إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [36]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مقاصد الشريعة: تقوية أواصر المحبة والإخاء بين المسلمين، ولذا رغبت في الإصلاح بينهم، وأخبر الله في كتابه أن الصلح خير، وقال عليه الصلاة والسلام: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)، وقد بين أهل العلم أنواع الصلح وأحكامه.

    1.   

    الصلح

    تعريفه وفضله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    [فصل: والصلح في الأموال قسمان: أحدهما على الإقرار، وهو نوعان: الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين أو عين، فيضع أو يهب له البعض ويأخذ الباقي، فيصح ممن يصح تبرعه بغير لفظ صلح بلا شرط.

    الثاني: على غير جنسه، فإن كان بأثمان عن أثمان فصرف، وبعرض عن نقد وعكسه فبيع.

    القسم الثاني: على الإنكار. بأن يدعي عليه فينكر أو يسكت ثم يصالحه، فيصح ويكون إبراءً في حقه وبيعاً في حق مدع، ومن علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه.

    فصل: وإذا حصل في أرضه أو جداره أو هوائه غصن شجرة غيره أو غرفته لزم إزالته وضمن ما تلف به بعد طلب، فإن أبى لم يجبر في الغصن ولواه، فإن لم يمكنه فله قطعه بلا حكم، ويجوز فتح باب لاستطراق في درب نافذ، لا إخراج جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام مع أمن الضرر، وفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك حرام بلا إذن مستحق، وكذا وضع خشب إلا ألا يمكن تسقيف إلا به، ولا ضرر فيجبر، ومسجد كدار، وإن طلب شريك في حائط أو سقف انهدم شريكه للبناء معه أجبر كنقض خوف سقوط، وإن بناه بنية الرجوع رجع، وكذا نهر ونحوه].

    ذكر المؤلف في الفصل الأول: الصلح، وفي الفصل الثاني ما يلحق بالصلح من اصطلاح على الطرق وما أشبهها.

    والصلح: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المتخاصمين. وقد حث الله تعالى على الصلح في آيات عامة في أماكن عامة وأماكن خاصة، فمن العموم قول الله تعالى: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] أي: احرصوا على أن تصلحوا ما يحدث بينكم. أي: بين إخوانكم. وقال الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، فجعل من الخير الإصلاح بين الناس، وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بين المتقاتلين، قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] إلى قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فإذا أدى الخصام بين المتخاصمين إلى القتال أو إلى النزاع فعلى المسلمين أن يسعوا إلى الإصلاح بينهما، وذكرهم الله بالأخوة فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ أي: جميعهم. ولو تقاتلوا فإنهم لا يخرجون بذلك عن الأخوة الإيمانية، فاحرصوا على الإصلاح بينهما، وذكروا كلاً بالإخوة الإسلامية، وبالأخوة الدينية، فإنهم متى تذكروا هذه الأخوة رجعوا عما هم عليه، وحرصوا على أن يصطلحوا فيما بينهم، سيما إذا كان الشقاق والنزاع على أمور دنيوية لا أهمية لها.

    وكذلك أيضاً ذكر الله الصلح بين الزوجين في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] يعني: إذا حصل شقاق ونزاع فأراد المسلمون الإصلاح بين الزوجين بعثوا حكمين، فإن حرص الحكمان على أن يصلحا بينهما يوفق الله بينهما. فهذا من حرص الشريعة على الإصلاح العام والإصلاح الخاص، وكذلك قول الله تعالى: وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً [النساء:128] وفي قراءة: أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ، فيصطلحان على إسقاط بعض الحقوق حتى تأتلف القلوب، فتسقط الزوجة بعض حقها إذا خشيت أنه يميل عنها أو يطلقها، وكذلك هو أيضاً يسقط بعض حقه إذا رأى منها نفرة وخشي أن تنشز عنه، ويتدخل بينهما أولياؤهما حتى يصطلحا.

    أهميته

    من أهمية الصلح أن الله تعالى أباح فيه الكذب للمصلحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل زوجته وحديث المرأة زوجها) فأباح الكذب إذا أراد الإنسان أن يصلح بين اثنين، فيأتي إلى هذا ويقول له: إن صاحبك يريد الخير ويريد الصلح، وإنه قد ندم على ما فعل، وإنه محب لأن تأتلف القلوب وأن تتبدل البغضاء بالمودة والمحبة، وإنه قد تنازل عن بعض حقه. ثم يأتي إلى الثاني ويرغبه أيضاً في الصلح، ويقول له مثل ذلك حتى يتقاربا ويصطلحا وتزول بينهما العداوة، وكل هذا من حيث العموم.

    والباب هذا معقود للصلح في الأموال، والغالب أنه يحصل بسببها نزاع وشقاق، ويحصل بسببها بغضاء وشنآن وتهاجر، وقد يدوم الهجران مدة طويلة، فقد يتهاجر الإخوان أو الأقارب ويبقون متهاجرين أشهراً أو سنين، مع أن الأصل في ذلك أمور دنيوية لا تساوي هذا التهاجر، فالواجب أن يصلحا بينهما، وأن يسعى ذوو الوجاهة للصلح بينهما، ولو تحملوا أموالاً لهؤلاء أو لهؤلاء، كما في حديث قبيصة بن مخارق لما تحمل حمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه فقال: (يا قبيصة ! إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة..) يعني أن قبيصة وجد قبيلتين بينهما عداوة وبينهما قتال أو ما يقرب من القتال، فجاء إلى هؤلاء فقال: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم أخذوا مالنا، وإنهم قتلوا منا كذا وكذا. فقال: أنا أتحمل ما أخذوه من المال، وأنا أتحمل الديات التي تدعونها عليهم. ثم جاء إلى الآخرين فقال لهم: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم نهبوا منا، وإنهم جرحوا، وإنهم قتلوا. فيقول: أنا أتحمل ما تدعون به. فهذا الذي تحمل لهؤلاء ولهؤلاء يحل له أن يأخذ من الزكاة ويدخل في الغارمين، وما ذاك إلا أنه مصلح ومحسن: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، ولو كلف أن يدفع من ماله لأجحف ذلك به، فلذلك جعل له حق في الزكاة، وهو أحق الغارمين؛ لأن الغارمين قسمان:

    غارم لإصلاح ذات البين، وغارم لنفسه، أي: مدين لحاجات نفسه الضرورية. فقدم الغارم لإصلاح ذات البين، وجعل له حقاً في الزكاة المفروضة.

    والباب الذي عندنا هنا في الصلح في الأموال، وأما الصلح في الدماء فذكروه في كتاب القصاص، فالصلح في الأموال قسمان:

    صلح على إقرار، وصلح إلى إنكار.

    1.   

    الصلح على الإقرار وقسماه

    الصلح على الإقرار هو: أن يعترف بحقك، يقول: نعم أنا معترف أن له عندي مالاً: إما دين وإما قرض، وإما قيمة متلف، أنا الذي هدمت جداره، أو قطعت شجره، أو أنا استقرضته وعندي له مال.

    الصلح على جنس الحق

    الصلح على الإقرار هو أن يعترف بحقك، فيقول: أنا معترف أن له عندي مالاً إما دين، وإما قرض، وإما قيمة متلف، فأنا الذي هدمت جداره، أو قطعت شجره، أو أنا استقرضته وعندي له مال.

    والصلح على الإقرار نوعان: صلح على جنس الحق، وصلح على غير جنسه.

    فقد يقول: أنا أعترف أن عندي له غنماً، أو أن عندي له إبلاً، ولكن لي فيها حق، فأنا أنقذتها -مثلاً- من الضياع، أو أنا علفتها، أو حفظتها مدة طويلة فلي فيها حق وصاحب الغنم أو الإبل يقول: ما وكلتك لتحفظها، ولا وكلتك لتنقذها، فأعطني دوابي وأولادها. فيتنازعان، ففي هذه الحال يسعى أهل الخير للصلح بينهما، فإذا قالوا: لك نصفها -أيها المحسن- لأنك حفظتها. أو: لك ربعها. أو: لك واحدة منها مقابل تعبك ومقابل علفك وحفظك فلك جزء منها فهذا صلح على جنس الحق.

    ومثل أن يقر له بدراهم دين أو يقر له بعين مثل الأغنام، فهذا عين مال، أو يقر له بأكياس، ويقول: هذه الأكياس له، ولكني وجدتها في البرية، وخفت عليها أن تسرق فنقلتها على سيارتي وأتيت بها من مكان بعيد، فلي حق فيها وصاحبها يقول: ما وكلتك لتنقلها، وأنا أعرف مكانها، وأعرف أنها كانت في مكان مأمون، فلماذا تنقلها؟ فيتنازعان هذا يقول: لا حق لك فيها لأنك تجرأت ونقلتها. وهذا يقول: لي حق فيها لأني نقلتها وأنقذتها من الطيور -مثلاً-، أو أنقذتها من اللصوص، أو أنقذتها من الدواب. فيدعي فيها حقاً.

    فالصلح صفته أن يضع له من الدين، أو يهب له بعضه ويأخذ الباقي، يقول: عندي له -مثلاً- عشرون ألفاً، ولكنه غلبني وزاد علي في الثمن أو: إن فيها شبهة في المبايعة بالربا أو بيع الغرر أو ما أشبه ذلك. فيدعي شبهة فيها، فيصطلحان ويقول: أضع عنك ألفين وأعطني الباقي ثمانية عشر ألفاً. ويسمى هذا صلحاً عن دين مع الإقرار، فهو مقر بالدين ولكن يدعي أن له حقاً. أو أن له شبهة، فيقول: إنك ظلمتني حيث بعتني غالياً. أو: خدعتني حيث أوقعتني في شيء لا فائدة فيه ومدحت السلعة وهي ليست جيدة. أو: بعتني بيعاً فيه شيء من الشبهة، وهو أن هذا البيع إما بيع مجهول وإما بيع قبل القبض أو ما أشبه ذلك فالحاصل أنه يدعي شبهة، ففي هذه الحال يصطلحان على إسقاط شيء من ذلك الدين.

    وكذلك العين، كأن يدعي غنماً أو إبلاً، ويعترف الآخر بأنها له، أو أكياساً -مثلاً- أو ثياباً، فقال: أقر أن له عندي هذه العشرة من الثياب، ولكني وجدتها ساقطة وأخذتها. فيقول: أنا تركتها في ذلك المكان وسأعود إليها. فيدعي شبهة.

    فالحاصل أن الإقرار بالدين هو الإقرار بأموال نقود، والإقرار بالعين هو أن يقر له بهذه الأغنام، أو بهذه الإبل، أو بهذه الأكياس، أو بهذه الثياب، أو بهذه القدور، أو ما أشبه ذلك، فالصلح في هذه الحال أن يضع عنه شيئاً من الدين، فيقول: أعطني ألفين وأسقط عنك ألفاً. أعطني ثمانية وأسقط عنك ألفين. أو يهب له فيقول: وهبتك هذه الشاة وأعطني الباقي. وهبت لك هذا البعير وأعطني الباقي. وهبت لك نصف كيل، وهبت لك ثوباً، ويأخذ الباقي، فهذا يصح.

    شروط الصلح على جنس الحق

    يشترط لهذا الصلح شروط:

    الشرط الأول: أن يكون المصالح ممن يصح تبرعه. فإذا كان المالك سفيهاً أو مجنوناً فلا يصح صلحه، وذلك لأنه محجور عليه لا يصح أن يتصرف ولا أن يتبرع، وهذا قد تبرع -مثلاً- بألف أو بألفين أو بشاة أو ناقة، فلا بد أن يكون ممن يصح تبرعه، وهو الحر المكلف الرشيد، فالمملوك لا يصح تصرفه فلا يصح تبرعه، والصغير لا يصح تبرعه، والمجنون لا يصح تبرعه، والسفيه لا يصح تبرعه.

    الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح بل بلفظ الإسقاط أو بلفظ الإبراء، فيقول -مثلاً- أبرأتك من نصف الدين أو ثلثه أو: أسقط عنك كذا وكذا. فلا يكون بلفظ الصلح؛ لأنه إذا كان بلفظ الصلح يكون فيه شيء من الإجبار، فيقولون: يشترط ألا يكون بلفظ الصلح، بل بلفظ الإبراء أو الهبة أو الوضع، أي: أن يضع عنه كذا.

    الشرط الثالث: أن لا يكون هناك شرط، كأن يقول: لا أقر لك بدينك إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ربعه. فيقول: أنا أعترف أن لك عندي عشرة آلاف، ولكن ليس لك بينة، وليس عندك وثيقة، وأنا سوف أجحدك وأنكر هذا الدين إذا أتينا عند القاضي ولا أقر بذلك، ولا أعترف عند الشهود، ولا أكتب لك وثيقة إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ثلثه أو ربعه أو عشره. فيقول: سوف آتي بشهود، واعترف أمام الشهود بالدين الذي هو عشرة آلاف وأنا أسقط عنك منه ألفين -مثلاً- أو ألفاً، ولكن أنت الآن تلتزم بالاعتراف، فأنا ما عندي بينة ولا كتبت عليك، بل وثقت بذمتك ووثقت بأمانتك وأعطيتك مالي، ولم أشعر بأنك ستجحدني. فيقول: أنا أجحدك، ولا أعترف أمام الشهود إلا إذا أسقطت عني النصف أو الثلث أو ما أشبه ذلك فيقول: سوف آتي بالشهود واعترف أمامهم أن عندك لي عشرة، أو أن عندك لي هذه الأمانة مثلاً، أو هذه الأغنام أو ما أشبهها، فاعترف أمام الشهود، وفيما بيني وبينك أعطيك منها ألفاً أو شاة أو ما أشبه ذلك. فجاء بالشهود واعترف وكتبوا شهادتهم: إن فلاناً مدين لهذا بعشرة ألاف. أو: إن هذه الأغنام له أو هذه الأكياس أو هذه الأعيان، ثم قال: ولكنه التزم بأن يعطيني منها كذا وكذا مقابل الاعتراف! فالمالك يقول: أنت لا تستحق، وذلك لأنك خائن لم تعترف إلا بعد أن التزمت لك بذلك، فأنت لا تستحق شيئاً الآن، وثقت ديني أمام هذين الشاهدين باعتراف منك، فلا حق لك فيما وعدتك، ما وعدتك إلا لأجل أن تعترف. فيقول: كيف تعدني وتخلف ما وعدتني؟ فيقول: ما وعدتك إلا لأجل أن تقر أمام الشاهدين مخافة أن تجحد.

    هذه شروط هذا الصلح:

    الشرط الأول: أن يكون ممن يصح تبرعه.

    الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح.

    الشرط الثالث: أن لا يمنعه حقه بدونه. فلا يقول: لا أعترف لك إلا بشرط أن تعطيني منه كذا.

    فهذا صلح على جنس الحق يعني: على إسقاط شيء من الدراهم أو شيء من الأغنام أو ما أشبه ذلك.

    صلح على غير جنس الحق

    النوع الثاني: صلح على غير جنس الحق، بل على جنس آخر، فإذا كان الدين دراهم قال: أنا لا أجد الدراهم، ولكن أصطلح معك على دنانير. لا أجد الريالات ولكن نصطلح على جنيهات. يقول المؤلف: إن كان بأثمانها فصرف، وذلك لأن الريالات أثمان والجنيهات أثمان، فيكون صرفاً.

    وإذا قلت: أليس الصرف يكون يداً بيد؟ قلنا: بلى. ولكن يصح الصرف عن نقد بذمة، أي أن الصرف يصير عيناً بذمة، ودليله حديث ابن عمر، يقول: (كنا نبيع الإبل بالبقيع، نبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم) فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وسموا هذا صرفاً بعين وذمة، فهو يقول: نعم عندي لك مائة ألف، ولكن نصطلح على أن أعطيكها جنيهات ذهباً. ففي هذه الحال يصير صرفاً، فلا بد أن يكون بسعر يومه، ولا بد أن يتقابضا قبل التفرق، فإذا قالوا: نقدر المائة الألف بعشرين جنيهاً، فسلم الجنيهات الآن في المجلس قبل التفرق يكون هذا صرفاً بعين وذمة.

    وكذلك أيضاً لو اصطلحا على نقد آخر غير النقد السعودي، فإذا قال: عندي لك -مثلاً- عشرة آلاف ريال، ولكن نصطلح على أن أعطيك -مثلاً- ستة آلاف دولار. فيصير هذا صرفاً، فلا يتفرقا إلا بعد التقابض كما هو شرط الصرف.

    أما إذا كان الصلح بعرض عن نقد فإننا نسميه بيعاً، أو بنقد عن عرض فإننا نسميه بيعاً، وهذا أيضاً صلح، وصورة ذلك إذا اعترف وقال: نعم عندي لك -مثلاً- ألف ريال، ولكن لا أجده، فنصطلح على أن أعطيك هذه الأكياس من الأرز أو من البر، فتأخذ مني عشرة أكياس أو ثمانية أكياس عن الألف. فنسمي هذا بيعاً، وكذلك مثلاً عكسه، فإذا قال: صحيح أن عندي لك مائة صاع من البر، ولا أجدها الآن، فنصطلح على أن أعطيك ثمنها من الريالات، قيمة كل صاع -مثلاً- ريالان، فأعطيك مائتي ريال. فنسمي هذا أيضاً بيعاً، كأنه قال: المائة الصاع التي في ذمتي بعنيها بمائتي ريال. أو يقول بالعكس: أبيعك مائة صاع عن المائتين التي في ذمتي، في ذمتي لك مائتي ريال ولا أجدها، ولكن أبيعك مائة صاع من البر. فيسمى هذا صلحاً، ولكنه في الحقيقة بيع.

    ولو قال -مثلاً-: عندي لك خمسون ألفاً ولا أجدها، ولكن أبيعك أو أعطيك بدلها نصف هذه الأرض التي هي بيني وبين زيد نصفان، فخذ نصفي بالخمسين ألفاً التي لك، فأخذها، وعلم زيد فله أن يشفع فيقول: شريكي أعطاكها عن خمسين ألفاً، وأنا أشفع عليه لأني شريكه، فخذ الخمسين التي اشتريتها بها وتكون الأرض كلها لي. فيجوز ذلك.

    1.   

    الصلح على الإنكار

    القسم الثاني: الصلح على الإنكار، وصلح الإنكار أن يأتيك إنسان ويدعي عليك ديناً فيقول: عندك لي خمسة آلاف وأنت لا تتذكر، إما أنك تنكر وتقول: أبداً ما عندي لك شيء. وإما أنك تقول: لا أتذكر، نسيت أن عندي لك شيئاً. فالصلح في هذه الحال من المدعى عليه، كأنه يشتري سمعته فيقول: أنت الآن تدعي علي بخمسة آلاف وأنا لا أتذكرها، فأشتري سمعتي حتى لا يقال: إن فلاناً جحد ديناً عليه. أو حتى لا أتعرض للمرافعات ولا للشكاوي ولا للمحاكم، فأشتري سمعتي، فأنت الآن تدعي علي بخمسة، فأنا أعطيك أربعة واسمح لي في الباقي. فيسمى هذا الصلح على إنكار، بمعنى أنه كان منكراً ولكن يشتري سمعته، ففي هذه الحال يصح أن يدعى عليه فينكر أو يسكت ثم يصالحه، والمدعى عليه إما أنه نسي وإما أنه أنكر وهو يعلم أنه لاشيء عليه، فعند ذلك اصطلحا لأجل قطع المنازعات.

    الفرق بين المدعى عليه والمدعي في الصلح على الإنكار

    يقول: [يكون في حق المدعى عليه ابراءً، وفي حق المدعي بيعاً].

    قوله: [في حق المدعي بيعاً] فلو ادعى عليك بألف وقلت: لا أذكر شيئاً، ولكن خذ هذا البعير عن دعواك فأخذ البعير وكأنه اشتراه منك بالألف؛ لأنَ أقصى ما يدعي عليك ألف، ولما ذهب بالبعير وجده أعور أو مريضاً فله أن يرده، فيقول: أنا أخذته عن الألف وحسبته سليماً، ثم تبين أنه مريض، فلا أقبله. فينفسخ الصلح والحال هذه، وكذلك لو ادعى عليك رجل بعشرة آلاف وأنت منكر، ولكن تشتري سمعتك فتقول: أعطيك نصف الأرض التي بيني وبين زيد بعشرة آلاف، فلما قبض الأرض شفع عليه شريكك الذي هو زيد وقال: أنت تدعي أنك اشتريتها بدينك الذي هو عشرة آلاف، وأنا شريكه، فأنا سوف أنتزعها وأعطيك العشرة الآلاف التي أنت تدعيها، ولا تدعي أكثر من عشرة آلاف، فكأنك اشتريت نصف هذه الأرض بدينك الذي هو عشرة آلاف، فخذها وأعطني الأرض حتى تكون الأرض كلها لي؛ لأني لا أرغب في الشريك، وأحب أن تكون هذا الأرض كلها سالمة لي. فله أن يشفع، وذلك لأن المدعي يدعي أنه اشتراها عن دينه الذي هو عشرة آلاف، وإذا كان يدعي أنه اشتراها ثبتت الشفعة، وأما المدعى عليه فإنها تكون إبراءً لذمته، فلا رد ولا شفعة، فلو ادعى عليك نصف البعير، أو نصف الأرض، ولما ادعاه قلت: سوف أعطيك خمسمائة عن دعواك بهذا البعير. فأعطيته خمسمائة وذهب، فوجدت البعير بعد ذلك أعور وهو ملكك، فهل لك أن تسترد الخمسمائة ليس لك ذلك؛ لأنك ما اشتريت البعير، أنت تدعي أنه ملكك، وإنما تخلصت من دعواه، وأردت بذلك أن ينقطع النزاع، ففي هذه الحال ليس لك أن تسترد الخمسمائة، بل إنما دفعتها ابراءً لذمتك، وتخلصاً من المرافعة، وكذلك لو ادعى عليك نصف الأرض، فقال: نصف أرضك هذه أو ثلثها لي. فلما ادعى عليك أعطيته عن دعواه -مثلاً- عشرة آلاف وقلت: أشتري سمعتي، فخذ عشرة آلاف واسمح لي. فعلم شريكك، فهل له أن يشفع فيقول: قد اشتريت هذه الأرض؟ ما له شفعة، وذلك لأنك تقول: ما اشتريت هذه الأرض، الأرض أرضي، لكن هذا ادعى علي وضايقني فأعطيته هذه العشرة لتنقطع الدعوى ولتنقطع الخصومة، والأرض لي ليس له فيها شيء فلا تثبت الشفعة والحال هذه.

    من علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه

    يقول: [ومن علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه].

    سواءً المدعي أو المدعى عليه، إذا كذب أحدهما فما أخذه حرام، فهذا المدعي إذا كان كاذباً، فجاء إليك وهو يعلم كذب نفسه وأنه مبطل، وإنما أراد أن تعفيه، وقال: عندك لي دين عشرة آلاف. أو: أنا أدعي عليك نصف هذا البعير أو نصف هذه الدار. فاشتريت سمعتك وأعطيته خمسة آلاف، أو أعطيته شاة أو نحو ذلك لقطع نزاعه لا شك أنه أكل حراماً؛ لأنه يعرف كذب نفسه، فما أخذه حرام.

    وكذلك العكس، فلو أن المدعى عليه أنكر وكان عالماً بصدق المدعي، ولكنه قال: هذا إنسان ليس عنده بينة، وسوف أجحده، وإذا جحدته أعطيته نصف ماله الذي يدعيه أو ربعه حتى يترك لي الباقي، فأنا أعرف أن عندي له عشرة آلاف، ولكن سوف أجحدها حتى يقنع بخمسة آلاف أو بثلاثة آلاف. فهذا حرام، فأنت تعترف في باطن الأمر، فأعطيته نصفها والباقي حرام عليك؛ لأنك جحدته وأنت تعرف أنه محق في دعواه.

    فهذا ما يتعلق بالصلح، والفصل الذي بعده تابع للصلح، ويسمى أحكام الجوار، وأحكام المتجاورين والمشتركين في بعض الأعيان.

    1.   

    أحكام المتجاورين

    الضرر يزال

    قال رحمه الله تعالى: [إذا حصل في أرضه أو داره أو هوائه غصن شجرة غيره أو على غرفته لزم إزالته].

    الجاران قد يكون بينهما شجر، وهذه الشجرة قد يمتد غصنها إذا كانت تمتد -مثلاً- على الأرض مثل نبات القرع والبطيخ، فإن امتد الغصن حتى صار في أرض جارك فعليك أن تزيله؛ لأنه شغل أرض جارك، وكذلك الشجر الذي يكون على ساق، فإذا تدلى غصن النخلة أو غصن السدر أو الرمان أو الأترج على جارك، وشغل هواء جارك وهو يملك أرضه ويملك هواءها، فيلزمك أن تزيله، وكذلك لو امتد على سقف الغرفة، أو دخل من نافذة من النوافذ إلى الغرفة، ففي هذه الحال على صاحب الشجرة أن يزيل ذلك الغصن.

    وإذا أتلف شيئاً فإنه يضمنه، فلو أن عروق الشجرة امتدت تحت الجدار وسقط من أجلها فعلى الجار صاحب الشجرة بناء ذلك الجدار، وكذلك لو أن غصن الشجرة خرق الجدار، أو أتلف شيئاً منه أو هدم بعضاً منه فإنه يغرم ما أتلفه.

    ولا بد قبل ذلك أن صاحب الأرض يطالبه، أما إذا سكت عنه فإنه يعتبر قد أذن له، فيطالبه قبل ذلك ويقول: أزل هذا الغصن. أو: اقطع هذا العرق الذي امتد في أرضيّ فإذا امتنع فإنه يزيله فيلويه، فإذا لم يلتو ولم يزل باقياً فله أن يقطعه.

    قال رحمه الله تعالى: [فإن أبى لم يجبره في الغصن ولواه، فإن لم يمكنه فله قطعه بلا حكم].

    ولا يحتاج إلى حكم حاكم؛ لأن هذا ضرر، والضرر يزال، وهذا كله يتعلق بالغصن، ويلحق به العرق.

    قال رحمه الله تعالى: [ويجوز فتح باب لاستطراق في درب نافذ].

    قوله: [لاستطراق] يعني: للدخول معه والخروج معه. ويكون هذا في الدرب النافذ، والدرب النافذ هو الذي له مدخل من كل جهة، يدخل الناس من الشرق ومن الغرب، يعني أنه نافذ، وأما غير النافذ فهو الذي له نهاية وليس بنافذ، بل نهايته مسدودة، وهذا الدرب إذا كان جدارك عليه وهو طريق مسلوك يجوز لك أن تفتح باباً آخر، فأنت قد فتحت عليه الباب الأول، فيجوز لك أن تفتح باباً ثانياً، وذلك لأنك تملك المرور معه، والناس يمرون معه، وفتحك لهذا الباب لا يضايق الناس؛ لأنك فتحته على جدار من جدرانك وعلى طريق مسلوك ليس خاصاً بأحد، وليس لأحد أن يمنعك منه، فهذا فتح الباب للاستطراق.

    حكم إخراج جناح وساباط وميزاب من البيت

    قال رحمه الله تعالى: [لا إخراج جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام مع أمن الضرر].

    الجناح: هو أن يمد على جداره شبه مظلة ويسقفها، وينتفع بهواء الطريق، فيقول: هذا الطريق لا أضيقه، ولكن أنا بحاجة إلى أن أمد أخشابي -مثلاً- أو أمد الصبة وآخذ من الهواء متراً أو متراً ونصف أسقفه وأنتفع به، وأتوسع به في داري. ويسمى هذا جناحاً ويسمى روشناً، فلا يجوز ذلك إلا بإذن الإمام أو بإذن المسئول، وفي هذه الأزمنة المسئولون هم البلدية، والعادة أنهم يأخذون مقابلاً من أصحاب العمارات على ذلك، فأصحاب العمارات يجعلون الدور الأرضي على حد المأذون لهم، ثم في الدور الثاني يمدون الصبات فتأخذ من الطريق متراً أو نحوه، فهذا المتر يسمى جناحاً ويسمى روشناً، فيؤخذ عليهم مال مقابل ذلك، بشرط ألا يضيقوا الطريق، أما إذا كان ذلك يضيق الطريق بأن كان نازلاً بحيث لو مرت سيارة لاصطدمت به فإنه لا يحق لهم.

    وأما الساباط فهو تسقيف الطريق كله، إذا كان الطريق -مثلاً- خمسة أمتار وهو طريق نافذ، فيتفق صاحب هذا الجدار مع جاره المقابل له على أن يسقفا الطريق، فيقول: أنا أبني على الطريق غرفة، وأنت تبني عليه غرفة. وأجعل صبتي على جدارك وأنت كذلك. فهل لهما ذلك؟

    قديماً كان هذا موجوداً في القرى، وإلى الآن موجود في المباني القديمة داخل البلد، تجد الطريق مسقوفاً كله، والناس يمرون على الطريق وهو مسقوف، وفوقه غرفة أو غرفتين، ويسمى هذا ساباطاً، فلا يجوز هذا؛ لأنه تملك لشيء مشترك وهو هواء هذا الطريق الذي هو للمارة، لكن يجوز بإذن الإمام.

    فأما الميزاب الذي يصب معه السيل ويسمى ثعباناً أو مثعباً. فهذا ضروري للناس، إذا جاء السيل وصب من الدار يصب على الطريق، وهل يجوز جعل هذه الميازيب تصب في الطريق؟ يجوز بإذن الإمام إذا لم يكن فيها ضرر، وأما إذا كان فيها ضرر أو لم يأذن فيها الإمام فلا يجوز في هذه الحال، والناس في هذه الأزمان يجعلون على بيوتهم الأنابيب التي تمتد من السطح إلى الأرض، ولا يكون فيها ضرر، وأما الميازيب التي تصب في وسط الطريق فإنه قد يكون فيها ضرر، فقد تصب مياهاً أو سيلاً أو نحو ذلك فيتضرر المشاة، فإذا أذن فيها الإمام ولم يكن فيها ضرر من سعة الطريق جاز، وأما إذا تضرروا ففي إمكانهم أن يحفروا طرف السطح إلى إن يصل إلى الأرض لينصب الماء من السطح مع ذلك المكان المحفور في وسط الجدار إلى الأرض، فلا يكون في ذلك ضرر.

    وهذا كله إذا كان الدرب نافذاً، وذلك لأنه مشترك بين المسلمين.

    ومما يلحق بذلك منع أخذ شيء من الطريق، وذلك لأن الطريق مشترك، ونجد أن بعض الناس يأخذون من الطريق -مثلاً- متراً عتبة أو ثلاث عتبات من الطريق، وهذا خطأ، فالطريق مشترك بين الناس ولو كان واسعاً، وقد تضايق الناس هذه العتبات التي تأخذ متراً، وربما يصطدم فيها إنسان، وربما تصطدم فيها سيارة، فلذلك تزال، لكن إن كان الطريق واسعاً كبيراً فلا بأس بذلك، سيما إذا كان هناك أرصفة في أطراف الطريق، فلا تحصل مضايقة على أهل السيارات ونحوها.

    وكانوا قديماً يأخذون من الطريق نحو ذراع اليد، ويجعلونه كالكرسي ويسمونه حبساً، ويجلسون عليه كما يجلسون على الكراسي، وهذا يجوز إذا كان الطريق واسعاً، وإلا فالأصل أنه إذا كان ضيقاً فلا يجوز.

    يقول: [وفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك حرام بلا إذن مستحق].

    لا يجوز للجار أن يخرج جناحاً أو ميزاباً أو ساباطاً، وذلك لأنه تملك لملك الغير إذا كانت هذه الأرض التي فتحت عليه في ملك جاره، وكذلك الدرب المشترك الذي تقدم في الدرب النافذ، وأما الدرب المشترك المسدود آخره. فلا يجوز أن يفتح به باباً أو ساباطاً أو جناحاً إلا بإذن المستحق، فيشترط أن يأذن له الأهل كلهم، أو الذين يطرقونه، أما الذين لا يأتي إليهم فإنهم لا ضرر عليهم، فإذا كان الدرب المشترك فيه خمسة أبواب من هنا وخمسة أبواب من هنا، وهو مسدود في نهايته، فصاحب الباب الثالث أراد أن يجعل دكة أو يجعل ساباطاً أو يجعل جناحاً أو ميزاباً فمن الذي يمنعه؟ يمنعه الذين وراءه، وأما الذين قبله فليس لهم أن يمنعوه، فإذا أذن له أهل البيتين اللذين في أقصى الطريق فإنه يجوز له.

    لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره

    قال رحمه الله تعالى: [وكذا وضع خشب إلا أن لا يمكن التسقيف إلا به. ولا ضرر فيجبر].

    ورد في هذا الحديث المشهور عن أبي هريرة : (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه في جداره)، ثم يقول أبو هريرة: (ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم. يعني: بهذه السنة. فإذا لم يقدر أن يضع السقف إلا على جدار جاره فليس للجار أن يمنعه بموجب هذا الحديث إذا لم يتضرر الجدار ونحوه.

    قال: [ومسجد كدار].

    لو كان بيته ملاصقاً للمسجد، واضطر إلى أن يضع خشباً على جدار المسجد فإنه لا يمنع من ذلك.

    قال: [وإن طلب شريك في حائط أو سقف انهدم طلب شريكه للبناء معه أجبر].

    إذا كان الجدار بين اثنين وانهدم، فطلب أحدهما من الآخر أن يشاركه في عمارته أجبر عليه؛ لأنه يتضرر فيصير لا فاصل بينهما، فيجبر على أن يساعده، وكذلك إذا كان السقف بين اثنين وانهدم السقف، فطلب أحدهما من الآخر أن يساعده فإنه يجبر على عمارة هذا السقف.

    قال رحمه الله تعالى: [وكنقض خوف السقوط].

    لو كان هذا الجدار أو السقف بينهما فتصدع وخيف أنه ينهدم، وإذا انهدم تضرر أو أتلف أحداً، ففي هذه الحال إذا قال أحدهما: هلم ننقض هذا الجدار ونبنيه من جديد فإنه يجبر عليه، وذلك لأنهم لو تركوه انتقض وأتلف نفساً أو ما دون النفس، ولو حصل ذلك فإنهما يضمنان، وذلك لأنهما يعلمان بأنه خطر ولم يتلافيا ذلك الخطر، وإذا بناه أحدهما بنية الرجوع على شريكه رجع؛ لأن نفعه وملكه لهما جميعاً.

    قال: [وهكذا نهر ونحوه].

    إذا كان بينهما ساقي ماء يمشي فتعطل، وكلاهما يسقي منه، فعمره أحدهما وأصلحه رجع على الآخر بقسطه، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    إحياء الأرض من غير إذن الحاكم

    السؤل: إذا كنت قد أحييت أرضاً وأنا في طور الإحياء فجاءني من يطلب مالاً حتى يسكت عني، وإلا يخبر عني ويكيد لي، فهل أعطيه من المال؟

    الجواب: لا يجوز في هذه الحال تملك شيء إلا من جهة رسمية، فإذا كان مالكاً لهذه الأرض أو سابقاً إليها وعنده إذن فيها فله أن يتملكها، فكونه يقول: لا تفضحوني، ولكن اتركوني وأعطيكم مالاً فلا يجوز لهم أن يأخذوا هذا المال، ولا يجوز له أن يدفع، ولا يجوز له أن يحيي هذه الأرض إلا بإذن رسمي.

    حضور الحائض للدروس في المسجد

    السؤال: بعض النساء يحضرن المسجد لحضور دروس العلم، وقد تصاب المرأة بالحيض، وتقول: إن في مؤخرة المسجد في مصلى النساء مكاناً من ضمن سور المسجد، ولكن لا يصلى فيه؛ لأنه مكان لمرور الناس ولوضع الأحذية، فهل يجوز لها أن تجلس في هذا المكان وهي حائض لتستفيد من الدروس؟

    الجواب: ورد نهي الحائض أن تدخل المسجد، وعلل ذلك للخوف من تلويثها، ولذلك فإذا أمنت من التلويث فإنه جائز لها الدخول، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة أن تناوله خمرة من المسجد -أي: سجادة كان يصلي عليها- فقالت: إني حائض قال: (إن حيضتك ليست في يدك) وإذا كان كذلك فلا بأس أن تجلس في هذا المكان الذي ليس هو محل صلاة، إنما هو محل وضع أحذية أو ما أشبهه.

    الهدية للموظف مكافأة له

    السؤال: أعمل في إحدى الوظائف، وجاءني أحدهم فقضيت له حاجة في مؤسستي التي أعمل فيها، ثم بعد ما التقيت به أهدى إلي هدية، فهل تلك الهدية من الرشوة؟

    الجواب: لا بأس بذلك إذا لم تكن قاصداً لهذه الهدية، ولم تقض حاجته لأجل أن يهدي إليك، وهو أيضاً ما أهدى إليك لتقدمه على غيره، وإنما أراد مكافأتك على فعل فعلته، فلا بأس بذلك.

    وضع مظلة للسيارة على أرض بدون إذن صاحبها

    السؤال: بجوار منزلي أرض خالية، ووضعت فيها مظلة للسيارة بدون استئذان صاحب الأرض، فهل علي إثم في ذلك؟

    الجواب: لا بأس بذلك حتى يأتيك صاحبها ويأمرك بإزالة هذه المظلة؛ لأنك لا تملك بها.

    إذن الإمام بشيء فيه ضرر

    السؤال: لو وضع شيء بإذن الإمام ولكنه يضر بالمارة، فهل للمتضررين المطالبة بإزالة الضرر مع العلم بأن هذا يحصل كثيراً؟

    الجواب: نعم. ولو كان بإذن الإمام؛ لأن الإمام قد يستأذن لأشياء ظاهرها أنه صالح، ولكن إذا كان فيها ضرر فلا يجوز، فيطالبون بإزالة ذلك الشيء الذي فيه ضرر من الطريق مثلاً أو من الأرض أو نحوها.

    لا تنزع العين الاصطناعية عند الاغتسال

    السؤال: هل يلزم من يغتسل للجنابة أن ينزع العين الاصطناعية عند اغتساله أم لا؟

    الجواب: لا يلزم إذا مر الماء عليها؛ فإنها قد تكون ضرورية.

    حكم ركوب السيارة المرهونة بنفقتها

    السؤال: هل تدخل السيارات المرهونة في حكم ما يركب بنفقته الذي ورد في الحديث؟

    الجواب: لا تدخل؛ لأن النفقة ليست ضرورية لها، بخلاف بهيمة الأنعام، فإنها إذا تركت النفقة عليها هلكت.

    حكم الكفالة الحضورية

    السؤال: ما حكم الكفالة الحضورية المعمول بها حالياً؟

    الجواب: جائزة؛ لأن الكفالة -كما تقدم- هي التزام إحضار هذا الإنسان عند حلول الدين أو أي حق مالي، فإذا أحضره برئ الكفيل.

    زكاة الأرض الموروثة إذا عرضت للبيع

    السؤال: هل الأرض الموهوبة أو الموروثة لا تجب فيها الزكاة حتى ولو نويت للبيع؟

    الجواب: هكذا ذكر الفقهاء أنه إذا وهبت له أرض ثم نواها للزكاة لم يزك عنها حتى يبيعها، ثم يجعلها في تجارة أو نحوه، ولا يبدأ حولها حتى يبيعها، ومن العلماء من يقول: إذا باعها أخرج زكاة سنة واحدة.

    بيع الحبحب بشرط القطع

    السؤال: في هذه الأيام يكثر بيع الحبحب بشرط أن يكون صالحاً، فما حكم ذلك؟

    الجواب: لا بأس بذلك؛ لأنه شيء خفي لا يعرف نضجه إلا بعد شقه، فإذا شقه ووجده غير ناضج فله أن يرده.

    جعل ولي المرأة شيئاً من مهرها مقابل قضاء دينه

    السؤال: شخص مدين طالبه صاحب الدين، ولا يوجد لديه مال، فقال له: أزوج إحدى بناتي بقيمة هذا الدين فهل هذا جائز؟

    الجواب: لا شك أن المهر من حق الزوجة، ولكن والدها له حق أن يتملك من مهرها ما لا يضرها، فعلى هذا إذا كان سوف يعطيها شيئاً من حقها والبقية يسقطه من دينه فلا بأس بذلك.

    نصيحة لمن زوج أخته برجل قليل الدين

    السؤال: لي أخت زوجتها قبل أربعة أعوام من رجل ضعيف الدين، فكنت دائماً أنصحه وأوجهه إلى الخير، وقد فوجئت بأنه قد أدخل الدش في بيته، وأختي لديها الآن ثلاثة أطفال منه، وأختي عندما كانت عندنا لم تر التلفاز؛ لأنه لم يكن موجوداً لدينا أصلاً، فما النصح والتوجيه في ذلك؟

    الجواب: عليكم نصيحته وتحذيره، وتهددونه بأنكم سوف تأخذون أولاده أو تحاولون فسخ النكاح تهديداً له وإن كنتم لا تقدرون على ذلك عادة، لكن لعل الله أن يهديه.

    حكم من أخرج جناحاً من داره بدون إذن الحاكم

    السؤال: رجل بنى عمارة، وجعل في الدور الأول جناحاً بدون استئذان من ولاة الأمر، فماذا عليه أن يفعل الآن؟

    الجواب: إذا كان في داخل سوره فلا حرج عليه، وأما إذا كان هذا الجناح على الطريق فلا بد أن يأخذ عليه إذناً، وإذا كان في مدينة من المدن المشهورة فإنه لا يسمح له إلا بعد إذن وبعد إخراج مخطط لذلك المبنى وموافقة من البلدية عليه، وبعد ما يسمى بالفسخ وما أشبه ذلك.

    صلاة النساء جماعة في البيت

    السؤال: هل تجوز صلاة النساء في البيت جماعة؟

    الجواب: لا بأس بذلك، فإذا اجتمعن وصلت بهن إحداهن فلا مانع.

    صلاة النافلة جماعة

    السؤال: هل تجوز صلاة النافلة في البيت جماعة؟

    الجواب: لا حرج في ذلك، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بـ ابن عباس في ليلة من الليالي نافلة.

    نصائح لطلاب العلم الشرعي في الدورات الشرعية

    السؤال: يا شيخ نبغي بعض نصائح لشبابنا حتى يسيروا للعلا

    فلقد أتوا للدرس ملء قلوبهم حباً لعلم الشرع فالقلب تلا

    لكن نخاف عليهمو أن يفتروا فالدرب صعب كالمسير على الفلا

    الجواب: نتناصح فيما بيننا جميعاً على أن نجد ونجتهد في تلك الدورات، وأن نواظب عليها، وأن نحرص على التزود منها، وذلك لأمور: أولاً: فيها علوم شرعية دينية نافعة.

    ثانياً: مدة الدورة قصيرة، فهي عشرون يوماً أو نحوها.

    ثالثاً: عندنا فراغ ووقت متسع، فلا نضيعه في لهو ونفرط في مثل هذه الأيام.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756683414