وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
فهيا بنا نتلو الآية التي درسناها بالأمس:
الجواب: نعم. وإن كانت مطلقة فإنه يجب عليها إرضاعه اللبأ فقط، فإذا أرضعته الرضعات الأولى لا يجب عليها بعد ذلك، إن شاءت أرضعته أو أخذه والده وأرضعه حيث يشاء، فإن اتفقت مع زوجها على إرضاعه بنفقة معينة أرضعته، وإلا سلمت له ولده، أما إن كانت تحته فيجب أن ترضعه كما تطبخ وتكنس البيت، فذلك خاص بالمطلقات.
والحد الأعلى لمدة الإرضاع حولان كاملان، وهما عامان تامان.
فإن بلغ العامين وأرضعته مرضعة شهرين أو ثلاثة فهل هذا الإرضاع بعد العامين يحرم النكاح؟
الجواب: لا، فلا قيمة له، لحديث: ( لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام )، إذا احتلم الولد هل يبقى يتيماً؟ هو يتيم قبل احتلامه، فإن احتلم وبلغ فما أصبح يتيماً، أصبح رجلاً.
أما إذا أرضعت الولد قبل نهاية العامين فتصبح المرضعة أمه وبناتها أخواته، وأولادها وإخوانه، وزوجها كأبيه.. وهكذا، لكن الرضاع بعد انتهاء الحولين لا يضر.
فقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ [البقرة:233] صيغة مضارع مستقبل ولكن معناها الأمر، يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، إن كانت تحت الزوج فهذا الإرضاع واجب، وإن كانت مطلقة فالرضاع الواجب هو اللبأ الذي في اليوم الأول والثاني، وبعد ذلك تتفق مع زوجها المطلق لها على النفقة وترضع.
ويجوز للمرضع الأجنبية التي ترضع هذا العبد أن تأخذ الأجرة، وإذا اختلف الأب مع المرأة في النفقة، فهي قالت: ألف ريال في الشهر، وهو قال: خمسمائة؛ فإنه يرجع إلى حال الرجل: إذا كان غنياً له مال وراتب فلا بأس، وإذا كان لا يملك ذلك فينظر إلى حاله؛ نظراً إلى قول الله تعالى: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233].
وأفاد قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233] أنه تجب نفقة الأقارب على بعضهم في حال الفقر.
كما أفادت الآية الكريمة أنه يجوز للوالد أن يرضع ولده من مرضعة غير والدته، لقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، أعطها أجرتها للأيام الماضية، وخذ ولدك وأرضعه حيث شئت.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، يوفون أيامهم، من الذي يوفيهم؟ الله، الله الذي يوفيهم أعمارهم وأيامهم وما كتب لهم، كما قال لعيسى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران:55].
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، ما المراد بالأزواج؟ الزوجات؛ لأن الزوجة بالتاء الأنثى والزوج بدون تاء ذكر، لكن الأصل أن الزوج الذكر والأنثى، الرجل زوج إذا كانت معه امرأة، وهي زوج أيضاً إذا كان معها رجل، فكل واحد منهما هو زوج، إذا خفت اللبس والإيهام بين الناس قلت: زوجة بالهاء، لتفرق بين الرجل والمرأة، فقوله تعالى: وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234] يعني: زوجات، مات الرجل وترك امرأة أو امرأتين أو أكثر.
قالت العلماء: الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: النطفة حين يصبها الرجل في الرحم تبقى أربعين يوماً نطفة، وأربعين يوماً علقة، وأربعين يوماً مضغة، فهذه أربعة أشهر، فزاد الله العشر الليالي إذ هي التي ينفخ فيها الروح، ويكون ذكراً أو أنثى.
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، ومعنى يذرون: يتركون، وهذا الفعل -يا طلبة العلم- لا ماضي له، الفعل المضارع منه والأمر موجودان، والماضي لا وجود له، لا يقال: وَذَر، فـ(ذر): اترك، ومنه قوله تعالى: ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:91]، فعل لا ماضي له؛ لثقله على اللسان هجره العرب، فأصبح منه مضارع وأمر دون الماضي، فيذرون بمعنى: يتركون، يذر بمعنى: يترك، ذره: اتركه.
الآن عرفتم ما فرض الله علينا أيها المؤمنون أو لا؟قال لنا: والذين يتوفاهم ربهم منكم ويتركون نساء تحتهم على هؤلاء النسوة أن يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً، فإذا بلغن أجلهن وانتهت الأربعة أشهر وعشر ليال فما الواجب؟
قال: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، ماذا يفعلن بأنفسهن؟ هل ينتحرن، أو يخرجن عاريات؟
إن التربص الذي سبق ذكره معناه: الانتظار، ينتظرن فلا يتعرضن للخطبة ولا للزواج ولا يتزين أو يتجملن لا بالكحل ولا بالعطر ولا بالحلي ولا بالثياب الفاخرة أبداً، يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً، هذا هو الإحداد، أحدت فلانة لموت زوجها فهي محدة، أحدت بمعنى: منعت نفسها عن التفكير في الزواج، وعن كل ما يريده منها ذلك.
لو قالت لها امرأة: يا فلانة! هل تتزوجين؟ فإنها تغلق أذنيها فلا تسمع، أو تقوم من المجلس، ولا تكتحل ولا تستعمل زينة مهما كانت، حتى الحلي تسقطه، حتى تستكمل أربعة أشهر وعشر ليال.
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:234] أيها المؤمنون فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، وهذا أسنده إلينا نحن الفحول، فالمرأة بهلولة ضائعة، لكن أباها أو أخاها أو عمها إذا شاهدها تتعرض للرجال أو تتزين فإنه يؤدبها، ولهذا قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:234] أيها الرجال، ابنتك مات زوجها فهي في عدتها محدة، لا تسمح لها أن تمس طيباً أو تتجمل أو تسمع الأغاني، فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] إذا تآمرتم معها وسكتم فعرفتموها تطل على النافذة وترغب في الزواج فيا ويلكم.
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر )، أما إذا كانت يهودية أو نصرانية كافرة فشأنها، ( أن تحد ): أن تمتنع من الزينة والتعرض للرجال فوق ثلاث ليال؛ مات أبوها أخوها عمها ولدها فلا بأس لثلاث ليالٍ فهي في كرب، لا تلبس جميلاً ولا تكتحل، فهي معذورة في هذه الثلاث الليالي، وفوق الثلاث ليال حرام عليها، ( إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، أي: عشر ليالٍ.
فالسنة بينت معنى الآية، الآية مجملة؛ لأن الله تعالى قال: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] كيف يتربصن؟
الرسول بين بأنه: ينتظرن حتى تنقضي هذه المدة وبعد ذلك يتطيبن، يكتحلن، يلبسن الحرير، يلبسن الحلي، ويسمحن لمن يريد أن يخطبهن، ولا يحل لمؤمن أن يخطب امرأة وهي في العدة كما سيأتي في الآية بعد هذه.
إذاً: نعيد تلاوة الآية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] هذا هو الإحداد، ثم فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234] لا تخرج لترقص، فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234]، وغير المعروف أن تفعل المنكر، فتخرج تغني في الشارع.
فإذا انتهت المدة فلا بأس أن تكتحل، أن تلبس سواراً، أن تلبس ثوباً جديداً، هذا هو المعروف، ولكن إذا جمعت مغنيات لترقص، تقول: انتهينا الآن من الإحداد! فهل يجوز هذا؟ ما هو بمعروف، هذا منكر.
أو تخرج في الشوارع تغني وتقول: أنا انتهت عدتي فتزوجوني، فهل نسكت على هذا؟ سبحان الله العظيم! إنما قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234] لا جناح عليكم يا فحول فيما فعل هؤلاء النسوة بالمعروف، أما مع المنكر فلا، لا حق لهن.
اسمع هذا الإعلان: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235]، أيها المؤمنون، وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235] في أي شيء؟ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، التعريض غير اللفظ الصريح، يا أم فلانة! لنا رغبة عندكم، يا أم عبد الله! لنا حاجة عندكم، فأي حاجة هذه؟ هل دجاجة أو بقرة؟ لا ندري، هذا التعريض، يقول: يا فلان! أنا مسافر إن شاء الله وسأعود بعد خمسة أشهر أو ستة، وإن شاء الله سوف نتقابل، فما مراده بالمقابلة؟ ممكن أنه يريد خطبة ابنتك، هذا التعريض، رفع الله الحرج فيه لعلمه بحرصنا ورغبتنا في المرأة الصالحة، هذه كانت امرأة سيدي فلان العالم الرباني أو الغني الثري، وأموالها كثيرة، كل واحد يطمع أن يتزوجها، علم الله هذا.
وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235]، حتى ما تنطق به يعرفه، لا إله إلا الله! فالذي عرض نطق، وهناك من لا يعرض، لكن في نفسه إنه إذا انتهت عدة فلانة فسأخطبها، عرفه الله، ونهاه أن يقول كلمة غير التعريض.
وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة:235]، اللهم إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235]، لا تواعدها بالسر أنك ستتزوجها إلا أن تقول القول المعروف كما قدمنا، كأن نقول: لنا عندكم حاجة، نحن كذا، نحن نحترمكم، نعرف كمالكم، فيفهم ذلك باللحن.
أربعة أشهر وعشر ليال، هذه إذا كانت مات زوجها، وإذا كانت مطلقة فقط فكذلك لا يحل أن تعزم عقدة النكاح قبل نهاية العدة.
مالك قال: لا تحل له بعد ذلك عقوبة له؛ لتعدي حدود الله، امرأة ما زالت في حكم ذات الزوج وما انتهت عدتها وأنت تعقد عليها وتبني بها؟! إذاً: عقوبة له أولاً فإنه يتم الفصل بينهما، لا يمكن أن يرضى مؤمن بالبقاء عنده، هي حرام عليه، لكن بعد الانفصال وذهاب المدة الجمهور يقولون: لا بأس أن يتزوجها من جديد، ومالك يقول: لا، عقوبة له حتى لا يفعلها واحد آخر، يُحرم منها.
هل يستطيع أن يقول: إن الدولة عالمة بما في قلوبكم، فالذي يخرج عن القانون ليعبث فسوف نفعل به ونفعل؟ من يدريه ومن يطلعه؟ لكن هذا الله جل جلاله، فلهذا لن يكون هذا الكلام إلا كلام الله، مستحيل أن يكون كلام بشر.
يقول تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، حتى تنتهي عدة المطلقة أو عدة المتوفى عنها زوجها، وإذا وسوس لها وعقد عليها قبل نهاية العدة فيجب أن يفرق بينهما، وتذهب إلى أهلها ويذهب إلى أهله مع اللوم والعتاب والتأديب، وإن رفعت القضية فلا يعاودها أبداً، ما دام عصى الله وفسق وخرج عن طاعته وعقد عليها وهي ما انتهت عدتها ليحزن أهل الميت، فهذا لا تعود إليه عقوبة له؛ لأن سر كون العدة أربعة أشهر وعشراً يؤكد هذا، فإذا مات ابني أو أخي وترك هذه المرأة، فهل يسرني أن تتزوج بعد سبعة أيام أو ثمانية، هل أستطيع أن أنظر إلى وجهها، بل أعتبرها خائنة لي ولأهلي، فبرحمة الرحيم جعلها تعتد أربعة أشهر ثلث السنة، فما يبقى في الغالب حزن ولا كرب ولا هم، فحزن الموت يدوم شهراً أو شهرين ويزول.
أنا حزنت على أمي أكثر من سنتين، وحزنت أيضاً على صديق لنا كذا سنة، وحزنت على صهري وعمي الذي مات في البقيع، ومنذ سنتين أو ثلاث وأنا دائماً معه في المنام، ولكن هذا عواطف خاصة، لكن الأمر العام أنه كيف يموت الرجل وتذهب امرأته تتزوج بعد شهر أو بعد عشرين يوم؟! نحن في كرب وهم وهي تزغرد وأهلها يطعمون الطعام ويزغردون، أيجوز هذا؟
إذاً: قولوا: آمنا بالله، هذه الشريعة الإلهية ما أعرضت عنها أمة إلا هبطت، ولا نسيتها أو تناستها وأعرضت عنها إلا هلكت، والواقع شاهد، لا تطالبني بالدليل يا عبد الله، أين أمة الإسلام السائدة الرائدة قائدة البشرية؟ أصبحت تحت نعال اليهود والنصارى.
أعرضوا عن نور الله، فماذا يصيبهم؟ ولولا أن الله وعد رسوله بأن لا يهلك أمته لكنا استوجبنا العذاب الدائم منذ سنين، ومنذ قرون، لكن لطف الله ورحمته وبركة هذا النبي صلى الله عليه وسلم.
أمة أعرضت عن كتابها بالمرة لا تفقه ولا تدرس ولا تعلم، ومن يتعلمه يتعلمه ليقرأه على الموتى، وما زلنا إلى الآن نقول: كيف لا تجوز القراءة على الميت؟
يجب أن نقرأه على الأحياء لتنمو حياتهم وتزدهر، ويعرفوا ربهم والطريق إليه، لا ليدخل الميت الجنة بقراءتنا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234]، ما الذي يفعلنه في أنفسهن؟
التحلي والكحل والزينة.. وما إلى ذلك، ولكن بالمعروف، مسموح لها أن تكتحل وتلبس الجديد النظيف وتلبس الحلي في يديها، لكن إذا قالت: نغني الآن؛ فهذا ما هو بمعروف عندنا هذا، أو تكشف عن رأسها وتقول: أنا خرجت من العدة! فنقول: ولكن هذا غير معروف عندنا.
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] وخبير بما يعملن أيضاً، لكن الله دائماً يذكر الرجال ويغفل شأن النساء لأن الفحول ما يرضون أن يذكر نساؤهم بينهم، عرف الله هذه الغريزة التي غرزها في فحول الرجال، والذين هبطوا يجلس نساؤهم معهم، تجده في دار السينما وزوجته إلى جنبه، لكن أولئك أموات غير أحياء، فالله عز وجل ما يذكر النساء إلا من ضرورة، يخاطب الأمة في فحولها: (يا أيها الذين آمنوا)، ما يقول: (ويا أيتها المؤمنات)، إذ النساء تابعات للرجال.
فالإسلام الحق والإيمان الصدق رجاله فحول ما يسمحون أن تذكر نساؤهم بينهم أبداً، فمن هنا يقول تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ [البقرة:234] ومن يعمل؟ من يتزين ويكتحل؟ هل الرجال أو النساء؟ وما قال: (والله بما تعملن يا مؤمنات خبير)، بل قال: (بما تعملون)، ونحن مسئولون كما قلنا، أبو البنت أو أخوها يجب أن يرعاها، ما يسمح لها أن تتعرض للنكاح وهي في العدة.
والآية الثانية: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235]؛ لعلمه تعالى بغرائزنا وطباعنا، فأحدنا قد يعلم أن فلانة امرأة كذا مات زوجها فيبدأ يتطلع، ويكن ذلك في نفسه، قطعاً هذا موجود، ولهذا قال: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ [البقرة:235]، والتعريض غير المواجهة والمصارحة، مثاله: يا فلان! إننا نرغب في صحبتكم أو في جواركم.
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235]، ما تخفون على الله، والله! لقد علم أنكم ستذكرونهن، وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235] كرر هذه القضية مرتين، فلا إله إلا الله! لأن هذا عام في المحدة والمطلقة.
فأنت طلقت زوجتك يا إبراهيم، فهي ما زالت في عدتها، وما طلقتها إلا لتأديبها، وتريد قبل نهاية العدة أن ترجعها، فيأتي الآخر ويتزوجها، كيف تنظر إليه؟ ترويع المسلم حرام، فكيف بأن تأخذ فلذة كبده، المطلقة تكون في عدة، وكثير من الفحول يطلقون تأديباً لها لشهر أو شهرين، وقبل أن تنتهي العدة يراجعها، فتكون قد تأدبت، فإذا كان المؤمن لا يحترم هذا ويخطبها ويتزوجها وهي في عدتها فذلك جرم كبير، بل حتى لو خطبها وهي في العدة، ولو ما تزوجها في العدة، حرام عليه أن يخطبها في عدتها حتى بالتعريض، التعريض يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها.
وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، كتاب من؟ كتاب الله، كتاب العقد، كتاب الطلاق، كتاب النكاح؛ الأجل المحدد الذي هو أربعة أشهر وعشر ليالٍ أو انقضاء العدة إن كانت مطلقة.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235] في كل شيء، مادام يعلم ما في أنفسنا فكيف لا نحذره، فلا نقول الكلمة حتى نعلم أنها من رضاه، لا نمشي المشية حتى نعرف أنه أذن فيها، لا ننام النومة ولا نستيقظ حتى نعلم رضاه، هذا هو الحذر، هذه هي المراقبة، ما نعيش وكأنه لا رب لنا ولا ولي لنا ونتصرف بأهوائنا وعقولنا.
كيف وهو يقول: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235]، فمن زلت قدمه وتاب إلى الله تاب عليه وغفر له ورحمه.
لهذه الجملة أثرها، فمن الجائز أن يقع الإنسان في ورطة بأن يتصل بذوي المرأة ويقول: نريد نتزوج بفلانة إذا انتهت عدتها، فإذا عرف هذا وندم واستغفر الله عز وجل فالله تعالى يغفر له، والله غفور رحيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر