إسلام ويب

المباح وغير المباح من المزاحللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المزاح هو الدعابة وهو نقيض الجد من قول أو فعل، وله أهداف منها: التسلية والتعليم والتربية والتخلص وغير ذلك، وهو مباح ولا ينبغي المبالغة فيه حتى تذهب الهيبة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه وزوجاته ويضحك عند مزاحهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يمزحون مع بعضهم، وكذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يمزحن مع بعضهن، وكذلك هناك مزاح مذموم وهو ما كان فيه هزل واستهزاء بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن أو أذية للناس.

    1.   

    تمهيد

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    في ليلة الإثنين، السادس والعشرين من شهر شوال، ينعقد -بحمد الله تعالى وتوفيقه- هذا المجلس، وهو الثاني عشر من مجالس الدروس العلمية العامة، وموضوع هذه الحلقة -كما كنت نوهت لكم في المجلس السابق- هو: الكلام عن المباح وغير المباح من المزاح.

    وأحب أن أقول للإخوة: إن هذا الدرس سيكون هو الدرس الأخير قبل إجازة الامتحانات، وإن كنت وعدتكم في المجلس السابق أن آخذ رأيكم، لكني فكرت في الموضوع، فوجدت عدة أمور تدعو إلى إيقاف الدرس في هذه الفترة الوجيزة، منها أن عدداً من الإخوة الطلاب -لا بأس بهم- من الحضور، وهم يطلبون ويتمنون الإيقاف حتى لا يفوتهم شيء.

    ومنها -وهذا هو السبب الثاني-: أن الإخوة في خارج هذا البلد ممن يتابعون هذه الدروس -أيضاً- تفوتهم متابعتها أثناء الاختبارات؛ لأنهم لا يوجد لديهم وقت لاقتناء الشريط أو سماعه فيفوت عليهم، والسبب الثالث: هو أن عندي أعمالاً كثيرة، من تحرير بعض المسائل، وتصحيح بعض الكتب، ومراجعة بعض الأمور.

    وكنت أؤجل وأسوف؛ رجاء أن توجد الفرصة، فرأيت أن فرصة الامتحانات يمكن أن أستفيد منها في بعض هذه المسائل؛ ولذلك سيكون هذا الدرس -كما قلت- هو الدرس الأخير، أما استئناف هذه الدروس فسيكون -بإذن الله تعالى- في ليلة الإثنين، الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة.

    وفي مثل هذه الأمسية بعد صلاة المغرب، سوف ينعقد المجلس الثالث عشر، وسيكون موضوع ذلك المجلس -إن شاء الله تعالى- حول حكم النكت والطرائف وما يتعلق بها، وهو يعتبر مكملاً ومتمماً لهذا موضوع، ولكن هذا الموضوع مستقل وذاك موضوع مستقل، ليس لأحدهما ارتباط ضروري بالآخر، وإن كانا من حيث الموضوع متكاملين.

    وفي موضوع: ما يباح وما لا يباح من المزاح، سوف أتحدث في عدة نقاط.

    تعريف المزاح

    المزاح: هو الدعابة، وهو نقيض الجد من قول أو فعل، والمزاح أمر جبل عليه الإنسان في أصل طبيعته، ويستخدمه الإنسان لأغراض شتى.

    من أهداف المزاح

    فمن الناس من يمزح بقصد التسلية، لأنه إذا كثر عليه الجد وثقل عليه، فإنه يمل ويكل، فيلوذ ويلجأ إلى شيء من الدعابة والمزاح، وهذا جاء في حديث حنظلة بن الربيع، ففي صحيح مسلم {أن حنظلة بن الربيع الأسيّدي رضي الله عنه قال لـأبي بكر: نافق حنظلة، إنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حال، فإذا خرجنا من عنده عافسنا الأولاد والأزواج والضيعات ونسينا كثيراً.

    فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله إني لكذلك، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نافق حنظلة...، وفي الأخير قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تدومون على ما تكونون عندي؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة}.

    أي: ساعة تعبد وجد وإقبال، وساعة يجلس الإنسان فيها مع أهله ومع أولاده، ويستمتع بما أباح الله تعالى له من أمور الدنيا، ويدخل في ذلك مداعبة الأهل والأطفال والأصحاب والأحباب وغير ذلك.

    وقد يكون من أهداف المزاح أحياناً: التعلم.

    فإن التعلم يكون باللعب كما يكون بالجد، وأنت ترى أن الله -جل وعلا- فطر الصبيان الصغار على اللعب بأشياء مما يحتاجونها في كبرهم، فأنت تجد الطفلة الصغيرة تأتي إلى وسادتها، وتحزمها وتعدها بنتاً لها وتسميها، وتحملها وتضعها على حجرها، وتقبلها وتضمها وتغضب إذا أوذيت، وهذا يتناسب مع الجبلة التي خلقت من أجلها المرأة.

    وكذلك الصبيان يجلسون فيصنعون البيوت ويصنعون الأشياء، ويتدربون على الأعمال التي سوف يعانونها في الكبر، فالمزاح واللعب -أحياناً- يكون للتعلم، كما يكون التعلم بالجد.

    وقد كشف في وسائل التربية الحديثة: أن المعلم يحتاج إلى أن يُدخل على طلابه -أحياناً- نوعاً من الطرف ليبعد عنهم السآمة والملل، وهذا كان موجوداً عند علمائنا السابقين، فكان بعضهم يستخدم مع طلابه أساليب للتعليم، مثل أن يسألهم، أو يجعل لهم لغزاً يسمونه "المعاياة" يعاييهم فيه -أي: يعجزهم في الجواب عنه- إلى غير ذلك من الأشياء التي تطرد السآمة والملل، وتعين المتعلم على ما هو بصدده.

    وقد يكون المزاح واللعب -أحياناً- للتخلص من الخوف أو القلق أو الغضب أو غيرها، فإن الإنسان إذا مزح أدخل على قلبه شيئاً من التسلية والسرور، وأزال ما يخاف منه أو خفف من ذلك، وهذا يقوله العلماء المعاصرون، لكن في هدى النبي عليه الصلاة والسلام ما يشبه هذا.

    ففي الحديث المتفق عليه، حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته، حين تخلف عن غزوة تبوك، يقول رضي الله عنه: {فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم تبسم المغضب}.

    إذاً الابتسامة أحياناً تكون من الفرح والسرور والاستبشار، وأحياناً تكون من الغضب، فيتبسم الإنسان لأن من سجيته الكرم والخلق الحسن، حتى وهو مغضب، ويدل حاله على أن هذا التبسم ليس تبسم الرضا، وإنما هو تبسم الغضب.

    وقد يكون المزاح -أحياناً- للتخلص من موقف صعب، فإن كثير من الناس كانوا -ولا زالوا- يتعرضون لمواقف صعبة، إما مع حاكم أو أمير أو قاض، أو زوج مع زوجته أو زوجة مع زوجها، أو تلميذ مع شيخه أو ما أشبه ذلك.

    فيكون موقفاً صعباً، ليس له جواب إلا إذا كان هذا الإنسان عنده طرف وسرعة بديهة -كما يقولون- فيتخلص من صعوبة هذا الموقف؛ بأن يأتي بمزحة مناسبة؛ فيضحك منها الشيخ أو الأمير أو الشخص المعني، ثم يزول ما به من الغضب، ويعفو ويصفح عن الطرف الآخر، ومثل هذا كثير في كتب اللغة والأدب وغيرها.

    وقد يكون المزاح على سبيل الملاطفة والملاينة، وتطييب خاطر من يقابلك؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} فإنك إذا تبسمت له، تعرب له عن محبتك وسرورك بمقدمه، وأن قلبك لا يحمل له إلا الود والحب، فهذه بسمة يعبر فيها الأخ المسلم عن حبه لأخيه حين يلقاه، فعدها النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات، كأنك أخذت مالاً وأعطيته إياه؛ لأنك تدخل السرور على قلبه بذلك.

    ولهذا يقول جرير رضي الله عنه: {ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم} متفق عليه فكان يبتسم له صلى الله عليه وسلم لأنه كان يحبه، ويقول: عليه مسحة ملك. وكان لا يثبت على الخيل، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له، وأمره أن يذهب إلى ذي الخلصة -وهو صنم كانت تعبده العرب في الجاهلية- فيهدمه، ففعل رضي الله عنه وأرضاه.

    العرب تحب المزاح وتكره الاكفهرار

    وضد المزاح والتبسم: العبوس والتقطيب والجد والصرامة.

    والعرب كانت تمتدح بالأول، وتذم بالثاني، فإذا أرادت العرب أن تمدح شخصاً قالت: فلان بسام الثنايا، طلق الوجه، بشوش للضيف، ويعتبرون هذا مما يمدح به الإنسان؛ لأنه يدل على كرم أخلاقه، وحسن معشره وطيب معاملته، وقد يذمون بالآخر وهو الاكفهرار والعبوس.

    فيقولون: فلان عبوس الوجه، جهم المحيا، كريه المنظر، حامض الوجه، كأنما وجهه بالخل منضوح، أي: كأنما وضع الخل على وجهه فلشدة حموضته قطب واكفهرت أساريره، وكأنما أسعط خيشومه بالخردل، أي: كأنما وضح الخردل في أنفه سعوطاً فكان مقطباً: فالعرب تمدح بالأول وتذم بالثاني.

    ولاشك أن العرب يقصدون الأمر المعتدل من ذلك، وإلا فإن المزاح -كما سيأتي- إذا زاد وتعدى كان مهانة وذلاً وضعةً من قدر صاحبه، كأن يجرئ عليه الصبي الصغير، والسفيه والأحمق والجاهل، فإنما يقصد العرب من ذلك: ما يكون على حد الاعتدال والتوازن، لا إفراط ولا تفريط؛ ولذلك يقول أبو تمام -يمدح رجلاً-:

    الجد شيمته وفيه دعابة      طوراً ولا جد لمن لا يلعب

    فبين أن الجد هو شيمة هذا الإنسان -الأصل عنده الجد- لكن ليس دائماً، ففيه دعابة وفيه فكاهة، (طوراً) أي: حيناً، ولا جد لمن لا يهزل، فإن الإنسان إذا داوم شد الحبل على نفسه فإنه ينقطع، وهذا حتى في سياسة النفس ينبغي أن يتفطن إليه، ولذلك قال عمر رضي الله عنه: [[يعجبني أن يكون الرجل في بيته صبياً]].

    وكان عمر رضي الله عنه وهو الخليفة أحياناً يكون في بيته فيتغنى بأبيات من الشعر، يقرؤها بلحون العرب، كما يردد الواحد منا بيتاً في بيته -أي: بيتاً من الشعر- فربما طرق أحد الباب فسمع عمر وهو يردد هذا البيت من الشعر أو ذاك.

    وحتى الجبابرة والمتسلطون يقع منهم ذلك، سئل الحجاج يوماً عن موقفه ومعاشرته مع أهله، فقال: والله ما تعدوننا إلا شياطين، والله لقد رأيتني وأنا أقبل رجل إحداهن. أي: رجل إحدى زوجاته، فهذه الأشياء لابد منها لكل إنسان، وهي جبلة فطر عليها المرء، ولا مفر له منها، لكن ينبغي أن يكون -كما أسلفت- على حد القصد والاعتدال، لا يخرج إلى إفراط ولا إلى تفريط.

    1.   

    مزاح سيد المرسلين

    أما النقطة الثانية في هذا الدرس فهي: مزاح سيد المرسلين وإمام المتقين، وقدوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    لاشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القدوة في كل أمر، وكان عليه الصلاة والسلام يعاني من أمور الدعوة والتبليغ، والإصلاح، والأمر والنهي والجهاد وغير ذلك، ما لا يعانيه غيره، فلا أحد يستطيع أن يقول إنه مشغول أكثر مما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولاً، ولا جاد أكثر مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاداً، ولا ورع أكثر من ورعه صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة في ذلك كله.

    ولاشك أن الرسول عليه السلام كان الغالب على حياته الجد، وقد بان الشيب على مفرقه عليه الصلاة والسلام قبل أوانه، فقيل له شبت يا رسول الله! فقال: {شيبتني هود وأخواتها، وقال: حم، وعمَّ يتساءلون، وإذا الشمس كورت} وهذا حديث ورد من طرق كثيرة صححه بها بعضهم، وإن كان بعض أهل العلم أعلَّوه بالاضطراب، لكن معناه صحيح.

    وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان غالب صلاته في آخر عمره وهو قاعد بعد ما حطمه الناس} أي: من كثرة دخول الناس وخروجهم عليه وسؤالهم له وحاجتهم؛ حَطَمُوه فتأثر بذلك وأسرع إليه الشيب صلى الله عليه وسلم.

    ومع ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان له مزاح يسلي به أصحابه، ويسري به عن القريب والبعيد.

    نماذج من مزاحه صلى الله عليه وسلم

    وأذكر نماذج من مزاحه صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك: كثرة تبسمه وممازحته صلى الله عليه وسلم لأصحابه، كما سبق في حديث جرير: {أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رآه إلا تبسم}.

    وقد روى الترمذي، وأحمد وغيرهما، عن عبد الله بن الحارث بن جزء، وهو حديث حسن، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، أنه قال: {ما رأيت أكثر تبسماً من النبي صلى الله عليه وسلم}.

    وفي حديث p=1000136>أبي هريرة

    رضي الله عنه أنهم قالوا: {يا رسول الله، إنك تداعبنا -أي تمازحنا- فقال: نعم، لكني لا أقول إلا حقاً} رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.

    وقد جاء عن ابن عمر عند الطبراني، وسنده حسن -أيضاً- وجاء عن بكر بن عبد الله المزني وغيرهم {إنك تداعبنا. قال: نعم، ولكني لا أقول إلا حقاً}.

    ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخاطب خادمه أنس بن مالك فيقول له: {يا ذا الأذنين} وهذا الحديث رواه الترمذي في الشمائل، وهو كما قال الترمذي: حديث صحيح غريب.

    و(يا ذا الأذنين) مزاح؛ لأن كل إنسان له أذنان، فقوله لـأنس: {يا ذا الأذنين} هذا على سبيل الممازحة.

    ومن ذلك -أيضاً- قوله لأخي أنس من أمه: { يا أبا عمير ما فعل النغير -وكان له نغر يلعب به، فمات هذا النغر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو عمير كسيف حزين- فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ -العصفور- فقال: مات يا رسول الله} وكان هذا على سبيل الدعابة والممازحة له.

    ومن ذلك: ما رواه أنس -أيضاً- {أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: احملني يا رسول الله -أي أعطني شيئاً أركب عليه للغزو والسفر- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنا حاملوك على ولد الناقة -ففهم الأعرابي: أن ولد الناقة هو الجمل الصغير- فقال: وما أفعل بولد الناقة يا رسول الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق؟!}.

    والحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب، ورواه أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده.

    ومن ذلك: حديث أنس -أيضاً- الذي رواه الترمذي في الشمائل، وسنده صحيح {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له رجل من الأعراب اسمه زاهر الأسلمي، فكان هذا الرجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدايا مما يستطرف من هدايا البادية، من الأقط والسمن وغيرها.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي له أيضاً، فيقول عليه السلام: إن زاهراً باديتنا ونحن حاضرته، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فوجد زاهراً يبيع في السوق ولم يعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتسلل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه واحتضنه وقال: من يشتري العبد من يشتري العبد؟ فالتفت زاهر فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: إذاً تجدني كاسداً يا رسول الله. قال: لكنك عند الله لست بكاسد}.

    وفي رواية قال: {لكنك عند الله غالٍ} والحديث -كما أسلفت صحيح- وفيه ما كان فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من البساطة والممازحة، وتطييب أصحابه بما يناسبهم مع عدم الكذب، فإن زاهراً كان عبداً لله عز وجل ولا شك.

    والحديث قال عنه ابن كثير أيضاً: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه على ذلك الشيخ الألباني، وقال الحافظ ابن حجر: حديث صحيح.

    ومن ذلك: ما رواه الترمذي والبيهقي عن الحسن البصري مرسلاً، وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها عند الطبراني والبغوي في تفسيره، وهو حديث حسن:{أن امرأة عجوزاً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن أكون من أهل الجنة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة عجوز، فكأن هذه المرأة خافت ووجلت.

    فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:35-38] فذهب ما بها وعرفت مراده صلى الله عليه وسلم}.

    هذه نماذج من مزاحه صلى الله عليه وسلم ومداعبته مع أصحابه.

    الأحاديث والأخبار الواردة في ضحكه وتبسمه صلى الله عليه وسلم

    أما الأحاديث والأخبار التي كان يقولها صلى الله عليه وسلم، فيضحك أو يتبسم بعض من حوله من أصحابه، فهذا كثير جداً، لو جمع لكان في مجلد، لكنني أذكر نماذج سريعة منه.

    فمن ذلك: حديث أبي ذر في صحيح مسلم {أن الله تعالى يدني عبداً من عباده يوم القيامة، فيقول له: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ ويقول لملائكته: اذكروا له صغار ذنوبه ونحو عنه كبارها، فيذكرون له الذنوب الصغيرة، حتى إذا انتهت قال الله عز وجل: فإني قد أبدلتها لك حسنات -لأنه قد تاب منها، فأبدلها الله تعالى له حسنات-.

    فهذا الرجل قال: يارب! عملت ذنوباً لا أراها هاهنا!، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه} أي: أن هذا الرجل عندما كانت الذنوب الكبائر مستورة عنه وكانت عليه سكت ولم يثر الموضوع، لكن لما عرف أنها صارت في صالحه، وأنها بدلت حسنات، صار يطالب بها، ويقول: عملت ذنوباً لا أراها هنا، أين الكبائر التي عملتها؟ لأنه يعلم أنها ستبدل إلى حسنات!!.

    ومن ذلك -أيضاً- ما ورد في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع -يريد أن يزرع- فقال الله عز وجل: ألست فيما أغنيتك به يا عبدي؟! قال: يا رب، ولكني أحب أن أزرع. قال: فيأذن الله تعالى له بذلك، فيكون بذره وزرعه ونماؤه ونضجه وحصاده في لحظة واحدة، فقال رجل من الأعراب -كان حاضراً عند الرسول صلى الله عليه وسلم-: والله يا رسول الله، لا تجد هذا الرجل إلا قرشياً أو أنصارياً، أما نحن فلا حاجة لنا في الزرع؛ فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه} وله من ذلك شيء كثير -كما أسلفت-.

    1.   

    مزاح بعض الصالحين

    أنتقل إلى النقطة الثالثة وهي: مزاح بعض الصالحين.

    التبادح بالبطيخ

    ولا شك أن الصالحين إذا ذكروا فحيهلاً بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أصلح الناس بعد الأنبياء، وكانوا يتمازحون، ولعل من عجيب وغريب تمازحهم، مما قد تستغربه النفوس ولا تألفه، ما رواه البخاري في كتاب الأدب المفرد، بسند صحيح رجاله ثقات: {أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال}.

    كانوا يتبادحون أي: يحذف بعضهم بعضاً بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.

    تذاكر أمور الجاهلية

    عائشة وسودة

    من مزاح أصحابه رضي الله عنهم: ما جاء عن عائشة وسودة رضي الله عنهما {أنهما كانتا في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صنعت عائشة طعاماً خزيرة، فقربتها، وقالت لـسودة: كلي، فقالت: لا أشتهيه، فأمرتها بأن تأكل وإلا عاقبتها، فلم تأكل سودة؛ فأتت عائشة ومسحت وجهها، وكان عليها أثر الطعام، فأرادت سودة أن تقتص منها، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ففعلت بـعائشة مثل ما فعلت عائشة بها، والرسول صلى الله عليه وسلم يضحك}.

    وهذا الأثر رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح قال الحافظ العراقي: وسنده جيد.

    وممن اشتهر بالمزاح: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وp=1000136>أبو هريرة

    وأبي بن كعب، فإن كثيراً من هؤلاء كانوا مشهورين بالمزاح، وفي كتب الأدب والسير من ذلك شيء كثير يطول ذكره.

    وهناك كتيب اسمه المراح في المزاح، للغُزِّي، ذكر طرائف وأشياء من هذا القبيل، وبعضها مما أستغربه وأستبعده، وأظن أنه مفترى على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأَبْعدُ أن يصدر منهم.

    مزاح نعيمان

    ومن أكثر، بل لعله أكثر الصحابة اشتهاراً بالمزاح، رجل اسمه نعيمان وهذا له ذكر في صحيح البخاري، في كتاب الوكالة فيما أذكر، وكان يشرب الخمر، ففي صحيح البخاري {أنه جيء به في البيت شارباً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فضرب، قال الراوي: فكنت فيمن ضربه}.

    وورد في موضع آخر {أن رجلاً جيء به قد شرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلد، فقال رجل من الحضور: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به! فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: لا تعن الشيطان على أخيك، وقال: إنه يحب الله ورسوله} ويحتمل أن تكون القصة وقعت لشخص واحد، ويحتمل أن تكون لشخصين والله تبارك وتعالى أعلم.

    المهم أن نعيمان هذا من أكثر المزاحين، {كان إذا وجد في السوق شيئاً يباع -عسلاً أو شيئاً طريفاً يباع- اشتراه، وقال للبائع: أذهب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيعطيه الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: هذا لك هدية، وبعد قليل يأتي البائع إلى للرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه الثمن، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذه إحدى هنات نعيمان، وكان هذا يحدث كثيراً فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: ما حملك على هذا؟ يقول: يا رسول الله، رأيت شيئاً حسناً أحببته لك، ولم يكن معي ما أشتريه به}.

    و نعيمان وردت له قصص كثيرة، في صحتها نظر، لكن من أصح ما ورد: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أم سلمة رضي الله عنها، ورواه أيضاً الطيالسي وابن ماجة وغيرهم، بسند فيه رجل يقال له زمعة بن صالح، وزمعة بن صالح هذا فيه مقال، وإن كان مسلم خرج له في الصحيح، ولكن فيه ضعف يسير.

    والحديث له شاهد آخر عند الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح: {أن أبا بكر رضي الله عنه خرج في تجارة إلى الشام، إلى بصرى، قبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سنة.

    وكان معه نعيمان هذا، ومعه رجل اسمه سليط بن حرملة، وكان سليط بن حرملة هو المسئول عن التموين في تلك السفرة، فجاء إليه نعيمان يوماً، وقال له: أطعمني، فقال له: لا، حتى يأتي أبو بكر، فألح عليه فقال: لا، حتى يأتي أبو بكر، فقال: لأسوأنك، فمر قوم من العرب، فجاء إليهم نعيمان وقال: هاهنا عندي عبد فاره قوي جيد، أتريدون أن تشتروه مني؟ قالوا: نعم، قال: هاهو، ولكنه رجل لسن -لسانه طويل- فإذا شريتموه سيقول: أنا حر، أنا ابن عمه، أنا كذا أنا كذا، فإذا كنتم ستطلقونه فلا تفسدوا عليَّ عبدي، قالوا: لا، نحن نمسك به، فاشتروه منه بعشر قلائص -عشر نوق- فأخذها نعيمان.

    ثم جاء إلى سليط، فقال: هذا هو فأمسكوا به ووضعوا العمامة في عنقه وجروه، فقال: أنا حر، هذا يضحك عليكم، هذا يريد أن يسوءني، هذا ابن عمي، هذا كذا هذا كذا، قالوا: لا، قد أخبرنا أمرك. وذهبوا به، فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه، أخبره بالخبر فلحق بهم وأطلقه ورد إليهم قلائصهم، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يضحكون من هذه القصة حولاً كاملاً وهم يضحكون من هذا الخبر}.

    ولـنعيمان قصة مع مخرمة بن نوفل عجيبة جداً، ذكرها الزبير بن بكار، وذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة، وفيها: [[أن مخرمة بن نوفل كان رجلاً فقد بصره في آخر عمره -عمي وفقد بصره، أو ضعف بصره جداً- فكان في المسجد، فقام في يوم من الأيام ليقضي حاجته، فأمسك به نعيمان ودار به في المسجد، ثم أجلسه في ناحية منه، فلما قعد قام إليه الناس، وقالوا له: أنت في المسجد. فقال: من الذي جاء بي إلى هنا؟ قالوا: نعيمان، قال: لأفعلن به ولأفعلن -يهدده- فكان نعيمان يتهرب منه يوماً بعد يوم، حتى نسي مخرمة رضي الله عنه الخبر.

    فجاء إليه في يوم من الأيام وقال له: هل لك في نعيمان؟ -غيّر صوته- قال: أين هو؟ قال: هاهو في المسجد، قال دلني عليه بارك الله فيك. وكان هذا في عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، وكان عثمان بن عفان يتنفل في المسجد، فجاء حتى أوقفه على رأس عثمان، وقال له: هو هذا، فأمسك مخرمة بعصا كانت معه بيديه وضرب بها عثمان رضي الله عنه، فلما سلم عثمان التفت، فإذا هو مخرمة.

    فعرف أنه ضرب عثمان فقال: من دلني عليك؟ قالوا: نعيمان قال: لا جرم، لا تعرضت له بسوء أبداً]].

    وهذه القصة -كما قلت- ذكرها الزبير بن بكار، وذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة، وأنا في شك منها، أظن أنها لا تصح عنه رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن فيها تجاوزاً ومخالفة، يبعد أن تصدر منه، وإن كان البشر قد يخطئون، لكن الذي يظهر لي أنه ليس لها سند يعتمد عليه ويوثق به.

    المهم أنه كان من أشهر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دعابة، وله قصص كثيرة جداً أُعرض عنها لطولها -كما ذكرت- ولأنه لا جدوى من الإطالة بها والاستطراد وراءها.

    مزاح عمر بن الخطاب

    عمر رضي الله عنه على جلالة قدره وجده، كان له مزحات معينة، ولكنها كانت مزحات مقصودة يريد بها أن يربي من وراءه -كما سلف للتعليم- [[جاء أعرابي يوماً فصلى في المسجد ركعتين خفيفتين جداً، وكأنه أخل بالصلاة، ثم قال في آخر صلاته: اللهم إني أسألك الحور العين في الجنة. فلما سلم قال له عمر رضي الله عنه: لقد أسأت النقد وأعظمت الخطبة ]] أي: المهر الذي دفعته قليل والخطبة عظيمة، تريد الحور وصلاتك بهذه الصفة، لا تتم قيامها ولا قعودها ولا ركوعها ولا خشوعها وكان هذا منه رضي الله عنه على سبيل التعليم كما سبق.

    مزاح عمر بن عبد العزيز

    عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، يُذكر أنه لم يمزح بعدما ولي الخلافة إلا مرتين، أما فيما عدا ذلك فكان جاداً، لم يكن في حياته وقت إلا للجد، إحدى هاتين المرتين: يروى أن هناك رجلاً كان اسمه حُميد، وكان يسكن في قرية اسمها أمج قريبة من المدينة المنورة، وكانحُميد هذا رجلاً فاسداً فاسقاً يشرب الخمر، وكان يقول في شعره -يحدث عن نفسه:

    حميد الذي أمج داره      أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع

    يحدث عن نفسه، فبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وفي ذات يوم كان عمر بن عبد العزيز في مجلس -بعد زمان طويل- فسلم عليه رجل ثم قال: أتعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا حميد، فقال عمر بن عبد العزيز: حميد الذي أمج داره؟ -فهو يذكره بذاك البيت- فتبسم الحضور واكفهر هذا الرجل وضاق صدره، وحزن لذلك حزناً شديداً.

    وقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها منذ عشرين سنة، لأن هذا فيه تعريض بأنه كان يشرب الخمر؛ لأن آخر البيت أخو الخمر...، ففيه تعريض بشرب الخمر، قال: والله يا أمير المؤمنين، ما شربتها منذ عشرين سنة. فقال له عمر بن عبد العزيز: إنما أردت أن أباسطك بهذا، ولم أرد أن أسوءك، وهكذا أيضاً يكون المزاح في قصد التعليم.

    قصة خوات بن جبير

    ومما ورد من المزاح الذي يقصد منه التعليم قصة رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواها جماعة من الأئمة المحدثين الحفاظ، عن خوات بن جبير رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلع عليه يوماً من الأيام، في أول عهده بالإسلام، أو لعله قبل أن يسلم، وكان جالساً مع بعض النساء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أجلسك هاهنا يا خوات؟ قال: يا رسول الله، بعير لي شرد فأردت من هؤلاء النسوة أن يصنعن له عقالاً أو نحو ذلك.

    فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف من عنده ورجع وهو على حاله فقال: أما زلت على تلك الحال؟! فقام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما لقيه قال له: ما فعل بعيرك الشارد أو ما فعل شراد بعيرك؟ فكان يستحي بعد ذلك، ولا يحب أن يقابل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ خشية أن يذكره بذلك، حتى جاءه يوماً وهو يصلي فذكره بذلك.

    فقال: يا رسول الله عقله الإسلام، أو والله ما شرد منذ أسلمت} وهذه كلمة معبرة يفهم ما وراءها، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقصد منها النصيحة والتعليم، بالأسلوب الذي يناسب كل إنسان.

    مزاح الشعبي

    أما فيما يتعلق بالتابعين والأئمة، فإن من قصصهم وأخبارهم في المزاح شيء كثير، يطول ذكره -كما أسلفت- ولعلي أكتفي بأمثلة ونتجاوز ما عداها.

    من ذلك الشعبي، والشعبي إمام جليل، كان قاضياً لـعمر بن عبد العزيز، وكان ثقة حافظاً، حتى إنه كان يقول: والله ما كتبت سوداء في بيضاء، ولا سمعت حديثاً فاحتجت أن أكتبه، أو احتجت أن يعيده علي صاحبه مرة أخرى.

    وكان الحسن البصري يقول: [[كان قديم السلم -أي: قديم الإسلام- كثير العلم، عظيم الحلم]] فكان من أئمة التابعين وثقاتهم، لقي خلقاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال له رجل: ما لي أراك نحيلاً؟ -وكان ضئيل الجسم- فقال: لقد زحمت في الرحم، وكان ولد هو وأخ له آخر من بطن واحد.

    وسأله رجل عن اسم امرأة إبليس فقال: ذاك نكاح ما شهدناه، وجاءه رجل وهو جالس مع زوجته، فقال: أيكما الشعبي؟ فأشار إلى زوجته، وقال: هذا.

    مزاح الأعمش

    وكذلك الأعمش، كان من أكثر الظرفاء، وهو من أئمة الحديث الثقات، وله في ذلك طرائف كثيرة، منها: أنه حج، فغضب على الجمال فضربه حتى شج رأسه، فقيل له في ذلك، فقال: من تمام الحج ضرب الجمال.

    والغريب أن الذين صنفوا في الأحاديث الموضوعة ذكروا هذا! على أن بعضهم ظن أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الأحاديث الموضوعة (من تمام الحج ضرب الجمال) ولا يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام الأعمش.

    وكذلك جاءه حائك يسأله هل تقبل شهادة الحائك؟ قال: نعم، تقبل إذا كان معه رجلين. فقال هذه وعدمها سواء. وهو أراد أن يتندر بذلك.

    مزاح القاضي شريح

    القاضي شريح، وهو قاض أيضاً [[جاء إلى حي من همدان فقاموا إليه وسلموا عليه وأكرموه وبجلوه، فقال لهم: يا معشر همدان، إني لأعرف أهل بيت منكم لا يحل لهم الكذب. فقالوا: من هم يرحمك الله؟ قال: ما أنا بمخبركم، ثم قام من عندهم فلحقوا به ميلاً، وهم يركضون وراءه ويقولون: أخبرنا رحمك الله. فلما أبى رجعوا، وهم يقولون: ليته أخبرنا من هم. ]] ومن المعروف، أن كل الناس لا يحل لهم الكذب، وإنما أراد أن يمازحهم ويباسطهم في ذلك.

    1.   

    أنواع المزاح

    أنتهي إلى النقطة الرابعة والأخيرة والمهمة وهي: قضية أنواع المزاح أو ضروب المزاح.

    والمزاح -أيها الأحباب-ضربان:

    المزاح المحمود

    وهذا المزاح المحمود هو ما كان على سبيل الاعتدال، لا يشوبه شائبة مما كره الله عز وجل أو حرم، ولا يكثر فيكون دليلاً على خفة عقل صاحبه أو حمقه، أو يكون سبباً لإهانته ومهانته وذلته وزوال هيبته، أو يكون حطاً من قدره، بل ويكون على سبيل الاعتدال، كما قال أبو الفتح البستي رحمه الله، وهو الشاعر الناظم الحكيم المعروف، صاحب القصيدة النونية المشهورة في الحكم والأمثال، قصيدة "عنوان الحكم" يقول أبو الفتح البستي في بعض شعره:

    أفد طبعك المكدود بالجد راحة     يجم وعلله بشيء من المزح

    ولكن إذا أعطيته المزح فليكن     بمقدار ما يعطى الطعام من الملح

    أفد طبعك المكدود بالجد راحة يعني إذا كثر عليك الجد فحاول أن تغير بشيء من المزاح؛ يجم: أي: تعود إليه قوته ونشاطه، وعلله بشي من المزح، "ولكن إذا أعطيته المزاح فليكن بمقدار ما يعطي الطعام من الملح": فإن الملح إذا زاد ضر -كما هو معروف- وكان سبباً في فساد الطعام.

    ومن المزاح المحمود المعتدل المزاح مع النظراء والإخوان بقصد التسلية وإزالة الهم عنهم، وإدخال السرور عليهم، كالتبسم إليهم والمباسطة والملاينة، وغير ذلك من الشيء الحسن، كما سبق من ضروب ذلك، وقد كان بعض الصالحين يكون كما كان إبراهيم بن أدهم وغيره، مع أصحابهم يمازحهم ويباسطهم ويلاينهم، فإذا جاء رجل غريب أعرض وانقبض وقال: هذا جاسوس، ثم ترك معه المزاح؛ وذلك لأن المزاح مع من لا تعرف قد يكون سبباً في المهانة؛ لأنه ربما يظن أن هذا دليلاً على خفة العقل أو الطيش أو قلة الفهم وهو كذلك.

    فلا ينبغي للإنسان أن ينطلق بالمزاح إلا مع من يعرف، أما من لا يعرف، فينبغي أن يبتسم في وجهه ويلين له القول، لكن لا يتسرع بشيء من المزاح لأنه يكون دليلاً على خفة عقله وقلة فهمه ونبله.

    ومن ذلك أيضاً المزاح مع الأهل والزوجة {فالرسول عليه الصلاة والسلام سابق عائشة فسبقته في المرة الأولى، فلما كثر وثقل بها اللحم سبقها، فقال عليه الصلاة والسلام هذه بتلك} وقصته في ذلك معروفة.

    ومنه: حديث أم زرع، وهو في صحيح البخاري، وهو حديث طويل، ومع ذلك كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالساً على كثرة مشاغله، وعائشة رضي الله عنها تقص له قصة حديث أبي زرع، وهو حديث طويل وفيه طرائف، وعبر وعجائب، وأنصحكم بأن تعودوا إليه وتقرءوه، وفيه من غريب الألفاظ وجميلها وبليغها مالا ينقضي منه العجب.

    وأصل الحديث: {اجتمعت إحدى عشرة امرأة في الجاهلية، فتعاقدن وتعاهدن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فقالت الأولى: زوجي العشنق إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، وقالت الثانية: زوجي مالك. وما مالك؟ له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك} وقالت الثالثة، والرابعة... -كل واحدة تذكر عن زوجها الزين والشين، وهو حديث عجيب-.

    والشاهد أن عائشة قالت في آخره: قالت الحادية عشر أم زرع تقول: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع؟ فذكرت أبا زرع وصفاته، ثم قالت: {أم أبي زرع، وما أم أبي زرع؟ -وذكرت صفات أمه-.

    ثم قالت: ابن أبى زرع مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. ثم قالت: ابنة أبي زرع ماابنة أبي زرع؟ غيظ جارتها، وطوع أبيها وأمها..

    المهم، قالت أم زرع: إن أبا زرع خرج من بيتها، فوجد امرأة جميلة، فنكحها وطلق هذه، قالت: فتزوجني رجل آخر فأناخ علي من النعم والإبل وكذا وكذا، وقال لي: كلي أم زرع وميري أهلك -كلى وأرسلي لأهلك- قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر إناء من آنية أبي زرع -لأن الحب للحبيب الأول-.

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة أنا لك كـأبي زرع لـأم زرع} هذا الحديث جاء في صحيح البخاري، وجاء في رواية: {أنه طلق وأنا لا أطلق}.

    من مباسطة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أيضاً لأصحابه قصته المعروفة مع عائشة حين قامت على كتفه تنظر إلى الحبشة في يوم العيد، وهم يلعبون في المسجد حتى سئمت ثم انصرفت رضي الله عنها.

    وكذلك كما في الصحيحين: {لما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن جابراً تزوج فقال له: بكراً أم ثيباً؟ قال: يا رسول الله بل ثيب قال: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك}.

    وفي رواية لـمسلم قال: {أين أنت من الجارية ولعابها} ولعابها أي: ملاعبتك لها، وذلك لأنه يكون بين الزوجين من المباسطة والملاعبة ما بيَّن الله تعالى في كتابه حيث قال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21].

    وقد كانت عائشة رضي الله عنها تلعب بالبنات، كما في الصحيحين، وكان معها صواحب لها، فإذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم يتقمعن -أي: يستحين من الرسول عليه الصلاة والسلام- وتخرج عائشة قالت:{فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسربهن إليها} أي: يجعلهن يذهبن إليها رضي الله عنها- فلا بأس أن يكون للإنسان وقت يباسط فيه أهله، ويطيب خواطرهم، ويلاينهم ويمازحهم.

    ولكن -وتفطنوا لما بعد لكن- كم هو مؤسف أن يكون الكثير منا ربما يقوم بهذا الواجب خير قيام، لكن لو نظرنا إلى الواجب الآخر، الذي سبق التنويه إليه في غير مناسبة، وهو تعليم الأهل وتفهيمهم، وأمرهم ونهيهم، وترغيبهم فيما عند الله، وحثهم على الخير؛ لوجدت الكثيرين مقصرين في هذا الأمر، وهذا خطأ، بل ينبغي أن يكون الإنسان قائماً بواجبه بقدر ما يستطيع هنا وهناك.

    ومن المزاح المحمود أيضاً المزاح مع الأولاد، ومن قصص النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين وغيرهما من ذلك الشيء الكثير، مما لا أريد أن أذكره؛ وذلك لأنني سوف أخصص -إن شاء الله- درساً عن الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، بعنوان: (أطفال في حجر رسول) فأدع الحديث عن هذا لتلك المناسبة إن شاء الله.

    ومن ذلك: ممازحة الإنسان في الأمور التي ليس فيما إثم ولا ضرر، ولا إفراط ولا غلو، ولا زيادة، فهذا مزاح محمود كما سلف.

    المزاح المذموم

    ما الضرب الثاني فهو: المزاح المذموم، أكثر مزاح الناس عبر العصور، يدخل في باب المزاح المذموم.

    والمزاح المذموم أنواع:

    منها: ما كان فيه هزل بشيء من ذكر الله تعالى، أو القرآن والحديث، أو العلم والعلماء، أو الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وقد ذم الله تعالى من فعل ذلك وهزل به، بل كفرهم، قال الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

    ولهذا قال أهل العلم: من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو الرسول أو القرآن فهو كافر، ولا فرق في ذلك بين الخائف والجاد والهازل إلا المكره.

    وقد جاء عند الطبري في تفسيره، وابن أبي حاتم في تفسيره بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنه {أن قوماً كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقالوا يسخرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنـزلت هذه الآية.

    قال ابن عمر: فلقد رأيت أحدهم متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه قالوا: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فلا يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول لهم: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66] }.

    فالمزاح والهزل بشيء فيه ذكر الله تعالى، أو الرسول أو القرآن أو العلم أو العلماء، هذا مما يجب أن يتقيه الإنسان. وما أكثر ما يتساهل فيه، ولو فتحت أي كتاب من كتب الأدب كتاب البيان والتبيين، أو رسائل الجاحظ بلوغ الأعراب، وكتب المحاضرات إلى غير ذلك؛ لوجدت كثيراً منها مليئة بالقصص والطرائف والأخبار والنوادر، التي تتندر بالأنبياء أو بالمرسلين أو بالقرآن، -ومع الأسف- أن بعض الناس قد يقرؤها ثم ينقلها ويرويها، دون أن يتفطن إلى تحريم ما فيها، فينبغي أن تكونوا حذرين -أيها الإخوة- من حكاية أي نكتة أو قصة أو طرفة، أو المزاح بشيء فيه ذكر الله تعالى أو الرسول أو القرآن.

    ولذلك كان أهل العلم والخلفاء وغيرهم، أشد الناس في هذه الأمور، كان عند أحد الخلفاء إنسان يمازح ويسمى نديم، يدخل السرور عليه، ويسمى مضحك أو حاكي، فكان يضحك الخليفة، ولكن كان الخلفاء -مع ذلك- إذا تعدى هذا المضحك حدوده أوقفوه بشدة، كما يروى أن هارون الرشيد كان يقرأ شيئاً من القرآن، من سورة "يس"، أظن أنها قوله تعالى: وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:22] أو نحو ذلك.

    المهم قام المضحك وقال له: لا أدرى لماذا تفعل هذا؟ (أو نحو ذلك)! فهو جاء بنكتة بمناسبة الآية، فغضب الرشيد وهدده وتوعده إن كرر مثل ذلك بأن يسوءه، ويلحق به الذل والمهانة، فكان الخلفاء ومن دونهم من العلماء وغيرهم، يمنعون الناس من أن يهزلوا بشيء يتعلق بالدين والوحي والشرع، فينبغي أن تصان هذه الأشياء.

    وبعض الصحفيين -أحياناً- ينقلون مثل هذه الأشياء، أو يقولونها من عند أنفسهم، ويقولون: موجودة في كتب الأدب. وهل كتب الأدب حجة؟!! وقد أعطاني بعض الشباب -ولعل هذا يكون مجال للحديث عنه في الدرس المخصص للنكت والطرائف كما ذكرت لكم كتاب نوادر جحا، يباع في الأسواق في مجلد يمكن أن يشتريه الواحد بأربعين ريال، أو ثلاثين ريالاً!! فإذا فيه من ذلك شيء كثير، لا يجوز أن يقال، ولا ينبغي أن يوجد في مكتبات المسلمين وبيوتهم وأسواقهم.

    ولذلك جاء عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ويل للرجل يكذب ليضحك القوم، ويل له، ويل له، ويل له} والحديث رواه الترمذي وسنده حسن، فتوعد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الإنسان الذي يكذب ليضحك القوم بشيء من الدين والشرع بالويل.

    النوع الثاني: ما كان فيه أذية لأحد من الناس.

    وفي أنواع الهزل المذموم: ما كان من الهزل فيه أذية لأحد من الناس.

    ولذلك يقول خالد بن صفوان رحمه الله عاتباً على طريقة بعض الناس في المزاح: يصك أحدكم أخاه بشيء كالجندل -أي كالصخور الصلبة- وينشقه أحرق من الخردل- والخردل نبات لبذره طعم حار- ويفرغ عليه أحر من المرجل -أي الماء المغلي المطبوخ-.

    ثم يقول: كنت أمازحك!

    وهذا واقع كثير من الناس، فهو يصك أخاه بأشد من الجندل، وينشقه في أنفه أحرق من الخردل، ويصب عليه أحر من المرجل ويقول: أنا أمزح. فيأتي بكلمة حارة قاسية، أو يأتي بنكتة ثقيلة، أو يأتي بمزحة في غير محلها، فبعض الناس قد يضع صاحبه في موقف حرج، فقد يكون الرجل في مناسبة زواج، فيتفق مجموعة من زملائه على أن يفعلوا له -كما يسمونه هم- مقلباً يسبب له الإحراج في تلك الليلة، وقد يترتب عليه أضرار، حتى أني أذكر مجموعة من الشباب استطاعوا أن يخرجوا شاباً من عند عروسه في ليلة العرس بحجة من الحجج الواهية، ثم يتوعدهم هذا الشاب بأنه سوف ينتقم منهم ويقتص منهم، وبعد فترة يخطط ليوقع بهم مثل ما أوقعوه فيه.

    وقد يأتي إنسان لصاحبه، وهو يريد أن يسافر، وقد يكون حاجزاً علي طائرة أو ما شابه ذلك، مستعجلاً، فيجعل له موقفاً معيناً على سبيل الممازحة، يكون سبباً في تأخره، وقد يكون -كما ذكرت- موقف حرج، أعصابه مشدودة، ويقولون: على سبيل المزاح!

    وقد يكون الإنسان يريد أن يغتسل، أو يتوضأ في يوم شديد البرد، فيوقعونه في حرج عظيم، وربما يترتب على بعض هذا المزاح -أحياناً- موت كما حدث فعلاً، أو ضرر عظيم للإنسان، أو تلف لبعض أجزاء بدنه، أو تأثر في نفسه، أو رعب يصيبه، وأقل ما يمكن أن يحدث فزع يكون سبباً في القطيعة بين هؤلاء الإخوان.

    ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الإنسان نعل أخيه جاداً ولا هازلاً فقال: { لا يأخذن أحدكم } لأنه عندما لا يجد نعله، قد لا يتصور أن هناك أحد يمزح معه؛ فيصاب بخوف إذا فقد نعله ويحزنه ذلك، فما بالك بما يفعله كثير من الشباب من أنواع المزاح الثقيل؟! الذي لا يمكن أن يتقبله شخص عاقل بحجة أنه مزاح، وهو مزاح ولكنه كالمزاح الذي تحدث عنه خالد بن صفوان رحمه الله.

    وهذه الأنواع من المزاح محرمة بلا شك، بل قد يترتب عليها من الأضرار أضعاف ما ذكرت.

    النوع الثالث من المزاح المذموم: ما كان فيه كذب، كما سبق: {ويل للذي يكذب، ليضحك القوم، ويل له، ويل له، ويل له} وقد ذكرت أنه رواه الطبراني والصحيح أنه رواه الترمذي بسند حسن، فالكذب في المزاح لا يجوز.

    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السابق: {نعم، غير أني لا أقول إلا حقاً}.

    ويلاحظ أن بعض الشباب في اجتماعاتهم وجلساتهم، كل مجموعة من الشباب يكون لهم -أحياناً- شاب يعتبرونه نجماً للمزاح والدعابة، وهذا الإنسان هو المضحك، لا يمكن أن يسافروا أو يذهبوا إلا ويكون بينهم؛ لأنه يلقي بالمزاح والنكت والدعابة فيهم باستمرار، ويجعل لهم أشياء من هذا القبيل، وهذا الإنسان يجره الموضوع إلى ارتكاب ما حرم الله، والوقوع في الكذب والاختلاق، وهذا -لا شك- أنه محرم، ولا يجوز كما سيأتي مزيد من البسط لذلك.

    النوع الرابع من المزاح المذموم المحرم: وهو ما كان فيه إكثار يتعدى حد الاعتدال إلى حد التفريط.

    والإكثار من المزاح، حتى يعرف به إنسان ويصبح علامة عليه -مذموم كما سبق وأشرت إلى شيء من ذلك- ويؤثر في شخصية الإنسان؛ فيصبح إنساناً هازلاً، ولا شك أن الإسلام ليس بحاجة إلى الهازلين واللاعبين والمضحكين، إنما هو بحاجة إلى الرجال الجادين الصادقين، الذين تعلموا الجد في طلب العلم، وفي الدعوة، وفي الجهاد، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يمنع أن يمزح الإنسان -أحياناً- للتسلية، أو لغير ذلك من الأغراض السابقة، أما كون الإنسان همه الإضحاك فهذا لا ينفع في دنيا ولا في دين.

    ولذلك لا ينبغي أن يكثر الإنسان من المزاح حتى يُضحَك به، ويروى - أن امرأة كانت تمزح بـمكة، -كانت مزاحة- فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، جاءت هذه المرأة إلى المدينة، ثم جاءت إلى عائشة رضي الله عنها، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: على من نـزلت؟ فقالوا: على فلانة، فذكروا امرأة في المدينة مزاحة معروفة بالمزاح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

    والحديث رواه أحمد في مسنده، وأصله -كما هو معروف- في الصحيحين.

    وعلى هذا النوع من المزاح يحمل حديث: {لا تمار أخاك ولا تمازحه، ولا تعده عدة فتخلف} مع أن الحديث ضعيف، والحديث رواه الترمذي عن ابن عباس، وسنده ضعيف؛ فلا يحتج به.

    وفي المثل يقولون: من كثر مزاحه زالت هيبته، ومن كثر خلافه طابت غيبته. فإن الإنسان إذا كثر مزاحه لم يهبه أحد، وإذا كثر خلافه وجدله ومماراته؛ استحسن الناس غيبته وفرحوا بفقده.

    الإكثار من المزاح

    والإكثار من المزح يكون على ضربين:

    الضرب الأول: أن يكثر الشخص من المزح حتى يعرف به -كما أسلفت- فيكون شخصاً طبيعته المزاح، قائماً وقاعداً وذاهباً وآيباً، وفي كل مناسبة، وربما يمزح في غير أوانه، ويتسبب لنفسه ولغيره بأضرار عظيمة، فهذا مذموم يذم عليه صاحبه وينكر عليه.

    الضرب الثاني: مزاح يكثر منه جماعات من الناس، وإن لم يكن فرداً، أي أنك تجد مجموعة يجتمعون على مزاح، وهذا -مع الأسف- كثير عند الشباب، يكون لبعضهم مثلاً خيمة أو بيتاً أو مزرعة، أو -أحياناً- دورية يخرجون بين حين وآخر، وقد يسافرون إلى حج أو إلى عمرة أو غيرها.

    ولكن هؤلاء الشباب اجتمعوا على المزاح، فتجد أن بعضهم يضحك بعضاً، وربما يستلقي بعضهم على ظهره من كثرة المزاح، وليس هذا لمناسبة عارضة، إنما هذا دأبهم وديدنهم الغالب، ولاشك أن في هذا مضيعة للوقت، ولو لم يكن فيه إلا أن وقتهم لم يكن في علم. ولا ذكر لكفى، فضلاً عما في ذلك من المفاسد الكثيرة التي يجر إليها المزاح، وقد يجر إلى الوقوع في الحرام: من الكذب، والنميمة، والغيبة، والاستهزاء بالله تعالى أو رسوله أو آياته، أو العلماء أو الصالحين، إلى غير ذلك مما يؤدى إليه كثرة المزاح ولابد.

    فينبغي أن يقتصد الإنسان في المزاح، ويكون مع اقتصاده في المزاح متجنباً لما حرمه الله تبارك وتعالى من ذلك، ومنه النقاط الأربع، ما كان فيه هزل بالأمور الشرعية، وما كان فيه كذب، وما كان فيه أذية لأحد من الخلق، وما تعدى حده حتى وصل إلى حد الإفراط. هذه هي أصناف المزاح التي ينبغي للإنسان أن يتجنبها.

    وقد حرصت على الإيجاز والاختصار حتى ننهي هذا الموضوع، لأن كثيراً من الإخوة يفضلون -قدر المستطاع- أن يكون كل موضوع في درس؛ ليكون سهل التناول والتداول بين الشباب.

    والإكثار من المزح يكون على ضربين:

    الضرب الأول: أن يكثر الشخص من المزح حتى يعرف به -كما أسلفت- يكون شخص طبيعته المزاح قائماً وقاعداً وذاهباً وآيباً، وفي كل مناسبة، وربما يمزح مزاحاً في غير أوانه، ويتسبب لنفسه ولغيره بأضرار عظيمة، فهذا مذموم يذم عليه صاحبه وينكر عليه.

    الضرب الثاني: مزاح يكثر منه جماعات من الناس، وإن لم يكن فرد، يعني تجد مجموعة يجتمعون على مزاح، وهذا -مع الأسف- كثير عند الشباب، يكون لبعضهم مثلاً خيمة أو بيت أو مزرعة أو أحياناً دورية يخرجون بين حين وآخر، وقد يسافرون إلى حج أو إلى عمرة أو غيرها، ولكن هؤلاء الشباب اجتمعوا على المزاح، فتجد أن بعضهم يضحك بعضاً، وربما يستلقي بعضهم على ظهره من كثرة المزاح، وليس هذا لمناسبة عارضة إنما هذا دأبهم وديدنهم الغالب.

    ولاشك أن في هذا مضيعة للوقت، ولو لم يكن فيه إلا أن وقتهم لم يكن في علم، ولا ذكر لكفى، فضلاً عما في ذلك من المفاسد الكثيرة التي يجر إليها المزاح، وقد يجر إلى الوقوع في الحرام: في الكذب، في النميمة، في الغيبة، في الاستهزاء بالله تعالى أو رسوله أو آياته أو العلماء أو الصالحين، إلى غير ذلك مما يؤدى إليه كثرة المزاح.. ولابد.

    فينبغي أن يقتصد الإنسان في المزاح، ويكون مع اقتصاده في المزاح متجنباً لما حرمه الله تبارك وتعالى من ذلك، ومنه النقاط الأربع، ما كان فيه هزل بالأمور الشرعية، وما كان فيه كذب، وما كان فيه أذية لأحد من الخلق، وما تعدى حده حتى وصل إلى حد الإفراط. هذه هي أصناف المزاح التي ينبغي للإنسان أن يتجنبها.

    وقد حرصت على الإيجاز والاختصار حتى ننهي هذا الموضوع، لأن كثير من الإخوة يفضلون قدر المستطاع أن يكون كل موضوع في درس ليكون سهل التناول والتداول بين الشباب.

    1.   

    الأسئــلة

    كتابا ابن الجوزي في الطرائف

    السؤال: ما رأيك في كتاب الحمقى والمغفلين لـابن الجوزي وكذلك كتاب الأذكياء؟

    الجواب: الحقيقة هذا سؤال جيد، وكنت أود أن أشير إليه ولكنني غفلت وذهلت عن ذلك. كتابا ابن الجوزي الحمقى والمغفلين والأذكياء أولاً: هما لـابن الجوزي، دلت الدراسات والتحقيقات على أن الكتابين لـابن الجوزي، فلا سبيل لإنكار نسبتهما إليه.

    ولكن في الكتابين من القصص والطرائف المذمومة الممقوتة ما ينبغي للإنسان أن يحذره ويتجنبه، وقد يكون ابن الجوزي نقل ذلك، وقد يكون ألفه في زمن الشباب، وقد تكون زلة حصلت منه والإنسان يخطئ، لكن لا ينبغي أن تقول: أوردها ابن الجوزي، إذاً لا بأس بإيرادها. فإن في هذين الكتابين من القصص ما يصح أن يدخل فيما ذكرت في آخر المحاضرة، من أنه من النكت والطرائف التي لا يجوز إيرادها.

    شرح الأربعين النووية

    السؤال: هذا يقترح شرح الأربعين النووية ضمن هذا الدرس.

    الجواب: سترٍد جلسات -إن شاء الله- نخصصها لبعض الأحاديث النبوية على سبيل العموم.

    مزاح الداعية مع المدعو

    السؤال: إذا أراد الداعية أن يبتدأ بدعوة أناس جدد، فإنه يجعل الغالب على طبعه الهزل والفكاهة وعدم الجدية. فهلا صوبت هذا الفعل يرحمك الله؟ إن كان حقاً فمزيداً من التوجيه، وإن كان خطأً فتعليماً للصواب؟

    الجواب: ينبغي القصد والاعتدال، لا بأس بالمزاح في حينه، ولمناسبة معينة والتدرج في ذلك، لكن إذا زاد، فإن هذا الشاب الجديد -الذي تريد أن تدعوه- يتعلم المزاح، وقد رأينا وجربنا أن بعض الشباب -وإن كانوا موغلين ومغرقين في الفساد والرذيلة-.

    وإذا وجدوا ومن يجرهم بقوة إلى الخير فإنهم ينجرون، فكما أن المزاح والتلطف من أسباب الدعوة، كذلك الجد الصارم -أحياناً- من أسباب الدعوة، وعلى الإنسان أن يعتدل ويقتصد في ذلك.

    قصة نعيمان والشعبي

    السؤال: في بعض ما سقت من القصص في المزاح الكذب، من ذلك قصة نعيمان مع صاحب الطعام في قوله: إنه عبد. وكذلك قصة الشعبي عندما قال له: أيكما الشعبي قال هذا؟

    الجواب: بالنسبة لقصة نعيمان -إذا صحت- القصة رواها الإمام أحمد كما ذكرت، وغيره كـالطيالسي وابن ماجة بسند فيه زمعة بن صالح -كما أسلفت- ولكن لها طريق أخرى ذكرها ابن حجر في الإصابة عن كتاب الفكاهة والمزاح للزبير بن بكار، فإن كانت الطريقة الأخرى مستقلة؛ فبها يكون الحديث حسناً إن كانت حسنة أو ضعيفة ضعفاً منجبراً.

    فإذا ثبتت فإن نعيمان لا يحتج بفعله، وقد ورد أن نعيمان رضي الله عنه، وقعت منه أخطاء، وعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم عليها فلا يحتج بهذا الفعل، مع أن قوله إنه عبد، في حد ذاته ليس كذباً، فهو عبد لله تعالى، لكن لا يحتج على كل حال بفعله.

    أما الشعبي، فإنما قصد توبيخ هذا الرجل على هذا السؤال الذي هو في غير محله، لأن قوله: أيكما الشعبي؟ لا معنى له.

    المزاح مع غير المسلمين ومع قاطع الصلاة

    السؤال: ما رأيكم في المزاح مع من علمت بأنه لا يؤدي الصلاة، وكذلك الأجانب من غير المسلمين بقصد الدعوة؟

    الجواب: الإنسان الذي لا يؤدي الصلاة مطلقاً، أي أنه مجانب للصلاة بالكلية هذا فعله كفر مخرج من الملة؛ ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يمازحه، بل ينبغي أن يدعوه إلى الله تبارك وتعالى بالتي هي أحسن، فإن أصر فإنه ينبغي الرفع به وهجره.

    المزاح بالتنابز بالألقاب

    السؤال: هل لي أن أمزح مع بعض الإخوان بتذكيره باسم يقال له، أو يكنى به كالتنابز بالألقاب -مثلاً- أو صفة يتصف بها، لكنه لا يرضاها؟

    الجواب: إن كان لا يرضاها فلا ينبغي أن تذكره بذلك.

    أما احتجاج الأخ بقصة عمر بن عبد العزيز: حميد الذي أمج داره، فقد ذكرت أن عمر بن عبد العزيز ربما قصد التعليم والنصيحة في ذلك.

    نصيحة

    السؤال: قبل أن يفتح الله على قلبي كنت شاباً مرحاً معروفاً باللعب وخاصة في المراكز، والآن وبعد هذه النعمة -والحمد لله- أريد أن أغير من حالتي تلك، فبماذا تنصحني؟ أريد أن أفارق هذه العادة المذكورة.

    الجواب: أنصحك بالإقبال على الجد، والقيام بالأعمال التي تغير تصور الناس عنك، فحاول أن تقوم بإعداد البحوث والأعمال الطيبة الصالحة، والأشياء المفيدة والنصيحة والدروس وطلب العلم وغير ذلك؛ حتى يغير الناس التصور الذي حملوه عنك.

    تنقية السنة

    السؤال: هذا يتكلم عما تفعله جريدة المسلمون، التي تعقد الآن ندوة حول تنقية السنة من الأحاديث الصحيحة؟

    الجواب: الحقيقة أن في هذه الندوة كلاماً مزعجاً جداً، ومؤذياً لمشاعرنا نحن المسلمين، أن تصبح السنة النبوية مجالاً لتلاعب الناس واستخفافهم، ومجالاً لكسب المال الحرام عن طريق الإثارة في أمور واضحة وصريحة، وأقول: مؤسف لكل مسلم أن يحدث هذا.

    ولذلك أطالب الإخوة من الشباب وغيرهم بمقاطعة هذه الجريدة أولاً، حتى وإن تكلمت عن قضايا، لأنهم يريدون أن يشتريها الناس فصاروا يتكلمون عن الأحاديث الصحيحة، وضرورة تنقية السنة من الأحاديث الصحيحة، والأحاديث الصحيحة تعيق التقدم، وكلام فارغ.

    فينبغي أن نقاطع هذه الجريدة، والإخوة الذين اشتروها، أقول: عليكم واجب أن يكتب كل واحد منكم رسالة للجريدة يعاتبها على إيذائها لمشاعر المسلمين بمثل هذا الأسلوب، وإذا لم يفعل على أقل تقدير فيتصل هاتفياً، ويقول: إذا أردتم الإثارة فبغير هذا الأسلوب، ولا تجعلوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مجالاً للأخذ والرد؛ لأن الجريدة يقرؤها العوام.

    ولو كانت الجريدة لا يقرؤها إلا طالب العلم لهان الخطب، لكن يقرؤها العوام، فالعامي الآن إذا عرف أن هناك أحاديث ضعيفةً -أحياناً- يبدأ يشك، فيكف إذا عرف أن هناك أحاديث صحيحة وليست صحيحة!! ما هذا الكلام؟! بالتالي أصبح العامي لا يثق بشيء. وقد سمعت أحدهم يقول -قبل أسبوع-: الله أعلم بعد فترة يبدءون يشككون في القرآن الكريم.

    وأنا أقول: إذا دامت الأمور على هذا فالخطب عظيم، فينبغي أن نقوم بواجبنا في هذا الأمر.

    المزاح مع المتنفل

    السؤال: رجل يدخل المسجد ومعه أصحابه، فيقول لرجل يتنفل: إنك صليت ركعة واحدة وهو صلى ركعتين، ولكنه يريد أن يأتي بثالثة ليضحك معه. هل يعتبر هذا من المزاح؟

    الجواب: لا شك أن هذا محرم؛ لأنه مزاح يتعلق بأمور العبادة كما ذكرت.

    لقد بلغت من الكبر عتياً

    السؤال: هل يجوز أن أقول: لقد بلغت يا فلان من الكبر عتياً؟

    الجواب: إذا كان الأمر صحيحاً، فلا حرج في ذلك، لا على سبيل الضحك بنصوص القرآن.

    التركيز على شخص معين في المزاح

    السؤال: بعض الشباب يركزون في المزاح على شخص معين في طرح النكت؟

    الجواب: إذا زاد هذا فهو خطأ؛ لأنه يسيء إلى هذا الشاب، ويحوله إلى شخص هازل، فيقع في الإكثار من المزاح كما سبق.

    المزاح مع الطفل

    السؤال: المزاح مع الأطفال لابد منه. فبماذا تنصح في طريقة المزاح؟

    الجواب: الطفل يمازحه الأب، أو الأخ بما يناسبه.

    المزاح بالسب والضرب

    السؤال: المزاح في السب وبالضرب هل هو جائز؟ وأنا أراه أنه المزاح الذي هو سبب العداوة؟

    الجواب: لا شك أن المزاح بالسب لا يجوز، السب محرم بجدٍ أو هزل.

    أما المزاح بالضرب، فإن كان ضرباً يسيراً لا يضر ولا يؤذي فلا حرج، أما إذا تعدى وزاد فلا ينبغي.

    الضحك في المسجد

    السؤال: ما حكم الضحك إذا كان في المسجد، خاصة إذا كان في أمر الدنيا، وقد ورد في الحديث تحذير من ذلك، وورد أن الصحابة يتكلمون في المساجد في أمر الجاهلية ثم يضحكون؟

    الجواب: إذا كان الإنسان في المسجد وجاءت مناسبة، كأن تكون في درس علم أو جلسة أو ما أشبه ذلك، فصار هناك ما يدعو إلى التبسم، فتبسم أو ضحك فلا حرج في ذلك، أما أن يتخذ المسجد مهرجاناً يجتمع الناس فيه ليتضاحكوا، فلا شك أن المساجد لم تبن لهذا، إنما بنيت المساجد لما بنيت له.

    المطارحة

    السؤال: هل المطارحة من المزاح؟ ونريد أن ترشدنا إلى شروط نفعلها في المزاح؟

    الجواب: المطارحة تعني المصارعة -كون أحدهما يطرح الآخر- هي من المزاح، لكن ينبغي للشباب أن يتفطنوا إلى شروط هذه المطارحة، فإن بعض الشباب يتطارحون، فيدخل الشيطان فيوقع بينهم، خاصةً إذا كانوا شباباً صغار الأسنان، وخاصة إذا كان فيهم وسامة وجمال.

    فإنني أحذرهم من كل هذه الأنواع من المزاح، وينبغي أن يتحفظوا، ويتفطنوا إلى أن الشيطان يكون حاضراً في مثل هذه المناسبات، وقد وقفت بنفسي على أشياء من هذا القبيل كثيرة.

    طلب نصيحة

    السؤال: نحن شباب كثيراً ما نجلس سوياً، واعتدت أنا على المزاح معهم بكثرة، ولكني الآن أريد أن أغير من وضعي، فماذا أفعل؟

    الجواب: أرى أن تغير الصورة التي أخذها عنك هؤلاء الشباب، وذلك بأن تحرص على أن تكون سباقاً إلى الخيرات، فتقدم لهم الدروس، وتكثر من الجد في حياتك، وأكثر من قراءة القرآن الكريم وقراءة الكتب النافعة، وسماع الأشرطة المفيدة، والتبكير إلى المسجد، وحفظ القرآن إن استطعت، وما أشبه ذلك من الأمور التي تتحول فيها شخصيتك إلى شخصية جادة، وكذلك حاول أن تنفعهم بأشياء كثيرة.

    موضوعات مهمة

    السؤال: ألا ترى أن الموضوعات التالية جديرة بالطرح: العدل وأثره في حياة الفرد والمجتمع، والبكاء من خشية الله، غزوة تبوك وفتح مكة وما فيهما من العبر؟

    الجواب: بالنسبة للسير؛ هناك وقفات مع السيرة، وبالنسبة للبكاء من خشية الله أيضاً هو أحد الموضوعات المسجلة، وكذلك الضحك وأحكامه، وإن شاء الله تعالى إن أعطانا الله تعالى القوة ومد في العمر، فأرجو الله تعالى أن تسمعوا هذه الأشياء.

    الغناء وكشف الوجه

    السؤال: هناك من يستدلون على جواز الغناء وكشف الوجه، بقصة لعب الحبشة كما في الحديث، حيث أنهم يلعبون ولم ينهوا عن ذلك، حيث شاهدتهم أم المؤمنين، أرجو التوضيح؟

    الجواب: أما بالنسبة للغناء فلم يذكر أنهم يغنون، إنما ذكر أنهم يلعبون بالحراب، ليس في الحديث ذكر الغناء. أما كشف الوجه، ففي الحديث { أن الرسول عليه الصلاة والسلام، -كان يستر عائشة-}ومن المعلوم عند جميع أهل العلم، حتى الذين يقولون بكشف الوجه؛ أنهم يرون الحجاب على أمهات المؤمنين، فليس في الحديث دليل لهم بوجه من الوجوه.

    ضرب الوجه في المزاح

    السؤال: يقول ما رأيك ببعض الشباب إذا انتهوا من أكل البطيخ، يضرب بعضهم بعضاً غير ضرب المزاح المذكور، كأن يضرب أحدهم وجه أخيه؟

    الجواب: هذا لا يجوز؛ لأنه قد يؤذي الإنسان، وقد يكون سبباً في أن يفقأ عينه أو يضره؛ ولذلك {نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن الخذف}.

    تبسم الداعية

    السؤال: ما رأيك في بعض الذين يرون أن الشخص المستقيم ينبغي أن يكون غير متبسم ولا يضحك؟

    الجواب: التوقر ينبغي أن يكون في حدود، والرسول عليه الصلاة والسلام -كما سبق- كان أكثر الناس تبسماً، قال جرير: {ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم} وقال عليه الصلاة والسلام:{وتبسمك في وجه أخيك صدقة}.

    التندر بأفعال الكفار

    السؤال: بعض الظرفاء يتعمدون التفكه ببعض المواقف كشدة خوف أبي جهل من النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرها من القصص؟

    الجواب: لا بأس بالتندر بمواقف الكفار، مثل خوف أبي جهل، فإنه لا حرج في التندر من أفعال سيئة فعلها الكفار.

    تقليد أصوات العلماء

    السؤال: من باب الحب في الله لمشايخنا -وفقهم الله- تقلد أصواتهم عند الإلقاء أو الإفتاء. فما حكم ذلك وفقكم الله؟

    الجواب: لا أرى في الواقع تقليد أصوات العلماء وغير ذلك.

    إلا إن كان هذا أمراً طبيعياً، لأن بعض الشباب تقمصه لشخصية شيخه تجده لا شعورياً، يقلده في حركته، وفي صوته، وفي حركات يديه، وفي مشيه من غير قصد الإيذاء له، وإنما بشكل طبيعي عفوي.

    رد السلام من قبل المصلي

    السؤال: هل ترد السلام على من سلم، وأنت تصلي؟

    الجواب: لا، لا ترد عليه بالكلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه ابن مسعود كما في صحيح مسلم قال:{إن في الصلاة لشغلاً} وإنما تشير بيدك هكذا بأصابعك لرد السلام، فإذا سلم وأنت تصلي فتشير بيدك هكذا بنية رد السلام عليه.

    المزاح بالكذب والاستهزاء

    السؤال: كثير من الشباب يسألون عن واقع بعض الشباب من كثرة المزاح، والتعليق على شخص معين، وأن بعضهم يصل به المزاح إلى الكذب، وبعضهم يصل به إلى الاستهزاء بشيء؟

    الجواب: هذا كله أشرت إلى أنه محرم، وأنه يجب تجنبه.

    وأقول: أنه إذا كان هناك مجموعة من الشباب التقوا على مثل هذا المزاح، ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه، فينبغي أن يفض هذا الاجتماع الذي هو اجتماع على غير طاعة الله تعالى، ويبحث كل واحد منهم عن قوم يعينونه على طاعة الله ويقتصدون في المزاح.

    مزاح مدرس على حساب الدين

    السؤال: ما نصيحتك لمدرس يمزح في الفصل عند الطلاب على حساب الدين، مثل ذكره لبعض الفنانات في داخل الفصل وغير ذلك، خاصة أن الطلاب في فترة المراهقة والعياذ بالله؟

    الجواب: هذا مفسدة ولا يجوز له ذلك، وقد جمع مفاسد عديدة منها: عدم رعاية الأمانة بالنسبة للطلاب، فهم أمانة بين يديه، ومنها: تربية الطلاب على ما حرم الله عز وجل، فضلاً عن أنه أسقط هيبته بهذا المزاح الممقوت المذموم، فعليه أن يتق الله تعالى ويخافه، وأن يربي الطلاب على محاكاة الطيبين والصالحين، فيكثر من سرد قصص الأنبياء، وقصص الصحابة والشهداء والعلماء والعظماء، حتى يتربى عليها الطلاب، فضلاً عن أن مثل هؤلاء الشباب في مثل فترة المراهقة، ينبغي تجنب الأشياء التي تثيرهم، حتى ولو كانت مباحة فضلاً عن أن تكون محرمة.

    مزاح الصحابة في المسجد

    السؤال: ذكرت مزاح الصحابة رضوان الله عليهم في المسجد بعد صلاة الفجر، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، هل يجوز مثل هذا في المسجد؟ وما صحة حديث {المساجد لما بنيت له

    الجواب: نعم {المساجد لما بنيت له} حديث صحيح، والمزاح في المسجد، لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يقصدون أن يجتمعوا للمزاح، كانوا يجلسون في المسجد بعد صلاة الفجر يذكرون الله تعالى.

    ولكن قد يمزحون، ويذكرون أمور الجاهلية من باب التحدث بنعمة الله تعالى عليهم الذي منَّ عليهم بالهداية بعد الضلال، فيذكرون هذه الأشياء ويضحكون، ويتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم.

    الكلام في الجماع

    السؤال: هل يدخل الكلام في الجماع، في المزاح الغير مباح، إذا كان من غير تشبيب بأحد، أطال الله عمرنا وإياكم، مع حسن العمل وحسن الخاتمة؟

    الجواب: مع الأسف الشديد أن كثيراً من الناس يكثرون من الكلام في الجماع، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووصف من يتكلم عن حاله مع أهله بمثل شيطان لقي شيطانة، فتسافدا في قارعة الطريق، فلا ينبغي للرجال أن يفعلوا، ولا ينبغي للنساء أن يفعلن؛ أن يتحدث الرجل عما يفعل مع أهله، أو تتحدث المرأة عما تفعل مع زوجها.

    وكذلك الكلام في مثل هذه القصص والإطناب بها لا ينبغي الاسترسال فيه، وخاصة إذا كان هناك شباب غير متزوجين، فإن هذا يضرهم ويسوؤهم، وقد يكون سبباً في ارتكاب بعضهم للمعاصي، وتكون أنت سبباً في ذلك.

    أوراق المسابقة

    السؤال: ما حكم اللعب في هذه الورقة الجديدة التي توجد في المكتبات، وفيها أسئلة دينية وثقافية، وأسئلة عن المعارك التي خاضها المسلمون، وأفعال الصحابة وقصصهم؟

    الجواب: هي ليست لعبة، بل مسابقة فيها أسئلة، والذي أعرف أنه ليس فيها إلا مجرد أسئلة وأجوبة فقط، أي: اختبر ذكاءك ومعلوماتك، اسأل نفسك وأجب ثم تجد الجواب في صفحة أخرى، فلا حرج فيها.

    زكاة ما شري بالذهب

    السؤال: عندي ذهب وأزكي عليه كل سنة -والحمد لله- لكني فكرت أن أبيعه وأشتري بثمنه قطعة أرض، تكون لي وقت الحاجة أنا وأولادي وإخوتي وأخواتي، ولن أبيعها أو أتاجر بها مهما كان الثمن، إلا إذا لحق بي دين، فهل أزكي عليها؟

    الجواب: إذا اشتريت الأرض، ونويت أنها للقنية والسكنة، فلا زكاة فيها.

    لعب الأطفال

    السؤال: تسأل الأخت أيضاً عن لُعب الأطفال؟

    الجواب: لعب الأطفال أنواع، فإذا كانت هذه اللعب من التماثيل الواضحة الصارخة الموجودة الآن، فالأظهر منعها وتحريمها، أما إن كانت لعب بسيطة، ليس فيها شكل محدد ولا علامات واضحة ولا تقاسيم بارزة.

    بل هي أشبه باللعبة الساذجة، مثلما كانت عائشة رضي الله عنها عندها لعبة، ومثلما كان موجوداً في السابق، كانت البنت تأتي بالساجة، ثم تعصب رأسها وتضع ساجة عرضية أخرى كيدين، وتعتبرها بنتاً لها مثلاً أو ما أشبه ذلك، فهذا وما أشبهه من اللعب التي تكون فيها سذاجة لا حرج فيها.

    وقت صلاة الضحى

    السؤال: متى وقت صلاة الضحى؟

    الجواب: يبدأ بارتفاع الشمس قدر رمح، بعد طلوع الشمس بعشر دقائق أو ربع ساعة، وينتهي بالزوال.

    السيئة في الحرم

    السؤال: هل السيئة في الحرم تضاعف أم لا؟

    الجواب: السيئة في الحرم لا تضاعف، فإن الله تعالى من عدله أنه لا يضاعف السيئة بل السيئة بمثلها، لكن السيئة في الحرم أعظم من حيث كيفيتها من السيئة في غير الحرم، وإلا فهي لا تضاعف، بل هي سيئة واحدة، لكنها أعظم من السيئة في غير الحرم.

    المزاح بالصدق

    السؤال: تدل الأحاديث الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمزح ولا يقول إلا حقاً أو صدقاً. فما رأيك في قوله لـزاهر الأسلمي: من يشتري العبد؟

    الجواب: زاهر الأسلمي كان عبداً لله عز وجل كما سبق.

    التشميت بعد الثلاث

    السؤال: عن p=1000136>أبي هريرة

    {شمت أخاك ثلاثاً، فإن زاد فهو زكام} رواه أبو داود فقال: لا أعلمه إلا رفعه. وعن سلمة قال صلى الله عليه وسلم: {يشمت العاطس ثلاثاً، فما زاد فهو مزكوم} هل معنى أنه لا يشرع للإنسان أن يشمت أخاه العاطس أكثر من ثلاث؟

    الجواب: هذا الأظهر، أنه إذا كان فيه زكام. ويكثر من العطاس، فيشمته المرة الأولى والثانية والثالثة، ثم بعد ذلك يدعو له بالعافية، كأن يقول له: عافاك الله وما أشبه ذلك.

    حديث أم سلمة

    السؤال: يسأل عن حديث أم سلمة {علمني الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك، وحضور صلواتك، أسألك أن تغفر لي} وقال الترمذي: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وحفصة بنت كثير لا نعرفها ولا أباها، والحديث رواه أبو داود عن أم سلمة؟

    الجواب: الحديث ضعيف كما هو معروف، وقد أشار الترمذي لضعفه -أيضاً- في قوله: حديث غريب. فإنه يطلق غريب على الحديث الضعيف.

    هذا وأسأل الله جل وعلا أن يجعل خير أعمارنا خواتيمها، وخير أعمالنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يتوفانا وهو راض عنا.

    اللهم اغفر لنا سرنا وعلانيتنا، ظاهر أعمالنا وبواطنها، ما علم الناس وما لم يعلموا، إنك على كل شئ قدير، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767553721