إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! موضوعنا في هذه الخطبة هو: لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه وأمته أحق بموسى من اليهود؟ وما الذي صنعه اليهود حتى لم يكونوا أهلاً للانتساب إلى نبي الله موسى وغيره من الأنبياء؟
إن اليهود الذين بعث فيهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قد رفضوا الهدى بحجة اتباع الآباء والأجداد، فقد ورد أنه لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه، وحذرهم من عذاب الله ونقمته، قال له
رافع بن خارجة و
مالك بن عوف -وهما من أحبار يهود بني قينقاع-: بل نتبع -يا محمد- ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم وخيراً منا، فأنزل الله تعالى فيهم:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170] فهذا هو التقليد الأعمى الذي يقوده الهوى والتعصب لقوميتهم وعرقهم، وهو التاريخ الممتد لهؤلاء اليهود منذ عهد يعقوب عليه السلام وإلى أن يخرجوا مع الدجال حين يخرج، حيث يخرج معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ويستثنى منهم المؤمنون الصادقون أتباع أنبيائهم، ومن آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعه.
اليهود وكفرهم ومكرهم وما حل بهم
حتى لا يطول بنا المقام -فالحديث عنهم طويل- نجيب عن التساؤل السابق بما يلي:
أولاً: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: (نحن أولى بموسى منكم) قائم على أدلة جاءته من ربه تبارك وتعالى، فيها ذم اليهود، والحديث عن طبيعتهم، ومكرهم، وكيدهم، وكفرهم، وتكذيبهم بأنبيائهم، بل وقتلهم لهم إلى آخر ما ورد فيهم في كتاب رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
فالعداء معهم ليس سببه قضية أو أزمة معينة إذا انتهت زال العداء، واسمعوا إلى قول الله تعالى عنهم:
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:167] وهذا التأذن -وهو: الإعلام- مبني على ما علمه الله من طبيعة هؤلاء.
يقول
ابن كثير رحمه الله تعالى في هذه الآية: وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة؛ ولهذا تلقيت باللام في قوله: (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) أي: على اليهود (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه، واحتيالهم على المحارم، ويقال: إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج.
ثم كانوا -أي: اليهود- في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين، ثم صاروا في قهر النصارى وإذلالهم إياهم، وأخذهم منهم الجزية والخراج.
ثم جاء الإسلام ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام فكانوا تحت صغاره وذمته يؤدون الخراج والجزية.
قال
العوفي عن
ابن عباس في تفسير هذه الآية: هي المسكنة وأخذ الجزية منهم.
وقال
علي بن أبي طلحة عنه -أي: عن
ابن عباس -: هي الجزية، والذين يسومونهم سوء العذاب هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة.
قلت -القائل
ابن كثير -: ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصاراً للدجال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى بن مريم عليه السلام، وذلك آخر الزمان.
فهذا خبر الله عن ملاحمنا مع اليهود، فهل نعي -أمة الإسلام- هذه الحقائق القرآنية التي لا يتطرق إليها شك ولا ريب أبداً؟!
خيرية هذه الأمة
عصيان اليهود وانحرافهم مع وجود أنبيائهم بين أظهرهم
إن اليهود قد برزت انحرافاتهم الخطيرة واعتراضاتهم على شرع الله وأمره حتى وأنبياؤهم بين ظهرانيهم! فكيف بهم بعد موت أنبيائهم، وتحريف أحبارهم ورهبانهم لكتب الله المنزلة عليهم؟!
وهذه نماذج مختصرة أشير إليها مع أنكم تعلمونها، لكنها من باب الذكرى؛ لأننا في زمن نخاف فيه أن تتغير الحقائق.
حينما نجى الله موسى وبني إسرائيل من فرعون الطاغية بمعجزة عظيمة باهرة، وهي تحويل البحر إلى يبس يمرون عليه، ثم إغراق فرعون بعد ذلك؛ طلب بنو إسرائيل من موسى حين رأوا قوماً يعبدون الأوثان أن يجعل لهم إلهاً كما لهؤلاء آلهة، ولكن موسى نصحهم وبين لهم عقيدة التوحيد وخطر الشرك، وبين لهم بطلان ما يفعله هؤلاء؛ فكفوا عن ذلك مؤقتاً، فلما غاب عنهم موسى لمناجاة ربه عند جبل الطور سرعان ما عبدوا العجل الذي صنعه لهم
السامري .
وهذا أمر عجيب! نبي الله بين أيديهم يأمرهم بالتوحيد، وينهاهم عن الشرك ويبينه لهم في قصة واقعية رأوها من هؤلاء القوم العاكفين على أصنام لهم، ثم يطلبون آلهة؟! ولكن سرعان ما نسوا هذا ليكونوا عبدة للعجل عندما غاب موسى عنهم، مع أن نبي الله هارون كان بين أظهرهم عليه الصلاة والسلام.
وتعنتوا على موسى فقالوا له يوماً من الأيام:
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55] فأخذتهم الصاعقة بكفرهم، ثم بعثهم الله من بعد موتهم، ورجعوا إلى الطاعة.
وقد كانوا أهل شهوة وعبادة مال، قالوا لموسى وقد منّ الله عليهم بأطيب الطعام المن والسلوى:
لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ [البقرة:61] ماذا تريدون؟ يريدون البقل والفوم.
ولما حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت احتالوا على ذلك بما قصه الله عنهم.
ولما حرم الله عليهم الشحوم احتالوا فأذابوه وباعوه وأكلوا ثمنه.
ولما سار بهم موسى إلى الأرض المقدسة لفتحها، وتقدموا إليها واستطلعوا أحوالها وأخبارها؛ قالوا لموسى: يا موسى! إن الأرض المقدسة تدر لبناً وعسلاً إلا أن سكانها من الجبارين. وأبوا الجهاد، بل قالوا -ويا عظم ما قالوا!-:
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] فابتلاهم الله تبارك وتعالى بالتيه أربعين سنة يتيهون في الأرض، قيل: إنهم كانوا يسيرون يوماً وليلة أو أكثر يبحثون عن مكان أو مدينة يأوون إليها، فإذا انتبهوا وجدوا أنفسهم في مكانهم الأول.
فهذه حالهم ونبي الله موسى عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم.
تعاظم انحراف اليهود بعد موت موسى عليه الصلاة والسلام
لقد استمرت انحرافاتهم الخطيرة، بل وعظمت وطمت بعد موسى عليه الصلاة والسلام، فقتلوا عدداً كبيراً من أنبيائهم قال الله تعالى عنهم:
كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ [المائدة:70]، وممن قتلوا يحيى وزكريا عليهما السلام، وآخر من حاولوا قتله عيسى الذي نجاه الله ورفعه، ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي نجاه الله منهم وسلمه.
وحرفوا دين اليهودية والنصرانية، فأما تحريفهم لدين اليهود وللتوراة فأمر معلوم، وأما تحريفهم لدين النصارى فبسبب
بولس الذي يعظمه النصارى إلى اليوم، وقد كان له الدور الأكبر في تحريف الديانة النصرانية وتحويلها إلى التثليث والشرك، وهو يهودي من الفريسيين، وكان من ألد أعداء عيسى عليه السلام، فلما رفع دخل
بولس في النصرانية، وادعى أن عيسى أوحى إليه أن يدعو إلى الديانة المسيحية، فنشط في الدعوة إليها، وزعم أنه يتلقى التعاليم من عيسى ومن الله إلهاماً، وصار أحد الرسل السبعين الذين نزل عليهم روح القدس في اعتقاد النصارى، وصار
بولس هذا معلماً لـ
مرقس و
لوقا صاحبي الأناجيل المعروفة المحرفة عند النصارى إلى اليوم، وهكذا بعد تحريف اليهود لديانتهم حرفوا الديانة والملة التي جاء بها رسولهم عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.
من عجائب استدلالات اليهود
من أعجب ما رأيت من تعلق اليهود بموسى وبما جاء به أمران:
أحدهما: تعلقهم بما أخبر الله عنهم وامتن عليهم به من أن الله اصطفاهم على العالمين، فصاروا يزعمون أنهم شعب الله المختار، مع أن الله كتب عليهم الذلة والصغار وسوء العذاب إلى يوم القيامة، وإنما فضلهم الله تعالى على عالمي زمانهم فقط لما آمنوا واتبعوا موسى عليه الصلاة والسلام، وهكذا نشأت هذه العقيدة العرقية العنصرية عندهم تحريفاً وتكذيباً بما أخبر الله تبارك وتعالى.
الثاني: احتجاجهم على عنصريتهم لبني جنسهم، وجواز الاعتداء على غيرهم بقصة موسى حينما وكز المصري الفرعوني حين استنصر به الإسرائيلي الذي كان يختصم معه، فلما وكزه موسى قضى عليه، ولم يكن يقصد قتل الرجل وإنما أراد أن يدفع هذا الفرعوني عن الإسرائيلي بضربة تكفه عن الأذى، ولكن هذه الضربة -لقوة موسى- أدت إلى قتله، فلما رآه موسى قتيلاً
قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ [القصص:15]، ثم أخذ يستغفر الله مما فعل، فغفر الله له، وكل ذلك كان قبل النبوة.
لكن اليهود يحتجون بهذا على ما هو معروف من طبيعتهم ومواقفهم من غير اليهود، من جواز الاعتداء عليهم، وأكل أموالهم، وقتلهم... ونحو ذلك، وليس هذا بغريب منهم فتلك طبيعتهم، وهذا منهجهم مع كتب الله، ومع أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام.
موقف اليهود من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
أما موقفهم من صاحب الرسالة الخاتمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو معروف، فهم يعلمون علم اليقين أنه نبي ورسول إلى العالمين، ومع ذلك كفروا به، وآذوه، وحاربوه، وحاربوا أتباعه، ولا يزالون يحاربوهم.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يقول لليهود: (
نحن أحق بموسى منكم) إنما يقرر قاعدة عقدية كبرى لهذه الأمة الإسلامية، إن هذه القضية قضية كبرى بالنسبة لنا نحن المسلمين وخاصة في هذه العصور المتأخرة، فهل نعي حقيقة ديننا؟ وهل نعي حقيقة أعدائنا؟
اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بديننا، اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بديننا يا رب العالمين!
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أحقية المؤمنين بعيسى من النصارى
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على صاحب الرسالة الخاتمة محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن القاعدة التي هي نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
نحن أحق بموسى منكم) خطاباً لليهود، نستطيع أن نطبقها على غير اليهود من أهل الملل والنحل والفرق، فنطبقها على النصارى فنقول لهم: نحن المسلمين أحق بعيسى منكم، فهو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وهو نبي رفعه الله إليه إلى السماء، وسينزل في آخر الزمان ليحكم بالقرآن، ويدعو إلى الإسلام وإلى الشريعة التي جاء بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولن يقبل من اليهود ولا من النصارى جزية ولا عهداً ولا ذمة، وإنما سيقرر لهم ما يقرره المسلمون مع الكفار الوثنيين: إما الإسلام، وإما السيف، وذلك حين يقوم سوق الجهاد إذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام.
فنحن أحق بعيسى من هؤلاء النصارى، ونحن نبرأ إلى الله ممن عبده من دون الله، أو من زعم أنه قتل وصلب، أو من حرف هذه الديانة وتلك الشريعة التي جاء بها هذا النبي الكريم، ومن ثم فنحن نبرأ إلى الله من الاعتراف بدينهم، أو تصديقهم به، ونؤمن ونصدق أن هؤلاء الكفار خالدون مخلدون في النار، ولا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً حتى يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، حتى ولو وحدوا الله، ولو عملوا بما عندهم من التوراة أو الأناجيل، فهي منسوخة بالقرآن، ولن يكون أحد منهم مسلماً مؤمناً موحداً حتى يتبع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووالله! إني لأقرر هذه القضية من هذا المكان وأنا خجل؛ لأنها قضية بدهية، ولكن ماذا نصنع وبعض المسلمين اليوم بدأت تتغير عندهم هذه المفاهيم حتى في قضية تكفير اليهود أو النصارى، ولقد سمعنا من يقول: هؤلاء أهل كتاب، هؤلاء يدينون بكتابهم، هؤلاء أهل دين محترم، ونحن نقول: إن هؤلاء من الكفار، ولم يتميزوا عن الملحدين والوثنيين إلا بشيء واحد وهو: أنه تقبل منهم الجزية والأمان، وذلك رحمة بهم؛ حتى يدخلوا في دين الله تبارك وتعالى.
أيها الإخوة في الله! إن ضرب الجزية والصغار على أهل الكتاب هو منهج دعوي عظيم إلى الإسلام؛ لأن هؤلاء لما كانوا بين ظهراني المسلمين، وكانت تفرض عليهم شروط الجزية والذلة والصغار، كان الواحد منهم يشعر بذلك، فإذا أراد أن ينتقل إلى عزة وكرامة فلا طريق له إلى ذلك إلا أن يدخل في الإسلام، فكان ذلك سبباً في دخول كثير منهم في دين الله تبارك وتعالى.
إن هذه القضية تحتاج إلى بسط وبيان، لكنني أشير إليها هنا إشارة: إن اليهود أو النصارى ليسوا بمؤمنين ولا مسلمين، وليسوا من أهل الجنة حتى يؤمنوا بهذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي بشر به أنبياؤهم من قبل، والذي نسخت شريعته شرائع الأنبياء من قبله، قال الله:
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
أحقية المؤمنين الصادقين بآل البيت من الرافضة
يحق لنا أن نطبق هذه القاعدة: [نحن أولى بموسى منكم] على الرافضة الذين يلتقون مع اليهود في أشياء كثيرة منها: أنهم في يوم عاشوراء يقيمون المآتم لأن
الحسين رضي الله عنه قتل في هذا اليوم، ونحن نقول للرافضة: نحن أولى بـ
الحسين وبآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فنحن نحبهم، ونترضى عنهم، ونشهد لهم بما شهد الله، وبما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحب
فاطمة و
علياً و
الحسن و
الحسين ، ونحب
خديجة أم
فاطمة وبقية أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحب
عائشة أم المؤمنين، ونحب بقية زوجاته الطيبات الطاهرات، فحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من منهاج أهل السنة والجماعة واقرءوا أي كتاب من كتب العقيدة التي تنهج نهج أهل السنة والجماعة، فستجدون فيها التصريح بموالاة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تفريط ولا إفراط، ومن هنا: فنحن أولى بآل بيت رسول الله من صحابته الكرام وغيرهم من هؤلاء الذين عبدوهم من دون الله، ونحن أولى بهم من هؤلاء الذين غلوا فيهم غلو اليهود والنصارى في أنبيائهم.
أيها الإخوة في الله! يجب علينا -أهل السنة والجماعة- أن نعرف لأصحاب رسول الله، ولآل بيته الطيبين الطاهرين حقهم وقدرهم وقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنحبهم، ونترضى عنهم، وندافع عنهم، ونكافح، ومن ذلك أن نبعد عنهم كل غلو أو تفريط.
إن هذه الأمة وسط، وهي أحق بأنبياء الله؛ لأنهم آمنوا بجميع الأنبياء، وقد رفع الله هذه الأمة بالإسلام، ورفعها الله بالقرآن، ولا يكون ذلك إلا إذا عرفت قدر نفسها، وقدر دينها، واستيقظت من سباتها، وعلمت يقيناً حقائقها وعقائدها الثابتة التي لا تتغير ولن تتغير أبداً حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
إنها حقيقة كبرى يجب أن نعيها وعياً عملياً لا نظرياً، ويجب أن نربي عليها أنفسنا وأولادنا والمسلمين جميعاً، ويجب أن نقررها، وأن ندعو إليها.
إن عقيدة أهل السنة والجماعة ومنهاجهم مما يجب في هذه الأيام خاصة أن يقوم الداعون إلى الله بدور كبير في نشره بين العالمين بشتى الوسائل.
اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المؤمنين الموحدين في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين!
اللهم -يا إلهنا- نسألك أن تنصر كل مؤمن ومؤمنة في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أنزل على المستضعفين منهم السكينة والنصر المبين يا رب العالمين!
اللهم انصر المؤمنين المجاهدين في بلاد البوسنة، وفي كشمير، وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم إنا نسألك -يا إلهنا- أن تدمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم إنا نسألك أن ترينا فيهم عجائب قدرتك يا قوي يا عزيز!
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم أشغله بنفسه، اللهم أشغله بنفسه، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!
اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا، ولوالدينا، ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين يا رب العالمين!
اللهم إنا نسألك الثبات في الدنيا والآخرة، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة يا كريم!
اللهم إنا نسألك أن تعيذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أيها الإخوة المؤمنون! يقول الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأخص منهم الأربعة الخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين، وآل بيته الطيبين الطاهرين، وبقية الصحابة أجمعين، ومن سار على منهاجهم يا رب العالمين!
اللهم واسلكنا في سبيلهم غير مفرطين يا رب العالمين!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.