إسلام ويب

تذكر النعمللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأمن نعمة تستحق الحفاظ عليها بإقامة شرع الله في الأرض؛ الذي يدعو إلى تأمين الدين والنفس والعرض والمال والعقل، ولاشك أن تذكر هذه النعمة يحث على شكر الله عليها ومراعاتها، والحذر من ذهابها.

    1.   

    حقيقة نعمة الأمن وبيان ما يجلبها

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي من علينا بالفضل والإيمان، وغمرنا سبحانه وتعالى بالرحمة والإحسان.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل السكينة والطمأنينة قرين توحيده وطاعته، وجعل الخوف والرعب لزيم معصيته وكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! أمر الله عز وجل الناس عموماً بأن يتذكروا نعمة الله عليهم, فقال سبحانه في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [فاطر:3]، وأمر سبحانه وتعالى المؤمنين خاصة بأن يتذكروا نعم الله عليهم، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:11] .

    فتذكر النعم يبعث على شكرها، وينمي في القلب حب خالقها، والاعتراف له بالجميل سبحانه وتعالى.

    ومن عظيم النعم التي خصها الله عز وجل بالأمر بتذكرها: نعمة الأمن بعد الخوف، والكثرة بعد القلة، والغنى بعد العيلة، فقال سبحانه وتعالى مخاطباً أولياءه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الأنفال: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26].

    يذكرهم سبحانه وتعالى بنعمة الأمن بعدما كانوا فيه من الخوف، وبنعمة الغنى والرزق من الطيبات بعدما كانوا فيه من الفقر والقلة، ثم يخبرهم سبحانه بأنه إنما أمرهم بذلك ليخرج منهم الشكر على هذه النعم، لعلكم تشكرون)).

    اليوم حديثنا في هذه اللحظات عن الأمن بتعميم من إدارة المساجد، وهي نعمة جديرة بالتذكير, وإن كنا قريببي عهد بالحديث عنها، ففي الإعادة إفادة، وما تكرر تقرر، والمكرر أحلى.

    نعمة الأمن نعمة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يزايد بها على أحد، ولا ينبغي لأحد أن يمن بها على أحد، فهي مطلب لجميع البشر برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، الجميع يبحث عن الأمن؛ لأنه به يتحقق رغد العيش، ولا قيمة لصحة الأبدان، ولا لسعة الأرزاق عندما يفقد الأمن، والشاة تأكل مع مرضها وألمها لكنها لا تأكل إذا رأت السكين التي تذبح بها.

    الخوف مهرب يفر منه الجميع، والأمن مأوى يطلبه وينشده الجميع، ولكن العبرة كيف يكسب هذا الأمن؟ وما هو الأمن الذي ننشده ونتمناه؟

    أما حقيقة الأمن فإنها لا تكون ولا توجد في حياة الناس إلا حين يقومون لله تعالى بما أراد منهم أن يقوموا به.

    في صحيح البخاري وهو حديث فيه إرساء قاعدة الأمن، وكيفية تحقيق الأمن في حياة الناس، قال خباب رضي الله تعالى عنه: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة )، يعني: متكئ على بردة: ( في ظل الكعبة, وقد لقينا من الكفار شدة ) آذونا إيذاءً شديداً، قال: ( فقلت: يا رسول الله! ألا تدعو الله )، يعني: استنصر لنا ربنا ليرفع عنا هذا الظلم؟ قال: ( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمر وجهه، فقال: لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل فيمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب لا يصرفه ذلك عن دينه، ويؤتى بالرجل فتحفر له الحفرة فيوضع فيها ثم ينشر بالمنشار فلقتين ما يرده ذلك عن دينه ).

    ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( والله ليتمن الله هذا الأمر )، يعني: الدين والإسلام سيتمه الله، وسيحققه في حياة الناس، وحين يتحقق في حياة الناس ستكون النتيجة التي قال عنها: ( حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه, ولكنكم تتعجلون ) .

    هذا الأمن العام، الأمن على النفس، الأمن على المال، الأمن على الدين، الأمن على العرض، الأمن على الحرمات، لا يتحقق في حياة الناس تمام التحقق إلا حين يتم الله عز وجل هذا الأمر في حياتهم، ( ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ) .

