جاهاً، ولسنا مستضعفين نريد منهم عزة، وإنما نريد منهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، نريد منهم أن يلتفتوا إلى الغاية التي من أجلها خلقوا وهي: عبادة الله وحده لا شريك له، والاشتغال بذكر الله، والعمل في مرضاة الله عز وجل.

    والحديث أيها الأحبة ذكرني ونحن في إجازة الربيع بمخيمٍ حضرته العام الماضي بين مكة المكرمة ومدينة جدة ، قام إخوانكم في مكتب الدعوة هناك وأنشئوا مخيماً كبيراً ما رأت عيني مثله، وجعلوا على مسافة بصري أو أقل بقليل مخيماً آخر للنساء، وكان ذلك المكان هناك ما بين مكة وجدة يجتمع فيه الشباب من مخيمات كثيرة وكبيرة جداً، ويجد الناس فيه متنزهاً وفسحة لهم، فإذا كانت مناسبة المحاضرة أو الموعظة أو الندوة رأيت الناس ينسلون من كل حدبٍ وفوج ويأتون من كل جانب ليحضروا.

    فأقول: يا أحبابنا! إن هذه المناسبة تذكر بذلك المخيم الذي رأيت فيه اجتماعاً لخلقٍ كبير، وذكر أن النساء يجتمعن في مخيمٍ بجواره، وأقترح أن تكون المحاضرة في إجازة الربيع في مخيم وسط المخيمات، وإن كان المسجد هو مكان العبرة ومكان العظة والعبادة ومجتمع الملائكة، إلا أننا نقول: ما الذي يمنع من أن تقوم محاضرةٌ في مخيم بين المخيمات كما أن هذه المحاضرة تحت إشراف مكتبكم فإننا ندعوكم ونقترح عليكم أن تكون ثمة محاضرات وسط المخيمات ليحضر النساء في جهة والرجال في جهة ويسمعوا الكلام والنصائح والإرشادات والمواعظ.

    1.   

    الشباب نبض الأمة

    حديثنا اليوم توجيهات إلى الشباب؛ شبابنا الذين هم أثمن ما نملك في هذه الأمة وإن الأمة لا تقاس بالأطفال ولا تقاس بالكهول والشيوخ والعجائز، وإذا أصاب الأمة أو داهمها خطبٌ أو فاجأها أمر من الأمور؛ فإن أول ما يسأل عنه لا يسأل عن عدد الأطفال فيهم، ولا يسأل عن عدد العجائز والشيوخ فيها؛ وإنما السؤال عن الشباب، كم شبابها؟ ما مستوى تدريبهم؟ ما مستوى تجنيدهم؟ إلى أي درجة يتقنون الكر والفر والقتال والسلاح؟ ما درجة تعليمهم؟ ما درجة ثقافتهم؟ ما هي اهتماماتهم؟ ولأجل ذلك فإنّا أيها الأحبة لا نعجب حينما توجه المحاضرات تلو المحاضرات، والكلمات تلو الكلمات، موجهة إلى إخواننا الشباب؛ لأنهم هم مقياس قوة أمتنا؛ فإن قوي شبابنا فأمتنا قوية، وإن ضعف شبابنا؛ فأمتنا ضعيفة، وإن كان شبابنا على درجة من الوعي فأمتنا واعية، وإن كان شبابنا على مستوىً يندى له الجبين من الغفلة فأمتنا غافلة، إن كان اهتمام شبابنا بالجهاد والدعوة والعلم والعمل والإنتاج والقيادة والريادة والبحث والفكر والتطبيق والتنافس والتجربة؛ فأمتنا أمة ناهضة، وإن كان اهتمام شبابنا بالطبل والمزمار والناي والوتر والعود والرواية الجنسية والقصص التي لا تليق والأغاني الماجنة إذا كان هذا وضع شباب الأمة فأمتنا أمة متردية، وما من شيءٍ بدأ في انحدار إلا سقط في غاية الهوة وفي منحدرها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ولكن إن من سنن الله عز وجل أن جعل لكل داءٍ دواء، وأن جعل لكل سقمٍ علاجا، فإذا كنا نرى من طائفة من شباب أمتنا أمراض الغفلة، وأمراض الشهوة، وأمراض الشبهات، إذا كنا نرى من شباب أمتنا إعراضاً أو تشاغلاً أو حيلاً وخططاً ومكائد دبرها الأعداء فانطلت على بعض الشباب، فإن ذلك مرضٌ وفي القرآن علاج؛ علاجه الدعوة والذكر والموعظة ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125].. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].. وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] (نظر الله امرأً سمع مقالةً فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) (من دل على هدىً؛ فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً).

    إن كانت الأمة مصابةً بمرض الغفلة والمعصية، ومرض الشهوة والشبهة، فإن علاجها أن تعود إلى الله، إن الله لن يهلكنا ويعذبنا إذا كنا أمة مستغفرةً واعظةً مصلحة وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].. وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] ولم يقل: وأهلها صالحون، وإنما قال (مصلحون) فإذا وجد في الأمة في القرى والمدن والبلدان من يسعى لإصلاح الفساد، ومن يسعى لردع الصدع، وإنكار المنكر، ونشر المعروف والأمر به والتواصي بالحق والصبر، والبذل الدءوب، والسعي الذي لا يعرف الكلل والملل، إن كان في الأمة من يعيش هذا الهم ومن يدرك هذه القضية، فإن الأمة لا تهلك بإذن الله وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

    1.   

    حال شباب الأمة

    أيها الأحبة! أين شبابنا؟ أين قوام أمتنا؟ أين رجال الغد فينا؟ أين هؤلاء الذين نعدهم للنائبات؟

    إن طائفةً ليست بالقليلة نقولها والأسى يهيمن على النفوس، نقولها والأكباد تتجرح وتتقطع ألماً حينما ندرك ونصف ونقول: إن طائفةً من شبابنا قد اشتغلت في إضاعة الأوقات وصاحبت قرناء السوء، وأصبح النظر إلى النساء في الأفلام والمسلسلات عبر هذه القنوات التي ما تركت قليلاً أو كثيراً من ساعات الليل والنهار إلا واستغلته لتحدث هذا الشاب، اشتغل بعض شبابنا بالمجلات الخليعة، وبعضهم للسفر إلى بلاد الكفار لأغراض سيئة، وبعضهم يحاول أو يجامل أو يخادع نفسه فيقول: أسافر للسياحة، للمعالم، لمعرفة هذا الكون وما فيه ثم إذا حل في تلك البلاد ووطئت قدمه في تلك الأرضين اتجه إلى حيث ما كان منطوياً في سويداء نفسه وفي خافيةِ ضميره، ولا يخفى على الله خافية وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16].. يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] والله لا تخفاه خافية وهو الذي: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].

    فقولوا: إن طائفة من شبابنا من أمراضهم التهاون بالصلوات وتركها بالكلية أو بعضهم يتركونها مع الجماعة، وبعض شبابنا أشغلهم الهاتف، والبحث عن الأرقام، وتعدد العشيقات والصديقات، وبعض الشباب قد وقع على أم رأسه في هذه المسكرات والمخدرات، وبعضهم ضاع وقته في الشيشة والتدخين، وبعضهم انطلت عليه أحابيل الغرب في دعاياتهم عبر وسائل الإعلام؛ فأصبحنا نراهم، وبتنا نلحظهم ونشاهدهم يقلدون الغرب في مشيهم، وفي أحوالهم، وفي تصرفاتهم، وفي لباسهم، وفي بعض كلماتهم وعاداتهم.

    أيها الأحبة! لا تظنوا أن الكلام عن واقع الشباب هو ضربٌ من الخيال أو صورةٌ من صور التشاؤم، نعم. إن في مجتمعنا ولله الحمد والمنة شباباً نافسوا ولله الحمد في طلب العلم، ونافسوا في حفظ القرآن، وإتقان السنة، ونافسوا في الأدب، والعلم، ونافسوا في الحاسب الإلكتروني، والعلم التطبيقي؛ في الكيمياء والفيزياء وفي الإلكترونيات، نافسوا في هذه الطائرات وقيادتها ومعرفة أسرار تحريكها، نافسوا في إطلاق الصواريخ، ونافسوا في مجالاتٍ عديدة من البحوث النظرية والتطبيقية، ولكن إذا نسبتهم إلى عموم شباب الأمة وجدت أن هؤلاء قلة قليلة بالنسبة لعدد كبيرٍ من شباب الأمة، وإن المسئولية تقع على عاتقنا.

    1.   

    الرسول الداعية

    وحينما نصف أمراض الشباب فإنه لا يعفينا أمام الله أن نجلس على هذه الكراسي وفي هذا الجو العبق بالبخور والعطور الذي يهدى علينا فيه بألوان الشاي والزنجبيل والقهوة والماء العذب الزلال لنتكلم عن الشباب، ونظن أن مهمتنا قد انتهت، وأن ذمتنا قد برئت بمجرد الحديث ووصف أوضاعهم وأحوالهم، بل لا بد أن نبحث عنهم، أين هؤلاء الشباب الذين نتكلم عنهم؟ أهم في مخيم؟ هيا بنا نزورهم، أهم في شقةٍ معينة؟ هي بنا ندخل عليهم، أهم في ملعبٍ من الملاعب؟ هيا نغدو إليهم، أهم في مكانٍ قريب أو بعيد؟ هيا نتوجه إليهم لنحدثهم لنكلمهم لنجمعهم كما كان صلى الله عليه وسلم، يوم أن أمره ربه بأن ينذر عشيرته الأقربين وأن ينذر ليكون رسولاً للعالمين دعا قريشاً فخذاً فخذا، بطناً بطنا، وقال: واصباحاه، فلما اجتمعوا له قال: (يا معشر قريش، لو أنني قلت لكم: إن خيلاً تصبحكم أو تمسيكم من خلف هذا الوادي، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ماجربنا عليك كذباً يا محمد، قال: فإني لكم نذيرٌ مبين من عند رب العالمين ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له قولوا لا إله إلا الله، فقال أبو لهب وهو من أشقياء القوم: تباً لك يا محمد ألهذا جمعتنا سائر اليوم، دعوت قريشاً بطناً بطنا، فخذاً فخذا، ثم جمعتهم في هذا المكان ثم تقول بعد ذلك: اجعلوا الآلهة إلهاً واحد قولوا لا إله إلا الله) ونزل تصديق ذلك أو شاهده في كلام الله عز وجل: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص:6] إنهم يستنكرون ويستنكفون أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، فقالوا بكل عجب: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] كيف جعل اللات والعزى ويغوث ويعوق ونسرا ومناة الثالثة الأخرى؟! كيف يريد أن يجعل هذه الآلهة التي كانت كل قبيلة من قبائل العرب تتنافس على سدانتها وخدمتها والشرف بها كيف جعلها إلهاً واحداً؟! ولكن النبي صلى الله عليه وسلم صبر.

    وفي حادثةٍ أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه عمه أبو طالب ذات يوم وقال: يا بن أخي! إنك من قومك من المكانة بحيث تعلم وإنهم قد جاءوا يشكونك إلي يقولون يا محمد: إنك سببت آلهتهم، وشتمت أصنامهم وسفهت أعلامهم، وأغريت عليهم عبيدهم وصبيانهم وسفهاءهم وإنهم يعرضون عليك ما يعرضون، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش؛ يخاطب هؤلاء الصناديد والكبار الذين بجوار عمه أبي طالب، فقال: إني أريد منكم كلمة واحدة إن أنتم قلتموها؛ فإن العرب تدين لكم وتخضع لكم وتنقاد لكم، وأما العجم فإنهم سوف يدفعون لكم الجزية، فقال أبو جهل: كلمة واحدة إن نحن قلناها العرب تطيعنا، والعجم يدفعون لنا المال والجزية، ما هي يا محمد؟! وأبيك عشراً نعطيك عشر كلمات ليست كلمة واحدة، فقال: قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال أبو جهل : تباً وسحقاً لك يا محمد ألهذا جمعتنا سائر اليوم؟! مستنكرين مستنكفين أن يوحدوا الله.

    الرسول يدعو في مواسم الحج

    أتظنون أن سيد البشر خير من وطأت قدمه الثرى صلى الله عليه وسلم أتظنون أنه قد كلّ وملّ من هذا، بل ذهب يدعوهم ويتابعهم ويخرج إليهم في مواقع تجمعهم في مواسم الحج، ويقول: يا معاشر الناس، يا معشر قبائل العرب من منكم يمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، أريد سنداً أريد عوناً أريد حصانةً، أريد ظهيراً، أريد معيناً يعينني، أريد ركناً شديداً آوي إليه حتى أبلغ رسالة ربي، ثم يلحقه أبو سفيان ويقول: يا معشر العرب، إنه صابئ منا ونحن أهله وقبيلته ونحن أدرى به فلا تصدقوه، أي عذاب وألم نفسي؟ والله لو أن واحداً منا تكلم في مجلسٍ من المجالس، فقال كلمةً معينة، أو قصةً معينة، ثم قام آخر بالمجلس قال: لا، لا تصدقوه القصة الصحيحة عندي أنا، ما هو شعور هذا المتكلم الذي هو في مجلسه لا يعدو حضوره وشهوده عن عشرين أو ثلاثين شخصاً؟ فما بالك بنبي مبعوث من عند الله مؤيد بالوحي والمعجزة من لدن الله عز وجل، ثم يلحقه أقرب الناس إليه فيقول للعرب: لا تبايعوه ولا تسمعوا ولا تصدقوه والغوا في كلامه.

    الرسول يدعو في الطائف

    هل كف النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة؟ لا. بل سافر إلى الطائف إلى بني عبد يليل بن كلال رجاء أن يكون فيهم قلباًرحيماً رءوفاً لبقاً لطيفاً يألف ويؤلف ويسمع وينصت وينقاد إلى الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعثت قريش سفراءها وشياطينها ومخابراتها ورجال الأمن عندها إلى بني عبد يليل بن كلال وقالوا: إن صابئاً اسمه محمد بن عبد الله سوف يأتيكم فإذا جاء فاحرصوا ألا يغري عليكم سفهاءكم، ألا يفسد عليكم صبيانكم، ألا يغير عليكم دينكم واحترام ملة آبائكم وأجدادكم، فما كان منهم إلا أن قاموا وجعلوا صبيانهم سماطين أي: صفين وفريقين، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا في يد كل صبي وسفيه وجاهل حجراً يرمي به أقدام النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي حتى خرج من بني عبد يليل بن كلال وقد أعرضوا عنه وما سمعوه وآذوه وأغروا الصبيان والسفهاء به حتى ولى من عندهم وعقبه الشريفة تدمي، يقطر الدم من قدمه صلى الله عليه وسلم خرج هائماً على وجهه حتى آواه المقام إلى مكان يقال له: قرن الثعالب، ثم خر مغشياً عليه صلى الله عليه وسلم.

    أتظنون أن هذا النبي قد ملّ وكلّ من هذه الدعوة؟ أتظنون أنه صلى الله عليه وسلم قد سئم من هذه الدعوة وهو الشريف النسيب الكريم ذو القدر والأمانة والجاه والكرامة في قومه؟ أم جميل زوجة أبي لهب تضع الشوك والزبالة في طريقه صلى الله عليه وسلم.

    لما خرج من بني عبد يليل بن كلال وآواه المقام إلى قرن الثعالب وخر على وجهه مغشياً عليه فلما أفاق قال: (اللهم أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ أإلى عدوٍ يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي).

    بعد هذا المشوار الطويل من العذاب والأذى يقول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن غاضباً يا رب فما عندي مشكلة، إن لم تكن غاضباً فأنا سعيد، إن كنت راضياً فهذا هو نجاحي، أما أنهم يجعلون سلى الجزور وخلاص الناقة على ظهري فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الشوك في طريقي فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الأذى في طريقي، أن يرموني بالحجارة فلا أبالي بهذا، أن يكذبوني ويتهموني ويقولوا: ساحرٌ أو كذابٌ أو أساطير الأولين تملى عليه، يأخذها من كتب الأولين بكرةً وأصيلاً فلا أبالي بهذا، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي.

    1.   

    متى يستيقظ شباب الأمة؟

    أين من شبابنا اليوم من يتحمس لهذا الدين الذي من أجله ضحى النبي صلى الله عليه وسلم هذه التضحيات؟

    أين شبابنا الذين يتحمسون للدين الذي لأجله ضحى الصحابة بأموالهم وأنفسهم وبذلوا الغالي والرخيص في سبيله؟

    أين شبابنا ونحن في زمنٍ تباع فيه بلدان المسلمين رغماً عن أنوفنا؟

    أين شبابنا وأخواتنا المسلمات في البوسنة والهرسك يدخل عشرين أو ثلاثين صربياً على فتاةٍ عمرها تسع سنوات فيغتصبونها واحداً تلو الآخر فتموت متشحطة بدمائها؟

    أين شبابنا وأنتم ترون الدبابات والطائرات تقصف في جروزني ومناطق القوقاز ولا من معين ولا نصير إلا الله عز وجل.

    الشباب إذا لم يستيقظوا في هذه المرحلة فمتى يستيقظون؟!!

    ضاعت فلسطين فما استيقظ الشباب! وانتهكت الحرمات في البوسنة فما استيقظ الشباب! وفعل اللواط بالأبرياء من الشباب في الهرسك وما استيقظ الشباب! والروس يذبحون الأطفال هذه الأيام فما استيقظ الشباب! والطغاة والشياطين يعذبون المسلمين فما استيقظ الشباب! فبالله عليكم متى يستيقظ الشباب؟ هل يستيقظ الشباب إذا جاءت طلقات النار فوق رأسهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا استبيحت حرماتهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا ديست مقدساتهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا بلغ الأمر الزبى وبلغ السيل غايته يوم أن تحل المصيبة حولهم أو قريباً من داره؟! إن من لم يتحرك لهذه الأحداث؛ فإن في قلبه علة الموت والبعد عن طاعة الله عز وجل، والله إنه لأمر يؤلمنا غاية الألم، وما كأن شبابنا ينتسبون إلى أمة ذات تاريخ قد سطر فيه القادة بمداد الذهب على صفحات النور البطولات التي بها كانوا يرهبون ويخيفون الكفار، هل في الشباب من ينازل هؤلاء الكفار؟ هل في الشباب من يتحداهم بالتزامه واستقامته؟ هل في الشباب من يقول: اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود:121-123] هل في الشباب من يقول: بالأمس خمر واليوم أمر، بالأمس سكرة واليوم فكرة؟ هل في الشباب من يستيقظ من هذه الغفلة الطويلة؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.

    1.   

    الشباب وقضاء الأوقات

    ما هي أوقات شبابنا؟ سهرٌ بالليل كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] لا، سهرٌ في التفحيط، وفي الدوران، وفي هذه البطولات بين الصخور والرمال، وأين هم في الصباح؟ يشهدون صلاةً تشهدها ملائكة الليل والنهار، لا، على الفرش تراهم نائمين، ويضيع الصباح وما بعد الصباح وربما ضاع الظهر، ويستيقظون قرب المساء، ثم يحيون الليل الذي هو سكن بالحياة التي تضرهم وليست حياةً تنفعهم، والنهار الذي هو معاش بالغفلة التي تضرهم؟ أين هؤلاء الشباب؟!

    والله لو أن القلـوب سـليمةٌ     لتقطعت ألماً من الحرمان

    لكن قلوب كثير من الشباب أصابها نوعٌ من الشلل نخشى إلا تفيق إلا بصدمة كهربائية، إن بعض الأعضاء الضعيفة في جسم الإنسان مثل يد ضعيفة، أو رجل ضعيفة، ربما تحتاج إلى شيءٍ من التدليك الطبيعي والعلاج الطبيعي حتى تقوى، وبعض الأعضاء الضعيفة لا ينفع فيها التدليك، ينفع فيها الصعقة الكهربائية حتى تستيقظ، حتى تعود الحياة إلى هذه العضلات والأعصاب وإلى هذه الشعيرات الدموية فيه، فنحن نريد من شبابنا أن يفيقوا قبل أن يحتاجوا إلى إفاقةٍ بالصدمات الكهربائية، ولن تكون الصدمة الكهربائية عدواناً من أحبابهم الدعاة، ولن تكون شراً نتمناه لهم، ونخشى أن تكون مصيبة تحل بأحدهم.

    أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ     فلا يدوم على الإحسان إمكان

    اليوم أنت تملك ساقين تسابق بها الخيل، وتتخطى بها الريح، فما يدريك أن هذه الساق تمضي معك وتستمر قوية سليمة؛ لتتخطى بها إلى المساجد وإلى أماكن الطاعة.

    كم من شاب في عداد المعوقين الآن يتمنى أيام كانت قدماه تحمله يقول: يا ليتني مشيت عليها إلى المساجد! يا ليتني مشيت عليها إلى حلق الذكر ورياض الجنة! يا ليتني مضيت عليها إلى مواقع ترضي الله عز وجل حتى إذا ابتلاني الله بما ابتلى وقدر ما قدر من هذا الشلل كتب ما كنت أعمله صحيحاً مقيماً.

    لو أن رجلاً أصيب بشلل أو عاهة أو مصيبة وقبل أن يصاب بهذه العاهة كان مديماً على استخدام جارحته في الطاعة والعبادة، فإنه بعد أن يصاب تمضى له الحسنات، وتستمر له الدرجات، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض المسلم أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) أي رجل تعود قيام الليل فأصابه مرض نقول له: اطمئن إن أجر التهجد يكتب في صحيفة أعمالك ولو كنت على فراش المرض، رجلٌ تعود أن يعتمر أو أن يحج كل عام، ولكن حال دونه ودون الحج والعمرة مصيبة مالية أو بدنية نقول: اطمئن فإنها مكتوبة في موازين أعمالك؛ لأنك يوم أن كنت قوياً صحيحاً قد مضيت على هذه الطاعة فالآن تكتب لك وإن لم تفعلها ولكنك تفعلها بنيتك هذه.

    أما الذي كان أيام قوته وعنفوان شبابه وربيع عمره يملك قوةً لكن ما سخرها في طاعة ولا في حلق الذكر ولا في رياض الجنة ولا في مجالسة الأخيار والدعوة، وإنما سخرها في صعود وهبوط، وسفرٍ وعودة، وسهرٍ وغفلة، نومٍ عن عبادة، وذهابٍ وإياب، ومعاكسةٍ ومشاهدة، وجلوسٍ وقهقهة، وسخريةٍ وضحك، وتحدٍ واستهتار، فحينما يصاب بمصيبة أو يبتلى ببلية، فما الذي يريد أن يكتب له بالعمل الصالح، إن من نعمة الله أن الإنسان إذا أذنب كتبت سيئةً واحدة، وإذا أصابه بعد الذنب ما أصابه فلا تكتب بقية السيئات إلا سيئةً كان يدعو إليها، أو كان يروجها وينشرها فعليه وزرها وأوزار من عمل بها إلى يوم القيامة.

    مثال السيئات التي إذا مات صاحبها فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وهذا مثالٌ واقعي وليس من الخيال:

    رجلٌ كان يملك محلاً كبيراً فيه عدد من الفتحات يبيع فيه أشرطةً لأفلام الفيديو، فيها رقص هندي، ومصارعة حريم، وهبال وجنون، وحب، وغزل، وقلة حياء ومصائب متعددة، المهم أن هذا الرجل كان تاجراً من تجار محلات الفيديو، وربما بلغت الأشرطة الأصول التي عنده في ذلك المحل أكثر من مائة وثلاثين ألفاً أصل شريط فيديو، كتب الله أن سهام المنية وملائكة الموت تحل في داره وتأخذ برقبته وتنتزع روحه. فما الذي حصل؟ كنا نظن أو يُظن أن الورثة من بعده يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا والدنا مات ولكن خلف معصية كبيرة، خلف فساداً وانحرافاً، فلعلنا أن نعالج وضعه وأن نحرص على أن نفعل حسناتٍ تكفر سيئاته. فما الذي كان من الورثة؟

    كانوا أذكى من أبيهم في هذا الضلال، قالوا: لو أننا بعنا محل الفيديو لن يباع بقيمة جيدة طبعاً؛ لأن قنوات الدش قد هبطت أسعار محلات الفيديو، شرٌ يهون شراً كما أن الإم بي سي إف إم خربت على تسجيلات الأغاني، فكذلك قنوات الدش خربت على محلات تجارة الفيديو، ولأن فيها من الفساد ما يوجد في المحلات وأكثر وأشد ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحاصل أن الورثة بعد أبيهم قالوا: لو بعناه ما جاب قيمة، ولوصفينا الأشرطة لا أحد يشتري أشرطة، نبيع الأجهزة ونقفل المحل، الديكور واللوحة والشهرة العالمية لا تصلح شيئاً، والحل يا شباب فليضع كل واحدٍ منا يده في يد الآخر ولنتعاهد ولنتعاقد ولنعقد بالخناصر والأكف أن نحفظ هذا الكنز الثمين والميراث والرسالة التي كان والدنا مستمراً عليها، فنمضي ويستمر المحل والريع نتقاسمه مجتمعين.

    يعني: كان المتوقع من هؤلاء أن يقولوا: أبونا مات وفرق بينه وبين الشيخ عبد الله الجار الله الذي مات في العام الماضي ليلة سبع وعشرين، ولما مات عشرات إن لم تكن مئات الرسائل من الكتب والنشرات والكتيبات والمذكرات كلها في الدعوة والطاعة والعبادة والإنابة والتوبة والإرشاد والتحذير والنصيحة، كلها قال الله قال رسوله قال السلف :

    العلم قال الله قال رسوله     قال الصحابة هم أولو العرفان

    فهنيئاً له في هذا الميراث الذي خلف، لكن صاحبنا الذي نتحدث عنه نسأل الله أن يعاملنا وإياه بعفوه، فإن رحمة الله واسعة لا يضيق بها ذنب عبدٍ مهما عظمت ذنوبه، صاحبنا هذا الذي مات عن أفلام الفيديو الخليعة الماجنة، وأولاده من بعده يشغلون المشروع ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهذا نوعٌ واقعيٌ ومثالٌ واقعيٌ للسيئات التي ذنبها يستمر على صاحبها بعد فراقها أو بعد رحيله عنها بموتٍ أو بغيره.

    فالعاقل أيها الأحباب: يحرص أن يقدم عملاً ينفعه بعد موته، وحين ننادي شبابنا نقول لهم: اغتنموا هذه الأوقات، واغتنموا ما جعلكم الله مستخلفين فيه؛ فإن الله عز وجل سائلكم عن هذه النعم التي أنتم فيها.

    1.   

    الحكمة من خلق البشر

    يا أحبابي: أتظنون أننا خلقنا من أجل أن نشرب ومن أجل أن نأكل وننام؟ أتظنون أننا خلقنا لهذه المتع والملذات؟ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] هذا كلام الله فَتَعَالَى اللَّهُ [المؤمنون:116] يعني: الله أجل وأكرم من أن يخلقنا عبثاً: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ المؤمنون:115] ما ظنكم لو أن تاجراً من التجار استقدم ألف عامل من كوريا ، وألف عامل من اليابان ، وألف عامل من الصين ، أي ثلاثة آلاف عامل وجعلهم في الكنبات ومواقع شركات، ثم بعد ذلك لما جاءوا واجتمعوا ما أعطاهم عملاً معيناً، أخرجوا لهم تأشيرات وفيز ونقلتهم الطائرات، واستقبلتهم العلاقات العامة في الشركة ثم أتوا بهم وأدخلوهم في المخيمات والكنبات وتركوهم هكذا، سبحان الله! ثلاثة آلاف عامل بكل تكاليف استقدامهم ونقلهم وتذاكرهم وتأشيراتهم؛ ثم بعد ذلك تتركهم عبثاً وسدى، هذا مجنون!! هذا ليس برجل أعمال!! هذا ليس بمخطط أبداً!! إن الشخص لا يستقدم عاملاً براتب بخمسمائة ريال إلا وقد أعد له ألف شغلة، إن عجز عن هذه؛ أشغله في الأخرى.

    فإذاً أتظنون أن الله خلق هذا الخلق بمليارات البشر عبثاً هكذا فقط يأكلون، ويشربون أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:115-117].

    أيها الأحبة! إننا نغفل عن قيمة الزمن، والواقع يؤكد أن كثيراً من إخواننا المسلمين وأخواتنا المسلمات غافلون عن إدراك قيمة العمر وهذه الدقائق والساعات، إن الكثير غافلون عن إدراك الحكمة من وجودهم في هذه الحياة، نعم إن الشيوعيين والدهريين والذين لا يعلمون لأي حقيقة وجدوا يجهلون ذلك، لكن المسلم يعلم.

    ذلك الإلحادي المستهتر المستهزئ الذي يقول:

    جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

    ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

    سأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت

    كيف جئت كيف أبصرت طريقاً لست أدري؟

    ولماذا لست أدري لست أدري؟.

    وعمرك ما تدري ولن تدري إن لم يكن لك دراية من كتاب الله ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لكننا ندري من أين جئنا، وندري إلى أين نتجه، وندري ما الذي ينتظرنا إن أحسنا العمل، وندري ما الذي يدركنا إن أسأنا السعي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    وعن عمره فيمَ أفناه؟

    أيها الأحبة! قولوا للشباب: إننا جميعاً سوف نحشر بين يدي الله عز وجل ولن يمر أحدٌ إلا وسوف يسأل: (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي .

    الوقت أنفس ما عنيت بحفظـه     وأراه أسهل ما عليك يضيع

    (لن تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟) أذكر من سنين طويلة من قرابة سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة حينما كنت صغيراً، أن رجلاً كان يزور أحد أقاربي، والذي كان يشد انتباهي أن هذا الرجل على كبر سنه، كان مشجعاً متعصباً يموت في الهلال، ويصبح على الهلال ويسره ما يسر الهلال ويسوءه ما يسوء الهلال وكأنما هو على حد قول القائل:

    وما أنا إلا من غزية إن غـوت     غويت وإن ترشد غزية أرشد

    هناك من يقول: الهلال على عيني ورأسي، وأقول: لو يصبون له زنجبيل وبما أن الزنجبيل أصفر والنصراوية أصفر لا يشرب أبداً، والعجيب قبل شهرين أو ثلاثة كنت في مناسبة زواج، فقابلت الرجل وإذ بالرجل قد كبرت به السن وسألت واحداً قلت: فلان أهو صاحبنا الذي كان هلالياً حتى الموت؟ قال: هو هو، قلت: ولعله إن شاء الله بعد هذه السنين الطويلة قد أفاق، وعلم أن هذه الأندية كلها بل المنتخب لن يدخله الجنة ولن يخرجه من النار، ولن يشتري له بيتاً إن كان ما عنده بيت، ولن يدفع له ضماناً إن كان ما له ضمان، ولن يعطيه شيئاً إذا عجز عن امتلاك المال، هل لا يزال الرجل على طبيعته وسجيته تلك؟ قال: بل وأشد، هذا عمره أفناه في الصحافة الرياضية، من الذي راح؟ وما الذي حصل؟ ومن الذي جاء؟ ومن الذي ذهب؟ ومن الذي عزل؟ ومن الذي فعل؟ ومن الذي قدم وأي عقدٍ حصل وأي..؟ بالله يا مسكين! عمرك أفنيته في هذه الرياضة فهل ستنفعك عند الله عز وجل؟!

    وآخر عمره أفناه في السامري، فما يسمع بضربة طارٍ عند جمرٍ من النار إلا جاء وطبلته معه يسخنها قبل أن يستنزل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأناس قد بلغوا من الكبر عتياً ومنذ شبيبتهم إلى هذا اليوم وهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- مشغولون والله في هذه البلوة، قولوا: الحمد الله الذي عافنا مما أبتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا، لا تظنوا أن هذا ضرب من الخيال بل هو موجود عند طائفة من الناس، وبعضهم أفنى عمره في عرضات وسامر، وبعضهم أفنى عمره في فنٍ وطرب، وبعضهم أفنى عمره في بداية المسلسلات مع الممثل القدير، وأي قدير؟! الممثلة القديرة، وأي قديرة؟! عمرٌ مضى في اللهو، والغفلة، ومقارفة المنكرات، ومخالطة النساء، والخلوة بغير المحرمات، وأمور ومصائب لا ترضي الله عز وجل، هذا أسألكم بالله إذا سأله ربه عن عمره فيم أفناه ماذا يقول؟ لعل فينا من يستيقظ، لعل بشبابنا من يتذكر إذا سأله أو سئل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، وأفني ما بقي من العمر سواء كان شاباً في العشرين أو أقل أو الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين أفنيت عمري في طاعة الله والدعوة إلى الله، وشهود المساجد، وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام، وفي التجارة الرابحة، والتجارة الحلال، والبيع والشراء، وطلب المعيشة، والاستثمار المباح فيجوز للإنسان أن يشتغل بهذا ويتشرف به، لكن هذا الذي أفنى عمره في هذه المسائل -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فوا خجلة الحال إن كان الإنسان يجيب بذلك!

    أيها الأحبة! إن كثيراً من الشباب تضيع أوقاتهم، ونحن حينما نتكلم عن الوقت لا نقول: إن الواجب ألا يجعل الإنسان لنفسه أو لأصحابه أو لأقاربه أو لأحبابه أو لأهله أياماً أو أوقاتاً أو ساعات يمرح ويتنزه ويخرج للبرية ويتسفر ويتنقل ويتمشى ويتمتع بما أباح الله، نحن لا نقول: حرم على نفسك هذه المتع الطيبة، لكن نقول: الحذر من أن ينقضي أو تنقضي سحابة العمر في معصية الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله، تضيع هذه الأوقات على كثيرٍ من الناس وبعضهم معروفون ومشهورون، في ليالي الشتاء البلوت ساخن، وفي ليالي الصيف البلوت ساخن، لو جمعت ساعات البلوت من عمره لوجدتها أخذت جزءاً لا بأس به من عمره، فهذا إذا سئل يوم القيامة عن العمر قال: قضيت جزءاً من العمر في النوم وجزءاً في البلوت، وجزءاً في الغدو والرواح والذهاب والإياب، فلم يبق للعبادة والطاعة إلا أقل القليل من الساعات والدقائق ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    كان العلماء يتمنون زيادة الوقت مع عنايتهم وحرصهم على أوقاتهم، كان علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله في دمشق إذا مر على الناس وهم جالسون على المقاهي، قال : آه لو أن الأوقات تباع وتشترى؛ لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم. عنده مشاريع سوف يملأ بها أوقات هؤلاء لو اشترى منهم، لكن كثيراً من شبابنا اليوم يملون من الوقت إذا أصبح قال: أخ! متى يأتي الغداء نأكل ونرتاح؟ وإذا تغدوا جاء الظهر .. متى يأتي العصر نطلع نشم هواء؟ وإذا انتهى اللف في السيارة قال: متى يأتي الليل نسمر وننبسط، وإذا انتهى وقت السمر والسواليف والخبال.. قال: متى يأتي وقت النوم نرتاح، متى يأتي هذا ومتى يأتي هذا:

    وحلفت ألا أبتديك مودعاً          حتى أهيئ موعداً للقائي

    أودع هذا لأستقبل هذا وتلك والله مأساة يضيع فيها كثير من أوقات شبابنا.

    أيها الأحبة! نريد وقفة تأمل وتدبر لما نعيشه ويعيشه كثيرٌ من شبابنا؛ من إضاعةٍ للأوقات، وتبذير للأعمار إلى حدٍ جاوز السفه.

    عصيان الله بنعم الله

    أيها الأحبة! هذه الصحة والعافية التي في جوانحنا وفي جنباتنا؛ هذه الصحة في الأسماع والأبصار والأبدان، والله إننا ما عصينا الله إلا بطاعته ونعمه، هل تتصور أن رجلاً مشلولاً يرقص دسكو أو بريك دنس أو باليت أو روكي؟! أبداً، لأن الذين يرقصون يرقصون بنعمة الله في أقدامهم ولو سحبت منهم نعمة القدم ما رقصوا، والذين يسمعون الحرام لو كانوا في معاهد الأمل للصم والبكم ما سمعوا هذه الملاهي، والذين ينظرون إلى الحرام لو أخذ الله أبصارهم ونعمة البصر ما كانوا ينظرون إلى الأفلام والمسلسلات التي لا ترضي الله عز وجل، إذاً: فما من عبدٍ يعصي الله إلا بنعمة الله، أروني عبداً يعصي الله بنعمةٍ من عند غير الله عز وجل أبداً، فلنعلم أنه مع زوال العمر وانقضاء العمر وضياع الوقت الذي سوف نسأل عنه، أننا أيضاً نعصي الله فيه بنعم الله فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    1.   

    من شب على شيء شاب عليه

    أيها الأحبة! إنك لترى في الحياة رجالاً تخطوا عتبة الشباب، وقاربوا الشيخوخة أو بلغوها تراهم يعلنون الحسرة والندامة أنهم لم يأخذوا حذرهم، يأسفون أنهم فرطوا في حق أجسامهم فلم يرعوها حق رعايتها، فجنوا في ذلك علةً من الشبهة ومن الشهوة ومن الغفلة استحكمت في نفوسهم، حتى إن بعض الكبار قد بلغ الأربعين والخمسين ولا يزال يهجر الصلاة ولا يصلي! ولو كان في شبابه مصلياً ما تركها في شيخوخته، ولكنه شب على ما نشأ عليه وبات كهلاً وشاخ عمره فيما شب عليه وشاب في ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    تصوروا أناساً يبلغون الستين إلى الآن يشربون الخمر شرب مجانين، ولا يشهدون الصلاة، وبعضهم يقول: يكفيني صلاة الجمعة، يا أخي بلغت الستين وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين، وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) وعند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أعذر الله إلى امرئٍ بلغه الستين من عمره) يعني: من بلغ ثلاثين فقد بلغ الورقة الأخيرة من نصف العمر، فماذا قدمت في النصف الأخير.

    إن من شب على الطاعة شاب عليها، ولذلك تجد بعض الشيبان يقول: للأسف أن هذه أصبحت قليلة، قديماً كنا نرى هذا والآن أصبح أمراً قليلاً أن تجد في المسجد شايب ينتظر من العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء (انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) هذا الشايب يكيف في المسجد إذا دخل المسجد كأنه سمكة في ماء لا يريد أن يخرج منه، لأنه شب على الطاعة وشب على حب الصلاة (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ أنفق نفقةً فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ...الخ).

    أيها الأحبة! لو أن شبابنا تعلقوا بالمساجد ليكبروا بإذن الله متعلقين ببيوت الله متعلقين بالرباط، لكن تعودت كثير من نفوس الشباب الغفلة عن الجماعة، أصبح الواحد يكبر ويكبر ويكبر وما يزال في أنفة وفي ضيق من دخول المسجد، والله إني لا أحصى عدد الرسائل والمكالمات الهاتفية من فتيات متزوجات كل واحدةٍ تقول: هل يجوز أن أطلب الطلاق من زوجي، والأخرى تقول: ماذا أفعل وقد بليت بزوجٍ ولي منه أولاد، والثالثة تقول: قد أصبت بحسرة وملل وكآبة في معيشة.. كلهن يشكين شباباً ورجالاً لا يشهدون الصلاة أبداً ولا حول ولا قوة إلا بالله، لو شبوا على الصلاة، لو تعلقت قلوبهم على المساجد، لو كثرت خطاهم إلى المساجد وتعودوا الرباط لوجدوا خيراً عظيماً ولكن -ولا حول ولا قوة إلا بالله- شبوا على الغفلة، ومر الليل والنهار والشهر والشهران والسنة والسنتان وتتالت الأعوام وهم على هذه الغفلة، فلما شاب القذال، واحدودب الظهر وذبل الجنبان وتغير وتجعد الوجه يريدون أن يتجهوا إلى المساجد لا، سوف تردهم شهواتهم ونفوسهم وأهواؤهم، ويغلبهم شيطانهم إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70].

    الندم على ما مضى من أيام الشباب

    أيها الأحبة! ما أكثر الذين يندمون على ما مضي من أيام شبابهم، بل إننا والله ونحن الآن في الثلاثينات إن الواحد يندم على الفترة التي مضت من عشرين إلى ثلاثين كيف راحت عشر سنوات من زهرة العمر الذهبية لم نستغلها الاستغلال الأمثل الأوفر، فما بالك فيمن ضيع وضيع وغفل ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنا وإياهم على خطر أن تفاجئنا المنية ونحن لم نستعد استعداداً يرضي الله عز وجل ويجعلنا ممن يفوزون بجناته ومرضاته.

    أيها الأحبة! إن للزرع والبذر موسماً معيناً، فإذا جاء وقت الحصاد؛ فإن الزرع لا ينفع حينئذ، إذا جاء وقت حصاد البر ما ينفع أنك تبذر الأرض وتشغل الرشاش، فللبذر والزرع وقت، وللحصاد وقتٌ، ولا بد أن تعلم أنك ما دمت في مرحلة الشباب، فإنك في مرحلة البذر

    ومن زرع البذور وما سقـاها     تأوه نادماً وقت الحصاد

    إن الذي يأتي يوم القيامة وقد ضيع هذا الشباب في المعاصي والسيئات، وقد غفل عن الصالحات هو المفلس والخاسر حقاً، وعليه أن يبادر نفسه قبل أن يفاجئه الأجل أو يحل فيه ما قاله الله عز وجل: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ [المؤمنون:99-101] لا جنسية، لا تابعية، لا جواز، لا إقامة، لا قبيلة، لا فخذ، لا أسرة، لا عائلة، لا هوية فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101] إذاً ما القضية؟ أموال ما تنفع، أنساب ما تنفع وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى [سبأ:37] إذن ما الذي ينفع؟ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المؤمنون:102] الله يجعلنا وإياكم منهم وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [المؤمنون:103-105] ماذا يجيبون؟ ماذا يقولون: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:106-111].

    أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يقول الله فيهم: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون:109].

    اغتنم خمساً قبل خمس

    أيها الأحبة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغتنم خمساًقبل خمس) وقد قال النبي اغتنم؛ لأن الغنيمة أمر يفوت إذا لم تبادره بالسعي، هل الغنيمة في المعارك؟ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء [الأنفال:41] الغنيمة تحتاج إلى كر وفر وسعي وإقدام وإقبال وعناية وحرص وتجاهد عدواً حتى تقتله وتهلكه وتفوز بالغنيمة بعده، فكذلك الغنائم الخمس يبينها لنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه البيهقي عن ابن عباس والحديث صحيح.

    فكم من عبدٍ وكم من شابٍ وكم من رجلٍ وكم من امرأةٍ الآن هم قادرون على المسارعة إلى الخيرات، قادرون على التوبة والإنابة، قادرون على العمل الصالح، وهم الآن عنها قاعدون، وذلك والله عين الغبن؛ لأن الغبن الذي يغبن فيه الناس اليوم هو غبنٌ في الصحة والفراغ، قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) أما الصحة فتضيع في اللهو والغفلة والمعاصي، والفراغ فيما لا يرضي الله عز وجل، فيأتي الإنسان يوم القيامة ذلك القوي النشيط كمال الأجسام يسبقه النحيل الضعيف المريض؛ لأن هذا النحيل المريض قد سخر القليل الباقي من صحته في طاعة الله عز وجل، وذلك القوي صاحب كمال الأجسام قد ضيع هذه العافية والقوة في معصية الله عز وجل، وربما يأتي الرجل المشغول بلقمة العيش منذ أن تطلع الشمس إلى أن تغيب وقد سبق ذلك الفارغ الذي ما عنده شغلٌ يشغله، لأن ذلك الفقير المشغول قد أنفق وأمضى وصرف البقية الباقية من وقته في طاعة الله عز وجل، وذلك المتفرغ قد ضيع الوقت وجعله في معصية الله سبحانه وتعالى.

    نقول أيها الأحبة: إننا نحذر إخواننا وأنفسنا وشبابنا ألا نغبن في صحتنا فتضيع القوة في غفلة، وفي معصية، وألا نغبن في أوقاتنا فيضيع العمر من غير أن نجني منه أرباحاً في العمل الصالح، ودرجاتٍ تقربنا إلى مرضاة الله عز وجل، ونقول لكل واحدٍ منا ما قاله الشاعر قديماً:

    تزود للذي لا بد منه     فإن الموت ميقات العباد

    وتب مهما جنيت وأنت     حيٌ وكن متنبهاً قبل الرقاد

    ستندم إن رحلت بغير سعيٍ     وتشقى إذ يناديك المنادي

    أترضى أن تكون رفيق قومٍ     لهم زادٌ وأنت بغير زاد

    إذا أدرك شبابنا هذه القضية وعرفوا أن الله عز وجل قال: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [الليل:4-11] من أي الفريقين أنت أيها الشاب: أفمن يرضى لنفسه مخالطة الأشرار، وأصحاب السوء أهدى، أمن لا يرضى إلا بمخالطة الصالحين والأخيار قال تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] أفمن ثقافته المجلة الخليعة والفلم الماجن أهدى، أمن اشتغل وامتلأ قلبه بالقرآن والسنة وكلام أهل العلم؟ أفمن يعيش ليأكل ويشرب وينكح وينام ويتسمى باسم المسلمين أهذا أهدى، أمن يعيش لهذا الدين ويعيش لهذه العبادة؟

    1.   

    ماذا قدمنا للإسلام؟

    إن الإسلام يخدمنا ويعطينا ويمنحنا، لكن نحن ماذا قدمنا للإسلام؟ أنا أعطيك أقرب مثال على ذلك:

    لو حصل لا قدر الله حادث لرجل على الطريق، وجاء واحد قال: يا إخوان هناك رجل شاب صار له حادث وعنده نزيف ومحتاج إلى تبرع بالدم، يا إخوان تبرعوا له، أنا واثق أن السيارة ستمتلئ كلها تبرعاً له لأنه مسلم، لأن الإسلام خدمه.

    إذاً: الإسلام خدمنا ونحن باسم الإسلام أكلنا وشربنا وحققنا وأنعمنا وحصلنا خيراً كثيراً؛ فماذا قدمنا للإسلام؟!

    أحد الإخوان في زغرب في المركز الإسلامي بـكرواتيا بجوار البوسنة يقول: جاءنا ذات مرةٍ شاب بسنوي يقول بلغته البسنوية وكان المترجم موجوداً: هل يوجد أحد من شيوخ العرب أريد أن أتكلم معه؟ قال: فجيء إليه برجلٍ من الشباب فيه خير نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، قال: فجئنا إليه، فقال له: يا أخي تعال -هذا كان في بداية غزو الصرب للبوسنة - أنا مسلم جاء الصرب واغتصبوا أخواتي، وأحرقوا بيوتنا، وطردونا وشردونا وفعلوا بنا الأفاعيل، وأنا مسلم أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا أعرف عن الإسلام إلا هاتين الكلمتين، فيا أخي علمني شيئاً عن هذا الدين الذي أقتل لأجله، علمني شيئاً من هذا الدين الذي يحرق بيتنا لأجله، علمنا شيئاً عن هذا الدين الذي يعتدى علينا لأجله، أنا أريد أن أقاتل هؤلاء الكفار من الصرب والنصارى حتى أموت ولن أتركه لكن علمني.

    الآن لو أتينا إلى شاب في سجن المخدرات وقلنا له: تعال اكتب لنا عشر صفحات عن الإسلام، لكتب خمسين صفحةً عن الإسلام، فهذا بسنوي لا يعرف عن الإسلام إلا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، يقول: علموني هذا الدين الذي أقتل لأجله حتى أقاتل على بصيرة وأستمر من أجل هذا الدين، وكان بإمكان هذا الشاب البسنوي أن يقول للصرب: قفوا ماذا تريدون؟ نعلق الصليب، نصلي لليسوع، ننحني للقداس، نسوي التعميد، نسوي صلاة الكنيسة، ونرتاح من الهم والغم لكنه مصر على الإسلام، ومن أجل الإسلام الذي لا يعلم عنه إلا هاتين الكلمتين يتحمل هذه التضحيات.

    فنحن يا معاشر الشباب الذين نعرف الكثير الكثير عن الإسلام؛ في الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وأمور كثيرة في العلاقات والعبادات والأخلاق والمعاملات والعقائد وأشياء كثيرة، ماذا قدمنا لهذا الدين؟ هناك جهلة لا يعرفون عن الإسلام إلا كلمتين يقاتلون من أجله، ونحن أقل شاب فينا يعرف عن الإسلام الكثير ولا يقدم من أجل الإسلام التزاماً! لا يقدم من أجل الإسلام توبة! لا يقدم من أجل الإسلام تضحية؟! لا يقدم من أجل الإسلام يقظة في مواجهة هذه الحرب المسعورة علينا؟! لسواد أعيننا أعداء الإسلام يخسرون نفقات المحطات الفضائية والأقمار الصناعية المستقبلة والمرسلة مجاناً؟ لسواد أعيننا يبثون علينا هذه القنوات؟ لا، ولكن حتى يبقى الضال ضالاً، والفاسق فاسقاً، والمنحرف منحرفاً، والغبي غبياً، والجاهل جاهلاً، المهم ألا يستفيق الشباب والرجال والنساء للإسلام، المهم ألا تعود هذه الأمة إلى الإسلام.

    قال أحد البريطانيين الخنازير: إن هذا المارد -يعني الإسلام- سوف يعود ويستيقظ عما قريب ونحن لا نملك أن نرد يقظته، لكننا نملك أن نخدره لنبطئ ساعة يقظته. نحن لا نملك أن نرد هذا المارد، بل اليهود الذين عجزت أمة الإسلام وقد بلغت المليار أن تسحقهم وهم لا يتجاوزون سبعة عشر مليوناً في العالم، والشكوى إلى الله عز وجل، وإلا والله لو يفتح الطريق إلى هؤلاء الخنازير لوجدت الشباب مستعدين أن يموتوا ويريقوا الدماء من أجل أن يذبحوا اليهود ذبح النعاج والشاه، لكن إنا لله وإنا إليه راجعون، سيأتي اليوم وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [هود:122].

    يقول أحد المسلمين ليهودي من اليهود: سيأتي يومٌ نقاتلكم فيه وسوف ننتصر عليكم، فقال: اليهودي نعم صدقت! ستقاتلوننا وتنتصرون علينا، ولكن ليس هذا الجيل الذي أنتم منه هو الجيل الذي سينتصر علينا، جيل الأغنية والتمثيلية والدش والمسلسل والغفلة والزمر والطرب والكأس والمعاكسة والمرأة والعبث بالخارج والربا والخنا والمعاصي والضياع، ليس هذا الجيل الذي سوف يطرد اليهود من فلسطين ، لكنه جيل العباد الزهاد الصالحين أسود في النهار، رهبانٌ بالليل

    وإن جن المساء فلا تراهـم     من الإشفاق إلا ساجدينا

    رقاقٌ إذا ما الدجى زارنا     نصبنا محاريبنا للحزن

    وجندٌ شدادٌ إذا رامنا     عدوٌ رأى أسدنا لم تهن

    هذا هو الجيل الذي سوف يفتح فلسطين وسوف يفتح القدس ويردها ويرد غيرها من بلدان المسلمين إليهم.نقول يا شباب الإسلام: القضية أكبر من أن تضيع في حب فتاةٍ عبر رسالةٍ أو مكالمة، والقضية أكبر من أن تضيع الأيام في متابعة مسلسل ونعرف في الحلقة الأخيرة، هل تزوجها أم طلقها؟ وهل وجدها أم فقدها؟ وهل انتصر عليها أم انتصرت عليه؟ القضية أكبر من أن تضيع الأمة في هذا الهراء والضياع، لكن من يوقظ الأمة؟ من يوقظ الشباب من هذا النعاس؟ وهذه المؤامرات؟ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46].. إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً [الطارق:15].. بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [سبأ:33] مكر عجيب يخططه أعداء الإسلام وأذنابهم والشباب ينقادون في هذا المخطط.

    1.   

    لا عزة إلا بالإسلام

    كم نتمنى أن نعيش في عزة. الآن انظر لو أن أفضل مطعم أتى بأكلات شعبية نظيفة ذات قيمة غذائية عالية، لأعرض عنها شبابنا إلى هذه الأكلات التي لا تجد فيها من القيمة الغذائية شيئاً، والسبب أن هناك تيار تغريب الأمة وتغريب الشباب، انظر إلى ملابس الشباب انظر إلى بنطلوناتهم وترنكاتهم والفنايل الرياضية والقبعات التي توضع على الرءوس، والكلمات التي تكتب على الفنايل، والعبارات التي تكتب على زجاج السيارات تجد هناك اتجاهاً تغريبياً لهؤلاء الشباب، نحن نتمنى أن شبابنا يرون الغرب كالعذرة والخنزير.

    قديماً فيما مضى، كان في عصر الخلافة العباسية والأموية وغيرها يوجد فساق وأهل معاصٍ وشربة خمور، لكن ما كان في قلوبهم شيء من المحبة أو المودة للغرب والكفار، ما كان في قلوبهم تنازل أن ينظر إلى الغربي والكافر نظرة احترام وتقدير، ما كان يرضى أن يَعُد هذا الكافر شيئاً، اللهم إلا إنسان ذمي فله حقوق أهل الذمة فقط، لكن مصيبتنا الآن أن الشاب يدرس في الصباح التوحيد والفقه والحديث والثقافة الإسلامية، وفي المساء تجده مولع بالرياضة الغربية، الملابس الغربية، والأفلام الغربية، والأغاني الغربية، والموسيقى الغربية، وهذه المصيبة التي أورثت في نفوس الشباب هذا التغيير وهذا الاتجاه، والقضية قضية ولاء والخطر على جيل الأمة أن يكون جيلاً يعيش في بلد وجيله في بلد آخر، أن يعيش في بلد وانتماؤه إلى بلد آخر وإن لم يصرح بهذا، لكن الخطورة أن تكون هذه الفيروسات والأمراض قد دخلت في العصب والشعيرات الدموية، ونياط القلوب، وخفقات الأفئدة لشبابنا ونحن لا نعلم، نحن نريد شباباً يعتزون بالإسلام.

    يعجبني موقف يذكرون فيه أن شاباً كان ثرياً منعماً، جيء في ذات يوم برجل يصلح ديكوراً في بيته، فكان هذا الشاب جالساً مع شلته يتفرج على فيلم خليع، وهذا الرجل جالس على السلم يشتغل، فالظاهر في لقطة من لقطات الفلم وإن كانت خليعة لكن فيها شكل مضحك، كان هذا الذي على السلم في عقيدته خلل أو ينتمي إلى النصيرية تقريباً، فالتفت يضحك مع هؤلاء الشباب الضاحكين، وقال: هذا كأنه ابن تيمية؛ لأن النصيريين يكرهون ابن تيمية كراهيةً شديدةً حتى في زمن من الأزمان قيل: إن واحداً من الشياطين قال: هاتوا لي ابن تيمية حياً أو ميتاً قالوا: هذا ميت من سنة سبعمائة وعشرين هجري، من أين آتي لك به الآن؟ فالحاصل أن هذا الذي يعمل في الديكور استهزئ بـابن تيمية، ففي تلك اللحظة قام ذلك الشاب الذي يجلس ينظر إلى هذا الفلم وأصبحت يقظة؛ لأنه ضرب ضربةً في صميم مثله ومبادئه وقيمه وقادته الأوائل، فأخذ الحذاء وقام يضرب ويلطم على وجه ذلك العامل إلى أن أخرجه قال: ما عاد إلا ابن تيمية، إذا كان هذا المجلس جعلنا نصل إلى هذه الحالة من سب علماء الإسلام وجعل هؤلاء يتجرءون علينا انتهت القضية، وكانت فكرةً بعد سكرة، وكان أمراً بعد خمر، وكانت يقظةً بعد غفلة، نحن نريد من شبابنا يقظة، نريد من شبابنا عزة، نريد من شبابنا ألا يروا الغرب إلا كالأحذية، ونريد منهم أن يسابقوا الغرب في التكنولوجيا والعلوم التطبيقية والاختراعات، ولا يكفي أن نسخر بالغرب ونستهزئ به ونحن فقط لا نملك إلا سب الغرب وشتمه، نريد أن ننافسهم في الذرة والإلكترون وبما استطعنا من جدٍ ومثابرةٍ واجتهاد وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33] هذا أمر نريده من شبابنا: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] الشباب اليوم يكدحون لكن بعضهم يكدح ثم يسعى في غضب الله، وبعضهم يكدح ويسعى في طاعة الله ومرضاته قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] الأمر بين أيدينا إن شئنا أن نكون ممن يشترون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله عز وجل، فإن الله رءوف بالعباد يقبل توبة عبده ولو أسرف على نفسه قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الزمر:53] ومن أعرض ونأى وغفل وأصر على معصيته وسوف وقال بعد أن نشيب وبعد أن نكبر، لعل وربما نتوب فقد تفاجئه المنية:

    يا غافلاً عن العمل     وغره طول الأمل

    الموت يأتي بغتة     والقبر صندوق العمل

    1.   

    دور جليس السوء

    ختاماً: أيها الشباب انصحوا وذكروا من تعرفون ممن وراءكم من الشباب أن تحذروهم من جلساء السوء، كم من شابٍ كان عابداً فأصبح فاجراً بسبب جليس، كم من شاب كان عفيفاً فأصبح داعراً بسبب جليس، كم من شابٍ كان طاهراً فأصبح مدمناً بسبب جليس، كم من شابٍ كان غيوراً فأصبح ديوثاً بسبب جليس، الله الله تفطنوا والتفتوا وانتبهوا لهؤلاء الجلساء؛ لأن الفساد لا يقع فجأة، لا يوجد شاب يحاكم في الزنا يقول: والله كنت ماشياً ذاك اليوم وقابلتني امرأة فرمت بي أو رميت بها فزنيت بها، لا، إنها خطوات أولها: الجليس، أو النظرة أو السهام التي يقذفها الشيطان لتقرب إلى هذه المعصية، ولذلك قال الله عز وجل: لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21] فقبل الزنا نظرة وابتسامة، كما قال الشاعر:

    خدعوها بقولهم حسناء     والغواني يغرهن الثناء

    نظرةٌ فابتسامة فسلامٌ     فكلام فموعد فلقاء

    أيها الشاب: قل لمن تعرف من هؤلاء الشباب الضالين عودوا إلى الله عز وجل قبل أن يفيق الواحد ويقول: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] قبل أن يقول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً [الفرقان:27].يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً [الفرقان:28-29] إن أخطر ما على الشباب اليوم رفقاؤهم الذين يزينون لهم المعصية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    واختر من الأصحاب كل مرشد     إن القرين بالقرين يقتدي

    إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم     ولا تصحب الأرداء فتردى مع الردي

    أود أن نكمل هذه المحاضرة حتى لا أطيل عليكم في مناسبة أخرى، عسى الله أن يجعلها قريبةً بمنٍ منه وكرم، ونجعل ما بقي من الوقت للأسئلة وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    علاج سوء حال المخيمات

    السؤال: فضيلة الشيخ سعد: بارك الله فيكم، لسان حال بعض الشباب في المخيمات يقول: خرجنا لهذه المخيمات للترفيه والمرح والسعادة، ولكن مع الأسف الشديد نضيع الصلوات؛ سهرٌ في الليل ونومٌ في النهار نرجو التوجيه؟

    الجواب: أيها الأحبة! إن كثيراً من الشباب يقعون في معصية الله وسخط الله وغضبه ولكن لا يصارحون أنفسهم، ويصدقون في نقد بعضهم لبعض والمجاملة تغلب عليهم فيقولون: نخرج من أجل النزهة، ونخرج من أجل الترفيه المفيد، نحن لا نقول: هذا عيب ولا حرام أن يخرج إلى النزهة، ما الذي يحرم عليك أنك توسع صدرك في مخيم في استراحة قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32] لا أحد يحرم عليك هذا لكن حينما تجد أن هذا العمل قد أفضى بك إلى ضياع الواجبات وفعل المحرمات، فاعلم أن هذا عمل يضرك ولا يسرك، وهل هناك ما يمنع أن تتواصوا قبل أن تخرجوا إلى المخيم بضوابط، أولها: إذا دخل وقت الأذان فلانٌ يؤذن وفلانٌ يصلي الفجر، فلان يوقظنا لصلاة الفجر، لا نسهر في الليل ثم نصليها في الضحى أو الساعة العاشره أو الحادية عشرة، وبعض الشباب للأسف لا يصليها، وبعضهم لو دخل عليهم طالب علم أو شاب فيه خير يريد يعطيهم كلمة توجيهية إرشادية لمدة عشرين دقيقة، قال: يا ألله! حتى في البر نلقى مطاوعة، سبحان الله العلي العظيم، يا أخي الحبيب أين تريد أن تلقاهم؟ في المقبرة.. إن الأموات لا تنتصح، أنت المحتاج إلى النصيحة، ثم اسمع ولا تجعل الشيطان حجاباً بينك وبين النصيحة، بعض الناس حينما يأتي أحد ينصحه يقول: كلها عشرين دقيقة وما عليك إلا أن تتحمل فقط، لكن حالهم في آذانهم وقر، وعلى أبصارهم عمى، وعلى قلوبهم أكنة، وما عنده استعداد يسمع كلمة، يعني: ما يضرك حتى لو الشيشة قدامك، والطيران على يسارك والكمنجة وراءك والعود على يمينك والتلفزيون أمامك، لا يضرك أنت ركز فقط على الكلام واسمع هل يعطيك كلام خرافات أو كلاماً حقيقياً؟ هل هذا الكلام صحيح أو كذب؟ هل هذا الكلام ينفع أو يضر؟ هل هذا الكلام معقول أو غير معقول؟ وكثير من الشباب يحجب الشيطان عن النصيحة.

    كان الطفيل بن عامر الدوسي يحذرونه ويقولون: انتبه إن قدمت على محمد فإن عنده كلاماً ليس بسحرٍ بل أشد من السحر يفرق بين المرء وزوجه ويجعل الرجل صابئاً في دينه، فإن ذهبت إليه؛ فاجعل في أذنيك قطناً يعني: انتبه تسمع له فوضع الطفيل القطن في أذنيه يوم قدم: قال إني لمن شعراء العرب وأعرف سجع الكهان وأعرف مليح الكلام من قبيحه فلماذا لا أسمع منه، فإن كان حقاً قبلت، وإن كان غير ذلك رددت، فجاء وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زدني فزاده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

    وللأسف بعض الشباب عنده فكرة أنه يؤجل الدور الثاني الذي هو عقله، فقد أعطى عقله الشباب ورئيس الشلة ورئيس المخيم ورئيس المجموعة إن كان فلان ذاك التزم وتاب، فسألتزم، وإن ظل سيئاً فنحن مثله، وإن كان استقام فحن سنستقيم، هذا جهل: (لا يكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء، ولكن يكن ذا رشدٍ وعقل، إن أساءوا أحسن، وإن أحسنوا أعان على ذلك).

    برنامج يومي لمخيمات الشباب والعوائل

    السؤال: آمل إعطاء برنامج يومي لنا في مخيم الشباب أو العوائل لأن كثيراً من المخيمات يضيعون الوقت.

    الجواب: ينبغي أن يكون الإعداد للمخيمات قبل وقتها، فإذا كان يوجد في المخيم سواء كان مخيماً عائلياً، أو مخيم شباب إذا كان يوجد فيه من العقلاء أو من طلبة العلم، أو من الشباب مهما كان تخصصه ودراسته سواء كان ميكانيك أو كهرباء أو لحام أو سمكرة، المهم عنده احترام لشخصيته وعقله ووقته، يجعل وقتاً محدداً يعني: احترام الزمن يجعلك تجد لذة الوقت، النوم في هذه الساعة فيطفئ نور المخيم ويستسلم الجميع للنوم، فيأتيك شخص يقول لك: والله أنا ما أتاني نوم ماذا أعمل؟ قل له: قل: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير قلها مائة مرة، لو قلتها عشرين مرةً جاء الشيطان قال: يكفي نم خلاص، يخليك تنام وهذا مجرب والله يقول بعض الإخوان وهذا شيء ربما نحن جربناه أيضاً يقول: والله إن الأستاذ أحياناً على السرير يأتي الشيطان يطير عليه النوم ويسهره من أجل أن يضيع عليه الفجر، يقول: إذا جاك النوم ضع المصحف بجانبك وإذا ما جاك افتح المصحف والله ما تقرأ صفحتين إلا وأنت تغط في نومٍ عميق وهذا مجرب، فنقول: يحدد وقتاً معيناً للنوم، تطفئ أنوار المخيم والجميع ينامون، وقت الفجر يقوم أحدهم يؤذن، يصلون الفجر ويذكرون الله ويقرءون قليلاً من القرآن ويعودون إلى النوم إن شاءوا وإذا كانوا شباباً يتدربون، ثم سيجدون لذة النهار بالاستفادة من الصباح. لكن بعض الشباب هذه الأيام يسهرون طوال الليل ثم من آخر الليل من الساعة الثانية أو الثالثة نوم ولا يصلي الفجر ولا شيء، ثم يقوم الساعة الحادية عشرة كسلان وهذا مضيعة وقت ثم يقومون لا يشتهون فطوراً ولا يتمتعون بالغداء بسبب ما أصابهم من العجز والكسل، لكن انظر إلى نشاطهم عندما يستيقظون من الصباح ويستمتعون بهواء الصبح إذا تنفس، وصفاء الجو ونقائه ثم الضحى ثم يتناولون فطوراً جميلاً ورياضة وشيئاً من القراءة وقيلولة قبل الظهر وفي الظهر إعداد الغداء، وبعد العصر قراءة في كتاب، ثم يوزعون أنفسهم فريقين أو ثلاث فرق، إن كانوا يلعبون كرة قدم أو طائرة إلى المغرب يصلون ثم قراءة إلى العشاء، وفي نفس البرنامج يجدون متعة وليس بشرط كرة القدم أضف إليها ألعاباً أخرى، تمرينات وتدريبات فسيجدون وقتاً.

    كذلك الأسر عندها المسابقات والكتيبات والقراءة والأمور النافعة وعندهم الحديث الطيب في قصص الأولين والآخرين والمغازي وما حصل أيام الجاهلية وأيام كذا وما الذي حصل قبل فتح الرياض وأيام زمان، لكن أن يضيع الوقت بهذه الطريقة التي عليها كثير من الشباب والله إن الإنسان يرثي لحاله.

    شاب متردد في التوبة

    السؤال: فضيلة الشيخ شابٌ متردد في التوبة هل من توجيه إليه؟

    الجواب: لا تتردد يا أخي يقول تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] والله ما يردك عن التوبة إلا الشيطان يريد أن يفاجئك فيها قبل أن تتوب وإن تبت إلى الله، فأبشر فإن الله يفرح بك: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحد أضل ناقته وعليها طعامه وشرابه ... الخ) إن الله يفرح بتوبة العبد وإذا تبت توبةً صادقةً أبشر؛ فإن الله يبدل سيئاتك حسنات وبالمناسبة كثير من الشباب إذا أراد أن يتوب يذهب إلى عند أحد المشايخ يقول: يا شيخ أنا سافرت يوم كذا وسويت يوم كذا وأخطأت وفعلت لا تقل ذلك، بل إذا تبت إلى الله فاشكره ولا تخبر أحداً بشيءٍ أبداً ولا تتكلم عما ستره الله عليك ولا تكشف أوراقاً قد أودعها الله في كنف الستر.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756616611