اللهم ألِّف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اجعلنا مبشرين وميسرين، ولا تجعلنا معسرين ومنفرين، نسألك اللهم العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أمِّن روعاتنا، واستر عوراتنا، واغفر زلاتنا، واقبل حسناتنا، برحمتك يا أرحم الرحمين.
اللهم حرم وجوهنا والحاضرين ووالدينا على النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار الأخيار.
اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وعافنا واعف عنا.
اللهم من أراد بنا والمسلمين وهذا البلد سوءاً؛ فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده واجعل تدميره في تدبيره، واجعل دائرة السوء تحيط به.
اللهم اجعلنا والمسلمين وهذا البلد في أمانك وضمانك، وبرك وإحسانك، واحرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض؛ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين، اللهم نسألك تحرير المسجد الأقصى، وأن ترزقنا فيه صلاة طيبة مباركة غير خائفين ولا وجلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد.. أيها الأحباب الكرام:
يسعدني أن أقول لكم: إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يجمعني وإياكم في ظل عرشه، ومستقر رحمته ورضوانه، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الأحبة الكرام! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) وهذا الحديث العظيم يبين أن الناس عندما يسألون أول ما يسألون عن الرفقة؛ فإن كانت الرفقة صالحة، قالوا: فلان من الصالحين، وإن كانت الرفقة فاسدة، قالوا: فلان من الفاسدين.
وهكذا يبين هذا الحديث أهمية الرفقة الصالحة سواءً في الدنيا أو في الآخرة، أما في الدنيا فهي لا تزيد الإنسان إلا شرفاً، إذا غفل ذكروه، وإذا نسي نبهوه، وإذا أراد أن يعمل الخير أعانوه، وإذا أراد أن يفعل السوء منعوه، وهكذا يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الأمر وأن المسلم لا يستغني عنه أبداً.
والقرآن الكريم عندما يذكر هذه الحقيقة يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].
والقرآن يذكر لنا أن أهل الكهف لما هجروا الكفر وعالم الكفر وأووا إلى الكهف: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً [الكهف:16] كان يرافقهم -كرمكم الله- كلب، وكان يسير معهم، وكان لراعٍ من الرعاة، ومع أن هذا الكلب حيوان حقير، لكن لأنه صاحب الصالحين ورافقهم في خروجهم، ذكره الله في كتابه وذكر كيفية جلوسه، فقال: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف:18] يقول المفسرون: فهذا كلب رافق الصالحين فذكره الله، فكيف بالمؤمن إذا رافق الصالحين؟! لهذا يقول الله في كتابه الكريم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [الأنفال:2-3] ويقول سبحانه وتعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:67-68].
وأنا أقول لهذا الشاب: إن الله سبحانه وتعالى ذكرك في القرآن كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران! وأنا أرجو ألا يكون في إيمانك انفصام؛ لأن الإيمان يزيد بالعمل الصالح، وينقص بالعمل السيئ، وقد يصاب الإنسان بانفصام وانقطاع -والعياذ بالله- في إيمانه؛ فيصبح وله وجهان:
وجه يلقى به المؤمنين الصالحين، ووجه آخر يلقى به أصحابه الأولين وهو لا يستطيع ولا يصبر على فراقهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لأعلمن أقواماً يأتون يوم القيامة بحسنات كأمثال جبال تهامة بياضاً، يجعلها الله هباءً منثوراً، ألا إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون -أي: يصلون معكم ويصومون معكم- غير أنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) ولا حول ولا قوة إلا بالله!
انفصام في إيمانه وشخصيته، ليس له إيمان ثابت وقلب رزين، وإنما هو متذبذب، مرة عند هؤلاء ومرة عند هؤلاء.
والشاعر الحكيم؟ يقول:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي |
ويقول:
واحذر مؤاخاة الدنيء فإنه يعدي كما يعدي السليم الأجرب |
فهذا يعدي والعياذ بالله، فعندما يدخل البعير الأجرب على الأبعر الصحاح؛ فإنه يعديها والعياذ بالله، فكذلك الفاسد، وعندنا في الكويت مثل يقول: (من ماشى المصلين صلى، ومن ماشى المغني غنى).
هذه حكمة بالغة تبين أثر البيئة على الإنسان، فلا بد أن يأتي على هذا الشخص يوم يذوب فيه في هذا المجتمع الذي لا يستطيع أن يفارقه ولا يصبر عنه كما تذوب حبة الملح في الماء وهو لا يدري؛ لأن الإدمان على رؤية الذنوب والمعاصي تهون الذنب في القلب والعياذ بالله، حتى أن الصحابة رضي الله عنهم ومنهم ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله لما أدركوا عصر التابعين يقول أحدهم: [والله إننا نراكم تفعلون ذنوباً ترونها كالشعرة كنا نعدها على عهد رسول الله كالجبال] انظر! مع أنهم كانوا في خير القرون، وما مر عليهم زمن طويل، ربما مرت عليهم ثلاثون أو أربعون سنة فقط بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته، وهذا الإدمان للذنوب والمعاصي كان سبباً بأن الذنب الذي كان مثل الجبل أصبح في شعور الناس في خير القرون كالشعرة أو كالشعيرة!
فظهر في خلافة عمر رجل قد أمسك بالدف -الدف هو (الطار) وفيه خلاخل- وبدأ يدور من مجلس إلى مجلس، وبدأ يغني بأبيات الغزل، فأحضره عمر وأمسك الدف بيده وكسره على رأسه حتى يكون عبرة لمن يعتبر.
وهكذا كان الحاكم والمسئول الأول هو الذي يمارس إنكار المنكر بيده، أي ما كان يكتفي عمر بأن يصدر قراراً، وهذا القرار يكون ساري المفعول أو غير ساري المفعول، ولكنه أنكر هذا المنكر بيده، فماذا حدث؟ امتنع الناس عن هذه الفتنة وذهبوا عنها.
كذلك بلغ عمر أن رجلاً اسمه صبيغ ، كان يسأل عن المتشابهات، القرآن فيه آيات محكمات وفيه آيات متشابهات، فرفع عمر يده إلى الله وقال: اللهم اظفرني به -اللهم إني أسألك أن أصيده- انظر إلى هذا الحاكم!
ويقدر الله سبحانه وتعالى أن يقبض عليه يوم أن أراد الله سبحانه وتعالى الخير لمجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم، فدخل هذا الرجل على عمر وسأله عن الأّبَّ في قول الله سبحانه وتعالى: وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً [عبس:30-31] قال: يا أمير المؤمنين! وما الأب؟ فقال: تعال، وصكه على رأسه، وضربه ثانية، وأخذ سعف النخل وضربه ضربة ثانية وثالثة، فقال: يكفي، لقد أذهب ضربك شيطاني يا أمير المؤمنين. كان في رأسه شيطان والعياذ بالله وهو الذي يسول له ويزين له مثل هذه العبارات والأسئلة، التي تفتن الناس في دينهم وعقيدتهم. وظل صبيغ على مدى حكم عمر ساكتاً لا يسأل عن الآيات المتشابهات، ولا يطلب تأويلها، ولا يفتن الناس إلى أن استشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخرج مرة ثانية، وقام يسأل نفس الأسئلة، فقال له الناس: ألا تستحي! كنت أيام عمر ساكتاً والآن تقول هذا! قال: عمر شيء وأنتم شيء آخر، عمر أذهب شيطاني بضربة لكن أنتم لم تضربوني. انظروا ماذا يحصل عندما يأمن الإنسان العقوبة كيف يسيء الأدب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد كان عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه حريصاً كل الحرص على تنظيف المجتمع، بل كان حريصاً على أن ينظف علاقات الناس ويثقل ميزانهم حتى بالكلمة التي يختارها، كان يقول لـحذيفة: [كيف حالك يا
انظروا كيف كان يحرص على أن يقول الرعية كلمة واحدة تنفعهم يوم القيامة! يسأل فلاناً وفلاناً: كيف حالك؟ كيف أصبحت؟ فيقول: (الحمد لله). يقول: هذه والله أردت، أن يكتب في ميزانك (الحمد الله) تفرح بها عند الله يوم القيامة، انظر إلى أي درجة كان الخليفة حريصاً على مصلحة أمته حتى في العبارة والكلمة.
وهكذا أيها الأحبة الكرام! فإن تنظيف المجتمعات واجب على كل راع: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته).
الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصاً كل الحرص على تدعيم معاني الأخوة والمحبة في الله حتى ينظف المجتمع المسلم فيقول: (من عاد مريضاً مصبحاً؛ استغفر له سبعون ألف ملك حتى يمسي، ومن عاد مريضاً ممسياً؛ استغفر له سبعون ألف ملك حتى يصبح).
قد يقول الواحد: أنا ماذا أستفيد من استغفار الملائكة سواءً استغفرت أو لم تستغفر؟ أقول: استغفار الملائكة دوره أن يخرجك من الظلمات إلى النور لأن الله يقول: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب:43] يصلي عليكم: أي يرحمكم ويمدحكم في الملأ الأعلى ويغفر لكم، وصلاة الملائكة: بأن تدعو لكم بالرحمة والمغفرة هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43] والخروج من الظلمات إلى النور ليس أمراً سهلاً؛ لأن الناس صنفان.
إذاً الناس صنفان: صنف وفقه الله سبحانه وتعالى بالطاعات والعبادات والرفقة الصالحة والعمل الصالح والتسابق إلى الخيرات، والدعوة إليها، يخرجون من الظلمات إلى النور، سواء ً بأمر من الله أو بدعوة من الملائكة، أو بنصيحة من الصالحين هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43].
وصنف آخر يخرج من النور حتى لا يوجد في قلبه ذرة نور، كما قال الله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17] تأمل عندما يكون الواحد في البر والدنيا ظلام ويرى ناراً، ما أحسن لون النار وما أجملها! تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ [الواقعة:73] المقوين: أي المسافرين، فحين يرون النار تنشرح الصدور ويدفأ المكان ويفرحون فرحة عظيمة، وفجأة تنطفئ النار! ماذا يحدث لعيونهم؟
بعد اشتعال النار وانطفائها يصبح الظلام دامساً ولو قرب يده إلى أمام عينه فلن يراها، مثل الذي يفتح في عينه مصباحاً كهربائياً وبعدها يطفئه فلا يرى شيئاً، فالله سبحانه وتعالى يقول: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ [البقرة:17] رأى ما حوله من أحبابه وأصحابه والأرض وكل شيء: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17].
ثم أغلق جميع منافذ الاستقبال عند الإنسان: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18] يريد أن يرجع إلى النور مرة ثانية، فلا يستطيع أن يرجع إلى النور، عجباً لمن يريد أن يرجع إلى النور بأذنه والأذن مصكوكة! يرجع إلى النور بقلبه والقلب مغلق! يرجع إلى النور بعينه والعين عمياء! قد تكون العين مفتوحة ولكن البصيرة هي المعمية والعياذ بالله؛ لهذا يقول: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18].
لنحذر هذه الزمرة والرفقة وألا تكون لنا قدوة، وألا نتشدق بكلامها، ولا نتمثل بعباراتها فإنها خطر علينا بل تخرجنا من النور إلى الظلمات.
طبت، حين تذهب لزيارة أخيك المسلم أو عيادته وهو مريض، ينزل وراءك ملك لا تراه، ولو كشف الله الحجاب عن عينك فصار الغيب مشاهدة تموت ولا تستطيع، لا يوجد إنسان يتحمل رؤية الملائكة على حقيقتها إلا الأنبياء فقد هيأهم الله لذلك؛ لهذا فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام بين المشرق والمغرب وله ستمائة جناح، ولو رآه إنسان غير الرسول لمات، ينخلع القلب ولا يتحمل، نحن عندما نسمع انفجاراً بسبب ضغط هوائي من طائرة حربية تهتز البيوت، والطائرة لها جناحان، فكيف بجبريل له ستمائة جناح كل جناح يسد ما بين المشرق والمغرب؟!
فلهذا ملك من هؤلاء الملائكة ينزل خلفك ويدعو لك، ماذا يقول في الدعاء؟ (طبت) بمعنى: أسأل الله أن يجعل حياتك كلها طيبة، في أهلك ومالك وولدك ووظيفتك، ووالديك وجيرانك وأرحامك، وطبت في كل شيء، وهذه دعوة ملك وليست دعوة إنسان كثير الذنوب والخطايا! ودعوة الملك مجابة.
وطاب ممشاك.. الممشى الذي مشيته والخطوات هذه طابت، وعلامات الطيب أن بدايتها من بيتك ونهايتها ليس عند المريض أو الأخ إنما نهايتها في الدرجات العلى في الجنة (طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً) أي: صعدت وارتقيت من الجنة منزلاً، وهناك النهاية!
الله أكبر يا إخوان! كل هذا ما كلفك لا درهماً ولا ديناراً، وما دفعت فيه شيئاً إلا أنك سمعت أن جارك أو أخاك أو حبيبك في الله أصيب بهم أو غم أو مشكلة فذهبت وزرته، وقعدت معه وحادثته وإذا بهذا الفضل العظيم يأتيك من الله رب العالمين! (طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً).
بينما الرسول صلى الله عليه وسلم جالس يمر عليه أحد الصحابة فيقول أحد الجالسين: (إني أحبه في الله، يا رسول الله. قال: قم وأدرك الرجل وأخبره بذلك. فذهب وأدركه وقال: يا أخي إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني من أجله، أو الذي أحببتني فيه).
يا إخوان: هذا هو الكنز الذي لا يقدر بثمن، الناس يوم القيامة صنفان، صنف يناديهم الله وصنف لا يكلمهم الله، مع أي صنف تريد أن تكون؟ لا شك أنك سوف تختار الصنف الأول، الصنف الأول يقول عنه الحديث القدسي: (أين المتحابون فيَّ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) الصنف الثاني: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105] ليس هناك كلام ولا نطق، ألا يكفي أنهم تكلموا في الدنيا حتى شبعوا، إشاعات وأكاذيب، وزور وكذب، وقذف وبهتان، ثم ماذا نفعهم هذا اللسان، هذه القطعة الصغيرة التي تكب الناس في النار على مناخرهم! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله إني لأخاف على الناس مثلما أخاف على نفسي، كل ليلة إذا جئت أنام قلت: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك والناس أجمعين، أيما عبد أو أمة موحد قال لا إله إلا الله، من أمة محمد اغتابني أو ظلمني أو بهتني أو قال في ما ليس في، اللهم إني قد عفوت عنه وتركتها له، اللهم إني عفوت ما بيني وبين عبادك؛ فاعف ما بيني وبينك فأنت أجود وأكرم؛ لأن لي ذنوباً وأنت لك ذنوب، إذا لم يعف الله سبحانه وتعالى عني ويغفر لي فمن يعفو عني إذن؟ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135] وهكذا عود نفسك على أن تعفو عن الناس، ربِّ روحك عند النوم كيف تغفر للآخرين، تحس بلذة العفو والمغفرة: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] فإذا فعلت ذلك؛ رأيت الله يقذف حبك في قلوب الناس ولا تدري كيف، هذا يسلم عليك، وهذا يحبك، وهذا يسأل عنك، وهذا يزورك، وهذا يتصل بك، وأنت ما دفعت فلساً ولا درهماً، وإنما الله هو الذي يتحكم في القلوب لأنك تعفو وتسامح، والله سبحانه وتعالى يكتب لك القبول في الأرض، ويقذف محبتك على الناس ويلقيها على وجهك وعملك حتى يقبلوا منك أعمالك، أما الذي يبيت وهو يفكر: سأريه، سأصيده غداً، ويجمع ويفكر ويحسب، وينام مهموماً مغموماً، ويستيقظ خبيث النفس والعياذ بالله، وينتظر متى يلتقي بأخيه المسلم الموحد حتى يفتك فيه بلسانه وينتهب عرضه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا أحبابي وإخواني: والله كل الدنيا لا تساوي في ميزان الله جناح بعوضة، فلماذا نهتمُّ ونغتم؟ والله إنها لا تساوي همَّ لحظة، لنتعلم الرضا بالقضاء ففيه راحة النفس وراحة القلب، أحد المجاهدين في أيام سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية كان عنده كوب من خشب، وليس عنده إلا هذا الكوب فسقط منه في النهر، قال له أحد الجنود: ذهب كوبك! قال: دعه، يأتي به الله سبحانه وتعالى، فلما انتهت المعركة؛ فإذا بواحد يأخذه على رمحه ويدور: لمن هذا، لمن هذا؟ قال لزميله: ألم أقل لك: يأتي به الله؟
ومعنى هذا الكلام أن عنده قلباً راضياً بقضاء الله سبحانه وتعالى، وأصحاب القلوب الرضية مرتاحون.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف المجتمع المسلم المتماسك: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
انظر في أي موقع أنت.. فلهذا حارب الإشاعة، اجتنب الغيبة، إذا ذكرت إنساناً اذكر محاسنه قبل أن تذكر مساوئه، ولتعلم أننا أبناء بلد واحد على أرض واحدة يا أخي المسلم، فلا تكن معاركنا بين أبناء البلد الواحد والأرض الواحدة ليتفرج علينا أعداؤنا من بعيد، ويشمتون بنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألا تسعنا مظلة الأخوة الإيمانية الإسلامية؟ ألا يسعنا ذلك؟ الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بلغ بهم الاجتهاد من أجل الحق حتى تقاتلوا في معركة صفين ، كل واحد منهم يرى أن الحق بجانبه، ومع هذا ينظر علي إلى طلحة والزبير وهما من المبشرين بالجنة وقد قتلا، فيقول: أسأل الله أن يجعلني وإياهم كما قال سبحانه وتعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] ومع هذا ما نسي مسحة الأخوة والمحبة وهو يراهما أمامه مقتولين.
بل إن الإسلام يعتبر القاتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، يقول له: إن ولي هذا القتيل هو أخوك فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] أي أن الله يقول للقاتل: إذا عفا ولي القتيل عنك، وما طلب إقامة الحد عليك فإنه يجب عليك أن تكون مؤدباً، وأعطه الدية: وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] لا تعوزه من محكمة إلى محكمة، أو من أذية إلى أذية، ومن قضية إلى قضية، هل بعد أن ذبحت أخاه وبعد هذا كله لا تعطيه الدية؟ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178].
ولهذا ذكر الله اسم الأخوة فقال: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] كأن الله يقول للقاتل: انظر! هذا ولي القتيل راعى فيك جوانب الأخوة، وأنت ما راعيت فيه جوانب الأخوة، قتلت أخاه وحبيبه وابنه، حتى في هذا الجو المتوتر (جو القتل) فإن الإسلام لا ينسى طابع الأخوة فكيف في جونا هذا الذي نحن فيه؟
يا أخي دع الذي ينزل ينزل، ودع الذي يرشح نفسه يرشح نفسه، أنت لست حاجراً على الناس، والعباد عباد الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولكن مهما كان التنافس لا يصل إلى جرح المحبة والأخوة في الله، الأخوة في الله والمحبة في الله كنز، ليس كنز دنيا بل كنز آخرة! (أين المتحابون فيَّ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).
ولكن الإنسان مع الأسف الشديد قد يجهل هذا الجانب، فلننتبه أيها الأحباب الكرام إلى عظمة الإسلام في مبادئه، الرسول صلى الله عليه وسلم ما أقام دولته إلا على مبدأين: مبدأ الإيمان ومبدأ الأخوة في الله، وما ورَّط المجتمع المسلم إلا المنافقين، يسمع من هذا وينقل إلى هذا ويأخذ من هذا! الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين يعذبان قال: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى إنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يسعى بين الناس بالنميمة) يفسد ما بين هذا وهذا والعياذ بالله.
يا أحبابي في الله: مع الأسف الشديد الغيبة اليوم أصبحت مثل الربا، أولاً الناس لا يسمونها ربا بل يسمونها فوائد، والخمر يسمونه مشروبات روحية، والكذب يسمونه دبلوماسية، والنفاق يسمونه مجاملة، والغيبة ظهر لها اسم جديد: النقد البناء.. الله أكبر، وتحت كلمة "النقد البناء" يمسك أخوه وينتفه ويشرحه على أن هذا هو النقد البناء، يقول لك: أنا لا أغتابه، إنما أبين الحق.. هذا نقد بناء. أي نقد بناء؟ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاًً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] الله يقول في القرآن: إن مثل الذي يغتاب أخاه بإشارة وليس بكلمة كمثل الذي جاء إلى أخيه وشقيقه من أمه وأبيه وقطع لحمه وأكله.. من يستطيع أن يأكل لحم أخيه الميت؟ هذا مثل الذي يغتاب أخاه.
يمسك بفلان وعلان فيقول طويل .. عريض، ويوقع بين الناس ويقول: هذا نقد بناء..! الصحف والجرائد والمجلات والديوانيات والمجالس منهمكة، لا يستقيم المجلس إلا في تشريح عرض من الأعراض، أهذا عمل يرضي الله يا أحبابي في الله؟ لا والله، والله ما كان مجتمعنا يصل إلى هذه الدرجة، ما كان هذا أبداً.
أنا أذكر لكم قصة دائماً أذكرها في دروسي وفي خطبي ذكرها لي والدي رحمة الله عليه: في كيفان كانت هناك آبار ماء عذب، وكانت لقبيلة من القبائل؛ ولكن شاء ولي الأمر أن يأخذ بعض هذه الآبار ويعطيها عائلة من العوائل، هذا في القديم من أيام المرحوم الشيخ الفارسي رحمة الله عليه.
يقول والدي: وكنت أنا أروي الماء من هذا البئر، وفي وقت صلاة الظهر مررت على المسجد وإذا بالحاكم والشيخ الفارسي يدخلون المسجد، فقال الحاكم: قف وصب لي من القربة ماءً -الحاكم عطشان وهو متواضع يشرب من يد واحد من الشعب- فقال الفارسي رحمة الله عليه وكان من علماء الكويت الأفاضل، وكان إماماً وقاضياً ورجلاً فقيهاً، قال: إن شربت من هذا الماء جرعة واحدة فلن آذن لك أن تصلي خلفي. فقال: ولمه؟ قال: لأنك أخذته من أصحابه ظلماً وأعطيته فلاناً، قال: اشهد أنني رددت الآبار إلى أصحابها، قال: الآن ادخل وصل بعدي.
أنا لا أدري من أحترم، أأحترم الحاكم الذي سمع للعالم واستجاب له أمام الناس، أم أحترم ذلك العالم الذي يقول كلمة الحق ولا يخاف في الله لومة لائم؟ هذه صورة من صور مجتمعنا الكويتي العظيم النظيف، الذي مع الأسف الشديد لم يظهر فيه حتى الآن أديب أو مفكر يسطر مثل هذه القصص لأبنائنا، بدلاً من أن يأخذوا من جاكسون ويأخذوا من فلان وعلان، والفنان الفلاني كل ليلة يصب في رءوسهم من الخلاعات والمجون ما يصب.
أين أدباؤنا؟
وأين مفكرونا؟
وأين علماؤنا؟ لكي يسطروا هذه القصص! أتاريخ الكويت انتهى؟
مآثرنا وأخلاقنا، وعاداتنا وتقاليدنا الكريمة، انتهت؟!
أين من كانوا إذا سمعوا أن فلاناً مديون أو محتاج وهو في بيته، يأتون ويضعون له تحت الباب، أو يلقون إليه في الحوش أموالاً وملابس وأكلاً؟ أين هذه القصص؟
تفتح الصحف كل يوم وديانس بنسر وعدنان السوري راكب حصانه مع صاحبته يدور العالم يقول: نحن نسالم إسرائيل، والبغي الفلانية تريد أن تأخذ بياناً ومادة دستورية من بلدها حتى تحافظ على شرفها! ما هذا الكلام؟!
أنا الذي يؤلمني كثيراً ما حدث في قضية بيت التموين، تبين لي أن هذا المجتمع بدأ وجه يتغير ولا حول ولا قوة إلا بالله، بمعنى: نحن عندما ننقل أموالنا من البنوك الربوية إلى مؤسسة إسلامية، مهما كان فيها من أخطاء؛ فهي مؤسسة إسلامية على الأقل، وهي أقل شراً من البنوك الربوية، حسناً.. هل نقلت هذه الأموال نقلة مصلحة أو نقلة دين؟
إن كنت نقلت مصلحة لا والله، الذي ينقل من أجل مصلحة، فالمصلحة إذا تعارضت مع الدين ألقينا الدين واتبعنا المصلحة، أما إذا كنا ننقلها نقلة دين، فليس هناك داع لهذا التشهير، وليس هناك داع لسحب هذه الأموال، شباب ملتحٍ ونساء محجبات ورواد المساجد كلهم بالعصي على بيت التموين أسحب أو لا أسحب.. ما هذا؟
كل هذا لأجل قضية أرباح؟!
إذاً هذه المؤسسة الوحيدة اليتيمة التي فرَّج الله سبحانه وتعالى بها على أموالنا، نصبر عليها هذه السنة ونصبر عليها السنة الثانية، لأن القضية قضية حرام وقضية دين بالنسبة لنا، وليس أول ما اصطدمت المصلحة مع الحلال أو الحرام سحبنا الأموال وحولناها إلى البنوك الربوية!
هذا امتحان من الله، والله سبحانه وتعالى قد لا يمتحن الأمة بالسجون ولا يمتحنها بالحاكم الظالم ولا يمتحنها بالمرض.. قد يمتحنها في مالها، امتحان من الله سقط فيه من سقط ونجح فيه من نجح، وأنا والله ما عندي في بيت التموين دينار واحد حتى لا يقولون، ومن يوم أن توظفت في وزارة التربية ما جمعت لي ديناراً واحداً، وليس عندي إلا معاشي، آخر المعاش إذا بقي منه عشرة دنانير أو عشرين ديناراً لا أذهب بها إلى بنك أو بيت تموين بل أبحث عن إنسان فقير وأعطيها إياه وأريح نفسي منها، وأنتظر معاشي الآتي منذ توظفت وحتى الآن، حتى لا يقل إنسان إني أدافع عن بيت التموين؛ لأن لي فيه مصلحة، اذهبوا وإذا وجدتم لي ديناراً واحداً غير الدفتر الذي أفتح فيه لكي آخذ معاشي منهم.
ولكن لابد من قول كلمة الحق يا إخوان! نحن ما نقلنا أموالنا إلا خوفاً من الحرام، ومن يوم أن حدثت هذه الحادثة الله أكبر! صار حديث الناس! فماذا نقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ماذا فعل به المنافقون في المدينة ؟
اتهموا زوجته عائشة بالزنا رضي الله عنها! وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، أطهر بيت موجود على وجه الأرض بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن أبي بن سلول عندما اغتاظ وما عرف كيف ينتقم من محمد صلى الله عليه سلم فهو معه جيش ودولة وقوة، والصحابة حوله يحبونه ويلتفون حوله، فيريد أن ينتقم منه بأي صورة، ولكنه لا يستطيع، يشهر السيف؟ لا يستطيع، قال: أنتظر ظرف معينة ومناسبة معين وأقول كلمة وآخذ فرصتي.. وفعلاً كانت عائشة رضي الله عنها مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة، فنست عقداً لها، فذهبت تبحث عنه في الليل فما وجدته، فأخذوا الهودج وركبوا على البعير ومشوا، وهم يحسبون أن عائشة موجودة في الهودج؛ لأنها كانت ضعيفة، ثم رجعت في الليل تبحث أين الناس فما وجدتهم، فقعدت ونامت مكان المعسكر.
كان صفوان بن المعطل رضي الله عنه قد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم يتبع الجيش على مسيرة ليلة، فلما جاء الصبح، وجد أم المؤمنين نائمة! قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
كان رجلاً من خيرة الناس، فأناخ البعير وركبت عائشة وهي متحجبة ولا يبين منها أي شيء، فلما أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم والمنافقون موجودون قال ابن أبي بن سلول : والله ما نجت منه وما نجا، الله أكبر! ولو ظل المنافقون هم الذين يقولونها لهانت فنقول: والله إن هذا منافق معروف والمنافقون كانوا معروفين، يقول الصحابة: كنا نعرف المنافقين من صلاة العشاء وصلاة الفجر، الذي لا يحضر صلاة الفجر والعشاء نعرف أنه منافق، فكانوا معروفين عندهم.
لكن الذي تورط فيها أكثر المسلمين المؤمنين: مسطح بن أثاثة من البدريين ومن المجاهدين، وقد كان ينفق عليه أبو بكر أبو عائشة ! قال: أتدرون أن عائشة قالوا عنها مع صفوان : لا نجت منه ولا نجا منها.
كذلك حمنة بنت جحش تورطت وفلان وفلان تورطوا وهم مؤمنون لكن هذا اللسان هو الذي يورط الإنسان (أويكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) واقرءوا سورة النور لتروا ماذا قال الله سبحانه وتعالى في هذه القضية.
أصبح حديث الناس في بيت التموين كالقيامة التي قامت، في الديوانيات والمجالس والوزارات تنتيف، وأوصلوه كأنه مركز الربا في العالم! كان المفروض على المسلم أن يلتمس العذر، وهذه مؤسسة محاربة عالمياً ومحلياً، ولكن انظر كيف يظلم الإنسان نفسه وهو لا يعلم.
يقول صلى الله عليه وسلم وهو يصف المؤمن المسلم بالنسبة لأخيه وكيف يتعاون ويتحاب معه يقول: (المؤمن للمؤمن كالبنيان) انظر إلى هذا المسجد الجميل ما الذي يمسكه؟ كل حجرة تأخذ موقعها، ويوجد إسمنت وتوجد أعمدة، لكن لو أن كل واحدة من هذه الأعمدة استغنت أو دفعت لانهار المسجد على من فيه، تماماً (كالبنيان يشد بعضه بعضاً) لا حبة الرمل تقول: أنا والله ليس لي دور وسأذهب، ولا العمود يقول: أنا ليس لي دور ويوجد غيري، لا (يشد بعضه بعضاً) نحن لابد أن نغفر وأن نسامح، وأن نصبر حتى تنهض هذه المؤسسة من جديد، وحتى تصير لنا ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة وينتهي الربا.
الربا يا إخوان! دوخ العالم الآن، هناك دول عالمية الآن اليهود يخنقها، أمريكا مخنوقة بالربا، إنجلترا مخنوقة بالربا، فرنسا مخنوقة بالربا، الممولون اليهوديون يأتون برئيس على كيفهم وليس على كيف الشعب الأمريكي، الرئيس الذي يوافق إسرائيل ويدعم إسرائيل هو الذي يصل، كل ذلك بسبب الربا يا إخوان!
لهذا نحن نحذر من الإشاعة ونحذر من ترويجها، ونسأل الله أن يحفظ هذا البلد ويحفظ أهله بحفظه، ويكلأه برعايته، فما أكثر الماكرين، وما أكثر الحاسدين، وما أكثر الكائدين في داخل البلد وفي خارج هذا البلد، في الليل والنهار يخططون على تدميره، وعلى القضاء عليه لأنه جوهرة العالم، أنا أقول لك: الكويت لن تعرف قيمتها إلا عندما تخرج منها، والذي لا يصدق كلامي يذهب ويرى، والله إن هناك دولاً من العالم الأول تعتبر قمة في الحضارة المادية الكويت أحسن منها، الكويت فيها أمن ليس موجوداً في أمريكا ولا في دول العالم الأول، الإنسان هناك لا يأمن على نفسه، فجأة يظهر واحد بيده رشاش ويقتل الناس كلهم والعياذ بالله.
وفيها خير تساق إليها جميع ثمرات الدنيا، الناس يزرعون ونحن نأكل، والناس ينسجون ونحن نلبس، والناس يصنعون ونحن نستهلك، يجبى إليها ثمرات كل شيء! ثم هذه الحرية النسبية المعطاة في عالم العروبة والإسلام، الإنسان في دول العروبة ودول العالم الإسلامي يحاسب على فكره وضميره، إذا نويت على شيء ما؛ فمصيرك الإعدام، ولكن هنا بحمد الله الواحد يتكلم وينصح ويرشد، ويقول ويوجه، أليست هذه نعمة لا تقدر بثمن؟ التفت يميناً والتفت شمالاً لكي تعرف ذلك.
إذاً نحن عندما نتكلم بهذه النصيحة نخاف على هذا المجتمع الذي يكاد يكون بالنسبة للعالم هو الفردوس المفقود، الذي تكلم عنه الفلاسفة القدماء؛ فلهذا نحن نريد أيها الأحباب أن نكثر الخير وأهله وأن ندعم الصالحين وأن نشد من أزرهم وأن ندافع عنهم وأن نأتي إلى المفسد فننصحه ونوجهه ونقول: يا أخي هذا البلد بلدك عليه أهلك وبناتك وأولادك، فإن جعلت فيه الخير يصلك، وإن جعلت فيه الشر يصلك، نذكر وننصح ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الحاسدين ومن الكائدين هو ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم من أراد بنا سوءاً؛ فأشغله في نفسه، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً رخاء منعماً هنيئاً مريئاً برحمتك يا أرحم الراحمين وسائر بلاد المسلمين، اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيينا ما علمت الحياة خير لنا، وتوفنا إذا علمت الوفاة خير لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيماً لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، ومواقف الفتن، ومصارع الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظنا في أولادنا، اللهم احفظنا في بناتنا، اللهم احفظنا في أزواجنا، اللهم احفظنا في ديننا، اللهم احفظنا في أعراضنا، اللهم احفظنا في دمائنا، اللهم احفظنا في أموالنا، اللهم احفظنا في أوطاننا، اللهم احفظنا بحفظك، ونستودعك اللهم ديننا وأنفسنا يا أرحم الراحمين، يا من لا تضيع وديعته ولا تضيع حفيظته، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
إن كنت نقلتها مصلحة فلا والله، الذي ينقل من أجل مصلحة، فالمصلحة إذا تعارضت مع الدين ألقينا الدين واتبعنا المصلحة، أما إذا كنا ننقلها نقلة دين، فليس هناك داع لهذا التشهير، وليس هناك داع لسحب هذه الأموال، شباب ملتحٍ، ونساء محجبات، ورواد المساجد، كلهم بالعصي على بيت التموين، أسحب أو لا أسحب.. ما هذا؟
كل هذا لأجل قضية أرباح؟!
إذاً.. هذه المؤسسة الوحيدة اليتيمة التي فرَّج الله سبحانه وتعالى بها على أموالنا، نصبر عليها هذه السنة ونصبر عليها السنة الثانية، لأن القضية قضية دين بالنسبة لنا، وليس أول ما اصطدمت المصلحة مع الحلال أو الحرام سحبنا الأموال وحولناها إلى البنوك الربوية!
هذا امتحان من الله، والله سبحانه وتعالى قد لا يمتحن الأمة بالسجون، ولا يمتحنها بالحاكم الظالم ولا يمتحنها بالمرض.. قد يمتحنها في مالها، امتحان من الله سقط فيه من سقط ونجح فيه من نجح، وأنا والله ما عندي في بيت التموين دينار واحد حتى لا يقولون، ومن يوم أن توظفت في وزارة التربية ما جمعت لي ديناراً واحداً، وليس عندي إلا معاشي، آخر المعاش إذا بقي منه عشرة دنانير أو عشرين ديناراً لا أذهب بها إلى بنك أو بيت تموين بل أبحث عن إنسان فقير وأعطيها إياه وأريح نفسي منها، وأنتظر معاشي الآتي منذ توظفت وحتى الآن، حتى لا يظن إنسان أني أدافع عن بيت التموين؛ لأن لي فيه مصلحة، اذهبوا وإذا وجدتم لي ديناراً واحداً غير الدفتر الذي أفتح فيه لكي آخذ معاشي منهم.
ماذا فعل به المنافقون في المدينة ؟
اتهموا زوجته عائشة بالزنا رضي الله عنها! وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، أطهر بيت موجود على وجه الأرض بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن أبي ابن سلول عندما اغتاظ وما عرف كيف ينتقم من محمد صلى الله عليه سلم، فهو في جيش ودولة وقوة، والصحابة حوله يحبونه ويلتفون حوله، فيريد أن ينتقم منه بأي صورة، ولكنه لا يستطيع أن يشهر السيف؟ لا يستطيع، قال: أنتظر ظرفاً معيناً ومناسبة معينة وأقول كلمة وآخذ فرصتي.. وفعلاً كانت عائشة رضي الله عنها مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة، فنسيت عقداً لها، فذهبت تبحث عنه في الليل فما وجدته، فحملوا الهودج على البعير ومشوا، وهم يحسبون أن عائشة في الهودج؛ لأنها كانت ضعيفة، ثم رجعت في الليل تبحث: أين الناس؟ فما وجدتهم، فقعدت ونامت مكان المعسكر.
كان صفوان بن المعطل رضي الله عنه قد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم يتبع الجيش على مسيرة ليلة، فلما جاء الصبح، وجد أم المؤمنين نائمة! قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
كان رجلاً من خيرة الناس، فأناخ البعير وركبت عائشة وهي متحجبة ولا يبين منها أي شيء، فلما أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم والمنافقون موجودون قال ابن أبي ابن سلول : والله ما نجت منه وما نجا، الله أكبر! ولو ظل المنافقون هم الذين يقولونها لهانت فنقول: إن هذا منافق معروف، والمنافقون كانوا معروفين، يقول الصحابة: كنا نعرف المنافقين من صلاة العشاء وصلاة الفجر، الذي لا يحضر صلاة الفجر والعشاء نعرف أنه منافق، فكانوا معروفين عندهم.
لكن الذين تورطوا فيها أكثرهم مسلمون مؤمنون: مسطح بن أثاثة من البدريين ومن المجاهدين، وقد كان ينفق عليه أبو بكر أبو عائشة ! قال: أتدرون أن عائشة قالوا عنها مع صفوان : لا نجت منه ولا نجا منها.
كذلك حمنة بنت جحش تورطت، وفلان وفلان تورطوا وهم مؤمنون، فهذا اللسان هو الذي يورط الإنسان (وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) واقرءوا سورة النور لتروا ماذا قال الله سبحانه وتعالى في هذه القضية.
أصبح حديث الناس في بيت التموين كالقيامة التي قامت، في الديوانيات والمجالس والوزارات، وأوصلوه كأنه مركز الربا في العالم! كان المفروض على المسلم أن يلتمس العذر، وهذه مؤسسة محاربة عالمياً ومحلياً، ولكن انظر كيف يظلم الإنسان نفسه وهو لا يعلم.
يقول صلى الله عليه وسلم وهو يصف المؤمن المسلم بالنسبة لأخيه وكيف يتعاون ويتحاب معه: (المؤمن للمؤمن كالبنيان) انظر إلى هذا المسجد الجميل! ما الذي يمسكه؟ كل حجر تأخذ موقعها، ويوجد إسمنت، وتوجد أعمدة، لكن لو أن كل واحدة من هذه الأعمدة دفعت لانهار المسجد على من فيه (كالبنيان يشد بعضه بعضاً) لا حبة الرمل تقول: أنا والله ليس لي دور وسأذهب، ولا العمود يقول: أنا ليس لي دور ويوجد غيري، بل: (يشد بعضه بعضاً) نحن لابد أن نغفر وأن نسامح، وأن نصبر حتى تنهض هذه المؤسسة من جديد، وحتى تصير لنا ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة وينتهي الربا.
الربا يا إخوان! دوخ العالم الآن، هناك دول عالمية يخنقها اليهود أمريكا مخنوقة بالربا، إنجلترا مخنوقة بالربا، فرنسا مخنوقة بالربا، الممولون اليهوديون يأتون برئيس على ما يريدون، وليس على ما يريد الشعب الأمريكي، الرئيس الذي يوافق إسرائيل ويدعم إسرائيل هو الذي يصل، كل ذلك بسبب الربا يا إخوان!
لهذا نحن نحذر من الإشاعة ونحذر من ترويجها، ونسأل الله أن يحفظ هذا البلد ويحفظ أهله بحفظه، ويكلأه برعايته، فما أكثر الماكرين! وما أكثر الحاسدين! وما أكثر الكائدين داخل البلد وخارجه! في الليل والنهار يخططون لتدميره، وللقضاء عليه لأنه جوهرة العالم، أنا أقول لك: الكويت لن تعرف قيمتها إلا عندما تخرج منها، والذي لا يصدق كلامي يذهب ويرى، والله إن هناك دولاً من العالم الأول تعتبر قمة في الحضارة المادية الكويت أحسن منها، الكويت فيها أمن ليس موجوداً في أمريكا ولا في دول العالم الأول، الإنسان هناك لا يأمن على نفسه، فجأة يظهر واحد بيده رشاش ويقتل الناس كلهم والعياذ بالله.
وفيها خير؛ تساق إليها جميع ثمرات الدنيا، الناس يزرعون ونحن نأكل، والناس ينسجون ونحن نلبس، والناس يصنعون ونحن نستهلك، يجبى إليها ثمرات كل شيء! ثم هذه الحرية النسبية المعطاة في عالم العروبة والإسلام، الإنسان في دول العروبة ودول العالم الإسلامي يحاسب على فكره وضميره، إذا عزمت على شيء فمصيرك الإعدام، ولكن هنا بحمد الله الواحد يتكلم وينصح ويرشد، ويقول ويوجه، أليست هذه نعمة لا تقدر بثمن؟ التفت يميناً والتفت شمالاً لكي تعرف ذلك.
إذاً نحن عندما نتكلم بهذه النصيحة نخاف على هذا المجتمع الذي يكاد يكون بالنسبة للعالم هو الفردوس المفقود، الذي تكلم عنه الفلاسفة القدماء؛ فلهذا نحن نريد أيها الأحباب أن نكثر الخير وأهله وأن ندعم الصالحين، وأن نشد من أزرهم، وأن ندافع عنهم، وأن نأتي إلى المفسد فننصحه ونوجهه ونقول: يا أخي! هذا البلد بلدك، عليه أهلك وبناتك وأولادك، فإن جعلت فيه الخير يصلك، وإن جعلت فيه الشر يصلك، نذكر وننصح، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الحاسدين ومن الكائدين، هو ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً، رخاء منعماً، هنيئاً مريئاً، برحمتك يا أرحم الراحمين وسائر بلاد المسلمين، اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا علمت الوفاة خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيماً لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، ومواقف الفتن، ومصارع الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظنا في أولادنا، اللهم احفظنا في بناتنا، اللهم احفظنا في أزواجنا، اللهم احفظنا في ديننا، اللهم احفظنا في أعراضنا، اللهم احفظنا في دمائنا، اللهم احفظنا في أموالنا، اللهم احفظنا في أوطاننا، اللهم احفظنا بحفظك.
نستودعك اللهم ديننا وأنفسنا يا أرحم الراحمين، يا من لا تضيع وديعته ولا تضيع حفيظته، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر