إسلام ويب

على مقاعد الدراسةللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • طلاب المدارس اليوم هم أساتذة الغد وقادة البلاد في المستقبل، وما يرسم اليوم في أذهانهم من الاهتمامات والأولويات هو الذي يصوغ شخصياتهم ويؤثر على مواقفهم في الغد، ولهذا يجب أن نهتم بتربيتهم وتوجيه سلوكهم فيما يخدم دينهم وأمتهم.

    1.   

    دعوة للمشاركة

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    أما بعد:

    ففي بداية هذا اللقاء أرحب بالإخوة الحضور، وأشكر لهم حضورهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءنا لقاء خير وبركة.

    وهذا اللقاء بمشيئة الله سيكون بداية سلسلة دروس شهرية، وستكون هذه الدروس بمشيئة الله في هذا المسجد أول أحد من كل شهر، سواء كان يوافق أول يوم من الشهر، أو سابع يوم من الشهر، المهم أن أول يوم أحد من هذا الشهر سيكون بمشيئة الله مثل هذا الدرس في هذا المسجد

    وكان المفترض أن يكون هذا الدرس في الأسبوع الماضي، لكن نظراً لأنه حديث عهد ببداية الدراسة أحببنا أن نؤخره إلى هذا الأسبوع على أمل أن نستمر إن شاء الله، وسنحاول قدر الإمكان أن يكون موضوع هذه الدروس وما يطرح فيها حول قضايا الشباب، وما يحتاجون إليه بصفة أو بأخرى.

    ومن هنا أدعو الإخوة الحضور وغيرهم إلى أن يشاركوا في إفادتنا في مثل هذا اللقاء، فيجب أن نشعر جميعاً بالإيجابية، فأنا أطلب أن يشاركوا جميعاً في اقتراح بعض الموضوعات التي يرونها مناسبة لأن تطرح في هذا اللقاء، مع مراعاة الإطار العام في طرح بعض الأفكار، وبعض العناصر، وبعض المقترحات، والإمداد ببعض المعلومات؛ لأنه مهما بلغ المتحدث علماً وقدرة وإحاطة، فلن يستغني عن إعانة إخوانه، فكيف إذا كان دون ذلك بكثير.

    لذا فأنا أؤكد على الإخوة أن يحرصوا على أن يعينونا على استمرار هذا اللقاء، سواء بالإمداد ببعض المقترحات، وبعض الموضوعات، أو بعض الأفكار وبعض العناصر.

    ثم لا يتردد الأخ عندما يقترح علينا موضوعاً فلا يراه طرق، فهذا لا يعني إهمال هذا الموضوع، فقد يكون قبله موضوعات عدة، ونختلف معه في ترتيب الأولويات، المهم على كل حال أن ما تطرحه سيستفاد منه بشكل أو بآخر.

    هذا الموضوع هو (على مقاعد الدراسة)، ونحن نعني بهذا الموضوع فئة خاصة، فالموضوع يتعلق بالدراسة، فنحن نخاطب الدارسين، سواء كانوا في مستويات متوسطة أو ثانوية أو مراحل جامعية، المهم أننا نخاطب الدارسين من الشباب، ولا نخاطب كل الدارسين، إنما نخاطب الشباب الأخيار الذين يحضرون أمثال هذه اللقاءات والمحاضرات.

    لذا فقد لا أتحدث مثلاً عن بعض الجوانب السلبية التي تقع من بعض الشباب؛ لأنني أخص بحديثي فئة خاصة من الشباب، وفئة خاصة من الدارسين والطلاب، الذين نأمل أن يؤدوا أدواراً محمودة.

    وكذلك هذا اللقاء أيضاً قد يعني الأساتذة، فإثارة مثل هذه الأفكار وسيلة لنقلها وطرحها أمام أبنائهم الطلاب، وحتى يساهموا معنا في تقييم مثل هذه المقترحات والتجارب.

    وسأتحدث في خمس نقاط رئيسة:

    الأمر الأول: أهمية الدراسة بالنسبة للشاب.

    الأمر الثاني: الطالب وأستاذه.

    الأمر الثالث: الطالب والدراسة.

    الأمر الرابع: الطالب والدعوة.

    الأمر الخامس: أمور لابد منها.

    1.   

    أهمية الدراسة للشباب

    أما بالنسبة للدراسة وأهميتها بالنسبة للشاب، فهي تأخذ على الشاب حيزاً كبيراً من وقته، فهو يأخذ في اليوم قريباً من ست ساعات كلها داخل المدرسة، وهي تمثل ربع اليوم، وإذا حذفت منه مثلاً ثمان ساعات للنوم، وبعض ساعات الراحة والطعام لا تجد بعد ذلك إلا وقتاً يسيراً.

    المهم أن وقت الدراسة يأخذ على الشاب جزءاً أساسياً من يومه، وجزءاً كبيراً جداً من وقته، وهذا يعني أنه لابد من أن يعتني بهذا الوقت، ولابد أن يستفيد من هذه الدراسة، ويعتني بحاله في المدرسة.

    أيضاً: الدراسة تأخذ على الشاب وقتاً طويلاً من عمره، فإذا أنهى المرحلة الجامعية دون تخلف فالغالب أنه سيحتاج إلى ست عشرة سنة حتى ينهي هذه الدراسة.

    ثم أيضاً هذه الدراسة تأتي في وقت مهم جداً بالنسبة للشاب، وهو وقت زهرة وحيوية الشاب، وكذلك وقت بناء شخصيته.

    إذاً: هذه الدراسة تأخذ عليك وقتاً كبيراً، سواء من يومك أو من سني عمرك، وتأخذ عليك وقتاً غالياً نفيساً هو حيوية الشباب، فلابد أن تعتني بها، وتستفيد منها.

    1.   

    علاقة الطالب بأستاذه

    بعد ذلك ننتقل إلى نقطة ثانية وهي: تتعلق بعلاقة الطالب بأستاذه:

    ولن أطيل في هذه النقاط؛ حتى آتي إلى النقطة الأساسية، وهي ما يتعلق بدور الطالب في الدعوة داخل مدرسته.

    مراعاة هدي السلف في التعامل مع الأستاذ

    هناك قضايا مهمة لابد من أن يعتني بها الطالب في التعامل مع أستاذه، فالأستاذ يشكل عنصراً أساسياً يتعامل معه الطالب في المدرسة، ومن هنا كان لابد أن يكون هناك ضوابط معينة تحكم علاقة الطالب بأستاذه، والسلف قد عنوا بذلك كثيراً في كتبهم، سواء من كتب في فضل العلم، أو من صنف كتاباً عاماً، بل بعضهم أفرد هذا الباب بتصنيف خاص، ألا وهو ما يعرف عندهم بآداب العالم والمتعلم، وعندما يتحدثون عن آداب المتعلم، فإنهم يفردون جزءاً خاصاً لآداب المتعلم مع شيخه وأستاذه.

    والمفترض أن الشباب والطلاب يعتنون بهذا الأمر، فيقرءون ما سطره السلف حول ما ينبغي أن يتأدب به الطالب مع شيخه، ويحرص قدر الإمكان على أن يتخلق ويتأدب بتلك الآداب، وفي الواقع أننا عندما نقرأ ما سطره السلف حول آداب الطالب مع شيخه وأستاذه، ثم ننظر إلى واقع طلاب العلم نجد أن هناك مسافة شاسعة جداً بين الحالة التي يرى السلف أن الطالب ينبغي أن يصل إليها من الأدب مع أستاذه، وبين الواقع المعاصر الآن لهؤلاء الشباب.

    وقد يقول بعض الشباب: إن السلف كانوا يدرسون على علماء، ولا يمكن أن تقارن أساتذة السلف ومشايخ هم بأساتذتنا ومشايخنا، وهذا حق ولا شك، لكن المقارنة تعقد بين الطلاب أيضاً، فقد كان الطلاب في عهد السلف فئة تختلف عن الطلاب في هذا العصر.

    قد يقول بعض الشباب: إن هذه الآداب إنما ذكرت لعلماء السلف ومشايخ السلف، وقد كانوا يختلفون كلية عن أساتذتنا، وهذه قضية لا نجادل فيها، لكن أيضاً أعقد نفس المقارنة بين الطلاب وواقع الطلاب وحالهم في عصر السلف وحالهم الآن، تجد أن القضية تكاد تكون بعد ذلك متقاربة.

    ونحن أيضاً لا نطالب الشباب بأن يطبقوا كل ما يقرءونه هناك؛ لأنه قد يجد أشياء يفاجأ بها نظراً لبعده عنها، فيتصور أنها من المبالغات، لكن على الأقل أنت عندما تقرأ ما سطره السلف في ذلك، وتقارن حالك بالصفات التي كانوا يرون أن الطالب لابد أن يتحلى بها، أظن أن هذا يدعوك إلى أن تنتقل نقلة أخرى بعيده في حسن التعامل والتوقير لأستاذك.

    والسلف ما عنوا ببيان آداب المتعلم مع أستاذه إلا أن له أهمية، وللأسف نجد أن هذا مهمل، فنجد أحياناً أشياء عامة لابد للطالب أن يتأدب بها مع أستاذه وشيخه، ولابد أن يتأدب بها مع العلماء إذا كان يحضر معهم حلق العلم في المساجد وغيرها، وهي أشياء عامة وأمور عامة.

    لكن أن تؤصل وتعرض النماذج والأمثلة التي ذكرها السلف، فهذا لا شك يساعد أكثر، ولا أريد أن أطيل في هذه النقطة، لكن بإمكانكم الرجوع إلى ما سطر في ذلك، ولعل أفضل ما سطر في ذلك كتاب الحافظ ابن جماعة ، وهو بعنوان: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، ذكر في هذا الكتاب أدب العالم وأدب الأستاذ، وما ينبغي للأستاذ أن يعامل به طلابه، فعليك أنت بالشق الثاني وهو أدب المتعلم، فإنه ذكر أدب المتعلم مع نفسه، ثم أدب المتعلم مع أقرانه، وأخيراً الذي يعنينا، وهو أدب المتعلم مع شيخه وأستاذه.

    إذاً: الجانب الأول الذي ينبغي أن يحرص عليه الشاب هو أن يراعي في هذا الأمر هدي السلف في التعامل مع أساتذتهم ومشايخهم.

    وقد يكون عند بعض الأساتذة نوع من القصور في العلم بطبيعة المادة التي يدرسها، وهذه حالات خاصة، وأحياناً يكون عند الأستاذ مخالفات شرعية مما ابتلي به عامة المسلمين وانتشر بينهم، وأصبح أمراً لا يكاد ينكر، فنحن لا نشك ولا نجادل أن الأستاذ أولى الناس بأن يكون قدوة صالحة للطلاب، سواء في التزامه بالأحكام الشرعية في الأمور الظاهرة أمام طلابه، أو في تعامله مع طلابه، فهو يدعوهم إلى حسن الخلق ولابد أن يكون حسن الخلق، ويدعوهم إلى الصبر ولابد أن يكون صبوراً، وإلى الحلم ولابد أن يكون حليماً.

    لكن أقول: عندما تجد بعض هذه السلبيات والأخطاء التي يقع فيها بعض الأساتذة، فهذا لا يسقط حق الأستاذ في الأدب، والتعامل معه بالتوقير، وحسن المعاملة.

    فإن هذا الأستاذ الذي قد يكون عنده بعض المخالفات لا ينظر إليك على أنك شاب ملتزم ومستقيم، وهو منحرف عاصٍ ضال، وأنت أولى منه وأفضل، إنما ينظر إليك على أنك لا زلت طالباً، ولا زلت صغير السن، ومهما كان عندك من الاستقامة والعلم والخير فأنت لا زلت دونه، وهذا في الجملة واقع، ثم هو ينظر إلى نفسه على أنه إنسان لا ينقصه الخير والصلاح، لكن عنده بعض المخالفات التي يرى أنه يقع فيها لسبب أو لآخر، فهو يعاملك بهذا المنطق.

    ومن هنا يفترض أن تكون حسن الخلق، وأن تكون حسن المعاملة، وأن يرى منك الأدب الحسن، لذا أقول: حتى ولو كان عند الأستاذ ما عنده من التقصير، أو المخالفات التي أصبحت ظاهرة عامة في المجتمع، فهذا لا يسقط حقه في التعامل معه بتوقير واحترام وتقدير، على أساس أنه أستاذ لك، وهو على كل حال أقدر منك علماً وتجربة، ولابد أن تستفيد منه.

    ونحن لم نقل لك: اتبعه في كل شيء، أو اقتد به في كل شيء، بل عندما يكون عنده مخالفات لا نطالبك بأن تقتدي بها، وليس أحد معصوماً تصدر الأمة عن رأيه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى أعلم الناس، فخذ العصور كلها من أول عصر إلى آخر عصر، فأعلم الناس يمكن أن يقول كلمة ويجتهد اجتهاداً خاطئاً، فلا يعني هذا أن نتابعه على كل شيء.

    أبو بكر رضي الله عنه أعلم الأمة في وقته كان يقول: إن أصبت فأعينوني، وإن أخطأت فقوموني. مع أنه ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر ، فـأبو بكر يمكن أن يخطئ وأن يقع في الخطأ، وإذا وقع في الخطأ فلا تتابعه الأمة على خطئه، فإذا كان هذا يمكن أن يقع من أبي بكر ، فإذاً بقية الناس ممن هم دونه يمكن أن يقعوا في الخطأ.

    على كل حال أقول: لو وقع الأستاذ في الخطأ فأنت غير مطالب بمتابعته على خطئه وسلوكه، ولكن هذا أيضاً لا يسقط حقه في التأدب وحسن المعاملة، بل نحن نريدك أن تكون قدوة للآخرين، وحين يرى الأستاذ الطالب الذي عليه أثر الصلاح جاداً مؤدباً، ويرى فيه القدوة، يرى أن هذه هي نتيجة الصلاح والاستقامة، فيستبشر عندما يرى الشاب الصالح المستقيم.

    أما أن يرى العكس، فيرى أن الشاب الصالح المستقيم يعامله بنوع من الاحتقار والتعالي، فهذا أمر لا يليق أبداً.

    حفظ العرض

    الجانب الثاني الذي يتعلق بالأستاذ والحق عليه: حفظ العرض:

    كثيراً ما يدور في مجالس الطلاب الحديث عن الأستاذ، إما سخرية بطريقته في الحديث، وفي إيصال المعلومات، وفي التعامل مع الطلاب، فأنت تجد الطلاب يحترفون في هذه الأمور، فأحدهم مثلاً يقلد صوت الأستاذ، والآخر يقلد حركات الأستاذ، ويقلد مواقف الأستاذ، وهكذا تجد الأستاذ يبقى مجالاً للسخرية، وهذه قضية أظن أنكم توافقونني على أنها تحمل قدراً من البشاعة، فأنا على كل حال لا أقول هذا الكلام باعتبار أني أستاذ، لكن أظن أنكم توافقوني جميعاً على هذا الأمر.

    وهذه قضية فيها من سوء الأدب إلى آخر حد، فالمسلم منهي عن السخرية، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ [الحجرات:11]، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه).

    فهذه حقيقة السخرية، وهذه حقيقة الغيبة، وهي أن تقع في أي إنسان، فما بالك بالطالب الذي يسخر من أستاذه وشيخه الذي يتعلم منه العلم والأدب والخلق، أو يغتابه، فهذه قضية تزيد سوءاً، ولا شك أنه يوجد فرق بين أن تقع الغيبة لإنسان عادي، وأن تقع لإنسان صالح، وأن تقع لإنسان له حق عليك.

    فأعطيك مثالاً يقرب لك الصورة: السخرية من الناس أمر مذموم، سواء من هو أكبر منك ومن هو أصغر منك، فعندما تسخر من إنسان فبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، لكن عندما تسخر من إنسان أكبر منك تزيد القضية سوءاً، وعندما تسخر من إنسان قريب لك كعمك أو خالك تكون القضية أسوأ، وعندما تسخر من والدك فذلك أشد، فالذنب يختلف عظمه وقبحه عند الناس، والدين إنما جاء بما يوافق الفطرة السليمة والمستقيمة.

    فأقول: من المستهجن أن يسخر الطالب من أستاذه، أو يقع في عرض أستاذه.

    الشباب الأخيار عادة لا يتصور منهم هذا الشيء، وإن حصل فهي حالات شاذة ونادرة، لكن القضية التي أتصور أنها من حق الأستاذ عليك أن تحفظ عرضه، فعندما يسخر من الأستاذ أو يغتاب تدافع عن عرضه بأسلوب مناسب وحكمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ذب عن عرض أخيه ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة)، هذا إذا كان عرض أخيك، فعرض أستاذك وشيخك الذي له حق عليك أولى.

    ثم أحذر من قضية يسلكها بعض الشباب بحسن نية، فهو يحب الأستاذ إلى آخر حد من المحبة والإعجاب والتقدير لسبب أو لآخر، وعندما يسمع طالباً يسخر منه أو يغتابه يأتي ويبلغ هذا الأستاذ من باب المحبة، وهذا لا يجوز إطلاقاً، لأنك الآن تقع في معصية أخرى وهي النميمة.

    فلا تبلغ الأستاذ مهما كان، وافترض أنك نهيت أخاك وما انتهى، فلا يوجد داعي لنقل الكلام الذي لا مصلحة فيه، بل واجبك أن تنهى من يغتاب أو من يسخر، وإذا لم يستجب فأمره إلى الله.

    التعامل مع الأستاذ حين يقع في الخطأ

    الجانب الثالث: وهو التعامل مع الأستاذ حين يقع في الخطأ:

    فالأستاذ بشر وليس بمعصوم، ويمكن أن يقع في الخطأ، فمثلاً: قد يتحدث الأستاذ فيستدل بحديث ضعيف، هذه حالة تحصل كثيراً، بل أحياناً يتحدث أحد العلماء ويستدل بحديث ضعيف، وأنت تعرف أن هذا الحديث ضعيف، فلا يعني ذلك أنك أعلم منه، ولا أكثر إحاطة منه، فإن الهدهد قال لسليمان: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، فهل يعني هذا أن الهدهد كان أعلم من سليمان؟!

    أو مثلاً: قد يورد الأستاذ كلاماً وعندك فيه اطلاع أكثر، باعتبار أنك سمعته من شخص آخر أو قرأته، فيخطئ الأستاذ.

    أحياناً بعض الطلبة يفرح بمثل هذه القضية، ويقفز مباشرة في وجه أستاذه ليقول له: إن هذا الحديث ضعيف، أو هذا الكلام فيه كذا وكذا، وسمعت كذا وكذا، ويبدأ يواجه بهذا الأسلوب، وهذا فيه شهوة خفية، وهي شهوة حب الظهور، لأنه عندما يواجه الأستاذ، وعندما يعلم شيئاً لا يعلمه أستاذه يعطيه نوعاً من الثقة بنفسه، ونوعاً من الظهور عند الآخرين، وأنت قد لا تشعر بهذا، لكن هذا من الشهوات الخفية.

    فيجب أن تسلك الحكمة في تصحيح مثل هذا الخطأ بأسلوب مناسب، لأن الأستاذ يتكلم مع الطلاب، فيصعب جداً أن يعترف بالخطأ أمام الطلاب؛ لأن هذه منزلة لا يستطيع كل إنسان أن يجاهد نفسه عليها، ولذلك ينبغي أن تسلك الحكمة، فيمكن أن تسأل الأستاذ خارج الفصل فتقول: سمعت كذا وكذا، وقرأت كذا وكذا، أو تأتي بكتاب معك في الغد مثلاً، وتعطيه الأستاذ وتقول: أنا قرأت هذا الكلام في كتاب، وأنت قلت هذا الكلام، فكيف أوفق بين كلامك وكلامه.

    وقد يفهم الطالب فهماً خاطئاً، فيسمع فتوى، أو يقرأ كلاماً، فيفهمه فهماً خاطئاً، ويكون كلام الأستاذ صحيحاً، ثم يأتي الطالب ليواجهه بناء على فهم خاطئ.

    فعلى كل حال الأستاذ يمكن أن يقع في الخطأ، ويمكن أن تعلم أشياء لا يعلمها أستاذك، ولا يعني هذا أنك بلغت غاية من العلم، فعندما تحصل مثل هذه الأمور فعليك أن تسلك الحكمة في التعامل معها، وأظن أن من أبسط حقوق الأستاذ عليك التأدب في مثل هذه القضايا.

    كذلك قد يقع الأستاذ في مخالفة شرعية، فالإنكار عليه ليس مثل الإنكار على عامة الناس، فيجب أن تسلك الأسلوب الذي ترى أنه يؤدي المصلحة التي تريد أن تصل إليها وتسعى إلى تحقيقها.

    الاستفادة من الأستاذ قدر الإمكان

    أخيراً: أمر رابع: الآن ولله الحمد قل أن تجد مدرسة إلا وفيها عدد من الأساتذة من طلبة العلم، لا نقول: إنهم بلغوا غاية من العلم، لكن على الأقل بالنسبة للطلاب ومستويات الطلاب فمستواهم عال لهؤلاء الطلبة، ويمكن أن يستفيدوا منهم كثيراً.

    ومن هنا فأنا أوصي الشاب أن يحرص ويعرف أساتذته، ويرى أن فلاناً من الناس أو فلاناً عنده قدر من العلم، فيحرص على أن يستغل هذه الفرصة؛ لأن وجودك في المتوسطة ثلاث سنوات، وفي الثانوية ثلاث سنوات، وفي الجامعة أربع سنوات، مدة محددة، وأيضاً تدريسه لك مدة محددة، فتحرص عندما يوجد لديك مثل هذا الأستاذ أن تستفيد منه قدر الإمكان، ولو حتى خارج الفصل من خلال المناقشة، أو تقرأ كلاماً أشكل عليك تحرص قدر الإمكان أن يكون لك صلة خاصة بهذا الأستاذ خارج الفصل وخارج الدرس؛ حتى تستفيد منه، وتنتقل بعد ذلك إلى مدرسة أخرى، وترى أستاذاً آخر، وهكذا.

    أقصد أن لا تفوت على نفسك هذه الفرصة، وأنا أتصور أنه ليس من العدل مع نفسك أن تكون علاقتك مع مثل هذا الأستاذ داخل الفصل فقط، فعندما تجد أستاذاً متميزاً في علمه، وعنده قدرات ليست عند الآخرين، أو على الأقل يمكن أن يفيدك، فأنا أتصور أن من الإهمال لحق نفسك أن تكون علاقتك مع مثل هذا الأستاذ المتميز داخل الفصل فقط، بل تحرص قدر الإمكان أن تستفيد منه، فمثلاً: قد ينتهي الدرس ويبقى وقت فراغ، فتطرح عليه بعض الأسئلة خارج الدرس، فتحاول قدر الإمكان أن تستفيد من هذا الأستاذ، وأن يكون لك معه علاقة خاصة تمكنك وتعينك على أن تستفيد منه أكثر، وتستطيع أن تستشيره في أي أمر، وتستطيع أن تستفيد منه في كل ما يشير عليك، أو يطرح لك، أو تستفسر عنه.

    1.   

    الطالب والدراسة

    بعد ذلك ننتقل إلى نقطة ثالثة وهي: ما يتعلق بالطالب والدراسة:

    الإخلاص لله سبحانه وتعالى

    وأول قضية لها أهميتها: الإخلاص لله سبحانه وتعالى:

    أنت إما أن تدرس دراسة شرعية أو علوماً أخرى غير شرعية، فإذا كنت تدرس دراسة شرعية فأنت تتعلم علماً شرعياً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).

    فلابد أن تجتهد في تصحيح نيتك، وافترض أنك دخلت ابتداءً لأجل تحصيل الشهادة، فإن هذا لا يحول بينك وبين تصحيح نيتك، حتى تكون نيتك هي طلب العلم الشرعي الذي ينفعك الله سبحانه وتعالى به في دينك ودنياك، فتتعلم العلم الشرعي الذي تستطيع أن تعبد الله به كما أمرك، ويمكن أن تنفع به الأمة.

    قد يقول شخص آخر: أنا لا أدرس دراسة شرعية، فما معنى الإخلاص في ذلك؟ فنقول: حتى الطالب الذي لا يدرس دراسة شرعية، فإن الأمة تحتاج إلى طاقات في كافة التخصصات، ونحتاج إلى الناس الأخيار في كل مكان، فهذا الطالب نريد منه أن يجعل نيته أن يخدم الأمة، لا أن يلقى قيمة اجتماعية ومعاملة خاصة.

    فأنت عندما تدرس أي تخصص من دراسات عسكرية، أو علم طب، أو هندسة، أو حاسب آلي، أو علوم إنسانية، أو أدب، أو لغة، فأي تخصص نحتاج إليه، والأمة بحاجة إلى جهود أبنائها، فاحرص على أن تكون نيتك أن تنفع الأمة وتخدمها.

    ثم إن الإخلاص لا يؤثر نقصاً، فإذا كان عندي طالبان يدرسان، هذا مخلص لله وهذا غير مخلص، فالنتيجة واحدة، كل منهما سيحصل على شهادة، وعلى مزايا مالية، ولن يكتب في شهادتك مثلاً: طالب مخلص، وطالب غير مخلص، فهذه أمور بينك وبين الله عز وجل.

    ولا تتصور أنك عندما تخلص لله ستفقد هذه المزايا المادية التي يتطلع إليها الناس، بل أنت عندما تخلص لله في أي عمل ستحصل على نفس المزايا التي يحصل عليها الآخرون، لكن تزيد أن عملك هذا يكون عبادة لله، فتدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع)، (ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).

    وكلما يصيبك من تعب، وتبذل من جهد في الاستذكار والامتحانات، تثاب عليه نظراً لأنك تبتغي وجه الله، سواء كنت تدرس علماً شرعياً، أو علماً آخر.

    وحذار -يا إخوان- من التطلع إلى الشهرة، ومما يؤسف أن النظرة الاجتماعية الخاطئة لا تزال موجودة إلى الآن، فعندما يأتي الطالب متفوقاً يظنون أنه من الخطأ أن يتجه إلى دراسات شرعية، ويرون أن مكانه في كلية الطب، أو كلية الهندسة، أو غيرها من التخصصات الأخرى، فلا تزال النظرة للعلم الشرعي دون ما ينبغي.

    بل أنا أقول: المفروض أن المستويات العالية من النبوغ تتوجه إلى الدراسات الشرعية، لأن الأمة أحوج ما تكون إلى هؤلاء العلماء، وليس صحيحاً أن العلم الشرعي يصلح لأي إنسان، فنحن نحتاج إلى عالم يحمل قدرة على الاجتهاد، وقدرة على تنزيل النصوص على الوقائع، وقدرة على الربط بين الأحكام الشرعية وواقع الأمة.

    احترام التخصص

    ننتقل إلى الجاني الثاني أيضاً الذي يتعلق بالدراسة وهو: احترام التخصص:

    عندي مثلاً تخصصان: تخصص شرعي وتخصص غير شرعي، بعض الشباب يتجه إلى التخصص غير الشرعي، فالبعض يدرس في كلية الحاسب الآلي ثم يتخرج من الكلية وهو لا يعرف كيف يستخدم الحاسب الآلي، ولا يعرف أي شيء يتعلق بالحاسب الآلي، وخارج الكلية تجده يقرأ في كتب الفقه والحديث والعقيدة، وليس له أي علاقة بتخصصه.

    نعم، لا شك أن العناية بالعلم مطلوبة، لكن ما قيمة هذا التخصص الذي توجهت إليه، فعندما تختار تخصصاً وتريد أن تخدم الأمة من خلاله يجب أن تبدع في تخصصك، ولو كان ذلك على حساب فقد بعض الجوانب من العلم الشرعي، فحصل القدر الذي لابد منه، واستزد من ذلك، لكن يجب أن تحترم التخصص، وإلا فإذا كان ميلك إلى العلم الشرعي فاتجه إلى العلم الشرعي.

    وتجد آخر متخصصاً في الهندسة، أو في الطب، أو في علوم إنسانية، أو أي تخصص آخر، ولا يعتني بالتخصص، فإذا توجهت إلى تخصص يجب أن تحترم هذا التخصص وتعتني به، سواء في قراءتك العامة، أو في متابعة ما يصدر من دوريات، أو من مؤتمرات، أو أبحاث، أو كتب، حتى تؤدي الدور الذي نريده منك، وبعد ذلك يمكن أن تطلع وتتوسع في قراءتك الخارجية.

    التخصص الشرعي

    ننتقل نقلة أخرى: التخصص الشرعي:

    فالدراسات الشرعية ليست تخصصاً واحداً، فأنت تأتي مثلاً إلى اثنين من الشباب في المستوى الرابع، أحدهما واحد في كلية الشريعة، تخصصه فقه وأصول، والثاني في قسم السنة أو قسم العقيدة، وتعال إلى هذين الشخصين وقارن بينهما لا تجد فرقاً أحياناً، لا في المعلومات، ولا في الاهتمامات، ولا في المكتبة، فتجد هذا في قسم الفقه والأصول ولكن قراءته واطلاعاته واهتماماته متعلقة بالعقيدة أو السنة أو علوم القرآن أو غيره، ولا يعترف بالتخصص، والعكس أيضاً.

    فأنت -يا أخي- ما دمت تخصصت في شيء، فيجب أن تحترم تخصصك وتعتني به، وأنت تستطيع أن تعرف الإنسان من خلال مكتبته، هذا طالب يدرس في كلية الشرعية، فيجب أن تكون مكتبته متميزة بالعناية بكتب الفقه والأصول، وطالب يدرس العقيدة يجب أن يعتني بهذا العلم، فهو يقتني الكتب المتعلقة بهذا العلم، ومن خلال قراءته الخارجية يركز على هذا العلم، وعند حضوره في وسط العامة يعتني بهذا العلم، ويعتني بالتخصص ويحترمه.

    وهذا لا يعني إهمال الجوانب الشرعية الأخرى، لكن من خلال توسعه وتركيزه يجب أن يركز على تخصصه حتى يفيد فيه فعلاً، أما أن يكون إنساناً مبعثراً، تخصصه في وادٍ ودراسته في وادٍ آخر، فهذا تعطيل لهذه الطاقات.

    الفهم المغلوط

    الجانب الثالث هو: الفهم المغلوط:

    بعض الشباب يتصور أن العلم الشرعي ليس من خلال الدراسة، إنما هو من خلال حلق المساجد، أو القراءة، أو غيرها، فتجده مثلاً يدرس في معهد علمي، أو يدرس في كلية شرعية، ولا يعتني بالدراسة، فيتخرج أحياناً بتقدير مقبول، أو تقدير جيد، أو ينجح في الدور الثاني، فتجده ضعيفاً ولا يعتني بالدراسة إطلاقاً، لكنه خارج الدراسة يعتني بالقراءة الخارجية، ويعتني بحضور مجالس العلم، ويتصور أن هذا هو العلم.

    صحيح لابد أن يكون لنا قراءة خارجية، ولابد أن نحضر دروس أهل العلم، لكن يجب أن نعتني بالدراسة خاصة عندما نكون أصحاب تخصص شرعي؛ لأنك عندما كنت تحضر درساً في المسجد، فقد تكون مواظباً على درس فقه، ودرس يتوسع فيه المتحدث ثلاث سنوات أو أربع سنوات ولم تصلوا إلى كتاب الصلاة، وقراءتك كذلك.

    لكنك عندما تدرس دراسة منهجية متكاملة، فتدرس النحو دراسة متكاملة، وتدرس البلاغة، وتدرس الفقه، وأصول الفقه، ومصطلح الحديث، والفرائض، وهكذا، فتدرس كافة العلوم دراسة قد تكون مختصرة، لكنها دراسة متكاملة تبني شخصية، بعد ذلك يشرحها الأستاذ، وتقرؤها في الكتاب، ومرة أخرى تذاكر وتمتحن، بحيث تكون معلوماتك ثابتة.

    فمهما كان مستوى أساتذتك ومستوى تعليمك، فيجب أن تعتني بالدراسة، خاصة عندما يكون تخصصك شرعياً، واعتبر أن هذا جزء أساسي من طلب العلم، واعتبر أن هذه من أولويات العلم، ثم بعد ذلك أسعى فيما وراء ذلك.

    1.   

    الطالب والدعوة

    اعتناء الشباب بأمور الدعوة العامة

    أخيراً: ننتقل إلى الجانب الرابع وهو: الطالب والدعوة:

    هذا الجانب هو السبب وراء اختيار هذا الموضوع لهذه المحاضرة، وقد نكون أخذنا نصيب الأسد في النقاط الأخرى، فالملاحظ أن هناك إهمالاً لما يتعلق بالدعوة داخل المدرسة من خلال كثير من الشباب، وهناك أسباب كثيرة، ولعل من أسبابها: أن الشاب يعتنون بأمور الدعوة العامة، مثل إنكار المنكرات العامة، وينشغل بمتابعة قضايا المسلمين العامة، وبقضايا عامة بعيدة عن جو الدراسة.

    فهو مثلاً مشغول بمتابعة أخبار المسلمين في البوسنة والهرسك، أو في الصومال، أو غيرها، وقضية القضايا عنده هي هذه المشكلة، وماذا أصنع؟! وما واجبي؟! وهذا اهتمام جيد ومطلوب، فاهتمامك بالمنكرات العامة عندما يحصل أي منكر، أو أي مقال، أو إعلان، فتجده يتابع القضايا، وينشغل بهذه القضايا، ويتصور أن هذه هي الدعوة، وهذا دوره، لكنه عندما يأتي إلى المدرسة ليس له أي دور إطلاقاً.

    مرة أخرى أنا لا أنكر، بل أنا أطالب أن يكون للشاب دور في مجتمعه، وأن يكون له اهتمام بقضايا المسلمين، لكن يجب أن نضع أيضاً الأمور في نصابها، فأنت -يا أخي- تبقى في المدرسة ست ساعات، فيبقى زبدة وقتك داخل المدرسة، ماذا قدمت في هذه المدرسة؟ وماذا بذلت في هذه المدرسة؟

    فالواقع أننا نجد إهمال واضح لهذه القضية خاصة في الفترة الأخيرة والسنوات الأخيرة؛ نظراً لأن الشاب أحس بأن هناك شيئاً ملأ عليه فراغه، وأخذ جزءاً من اهتماماته الدعوية، فأصيب هذا الجانب بإهمال واضح، ينبغي أن يعيد النظر فيه ونعتني به.

    كثرة عدد الطلاب

    جانب آخر يبرز أهمية الدعوة في المدرسة، قضية كثرة عدد الطلاب، فعندما تأتي إلى المدرسة المتوسطة تجد فيها أربعمائة طالب، أو خمسمائة طالب، أو ستمائة طالب، والمدرسة الثانوية كذلك، فاحسب مجموع الثانويات، ومجموع المتوسطات والكليات، تجد أن عدد الدارسين عدد هائل.

    فنحن الآن عندما نعتني بهذا الجانب، فنعتني بالدعوة في المدارس، لا نعدم أن نجد في كل مدرسة ما لا يقل عن عشرين أو ثلاثين أو أكثر من الشباب المتحمسين للدعوة، والذي عنده استعداد عندما تطرح له برامج في الدعوة يقوم بها، فعندما يكون عندنا في كل مدرسة عدد من الشباب يتحرك ويعمل ويدعو، فسنتعامل مع قطاع عريض جداً من قطاعات المجتمع، وقطاع كبير جداً.

    فأنت في المدرسة عندك ثمانمائة طالب، أو ستمائة طالب، أو أربعمائة طالب، أو مائة طالب، فعندما يشعر الطالب أن عليه دوراً كبيراً في هذه المدرسة، وكذلك الأستاذ، فعندي في المدرسة عشرون طالباً مستقيماً يتحمس للدعوة يكفيني هذا العدد، وعندي ثلاثة أساتذة أو حتى أستاذ واحد يشعر بأن عليه دوراً في الدعوة وتوجيه الطلاب، ونشعر بأن وظيفتنا الأساسية ودورنا الأساسي، وأحق المواقع بنا وبدعوتنا هو دعوتنا من خلال المدرسة.

    أتصور أنه عندما توجد عندنا هذه النظرة، ونبذل هذا الجهد ونعتني به، أننا سننتج كثيراً؛ لأننا سنتعامل مع قطاع عريض جداً من قطاعات المجتمع، ومهما كانت المحاضرات التي في المساجد لكنه لا يحضرها إلا فئات خاصة من الناس، والأمور العامة لا يحضرها إلا فئات خاصة من الناس، أما المدرسة ففيها كل من يقع داخل هذا السن من سن ست سنوات إلى سن اثنين وعشرين غالب الشباب لهذا السن هو موجود في هذه المدارس، فسنتعامل مع فئة كبيرة جداً من قطاعات المجتمع.

    الطلاب مجال خصب للدعوة

    الجانب الثالث: أن هذه الفئة مجال خصب للدعوة:

    فالشاب لا يزال طرياً، ومهما كان عند الشاب من انحراف أو فساد فعنده جانب خير، وعنده شعور بالخطأ، وأظن أنكم تتذكرون من حضر منكم المحاضرة التي كانت في هذا المسجد في العام الماضي عوائق الاستقامة، عرضنا فيها نتائج تتعلق حول هذه القضية، وظهر لنا من خلالها أن الكثير من هؤلاء الشباب الذين عندهم سوء، وعندهم معصية وإعراض، أنهم يملكون جوانب خيرة ينبغي أن نستفيد منها ونستغلها.

    الطلاب هم رجال المستقبل

    كذلك الجانب الرابع: أن هذا الجيل هم عدة الأمة، ورجال المستقبل:

    فهؤلاء الدارسون سيكون منهم المدير والوزير والمسئول والضابط، فكل المسئولين في المجتمع إنما يمرون من خلال قنطرة التعليم، ومن هنا فالأستاذ يتعامل مع كل هذه الفئات، وأنت أيضاً زميل لكل هذه الفئات، ومن هنا عندما نعتني بهذا الجانب ونوجه الدعوة له، فإن النتائج في المستقبل ستكون مثمرة فعلاً.

    الطلاب أحق الناس بالدعوة

    الجانب الخامس: أن أولى الناس وأحق الناس بدعوتك هم هؤلاء الذين حولك:

    فهل من المعقول أن زميلك يكون معك في الفصل ثلاث سنوات، أو ست سنوات، ولم يسمع منك كلمة واحدة، فهذا ليس معقولاً أبداً.

    فأنت دائماً تسأل وتتحدث عن الدعوة، وواجبك تجاه المسلمين في البوسنة وفي الصومال، فهذا شعور طيب، لكن -يا أخي- يوجد ثلاثون طالباً معك في الفصل، فما واجبك تجاههم؟ وستمائة طالب معك في المدرسة ما واجبك تجاههم؟ هل سألت نفسك هذا السؤال؟

    أظن أن هؤلاء أقرب الناس إليك، وأنت -يا أخي الأستاذ- هؤلاء أقرب الناس إليك؛ حتى إذا كنت لا تدرس إلا درساً واحداً في الأسبوع، ستدخل على هذا الطالب ثمانية وعشرين مرة، أو ثلاثين مرة في الفصل الدراسي، وإذا كان عندك درسان فسيتضاعف العدد، وهكذا، تقابل هذا الطالب في المدرسة، وخارج المدرسة، فماذا قدمت له؟ وهذا أحق الناس بدعوتك، وأحق الناس بخيرك، وهؤلاء هم أقرب الناس إليك، ومجتمعك أولى الناس بك.

    خير مجال يحسنه الطالب

    الأمر السادس: أن هذا هو -وهي قضية مهمة- خير مجال يحسنه الطالب:

    فكثيراً ما يقول الشاب: أنا شاب صغير السن، وقدراتي محدودة، فنقول: يا أخي! لا نطالبك بحل مشاكل المسلمين، وإن كنا نطالبك أن تتفاعل معهم، ولا نطالبك بأن تنكر المنكرات العامة وتقف في وجهها، وإن كنا نطالبك أن يكون لك دور فيها.

    لكن أظن أن المجال الذي تستطيع أن تحسنه وتؤثر فيه هو مجال مدرستك، مهما كنت صغيراً أو جاهلاً، فزملاؤك تستطيع أن تؤثر عليهم، وتستطيع أن تقدم لهم الكثير، فهذا خير ما تحسن، فابذل جهدك -يا أخي- وطاقتك في خير ما تحسن، وضع الأمر في نصابه حتى تنتج، وحتى تستغل طاقتك فيما تحسن، فأظن أن خير ما تحسن وأفضل ما تنتج فيه هو هذا الجو المدرسي.

    أنا أستغرب من كثير من الشباب حين تجده شاباً طيباً وخيراً وغيوراً ومستقيماً، ومع ذلك فإن معه ثلاثين أو خمسة وثلاثين طالباً في الفصل، وستمائة طالب في المدرسة، فأحياناً وبدون مبالغة تجد أن هذا زميله في الفصل ثلاث سنوات ولم يسمع منه كلمة واحدة، ولا حتى نصيحة.

    أين الدعوة التي تسألنا دائماً وتقول: ما دوري في الدعوة؟ وما الذي يدعوك مثلاً أن تحضر محاضرة أو تشتري كتاباً، أو تحاول أن تتفاعل مع قضايا الدعوة؟ إنها تلك الروح التي كانت تدعوك لأن تتفاعل مع المسلمين في بورما، ومع المسلمين في يوغسلافيا وفي الصومال، وتسأل عن أخبارهم، وتقرأ ما يتعلق بأمورهم، وتتبرع لهم، هذه الروح لا نريد أن نقضي عليها، فنريدها أن تبقى، لكن نريدها أن تساهم في أن تدفعك إلى هذا الإنسان الذي تراه كل يوم، وتراه خمسة أيام في الأسبوع، وتبقى معه ست ساعات لسنوات عديدة، ومع ذلك لم تقدم له خيراً، أليس هذا أولى الناس بك؟

    القدوة ودورها في الدعوة

    النقطة السابعة المتعلقة بالدعوة هي: القدوة ودورها في الدعوة:

    وهي قضية مهمة؛ ولذلك أحببنا أن نفردها، وأرجو ألا نطيل فيها:

    تستطيع أن تدعو بفعلك دون أن تقول كلمة واحدة، ولكن لا تتخذ هذا عذراً وتقول: أنا قدوة ولا أحتاج أن أتحدث، فمجرد مظهري يكفي، صحيح أن هذا له دور، لكن أيضاً هذا وحده لا يكفي.

    فقد سألت أحد الشباب وكان سيئاً ثم هداه الله، فقلت له: ما هو سبب هدايتك؟ فقال: العامل الأساسي الذي أثر علي أنه كان في فصلي مجموعة من الشباب الطيبين، فكنت أراهم يدخلون الفصل ويخرجون، وعندما أراهم يؤثر في هذا المظهر، لا يتحدثون معي.

    لم ينصحه منهم أحد، لكنه يقول: مجرد رؤيتي لهؤلاء الشباب جعلني أغبطهم، وجعلني أتمنى أن أكون مثلهم. فهاهو تأثر بمجرد رؤية هؤلاء، فكيف إذا انتقلت القضية إلى جوانب أخرى!

    1.   

    جوانب القدوة

    القدوة في العبادة

    الجانب الأول: القدوة في العبادة:

    فأكثر الطلاب يصلون داخل المدرسة صلاة الظهر، فنحتاج أن تكون قدوة في العناية بالصلاة، وأداء الراتبة، وكل ما يتعلق بها، وهناك قضية معروفة عند الجميع وهي أن الأفضل أداء الراتبة في البيت، فعندما يكون الإنسان في مسجده فالأفضل أن يؤدي الراتبة في بيته، لكن أنا وجهت نظري إلى أن الأولى عندما يكون الطالب والأستاذ في المدرسة ألا يؤدي الراتبة في البيت، بل يؤديها في المدرسة؛ لأنه يكون قدوة للآخرين، وخاصة الطالب مهما كان يتأثر، فعندما يراك تعتني بالراتبة، وهو قد لا يحافظ على صلاة الجماعة، وأحياناً قد لا يشهد الصلاة، فلابد أن يتأثر.

    ثم أنت لا تصلي الراتبة لأجل أن تراءي الآخرين؛ لكن تشعر بأنك قدوة، ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

    القدوة في الانضباط الشرعي

    الجانب الثاني: القدوة في الانضباط الشرعي:

    فلا يليق أبداً أن نقع في المخالفات الشرعية أمام الناس، وهي ظاهرة محزنة، وأنا أقول: إنها ليست عامة، لكن أحياناً تجد الشاب المستقيم الملتزم يقع في مخالفات شرعية أمام الطلاب، وهنا تصبح قدوة سيئة، وتسمع الكلمات: هذا نفاق، وهذا وهذا، وأحياناً يحق لهؤلاء أن يقولوا مثل هذا الكلام؛ لأنهم يجدون تناقض بين المظهر والمخبر.

    فيجب أن تكون قدوة في الالتزام في الأحكام والضوابط الشرعية، وفي مظهرك، وفي عدم الوقوع في المخالفات الشرعية أمام الناس، وفي كل شيء، فأنت أولى الناس بفعل الخير، وعندما تفعل معصية أمام الناس فأنت تدعوهم بصورة غير مباشرة للوقوع في هذه المعصية.

    القدوة في الأخلاق والآداب العامة

    الجانب الثالث من جوانب القدوة: الأخلاق والآداب العامة:

    لا يليق أن تجد الطالب يقف دائماً أمام شئون الطلاب، أو يقف أمام مكتب الإدارة معاقباً، فيمكن أن أرى أي طالب لكن لا أريد أن أرى الطالب المستقيم والخير، وهذا مظهر سيئ يدل على الإهمال.

    لا يليق أن ترى الطالب في أي موقف يعاب عليه في الآداب العامة والأخلاق، ولا يليق بالطلاب أن يمزحوا مزاحاً مسرفاً ويعبثوا عبثاً غير لائق.

    القدوة في الاتزان

    فأنت يجب أن يكون عندك قدر من الاتزان، وهو الجانب الرابع وله أهمية:

    الطلاب مثلاً يمزحون، وعندهم أنواع من المزح والمداعبة والعبث، نحن لا نقول: لا تمزح، لكن يجب أن يكون لك قدر تتميز به، بل والناس جميعاً يطالبونك بهذا الاتزان، فيجب أن يكون عندك اتزان، وأن تحفظ اتزانك، فلا تضحك لأي مناسبة، ولا تعبث بأي صورة، بل كن إنساناً متميزاً؛ حتى تدعو الآخرين، وحتى يرى الآخرون أثر الاستقامة والصلاح عليك.

    القدوة في الاهتمام بالدراسة

    كذلك العناية بالدراسة، وأداء الواجبات، والتعامل مع الأستاذ، والحضور، فأتصور أنه لا يليق أن يكون الشاب المستقيم والملتزم قدوة سيئة أو سلبية.

    حتى الأستاذ عندما يسأل الطلاب: من الذي ما أدى الواجب؟ فيقوم ثلاثة أو أربعة من الطلاب الأخيار، هذا يعطيه انطباعاً بأن هذه النتيجة التي يصل إليها الطالب عندما يستقيم، لكن أنا أريد أن الأستاذ يعرف أن هناك علاقة طردية بين اجتهاد الطالب في دراسته وبين استقامته وصلاحه، فكلما استقام الطالب وصلح؛ كان أكثر اجتهاداً وانضباطاً.

    وهذا هو الواقع، لكن نريد أكثر من ذلك، نريد أن تكون قدوة عند زملائك، فلا يليق أنك تكون متفوقاً، وعندما تستقيم وتسير مع الصالحين تتأخر، والآن لا زال الطلبة المتفوقون والبارزون في الدراسة غالباً هم الأخيار، لكن نحن نريد أن يكون هذا هدفاً وأمراً نسعى إليه.

    القدوة في التعامل مع الأستاذ والطالب

    جانب آخر من جوانب القدوة: التعامل مع الأساتذة والطلاب:

    كما أن الأستاذ يرى أنك عندما تستقيم يجب أن تتميز بحرصك على الدراسة، كذلك يجب أن يجد فرقاً بين تعامل الطالب معه يوم أن كان منحرفاً، وبعد أن هداه الله عز وجل.

    حتى الأستاذ الذي ترى عليه مخالفات شرعية، يجب أن تكون متأدباً في التعامل معه؛ لأنك تبعث إليه رسالة غير مباشرة بأن هذه النتيجة التي وصلت إليها بعد أن هداني الله عز وجل، وليس المقصود ألا تسيء، بل يجب أن تكون متميزاً بحسن الخلق والأدب.

    والطالب عندما يحسن الأدب مع الأستاذ يأسر الأستاذ، فأحياناً يقع الطالب في الخطأ ويريد الأستاذ أن يعاقبه، لكنه عندما يتذكر أنه حسن الخلق، وأنه طالب وقور، لا يمكن أن يتجرأ على عقابه، بل عندما يصير للطالب مشكلة، ويرى الأستاذ أنه صاحب خلق عال ورفيع، تجد أن الأستاذ يتدخل ويحاول قدر الإمكان أن يعين هذا الطالب ويساعده.

    فنحن نريد إذا دخل الأستاذ الفصل أن يستبشر أن هناك طالباً مستقيماً؛ لأنه سيجد منه حسن خلق، ونريد الطلاب جميعاً عندما يدخل عليهم طالب جديد الفصل ويرون أنه مستقيم يستبشر الطلاب جميعاً، فإنهم يرون هذا حسن المعاملة، يتعامل مع الطلاب بلطف، ويقضي حوائجهم.

    لا يليق أن تكون مثل سائر الطلاب، أحياناً يتخاصم الطلاب على أشياء تافهة، طالب أخذ سجادة طالب، طالب أخذ قلم طالب، فيجب أن تكون متميزاً.

    فمن أكبر المشاكل التي تثير الصراع بين الطلاب المكيف داخل الفصل، طالب يقول: الجو بارد، والآخر يقول: الجو حار، لكن أنت يجب أن تكون متميزاً عند الطلاب، فلا تكون إنساناً أنانياً، فعندما تأتي وتجد طالباً في مقعدك لا يوجد داع أنك تثير قضايا، وتجلس في مقعده، أريد الأستاذ أن يجد فرقاً واضحاً جداً في التعامل بين الطالب العادي وبين الطالب المستقيم والملتزم، وعندما نصل إلى هذا المستوى من القدوة، فإننا سننجح كثيراً في الدعوة، ولو لم نفعل شيئاً، ولو لم نقل كلمة واحدة.

    1.   

    أهداف مهمة في الدعوة

    ننتقل إلى النقطة الأخرى، وهي النقطة المهمة، وهي: مجالات ضرورية للدعوة؟

    مع أهمية القدوة والعناية بها أقول: لا تكون قدوة تكسلنا، ونقول: يكفينا أن نكون قدوة، لا، نكون قدوة، ومع ذلك لابد أن نفهم، أستطيع أن أضع أربعة أهداف مهمة يمكن أن يسعى إليها الطالب في دعوته:

    زيادة المنتمين لجيل الصحوة

    الهدف الأول: زيادة المنتمين لجيل الصحوة:

    فمثلاً: قد يكون بعض الشباب ليس منحرفاً ولا سيئاً؛ لكن همه الرياضة أو العبث أو اللهو، فعندما أنقل هذا الشاب وأجعله يسير مع الناس الصالحين والأخيار، وأجعله يسير في ركب جيل الصحوة، هنا أكون أضفت إضافة مهمة، ولا تحتقر -يا أخي- هذا الجهد أبداً، فأنت عندما تأتي بشخص، والثاني بشخص، والثالث بشخص آخر، سيكون عندنا نتيجة كبيرة جداً.

    وتعالوا نجري لكم عملية حسابية بسيطة؛ حتى نعرف كيف أننا فعلاً نستطيع أن نصنع الشيء الكثير، فلو جئنا الآن إلى مدرسة فيها ثلاثون من الشباب الطيبين، يلتقون داخل جمعية مدرسية، أو بينهم رابط أو علاقة معينة بصورة أو بأخرى، وكل هؤلاء فعلاً عندهم شعور أنهم لابد أن يساهموا في زيادة هذا العدد، فعندما يقول كل واحد: أنا أريد أن أحاول محاولة واحدة في الشهر فقط، والدراسة عندنا فصلين، احذف أيام الامتحانات وغيرها، سيكون عندك الفصل الأول ثلاثة أشهر، والفصل الثاني ثلاثة أشهر، فسيكون لكل طالب ست محاولات، وسيكون مجموع المحاولات (180) محاولة.

    فعندما ننجح -يا شباب- بنسبة (5%) من كل مائة محاولة سيزيد العدد تسعة، يعني قريباً من الثلث، فإذا شغلنا كل الطاقات وصار الجهد فقط مرة واحدة في الشهر، وكل واحد له محاولة واحدة في الشهر سنزيد بمقدار الثلث، (الثلث والثلث كثير)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

    وتعال الآن نعمل إحصائية في المدرسة، نأتي إلى مدرسة فيها أربعون من الشباب الطيبين، العام القادم كم زاد العدد؟ ما النتيجة؟ لا أدري لكن النتيجة أقل بكثير مما يكن أن نصله، لو كان كل واحد منا عنده شعور أنه عندما يضم واحداً إلى الناس الصالحين، فإنه قد ساهم فعلاً، فليست القضية أنك أنقذته واستفاد، هذا صحيح مكسب، ولا تنظر إليه نظرة قريبة، فأنت أحياناً تنظر إليه أن فلاناً من الناس الذي ضممته إلى جيل الصالحين أفدته، هذا جانب.

    لكن القضية أبعد من ذلك، فالقضية أنك قدمت طاقة أخرى للصحوة، وقدمت طاقة للأمة، فقد يكون هذا إنساناً نابغاً، وقد يكون موهوباً، فيسخر طاقته لخدمة الأمة، فتساهم أنت من حيث لا تشعر بأعمال وجهود أخرى قد لا تلقي لها بالاً، وقد يكون هذا يعمل أعمالاً خيراً منك، فيأتيك أجره، (من دعا إلى هدى؛ كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).

    محاولة هداية بعض المنحرفين

    الهدف الثاني وهو قريب من هذا الهدف، لكني أؤكد عليه وهو: محاولة هداية بعض المنحرفين:

    هناك نوعية من الطلاب في غاية السوء، فلا ينبغي أن نيأس من هؤلاء، والآن توجد نماذج كثيرة، فتجد مروج مخدرات يتوب، وتجد مستعمل مخدرات يتوب، وكثير من الشباب الطيبين الأخيار الذين تراهم ولا تعرف تاريخهم كان تاريخه السابق سيئاً، ثم هداه الله عز وجل.

    فيا أخي! ألم تفكر يوماً من الأيام أن تكون لك مساهمة؟ لماذا لا تنزل إلى الميدان؟ ولماذا لا نحاول أن نكسب واحداً؟

    وأنا أقول: لو كان عندنا ثلاثون طالباً وأربعة مدرسين في مدرسة، وكسبنا في المدرسة في السنة اثنين فقط من الناس السيئين والمنحرفين واستقاموا وهداهم الله، سنحقق شيئاً كثيراً، وهناك وسائل كثيرة لتحقيق هذا، منها:

    النصيحة الخاصة: فعندما أجلس أنا وإياه، وأبدي له بعض المشاعر، وأقول له: أنت صحيح عندك كذا وكذا، لكن عندك جوانب خيرة، فأنت تصلي، وأنت مسلم، ثم تنصحه، قد يسخر منك، لكن في النهاية ستبقى هذه الكلمات تحترق في قلبه، وقد تكون هذه الكلمات سبباً في هدايته.

    وأحياناً عندما تسأل عن سبب هداية بعض الناس تجده سبباً يسيراً.

    أسلوب أخر مثلاً: أسلوب الشريط: أنا أطرح فكرة يمكن أن يقوم بها بعض الشباب، لكني أؤجلها للنقطة الثالثة، نأتي إلى هذا الشاب السيئ فتهدي له شريطاً أو كتاباً قد يكون أحياناً سبباً في هدايته، وكم من شاب استفاد بسبب الشريط أو الكتاب وهداه الله.

    الرسالة: عندما تجلس في البيت وتكتب رسالة صفحتين أو ثلاث صفحات، فيها مشاعر جياشة لهذا الطالب، ونصيحة وموعظة، ولا تعطيه إياها في المدرسة، وعندما تخرج من المدرسة تقول له: تفضل، اقرأ هذه الرسالة، كم سيكون أثر هذه الرسالة عليه؟

    أخيراً: هناك فكرة واقتراح أطرحه على الإخوة الأساتذة والطلاب أرجو أن تلقى عناية من الإخوة الأساتذة والطلاب، وأرى أنها وسيلة قد تكون مناسبة لدعوة بعض هؤلاء الشباب الذين يلاحظ عليهم بعض مظاهر الانحراف: مثلاً عندما يأتي أستاذ ويختار أربعة من الطلاب، ويكون هذا الطالب خامسهم، أو ستة من الطلاب، لكن من الطلاب الأخيار، ويأخذ هذا الطالب السيئ، فيكون طالباً وحيداً بينهم، ويخرجون جميعاً في رحلة خاصة، قد يكون لها طبيعة خاصة، ويعودون، ويعتنون بمثل هذه القضية، أتصور أنها ستنجح كثيراً، وقد طبقها بعض الإخوة، واستفادوا، وهدى الله على أيديهم بعض الشباب بسبب هذه الوسيلة.

    حتى ولو لم يسمع مواعظ ولا نصائح في هذه الرحلة، مجرد كونه يخرج مع هؤلاء الشباب، ويرى كيف يتعاملون، ويأخذ صورة طيبة عن الناس الأخيار، أظن أنها ستنفع كثيراً، لكن لابد من الشباب أن يحذروا من بعض المزالق التي تسبب في ذلك، مثلاً ألا يخرج الطلاب وحدهم؛ لأنهم لن يصنعوا شيئاً، فلابد أن يستشيروا أستاذهم، ويكون معهم أحد الأساتذة، لا يناسب أن الطالب يتوسع مع مثل هؤلاء الذين عليهم انحرافات؛ لأنه قد يكون سبباً في التأثير عليه.

    أنا أقول: هذه كفكرة أو كنموذج، وأتصور أن الأساتذة والطلاب قادرين على أن يبتكروا وسائل وأساليب أخرى أكثر من هذه عندما يعتنون بمثل هذا الأمر.

    نشر الخير والدعوة العامة

    الهدف الثالث: نشر الخير والدعوة العامة:

    عندي ثلاثون طالباً في الفصل، ليس بالضرورة أن يكونوا كلهم من الشباب الأخيار، وليس بالضرورة كلهم أن يستقيموا، لكن على الأقل أقدم لهم خيراً، وعندي وسائل كثيرة يمكن أن أصنعها، فمن الوسائل: الكلمات التي تلقى بعد الصلاة في المدارس، فيعتني بها الطلاب والأساتذة، وتقدم كلمات تناسب مثل هؤلاء الطلاب.

    برامج النشاط العام عموماً، برامج الجمعيات المدرسية والنشاط التي تقدم لعامة الطلاب يعتنى بها، وتكون مناسبة، وتخاطب مثل هؤلاء الطلاب، والأستاذ من خلال الفصل.

    وهناك فكرة وبرنامج أيضاً آخر أطرحه على الشباب يمكن أن يفكروا فيه هو: أتصور أنه لا يمكن أن أعدم في الفصل أن أجد خمسة من الشباب الطيبين، فيتفق هؤلاء الخمسة ويقولون: كل شهر كل واحد منا يدفع عشرين ريالاً، ويكون واحد منا مسئول عنها، فنستطيع أن نشتري شريطاً للتوزيع بريالين، ونشتري كتيباً ونغلفها، ونوزع على الطلاب كل شهر شريطاً أو كتيباً.

    افترض أنه لم يقرأ الكتيب ولم يسمع الشريط، فمجرد هذا الأمر له أثر نفسي، الأثر النفسي هذا له دور كبير، فعندما يرى أنه إنسان يتابع صفحات الرياضة، ويتابع الأمور الساقطة وغيرها، ويرى الشاب الآخر أصبح جاداً، وأصبح له اهتمامات أخرى، هذا الشعور النفسي له دور كبير، مع أن الغالب أنه يسمع الشريط، ويقرأ الكتيب.

    لكن لابد من حسن الاختيار، فمن غير المناسب أن تأتي بمحاضرة موجهة للشباب الطيبين وتوزعها على عامة الطلاب في الفصل، أو تأتي إلى درس في الفقه، فلابد أن تحسن اختيار المادة التي تقدمها إلى هؤلاء الطلاب، (وما ندم من استخار، وما خاب من استشار).

    إنكار المخالفات الشرعية التي تحصل

    الهدف الرابع: إنكار المخالفات الشرعية التي تحصل:

    يحصل كثيراً في المدرسة مخالفات شرعية أظن أنه ما من أحد يسمع هذا الكلام إلا ويعرف ويرى نماذج كثيرة من هذه المخالفات والتصرفات اللا أخلاقية التي تحصل من الطلاب، فلابد أن يكون لنا دور في إنكار مثل هذه المنكرات.

    أولاً: أن هذا واجب شرعي علينا (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه).

    ثانياً: عندما ننكر هذه المنكرات فإننا في الواقع نحمي أنفسنا، لماذا؟ أنت عندما تبقى في الفصل وتشاهد هذه التصرفات، فأنت بشر تستمرئ هذه الأمور؛ وقد تقع فيها أنت، لكن عندما تسعى إلى إنكارها، يكون هذا وسيلة لحماية نفسك، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، فمهما بلغت -يا أخي- من إيمان وتقوى، يمكن أن تقع فيما يقع فيه الآخرون، فإنكارك لهذه المنكرات وسيلة لأن تحفظ نفسك وتحمي نفسك.

    ثالثاً: أن هذا وسيلة لحماية الآخرين، فللأسف -مثلاً- بعض الشباب يتعلم هذه الأمور السيئة داخل المدرسة، والده محافظ عليه في البيت لا يخرج إلى الشارع، ولا يذهب ولا يأتي، لكنه داخل المدرسة عندما تكون هذه الممارسات ظاهرة ومنتشرة يستمرئها، فتجده إنساناً حيياً، وإنساناً لا يمكن أن يقع في هذه الأمور؛ لكنها عندما تظهر أمامه يستمرئها ويقع فيها.

    فنحن عندما نساهم في منع هذا المنكرات؛ نستطيع أن نقدم الشيء الكثير، ونحن قادرون -يا إخوان- وأمامنا وسائل عديدة لإنكار هذه المنكرات:

    النصيحة الشخصية، والرسالة، والإنكار العلني أحياناً، ولو بنوع من التوبيخ، يعني: أنت إنسان ما تستحي.. تفعل هذا أمام الناس.. هذا لا يليق.. وهل وصل بك الحد إلى أنك تجعل نفسك ألعوبة في يد هؤلاء.. إلى غير ذلك من الكلمات الذي قد يكون فيها نوع من القسوة، لكنها أحياناً تؤدي دورها.

    إذا لم ينفع هذا الكلام، فيمكن أن تستعين ببعض الناس في المدرسة، كالمرشد الطلابي إذا كان مستقيماً وخيراً، أو أستاذ من أساتذتك، أو وكيل المدرسة، أو المسئول عن شؤون الطلاب، تستعين بشخص آخر يساعدك في هذه القضية.

    وقد تنتقل إلى خطوة أخرى وهي: التهديد، فتقول: نحن لا نرضى بهذا المنكر، وأنت لو تفعل أي شيء لا يعنينا، لكن هذا منكر شرعي، إذا لم تكف فأنا سأخبر الأستاذ أو فلان، أو سأخبر المرشد الطلابي، وهدد بمن يخشى منه ذلك، ليترك المنكر خوفاً من هؤلاء، فزوال هذا المنكر بحد ذاته مكسب.

    وأظن -يا شباب- أننا لو فكرنا جادين؛ لاستطعنا أن نجد وسائل كثيرة تساعدنا على منع هذه المنكرات، بل أنا أقول وبدون مبالغة: أن الطلاب الأخيار وحدهم قادرون على منع هذه المنكرات، وأنهم يملكون قدرة أكثر من الأستاذ، وأكثر من إدارة المدرسة، فإدارة المدرسة تتعامل مع ما يظهر أمامها، لكن أنت موجود في الفسحة مع الطلاب، وفي داخل الفصل، وفي الممرات، وفي مكان تناول الطعام، وفي كل مكان توجد فيه هذه المخالفات فأنت موجود.

    فلو كان كل واحد يشعر أن عليه واجباً تجاه إنكار هذه المنكرات، لاستطعنا على الأقل أن نخفف منها، وأتصور أننا وحدنا قادرون أن ننكر هذه المنكرات، ولو لم يتعاون معنا أحد، مع أننا سنجد في كل مدرسة من يتعاون معنا ومن يدعمنا ويشجعنا.

    1.   

    أمور لابد منها في الدعوة

    أخيراً: ننتقل إلى الهدف الخامس، ولعلي أختصر: هناك أمور لابد منها:

    ضرورة التثبت في الإخبار عن المخالفات الشرعية

    الأمر الأول: ضرورة التثبت في الإخبار عن المخالفات الشرعية:

    فأحياناً يأتي طالب فيخبر عن خطأ حصل من بعض الطلاب، طالب -مثلاً- أحضر صورة في الفصل للأسف، وهذه مظاهر أحياناً تتكرر وإن كانت قليلة، لكنها مظاهر مؤلمة أن تحصل في أماكن العلم، أو طالب قال كلاماً أو فعل فعلاً، وتجده أحياناً ما تثبت وما تأكد، فيحرج الآخرين ويجعل الآخرين لا يثقون في المستقبل بأخباره، فيجب أن يتثبت ويتأكد من كل ما يراه ولا ينقل خبراً إلا وقد تثبت منه؛ لأننا كثيراً ما يأتينا بعض الشباب وينقل لنا أخباراً، ونكتشف أنها أخبار غير دقيقة.

    لابد من الاستشارة

    الأمر الثاني: لابد من الاستشارة:

    فعندما تريد أن تصنع أي شيء، كأن توزع كتيباً على الطلاب أو شريطاً، فلابد أن تستشير أستاذك، أو إدارة المدرسة، لأن الأعمال الارتجالية أحياناً يكون لها نتائج وخيمة، فأنت قد تريد أن تحسن فتسيء، ويساء إليك، وتصيبك ردة فعل بعد ذلك، فلابد أن تستشير من هو أولى منك وأنفع منك، وخير منك وأحرص منك على نفع الطلاب، وعنده إدراك أكثر مما عندك، فمثل هذا يدرك ما لا تدرك.

    كذلك أيضاً المسئولية لها قيمة، فلا يليق أنك تتصرف تصرفات عامة داخل إطار المدرسة بدون إذن، أو تنسيق على الأقل مع أحد المسئولين في المدرسة، فأنت عندما تريد أن تطرح أي مشروع أو أي فكرة ينبغي أن تستشير، وإن شاء الله لن تعدم من يريد الخير.

    وهذه ظاهرة طيبة -ولله الحمد- لا نجد مدرسة ولا مجال إلا وفيه من الناس الأخيار، سواء مدير أو وكيل أو مسئول أو أستاذ، سنجد فيها من الأخيار ممن سنجد عنده الرأي، بل سنجد عنده الدعم والتشجيع.

    وأنا أحذر الشباب من أن يعملوا أي عمل ارتجالي، اللهم إلا في الأمور العادية، فلا يعني ذلك أنني عندما أريد أن أنصح طالباً أذهب أستشير، فالاستشارة في القضايا العامة التي يحتاج إلى الاستشارة فيها.

    الثقة بالنفس وعدم الاحتقار

    الأمر الثالث: الثقة بالنفس وعدم الاحتقار:

    دائماً يقول لك الشاب: أنا لا أصلح لشيء، فأنا ليس عندي علم، يا أخي! لا نريد منك أن تعقد حلق علم للطلاب، نريد فقط كلاماً كل واحد منا يستطيع أن يقوله، ونصيحة كل واحد منا يستطيع أن يقولها، ولا داعي أنك تدبج الألفاظ أبداً.

    يا أخي! حتى لو كنت أصم وأبكم يمكن أن تأتي بشريط وتعطيه، حتى لو كنت مشلولاً يمكن أن تنقل هذا الشريط بوسيلة أخرى لمثل هذا الطالب، ويمكن أن تنقل كتاباً، مع أنك لن تصل إلى هذا القدر مهما كنت من الخجل، ومن الحياء، ومن عدم العلم، لن تصل إلى هذا القدر الذي يجعلك معطلاً إطلاقاً، ألا تستطيع أن تقول كلمة ولو واحدة؟! ألا تستطيع أن تعطي شريطاً لأحد زملائك؟! أو تكتب رسالة لأحد زملائك؟ أظن أنك تستطيع أن تصنع الشيء الكثير.

    طول النفس وعدم اليأس

    الأمر الرابع: طول النفس وعدم اليأس:

    أحياناً بعض الشباب عندما يسمع هذا الكلم يتفاءل، ويقول: إن شاء الله اليوم الأحد، فيوم الأحد القادم تريد أن تتغير المدرسة كلها، هذا ليس معقولاً، ولا بعد سنة أو سنتين، لا، يجب أن نكون أناساً عندنا طول نفس، من طول النفس الذي أريده أنك تقول كلمة، وتنتظر أثرها بعد أربع سنوات، وممكن هذا، قد تقول كلمة لإنسان وتبقى تنمو وتنمو مثل البذرة وبعد ذلك تؤتي أكلها.

    وقد تقول كلمة ولا تجد ثمرتها إلا يوم القيامة عندما يثيبك الله على عملك، فلا تيأس أبداً، وكن إنساناً طويل النفس، ونحن قلنا: لو نجتمع في المدرسة أربعين طالباً وخمسة أساتذة، وننفق وقتنا كله، ويهتدي على أيدينا ثلاثة طلاب، فأعتبر أننا حققنا مكسباً كبيراً، وتقدمنا خطوات، وأظن أننا قادرون على أن نحقق أضعاف أضعاف هذه النتائج.

    ثم هناك نتائج ما تستطيع أن تقيسها، فمثلاً الأستاذ عندما يقول كلمة لمائة وعشرين طالباً لا يدرك أثر هذه الكلمة، فلها آثار قد تمتد خارج أسوار المدرسة، فقد تجد من الطلاب من يتحمس لأفكارك، وينقل أفكارك للناس الآخرين.

    وأنت -يا أخي الطالب- قد تعطي زملاءك الشريط وانتهت العملية، فلا تدري عن أثر هذا الشريط عليهم، لكن له أثر، فقد يؤثر على شخص آخر خارج المدرسة، هذا ما استفاد، لكنه ترك الشريط في السيارة فسمعه فلان من الناس أو أعطى زميله أو صديقه أو أعطاه أخيه، فسمعه فهداه الله عز وجل.

    فأقول: لا تيأس أبداً، أو تستعجل النتائج.

    هذه بعض الأفكار وبعض المقترحات، وكما ترون ليس فيها شيء جديد، لكن أنا أقول -يا شباب- وأوجه حديثي للأساتذة ابتداءً، وللطلاب جميعاً: إننا مسئولون، والدور الأساسي الذي يجب أن نعتني به هو داخل أسوار هذه المدرسة، أن يشعر كل أستاذ وكل طالب أن له دوراً مهماً وأساسياً هو نشر هذا الخير، ونشر هذه الدعوة، وعندما ندرك هذه المسئولية أجزم أننا سنستطيع أن نصنع الكثير، وسنستطيع أن نفيد كثيراً، لكن المشكلة أن الأستاذ أحياناً يشعر أن دوره محصور داخل الطلاب الذين يشاركون معه في الجمعية فقط، والطالب يشعر أن دوره مع زملائه فقط في الجمعية وفي حلقة القرآن، أما القطاع العام فليس لنا دور تجاهه، بالعكس فهؤلاء أكثر وأحوج إلى جهدنا وإلى طاقاتنا.

    أقول: عندما نعتني بالقضية سنكتشف وسائل، ونبتكر أساليب، ونستطيع أن نصنع الكثير الكثير، لكن عندما تكون القضية فعلاً هما يعنينا ونعتني به جميعاً.

    أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لطاعته، وأن يجنبنا وإياكم أسباب معصيته وسخطه، ويرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح.

    1.   

    الأسئلة

    مشكلة الخجل في الدعوة

    السؤال: أنا شاب ملتزم، وأحب الدعوة إلى الله، ولكني أعاني من مشكلة الخجل، وكثيراً ما تمنعني عن الدعوة إلى الله، فما نصيحتكم لي؟

    الجواب: يجب أن تعلم أولاً: أنه ليس هناك مشكلة إلا ولها حل.

    ثانياً: أنك هو الرجل الوحيد القادر على حل هذه المشكلة، ومشكلة الخجل تحتاج إلى أن توجد عند نفسك شجاعة وجرأة، وتعتاد وتتجرأ تدريجياً؛ حتى تستطيع أن تواجه.

    والآن مشاهد تمر علينا كثيراً، فأحياناً نوعية من الطلاب السيئين تجده يتصرف تصرفات غير لائقة، فيعصي الله أمام الناس ويستعرض بها ولا يستحي أبداً، وأحياناً أشياء في غاية الوقاحة.

    فلماذا -يا أخي- هذا ما يستحي، وأنت تستحي وأنت صاحب الخير؟! فالأولى أن يستحي صاحب المعصية، وأن يكون صاحب الخير هو الرجل الجريء، وأنا لا أريدك أن تلقي كلمات في الفصل، أو تقوم في درس الإنشاء وتلقي كلمة، وإن كان عندك استعداد لهذا فهذا طيب جداً.

    لكن -يا أخي- أتعجز أن تمسك أحد زملائك وتقول له كلمتين، حتى بلغتك الدارجة، لا يحتاج إلى أنك تتكلف له اللغة الفصحى، فتقول له: يا أخي! عيب عليك، وأنت إنسان لابد أن تفكر في حياتك، ووضعك هذا لا يرضاه الله ولا رسوله، أما فكرت يوماً من الأيام أن تغير وضعك؟! هذا الكلام أتصور أن أشد الناس خجلاً وحياءً يستطيع أن يقول هذا الكلام.

    وإذا قد بلغ بك الحد إلى أنك لا تستطيع أن تتكلم نهائياً فيمكن أن تأخذ شريطاً وتعطيه له، أو تكتب له رسالة خاصة وتعطيها إياه، لكن أظن أنه لن يبلغ بنا الحد من الخجل والحياء إلى أن الإنسان لا يجرأ أن يكلم الآخرين أبداً، والحياء مطلوب، والحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، والحياء من الإيمان؛ لكن أن يكون عائقاً عن أداء الواجب الشرعي فلا.

    فالرسول صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، وخير الناس حياءً صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ما كان يعوقه الحياء أبداً عن أداء هذا الواجب، فلابد أن نتخلص من هذا بالتمرين، فيتعود الإنسان مرة ومرتين وثلاث مرات؛ حتى يعتاد بعد ذلك.

    فمثلاً: الطفل عندما يريد أن يمشي يجد صعوبة، فيقوم ويسقط، ويقوم ويسقط؛ حتى يعتاد، وأنت عندما تريد أن تقود السيارة تجد أنك تتعب كثيراً، وقد يحصل لك بعض الحوادث وبعض الإصابات، لكن تتحمل، وبعد فترة تقود السيارة، فمثلاً: لو أعطيتك السيارة فقلت: أنا لا أعرف أن أقود السيارة ولا أستطيع، أعطوني حلاً، فإنه لا يوجد حل إلا أن تتعلم، وتقع في الخطأ، وتتحمل بعض النتائج، حتى الرياضة التي يمارسها الإنسان كالسباحة، فعندما تريد أن تتعلم السباحة لابد من أن تحاول.

    كذلك إذا أردت أن تزيل هذا الخجل لا يوجد وصفة طبية، أنت الذي تستطيع أن تعالج نفسك، وأن تحل لنفسك، وعندما تمارس القضية تدريجياً تجد أن هذا الخجل قد زال، وأحياناً تشعر بأنك تحتاج إلى قدر من الحياء يضبطك أكثر.

    الاعتذار عن الدعوة بقلة العلم

    السؤال: أنا أود الدعوة في المدرسة، لكن إذا كان الداعي ليس عنده علم كافٍ للدعوة، فكيف يدعو؟

    الجواب: هذا سؤال غريب جداً، فمجالات الدعوة مجالات واسعة، وعندما أطالبك أن تتصدر وتخطب، أو تحاضر، أو تؤلف، حينئذٍ نقول: لابد أن تتحدث بعلم، لكن أنت في واقع تشاهد انحرافات أمامك تعرف أنها حرام، وأنها أمور محرمة.

    فمثلاً: ترى الطالب في المدرسة يقع في أشياء تعرف أنها حرام، هل هذه تحتاج إلى علم؟! هذه لا تحتاج أنك تحفظ آية من كتاب الله، ثم كلام لأحد الصحابة، أو كلام لأحد التابعين وأحد السلف والإجماع، ونقل هذا الكلام فلان في كتاب كذا وكذا، لا نحتاج إلى كل هذا، نريدك أن تقول كلمة واحدة، لا تحتاج إلى علم، فهناك أحياناً مواقف ومنكرات يعرفها كل مسلم لا تحتاج إلى مزيد من العلم، صحيح أن العلم له دور، وكلما كان الإنسان عنده علم؛ استطاع أن يؤثر على الآخرين.

    لكن أظن أنك لن تحتاج إلى أن تملك رصيداً من العلم حتى تدعو فلاناً من الناس أن يترك هذا المنكر الذي يقع فيه، وحتى تقول لفلان من الناس: لماذا لا تفكر في تصحيح ما أنت عليه؟ وهل يصل بك الحد من الجهل إلى أنك لا تستطيع أن تفرق بين فلان أهو مستقيم أو غير مستقيم؟! فإذا وصلت إلى هذا القدر، فأنت حينئذٍ معذور.

    لكن أظن أن كل واحد منا يعرف هذا الشيء، فيعرف المحرمات الظاهرة، ويعرف الواجبات التي يقصر فيها الآخرين، فلا تكون هذه القضايا عائقاً.

    ونحن نريدك أن تدعو بالعلم الذي عندك، ولا نريدك أن تفتي بغير علم، لكن عندما أطالبك بالدعوة لا أريدك أن تعقد دروساً داخل المدرسة، ولو عقدت درساً فلن يأتيك أحد.

    لكن أريدك أن تنكر المنكرات الواضحة، فالآن قضية الفساد الأخلاقي نشاهدها في كل وقت، في الشارع، وفي المدرسة، وفي كل مكان، وأحياناً في الفصل، هل هناك أحد لا يعرف أن هذه قضايا محرمة؟ لا أظن أحداً بلغ به الحد من الجهل إلى أن يجهل هذه القضايا، فتستطيع أن تفرق بين فلان المستقيم وفلان غير المستقيم، هذه كلها لا تحتاج إلى علم.

    وقضية أني أدعي الخجل، وأن ليس عندي علم، كل هذه أحياناً حيل نفسية نحاول أن نقنع بها أنفسنا، ونتهرب بها من مسئوليات الدعوة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)، وهذا خطاب لكل الناس.

    فأقول: يجب أن نزيل هذا الوهم من أنفسنا، ويشعر كل مسلم أنه قادر أن يدعو إلى الله عز وجل.

    لو كان -والله- كل إنسان يشعر بهذا الواجب؛ لاستطعنا أن نصنع الشيء الكثير، ومهما بلغ الإنسان من قلة الثقافة والعلم، فهو قادر أن يقول مثل هذا الكلام، وقادر أن يصنع هذا الشيء، فهذه من وسائل التهرب من المسئولية، ومن وسائل الدفاع عن النفس فقط.

    ولا يعني هذا أن نهمل العلم، فالعلم ضروري ولابد منه، ولابد أن نعتني ونستغل وقت الشباب لتعلم العلم، لكن لا ينبغي أن تكون هذه عوائق وحواجز لنا عن الدعوة، وعن إنكار المنكرات، وعن نشر الخير.

    التخصص والدعوة

    السؤال: بعض الشباب يكون تخصصه سبباً في ضعفه في الدعوة كالتخصصات العلمية، فما نصيحتك لهم؟

    الجواب: ليس صحيحاً، فأنا أولاً لا أتخاطب مع الإنسان الذي يريد أن يأخذ تخصصاً علمياً لكي يشتهر، أو تكون له مكانة اجتماعية، فهذا شخص آخر ليس لنا معه لقاء، لكني أريد الإنسان الذي يختار التخصص سواء من ناحية الدراسة أو العمل وهو يشعر أنه يريد أن يخدم الأمة، فنحن في واقع حرج، وضع الأمة ووضع المجتمع لا يحتمل أننا لا نفكر إلا بمصالحنا الخاصة.

    فأنا أقول: ما لم يكن هم الدعوة وهم المسلمين يتدخل في تقرير قضية الدراسة، وتقرير مجال العمل، وتقرير أحياناً مجال السكن، فيشعر أن هذا المجال يحتاج، وهذا التخصص يحتاج، ويربط كل هذه القضايا بالدعوة، ويضحي ببعض المزايا، فإذا لم نصل إلى هذا الحد فلن نقدم للدعوة ما تستحق.

    ولهذا فأنا أخاطب الإنسان الذي يتخصص تخصصاً علمياً؛ لأنه يشعر أنه يريد أن يخدم الأمة من خلاله، وأي إنسان مهما كان حتى الرجل صاحب الحرفة اليدوية التي يمتهنها الناس يستطيع أن يخدم الأمة، لكن عندما يتقي الله، ويعي الصورة.

    فأنا أقول: أنا لا أريد هذا المتخصص في تخصص يأخذ عليه جزءاً كبيراً من وقته أن يصنع مثلما يصنع الآخرون، أن يقرأ ويحضر ويلقي محاضرات، ولا يعني هذا أن هذا هو الدور، وإن كان هذا دوراً مطلوباً، لكن ليس مطلوباً من كل إنسان.

    فأنت داخل كليتك نريد أن يكون لك دور مع أعضاء هيئة التدريس، فأنت طالب جامعي وأصبحت على قدر تستطيع أن تؤثر عليهم، وأن تحملهم أفكاراً للإصلاح والدعوة، ومع زملائك، ثم بعد ذلك في مجال العمل، نريد أن يرى الناس أن هذا المهندس وهذا الخبير إنسان فعلاً يوثق فيه، وإنسان يتحمل المسئوليات، فبدلاً من أن يأخذ الموقع إنسان يجعله فرصة أن يأخذ رشاوى، ويستفيد هنا وهناك، نريد أن يوجد إنسان عفيف فعلاً، يثبت للناس أن الناس الأخيار هم الأولى بمثل هذه الأمور.

    أنا أقول: يستطيع مهما كان ولا يشغله، لكن هذا الوهم نتصوره عندما نقارن أنفسنا بجهود الآخرين، يا أخي! لا تقارن نفسك بجهود الآخرين، فأنت لك ظروف معيشية معينة، أو ظروف دراسة، أو ظروف سكن، ومهما كانت الظروف الاجتماعية أقلم نفسك على هذه الظروف، واسع إلى خدمة الدعوة من خلال هذه الظروف، وهذا الجو، وهذا المحيط الذي تسعى إليه.

    كيفية التعامل مع المدرس الشيعي

    السؤال: يدرسني في المدرسة مدرس شيعي، ويأتي بعض الأحيان بأمور مخالفة، فكيف أتعامل معه؟

    الجواب: يقولون: ثبت العرش ثم انقش، فالأصل أن الرافضة لا يتولون هذه المقامات، فيجب أن يكون عندنا ولاء، وأن نساهم نحن في علاج مثل هذه المشاكل، فهؤلاء الرافضة يعتقدون أنكم كفار، ودماءكم مباحة، والرافضي يعتقد أن مالك إذا ظفر به بصورة أو بأخرى فهو حلال له، لكن يعطي الخمس لأحد طواغيته الذين يسمونهم الشيوخ، والباقي له، ويعتقدون أن أهل السنة كلهم أولاد زنا.

    المهم أن موقف الرافضة من أهل السنة موقف يجب أن نوضحه للناس جميعاً، وأريدكم أن تقرءوا كتاباً يعكس صورة، ولا يعطي كل المعلومات حول هذا، وهو كتاب جيد: (برتوكولات آيات قم حول الحرمين الشريفين) يعطيك صورة فعلاً للنظرة والعقلية التي يفكر فيها الرافضة، فنحن في وادٍ وهم في وادٍ آخر.

    فأتصور أننا عندما نعرف هذه القضايا تهون عندنا بعض المخالفات، لكن مهما كان لا يجوز أن نرضى أن هذا يتجرأ ويسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد رافضي إلا ويسب الصحابة، ولو قال لك غير ذلك فهو يقول لك خلاف ما يبطن.

    ولا يليق أبداً في بلد التوحيد وعند أهل التوحيد أن يأتي هذا الرافضي ويسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا وقع في شيء من هذا يجب أن ننكر، ويجب أن نقف، ونطالب بوضع هذا الرجل عند حده، إما ألا يتكلم في هذه الأمور، أو أن يوضع عند حده، ونقدم شكوى إلى الإدارة أو إلى المحكمة أو إلى هيئة الأمر بالمعروف، ولو جاء واحد وسب أباك وأهناك ستذهب تشتكي وتطالب، ويعزر ويؤدب.

    فيا أخي! أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من آبائنا، ولا يوجد رافضي -خاصة في هذا العصر- إلا ويعتقد أن أبا بكر وعمر هما الجبت والطاغوت، والكثير منهم يعتقد كفرهما، وهذا محب الدين الخطيب لما تناقش مع أحد الرافضة في الأزهر، قال له: هل أنتم تعتقدون إمامة أبي بكر وعمر أجبني بدون تقية، قال: ما تحت هذه القبة رجل يعتقد الإسلام في أبي بكر وعمر فضلاً عن أن يعتقد إمامتهم.

    فأنا أقول: لا ينبغي أن يسمح لهؤلاء -فعلى الأقل وأضعف الإيمان- أن ينشروا ما عندهم.

    وعندما يتجرأ أحدهم ويقول مثل هذا الكلام لا ينبغي أن نسكت، ولا يليق أبداً أن يكون لهؤلاء صوت في بلد التوحيد وبلد الحرمين، فالكلمة ليست هنا إلا لأهل التوحيد وأهل المنهج الحقيقي.

    الازدواجية في صحبة الأخيار والأشرار

    السؤال: يسأل هنا عن الشاب الذي يعيش ازدواجية في صحبته للأخيار وصحبته للأشرار.

    الجواب: غالباً مثل هذه الحالة يتجاذبها جانبان: جانب خير يدفعه إلى أن يصاحب الأخيار، وجانب شر وميل للشهوات يدعوه إلى مصاحبة السيئين، فهو لما غلبه.

    فعندما نجد مثل هذا الشاب عندنا وسيلتان:

    أولاً: أن نقوي إيمانه، ونقوي جانب الخير فيه؛ حتى يتخلى ابتداءً عن أولئك.

    ثانياً: أن نحرص عليه، ونحرص أن نجلس معه، ونبقى معه، فبدل من أن يجلس في المدرسة يأكل مع فلان وفلان من السيئين، لا نجلس نلومه، ونجلس نقول له: فلان يذهب مع السيئين، فالحل العملي أني أذهب أنا وإياه، فنشكل له حماية بصورة أو أخرى غير مباشرة من الناس السيئين.

    فأقول: أمامنا وسيلتان لعلاج هذه الظاهرة:

    الأولى: تقوية إيمان هذا الشاب؛ حتى يصبح فعلاً يمقت أهل الشر.

    الثانية: محاولة ملء وقته ومصاحبته؛ حتى لا يبقى بعد ذلك وقت لأولئك.

    أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لطاعته، ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

    هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756530207