إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (46) - النوع السادس والأربعون في مجمله ومبينه

عرض كتاب الإتقان (46) - النوع السادس والأربعون في مجمله ومبينهللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مباحث علوم القرآن المجمل والمبين، والمجمل هو: ما لا تتضح دلالته. وسبب الإجمال: إما الاشتراك في اللفظ مثل: عسعس، أو الحذف مثل: (وترغبون أن تنكحوهن)، أو عود الضمير مثل: (والعمل الصالح يرفعه). والمبين هو: ما رفع الخفاء.

    1.   

    المجمل والمبين في القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فنبتدئ بكتاب الإتقان في علوم القرآن لـلإمام السيوطي رحمه الله تعالى، انتهينا من النوع الخامس والأربعين وسنأخذ النوع السادس والأربعين، كما نلاحظ أن النوع الخامس والأربعين في العام والخاص، وهذا النوع: السادس والأربعين في المجمل والمبين، وهذه المباحث لو تأملناها وما سيأتي بعدها نجد أنها مباحث أصولية، بمعنى أنها الأصل فيها أنها أخذت من كتب أصول الفقه، وسبق أن طرحنا ملحوظة على هذه المباحث التي أخذها السيوطي وغيره من كتب أصول الفقه، وستأتينا نفس الملحوظة في هذا الموضوع الذي هو المجمل والمبين.

    قال في المجمل: [ ما لم تتضح دلالته، وهو واقع في القرآن خلافاً لـداود الظاهري .

    وفي جواز بقائه مجملاً أقوال، أصحها: لا يبقى المكلف بالعمل به بخلاف غيره ]، وفي نسخة: [ لا يبقى التكليف بالعمل به بخلاف العمل به ]، وهذه النسخة مشكلة، لكن المقصود أنه يتوقف عن العمل به إلا بدليل على تعيين.

    أسباب الإجمال

    فإذاً: لا يعمل المكلف بالمجمل إلا إذا تعين المراد منه.

    والإجمال كما ذكر له أسباب كثيرة، منها: الاشتراك، والمراد بالاشتراك هنا: الاشتراك اللغوي، ومثل له بأمثلة، منها قوله سبحانه وتعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ[التكوير:17]؛ فإن لفظ: عسعس، موضوع في اللغة لمعنى الإقبال، ولمعنى الإدبار، وهو صالح في هذا الموطن فيجوز يكون المعنى الإقبال فيكون: والليل إذا أقبل، وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ [المدثر:34] إي: إذا أقبل، فيكون الإقسام بإقبالين: إقبال الليل، وإقبال الصباح، أو أن يكون: والليل إذا أدبر، ثم يذكر ما يأتي بعده مباشرة وهو الإصباح، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير:18] وتنفس بمعنى: أقبل، يعني: أنه أوائل النهار.

    فيكون إقسام بآخر مرحلة من الليل وما يتبعها من أول النهار، فالسياق هنا يخدم هذا وهذا، ويحتمل هذا وهذا، فهذا يكون من باب الإجمال، هل أحدهما هو المراد على التعيين، أو أن نحمل المجمل على المبين. هذه مسألة ترجع إلى أصول التفسير وكيفية التعاون معها، لكن المقصد من ذلك أن الاشتراك هو سبب الاختلاف وصار بذلك مجملاً ومثل: (ثلاثة قروء)، هل المراد ثلاث حيض أو ثلاثة أطهار؟

    ومثل هذا أيضاً: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ[البقرة:237]، والذي بيده عقدة النكاح إما أن يكون الأب، وإما أن يكون الزوج، وليس المقام هنا مقام ترجيح وإنما المقصود أنه وقع خلاف، وسبب هذا الخلاف هو الإجمال.

    أيضاً ذكر من أسباب الإجمال: الحذف، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ[النساء:127]، هل أن هؤلاء اليتيمات ترغبون في نكاحهن، أو ترغبون عن نكاحهن، وهذا يختلف بحسب جنس اليتيمة، فإذا كانت اليتيمة ذات جمال أو ذات غنى فقطعاً تكون هناك رغبة في نكاحها، لكن إذا كانت فقيرة وليست بجميلة فقطعاً يكون الجانب الآخر وهو الرغبة عنها.

    فإذاً النص محتمل لهذا ولهذا، والسبب هو الحذف، فمن أسباب الإجمال الحذف.

    كذلك أيضاً اختلاف مرجع الضمير جعله من أسباب الإجمال في مثل قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[فاطر:10]، قال: فيحتمل عود ضمير الفاعل في: (يرفعه) ما عاد إليه ضمير إليه وهو الله، يعني: إلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه الله، أو يحتمل عوده إلى العمل، يعني: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، والمعنى أن العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب، ويحتمل عوده إلى الكلم، أي: إن الكلم الطيب وهو التوحيد يرفع العمل الصالح، فيكون: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، ثم قال: يرفعه، أي: يرفع العملَ الصالحَ الكلمُ الطيب، فهذه كلها محتملات سببها كما قال: الاختلاف في مرجع الضمير.

    إذاً عندنا أسباب كثيرة جداً من أسباب الإجمال، ونلاحظ أن هذه الأسباب التي ذكرها يمكن أن نسميها أسباب اختلاف المفسرين أيضاً، لكن هو ذكرها هنا على أنها من أسباب الإجمال.

    تعريف المبين

    ولما تكلم في الفصل الذي بعده عن المبين، المبين لم يعرفه المؤلف رحمه الله تعالى، ويمكن أن نقول: إن البيان مقابل الإجمال.

    قال: [ فنقول: البيان مقابل الإجمال وهو رفع الخفاء الذي في الإجمال ]، يعني أن الإجمال فيه خفاء، فالذي رفع الإجمال إلى حال الوضوح هو المبين، ويحصل رفع هذا الإجمال بكل ما يزيل الإشكال الذي بسبب الإجمال، فأي شيء يزيل الإشكال فإنه يعتبر مبيناً.

    وذكر أنه التبيين قد يقع متصلاً كقوله سبحانه وتعالى: الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة:187]، فلو قال: الخيط الأبيض والخيط الأسود فقط لاحتمل أن يراد به ما فعله عدي بن حاتم لما عمد إلى عقالين أسود وأبيض، لكن لما قال: (من الفجر)، تعين أن المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود: بياض النهار وسواد الليل.

    كذلك أيضاً قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[البقرة:230]، قالها بعد قوله: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ[البقرة:229]، قال: فإنها بينت أن المراد بالطلاق الذي يملك الرجعة بعده، ولولا هي لكان الكل منحصراً في الطلقتين.

    ولو تتبعنا الإجمال المنفصل فسنجد أمثلة كثيرة، مثال ذلك ما أورده في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[القيامة:22-23]، حيث قال: هذه دالة على الرؤية ومفسرة أن المراد بقوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ[الأنعام:103]، أي: لا تحيط به دون لا تراه، إذاً فليس معنى قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ[الأنعام:103]، لا تراه.

    وذكر كلام السلف في ذلك: كلام ابن عباس : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ[الأنعام:103]، قال: تحيط به.

    وعكرمة أيضاً صرح بهذا فقال: إنه لما سئل عن الرؤية قال له السائل: قد قال الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ[الأنعام:103]، فقال عكرمة : ألست ترى السماء؟ أفكلها ترى؟ يعني: أنت ترى السماء لكنك لا تدركها.

    فإذاً نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية، فأنت قد ترى الشيء ولكن لا تدركه، ثم ذكر أمثلة كثيرة من المبينات سواءً كانت متصلة أو كانت منفصلة.

    ثم ذكر تنبيهاً في اختلاف جملة من الآيات هل هي من قبيل المجمل والمبين أم لا، مثل آية السرقة، ومثل: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ[المائدة:6]، والخلاف بين الأصوليين والفقهاء في هذه المسألة.

    الفرق بين المجمل والمحتمل

    وآخر ما ذكر في هذا الموضوع، ما ذكره ابن الحصار من تفريق بين مصطلح المجمل والمحتمل، ولم أجد من خلال البحث لغير ابن الحصار هذا التفريق بين المجمل والمحتمل، وهو جميل، لكن العلماء على الأول.

    وابن الحصار رحمه الله تعالى له آراء دقيقة في علوم القرآن، وينقل عنه السيوطي كثيراً، يقول وهو يرد على من يجعل المجمل بمعنى المحتمل يقول: (والصواب أن المجمل: اللفظ المبهم الذي لا يفهم المراد منه، والمحتمل: اللفظ الواقع بالوضع الأول على معنيين مفهومين فصاعداً، سواء أكان حقيقة في كلها أو بعضها.

    قال: فالفرق بينهما أن المحتمل يدور على أمور معروفة، واللفظ مشترك متردد بينها، والمبهم لا يدل على أمر معروف، مع القطع بأن الشارع لم يفوض لأحد بيان المجمل بخلاف المحتمل).

    فهو فرق بين المجمل والمحتمل ولم أجد أحداً فرق هذا التفريق الذي ذكره ابن الحصار ، فنبقى على ما ذكره العلماء.

    معنى النص والظاهر والمجمل

    نرجع الآن إلى قضية المجمل مرة أخرى، لما قلنا: إن المجمل ما لم تتضح دلالته، فعلماء الأصول لما تكلموا عن هذا الموضوع ذكروا ثلاثة مصطلحات: مصطلح النص، ومصطلح الظاهر، ومصطلح المجمل، فمصطلح النص قالوا: الكلام إن احتمل معنى واحداً فهو النص، مثل قوله سبحانه وتعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ[البقرة:196]، فهل أحد يختل عنده أن العشرة المراد بها العدد المعروف، كل واحد يعرف أن عشرة كاملة العشرة المعروفة، فهذا نص، قالوا: وإن احتمل معنيين فأكثر، وكان أحدهما أظهر من الثاني فهو الظاهر، والمقابل له: محتمل مرجوح، فلو قلت: رأيت نمراً، فيحتمل أنك تريد رأيت الدابة المعروفة، ويحتمل أنك رأيت واحداً اسمه نمر، فإنه إذا قيل: نمر أول ما يتجه الذهن إلى الدابة المعروفة، كذلك لو قلت: رأيت أسداً، فإن الذهن أول ما ينصرف إلى الدابة المعروفة، فهذا يسمى: الظاهر.

    الثالث قال: (إن لم يكن رجحان في المعنيين أو المعاني فهو المجمل)، فهذه ثلاث مصطلحات يذكرها الأصوليون، يحسن أن ننتبه لها.

    فهذا تقريباً ما يتعلق بموضوع المجمل والمبين، كما ذكره السيوطي وهو مبحث قصير ليس بالطويل.

    1.   

    أنواع مباحث علوم القرآن

    ومبحث المجمل والمبين من المباحث العقلية في علوم القرآن، ومعنى ذلك أن معرفة دلالة المجمل والمبين مرتبطة بالعقل، في بداية الكتاب تكلمنا عن موضوع مهم جداً، وهو أن مباحث علوم القرآن منها مباحث نقلية، بمعنى: أن الأصل فيها أنها لا يدخلها الرأي، ومنها مباحث عقلية بحتة، ومنها مباحث يدخلها الجانبان، يعني: يكون فيها عقلي ونقلي.

    مثال النقلي البحت: نقل القراءات مثلاً، فهذا ليس فيه قياس، فهذا نسميه مبحثاً نقلياً بحتاً، ولما نأتي نعد الآي إذا تأملناه الأصل فيه أنه مبحث نقلي، لكن دخله العقلي، يعني: دخله الاجتهاد، والدليل على دخول الاجتهاد هو وقوع الاختلاف في عد بعض الآي، من أدل الدلائل على وقوع الاجتهاد في هذا الباب: باب عد الآي أن علماء العد اختلفوا في آية الكرسي، هل هي آية أو أكثر، فلو رجعنا إلى المصحف المطبوع في المجمع الملك فهد مصحف قالون تجدونه جعل: اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ[البقرة:255]، رأس آية، ثم بعدها رأس الآية الأخرى، يعني جعل آية الكرسي آيتين.

    والمعروف أنها آية، وشواهد حديث النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن هذه الآية تبتدئ بقوله: اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ[البقرة:255]، وتختم بقوله: (العظيم)، فهذا أيضاً يشير إلى دخول الاجتهاد في تحديد بعض رؤوس الآي، وليس كلها، إنما نتكلم عن المختلف فيه.

    النوع الثالث: العقلي، ذكرنا أنه يكون مبنياً على الاستقراء أو الاستنباط المحض، مثل: إعجاز القرآن، ويجب أن ننتبه ونحن نتكلم على هذا، أننا لا نتكلم على المستند؛ لأن المستند لا بد أنه يكون عندنا مستندات نقلية في هذا الكلام، فلا يكفي المستند العقلي البحت، فليس كلامنا عن ما هو المصدر الذي نعتمد عليه في بيان كذا وكذا، على سبيل المثال: لو جئنا إلى هذا المبحث قد يقول قائل: ألا تلاحظ أنك لما قلت في قوله سبحانه وتعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ[الأنعام:103]، اعتمدت على آية أخرى في البيان، يعني: إذاً الآن الآية مقابل آية، هذه نقلي وهذه نقلي أليس كذلك؟ نقول: نعم، لكن إعمال العقل في الربط بينهما هذا راجع إلى الاجتهاد العقلي المحض، فكلامنا نحن الآن لما نقول: مبحث عقلي هذا مرادنا به، وإن كان يستند في حله أحياناً إلى النقليات، هذه لا بد منها.

    دخول مبحث المجمل والمبين في علوم التفسير

    وهذا المبحث من خلال ما قرأنا وجدنا أنه يتأثر به المعنى، فما دام يتأثر المعنى فهو من علوم التفسير، وبما أنه من علوم التفسير فقطعاً هو من علوم القرآن.

    دخول المجمل والمبين في الأحكام والأخبار

    سؤال أيضاً: هل يدخل هذا المبحث في الأحكام والأخبار من خلال ما ذكرنا من الأمثلة تبين أنه يدخل في الأحكام والأخبار، وبما أنه يدخل في الأحكام والأخبار فعلماء أصول الفقه يعنون بالأحكام لا بالأخبار، إذاً نحن نقول: يمكن أن يستدرك على هذا المبحث النظر في الأخبار، فهو ذكر بعض الأخبار، لكن قصدي من ذلك أن عندنا أمثلة تطبيقية كثيرة في الأخبار فيما يتعلق بالمجمل والمبين له، يعني: الآية المجملة أو اللفظة المجملة والمبين لها؛ لأنه إذا أدخلنا باب الأخبار فالأخبار كثيرة جداً.

    وكما نلاحظ أن ضابط الإجمال فيه أشكال عند العلماء. لكن بغض النظر عن اختلاف الضابط، المقصد أننا إذا أردنا أن نطبق على أمثلة، فإننا سنجد من الأخبار أمثلة كثيرة جداً ينطبق عليها مفهوم المجمل والمبين.

    فما دام يدخل في الأحكام والأخبار ننظر الآن علاقته بعلوم القرآن الأخرى، نجد أن له علاقة ظاهرة بآيات الأحكام؛ لأنه قبل قليل ذكرنا قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ[البقرة:237]، وكذلك ثلاثة قروء، وقوله: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ[النساء:127]، وكل هذه مرتبطة بالأحكام، فما دام مرتبط بالأحكام ننظر إلى علم آخر، هل لها علاقة بالمتشابه النسبي، وهل يمكن أن نقول: إن كل مجمل فإنه متشابه نسبي؟ الجواب: نعم أن كل مجمل فيه تشابه نسبي؛ لأن المجمل ليس كل أحد يعرفه، والمتشابه النسبي كما قلنا سابقاً هو: الذي يخفى على قوم دون قوم، وإذا تأملنا المجمل فسنجد أن الإجمال هذا ليس كل أحد يعلمه.

    فإذاً يكون له ارتباط بالمتشابه النسبي من هذه الجهة.

    وكذلك له ارتباط بمشكل القرآن؛ لأن الإجمال من أسباب الإشكال.

    والعلوم الأخرى واضح أنه مرتبط بأصول الفقه وبعلم الفقه، وسبق التنبيه على أنه لكون القرآن نصاً شرعياً وهو أصل الشريعة ومعه الحديث، فإن ما يستنبط من القرآن والسنة من أحكام فقهية أو تلك الأصول، وتسمى أصول الفقه المبنية على هذا، هي التي جعلت الاشتراك في مثل هذا العلم بين أصول الفقه وبين علوم القرآن، وإلا نقول كما قلنا في العام والخاص، هل المجمل والمبين من علوم القرآن أصالة أو لا؟

    الجواب: نعم، المجمل والمبين من علوم القرآن أصالة، يعني: علم من علوم القرآن بلا إشكال، وكونه شارك فيه علماء أصول الفقه وكتبوا فيه ودونوا قبل هؤلاء، ثم هؤلاء أخذوا ما أخذوه منه ولخصوه لا يعني أنه ليس من علوم القرآن، لكن يبقى علينا نحن أن نلتفت للزوايا التي تركت في هذا ونضيفها؛ لكي يكون بالفعل البحث قرآنياً متكاملاً، وكما قلت، عندنا مجال فيما يتعلق بقضية الأخبار، وعلماء الأصول وإن ذكروا بعض أمثلة الأخبار إلا أنهم لا يعنون بها؛ لأنها ليست مناطاً في التكليف.

    1.   

    الأسئلة

    كون كل مبحث المجمل محل اجتهاد

    السؤال: [ هل كل مبحث المجمل والمبين اجتهادي ]؟

    الجواب: لا، ليس كله، لا يلزم أن في كله يكون اجتهادياً ظاهراً، في بيان المتصل واضح جداً ذكرنا مثالين ذكرهما السيوطي، لكن غيرها خاصة في المنفصل هو الذي يكون فيه كلام كثير، ومن أفضل التفاسير في تطبيق المجمل والمبين من جهة الأحكام الفقهية كتاب الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى أضواء البيان؛ لأنه اعتنى بقضايا الأصول، كذلك في قضية العام والخاص، وأي مبحث أصولي يأتينا يمكن أن نجعل الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى تفسيراً تطبق من خلاله الأمثلة؛ لأنه اعتنى بها كثيراً.

    مجال العقل في الإعجاز العلمي إذا ورد فيه نص

    السؤال: [ هل يكون الإعجاز العلمي عقلياً إذا ورد فيه نص ]؟

    الجواب: إذا ورد النقل في الإعجاز العلمي فالنص قاطع، لكن إذا كان من باب الدلالات، واستنبط هو أن هذه دلالة تشير إلى هذا فهذا عقلي، لكن الذي يعملونه أحياناً أن يكون النص ظاهراً واضحاً، ثم يقولون: هذا النص الظاهر الواضح حدث اليوم، فالعمل في الربط، وليس في الاستنباط، وأنا قد قلت سابقاً: إنه ما يسمى بالإعجاز العلمي في السنة النبوية وإن كنت اتحفظ كثيراً كثيراً كثيراً ثلاث مرات مقصودة، يعني اتحفظ على هذا في السنة النبوية، أقول: ما يذكرونه في هذا الباب أوضح بكثير مما يذكرونه في القرآن؛ لأن النصوص النبوية واضحة جداً، بحيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما يأمر بشيء أو ينهى عن شيء واضح جداً، يعني: لا تفعلوا كذا افعلوا كذا.

    فأما في القرآن فلا، فقد تأتي ألفاظ فيها احتمال، أما السنة فهي واضحة جداً، وخذ أي مثال من الأمثلة النبوية التي تسمى بالطب النبوي أو غيره مما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم تجدها مباشرة ما فيها غموض أو فيها تأولات أو غيره، مثل: نهى عن أكل الجلالة مثلاً، واضح جداً، طيب لماذا نهى؟ نبحث نجد أن فيها كذا كذا كذا، هذا يسميه بعضهم إعجاز بالسنة النبوية، لكن عمله الآن هو مجرد أنه اكتشف لنا لماذا نهى؟ يعني ما هي العلة، ما هي الأشياء التي في هذه الجلالة التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها.

    عدم استخدام الصحابة مصطلح الإعجاز العلمي

    السؤال: [لماذا لم يكن الصحابة يستخدمون مصطلح الإعجاز في الأمور الكونية التي حدثت في عصرهم؟]

    الجواب: سؤالك جيد، يقول: لو افتراضاً أنه وجدنا آية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وفهم منها الصحابة على أنها فيها دلالة على قضية كونية معينة، أو قضية من الأمور الحياتية التي عندهم، فلم يكن الصحابة يسمونه إعجازاً، وإنما يدخل عندهم من باب ما يحتمل القرآن من المعاني فقط، فالمصطلح هذا مصطلح حادث معاصر، ولو نظرت إليه يمكن ما يتعدى ستين أو سبعين سنة بالكثير، كمصطلح إعجاز علمي على القضايا الكونية والتجريبية وتنزيلها على الآيات، فهذا حادث معاصر.

    وكذلك الذين عرفوه، عرفوه بأنه: المكتشفات المعاصرة، معنى كلامهم: أن يخبر القرآن بأمر لم يدرك إلا بالمكتشفات المعاصرة، أو بالآلات المعاصرة، فإذاً يخرج عنها كل ما كان سابقاً، وبناءً عليه على سبيل المثال لما نسألهم هل تعدون النار التي خرجت في المدينة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وخرجت في القرن السابع تقريباً، هل تعدونها من الإعجاز العلمي؟ سيقولون لك: لا، فهذا بناءً على تعريفهم ليس من الإعجاز العلمي؛ لأنه مرتبط بالوقت المعاصر وبالمكتشفات المعاصرة، فالقضية في النهاية تكون قضية مصطلحات.

    لكن من الفوائد أن القرآن لما تكلم عن قضايا الكون بالذات، يعني: وعن كل القضايا، لكن قضايا الكون بالذات التي فيها كثير من الإشارات لم يأتِ بقضايا توافق ما عند العرب أو غيرهم، وإنما خالفها، مما يدل على أن ما كان عند هؤلاء ليس بصواب، والمكتشفات المعاصرة وافقت ما ذكره القرآن، وهذا طبيعي؛ لأنه هذا هو الأصل؛ لأن المتكلم بالحقيقة القرآنية هو الخالق للحقيقة الكونية، فكون هذه في النهاية تكون كما قال الله سبحانه وتعالى، هذا هو الأمر الطبيعي جداً.

    فإذاً ننتبه إلى هذه المسألة وهي مسألة مهمة جداً، أن القرآن لما تكلم عن هذه القضايا، ولأن المتكلم بها هو الخالق، ما تكلم بها على حسب ما عند هؤلاء من العلوم أو ما عند من حوله من العلوم، وإنما تكلم على حسب ما هي موجودة في الحقيقة الكونية، وهذا ملحظ يحسن أن ينتبه له في حال الكلام عن إعجاز القرآن، وأنه لم يأت موافقاً لما في هذه العلوم البشرية التي يقع فيها شيء من الخطأ، لا يعني أنه كل ما عندهم خطأ، لكن قد يقع فيها شيء من الخطأ، فجاء القرآن منبهاً على مثل هذه الأخطاء، ليس بطريق أنه يقول: هذا خطأ، وإنما يذكر الحقيقة الكونية كما هي.

    المراد بالإعجاز العلمي في السنة

    السؤال: [ ما المقصود بالإعجاز العلمي في السنة ]؟

    الجواب: ما يسمى بالإعجاز العلمي في السنة، يعني: مطابقة قول الرسول صلى الله عليه وسلم للمكتسب الذي يذكرونه.

    الفرق بين الحقيقة العلمية والإعجاز العلمي

    السؤال: الحقيقة العلمية..

    الجواب: الحقيقة العلمية أوضح بكثر من دلالة الآية القرآنية على المكتشف العلمي؛ لأنه على سبيل المثال: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ[الذاريات:47]، فيها أقوال للسلف، يعني: لموسعون، أي: جعلناها ذات سعة، إخبار عن سعة الكون، أما كونها تدل على التمدد فهذا يحتاج إلى تأول، أما في نصوص السنة فهي مباشرة وصريحة، مثلاً: ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء )، نص صريح، ما يحتاج إلا أنك تكتشف فقط بالآلات ما هو الداء وما هو الدواء، فإذا اكتشفت انتهى الموضوع، فواضح الفرق بين الدلالات، فدلالة الحديث النبوي على القضية أصرح من دلالة الآية القرآنية على القضية هذا قصدي.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756463809