اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك، اللهم إنا نسألك أن تعيننا على صيام وقيام رمضان إيماناً واحتساباً لوجهك الكريم، اللهم حبب إلينا صيامه، وحبب إلينا قيامه، وزينه في قلوبنا، واجعل خير أعمالنا من الباقيات الصالحات في رمضان.
اللهم اجعله شاهداً لنا لا علينا، اللهم هون علينا ظمأه وجوعه وحره، واجعله في سبيلك وابتغاء مرضاتك، اللهم اجعل لنا ثوابه ونوره وبركته وهداه ويمنه ويسره وتقواه لنا ولوالدينا ووالديكم وجميع المسلمين والسامعين الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عتقاء هذا الشهر، اجعل لنا في أوله رحمة، وفي أوسطه مغفرة، وفي آخره عتقاً من النار، اللهم أعنا على قراءة القرآن فيه، وتدبره وتفكره، وإحلال حلاله، وتحريم حرامه، والعمل بمحكمه والإيمان متشابهه، اللهم اجعلنا في شهر رمضان هينين لينين، سمحين حبيبين قريبين، اللهم اجعلنا لجميع المسلمين في هذا الشهر وسائر العام كالأرض الذلول يطؤها الكبير والصغير، وكالسحاب يظل البعيد والقريب، وكالمطر يسقي من يحب ومن لا يحب، اللهم اجعلنا لجميع المسلمين في هذا الشهر المبارك القادم علينا مبشرين وميسرين، ولا تجعلنا معسرين ومنفرين.
اللهم صل به أرحامنا، اللهم ثقل به ميزاننا، وحقق به إيماننا، وفك به رهاننا، وأخسئ به شيطاننا، اللهم أعنا فيه على فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك منها غير مفتونين، اللهم إنا نسألك أن تنزل علينا في هذا الشهر المبارك رحمة من رحماتك الغافرات المنجيات الراحمات، اللهم إنا نسألك يا أرحم الراحمين شفاعة القرآن وشفاعة الصيام، اللهم إنا نسألك شفاعة القرآن وشفاعة القيام إنك على ذلك قدير يا أرحم الراحمين.
أيها الأحباب الكرام! إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته وبره ورضوانه، وأن يجعل قبورنا إذا ما متنا روضة من رياض الجنة يمدنا فيها بالروح والريحان، والنور والإيمان، والبر والرضوان، آمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها الأحباب الكرام! شهر رمضان نعمة عظيمة من الله، نعمة لا تقدر بثمن، أما الحسنات فيه فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الحسنة في رمضان تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف مضاعفة، وهذا فضل من أفضال هذا الشهر الكريم، وهو موسم -أيها الأحباب- على أولي الألباب أن يستغلوه فهو أسرع الشهور، يمر كالبرق على الصائمين، ما إن يبدأ حتى ينتصف، وما إن ينتصف حتى يودع الناس فيه، فالناس فيه في سباق إلى الله، فإن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعل، فهذا سباق والسباق فيه مسارعة، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61] فهذا هو موسم الخيرات، وموسم الحسنات، وموسم الرضوان، ينزل الله فيه سبحانه وتعالى كل ليلة في الثلث الأخير من الليل يقول: (هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه، هل من مستعيذ فأعيذه، أنا الملك، أنا الملك، أنا الملك، إلى أن ينفجر الفجر، وذلك كل ليلة).
وإذا صام الإنسان إيماناً واحتساباً، ماذا يقول الله في الحديث القدسي؟ يقول: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) أرأيتم أكرم الأكرمين وأغنى الأغنياء وهو الغني عن كل المخلوقات، فهو غني عن العرش، والعرش من أعظم المخلوقات، عرش كريم، الله خلقه من مادة كريمة، من الياقوت والزمرد والذهب واللؤلؤ والأحجار الكريمة، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهو سقف الجنة، وتفجر منه أنهار الجنة، ومع هذا الله غني عنه بذاته: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لقمان:26].
وهذا الغنى الواسع الذي يذكره الحديث، يقول: (إن الله لا يزال ينفق على عبيده منذ أن خلقهم، يمينه سحاء لا يغيضها شيء) أي: لا ينقصها شيء مهما أنفق على عباده سبحانه وتعالى، فإذا جئنا إلى الصيام؛ الغني يقول: (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) هذا تكريم للصائم، أن الله اعتبر الصيام له لا إله إلا هو وهو الغني، فلهذا أنتم أخلصوا بهذا الصيام واجعلوه لله كما قال: (الصوم لي) اجعلوه لله، لا تنتظر من أحد أن يقول إنك صائم، أو يعرف أنك صائم، أو تتظاهر ببعض الحركات والإشارات فتبين أنك صائم، فتأتي تقول: أنا رأسي يؤلمني لأني صائم، أنا عطشان وصابر لأني صائم، وتبدأ تتظاهر، لا، فالصوم احتسبه، لهذا قال: إيماناً واحتساباً، تلاحظ الحديث كيف؟ قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً) إيماناً بالله سبحانه وتعالى، واحتساباً لتعبه وأجره وجوعه وظمئه وضبط أعصابه، فهذا الاحتساب مطلوب.
ففي رمضان قد يتسلط عليك شيطان من الإنس، ولا تحسب أن شياطين الإنس مربوطة، الله سبحانه وتعالى يصفد شياطين الجن كما ذكر في الحديث، هذا الحديث يرويه البخاري ، يقول: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين) أي شياطين؟ شياطين الجن، تصفد وتربط، شياطين الجن ليس شياطين الإنس، هل رأيتم شيطاناً من الإنس مربوطاً؟ لا لكن شياطين الجن تربط.
لكن الواحد منا يقول: كيف هذا وفي رمضان سكران؟! لماذا لم يربط شيطانه؟
نقول: شيطانه مربوط، لكنه شيطان في حد ذاته من الإنس، الله ربط شيطان الجن ولكنه لم يتب، لا يزال يصر على الذنب والخطيئة مع سبق الإصرار والترصد، يعلم أن هذا حرام، وأنه في شهر فاضل فيه مغفرة وعتق من النار ولكنه يعاند ربه سبحانه وتعالى.
فلهذا نتنبه أيها الأحباب الكرام إلى أن نفرح فرحة عظيمة في استقبال هذا الشهر الكريم، ونتهيأ له أكثر مما يتهيأ الوالد في استقبال ولده المسافر، وأكثر ما يتهيأ الزوج في استقبال عروسه ليلة الزفاف، وأكثر ما يتهيأ الظمآن أو الحيران في الصحراء للطعام والشراب والهداية، هذا الشهر شهر عظيم، تفضل الله به سبحانه وتعالى على الأمة، قال في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... [البقرة:183] هي تجربة خاضها الذين من قبلكم فلا تخافوا منها، ولا تتهيبوها، ولا تستثقلوها.
فالله سبحانه كتبها على الذين من قبلكم، قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] والتقوى في هذا الشهر العظيم أصناف وأنواع ودرجات أيضاً، فتقوى التاجر غير تقوى الفقير، غير تقوى الشاب، غير تقوى العجوز، غير تقوى الطبيب، غير تقوى المعلم، فهناك أنواع من التقوى. فعلاً يحتاج الإنسان أن يؤكد عليها في هذا الشهر.
لهذا كثير من الناس يجعل الزكاة والصدقات في رمضان؛ لأن رمضان الأجر فيه يضاعف عند الله سبحانه وتعالى، وهو يحتاج إلى مئونة ومعونة خاصة، ويحتاج إلى زكاة فطر، ويحتاج إلى ملابس عيد، فالمصروفات فيه تزيد، فلهذا تقوى التاجر أن يفتح جيبه كما انفتح قلبه لله سبحانه وتعالى، نعم هذه صورة من صور التقوى، أي: لا يكفي أنك تقول: لعلكم تتقون، وتقرأ القرآن وتختم، وهو كنود كنوز حقود لا يخرج منه فلس واحد، هذا ليس من التقوى، هذا لم يطبق لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
بعض الساعات يبتلي الله العبد ويمتحنه، وأنتم لا تظنون أن المسلمين غير مبتلين ولا ممتحنين! لا، المسلم يمر بامتحانات كثيرة أكثر من امتحانات المدارس، امتحانات المدارس لها مدة معينة ومن ثم إذا سقط له دور ثانٍ، لكن المسلم من حين يصبح حتى يمسي وهو يمر في امتحانات مع الله سبحانه وتعالى، منهم من ينجح ومنهم من يسقط.
أنت فقط لو تدبرت وتفكرت في نفسك لوجدت الكثير من الامتحانات الله سبحانه وتعالى هو الذي يوفقك فيها وينجك منها، عند إشارات المرور واقف تتسلط عليك فتاة تبتسم لك، وتعمل حركات معينة، فأنت تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم إني صائم، وتدير وجهك إلى أن تنطلق وتفر بدينك، هذه صورة من صور التقوى، وإلا ما معنى: اللهم إني صائم؟ كلام فقط يردده الإنسان؟! لا، وإنما يستجيب لشيء معين في نفسه يجاهده إلى أن ينتصر عليه فينجح في الامتحان.
أقول: هذا رمضان الآن قادم عليكم فانتهزوا هذا الموسم المبارك ونافسوا في كسب الحسنات والأجور، من هو فلان من الناس الذي يصعد على المنبر حتى يستمع له ألف أو ألفان، أنت يستمع لك مليون أو أكثر، نعم يا أخي الكريم، خطبة الجمعة أنا كم يسمع لي الناس في خطبة الجمعة؟ ألف؟ ألفين؟ لكن الإذاعة والتلفزيون أقل شيء عشرون مليون يسمعونه، منطقة الخليج هذه كلها والعراق والسعودية أقل شيء عشرون مليون يسمعونه.
هذا لم يكن موجوداً في الماضي، أكبر خطيب موجود في الماضي كما سمعنا عنه الإمام/ ابن الجوزي رحمة الله عليه كان إذا جلس يصعد الناس على النخل وعلى البيوت في العراق يستمعون خطبته، وهناك أناس يبلغوها لبعد المسافة لم يكن هناك ميكرفونات، لكن الآن هذا الجهاز الإعلامي التلفاز والإذاعة أصبح في كل مكان منتشر وسهل، حتى أنهم الآن أدخلوه في السيارات وبعضهم في الساعات، وبعضهم وضعوه في الجيب، فأصبح معك في كل مكان.
فالكلمة الطيبة النافعة الخيرة إذا أريد بها وجه الله سبحانه وتعالى ففيها أجر عظيم، وأنا أدعو الإخوة في أجهزة الإعلام وبالأخص الممثلين والمنتجين، والمخرجين والمؤلفين، أن يستقبلوا هذا الشهر بعمل طيب مبارك يرضون به الله سبحانه وتعالى، ويرضون به الرسول صلى الله عليه وسلم بتحري هديه، وذكر سيرته وجهاده وغزواته، وأن يثروا الفكر الإسلامي، فديننا وتاريخنا بحمد الله عبادة، نحن لسنا مثل روسيا وأمريكا، أمريكا تاريخها مقطوع مبتور، وروسيا تاريخها مقطوع مبتور، روسيا عمرها كم؟ خمسون سنة، وأمريكا مائتا سنة، ليس عندهم تاريخ، عصابات من قطاع الطرق واللصوص أخذوا مسدسات وذهبوا إلى هؤلاء المساكين الذي يسمونهم الهنود الحمر، وهم ليسوا هنوداً، ولكنهم سموهم الهنود الحمر وذبحوهم، واستولوا على أمريكا، ليس عندهم تاريخ، ويدوخوننا بكل شيء، فلهذا نحن تاريخنا عبادة.
نطوف كما طاف إبراهيم، ونسعى كما سعى محمد، ونصلي كما صلى محمد، وعندنا السلف الصالح من الصحابة فتحوا أرض الروم والأندلس والفرس، ونشروا الدين إلى حدود الصين وفرنسا، وفتحت القسطنطينية، هذا تاريخ نحن نعبد به الله سبحانه وتعالى ليس فقط ندرسه، أين المؤلفين والمنتجين والمخرجين والممثلين عن هذا البحر المحيط من هذا التاريخ العظيم؟
فهذه فرصة عظيمة، وخاصة الآن أنه وجدت من بينهم نخبة صالحة تحافظ على الطاعة والعبادة والصلاة كما أعلم، منهم الأخ/ ( غانم الصالح ) جزاه الله خيراً، يحضر صلاة الجمعة واعتمر أربع عمرات وحج إلى بيت الله سبحانه وتعالى، وعائلته كما أعرفها عن قرب، فبين عائلتي وعائلته صلة نسب ورحم، وإن كان في مجال التمثيل والفن إلا أنه حريص كل الحرص على شرفه وأخلاقه فلا يعرف بفضل الله تبارك وتعالى الزنا أو الفاحشة، ووجود هؤلاء له أثر كبير في مجال الفن.
أعلم أن الأخ/ ( إبراهيم الصلال ) كل سنة يذهب إلى الحج.
وأنا عندما أتكلم لا تعجبون من كلامي هذا، قد تقولون: في المسجد تقول هذا الكلام! نعم في المسجد، هؤلاء أناس قائمون على جهاز يدخل بيتي وبيتك غصباً عني وعنك، فالتلفاز موجود في البيت والإذاعة موجودة في البيت، والفيديو موجود في البيت، يجب أن نوجه وهم يوجهون، ونحن ننصح وهم يستمعون.
وأنا أقول للأخ/ ( محمد المنصور ) ولإخوانه بارك الله فيهم: إذا أردتم بر هذه الوالدة الخيرة الصالحة التي ماتت رحمة الله عليها، ولم تلقِ حجابها، ولا لبس أمهاتنا المباركات الطيبات بفضل الله، إذا أردتم برها، لا أقول لكم: كفالة يتيم، ولا أقول لكم: اختموا القرآن، ولكن أقول لكم: نظفوا جهاز الإعلام الذي أنتم عليه واجعلوه موجهاً، فرب آية أو حديث أو تمثيلية أو نصيحة أو فكر إسلامي أو رواية إسلامية توجهونها تدخل ملايين الناس، ويؤمن بها ملايين، وتصلحون بها ملايين الفتيات والفتيان ينزل ثوابها إلى هذه المرحومة في قبرها فتستأنس وتفرح، وتقول: خلفت أولاداً بفضل الله رب العالمين يبنون هذا البلد ويبنون الإسلام، وهذا الكلام أقوله من باب المحبة والشفقة، فأسأل الله أن ينفع بهذه النصيحة.
فرمضان لم يفرض من غضب، إنما رمضان فرض من رحمة، ومعنى هذا أن من رحمة الله أننا نقبل عليه تائبين مستغفرين متفائلين فرحين قلوبنا مفتوحة إلى فضله وبره وجوده ورحمته وعطائه، لا نقبل عليه في هذا الشهر ونحن فقط نحسب حساب ذهبنا في النار، هلكنا، نحن معذبون، ونيئس من رحمة الله سبحانه وتعالى، نقبل على الله رغبة ورهبة ومحبة، ولكن يجب أن يكون لهذا ضابط، وأن تكون متوازنة، فلا نتكل على الرحمة والرجاء فقط فنترك العمل مثل شخص تقول له: يا أخي! صم رمضان، يقول: الله أرحم الراحمين، نعم أرحم الراحمين لكن لمن؟ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56] وليس -والعياذ بالله- من الجاحدين للصلاة وللصيام وللطاعات والعبادات إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96] كن منهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، يقول لك: الله كتب علي ذلك، أنت تريد أن نعاملك بنفس الأسلوب الذي تعامل به ربك؟
إذا ظمئت نقول لك: لا تشرب ماء، إذا كتب الله عليك أن تشرب الماء فتعال اشرب ماء، مت من العطش، فعند ذلك لن يرتفع الكأس ويقول لك: اشربني، إذا سُلم المعاش والراتب الشهري، نقول لك: اجلس في البيت، لا تذهب لتستلمه من التموين، فإن الله إذا كتب أنه سيصل إليك فسيصل إليك. هذا كلام لا يقوله عاقل؟ تقول له: صم! يقول: إذا كتب الله علي أن أصوم فسوف أصوم، وإذا جاع ذهب يأكل؟!
نصيحتي أن هذا شهر أقسم الله الذي لا إله إلا هو فيه أنه لو جاءه العبد بملء الأرض خطايا حتى ارتفعت ذنوبه إلى أعلى السماوات السبع ثم تاب في هذا الشهر فإن الله يقبل توبته، وإن الله يغفر له بإذنه ورحمته وهذا الذي وعد، يقول الله: (يا بن آدم لو جئتني بملء الأرض خطايا لجئتك بقرابها مغفرة؛ ما استغفرتني ولم تشرك بي شيئاً، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء لغفرتها لك ولا أبالي).
لماذا ينـزل كل ليلة يقول: (هل من مستغفر فاغفر له؟).
الناس نائمون. سبحان الله! الطائعون ساهرون، والعاصون نائمون، الطائعون: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] والعاصون نائمون، وهو ينـزل كل ليلة بكيفية لا يعلمها إلا هو، ليس كمثله شيء في نزوله، لا إله إلا هو وهو السميع البصير: (هل من مستغفر فأغفر له؟) نائم سكران، أو عاقد النية والعياذ بالله أنه لن يصوم، وتدخل -أعزكم الله- حمامات الوزارات والسجائر تخنقك في رمضان أكثر، خاصة الصائم يشم أكثر، الصائم يدوخ، لا تدخل حماماً من حمامات الوزارة إلا ويغمى عليك، أنت الآن تختفي عن الله سبحانه وتعالى في الحمام، تعصيه وهو يراك: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] ويقول: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:10-11].
ثم هناك إخوة لك في المستشفيات كالذي له تقريباً سنتين وثلاث سنوات رجله أو حوضه مكسور بحادث سيارة يبكي الليل والنهار، والذي هو مصاب بالتهاب كلوي، وبعض المسلمين موجود يائس من الحياة في الأشعة العميقة التي فيها أمراض السرطان، مثل هؤلاء إذا ذهبت إليه ومسحت على رأسه في رمضان وباركت له، وقلت له: أنت أخي في الإسلام! أنا أحبك في الله، أنا هذه الليلة سوف أدعو لك في صلاة التراويح وصلاة الوتر، هذه تجبر قلبه مهما كان فيه من الغموم والهموم من الأمراض، كلها تذهب، ويحس أنه ليس معزولاً عن الدنيا، والناس فيها خير ورحمة وبركة، مرة في الأسبوع لا يضرك، من وقت تحركك من البيت إلى أن تصل إلى المستشفى سبعون ألف ملك يمشون في ركابك يستغفرون لك، وهذا الاستغفار لا تحسب أنه هين، فهو يخرجك من الظلمات إلى النور، كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43] هذه بركة، وهل هناك أعظم من أنك تخرج من الظلمات إلى النور؟
لا يوجد أعظم من هذا.
الناس والعياذ بالله في ظلمات الشرك والمعاصي والكفر والذنوب والكبائر والعظائم، وأنت من طاعة إلى طاعة، لا تخرج من صلاة الفجر إلا تنتظر الظهر، ومن الظهر تنتظر العصر، قلبك معلق بالمساجد، وبفضل الله لسانك رطب بذكر الله، والمصحف في جيبك وتحفظ وتختم القرآن، وتحب الصالحين وتجلس معهم، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، من طاعة إلى طاعة، ومن عبادة إلى عبادة، وهذا بتوفيق الله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
فتكتب: مادة رقم (1): إفشاء السلام.
مادة رقم (2): الابتسام لكل مسلم.
مادة رقم (3): المصافحة، ومصافحة القلوب قبل الأيدي، لا يكفي أنك تضع يدك بيده والقلب من الداخل فيه غل وحقد وحسد وغش، لا يا أخي! يجب أن يكون قلب المسلم قلباً مخموماً، أي: نظيفاً، يتول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكون مثل
نحن إذا جاءنا ضيوف لا نجعل لهم برتوكولاً؟ مؤتمر القمة الإسلامي أليس لهم برتوكولاً؟
هذا فعل عمر رضي الله عنه لم يكن يعطي الناس أموالاً لكنه كان يعطيهم أجراً عند الله سبحانه وتعالى، قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا حمدا الله وأثنيا عليه تحاتت ذنوبهما كما تتحات أوراق الشجر) وفي رواية: (غفرت ذنوبهما قبل أن يتفرقا) وفي رواية: (غفرت ذنوبهما وإن كانت مثل زبد البحر) كم دفعت؟ لم تدفع.
قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم) مهما يكن عندك من أموال، مستحيل أن تغطي الناس كلها، تصور حتى الذي يقسم الزكاة، والزكاة حق الفقير في مال الغني، تعال تابع واسمع الفقير واسمع ما يقول، تجده يريد أكثر وهو غير راض، لهذا فإن المال لا تستطيع أن تحقق به رضا الناس أبداً، ويوم أن ينقطع المال ينقطع الرضا، لكن ما الشيء الذي تنفقه ولا ينتهي؟ حسن الخلق، لهذا قال: (لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسطة الوجه وحسن الخلق) هذا حديث صحيح، عضلات الوجه هذه بإمكانها أن تصبح مفاتيح قلوب، كل عضلة في وجهك مفتاح قلب، وبإمكانها والعياذ بالله أن تصبح سدادات فحم وفلين لا ينفذ منها شيء إلى قلوب الناس، مقطب حواجبه، وعيونه حمر، ويصرخ على هذا، ويلعن ذاك، ويشتم هذا، ويسب هذا، أعوذ بالله! هذا صيام؟!
الله سبحانه وتعالى عندما فرض هذا الشهر فرضه رحمة ومودة ومحبة والحور تتعدل وتتزين، والجنة تتعدل وتتزين، وباب الريان يتزين ويتعدل؛ لأن الصائمين كلهم يدخلون منه، وهذا صائم يلعن هذا ويشتم هذا، لماذا؟
قال: أنا صائم، إن وقف عند الخباز تسمع له صياحاً وصراخاً وغضباً، إن دخل الجمعية وبحث عن كيس يريد أن يعصر الطماطم ويضعه فيه وما وجده قال: الله يقطع الجمعية والمسئول والمدير، من الذي انتخبكم؟ ويصيح.
لماذا يا أخي؟ اتق الله، كل ذلك من أجل كيس شتمت الناس، الله سبحانه وتعالى كرمك ورفعك: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الإسراء:70] العنصر الإنساني مكرم، فكيف المسلم الذي هو أفضل عند الله من الكعبة، وأفضل من السماوات والأرض كما تقول الأحاديث، ولا يبالي من أجل كيس لم يجده في الجمعية شتم طاقم الجمعية كلها، فلهذا انتبهوا هذا قد يحبط صيام اليوم كله، وقيام الليلة، وختم القرآن.
يأتي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة فيحضره في هذا اليوم ولا يجد فيه حسنة واحدة، كيف لا يجد فيه حسنة واحدة؟ لأن الله يأتي بهؤلاء الذين شتمهم جميعهم، ثم يقول: خذوا من حسناته، ولا يتركون له شيئاً، فلهذا انتبهوا يا إخوان! رمضان جعله الله سبحانه وتعالى رحمة ومغفرة.
عائشة أم المؤمنين أرادت أن تعلم جاريتها درساً، فقير طرق عليها الباب، وكان أمامها عنقود عنب فقطعت حبة عنب واحدة، قالت: في الباب فقير أعطيه العنبة، قالت: مولاتي عنبة! قالت: نعم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، وإن الله يستقبل الصدقة بيمينه فيربيها لعبده المؤمن كما يربي أحدكم فلوه حتى تغدو كـجبل أحد ) فالعبرة بالمبدأ.
إذاً.. المادة السادسة: لا يمر علي يوم إلا ولي فيه صدقة، مائة فلس .. خمسين فلساً .. ربع دينار .. نصف دينار، ضعها لكافل اليتيم في الصندوق في اللجان في كل مكان موجود، الحمد لله الكويت لا تدخل مسجداً إلا وفيها لجنة من لجان الخير أو صندوقاً لها بفضل الله رب العالمين، ضعه أنت وانسه واذهب: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً [مريم:64] كله محفوظ، ديناران؛ دينار في يدك أنت تحرسه، ودينار في يد ربك هو يحرسه، لا إله إلا الله.
حتى تعرفوا قيمة الأجر (ورب حسنة بمثقال ذرة) لأن ميزان الله حساس، لا تقل: إنه: ميزان إلكتروني، هناك بعض الموازين الموجودة في الجيش الذي يختبرون فيها الحبال والسلاسل والأشياء المضبوطة، تتأثر بنفسك إذا تنفست عندها وأصبح نفسك حاراً عليها يختل الميزان بالنفس، لكن ميزان الله أعظم من هذا، ميزان الله يزن مثاقيل الذرة، انظر الذرة التي لا تراها، لها بروتون وإلكترون ونوية ونواة هذه التي يفجروها وأصغر منها الله سبحانه وتعالى يزنها في ميزانه، وهناك ميزان يقف على حسنة واحدة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] نعم، هو مذكور في القرآن الكريم: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:104] الكلوح: النار عندما تشوي الوجوه فإن الشفاه العليا تذهب إلى الأعلى والشفاه السفلى تتقلص وتنشوي وتنزل إلى تحت، وتطلع الضروس مثل الأنياب: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً... [المؤمنون:105-110] تضحكون عليهم وتستهزئون بهم وتذلونهم وتوجهون لهم التهم، الآن الجزاء من جنس العمل: يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:109-113].
فلهذا أحبتي في الله: احرص على إتمام التراويح في المسجد وعلى صلاة الوتر إن شئت قدمتها مع الجماعة وإن شئت إذا كنت لا تنام أن تأخرها وهو الأفضل، بحيث أنك تخشع في آخر الليل بعد السحور وتذكر الله كثيراً وتسبح وتصلي الوتر وتدعو الله سبحانه وتعالى وتطيل بالدعاء، وتحرص على صلاة الفجر في المسجد، وعلى الحفاظ على السحور ووقت السحور، الناس عندهم اضطراب في وقت السحور خاصة بسبب التلفاز، يجلسون عند التلفاز إلى الساعة الثانية ومن ثم يأكلون وينامون، ويأخذ النوم بعضهم ولا يستطيع أن يصلي صلاة الفجر.
لكن الأفضل أنك بعد أن تصلي التراويح تذهب تصل بعض الأرحام تسلم عليهم، وتجلس معهم وتستمع، تنصحهم وينصحونك، تجلس مع زوجتك وأولادك، تذهب تزور والدتك إذا لم تكن معها في بيت، تتناصح معها، إلى الساعة الحادية عشرة تضع رأسك وتنام، خاصة الموظفين الذين عندهم وظائف حتى لا يهملوا في واجبهم، وتنام وترتاح، وتضع الساعة على وقت السحور، بحيث إن بقي على الأذان تقريباً نصف ساعة تجلس وتتسحر وترتاح، وتتوضأ وتذهب إلى المسجد، هذا هو فعلاً العمل المناسب الذي يتناسب مع الصلاة ومع القيام، أما أن يسهر إلى الفجر، وينام بعد صلاة الفجر ساعة واحدة ويذهب إلى الوزارة كأنه مسموم، وهذا على حساب المراجع، على حساب العمل، عندما يقول: يا أخي أكمل لي هذه المعاملة، تقول: آه اذهب وارجع غداً، لماذا؟ لأنه ليس عنده استعداد نفسي، الله سبحانه وتعالى أعطاك في الجسم طاقة والصبر له حدود.
فلهذا تقصيرك في واجبك وعملك سببه عدم تنظيمك لوقتك في هذا الشهر، أي: عندما هذا المراجع مستأجر له سيارة بثلاثة دنانير، وجاء من أجل المعاملة والمعاملة لا تكلف أي شيء لو أنك صبرت واحتسبت، كل هذا أنت تسببت فيه .. ضيعت وقته وضيعت أجر السيارة وما أنجزت معاملته؛ لأنك متعب من السهر في رمضان.
والعمرة في رمضان كحجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا لو أقول لك: الآن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث من قبره، وقال لك: يا محمد! يا خالد! يا علي! ما رأيك تحج معي هذه السنة؟ الله أكبر! الإنسان إذا رأى الرسول في المنام لا يبقى أحد إلا ويخبره، فلهذا اعتمر في هذا الشهر، وهناك عند الكعبة والحجر الأسود ومقام إبراهيم هناك تاريخ، وهناك سيرة، لا تذهب تطوف كالإنسان الساذج، لا، وإنما كلما تقف في موقف وتشهد مشهداً وتؤدي منسكاً، عد بالذاكرة إلى الوراء يوم كان الرسول صلى الله عليه وسلم وحيداً فريداً في هذه المنطقة يدعو الله وأصحابه يعذبون، إلى أن دخل مكة فاتحاً وساجداً على ظهر الناقة صلى الله عليه وسلم، هذا كله تاريخ استحضره أنت هناك لكي تشهد منافع العمرة كما تشهد منافع الحج.
كذلك تحرص في هذا الشهر على حضور الدروس، فبفضل الله هناك موسم ثقافي في هذا الشهر في كل المساجد، الأئمة والوعاظ جزاهم الله خيراً على العطش الذي هم فيه يحدثون الناس من العصر إلى قبيل المغرب، وأنت جالس في البرد، نحن في الكويت بفضل الله مساجدنا أطيب وأروع حتى من بعض البيوت، هواء طلق، وأنوار، وبرد، وانشراح، ونظافة، وأمن وإيمان، والله بعض الدول تدخل المسجد وأنت لا تدري هل تخرج حياً أم لا؟
مباحث ومخابرات ويحسبون لك، ويرصدون، وبعض الدول يدخل رمضان ويخرج ولا يدرون عنه أي شيء، ويكتشفون بعد ثلاثة أيام أن الناس في رمضان، والله يا إخوان إن بعض الدول يكتشف الناس فيها ذلك وأما الحكومة فلا تعلن ولا تذيع، العرق يباع في السوق، والخمر، والذي يأكل السنبوسة في الشارع، ويتبول وهو واقف، ولو تأتي فتقول له: هذا رمضان، يقول: رمضان! يا رجعي يا متأخر، خذوه وعلقوه، هذا موجود ولا أريد أن أذكر الأنظمة والدول التي تفعل هذا الفعل، ولكن نحن بفضل الله في طاعة وعبادة وأمن وتيسير للطاعة والعبادة، تذهب مرتاحاً آمناً على بيتك، وصلاتك ودينك، حوائجك مقضية قريبة إلى منطقتك، كل منطقة الآن عاصمة من العواصم، مدارسها فيها، مستشفياتها فيها، وجيرانك وأرحامك وأقاربك كلهم قريبون منك هذه نعمة لا تقدر بثمن، ولا يشعر بها إلا من فقدها.
فلهذا مادام الله يسر لنا هذه النعم وكفلها لنا، فلنقبل على الله أحسن إقبال، ونشكره أحسن شكر، ونثني عليه أحسن ثناء؛ لأن هذا الشكر والثناء يديم هذه النعم ويبقيها: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] والشكر قيد النعم.
الصائم يشتهي بعض الأمور ويريد أن يأكل وينوع في الأطعمة، لكن لا يسرف: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] هكذا الله سبحانه وتعالى يبين لنا في كتابه الكريم، وهذا نفعله الآن، لماذا؟ للنداء الإلهي يوم القيامة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24] وعكرمة يفسر الأيام الخالية، يقول: أيام الصيام في رمضان، وترفع الموائد بجميع الأصناف، وسبحان الله! الناس الآن ابتلوا بما يسمى أمراض التخمة والترف، السكر والضغط والسمنة والدهون في الدم، وتأتي إلى المائدة فيها كل الأصناف، ويمد إصبعه ويلعقها ويمد إصبعه الثاني ويلعقها فقط ويقوم، لا يأكل، مادام أنك تعرف نفسك أنك لا تأكل هذا الأكل لماذا هذا الإسراف؟ لماذا لا تجعل هذا الطعام يسبح في بطن فقير من الفقراء بدلاً من أن يرمى في الزبالة؟!
إن الإسراف في الطعام قد يزيل النعمة، نذكر أن آبائنا وأجدادنا كانوا إذا أكلوا الخبز وبقي منه يأخذونه مرة ثانية ويأكلونه، أو يذهب إلى بيت النمل ويؤكل النمل؛ لأن في كل ذات كبد رطبة أجر، وكانت النعمة محفوظة على قلتها في ذلك الوقت، والآن على كثرتها الأمراض كثرت، فلهذا نتنبه أيها الأحباب لعدم الإسراف في رمضان.
ليس المعنى أنني أضع لي تمرة وزيتاً وأبتلعه حتى أموت من الجوع، لا. اصنع أكلاً، لكن لا تسرف، فالله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين.
هذا الفضل الإلهي والعطاء الإلهي الذي لا يعد ولا يحصى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] فإذا أقمت العشر الأواخر وليلة القدر، أخرج زكاة الفطر واحرص عليها ولا تتهاون فيها، فالصيام معلق بها، وهي بعد صلاة العيد صدقة، لهذا أخرجها قبل الصلاة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، اسمها زكاة الفطر، الله يكمل فيها الناقص، مهما كان الإنسان يجتهد إلا أنه مبني على العجز والنقص والنسيان والغفلة، فلهذا إذا كان هناك شيء ناقص منك ومني فالله يكمله بفضله من زكاة الفطر، يرتفع رمضانك هذا تزفه الملائكة إلى الله سبحانه وتعالى من أوله إلى آخره، إن عدت فيه مريضاً سار معك سبعون ألف ملك، وإن وصلت فيه رحماً بارك الله لك في أثرك وأهلك ومالك ولين قلبك، وإن اعتمرت فيه كانت كحجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكم تعدد؟
الله سبحانه وتعالى فضله أكثر، والله سبحانه وتعالى إنعامه أعظم.
أيها الأحباب الكرام! هذه خاطرة سريعة أتناصح بها وإياكم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها، وأن يعيننا على فعل الخيرات، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءاً إلا صرفته، ولا عيباً إلا سترته وأصلحته، ولا مسافراً إلا حفظته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا قصمته وأخذته.
اللهم استعملنا فيما يرضيك، ولا تشغلنا بما يباعدنا عنك، واقذف في قلوبنا رجاك، واقطع رجاءنا عمن سواك، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، اللهم صن أعراضنا، وصن أولادنا، وأصلح بناتنا، وأصلح أزواجنا، وأصلح أرحامنا، اللهم أعنا على فعل الطاعات والخيرات، والباقيات الصالحات، إنك على كل شيء قدير، اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، هذا الدعاء ومنك الإجابة.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر