وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، علم الهدى، ومنار التقى، ختم الله به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس كافة أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وكثّر به من بعد قلة، وأعز به من بعد ذلة، وأشهد أنه -عليه الصلاة والسلام- قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فها نحن نمضي مع الوصايا الربانية التي عرفنا قدرها ومقامها، ووقفنا على أهميتها وخطورتها، وأدركنا من قبل أنها سر النجاة، وسبب السعادة، والمخرج -بإذن الله- من كل فتنة، والعصمة من كل محنة؛ لأنها هدى الله عز وجل، وأوامره ووصاياه التي بدأها بقوله: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151].
ووصية هذا الموضوع هي الوصية التي أقرتها الفطر البشرية السوية، واتفقت عليها جميع الشرائع السماوية، وأقرتها وتواطأت عليها جميع المجتمعات الإنسانية، وهي التي تدل على الخلق المرضي، والعقل المهدي، والنهج السوي، وهي التي تكشف عن أصالة المعدن، وحسن الوفاء، وكريم المعاملة، إن هذه الوصية التي نتحدث عنها اليوم تكررت في كتاب الله كثيراً، وتنوع الأمر بها والحرص عليها ودوام التذكير بها في سنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم مراراً وتكرارً، إنها قوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الأنعام:151].
إنها الوصية بالوالدين، بر الوالدين، فالإحسان إلى الوالدين جاء في القرآن كثيراً متنوعاً، وها هو تقديم الجار والمجرور في ذكر الوالدين وتأخير الإحسان لإظهار الاختصاص والقصر، وإطلاق لفظ الإحسان منكراً ومنوناً ليكون عاماً شاملاً، ليكون إحساناً في القول والفعل، وقسمات الوجه، ونظرات العين، ولمسات اليدين، وكل حركة وسكنة، وفي كل وقت وآنٍ، وفي كل ظرف وحال؛ لأنه إحسان مطلق، وإحسان يكون في كل أحوالهما، وفي كل أحوال أولادهما كذلك.
والفيروزآبادي في تعريفه لبر الوالدين ذكر كلاماً نفيساً فقال: هو الإحسان إلى الوالدين، والتعطف عليهما، والرفق بهما، والرعاية لأحوالهما، وعدم الإساءة إليهما، وإكرام صديقهما.
غير أن كلامه وكلامي وكلام كل الخلق ليس بشيء مع كلام الله عز وجل ومع أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعندما كنت أبحث وأقلب رأيت أن أمسك لساني إلا من ذكر الآيات ورواية الأحاديث؛ لندرك أن القضية دين وتشريع رباني، وأنها سنة وتشريع وهدي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومهما قال القائلون أو عبر أهل العلم فإن ما جاء في الكتاب والسنة أبلغ وأعظم، ولذا آثرت أن نقف مع هذه الوصية ومكانة الوالدين وبرهما مع الآيات القرآنية العظيمة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، علم الهدى، ومنار التقى، ختم الله به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس كافة أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وكثّر به من بعد قلة، وأعز به من بعد ذلة، وأشهد أنه -عليه الصلاة والسلام- قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فها نحن نمضي مع الوصايا الربانية التي عرفنا قدرها ومقامها، ووقفنا على أهميتها وخطورتها، وأدركنا من قبل أنها سر النجاة، وسبب السعادة، والمخرج -بإذن الله- من كل فتنة، والعصمة من كل محنة؛ لأنها هدى الله عز وجل، وأوامره ووصاياه التي بدأها بقوله: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151].
ووصية هذا الموضوع هي الوصية التي أقرتها الفطر البشرية السوية، واتفقت عليها جميع الشرائع السماوية، وأقرتها وتواطأت عليها جميع المجتمعات الإنسانية، وهي التي تدل على الخلق المرضي، والعقل المهدي، والنهج السوي، وهي التي تكشف عن أصالة المعدن، وحسن الوفاء، وكريم المعاملة، إن هذه الوصية التي نتحدث عنها اليوم تكررت في كتاب الله كثيراً، وتنوع الأمر بها والحرص عليها ودوام التذكير بها في سنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم مراراً وتكرارً، إنها قوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الأنعام:151].
إنها الوصية بالوالدين، بر الوالدين، فالإحسان إلى الوالدين جاء في القرآن كثيراً متنوعاً، وها هو تقديم الجار والمجرور في ذكر الوالدين وتأخير الإحسان لإظهار الاختصاص والقصر، وإطلاق لفظ الإحسان منكراً ومنوناً ليكون عاماً شاملاً، ليكون إحساناً في القول والفعل، وقسمات الوجه، ونظرات العين، ولمسات اليدين، وكل حركة وسكنة، وفي كل وقت وآنٍ، وفي كل ظرف وحال؛ لأنه إحسان مطلق، وإحسان يكون في كل أحوالهما، وفي كل أحوال أولادهما كذلك.
والفيروزآبادي في تعريفه لبر الوالدين ذكر كلاماً نفيساً فقال: هو الإحسان إلى الوالدين، والتعطف عليهما، والرفق بهما، والرعاية لأحوالهما، وعدم الإساءة إليهما، وإكرام صديقهما.
غير أن كلامه وكلامي وكلام كل الخلق ليس بشيء مع كلام الله عز وجل ومع أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعندما كنت أبحث وأقلب رأيت أن أمسك لساني إلا من ذكر الآيات ورواية الأحاديث؛ لندرك أن القضية دين وتشريع رباني، وأنها سنة وتشريع وهدي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومهما قال القائلون أو عبر أهل العلم فإن ما جاء في الكتاب والسنة أبلغ وأعظم، ولذا آثرت أن نقف مع هذه الوصية ومكانة الوالدين وبرهما مع الآيات القرآنية العظيمة.
قال ابن عباس : (ثلاث لازمات لثلاث، وقرن بينهما فقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92] فلا تتم طاعة الله إلا بطاعة الرسول وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] فلا تتم إقامة الصلاة إلا بإيتاء الزكاة، وقال في شأن الله عز وجل: أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] فلا يتم شكر الله إلا بشكر الوالدين.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك ويبينه ويوضحه؛ لأن المكانة عظيمة، كما في حديث أسماء رضي الله عنها في بيان الوجه الثاني، وهو الصحبة والإحسان ولو مع الكفر؛ لأن الله جل وعلا قال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] فهل رأيت قدراً أعظم ومكانة أرفع من أن يكون إنسان على غير الإيمان والتوحيد ثم يأتي أمر الله متنزلاً بالآيات بحسن صحبته؟ فقد جاءت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (جاءت إليّ أمي وهي راغبة) قال بعض الشراح: أي: فيما عندي. تريد وصلاً من إحسان دنيوي، قالت: (فاستفيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلم يكن أحد يصنع شيئاً إلا بعد أن يعرف حكمه ومكانه في دين الله، فقالت: (يا رسول الله! إن أمي قدمت إليّ راغبة، أفأصل أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم صلي أمك) وهذا مقام عظيم.
وروى أنس أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه. فقال له صلى الله عليه وسلم: هل بقي من والديك أحد؟ فقال: أمي. قال: قابل الله في برها، فإذا فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد) رواه أبو يعلى في مسنده والطبراني في معجمه بسند جيد، وصححه العراقي .
ففي هذا أنه قال: (أريد الجهاد ولا أقدر عليه) فدله على عمل -صلى الله عليه وسلم- يكون به من المجاهدين؛ لأنه قال في الحديث السابق: (ففيهما فجاهد).
وعن ابن مسعود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث عظيم في تقديم بر الوالدين على الأمور العظيمة والأعمال الجليلة- فقال: (أي العمل أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عبادة الله. قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فقدم بر الوالدين على الجهاد.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل الجنة فقال: (دخلت الجنة فسمعت قراءة، فسألت: من هذا؟ فقيل:
وكذلك جاء الحديث العظيم الذي رواه أبو هريرة وفيه يثلث النبي صلى الله عليه وسلم القول فيقول: (رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه. قالوا: من يا رسول الله؟! قال: من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة) أي: لم يقم ببرهما بما يدخله الجنة؛ لأنه فرط وقصر، أو عق وجحد، والعياذ بالله.
وإذا تأملنا ذلك فإننا واجدون الصراحة والوضوح في تلك النصوص، ومن ذلك ما رواه الترمذي وابن حبان وصححه عن أبي الدرداء قال: قال عليه الصلاة والسلام: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه).
قال بعض الشراح: (أوسط أبواب الجنة) أي: خيرها. والمقصود بالوالد الوالدان معاً الأم والأب، فهما اللذان يكون من خلالهما باب هو خير الأبواب إلى الجنة، وهو باب برهما والإحسان إليهما.
ولو مضينا لوجدنا ذلك أكثر وأظهر، فإن معاوية بن جاهمة السلمي قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله! إني كنت أردت الجهاد معك ابتغي وجه الله والدار الآخرة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك! أحية أمك؟ فقال: نعم. قال: ارجع فبرها. قال
وهكذا نرى الأمر واضحاً -كما قلنا- في رضا الله عز وجل، فقد ورد الحديث صريحاً بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد) كما رواه أهل الحديث بسند حسن.
ومن هنا كذلك جاءت الرواية الأخرى في هذا الحديث بلفظ آخر من حديث علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، وتدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه).
وثمة حديث أيضاً يوضح ذلك، وهو قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) رواه أحمد في مسنده، وقال الذهبي : سنده قوي.
قال: يا رسول الله! فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم! اهد أم
إنها صورة لعظمة هذا الدين، وعظمة التربية الإيمانية، فانظر كيف كان حرص أبي هريرة! فقد كان يكرر الدعوة، وانظر كيف كظم غيظه عندما نالت من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم! لأنه كان يرجو لها الخير، ويؤمل لها الهداية، وإنما حزن وغضب وبكى، ولكنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بالهداية، فلما هداها الله لم يطق من فرحته إلا أن بكى فرحاً بعد أن بكى حزناً، ثم جاءت هذه الصورة المشرقة لندرك في الحقيقة كيف كان فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] عجباً لهذا السلوك! وعجباً لهذا الدين العظيم الذي يعلمنا ذلك!
لذلك كان من المتوقع ومن البدهي أنَّ من يخرج عن هذه الأوامر الربانية وهذه السنن النبوية أنه قد خالف الدين مخالفة عظيمة تستوجب له وعيداً خطيراً، ومن هنا وجدنا أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر مقترناً بأعظم ذنب في الوجود كله، والحديث في هذا معلوم، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس فقال: وشهادة الزور، وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) فأكبر الكبائر وأعظم الذنوب على الإطلاق ثانياً وتالياً بعد الشرك بالله عز وجل هو عقوق الوالدين.
وما الذي تخشاه؟ وما الذي تخاف منه في هذه الدنيا؟ أليس حرمان رضوان الله؟ أليس الخوف من عذاب الله؟ إن الذي يخوض في هذا المضمار يستوجب الوعيد الشديد، فقد روي عن النبي صلى الله عيه وسلم في حديث ابن عمر أنه قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بعطائه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة) والديوث هو الذي يرضى السوء في أهله، والرجلة هي المرأة المتشبهة بالرجال. رواه الحاكم وصححه، ورواه البزار بإسناد جيد.
بل إن الأمر يرى رأي العين، فإنه ما من ذنب إلا وقد يؤجل عذابه أو يقدم إلا ذنبين اثنين لابد أن يكون لهما عقوبة معجلة وإن بقيت لهما عقوبة مؤجلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أنس رضي الله عنه: (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق) رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي ، وفي رواية أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) وترجم البخاري في الأدب المفرد لهذا الحديث بقوله: (باب عقوبة عقوق الوالدين).
وعقوق الوالدين أعظم القطيعة للرحم، فأي شيء بعد هذا يمكن أن يقال؟ وأي قول بعد قول الله وبعد قول رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وما هو واقعنا اليوم؟ فكم نسمع من قصص مبكية محزنة مؤلمة! وكم نرى من صور عجيبة غريبة شاذة!
قال: ثم نظرت -أي: في حياته مرة أخرى- فرأيت شاباً يحمل شيخاً في زنبيل كبير، ثم يزق له كما يزق الطير لفرخه -يعني: كل لحظة يأتي فيطعمه، ويأتي فيسقيه، ويأتي فيحمله- فقال: هذا أبي. قال: فقلت: هذا أبر الناس.
فلاحظ الصور المتباينة، لاحظ الواقع الذي بلغ أن سمعنا في مجتمعاتنا ليس عن أبناء رموا بآبائهم أو بأمهاتهم في دور العجزة أو في المستشفيات وتركوهم، بل رأينا ما وصل فيه الأمر إلى حد القتل وغيره، فما الذي جرى؟! وهل هذه الوصايا لا تتلى؟! ألم نختم القرآن في رمضان؟! ألا تقرأ هذه الآيات في الصلوات؟! ألا يعرف الناس هذه الأحاديث؟! ألم يروا كيف كانت سيرة الأصحاب؟! ألا يجدون في كل شيء من ديننا ما يدل على عظمة هذا الأمر ورفعة هذه الصفة وأهمية هذه الخلة في حياة المسلم، وأن ضدها من العقوق هو أشنع شيء وأبشعه؟!
إن الصورة تحتاج إلى مراجعة.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يبرون آباءهم ويبرهم أبناؤهم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكل ما يرضي آباءنا وأمهاتنا، وأن يسخرنا لرضاهما، وأن يجعل طريقنا إلى رضاء الله من رضاهما، ونسأله سبحانه وتعالى أن يحسن ختام من بقي لهم من آباؤهم وأمهاتهم، ونسأله عز وجل أن يبعدنا ويجنبنا عن كل ما يسخطهما أو يسيء إليهما؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هنا أمور كثيرة يضيق المقام عن حصرها، لكن أولها وأعظمها: التدبر في كتاب الله، والاغتراف من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث ليس حديث هذا الرجل أو ذاك، وليست موعظة ذلك الواعظ أو هذا، وليس استنباط ذلك العالم أو غيره، إنه كلام الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كنت مؤمناً ومسلماً فالمخاطب لك هو الله، والموجه لك هو رسوله عليه الصلاة والسلام.
وانظر إلى الجانب الآخر المقابل، وهو التذكر للوعد والوعيد والعقوبة المنتظرة في الدنيا قبل الآخرة لكل من أساء ولو بكلمة؛ لأن الله قال: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] فجاء بالأدنى، وجاء بما قد يكون الأعلى.
والأمر يطول، والحديث يتكرر في مثل هذا، ويلحق به ما هو في هذه الآيات كذلك، كقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31] وليس المقصود ما كان عند أهل الشرك من أنهم يقتلون أولادهم كما كان في بعض أحوال الجاهلية، فبعض الناس يقتل ابنه يوم لا يرشده ولا يعلمه ولا يربيه، ويوم يبعثه إلى بلاد الكفر أو إلى بلاد الفساد والانحراف العقدي والخلقي، فكأنما هو يقتله؛ لأنه يقتل إيمانه، ويقتل خلقه، ويقتل فضيلته، ويقتل شرفه وخيره ونحو ذلك.
إذاً هذا باب آخر من الأبواب، وثمة أبواب أخرى كثيرة، ومنها التذكير الدائم بهذه المسألة، والحديث يطول، والمقام يقصر، نسأل الله عز وجل أن يحفظنا، وأن يحفظ لنا آباءنا وأمهاتنا، وأن يشيع البر في أبنائنا وبناتنا، وحسن التربية والرعاية في آبائنا وأمهاتنا.
اللهم! إنا نسألك أن تؤلف بين القلوب، وأن توحد بين الصفوف.
اللهم! إنا نسألك أن نبر آباءنا، وأن نسعى إلى رضاهما، وأن نجتهد في طاعتهما في المعروف، وأن نبذل غاية ما نستطيع في الإحسان إليهما وإدخال السرور عليهما، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! وفقنا لطاعتك ومرضاتك، واسلك بنا سبيل الصالحين، واجعلنا من عبادك المخلصين، واكتبنا في ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، وأحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتك فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، احفظ -اللهم- لها أمنها وأمانها، وسلمها وإسلامها، ورغد عيشها وسعة رزقها يا رب العالمين.
اللهم! أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر