إسلام ويب

وغارت الحورللشيخ : عبد المحسن الأحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الشيخ حفظه الله في محاضرته هذه: حال النساء في الدنيا، مبيناً أن منهن المحافظة العفيفة الطائعة لله، ومنهن المتساهلة المعرضة عن طاعة ربها، ثم تكلم عن الجنة والحور العين وأوصافهن، وأن المؤمنة في الجنة خير منهن، وتحدث عن حال المؤمنة في الدنيا وعفتها، وحكم ستر الوجه،ثم تحدث عن النعيم الذي ينتظرها في الجنة وعن وصف زوجها في الجنة.

    1.   

    حال النساء في الدنيا

    الحمد لله لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه سبحانه، خلق النساء والرجال وأكثرهم نسي أنه خلق من صلصال كالفخار، بين لهم الطريق إلى الجنان فأكثرهم آثر الدنيا، وعن الطريق حنف ومال، أطلع نبيه عليه الصلاة والسلام على الجنة وعلى النار فاطَّلع فرآها يأكل بعضها بعضا، ورأى النساء هن أكثر أهل النار.

    نساء الجنة قليل، وهن اللاتي صبرن وثبتن يوم تفلتت الكثيرات مع الفجار، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ [العنكبوت:39].

    الحمد لله الجليل جعل صبر المتقين في هذه الدنيا وإن طال قليلاً جد قليل، وطريق النكد والكآبة على العاصين وإن تظاهروا بغير ذلك طويلاً جد طويل.

    وأصلي وأسلم على أشرف خلقه محمد صلى الله عليه وسلم الهادي بإذن ربه إلى سواء السبيل، معه كتاب فيه للخلد دليل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

    أما بعد:

    المرأة المعرضة عن طاعة الله

    فموضوع هذه المحاضرة هو حديث واحد، حديث قاله من لا ينطق عن الهوى صلوات ربي وسلامه عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد) انتبهي -يا أخية- مع هذا الحديث (إلا وله منزلان) سبحان العادل (منزل في الجنة ومنزل في النار، فإذا ماتت فدخلت النار ورث قصرها غيرها) حديث أقض مضجعي فلم أنم، وأذرف دمعتي من حرقة الألم، كم تقلبت، وكم فكرت، وطال تفكيري بتلك الأخت الغالية، التي سيسكن قصرها غيرها، ويستمتع بفرشها غيرها، وسيأمر خدمها غيرها، تلك الفتاة التي ما ظلمها ربها، أنعم عليها بسمعها وبصرها، وأكمل لها حسنها وخلقها، ثم أمرها بما ينفعها، ونهاها عما يضرها، زين جنته لنزولها، أمر ببناء قصرها وأجرى من تحته أنهارها، وأنبت على شواطئها أشجارها، الولدان والخدام ينتظرونها، والملائكة الكرام حافين بالقصر يرتقبونها، فسبحان من أمرهم بالسلام عليها حتى إلى قصرها يزفونها.

    نعم هم ملائكة خلقوا من نور وهي من طين، ولكن أمرهم سبحانه أن يتهيئوا لاستقبالها، فصاروا يرتقبونها، التاج لها أُعد، والموائد بكل ما تشتهيه تمتد، فإذا بالضعيفة المسكينة تتنكب عن سبيلها، وتقوم خصمة لربها.

    كشفت الزينة التي أمرت بسترها، واستمعت الأغاني التي أمرت بهجرها، ربها ينظر إليها ويحلم، ويزيدها من النعيم ويكرم، فإذا بها تغتر بستره عليها، اشترت لعنته بشعرات نتفتها من حاجبيها، لبست البنطال وتشبهت بالرجال، فحلت لعائنه عليها، باعت حرير الجنان بعباءة رخيصة على كتفها فيا لخسرانها، فاستحقت بعصيانها بدلاً عن الجنة ناراً، وعن أساور الذهب قيوداً وأغلالاً، وعن شراب السلسبيل حميماً من الصديد وماءً يشوي الوجوه (جَزَاءً وِفَاقاً [النبأ:26].. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:33].

    فلو رأيتيها بعد ذلك الكبر والغرور وهي تحشر على وجهها يوم البعث والنشور، تحشر مع من أحبتهم وتشبهت بهم من الغرب، وأهل الطرب، والتبرج، والتفسخ، والسفور، فما أذلها وأحقرها حينئذٍ، قال ربنا جل وعلا: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20] تتعرض للعنات ربها بالليل والنهار غدواً وعشيا.

    قصة فيها عظة وعبرة

    هذه رسالة أتتني بعد برنامج تلفزيوني لي، أتتني تلك الرسالة وكان حبرها الدم، تقول: كنت أنا وأختي متفلتات لا نعلم من هذه الدنيا إلا أننا كنا مفاتيح للشر مغاليق للخير، حتى كانت إحدانا ما تكتفي بذنوبها ومعاصيها، بل وكانت أختي أشد مني إذا رأت فتاة أخرى قالت لها: والله حواجبك جميلة، لكن لو نمصت لكان شكلها أحسن، ولأصبح منظرها أفضل، فكانت مفتاحاً للشر، ما بقيت بنت معنا في الكلية إلا وقد لعبت بعقلها.

    ولما نظرت إلى برنامجك في هذا اليوم، علمت أن المسألة ليست سهلة، إذ حقيقة المسألة أن وراءنا حساباً، ووراءنا عقاباً، وأننا مسئولات عن كل شيء نفعله، وربنا ينعم علينا نعماً حتى ظننا أننا من أحبابه.

    في يوم من الأيام وأنا وأختي خارجات، سافرات، لم يكن علينا رقيب، كان عندنا ذكور في البيت لم يكونوا رجالاً، تقول: فبينما نحن نتسكع في شوارع المدينة وأسواقها، إذا بأختي تمسك ببطنها وبدأت بالأنين، اعتصر قلبي وذرفت دمعتي، وقلت لها: ما بك؟ قالت: أحس بآلام في بطني.

    المهم تقول: عُدنا إلى البيت بسرعة، فأخذنا معنا والدي، ثم ذهبنا إلى المستشفى، تقول: وبعد الفحوصات، التحاليل كنا نظن أننا لا نحتاج أكثر من مسكن ثم تزول الآلام، فإذا بالآلام تشتد عليها وهي تبكي، كانت تعتصر من الألم وقلبي يعتصر ألماً عليها، وعيني حزناً لما بها تدمع.

    تقول وإذا بالطبيب يأتي ويقول لأبي: أريد أن أكلمك بكلمة على انفراد، تقول: وأنا أرقب أبي من بعيد، وهو واقف مع الطبيب يتكلم معه، فإذا بوجه أبي يتمعض ويتغير، ويحمر وجهه، أراه يُحرك يديه يخاطب الطبيب ويسأله، ويأخذ ويعطي، فعاد إلينا أبي قد ملأت الدموع عيناه حتى كانت تلمعان، اغرورقت عيناه بالدموع، حاول أن يكفكف عبراته فسألته أبي: ماذا قال لك الطبيب؟ قال: لا شيء، مغص بسيط إن شاء الله، لكن لا بد أن تستكمل الفحوصات، لا بد أن تدخل المستشفى في هذه الليلة حتى يستكملوا الفحوصات، والمسألة بسيطة يا بنيتي، قالت: والله يا أبي إن في عينيك كلاماً وأسراراً، يقول: لا شيء يا بنيتي. المهم أدخلت البنت المستشفى.

    تقول: ورجعت أنا وأبي بالسيارة، وقد حاولت أن أرافقها فمنعوني، ألححت على أبي، وشددت عليه بالمسألة حتى قال: إن الطبيب يقول: إنه مشتبه بسرطان عندها بالمعدة، أبيت إلا أن أرافقها، ورجعت من الصباح في اليوم التالي فجلست معها، والله إنها هي التي تتألم وألمي أشد.

    تقول: فلما كنت بجانبها، ودموعها تذرف وتعتصر ألماً، ثم تنطوي على بطنها وتقول: ادعي لي الطبيب، تقول: فأسرعت ودمعاتي تنسكب على خدي، فلما جاء الطبيب كلمَتْه وقالت: أحس بآلام شديدة لا أستطيع أن أجلس بهذا الشكل، لا بد أن تعطوني أي مسكن، قال لها: هذه الآلام عندنا لها مسكن، لكن هذه الأدوية لها مضاعفات، قالت: لا توجد أي مشكلة، قال: اسمعي مضاعفاتها قبل أن تقرري، قال لها: مضاعفاتها أنها تسبب تساقطاً في شعر الرأس وشعر الحواجب، وكل شعرة في الجسد، قالت: مادام أن أعراضها هذه فسأتحمل ثم غادر الطبيب الغرفة، فما لبثت أختي دقائق وهي تعتصر من الألم وتئن، فقالت: نادي لي الطبيب بسرعة، فجاء الطبيب، قالت: أعطوني هذا العلاج، قال: سيُسقط شعرك، قالت: أعطونيه لو يُسقط عيوني، الألم هذا لا بد أن يسكن، لا أستطيع أن أتحمله.

    وبدأ العلاج، ومرت الأيام، بدأ الشعر من جوانبه يتساقط بأمر من عزيز حكيم، حتى لم يبق في رأسها شعرة، صار شكلها مخيفاً، صارت حالتها النفسية أشد من حالتها المرضية، أنظر إليها فلا أتحمل رؤيتها ثم أخرج وأبكي، حتى أهدأ وأعود إليها.

    ثم بدأت الحواجب تتساقط من أطرافها، كم كانت تنمصها؟ وسألت نفسي كم نمصنا الحواجب أنا وهي؟! ورسولنا عليه الصلاة والسلام يقول: (لعن الله النامصة والمتنمصة) أي: طَرَدَ من رحمته، يوم تقف أمامه ماثلة يوم القيامة.. رسولنا يرجو رحمة الله ولن يدخل الجنة إلا برحمة الله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) تقول: سألت نفسي كيف ندخل الجنة وقد تعرضنا بأنفسنا وبأيدينا للعنة الله عز وجل والطرد من رحمته؟ كيف نعبر الصراط؟

    تقول: وأنا أنظر إلى حواجبها تارة، ثم أذهب إلى المرآة وأنظر إلى حواجبي، جاءتني حالة نفسية أظن أن الذي يحصل لها يحصل لي، كم رفعت يدي ألمس شعري؟ كم نظرت إلى حواجبي؟ علمت أن الله عظيم، وأنه يمهل لكنه لا يهمل، فسقطت حواجبها، صار شكلها مخيفاً، ومؤلماً، ومحزناً في نفس الوقت.

    تقول: يا ليت الأمر بقي على ذلك، تقول: والله قد جاءتها حالة حار فيها الأطباء، أصبح يدب في جسدها احمرار عجيب، ثم فجأة يزداد ذلك الاحمرار، ثم بعد أيام أصبح نصف الوجه أحمر كأنه محروق، حتى صارت تغطي وجهها، لكن ليس بطوعها، صارت تغطي وجهها حتى لا يبين ذلك التشوه الذي في النصف منه، وتذكرتُ كم أنعم الله علينا بتلك النعم، وذلك الجمال، ثم عصيناه بنعمه!!

    تقول: لكني أُحملك المسئولية أن تقول لكل من أظهرت زينتها أنها لو كانت في حال أختي لغطت وجهها ليس ديناً، وإنما رغماً عنها، وعلمت أن الله عز وجل لو أرادها أن تغطي وجهها رغماً عنها لجعلها؛ وأنه تعالى متعنا بذلك الجمال حتى نشكره، ولكننا كفرناه وجحدنا نعمه أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80].

    1.   

    صفة نساء الجنة

    يا معشر النساء الغاليات، من نساء وفتيات: رسولنا عليه الصلاة والسلام يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أقل ساكني الجنة النساء) فهلا كنت مع القليل؟ لكن كيف؟

    يقول عليه الصلاة والسلام -وهو الذي رأى ما لم نره-: (أطلعني ربي على النار) والله ما تكلم إلا وقد رآها عليه الصلاة والسلام، لا ينطق عن الهوى يقول: (أطلعني ربي على النار فاطلعت) لكنه حدثنا عن خبر من الأخبار لا بد أن نقف معه يقول: (اطلعت فرأيتها تأكل بعضها بعضا، ورأيت) ماذا رأيت يا رسول الله؟ قال: (رأيت النساء هن أكثر أهل النار).

    صفة الحور العين

    عندما قل نساء الجنة من أهل الدنيا ما كان ذلك لينقص من نعيم الجنة، أو ليترك القصور خالية، أنشأ الله خلقاً جديداً ما وطأت أقدامهم الأرض، حتى يسكنوا مكان تلك المسكينة الضعيفة التي غرها ستر الله عليها فدخلت النار، أنشأ الله ذلك الخلق وأبدعه، وأعلى مكانه ورفعه، كيف يا رب وصفهن؟ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58] تلك التي حلت مكان المسكينة كيف وصفها يا ترى؟

    وصفها: أقض مضاجع المشتاقين، فكانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وصفها أظمأ هواجر العاشقين فأصبحوا صائمين، وأمسوا قائمين، يقدمون أرواحهم وأنفسهم وأموالهم مهراً لها وهم مستبشرون..

    غادة ذات دلال ومرح     يجد الناعت فيها ما اقترح

    خلقت من كل شيء حسن     طيب والليت فيها مطرح

    زانهـا الله بوجهٍ جمّعت     فيه أوصاف غريبات الملح

    وبعينٍ كحلها من غنجها     وبخد مسكه فيها رشح

    ناعمٌ تجري على صفحته     نظرة الملك ولألاء الفرح

    ليس هذا فحسب، بل:

    تولـد نور النور من نور وجهها     ومازج طيب الطيب من خالص العطرِ

    فلو وطأت بالنعل منها على الحصى     لأعشبت الأحجار من غير ما قطرِ

    ولو شئت عقد الخصر منها عقدته     كغصنٍ من الريحان ذي ورقٍ خضرِ

    ولو بصقت في البحر شَهْد لعابها     لطاب لأهل الأرض شرب من البحرِ

    هل يعقل أن يفرط فيها عاقل وهي بهذه الصفات؟ وهل تعتقدين -أخية- أن من كانت بهذه الصفات يمكن أن تغار من أي مخلوقة كائنة من كانت؟! تعالي نتعرض إلى نسمات من صفاتها.

    - كيف عطرها؟ يا من غرك إبليس فخرجت متعطرة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (ما من امرأة تعطرت فخرجت فوجد ريحها الرجال؛ إلا وهي زانية تكتب عند الله) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله لا يخلف وعد رسله، عطرها كيف بذلك العطر؟

    يقول صلوات ربي وسلامه عليه في الصحيح: (لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت -وفي لفظٍ-: أشرفت على الأرض، لملأت ما بين السماء والأرض ريحا) أيّ عطر ينفذ من السماء ويملأ السماء والأرض ما من طائرٍ إلا ويستبشر وينشرح صدره بتلك الرائحة، وما من دابة تدب على الأرض إلا وتشغلها تلك الرائحة، أي عطر ينفذ من السماء إلى الأرض؟

    والـريح مسك والجسوم نواعمٌ     واللون كالياقوت والمرجانِ

    - كيف عيناها؟ كيف أبدعها صانعها سبحانه؟ وكيف خدها؟

    حمر الخدود ثغورهن لآلئ     سود العيون فواتر الأجفانِ

    - كيف جسمها؟

    والـريح مسك والجسوم نواعمٌ     واللون كالياقوت والمرجانِ

    - أما ذلك الشهد الذي حواه ثغرها، فيقول صلوات ربي وسلامه عليه: (لو بصقت في البحر المالح الأجاج لصار عذباً فراتاً بإذن الله).

    - أما خلقها:

    كملت خلائقها وأكمل حسنها     كالبدر ليل الست بعد ثمانِ

    - أما وجهها فلا تسألي عن وجهها:

    والشمس تجري في محاسن وجهها     والليل تحت ذوائب الأغصانِ

    - والشفاه وذلك الثغر:

    والبرق يبدو حين يبسم ثغرهـا     فيضيء سقف القصر بالجدرانِ

    التفاضل بين المؤمنات والحور العين

    أما أنت -يا أخية- فمن المؤكد ولا يخالط قلبك شكٌ ولا ريب، أنك قد غرت من هذه الحورية ويحق لك ذلك، كيف لا تغارين! ولو اجتمع نساء الدنيا كلهن في كفة بكل ما خلق الله فيهن من الزينة والجمال والحلي والقلائد، ثم أتينا بظفر حورية من أولئك الحور، ووضعناه في الكفة الثانية؛ لطاش جمالهن كلهن، ولرجحت تلك القلامة من ظفرها.

    ما هاهنا والله مـا يسوى قـلا     مة ظفر واحدة ترى بجنانِ

    كما قال عليه الصلاة والسلام: (لو أن أقل ظفر في الجنة بدا لتزخرف له ما بين السماء والأرض).

    وكيف لا تغارين وقد غارت قبلك أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد أورد ذلك ابن القيم مما رواه الطبراني ، تعالي بسرعة -أخية- نخترق العصور راجعين إلى الوراء، ونخترق القرون ثم نأت ونقف على تلك الغرفة، وتلك الحجرة الصغيرة، حجرة محمد عليه الصلاة والسلام، وهو قائم يصلي، وأم سلمة ترقبه في ظلمات الليل، قائم يتهجد وأم سلمة تنظر إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، تعالي ننظر ما الذي حدث هناك.

    قام نبينا عليه الصلاة والسلام يقرأ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:31-33] فسكت النبي عليه الصلاة والسلام وصار يحرك شفتيه، ويسأل الله من فضله، علمت أم سلمة أنه وقف عند قوله تعالى: وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:33] ثم دعا، رجف قلبها، ما إن انتهى عليه الصلاة والسلام من صلاته إلا وأم سلمة تبادره وتسأله: يا رسول الله! ما معنى فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ [الرحمن:70]؟ تسأله عن آيات أخرى، ما معنى خيرات حسان؟ فيجيبها، يا رسول الله! ما معنى عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة:37]؟ فيجيبها.

    ثم سألت السؤال الذي تريد أن تصل إليه، قالت يا رسول الله! -موضوع أشغلها، ويحق لها أن يشغلها ذلك الموضوع- إن إحدانا اتقت الله عز وجل، وخافت مقامه، وسارعت إلى أمره، وانتهت عند نهيه، أنحن خير أم الحور خير؟ يعني: هل نحن أجمل أم الحور أجمل؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام، حتى كان وجهه كفلقة القمر، وإذا بها لحظات حاسمة تنتظر الإجابة من تلك الشفاه، فإذا به صلوات ربي وسلامه عليه يقول: (لا. يا أم سلمة ! بل نساء الدنيا خير) فإذا بها تتهلل أسارير وجهها رضوان الله عليها، فيفاجئها قائلاً: (فضل إحداكن على إحداهن كفضل الظهارة على البطانة) ما معنى هذا الكلام فضل الظهارة على البطانة؟ بكم أغلى قطعة قماش؟ أغلى قطعة قماش على الأرض بكم؟ بألف أو بألفين أو بثلاثة آلاف أو بعشرة آلاف؟ وكم أغلى بطانة؟ بعشرين أو بثلاثين ريالاً، ثم لفت انتباهها إلى أمر يريد صلوات ربي وسلامه عليه أن يلتفت كل من يسمع هذا الحديث إليه، وهو لب الموضوع قال: (يا أم سلمة : وهل تعلمين بما فضلتن عليهن؟ بصلاتكن، وقنوتكن، وتقاكن لله عز وجل) يعني: بهذه الخشية، وهذا الحذر من مكر الله عز وجل، وهذه المسارعة بالأعمال الصالحة؛ بهذا تنال إحداكن هذه المنزلة.

    لكن هل تعلمين -أخية- أن منكنَّ ومن النساء اللاتي يمشين على هذه الأرض -والله- من سوف تدخل الجنة، وتسكن تلك الجنان، فإذا بالحور مع ما ذكرنا، من جمالهن الذي يسلب الألباب والعقول -والله- سوف تبهر بجمال تلك الغالية المؤمنة الصابرة على طاعة الله.

    أما سمعتِ ما قالت عائشة رضي الله عنها في النساء الطاهرات العفيفات المحتشمات المتقيات، الداعيات لله أنهن: يخاطبن الحور، وتعجب الحور من هذا الجمال! فيقُلْنَ: ما هذا الجمال؟ فترد عليهن نساء الدنيا: نحن المصليات فما صليتن، نحن القانتان يعني: دائمات العبادة، كم تركنا من أشياء كانت محببة لقلوبنا، كم صبرنا في الدنيا فما صبرتن، نحن الصائمات وما صمتن، فتغار الحور لأجل هذا النعيم، أعدت الصالحات العدة، لأجل تلك المنزلة، وذلك الموقف، وتلك الوقفة، وتلك اللحظات، أعدت الصالحات العدة من الأعمال الصالحة والقربات.

    قلت: الصالحات، لِـمَ؟ لأن الصلاح لا يقيده عمرٌ معين، فمنهن من قد احدودب ظهرها، وشاب شعرها، ومنهن من غض عودها، فالقاسم المشترك هنا هو الصلاح.

    هذه الفتاة التي حسبت حساب ذلك اليوم هي تستطيع أن تتفلت، لكنها عن كل هذا تنزهت، وعزت وارتفعت، سليها لِمَ لم تتفلت؟ اسأليها لماذا لا تعاكسين؟ هل عندك هاتف محمول؟

    ستقول لك: بلى. والله عندي هاتف محمول.

    إذن لماذا؟ هل لأجل قلة الرجال؟

    قالت: لا -والله- هم كثير.

    ستقولين: حسناً! لماذا لا تسمعين الأغاني؟ ما عندك قيمة الشريط؟

    ستقول: بلى عندي قيمة الشريط، ولا أحتاج إلى الشريط، فلو أردت بحركة واحدة في الراديو أسمع أحدث الأغنيات؛ لكن لا أريد سماع الغناء.

    سليها: لماذا لا تسمعين إذاً؟ هي لم تسكن في الصحاري، أو الأدغال، أو البراري، بل عاشت في نفس المكان الذي تعيش فيه الرخيصات، المنهزمات، المائلات المميلات، اللاهثات وراء الشهوات، اللاتي هن والله كالأطفال لا يميزون بين الحلوى والمخدرات.

    لكنها حين اشتهين اشتهت شيئاً يفوق خيالهن، وحين طمعن طمعت بشيء لا تصل إليه عقولهن، حفظت عرضها يوم دُنست وسُلبت أعراضهن.

    قصة مأساة

    هذه حادثة لن أنساها ما حييت! هذه الحادثة وقفت عليها بنفسي، ما أخبرني عنها صديق ولا قريب، في أيام التطبيق في المستشفى وبينما نحن نطوف على المرضى، إذا بنظري يقع على مشهد غريب، ما تحركت بعده عيني، رجل أمن عند غرفة من غرف حديثي الولادة، ماذا يفعل هناك، ليس الوقت وقت مرور زوار، وليس وقت زيارة، فأشغل الموضوع فكري حتى دخلنا تلك الغرفة.

    ويا ليتنا ما دخلنا!!

    رأينا موقفاً بكت له قلوبنا، وسالت دموع القلب قبل أن تبكي أعيننا، دخلنا، إذ بنا ننظر مشهداً وقفت له أنفاسنا، رضيعة في تلك الحضانة لا تدري ما حولها، أنبوب التنفس من الفم إلى الحنجرة، وأنبوب في الأنف إلى المعدة، وإبر قد أثبتت في رأسها، وإبر قد أثبتت في ذراعيها، وفخذيها، نصف الرأس مهشم، وعين واحدة، العين الأخرى قد غارت ودخلت، ما ترى مكانها إلا تجويفاً وسواداً، الأضلاع مكسرة، القلب ينبض ويحرك تلك الأضلاع، الأفخاذ قد نكست، وصارت تتحرك بالجهة المعاكسة باتجاه الرأس، قد نكست أفخاذها.

    هذه الرضيعة ما خلقها الله بهذا الشكل، لكن ما ذنبها، ولماذا منظرها مبكٍ؟

    هذه الرضيعة ضحية شاب وفتاة قليلة عقل وقليلة دين، ظنت أنها تفهم كل شيء، وظنت أنها تلعب ولا يُلعب عليها، ومكالمات ورسائل وكلمات الحب والغرام، والعشق والهيام بينهما، فاستمرت المكالمات، ثم زرعت الثقة والحب بعد أبيات من الأشعار كان يقولها لها.

    المهم أنها خرجت معه أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ [البلد:7] خرجا والله يراهما، استخفوا من الناس، لكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فتوالت المواعيد، وطال حلم الله عليهما، حتى كان في ذلك اليوم وأراد الله أن يوقف تلك المعاصي، فتحرك الجنين، قدر الله قدره، وأمر أمره وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [الأحزاب:38] لا يرد وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110] فتحرك ذلك الجنين، ودبت فيه الروح.

    بدأا يتشاوران، وكثر الكلام، واضطربت القلوب، وجلت الخطوب، كم فكرا وكم تشاورا على أن يذهبا إلى أي مستشفى خاص علّهما أن يجهضا ذلك المخلوق الذي دب في ذلك الرحم، لكن الله عز وجل أمر وقضى ألا يتعرض أحد ، ولا يتجرأ أحد أن يجهض ما أثبته الله عز وجل.

    فلما يئسا بدأا يضربان بطن تلك الفتاة، يضربانه حتى يسقط ويموت ذلك الجنين، ويخرج ميتا، ويستر عليهما، خافا من الناس يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء:108] فإذا بذلك البطن يكبر، أخذها والدها إلى المستشفى عندنا، ظن أن البطن فيه ورم ويا ليته كان ورما، لكن هناك أمرٌ أراده الله عز وجل أن يثبت، فتخرج تلك الرضيعة مهشمة الرأس بعد الضرب، مكسرة الأضلاع، منكسة الأفخاذ، لكن ما انتهت القصة.

    الفتاة خلف القضبان، أتوا بها ونحن نرى -والله- إنها عبرة حتى ننظر إلى آثار تلك الضحكات، وتلك المكالمات، والليالي الحمراء، فخرت أمامنا تبكي فأخذوها، والشاب لا يدرون أين هو الآن، لكن هناك واحد يدري أين هو الآن، ويملك نبض قلبه، وتحركات أطرافه، ويملك آلامه وأوجاعه، ويعلم إذا كان الآن فوق الأرض أو تحتها أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].

    الأدهى من ذلك والأمر أن يأتي والد تلك الفتاة بعد ذلك التسيب، وعدم الاهتمام في رعيته التي ولاه الله عليها، يأتي ويدخل الغرفة، ويخرج مسدساً كان معه يريد أن يفتح الحضانة حتى يقتل تلك الرضيعة، ما ذنبها هل دنست لك عرضا؟ هل شوهت لك سمعة؟ فبحمد الله أتى الممرضون والممرضات وأمسكوه حتى جاء رجال الأمن فأخرجوه، ووضعوا رجل أمن هناك حتى لا يدخل عليها مرة أخرى.

    وبعد أيام ماتت تلك الرضيعة، هي الآن تحت الأرض، يراها الله عز وجل، المشهد انتهى عند كثير من الناس، لكن عند الله ما انتهى؛ لأنه يرى الثلاثة، ويرى الأب والأم اللذين فرطا، وسوف ينفخ في الصور، ثم يخرجون من القبور، وتخرج تلك الرضيعة، وسوف تمشي بين الناس فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] فتعرض تلك الفتاة وذلك الشاب، وتأتي الرضيعة، لأن لها حقاً، والله لا يضيع حق أحد، تتعلق في أعناقهما وتقول: رب! سلهما لماذا فقأا عيني؟ رب! أنت خلقتني بعينين لماذا فقئوا عيني؟ ولماذا هشموا رأسي؟ رباه! لماذا كسروا أضلاعي؟ رب! اسألهما لماذا نكسوا أفخاذي؟ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24] لها حق، وسوف تأخذ ذلك الحق، أي وربي سوف تأخذه، فَوَرَبِّكَ [الحجر:92] يقسم بعزته وعظمته فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].فيا أخية: تلك الفتاة يوم كانت في لياليها الحمراء، وفي مكالماتها العذبة، ما كانت تظن أن الله يراها ولو اعترفت بلسانها، ما كانت تظن أن الله عز وجل سوف يعقبها بعد ذلك صغاراً وذلاً، وسؤالاً وجواباً، لكن يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) يطعمه الله فيعصيه وهو يراه، يسقيه فيعصيه وهو يراه، يحفظ عليه قلبه وكلاه وهو يعصيه ثم يراه، إلى متى؟ والله يقول: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام:67].

    قال: (حتى إذا أخذه لم يفلته ثم تلى قول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]).

    1.   

    حال المؤمنة الطائعة لربها

    أما تلك الفتاة فقد حفظت عرضها يوم سُلبت ودُنست أعراض بعض النساء، وخافت مقام ربها يوم أمن من مكره أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

    ما أرادت أن تخسر، علمت أن تلك النفس التي بين جنبيها غالية، كيف لا وهي نفسها التي إما أن تنعم وتعز وتكرم، وليس ذلك إلا لمن خافت مقام ربها، ونهت النفس عن الهوى؛ وإلا سوف تعذب وتهان، وفي دركات الجحيم تحرق في حميم آن، فعزت عليها نفسها أن تعذب وتسقى الحميم، وفي جهنم تتقلب، فخططت كيف بالنعيم تظفر، وكيف في قصورها تنهى وتأمر، وكيف إذا حشر الكثيرات على وجوههن كيف هي إلى الرحمن مع الوفد المكرم تحشر، وكيف إذا أخذ الناس كتبهم بالشمال كيف تأخذه باليمين وبالجنان تُبشر.

    فعملت لذلك اليوم كل عمل مطلوب، واجتنبت كل ما نهى الله عنه ولو كان من المرغوب أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85].

    هذه الغالية، لو أعطيتها وزنها ذهباً على أن تخرج بعباءة على الكتف، والله لا توافق؛ لأن نفسها عليها غالية، العباءة على الكتف كل واحدة تستطيع أن تشتريها لكن العفة، والحياء، والكرامة، ليست لكل أحد، للغاليات فقط، لبست عباءتها على رأسها، هي تعلم أن كل ما يجذب الأنظار فهو زينة، وكل ما كان في أصله زينة فلبسه حرام..

    سترت جميع بدنها امتثالاً لأمر ربها؛ لأن الكثيرات الآن -ووالله إني آسف وأخاف عليهن، وأرجو من الله أن يستيقظن قبل ذلك اليوم الذي تقف فيه أنفاسهن- تلبس إحداهن النقاب وتخرج عينيها وتقول: والله أنا أحسن من غيري، غيري لابسة لثاماً، والتي لبست لثاماً تقول: والله أنا لا زلت أحسن من غيري أنا ما كشفت وجهي، والتي كشفت وجهها تقول: عندي فتوى؛ لأجل هذا قال سبحانه: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ [القصص:65] من تجيبون؟ هل أستطيع أن آتي بآية أو فتوى من أي شيخ، هل بإمكاني أن أتصل على أي فضائية فيفتوني في أمري مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] تقول لك: أفتاني الشيخ الفلاني الذي يقول: أن الاستماع لأم كلثوم حلال، ويقول: إن الأغاني إذا كانت لا تلهي عن الصلاة فهي حلال، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (سيأتي أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والمعازف والطرب) ما معنى يستحلونها؟ هل معناها أنها حلال واستحلوها الآن؟! أم هي حرام فاستحلوها؟ لا شك أنها حرام استحلها الناس، أما أن تأخذ هذه الفتوى وتقول: والله -يا رب- أنا سألت! لا، بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15].

    1.   

    حكم كشف الوجه

    لفتة بسيطة لكل من تدعي أن الوجه كشفه حلال، لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين في النار) كادت أم سلمة أن تجن رضي الله عنها من حيائها؛ لأن عفتها غالية، قالت: (يا رسول الله! ما يفعل النساء بذيولهن؟ قال: يرخينه شبراً) ما كفى أم سلمة قالت: (يا رسول الله! إذاً تنكشف أقدامهن!) أي تظهر أصابع الأقدام يا رسول الله، مع أنه ما فيها عيون، ولا كحل، ولا فيها (روج)، ولا أحمر شفاة، ما قال النبي عليه الصلاة والسلام: الدين يسر لا بأس يا أم سلمة ، لا تدققْنَ، قال: (يرخينه ذراعا ولا يزدن) فأيهما أجمل الوجه أم القدم.

    وأين حديث عائشة حينما قالت: (رحم الله نساء الأنصار، ما أن نزلت آية الحجاب إلا وكأن على رءوسهن الغربان) وأين قول الله جل وعلا: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31] والله عز وجل نهى وقال: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ [النور:31] لماذا؟ حتى لا يقع لباسهن فوقهن فيتعرين؟ لا. ولكن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ [النور:31] هذا شيء مخفي الآن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] يعني صوت الخلخال من خلف الحجاب، ومجرد الصوت يؤثر فكيف بالنظر؟! لكن كلنا نعلم، وقليل منا سيعمل.

    فلما عملت المؤمنة كل هذا وتحشمت، وصانت تلك الجوهرة نفسها كان الجزاء: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان:12] حريراً لا تمر على المسامع مروراً عابراً، وإنما الذي أخبر عنها هو: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة:7] سبحانه.

    هذه الفتاة لما غطت وجهها عن غير محارمها؛ جعله الله نوراً يشرق ما بين السماء والأرض يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الحديد:12].

    صيغت أساور الذهب لكفيها وليست كذهب الدنيا، فأعد الله لها تلك الأساور التي تسلب الألباب، لما لبست قفازاتها، وغطت كفيها وقدميها.

    المرأة كلها عورة، ولها أن تكشف وجهها وكفيها في الصلاة في عدم وجود الأجانب، يعني عند محارمها، قال سبحانه -وانظري إلى الجزاء من جنس العمل-: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [فاطر:33].

    حفظت لسانها ما اغتابت، ولا نمت، ولا تفحشت، ولا تغنجت عند غير زوجها، فقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ... [المؤمنون:3] وماذا أيضاً؟ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] ما هي النتيجة؟ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:10-11] هذا ما أعده الله للصالحات، جنة عرضها الأرض والسماوات، لما تركت نعق الناعقين والناعقات من العلمانيين والعلمانيات، ولم تكن إمعة من الإمعات، ولسان حالها يقول:

    لست لـكم غضوا عني طرفكم     من عاش بالقيعان تتعبه القمم

    تخاطب تلك المسكينة التي طال تزينها أمام المرآة حتى تستميت لينظر إليها الشباب، مسكينة، وإذا رآك فماذا؟ أنظري علو همة المؤمنة وهي تقول:

    لست لـكم غضوا عني طرفكم     من عاش بالقيعان تتعبه القمم

    لست لكم والله قدري فوقكـم     ليس الغزال بقدره مثل الغنم

    الغزال نادر، لكن الغنم كل يوم نأكل غنماً.

    وانظري إلى المتحشمات تجدين أنهن قليل وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].. وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].

    مكنونة ليت تنال بنظرة     من دونها بحرٌ بعيد عن الرمم

    الورد يذبل حين يكثر لمسه     وتبقى اللآلئ غاية لأولي الهمم

    هذا يرقبها، وهذا يكلمها، وهذا يأخذها، وهذا تخرج معه، وهذا يدنس عرضها، حتى لو كانت وردة تذبل، مثل اللبان يمضغ حتى تذهب حلاوته ثم يداس بالأقدام.

    الورد يذبل حين يكثر لمسه     وتبقى اللآلئ غاية لأولي الهمم

    أنت لؤلؤة فكوني غاية لأولي الهمم.

    لست الرخيصة التي هي قدركم     تريد أن تذكر حتى ولو بذم

    راحت تضيع نفسها بنفسها     راحت تكمل نقصها بما حرم

    إحساسها بالنقص ضيع دربهـا     فتخبطت كالطفل حتى ينهزم

    فذا يقبلها وذاك يهينها     وذا يدنسها وجوداً كالعدم
    أخيتي خذي نصيحة من عـلت     همتها حتى علت فوق القمم

    الله ربي لست أعبد غيره     ولست إمعة أوجه كالغنم

    قالوا: البسي عباية على الكتف، قالت: مرحباً، قالوا: ارتدي لثاماً، قالت: نعم.

    سمعت بقولهم:

    عليها أن تتحرر      فمثل الببغاء قامت تكرر

    قالوا: قدمي.. قالت: نقدم، قالوا: أخري.. قالت: نؤخر، لا بد أن تكون لك شخصية، وهذه الشخصية لا بد أن توصلك إلى ما يعز قدرك هناك.

    أخيتي أنا عزتي مقرونة     بشوق     إلى الجنات وعظيم النعم

    فأنوثتي ليست سبيلاً لفاسقٍ     لعُرْي فلا جنة ولا ريحٌ يشم

    انظري العقل.

    ولست أبيع حرير جنات بما هو دونها...

    ما يستطيع أن يقنعها الشيطان، مثلما ضمن غيرها في حظيرته هناك، إنما ينظر إليها مثل العلم إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42].

    تقول:

    فأنوثتي ليست سبيلاً لفاسقٍ     لعُرْي فلا جنة ولا ريحٌ يشم

    ثم تقدم لك نصيحة ملؤها الشفقة، وحبرها الدم، تقول:

    سلي دعاة الشر ماذا قدموا     لمن أطاعتهن غير الهَمّ هم

    نعقوا بمعسول الكـلام فصدقت     سلبت لباس الطهر صاحت أين هم

    هل ينفعوها من سعوا لفسادهـا     هل يحجبوها من عظيمٍ ينتقم

    فستعلمين غداً إذا ما زلزلت     من في الجنان ومن تقطعه الحمم

    1.   

    قصة تبين سوء خاتمة العصاة

    وهذه قصة حدثني بها أحد المشايخ ممن نثق به ونحسبه والله حسيبه يقول: هذه فتاة وهذا شاب تواعدا على معصية الله، على مرأى ومسمع من الله، فركبت معه في سيارته، كان لقاؤهما تسوده ضحكات لكنها حذرة، وقلوب وجلة، خوفاً من الناس، وفي ظل أمن من رب الناس سبحانه، وبعد أن أقنعها بأنه قد شغف قلبه بحبها، وأنه طار هيماناً بها، وقلبه مشتاق لها، وساعده ثالثهما الشيطان فوافقت بعد خوف وتردد، بعد أن أقنعها أن السيارة لا تصلح للقاء؛ لأن حولنا الناس والسيارات، فبعد الخوف والتردد والإلحاح وافقت لكن بشرط، أن يذهبا إلى مكان آمن؛ لأنها كانت تحس بخوف، مكان آمن لا يراهما فيه الناس، فاستغل تلك المبادرة وقال مستهتراً متظاهراً بثقته وبحيلته قال: مكان لا يرانا فيه الناس؟ -ثم تبرأ منه لسانه- والله لآخذنك إلى مكان الله ما يرانا فيه!! وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم:42] الله ما يرانا فيه؟!

    انظر وانظري إلى أين أوصله الشيطان؟! (رب كلمة يقولها المرء لا يلقي لها بالا يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه) والله لأخذنّك مكاناً الله ما يرانا فيه!! فسمعه الله، جبار السماوات والأرض الذي يراه، الذي حرك قلبه وأجرى دماءه، سمعه الجبار الذي خسف بقارون، وأغرق فرعون، فأطلق الجبار أوامره من فوق عرشه سبحانه وتعالى، أوامره التي لا ترد ولا معقب لها، فإذا بمداهمة ليست كالمداهمات، مداهمة تحركت من فوق السماوات، فإذا بها مداهمة لا تأخذ الأجساد بل تأخذ الأرواح، فلما استخفيا من الناس، وأمنا من مكر الله، وتوارت عنهما أعين الناس، وظنا أن لا رقيب وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت:22].

    لما خلع ملابسه فإذا به يخر من طوله، أوقف الله قلبه، وعطل أركانه، وأخرس لسانه، فإذا به يخر منكباً على وجهه عليها، قامت تقلبه يمنة ويسرة، تلمس نبضه، تحس أنفاسه، لا أنفاس ولا نبض، فإذا بها كالمجنونة صدمت.. كأنها صاعقة نزلت عليها من السماء! خرجت ونسيت نفسها عند الناس وهي تصرخ بعد أن مات وتقول: يقول ما يراه فأخذ روحه، يقول ما يراه، أخذ روحه، قال الله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا [الزخرف:55] أي لما أغضبونا فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55] وقال جل شأنه: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [العنكبوت:4] أي: أن يعجزونا يقول سبحانه: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ [سبأ:19].

    لكن كيف وجد تلك النهاية؟ بل كيف انتزعت الروح؟ وكيف انتزعها ذلك الملك؟ وعلى أي حال صعدت روحه إلى السماء؟ بل ماذا حكم عليه رب الأرض والسماء؟ وكيف قابله منكر ونكير؟ وكيف حاله الآن وقد سالت العيون على الخدود، بل كيف به وقد عاث في أنفه وبطنه الدود؟ وكيف سيقف مع هذه الخاتمة؟ كيف وقفته أمام الجبار ذي البطش الشديد؟ وقد قال: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26].

    1.   

    حال المؤمنة في الآخرة

    أما تلك الغالية فهي تطمح إلى نهاية أعز وأرفع، حتى تقوم على رءوس الخلائق هناك، يوم التغابن، يوم تتعانق المتقيات، ويتلاعن المتفلتات، فتقوم أمام الناس وهم يرتقبونها بأعينهم، قد فرغت من الحساب لدى العظيم رب الأرباب، وقد نادى منادٍ ومن في أرض المحشر جميعاً يسمعون: لقد سعدت فلانة بنت فلان سعادة لن تشقى بعدها أبداً، أي لن تحزن بعدها أبداً.

    كم كانت تخشى وتصابر     كي ترضي المنان القادر

    كم قامت تدعو فجزاها     حللاً وحلياً وأساور

    فإذا بذلك الوجه قد تغير، كيف لا وقد بشر أنه لن يرى بعد اليوم إلا جمالاً في جمال، ونعيماً في نعيم، قصورها هناك تنتظرها، وحليها تتشرف أن تلامس عنقها، أساورها تاقت أن تلتف حول ساعديها، التيجان تشتاق وتحتار أيها تختار فيكون له الشرف أن يعلو ويزهوا ويزداد حسناً فوق رأسها، ويحيطه شعرها، فإذا بها قبل أن تغادر المحشر بكتاب أخذته بيمينها، وإلى أهلها، وتذهب إلى صديقاتها من المتقيات، وتنظر تارة إلى المتفلتات وتمر عليهن، ذهبت الآن العباءات على الكتف، وذهبت البناطيل، وذهبت الحواجب المنمصة، وذهب كل ذلك واللذة ذهبت، كيف لا! والموقف مقداره خمسين ألف سنة؛ فتأتي المؤمنة بكتابها على رءوس الخلائق وتقول: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ.. [الحاقة:19] اقرؤوا وانظروا صلاتي، وحجابي، ودعوتي للخير وأمري بالمعروف، ونهيي عن المنكر، وحيائي؛ ماذا أعقبني؟! فإذا بها تمر على الصراط ذلك يوم التغابن، وإذا بالملائكة يزوفنها هناك إلى أين؟ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:73-74] الملائكة يزفونها، والولدان والخدام في تلك الجنان، والأنهار إلى قصرها يزفونها، وهي تمشي معهم، تنظر، وترسل نظراتها يمنة ويسرة، فدخلت، وإذا بها تنظر إلى ما يسلب الألباب، ترى مشاهد ما كانت تظن أن تنظر إليها فضلاً عن أن تكون ملكاً لها وأن تسكنها وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً [الإنسان:20].

    ثم تقف على باب قصرها، فيفتح الباب فإذا به نورٌ يشع، وضوءٌ يتلألأ، فكما قال النبي عليه الصلاة السلام فيما رواه الطبراني : (فتتهيأ للسجود، فإذا به يقول: مه! أنا خازن من خزانك، أنا عبد من عبيدك، ومن ورائي غيري كلهم على ما أنا عليه في خدمتكِ) كلهم يخدمونها، وكلهم يسعون لراحتها، فإذا بها تدخل قصرها، وتدخل جنانها، فلو رأيتها وقد تغير كل ما فيها، فللورد والتفاح ما لبسته تلك الخدود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته تلك الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، حليها هناك تتشرف أن تختارها، وحللها والتيجان والأساور، هل تريدين أن تعرفي كيف يكون دخولها؟

    وإذا بدت في حلة من لبسها     وتمايلت كتمايل النشوانِ

    تهتز كالغصن الرطيب وحمله     وردٌ وتفاح على رمانِ

    وتبخترت في مشيها ويحـق ذاك     لمثلها في جنة الرضوانِ

    هي ما تبخترت على الأرض فيحق لها أن تختال في مشيتها في الجنة

    أمشي بجناني وبقصري     مدللة مسموعٌ أمري

    نسمات تلعب بشعري     .....

    والنسمات تتلاعب بشعرها، وتنظر إلى تلك الأنهار، فترتسم على صفحات أنهارها صورة ذلك القمر فتعكس وجهها.

    ووصائف من خلفها وأمامها     وعن شمائلها وعن أيمانِ

    كيف هي من بينهن؟

    كالبدرٍ ليلة حف في غسق     الدجى بكواكب الميزان

    1.   

    صفة زوج المؤمنة في الجنة

    ماذا ينتظرها هناك؟ ومن هو سعيد الحظ الذي ينتظرها؟ هذا سؤال شغل أذهان النساء والفتيات، كيف وصف أزواجنا في الجنة؟ أنتم وصفتم لنا الحور حتى تقطعت وتفطرت قلوبنا غيرة منهن، فإذا أردت أن أتوب اليوم، وأردت أن أرجع وأصبر على طاعة الله وأصبر عن معصيته، وعلى أقداره، وعلى كل ما يحبه العظيم الجبار، كيف يكون زوجي هناك؟

    أما ذلك الزوج فلا تسألي عن حسنه وجماله، ولا عن طوله وقامته، فقد روى الطبراني (أن رجلاً يخرج من أهل عليين، يخرج فيسير في ملكه، فلا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا ودخلها ضوء وجهه ونوره وريحه، فيستبشرون بنوره وريحه فيقولون: واهاً لهذا الريح، فيقولون: هذا رجل من أهل عليين) هذا رجل من أهل عليين خرج يسير في ملكه.

    أخبرنا كيف يبدو وجهه؟ لقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام في الصحاح حتى تلك الرموش وقال: (مكحولون) يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث أنس وأبو هريرة رضي عنهما وغيرهما يقول: (أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر) قال رسولنا عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي : (ويدخل الجنة على صورة يوسف عليه السلام) ما هي صورة يوسف عليه السلام؟

    الله عز وجل يقول: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31] نسوة من علية القوم لا ينظرن إلى أحد، لما رأين يوسف أكبرنه وقطعن أيديهن، لكِ أن تتفكري دقيقتين في هذا الكلام، (قطعن) أي جمال قد أشغلهن عن تلك الآلام وتلك الأعصاب التي قطعت، ما قال الله: قطَعن، وإنما قال: (قطَّعن) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ [يوسف:32] فكيف هي صورة يوسف عليه السلام؟

    لكِ أن تتخيلي هذا الجمال حينما قال رسولنا عليه الصلاة والسلام: (خلق الله الجمال -جمال الدنيا كله- فشطره نصفين، نصف وزع على البشرية جمعاء) على كل مليارات العالم الذين يعيشون على هذه الأرض من عهد آدم، تموت أجيال وتأتي بعدها أجيال، وعلى مدى مئات سنين وآلاف، كل هذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل هؤلاء الناس أخذوا نصف الجمال، يعني أجمل امرأة الآن، وأجمل رجل في هذا الزمان ما أخذ إلا جزءاً من مليارات المليارات من النصف، أين ذهب النصف الآخر؟

    كل النصف الآخر ذهب إلى وجه يوسف عليه السلام، فلك أن تتخيلي كيف تلك العيون؟ وكيف رجولته، وكيف قامته، وكيف جماله وجاذبيته؟ لكِ أن تتخيلي الزوج في الجنة على صورة يوسف، وعلى قلب أيوب عليه السلام راضي القلب دائماً، وعلى أخلاق محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) على طول أبيهم آدم، فإذا بها تنظر إلى ذلك الرجل الذي يسلب الألباب، هذا ثمن صبر، ليس ثمن يوم ولا يومين، ثمن صبر وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] فإذا به ينظر إليها قد سلب عقلها، وقد سلبت عقله.

    ويحار منه الطرف في الحسن الذي     قد أعطيت فالطرف كالحيرانِ

    قد جن وسلب عقله من جمالها وهو على ذلك الجمال، كيف بالله وهي تمشي إليه، كيف قلبها؟

    والقلب قبل زفافه في عرسه     فالعرس إثر العرس متصلانِ

    كأنها تزف كيف يتواجهان؟

    حتى إذا ما واجهته تقابلا     أرأيت إذ يتقابل القمران

    فيرى محاسن وجهه في وجههـا     وترى محاسنها في وجهه بعيان

    والأساور على تلك الكفين..

    والمعصمان فإن تشأ شبههما     بسبيكتين عليهما كفانِ

    كاللين ليناً في نعومة ملمسٍ     أصداف درٍ دُورت بوزانِ

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (سطع نور في الجنة، فيسأل أهل الجنة ما هذا النور؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: فإذا بها امرأة من أهل الجنة ابتسمت في وجه زوجها).

    بعد هذا الزفاف، وهذه الأشواق، وهذه الخطى، والنسمات تلعب بشعرها، فإذا بها تعانقه أربعين سنة، كما قال ابن القيم رحمه الله: يعانقها أربعين سنة من اللذة، خلفوا وراءهم التعب، والتعبد بالحجاب والدعوة إلى الله، وقيام الليل، وصيام النهار، الآن تلذذ بالنعيم في الجنة.

    إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:16-18].

    إنها جنة..

    فسل المتيم أين خلّف صبره     في أي واد أم بأي مكان

    فينظر إليها نظرة وتنظر إليه نظرة أخرى كما قال عليه الصلاة والسلام: (فيزداد حسناً وجمالاً، وتزداد هي سبعين ضعفاً فتقول: ما هذا الجمال والله لقد ازددت حسناً وجمالا، فيقول: والله وأنت قد ازددت حسناً وجمالاً فيعانقها).

    أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18] وتلك المسكينة هناك تجري عليها أنهار من الصديد والحميم، : إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً [الانشقاق:14-15].

    وما أن ينظر إليها:

    فملاحة التصوير قبل غناجها     هي أولٌ وهي المحل الثاني

    وكلامها يسبي العقول بنغمة     زادت على الأوتار والعيدانِ

    تتكلم معه.

    فهذا نعيم لا ينقطع: خدم وحلل، وحلي، وأنهار، وقصور: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الإنسان:22] فتبقى في ذلك النعيم وما يزداد لها إلا حباً وشوقاً، وما تزداد له إلا حباً وشوقاً تجري وتأمر في قصورها وهي ملكة مدللة.

    كانت جوهـرة مصونة     ليست إمعة مرهونة

    تسعى للفردوس الأعلى     لا ترضى أبداً دونه

    فإذا بها يحق لها ذلك التغنج، وهذا الكلام، وتلك الحلل متى ما شاءت تدعو في موائدها وفي قصورها وأنهارها ما شاءت، تتمتع نعيماً لا ينقضي أبداً.. إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ص:54].

    يا عاشقاً هانت عليه نفسه      فباعها غبناً بكل هوانِ

    أترى يليق بعاقلٍ بيع الذي     يبقى وهذا وصفه بالفانِ

    والله ما وصفنا قطرة من بحر، ولكن النعيم سيعلمونه هناك.. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].

    1.   

    همسة أخيرة للمسارعة إلى فعل الخيرات

    همسة أهمسها في أذن كل غالية مهما عصت: إنك تستطيعين أن تجابهي شياطين الإنس والجن، لكنك لا تستطيعين أن تجابهي رب العزة والجلال في تلك الحفرة المظلمة.

    الدنيا -يا أخية- حلم، والموت يقظة، ويوم القيامة تفسير الأحلام، أيام معدودة وسيفنى العدد، والطريق صعبة: صراط، قبر، محشر، وطريق صعبة مع قلة العدد، وقد صار الركب، ولاح الجدد، أتراك تظنين أن تبقي إلى الأبد عجباً! أما يعتبر بالوالد الولد؟! أينما تحرك في الهواء همد، أين اضطرام النار؟! خمد، أين ما جرى من الدماء في عروق العصاة الأشرار، والطائعين الأبرار؟ جمد.

    ولكن كل منهم سيقف أمام عظيم لا يخلف ما وعد، فمتى ينتبه من رقدته من قد رقد؟!!

    اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا استرحمت به رحمت، وإذا استجرت به أجرت، وإذا استغفرت به غفرت، اللهم من أرادت من أخواتي الغاليات أن تتوب في هذا الساعة اللهم فتب عليها، اللهم فتب عليها توبة من عندك تبيض بها سواد صحائفها، توبة ترفعها من أوحال الذل والمعاصي إلى رياض الجنان والنعيم عندك، اللهم اقلب قلوبنا وقلبها على ما يرضيك، وثبته حتى تلاقيك فترضيها يا رب فوق أرضك، وتحت أرضك، ويوم العرض عليك.

    اللهم من كانت من الصالحات الطاهرات ظاهراً وباطناً، اللهم ارفع لها نصيفاً على رأسها خير من الدنيا وما فيها، يوم رفعت عباءتها على رأسها كالتاج، وألبسها يا رب العالمين من الذهب يوم أن غطت جمال يديها بالقفاز، اللهم لا تجعل لها حاجة تتمناها إلا قضيتها يا رب العالمين.

    اللهم من أراد نساءنا بسوء اللهم فشل أركانه، وأخرس لسانه، اللهم ومن تعرض لنسائنا الصالحات الداعيات إلى الخير اللهم من عاداهم فعاده، اللهم من عاداهم فعاده، اللهم ومن آذاهم فآذه، اللهم جمد الدماء في عروق من عاداهن، اللهم سكن منهم ما تحرك، وحرك منهم ما سكن، اللهم من دعت إلى خير أو أمرت بمعروف أو نهت عن منكر، اللهم لا تجعل في صدرها حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها لها في هذه الساعة وفي كل ساعة.

    اللهم من أراد المسلمات بسوء اللهم فاشغله في نفسه، اللهم اشغله في نفسه، وبالأسقام والأورام، اللهم يا رب العالمين.

    هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756661318