    هذه سنة الله عز وجل في حياة البشر، كلما كانوا أقرب إلى الله وأطوع لدين الله؛ كلما ظفروا بحظ أوفر من الأمن والسلامة، وكلما ابتعدوا عن دين الله كلما نالهم قسطهم من الخوف والرعب، فالرعب قرين للابتعاد عن الله ومعاندته، قال سبحانه في أربعة مواضع من كتابه وهو يبين أن الرعب سهم الكفار وحليف المشركين: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [آل عمران:151] ، وقال في سورة الأنفال: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [الأنفال:12] ، وقال في أول سورة الحشر: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر:2] .

    وأخبر عن اليهود في أشد حالات ضعف المسلمين يوم أن حاصرت الأحزاب المدينة، وتكالبت قبائل العرب عن بكرة أبيها، حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدفع مال المسلمين للكفار ليرجعوا عن المدينة، هم بأن يعطيهم نصيباً وافراً من ثمار المدينة في مقابل أن يؤمنوا المسلمين ويرجعوا عن همهم بغزو المدينة.

    في هذه الحال أخبر الله تعالى بأنه قذف الرعب في قلوب أعدائه مع شدة ضعف المسلمين.

    الرعب لزيم لمن عاند الله. الرعب هو حظ الإنسان في هذه الحياة حين يبتعد عن منهج الله، وكلما اشتد طغيان الدولة، وكلما اشتد إجرام النظام كلما قويت أجهزته الأمنية، وهذا ترونه في حياتكم، أشد البلاد طغياناً، وأشد الأنظمة فجوراً وعناداً تجدهم أشد شوكةً وأقوى شكيمةً في أجهزتهم الأمنية، وما ذاك إلا انعكاس لمقدار الرعب الذي يعيشونه في نفوسهم.

    أما الآمنون .. أما المقسطون .. أما العادلون فإنهم يعيشون في أمان ينبعث من قلوبهم، ينبعث من جوانحهم، وقد قال القائل لــعمر رضي الله عنه لما جاء إليه من أقصى البلاد, وجده نائماً تحت الشجرة بغير حرس، فقال: حكمت فعدلت، فأمنت فنمت. هذا لزيم لمن أقام دين الله، لزيم إذا تحقق في حياة الناس شرع الله، ( ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ).

    جاءت دعوة الإسلام وجزيرة العرب تعيش أنواعاً من الخوف, يعتدي بعضهم على بعض، ويغزو بعضهم بعضاً، الأعراض مستباحة، والأموال مهدرة، فجاءهم الله بهذا الخير، فجمع كلمتهم، وألف بين قلوبهم، ووحد صفهم، وعاشوا أماناً بعد الخوف، وغنىً بعد الفقر.

    ثم حصل للناس ما حصل فعاشوا أنواعاً من المخاوف، وجاءت دعوة التوحيد وقامت في حياة الناس دعوة التوحيد في جزيرة العرب وعاشوا إلى اليوم أماناً على دمائهم وأموالهم وأعراضهم بفضل الله ثم بفضل هذه الدعوة المجيدة التي طهرت البلاد من مظاهر الشرك، وأعادت الناس إلى دعوة التوحيد الخالص، وإلى دين الله الخاص.

    هذه الحقيقة هي الحقيقة التي أخبر الله عز وجل بها في كتابه: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55] .

    وفي محاجة إبراهيم لقومه لما خوفوه أن يصيبه المكروه، فقال لهم: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81] ، فجاءه الجواب: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] .

    كلما كنت مخلصاً لله موحداً لله كلما كنت أوفر حظاً من الأمن والإيمان، الأمن قرين لطاعة الله وإقامة شرعه، ليس ادعاءً بالباطل؛ لأن في هذا الدين من مقومات الأمن ما لا يوجد في غيره من الأنظمة والقوانين.

    1.   

    الضروريات التي جاءت الشريعة بحفظها

    الضروريات الأساسية والمقومات الأساسية للشريعة جاءت لتحفظ على الناس دينهم، وأموالهم، وأنفسهم، وأعراضهم، ونسلهم، وسماها الفقهاء: الضروريات الخمس، يعني: تشريعات الإسلام كلها تصب في سبيل الحفاظ على هذه الضروريات.

    حفظ الدين

    الضرورية الأولى: أن تحفظ للإنسان دينه، فأمرت الولاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمرت الرعية بالسمع والطاعة، ومناصحة ولاة الأمر، وعدم الخروج على جماعة المسلمين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أفرادهم بأن يقدموا المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأن يؤثروا مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، وأن يتناسى الواحد منهم شخصه في سبيل أن تقوم مصلحة الجماعة، قال لهم وهو يخاطب الأنصار الذين آووا ونصروا, بذلوا أموالهم في نصرة دين الله، وبذلوا ديارهم مأوى لإخوانهم المجاهدين المهاجرين في سبيل نصرة دين الله، هذا الفريق الذي قدم ما قدم, يقول لهم عليه الصلاة والسلام: ( وإنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) .

    (سترون بعدي أثرة) سيستأثر الناس بالخيرات، وسيستأثر الناس بالمناصب وتولي الوزارات, ( فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) .

    وجعل من النصيحة مناصحة ولاة الأمر بألا تخرج عليهم ما داموا يقيمون دين الله، قال: ( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة )، فالصبر عليهم خير من زعزعة الأمن وإقلاقه، ما داموا مقيمين لدين الله.

    حرم الله عز وجل شق عصا الجماعة، والخروج على الأمة بحيث يستبيح الإنسان البر والفاجر دون تمييز بين أحد منهم، وما ذاك إلا للحفاظ على هذا الدين.

    فهذه ضرورية من ضروريات الحياة: الحفاظ على دين الأمة، وما يقوم به هذا الدين من وحدة الجماعة، وقيام رئيس عليها مطاع معزز مكرم مع الصبر على ما فيه من معايب ما دام الدين قائماً، والحق منصوراً، فإننا لا يمكن أن نظفر في هذه الحياة بكل ما نتمناه، ولا يمكن للجميع أن يظفروا بما أرادوا، ولم يبق إلا الموازنة بين المصالح ودرء المفاسد الكبيرة بارتكاب المفاسد الصغيرة وترك المصالح الصغيرة من أجل أن تبقى المصالح الكبيرة، وبهذا تقوم حياة الناس.

    حفظ أرواح الناس ودمائهم

    الضرورية الثانية: الحفاظ على أرواح الناس، على دماء الناس، فجعل دم الإنسان المعصوم مسلماً كان أو كافراً في أمان وعصمة: ( ولا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ).

    أما المعاهد وهو كافر الذي دخل بلاد المسلمين بعهد ثم سيخرج منها فضلاً عن الكافر الذي يعيش في بلاد المسلمين بأمان منهم، ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ) .

    وما هذا إلا تعظيم من هذه الشريعة لدماء الناس, ولهذا الشرع أن يرفع الإنسان حديدة على أخيه ولو مازحاً؛ لأنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فتقع هذه الحديدة على أخيه فيندم حين لا ينفع الندم.

    حفظ المال

    الضرورية الثالثة: جاءت هذه الشريعة بحفظ المال، فقال صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه )، قالوا في بعض المواقف: ( يا رسول اللهَ! ولو كان قضيباً من أراك؟ ) ولو كان عود السواك ( قال: ولو قضيباً من أراك ).

    بل أبلغ من هذا أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يأخذ الواحد منا عصا صاحبه مازحاً، حرم عليك أن تأخذ عصا صاحبك, وأن تخفيها عنه وإن كنت مازحاً؛ لما في ذلك من الترويع له بأخذ ماله، فالمال شقيق الروح، فحرم على الإنسان أن يدخل الأذى على أخيه الإنسان ما دام معصوم المال ولو بالشيء التافه من ماله، ( ولو قضيباً من أراك ).

    حفظ العقول

    الضرورية الرابعة: جاءت هذه الشريعة بأمن العقول وأمرت بالحفاظ على عقول الناس، فحرمت المسكرات, وأمرت ولاة الأمر بأن يقيموا الحدود إذا ما تجاوز الناس حدود الله وانتهكوا حرماته، وجاهروا بفعل هذه المعصية، وأخبر عليه الصلاة والسلام بأن ( حداً يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً ).

    وقد جاءت الشريعة بتحريم المسكرات بأنواعها واختلاف أشكالها للحفاظ على عقل هذا الإنسان.

    حفظ العرض

    الضرورية الخامسة: جاءت الشريعة بالحفاظ على عرض الإنسان فحرمت الاعتداء على الحرمات، وجعلت طريقا ًواحداً لقضاء الشهوة والأرب وهو الزواج الشرعي بعقد النكاح الصحيح بحضور الشهود؛ لصون أعراض الناس، وحرمت ما وراء ذلك، فحرمت عليك النظر إلى ما حرم الله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] ، وحرمت عليك أن تمس يدك يد امرأة لا تحل لك، وحرمت عليك أن تخلو بامرأة أجنبية، و ( ما خلا رجل بامرأة أجنبية إلا كان ثالثهما الشيطان )، وجعلت الزنا إحدى الموبقات الكبائر السائقة إلى نار الله تعالى.

    وأبلغ من ذلك أنها حرمت عرضك بالنيل في غيبتك بأيسر شيء وبأدنى شيء يسيء إليك، فقال عليه الصلاة والسلام وهو يفسر الغيبة: ( ذكرك أخاك بما يكره ) .

    بل جعل عليه الصلاة والسلام نيلك لعرض أخيك من أربى الربا، إذا كان الربا الحرام الموجب للنار هو أن تأخذ مال أخيك درهماً أو درهمين ظلماً وعدواناً، فإن عرضه أغلى عنده من دراهمه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه )، حرمت النيل من أعراض الناس بغير حق.

    وجاءت هذه الشريعة بالحفاظ على الذرية، بالحفاظ على النسل، فنسبت المولود إلى صاحب الفراش صوناً لأنساب الناس، وحتى لا يكثر في الناس أدعياء النسب، وحتى لا تضيع في المقابل أنساب الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ).

    حين تقوم هذه الضروريات، وحين يسود في الناس هذا الشرع، وحين يحكموا في رقاب الناس هذا الدين، ويشرع للناس حفظ هذه الضروريات، فلكم أن تتصوروا بعد ذلك ما هو الأمن الذي سيعيشه الناس؟ وكيف سيتمتع الناس برغد العيش في ظلال شريعة الله؟

    هذه الدعوات التي نسمعها صباح مساء المنادية بالدولة المدنية, إن صدرت من بعض المسلمين الذين يزعمون بأن الدولة المدنية هي ضد الدولة العسكرية، ويقصدون بذلك إزاحة تولي العسكر والدكتاتوريات الظالمة فهذا معنى حسن مقبول.

    أما أرباب العلمانية، أما الحداثيون، أما تلاميذ الغرب الذين يريدون إقناع الجماهير العربية بأن الدولة المدنية التي لا تحكم بدين الله، التي تعطي ظهرها لشرع الله هي الدولة التي ستحقق لهم رغد العيش، وستحل في ساحتهم الأمان حين تسود، فإنهم يبيعون للناس الوهم، ويسوقون الناس إلى الدمار، فإن الخراب كل الخراب بأن تحكم شرائع الناس وتنحى شريعة الله، فهو الإفساد في الأرض بعد إصلاحها.

    نهى الله عز وجل عن إفساد هذه الأرض بعد أن أصلحها وأتم إصلاحها بدينه وشرعه، فمن أراد الأمن والإيمان فلا طريق إلى ذلك إلا في طاعة الرحمن سبحانه وتعالى.

    1.   

    الأمن سبيل تحقيق مقاصد الحياة

    بالأمن يا إخوان! تتحقق مقاصد الحياة فيزهر الدين وتنمو الدنيا، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يستقبل الأجزاء الجديدة من الزمان والحياة في مطلع كل شهر حين يرى الهلال، يقول: ( اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ) .

    إذا أهل الهلال دعا ربه بأن يجعله مصحوباً بالأمن، مصحوباً بالأمان؛ لأنه إذا تحقق الأمن والأمان قامت مصالح الناس على الحقيقة، وإذا ظفر الناس بالأمن في حياتهم أمنوا على ضرورياتهم فلا تضرهم القلة، ولا يضرهم الفقر، ولا تنقصهم العيلة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) .

    حين تصبح آمناً معافى عندك رزق يومك فإنك قد ملكت الدنيا بحذافيرها, فماذا تريد بعد ذلك؟ لا قيمة للعيش ولا للحياة وإن توفرت مقاصد الحياة إذا انعدم هذا الأمن.

    فالأمن مطلب للجميع، ولهذا أمر الله عز وجل بشكره، وأن نتذكر هذه النعمة لتكون باعثاً لنا على طاعته، واستغلالها فيما يرضيه، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4] ، وقال: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239] .

    إذا أمنتم فاشتغلوا بشكر الله وذكره، اشتغلوا بطاعة الله تعالى.

    1.   

    كفر النعم سبب سلبها

    جرت سنة الله بأنه ينزع هذه النعم بعد أن يسبغها إذا كفرها الناس، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112] ، ليس الكفر المخرج من ملة الإسلام, ولكنه كفر النعمة، أن يكفر الإنسان النعمة فيسخرها في غير ما خلقها الله عز وجل له، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ))[النحل:112].

    لا تسل كيف ينزع الله عز وجل الأمن؟ إذا كفر الناس النعمة هيأ الله عز وجل أسباب الاختلاف، فنشأت الطوائف في بلد كان ظاهره الاتحاد، وقام الخوف في بلد كان يعيش في أمن، في بلدان من حولنا يمينا ًوشمالاً، وأعلى وأسفل، نرى أنواع التمزق، وأنواع الاختلاف والاحتراب بأسباب هيأها الله لما كفرت المجتمعات نعمة الله.

    نحن أحوج ما نكون يا عباد الله! أن نشتغل بتوفير أسباب الأمن، وشكر نعمة الله تعالى على هذه النعمة العظيمة.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يديم علينا نعمته، وأن يجيرنا من زوالها، إنه على ذلك قدير.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    تذكر حال من فقدوا الأمن وإعانتهم والاهتمام بهم

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إخوتي في الله! ومن تذكر هذه النعم أن نتذكر إخواناً لنا مسلمين زالت عنهم هذه النعمة فعاشوا خوفاً بعد أمن، أزهقت أرواحهم، وسالت دماؤهم، واقتحمت حرماتهم، ودمرت بيوتهم، وشردوا من أوطانهم، ليس لشيء إلا لأنهم يريدون حقوقهم، ويسولون للناس أنهم لن يظفروا بشيء من الأمن إلا إذا عاشوا في ظل تلك الدكتاتوريات الظالمة الجائرة، إنه الأمن المزيف، الأمن الذي تعيش به آمناً على روحك متى شاءوا في ظل إهدار كل حقوقك، فلا دينك يعمر، ولا حقوقك تصل، في ظل من أجل أن تحيا آمناً على روحك أيضاً إذا شاءوا.

    إنه أمن مقلوب، أمن مغشوش، أما الأمن الذي جاءت به شريعة الإسلام فهو أمن على الدماء والأموال والأعراض والأنفس والحرمات، وهذا لا يتحقق في ظل تلك الدعاوى.

    نحن بحاجة أن نتذكر هؤلاء الإخوان, وهم إخوان لنا جمعتنا بهم العقيدة في الله والدين الخالص لله واستبيحت تلك الحرمات على مرأى ومسمع من الجميع، وأعدادهم التي تقتل لم تعد تحرك ساكناً في الناس، يقتل منهم العشرات ولا تتحرك تلك الأنظمة الجائرة الظالمة التي صارت تطارد بعض الزعماء لمقتل عشرات في بلدانهم, وهؤلاء الذين يقتلون بالآلاف لا يتحرك لمقتلهم أحد، إنها أهواء البشر حين تحكم قوانين الغاب، هؤلاء رفعوا راية صريحة ليس لنا سواك يا الله! وراياتهم تقول: يا مغيث أغثنا!

    فأقل ما نفعله يا كرام! أن نتذكرهم في دعواتنا، فندعو الله عز وجل لهم بأن يفرج عنهم ما هم فيه، فنقول: يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! فرج عن المسلمين في سوريا ما هم فيه يا رب العالمين!

    اللهم يا ودود! يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد! نسألك بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تفرج عن المسلمين في سوريا وفي كل مكان ما هم فيه يا رب العالمين.

    اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، اللهم امكر لهم ولا تمكر عليهم، اللهم إنهم بحاجة إلى نصرك فانصرهم يا قوي يا عزيز!

    اللهم عليك بأعدائهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقطع عنهم إمهالك، اللهم اقطع عنهم إمهالك، اللهم اقطع عنهم إمهالك، اللهم عاملهم بعدلك يا قوي يا عزيز!

    اللهم يا ذا الجلال والإكرام! يا ذا الطول والإنعام! أمن الخائفين من المسلمين في كل مكان يا رب العالمين!

    اللهم أطعم جائعهم، واكس عاريهم، واشف مريضهم، وأمن خائفهم، واجبر كسيرهم، وارحم موتاهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم عليك بأعداء الإسلام فإنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز!

    اللهم أبرم لأمة محمد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويقصم فيه أهل عنادك يا قوي يا عزيز!

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    اللهم ول علينا خيارنا، ولا تول علينا شرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

    اللهم أتم علينا نعمتك، وانشر علينا فضلك ورحمتك.

    اللهم اجعل هذا البلد وسائر بلاد المسلمين أماناً رخاءً يا أرحم الراحمين.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756586996