وأصلي وأسلم على قائدي وقدوتي ومعلمي وقرة عيني محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
أحبتي في الله .. من على هذا المقام، أتذكر إخواناً لنا نذكرهم دائماً في مواطن الإجابة، والأيام المباركات كأيامنا هذه، وهي أشهر الحج، إخواناً لنا يجاهدون .. إخواناً لنا يصبرون، لا نملك إلا أن نقول لهم وفاء بعهدهم: اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، واغفر ذنبهم، واربط بالخير على قلوبهم، وحقق بالصالحات آمالنا وآمالهم، واختم بالطاعات أعمالنا وأعمالهم، وأسألك أن تكرم الشهداء في عليين، وأن تثبت الغرباء في العالمين، وأن تفك سجن المسجونين وأسر المأسورين، من الدعاة الصادقين المخلصين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وأن تجعل هذا البلد وسائر بلاد المسلمين أمناًوإيماناً وسخاءً ورخاءً، برحمتك يا أرحم الراحمين، وأسألك لأمة محمد صلى الله عليه وسلم قائداً ربانياً يسمع كلام الله ويسمعها، وينقاد إلى الله ويقودها، ويحكم بكتاب الله وتحرسه .. آمين آمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله: في أواخر الستينات كان هذا البلد كسائر بلاد المسلمين، الدين فيه مهجور والناس يتسمعون ويتبعون الموديلات، وما يقوله المغنون والمغنيات، الأحياء منهم والأموات، ويتبعون ما يقوله الممثلون والممثلات، وأصبح الدين مهجوراً يستهزأ به وقامت قيامة العلمانية، وظن الناس أنه لن يبقى في المساجد إلا العجزة والشيوخ، وإذا رأيت في صلاة الفجر وجدت الصلاة يتيمة شاكيةً باكيةً، فلا ترى فيها إلا رجلاً عجوزاً، والإمام والمؤذن، وتقول في نفسك: لو مات هذا فلن تكون هناك صلاة، وترى النساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، ولا همَّ للناس إلا الدرهم والدينار، والسفر من مكان إلى مكان، وتصيد الملذات والشهوات، ورفع الشيطان رايته وأصبح الإنسان الذي يُظهر الدين حيياً خجولاً، إذا نطق باسم الدين في ديوان سخروا منه واستهزءوا به، وترى الكاريكاتير في الصحف والمجلات يخرجونه باسم: ملا مصلح، مرة بيده الخمر، ومرة بجواره زانية، ومرة يحتال باسم الدين، وأصبح اسم الرجعي والمتخلف هو اسمه، وقلنا: - ولا حول ولا قوة إلا بالله - إن الذي نصر محمداً وحده على وجه الأرض قادرٌ على أن يعيد للدين دولته وللحق صولته، وينزل قدر الله، وكان قدر الله سبحانه لا يرد، فقد جُهزت للباطل أموالٌ ورجالٌ ونساء، يأتون من كل مكان، حتى أصبح الناس يشاهدون كل ليلة -بل كل ليلة جمعة التي من السنة أن يصلى فيها على الرسول- تُرى فيها راقصة عارية، تردح بأفخاذها على المسرح، تدخل في كل بيت عفيف.
ولله الفضل والمنة من قبل ومن بعد، وتمر الأيام سريعة، وأصبح الدين هو الحقيقة وزهق الباطل، وجن جنون أهل الباطل، استقدموا له الخبراء، واستحدثوا له الأجهزة، وأخذوا يمكرون مكر الليل والنهار، والحق متوجه كالطوفان الجارف لا يقف أمامه أحد، يصل إلى جمعيات النفع العام، ويصل إلى كل بيت من بيوتات هذا البلد، ثم أخذ الناس يلتفتون فإذا هي صحوةٌ عامةٌ في جميع الأقطار العربية والإسلامية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].
(فذهب هذا الرجل فواجهه الناس بقولهم: قبور آبائنا، أوثاننا نعبدها كابراً عن كابراً، صوراً لنا نعظمها ونبجلها فارتعد فعاد، وأعلن خوفه فقام
كانت أمثال هذه الأحاديث قذائف حق يوم أن كان الراقصة باسم الفن تعظم وتبجل وتجرى لها المقابلات، حتى أصبح بعض قراء القرآن في الستينات وأوائل السبعينات تجرى معهم المقابلات فيقال لبعض قراء القرآن: أين اكتشفت نفسك؟ فيقلد الفنان ويقول: اكتشفت نفسي في الحمام، فيقال له: وما هوايتك؟ فيقول: هوايتي أن أسمع الموسيقى الهادئة، شرٌ عم وطم حتى أصبح قارئ القرآن لا تجرى له مقابلة في الصحف وفي الجرائد فلا يملك إلا أن يقلد ذلك الفنان.
أحبتي في الله .. هذا الشيخ الفاضل يعالج في الخارج فوفاء للعهد أن ندعو له بالشفاء كما أنه على مرضه ألَّف على سرير المرض كتاباً، هذا الكتاب اسمه زهرات من الروض سأقرأ عليكم في الخطبة الثانية بعض فقرات هذا الكتاب، وهو من الكتب القيمة التي جمعها من نفحات روحه وسقاها بدماء بلائه الذي هو فيه، فكأنها كتبت من دموع الأمهات، وأرواح الحيارى، وأنات المبتلين، فنسأل الله سبحانه وتعالى له شفاءً عاجلاً، اللهم فك أسره واجبر كسره واشفِ جرحه، اللهم عافه يا من أطلقت رجلي عبدك أيوب أطلق رجليه ويديه، إنك على ذلك قدير، اللهم ألبسه لباس العافية ودوام العافية وتمامها، والشكر عليها في الدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.
أما بعد:
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
فأنت الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، فلا أول قبلك ولا آخر بعدك، رب من أين للورد شذاها وحسنها وبهاها؟! تنمو في حرارة الشمس وتتفتح على ضوء القمر وتزهو في سجسج نسيم فإذا هي ملء العين بل! ومن أين للعين نورها يا رب وهي نقطة سوداء على سطح الماء؟! ثم من أين لهذا اللسان أن يتصدر زعامة الجسم كله في الذوق ودقة الإحساس ورغبة المتمني وبهجة القلوب وهناءة النفس وجمال العين؟! ومن أين للأشجار طعومها المختلفة .. وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد:4] تباركت يا مخرج الخضراء من الغبراء، يا خالق العجم من طين وماء، أعجزت الإنسان بآياتك البينات في ملكوت الأرض والسماوات .. وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].
هذا هو أسلوبه في خطبه وإني لأقترح على مكتبات التسجيل أن تختار أشرطة لأحد هؤلاء العلماء الأفاضل فتسميه بعنوان شريط الأسبوع يباع عند المساجد لكي نحيي ذكراهم فإن أهل الباطل يسعون لباطلهم، فلماذا لا يسعى أهل الحق إلى الحق؟! .. وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].
وهكذا - أيها الأحبة الكرام - بهذا الاسترسال القوي ينقلنا فضيلة الشيخ/ حسن طنون كلمة كلمة إلى مشاهد يوم القيامة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يخفف علينا فيها وأن يجعلنا في ظل عرشه، وفي مستقر رحمته، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أيها الأحبة الكرام: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة: اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءً إلا صرفته، ولا عيباً إلا سترته وأصلحته، ولا مسافراً إلا حفظته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا قصمته.
اللهم عليك باليهود وأعوانهم، والنصارى وأنصارهم، والشيوعيين وأشياعهم، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم إنا نسألك تحرير الأقصى وفلسطين وأرض، أفغانستان والفلبين، وكل أرض يذكر فيها اسم الله، وما ذلك على الله بعزيز، منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، ومجري الحساب، وهازم الأحزاب، اهزم أحزاب الباطل يا رب العالمين، اللهم اجعلها ساعة إجابة وساعة إنابة في هذه الأيام المباركة إنك على ذلك قدير.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر! والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر