عباد الله: جددوا إيمانكم بلا إله إلا الله، فإن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب، وأكثروا من الصلاة على النبي، فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران:102] فالتقوى هي الطريق للموت على الإسلام والإيمان والقرآن، وهي التي تفرج الهموم، وتجلب الأرزاق، وتستنزل الأمطار: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
المطر لا ينـزل على من يفعل ذلك إلا من رحم الله، سائل يسأل -وأنا أتوقع أن الأقلام السفيهة في الصحف غداً أو بعد غدٍ ستكتب هذا الكلام- يقول: هذه دول الكافرين الذين يخترعون أبواب الربا حتى بلغت أكثر من سبعمائة باب تنـزل عليهم الأمطار ليل نهار.
أقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم بين حقيقة: وهي أن الدنيا جعلت جنة الكافر، وأن الآخرة هي جنة المؤمن، وعلى الإنسان أن يختار .. إما عمراً قصيراً زهيداً مشوباً بالأمراض والأكدار مع الكافرين، أو حياة أبديةً بلا إله إلا الله، نقساً يخرج من فؤادك يكتب لك الخلود به في جنات النعيم، والنظر إلى وجه رب العالمين، وهم في استدراج من الله وإمهال، قال تعالى وهو يذكر المطر: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ [الطارق:11] الذي هو المطر: وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ [الطارق:12] الذي هو النبات: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق:13-17]. إنهم في المهلة، في الاستدراج.
وآخر يقول: لماذا تستسقون؟ المطر يؤذينا، سياراتنا الفارهة المغسولة تتلوث، شوارعنا تتوحل، الأرزاق تأتينا من كل مكان براً وبحراً وجواً، إنما الذي يستسقي الذي يعيش على حليب الإبل في الصحراء، ونحن من زمن بعيد هجرنا ذلك، ومعظمنا الأطباء يقولون: أنت فيك سكر، وأنت فيك دهن، وأنت فيك ضغط، وأنت فيك علة، فلا تشرب من هذا، وإنما كُلْ خبزةً محروقة، أمراض المترفين، أمراض البطرين.
نبي الله أيوب عليه السلام شفاه الله، وآتاه الله ماله وولده وأهله، وأنزل عليه جراداً من السماء ذهباً، هذا الكلام لا يصدق به العلمانيون، ذَهَبٌ ينـزل على هيئة جراد، فكان يحثو في جيوبه، وفي ملابسه، والله يقول له: ألم أغنك يا عبدي؟ فيقول: بلى. رب أغنيتني، ولكن ليس بي غنىً عن بركتك، فكان يسأل الله البركة.
نعم. الله أغنانا حتى أصبح رفٌ واحدٌ من رفوف الجمعيات التعاونية فيه أرزاق عشرين دولة، ولكن هل نستغني عن البركة، البركة يحيا بها الإيمان، البركة تبارك العمر والأهل والمال والولد والأمن، وهل هناك أكثر من أموال الكافرين؟ ولكن لا بركة لهم، حياتهم شقية تعيسة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طـه:124] .. وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36].
الله يعلم من وراء ذلك، وإن كان القانون لا يتعالم، ولا يعلم؛ لأن الله زرع الضمير الإيماني في قلوب الناس، فأصبح كل مسلم شرطيه معه، لأنه يراقب الله، أما الذي يراقب القانون فلا يبالي إذا ما نام القانون أو غفل.
هذا هو الميزان المضبوط، ثم بعد ذلك لا ننس إخواننا المسلمين، وعلى رءوسهم الدعاة الصادقين المخلصين الذين يقبعون في أقبية السجون في فلسطين وفي لبنان، وفي كثير من ديار العروبة وديار الإسلام، إن لهم دعوات لنا أو علينا تصيبنا من قريب أو من بعيد، المسلمون يبادون في كل مكان وفي كل دولة؛ سجون، معتقلات، حرب إبادة، تهتيك أعراض، ولا تتكلم دولة واحدة، إنما جعلت منظمات كافرة تنوب عن المسلمين، وهل يحن قلب الكافر على المسلم؟ معاذ الله! أقلها سفير يتكلم، أقلها كتاب استنكار، أو احتجاج، أو شجب، كيف نلقى الله يوم القيامة على مستوى الدول الإسلامية، ويأتي المسلمون المستضعفون من النساء والولدان والرجال يشكون إلى الله سكوتنا وصمتنا, إن لهذا السكوت شؤماً أقله عدم نزول المطر.
أحد الصالحين يقول: إنكم تستأخرون المطر، إني أستأخر الحجارة أن تنزل من السماء.
العلاقة الجنسية الحرام رخيصة، يتوصل إليها الإنسان في كل لحظة، والحلال ممنوع، ثم إذا سقط هذا المسكين طبلوا وزمروا وصيحوا وكبروا عليه، وفضحوه في كل مكان، هذا له عقوبة بلا شك.
عمر بن الخطاب يخاف من عقوبة عنزة تعثر في صخرة في العراق ، أو بغلة تقع في حفرة، وسليمان عليه السلام يراعي حقوق نملة في مملكته في وادي النمل، وهؤلاء بشر، لابد من تعديل مثل هذا القانون حتى يرضى الله علينا، وتجتمع الأسر والشمل.
أحبتي في الله: لا تزال أبواب التوبة مفتوحة، لا تظنوا أن الذي يحيي سنته فقد أدى الذي عليه، أيها المسلمون! تعالوا إلى المصليات نحيي صلاة الاستسقاء، لقد أصيب المجتمع المثالي الأول في خير القرون، في خلافة عمر بن الخطاب بعام يسمى عام الرمادة، أصبحت الأرض كالرماد، ووجوه كالرماد من الجوع، ونزحت القبائل كلها إلى المدينة المنورة يريدون أن يموتوا فيدفنوا في البقيع ، وجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب يأكل خبزاً وملحاً، تغير وجهه، وقرقرت بطنه، يقول: [قرقري، أو لا تقرقري، والله لا تذوقي اللحم حتى يشبع جميع المسلمين منه] وأمر البنائين أن يبنوا قدوراً راسيات وجفاناً كالجواب تأتي إليها القبائل تأكل منها حتى وقف عمر بعد عام كامل من الجوع، وجمع الناس .. خليفتهم يتقدمهم لكي يصلي بهم ويستغيث، وأمرهم بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، ثم توجه عمر إلى الله، وقال: [اللهم إنا كنا نستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله قد مات، وهذا العباس عم رسول الله، قم يا عباس ! واستسقِ الله لنا، فرفع العباس يديه، وقال: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين] فثار السحاب من كل مكان، وسقوا، وانتهى القحط في خير القرون، عند أعدل إمام عرفه الوجود بعد صاحبيه رضي الله عنه وأرضاه، فماذا نقول نحن في عصر الظلمات والظلم؟
لابد من توبة عامة تعلن في الجرائد والصحف والإذاعات، ويتقدم جميع المسئولين فيصلون الصلاة، ويتوبون من الربا، وسائر المعاصي، عند ذلك يرضى الله علينا، وإذا جاء مطر ونحن على هذه الحالة التي نحن عليها إنما هو إمهال واستدراج من الله رب العالمين.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، لا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.
اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، لا تؤاخذنا بما فعل وما يفعل المبطلون، هذا بذنبنا، وتعفو عن كثير، يا أرحم الراحمين! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، واجعله رزق إيمان، وعطاء إحسان، إن عطاءك لم يكن محضوراً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
عباد الله: اتقوا الله، اتقوا الله، اتقوا الله، اتقوا الله، قال تعالى في كتابه الكريم -انظروا إلى الرب: بين ظهور الفساد في البر والبحر، وبين السقيا من الله، أو عدمها-:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] هذا في سورة الروم إلى قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ [الروم:48-51].
إذاً: الكفر والإيمان له علاقة، ظهور الفساد في البر والبحر له علاقة، انتبهوا! انتبهوا! أحبتي؛ أحبتي في الله، الله لا يرضيه ما تفعله الأقلام السفيهة التي تتكلم على الله بغير علم، أيها الإخوة! معصية واحدة يأخذ الله بها أمماً، يكتب كاتب في الصحف، يستشهد بالآيات والأحاديث على جواز رقص الراقصة التي جاءت في الكويت، كيف يسقينا الله، ولم يرد عليه أحد لا على مستوى رسمي، ولا على غير رسمي؟
يقول: أيها الناس! لماذا تقتلون الفرحة في قلوب الناس؟ هذه الطائفة -يعني: المتدينين؛ أصحاب الدين والغيرة والحمية- يقول: قتلوا الفرحة في قلوب الناس عندما طالبوا بمنع الراقصة من الرقص، ورسول الله قد أذن للحبشة أن يرقصوا في مسجده لتنظر عائشة إليهم، انظروا إلى أي مدى بلغ من الاستهزاء والسخرية بالدين! الحديث يقول: لعب الحبشة بالحراب، لعبة حربية بالحراب يقفزون بها، وعائشة طفلة صغيرة في العاشرة، أو تزيد قليلاً، وفي المسجد، ومعها رسول الله، وليس معهم أحد .. يساوي هذا برقص الراقصة على المسرح عاريةً والناس ينظرون، أين رجال الفتوى ترد عليه؟ يقولون: هذا سفيه لا نرد عليه. كيف والله جل جلاله قد رد على السفهاء: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:142] وأمر الله أن يحجر على مال السفيه.
هذه الأقلام يجب أن تحجر، أو على الأقل أن يكون في كل صحيفة باب خاص لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية والفتوى، ترد على مثل هذه الشبهات، لأن كثيراً من الناس ليس عندهم علم من الشرع، فيُخدعون بهذا الكلام ويصدقونه، فالجريدة سهلة، وقراءتها سهلة، ويستشهد بالآيات، ويستشهد بالأحاديث بأن هذا أمر جائز وحلال، وأنها فرحة يجب أن تدخل في القلوب، ثم ننتظر بعد ذلك أن يسقينا الله!! الله يريد أن ندافع عن نبيه، وعن رسوله، وعن أحاديثه، وعن دينه.
اللهم إنا نسألك العافية في الأهل والمال والولد والعمل الصالح، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ووحدانيتك، يا مغيث يا منان! لا إله إلا أنت رب السماوات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، عز جارك، وجل ثناؤك، لا إله إلا أنت نسألك بجميع أسمائك الحسنى وصفاتك العلى ما علمنا منها وما لم نعلم؛ أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا يا مغيث! غيثاً مغيثاً، عاماً طبقاً، وابلاً صيباً، ديمةً رهاماً، متداركاً نافعاً؛ عطاءَ إيمانٍ ورزقَ إحسانٍ، هنيئاً مريئاً تنبت به الزرع، وتملأ به الضرع، وتدفع به الوباء والداء، والضر والبلاء والغلاء برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، وارحمنا به رحمةً تغنينا عن رحمة من سواك من الرحمات يا أرحم الراحمين!
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر