إسلام ويب

كتاب الصلاة [5]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ محفوظة، وقد اختلف العلماء في صفات الأذان إلى أربع صفات مشهورة، واختلفوا في حكم الأذان على قولين: واجب، وسنة، ومن قال بالوجوب اختلفوا على قولين: فرض عين، فرض كفاية

    1.   

    صفات الأذان المشهورة

    الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثاني في معرفة الأذان والإقامة.

    هذا الباب ينقسم أيضاً إلى فصلين:

    الأول: في الأذان. والثاني: في الإقامة.

    الفصل الأول هذا الفصل ينحصر الكلام فيه في خمسة أقسام:

    الأول: في صفته.

    الثاني: في حكمه.

    الثالث: في وقته.

    الرابع: في شروطه.

    الخامس: فيما يقوله السامع له.

    القسم الأول من الفصل الأول من الباب الثاني: في صفة الأذان ].

    أقوال العلماء في صفات الأذان المشهورة

    قال المصنف رحمه الله: [ اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة:

    إحداها: تثنية التكبير فيه، وتربيع الشهادتين، وباقيه مثنى، وهو مذهب أهل المدينة: مالك وغيره، واختار المتأخرون من أصحاب مالك التربيع، وهو أن يثني الشهادتين أولاً خفياً، ثم يثنيهما مرةً ثانية مرفوع الصوت ].

    ومعنى التكبير مرتين، أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله.. أشهد أن محمداً رسول الله بصوت خفي، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، يعني: مرة يسمع بها نفسه ومن كان قريباً منه، والمرة الثانية يرفع بها صوته، وهذا يسمى الترجيع في الأذان.

    الصفة الثانية: أذان المكيين، وبه قال الشافعي ، وهو تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقي الأذان ].

    فالتكبير الأول أربع، ولكن مرفوعة الصوت، والشهادتين أربع لكن مرتين مرفوعة بالصوت، ومرة غير مرفوعة، وقد تكلم الفقهاء في سر عدم الرفع، ثم الرفع، فقالوا: السر في ذلك أن الإسلام كان أولاً سراً، ثم بعد ذلك ظهر علانية، وقالوا: إن التربيع كان في أذان أبي محذورة ، وليس في أذان بلال ، والسر في ذلك: أن أبا محذورة كان يؤذن بمكة، عندما كان الإسلام سراً، وبعد الفتح أذن علانية.

    ومذهب الشافعي في الشهادتين أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله سراً ثم بعد ذلك يرفع بهما صوته، هذا مذهب الشافعي و مالك .

    إذاً فمذهب الشافعي يخالف مذهب مالك في التكبير، لأن التكبير عند المالكية مرتين، وعند الشافعية أربع.

    [ والصفة الثالثة: أذان الكوفيين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثنية باقي الأذان، وبه قال أبو حنيفة ] و أحمد .

    فليس عندهم ترجيع في التربيع، وهم يوافقون الشافعية في التكبير.

    [ والصفة الرابعة: أذان البصريين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين، وحي على الصلاة، وحي على الفلاح، يبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله، حتى يصل إلى حي على الفلاح ] مرة لكل واحدة، ثم يرجع مرة مرة مرة، ثم يرجع مرة مرة مرة.

    فهذه صفة أذان البصريين.

    [ ثم يعيد كذلك مرةً ثانية، أعني: الأربع كلمات تبعاً، ثم يعيدهن ثالثة، وبه قال الحسن البصري و ابن سيرين ].

    سبب الخلاف في صفة الأذان

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلاف كل واحد من هؤلاء الأربع فرق: اختلاف الآثار في ذلك، واختلاف اتصال العمل عند كل واحد منهما ]، يعني: أنه ورد أثر عند كل فريق واتصل به العمل عندهم، فاعتمد كل فريق على ذلك وقال به.

    [ وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة، والمكيون كذلك أيضاً يحتجون بالعمل المتصل عندهم بذلك، وكذلك الكوفيون والبصريون، ولكل واحد منهم آثار تشهد لقوله.

    أما تثنية التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروي من طرق صحاح عن أبي محذورة ]. ولكنه قال في التعليق: أن رواية التثنية في التكبير عن أبي محذورة وردت من طرق صحيحة في الظاهر، إلا أن جميعها معلولة؛ لأن فيها غلطاً من بعض الرواة، فلهذا كانت ضعيفة لهذا السبب.

    [ وعبد الله بن زيد الأنصاري ] كذلك روى رواية مذهب مالك ، ولكنه قال: رواية التثنية في التكبير لا تصح عن عبد الله بن زيد ، بل هي باطلة عنه؛ لأنها إنما وقعت غلطاً من بعض الرواة.

    إذاً فالحديث الذي فيه تثنية التكبير لم يصح.

    [ وتربيعه أيضاً مروي عن أبي محذورة ] وهو حديث صحيح، ومعنى التربيع: التكبير أربعاً [ من طرق أخرى، وعن عبد الله بن زيد ]، وهو كذلك حديث حسن حسنه الألباني في الإرواء.

    [ قال الشافعي : وهي زيادة يجب قبولها مع اتصال العمل بها بمكة.

    وأما الترجيع الذي اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروي من طريق أبي قدامة ، قال أبو عمر].

    يعني: ابن عبد البر : [ و أبو قدامة عندهم ضعيف ]. ولكنه قال: قد صحح الحديث؛ لما له من المتابعات.

    [ وأما الكوفيون ] القائلون بالتربيع من غير ترجيع، [ فبحديث أبي ليلى ، وفيه: ( أن عبد الله بن زيد رأى في المنام رجلاً قام على خرم حائط، وعليه بردان أخضران، فأذن مثنى، وأقام مثنى، وأنه أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلال فأذن مثنى، وأقام مثنى ) ]. قال ابن حزم في حديث ابن أبي ليلى : وهذا إسناده صحيح وغاية في الصحة لشواهده.

    [ والذي خرجه البخاري في هذا الباب إنما هو من حديث أنس فقط وهو: ( أن بلالاً أمر أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة ) ] وحديث أنس هذا أخرجه البخاري و مسلم .

    وشفع الأذان يعني: في أخصره، ويوتر الإقامة يعني: في أكثرها.

    [ وخرج مسلم عن أبي محذورة على صفة أذان الحجازيين.

    ولمكان هذا التعارض الذي ورد في الأذان رأى أحمد بن حنبل و داود : أن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير لا على الإيجاب واحدة منها ].

    الراجح في اختلاف الصفات المشهورة في الأذان

    والراجح، أنها وردت على التخيير، وهذا ما يسمى باختلاف التخيير، ليس باختلاف الإيجاب بل سببه اختلاف التخيير.

    وهذا يعني أن الأذان يجوز بهذه الصفة.

    [ وأن الإنسان مخير فيها ].

    أقوال العلماء في التثويب في صلاة الصبح (الصلاة خير من النوم)

    واختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم، هل يقال فيها أم لا؟ فذهب الجمهور ] وهم: مالك و الشافعي و أحمد [ إلى أنه يقال ذلك فيها.

    وقال آخرون: إنه لا يقال؛ لأنه ليس من الأذان المسنون ].

    أما أبو حنيفة فقال: ما بين الأذان والإقامة، يقول: الصلاة خير من النوم فالمذاهب ثلاثة: الأول: يقولها وهو مذهب مالك و أحمد و الشافعي ، الثاني: لا يقولها مطلقاً وهو مذهب جماعة، الثالث: يقولها ما بين الأذان والإقامة.

    [ وبه قال الشافعي ] والراجح في المذهب خلافه، وهو أنه إذا ثوب في الأول لم يثوب في الثاني، هذا هو المقرر في مذهب الشافعي .

    سبب الخلاف في التثويب في أذان الفجر

    [ وسبب اختلافهم: اختلافهم هل قيل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو إنما قيل في زمن عمر ؟ ].

    وسبب الخلاف هذا غريب جداً؛ فإن قول ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم معلوم، وروي من أوجه عديدة، منها: حديث أبي محذورة ، وهو حديث صحيح، ومن حديث ابن عمر وفيه: ( كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم )، وإسناده حسن كما قال الحافظ . فالتثويب يشرع في الأذان الأول للصبح الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريباً؛ لحديث ابن عمر المتقدم، وهذا هو الراجح.

    وما ورد من حديث أنس من السنة: ( إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم )، رواه ابن خزيمة ، و الدارقطني ، وقال البيهقي : إسناده صحيح؛ فإنه محتمل للأول والثاني، ورواية ابن عمر مبينة لأحد الاحتمالين فتقدم؛ لأنه هنا قال: ( من السنة أن يقول في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم ). لكن قال في حديث ابن عمر : إنما يشرع التثويب، ثم قال بعده: (كان في الأذان الأول بعد الفلاح)، وهذا قال: من السنة في أذان الفجر.

    1.   

    حكم الأذان

    [ القسم الثاني من الفصل الأول من الباب الثاني اختلف العلماء في حكم الأذان: هل هو واجب، أو سنة مؤكدة؟ وإن كان واجباً، فهل هو من فروض الأعيان؟ ] يعني: يجب على كل أحد [ أو من فروض الكفاية؟ فقيل عن مالك : إن الأذان هو فرض على مساجد الجماعات ]، يعني: أن الأذان يكون في المسجد فقط، أما البيت فلا أذان فيه، والسبب في أن الأذان في مسجد الجماعة؛ لأنه للحضور. [ وقيل: سنة مؤكدة ]، وهذا مذهب مالك [ ولم يره على المنفرد لا فرضاً ولا سنة ] لأنه يراه ذكراً مشروعاً للاجتماع، وليس ذكراً مشروعاً قبل الصلاة.

    [ وقال بعض أهل الظاهر: هو واجب على الأعيان ]، وبه قال عطاء و مجاهد و الأوزاعي و داود وهذا ذكر في الاستذكار لـابن عبد البر في الجزء الرابع صفحة ثمان عشرة.

    مداخلة: ... ...

    وإلى هذا القول مال شيخنا ناصر الدين الألباني كما قرره ابن حزم قال: أما ابن حزم فقال: بوجوبه على الاثنين فصاعداً أما الواحد فلا يجب عليه؛ لأنه أخذ هذا الحكم من الحديث الآتي.

    [ وقال بعضهم: على الجماعة كانت في سفر أو حضر وقال بعضهم: في السفر. واتفق الشافعي و أبو حنيفة على أنه سنة للمنفرد والجماعة، إلا أنه آكد في حق الجماعة ].

    إذاً الشافعي قال سنة للمنفرد.

    وفي مذهب أحمد قولان: أحدهما: كمذهب أبي حنيفة و الشافعي .

    والثاني: أنه فرض كفاية في المصر دون السفر، وهو قول أكثر الحنابلة انظر المغني الجزء الأول صفحة ثلاث وثلاثمأة.

    [وقال أبو عمر] وهو ابن عبد البر .

    [ اتفق الكل على أنه سنة مؤكدة، أو فرض على المصري؛ لما ثبت ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع النداء لم يغر، وإذا لم يسمعه أغار ) ]، أخرجه البخاري و مسلم .

    فهذا الحديث يدل على أن الأذان فرض، بغض النظر عن كونه فرض كفاية أو فرض عين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرتب الغزو على الأذان.

    سبب خلاف العلماء في حكم الأذان

    [ والسبب في اختلافهم: معارضة المفهوم من ذلك لظواهر الآثار، وذلك أنه ثبت ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـمالك بن الحويرث ولصاحبه: إذا كنتما في سفر فأذنا، وأقيما، وليؤمكما أكبركما ) ].

    فهذا الحديث يدل على الأذان فرض كفاية.

    [ وكذلك ما روي من اتصال عمله به صلى الله عليه وسلم في الجماعة.

    فمن فهم من هذا الوجوب مطلقاً قال: إنه فرض على الأعيان أو على الجماعة، وهو الذي حكاه ابن المغلس ، عن داود . ومن فهم منه الدعاء إلى الاجتماع للصلاة قال: إنه سنة المساجد، أو فرض في المواضع التي يجتمع إليها الجماعة ] ويكون ذلك في الحضر، أما في السفر فإن اجتماعهم متحقق أصلاً.

    [ فسبب الخلاف: هو تردده بين أن يكون قولاً من أقاويل الصلاة المختصة بها ] فيكون فرض على الأعيان، أو مسنون على الأعيان [ أو يكون المقصود به الاجتماع ]. فلا يكون فرضاً ولا مسنوناً على الأعيان.

    الراجح في حكم الأذان

    والراجح أن الأذان والإقامة فرض كفاية في حق الجماعة، وفرض عين في حق المنفرد، ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، إلا أنهن لا يرفعن به أصواتهن، بل يسمعن أنفسهن، أو من حضر إذا كن في جماعة. فأما كونه فرض كفاية في حق الجماعة؛ فللأمر به في الحديث المتفق عليه، عن مالك بن الحويرث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكما أحدكما، وليؤمكما أكبركما ). وأما كونهما فرض عين على الأفراد؛ فللأمر به في حديث المسيء صلاته، ولفظه كما في الفتح (2/325) ( فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد وأقم )، وكل ما ذكر في حديث المسيء صلاته فمتفق عليه في الجملة أنه واجب، ولكن حديث المسيء صلاته له روايات كثيرة، فبعضهم لم تبلغهم هذه الروايات.

    فإذا كان الشخص في غنمه أو باديته فيرفع صوته بالأذان، أما إذا كان في القرية وقد أذن للصلاة في المسجد فلا يؤذن بعد ذلك في بيته؛ لأن أذانه في بيته ورفع صوته به وصلاته في بيته منافٍ للحث على صلاة الجماعة لكن إذا كان في غنمه أو باديته فرفع صوته بالأذان، أو إذا كان في المزرعة أو يرعى الغنم أو الإبل فرفع صوته فإنه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( ما سمع صوتك من إنس وجن وحجر ومدر إلا شهد لك بذلك )، وهذا دليل على أن الشجر والمدر يسمع ويشهد، وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44]، فلها سمع، ولها شهادة، وهذا مذهب أهل السنة: أنها تسمع عنا كذا، وأنها تسبح، والرسول صلى الله عليه وسلم قد سمع تسبيح الحصى، والصحابة قد سمعوا حنين الجذع عليه لما كان يخطب عليه، ثم تركه وذهب إلى المنبر.

    وأما أنه لا فرق بين الرجال والنساء، فلأن الأمر للرجال يشمل النساء، وقد روى ابن أبي شيبة بسند جوده شيخنا في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/271) أن ابن عمر سئل عن المرأة تؤذن وتقيم فقال: أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل؟! أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل؟ قالها مرتين مستفهماً، ومعنى كلامه: أنه لا ينهى عن ذكر الله.

    وقال شيخنا ويؤيده ما رواه البيهقي عن ليث بن أبي سلمة ، عن عطاء ، عن عائشة : ( أنها كانت تؤذن، وتقوم، وتؤم النساء، وتقوم وسطهن )، إلا أن الحديث فيه ليث وهو ضعيف، فيكون الحديث على هذا ضعيفاً، ولكن يصلح الاستشهاد به مع الحديث الذي قبله.

    أما حديث ( ليس على النساء أذان ولا إقامة ) فإنه حديث موضوع، كما قرره شيخنا الألباني ، لأن فيه الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي ، كأنه وضاع كذاب.

    انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/269-271) وانظر أيضاً تمام المنة (144)، والسيل (1/198،197).

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756618911