إسلام ويب

أخلاق الناخب والمرشحللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الأشر والبطر، والبغي والنفاق، وسوء الظن والكذب، والسعي بالنميمة والتحريش واحتقار المسلمين، والغيبة- كلها من نواقض حسن الخلق الذي يدخل الجنة، ومن أجل ذلك وجب مساندة الصادقين الذين اتصفوا بحسن الخلق، والتزموا بالمبدأ الإسلامي الذي هو بركة في الدنيا والآخرة ألا وهو الإيفاء بالعهد، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة وسط عدول يجب ألا تكون شهادتها إلا بالحق، تقول ما تفعل، ولا تتصف بصفات النفاق وأهله.

    1.   

    أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة وسط

    الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لأسمائه الحسنى وصفاته العلا ووحدانيته، هو الواحد في أسمائه، الواحد في صفاته، الواحد في أفعاله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وأصلي وأسلم على قدوتي ومعلمي وقرة عيني محمد بن عبد الله، وعلى خلفائه الراشدين، وأصحابه المجاهدين والتابعين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

    اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم حَرِّمْ وجوهنا والحاضرين على النار، والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وأدخلنا الجنة مع الأبرار الأخيار. اللهم إنا نسألك تحرير المسجد الأقصى، ونسألك أن تنصر إخواننا المجاهدين.

    اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وعافنا واعف عنا، نسألك اللهم في عامنا أن تجعل لنا في أوله صلاحاً، وفي أوسطه فلاحاً، وفي آخره نجاحاً وعتقاً من النار.

    اللهم أمِّن روعاتنا، واستر عوراتنا، واغفر زلاتنا، وخفف لوعاتنا، اللهم من أراد بنا وهذا البلد والمسلمين سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدميره في تدبيره. اللهم نسألك العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء، ألِّف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور.

    اللهم نسألك أن تجعلنا ممن يبر والديه ويرضى عنه والداه، اللهم إنا نسألك أبناء صالحين بارين مؤمنين، شاكرين ذاكرين، اللهم اجعلهم قرة عين صالحة لا تنقطع، ثقل بهم ميزاننا، وحقق بهم إيماننا، وفك بهم رهاننا، اللهم حفِّظهم كتابك وسنة نبيك، واجعلهم دعاة صالحين، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.

    اللهم إنا نسألك سلامة الاعتقاد، وصلاح العمل، وحسن النية، اللهم إنا نسألك التوحيد، ونسألك الاتباع ونعوذ بك من الابتداع، اللهم إنا نعوذ بك من الكذب، ونعوذ بك من الإشاعة، ونعوذ بك من الخيانة، ونعوذ بك اللهم من الافتراء.

    اللهم احفظنا والمسلمين من مواقف ومضلات الفتن، نعوذ بك اللهم من أن نظلم أو نُظلم، أو نعتدي أو يعتدى علينا، أو نطغى أو يطغى علينا، أو نجهل أو يجهل علينا، أو نرتكب ذنباً أو خطيئة لا تغفرها، اغفر لنا أجمعين، وارحمنا أجمعين، وتولنا أجمعين، وامنحنا أجمعين، اللهم أجرنا من النار، وأدخلنا الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين.

    أما بعد: أيها الأحباب الكرام: هذا الحديث يدور حول أخلاق الناخب والمرشَّح، ونحن في أيامنا الأخيرة في الليل والنهار أشغلت بالنا قضية الانتخابات، ولله الحمد أن هذا البلد المسلم لا يزال فيه الأخيار يلتزمون بمبادئ الدين والخلق مهما كانت الظروف والأحوال، وإنما يظهر صدق الأمم برها وثباتها في الأزمات، وفي المواقف والملمات، عند ذلك تتبين هذه الأمة إن كانت أمة هداية أم أمة هواية، أمة عبادة أم أمة عادة، وأمتنا هذه ولله الحمد، وبالأخص في هذا البلد الطيب قد هداها الله إلى سبل السلام؛ فما أكثر الصالحين فيها، وما أكثر المحسنين، وما أكثر الرجال فيها، فنسأل الله المزيد؛ وأن يكثر من الصالحين والمحسنين.

    وهذا اللقاء ليس نصيحة لكم، إنما هي نصيحة بالدرجة الأولى لي، فأنا بأمس الحاجة إلى مثل هذه النصائح، وهذا الحديث هو ذكرى لا ينتفع منه إلا المؤمنون، وهذا الحديث يسد أبواب ومداخل الشيطان، ويفتح القلب للرحمن والإيمان، فنسأل الله أن ينزله في قلوبنا نزول الرضا، هو ولي ذلك والقادر عليه.

    بماذا وصف الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

    وصفها بالوسطية، أي أنها أبناءها عدول؛ إذا شهدت فإنها تشهد بالحق، يقول سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] فالناس كلهم من غير المسلمين مشهود عليهم، والشهداء هم المسلمون، ولكن من يشهد على المسلمين؟

    محمد صلى الله عليه وسلم يأتي يوم القيامة فيشهد لهذه الأمة، فتكون أول أمة تدخل الجنة معه صلى الله عليه وسلم: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143] فياله من تشريف! وياله من تكليف من رب العالمين!

    وبعد هذا التقرير وهذا البيان الواضح لأمتنا -ولله الحمد- اسمعوا ماذا يقول الله، يقول: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام:152] وهذا الجزء من هذه الآية فيه وصيتان:

    الوصية الأولى توجه إلى الناخب،والوصية الثانية توجه إلى المرشح، وإن كانت تلك الوصيتان لا يستغني عنهما الناخب ولا المرشح.

    أما الوصية الأولى: فيقول الله فيها لي ولك ولكل مسلم، في هذا البلد وفي غيره: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] إذا قلتم: أي قول؛ سواء في إنسان أو غيره، في ذكر أو أنثى، في كبير أو صغير؛ مدحاً أو ثناءً أو غير ذلك لابد أن تتحروا فيه العدل، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحرى اللفظة والعبارة، وهو يخاطب الناس حتى لا يزيد عليهم ولا ينقص، صلوات الله وسلامه عليه.

    يقول سبحانه: وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152]لماذا هذا التخصيص لذوي القربى؟

    لأن الإنسان بطبيعة الحال يميل إلى أقربائه، إذا سألوك عن أخيك وشقيقك فإنك تثني عليه وتمدحه وتذكر محاسنه وزيادة، ولكنك تخفي عيوبه، تقول: أخي كريم وفيٌّ صادق، ولكن لا تقول مثلاً: أخي لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي، ولهذا لما ذكر الله سبحانه وتعالى ذوي القربى بيَّن بأن الطبيعة البشرية تميل إلى الأقرباء أكثر من غيرهم، فكانت الوصية مركزة، فالذي يعدل في أقربائه من باب أولى أن يعدل في غير الأقرباء.

    1.   

    الالتزام بالمبدأ الإسلامي بركة في الدنيا والآخرة

    ثم يقول سبحانه: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [الأنعام:152] والإسلام يحترم الكلمة، إذا عاهدت أصبح العهد قيداً في رقبتك، لابد أن تفي به، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى يوماً من أعرابي بضاعة، ولكن البضاعة لم تكمل قال: أين الباقي؟

    قال: هناك في البيت سآتي به لك يا رسول الله! فجلس النبي على صخرة ينتظر هذا البدوي، ولكن البدوي ما كان يعني أنه سيأتي بالبضاعة اليوم، ولكن كان يريد متى تيسر، سواء بعد يوم أو بعد يومين أو ثلاثة، في اليوم الثالث حمل الأعرابي البضاعة وانطلق، فمر على المكان الذي باع فيه، فإذا به يرى النبي صلى الله عليه وسلم جالساً على صخرته، فقال: أأنت على ما تركتك عليه يا رسول الله؟ قال: نعم. وقد آذيتني إذ تركتني ثلاثاً أنتظر هنا وما جئت.

    لماذا ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على مكانه ولم يتغير؟ لأنه أعطى كلمة أنه سينتظر حتى تأتيه البضاعة، حتى لا يأتي الناس بعد ذلك ويقولون: نخون الوعد ونخون العهد كما خان محمد، الأنبياء ليس لهم حتى خائنة الأعين، بل يلتزمون بالعهد والوعد.

    حتى أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أسره أبو جهل قبل معركة بدر وقالوا له: يا حذيفة ! نطلق سراحك بشرط إذا التقينا مع محمد في قتال لا تقاتل معه، قال: رضيت؛ فأطلقوا سراحه، وانضم إلى جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر، ولما التقى الصفان قال له: يا رسول الله! أسرني الكفار فعاهدتهم ألا أقاتلهم معك، فماذا تقول؟ قال: (اعتزلنا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم) الله أكبر!

    هل هناك ظرف أعظم منه، وإنه ظرف معركة بدر، أعظم وأخطر من ظرف الانتخابات التي نحن فيها الآن، معركة بدر معركة بين الإيمان والكفر، معركة بدر هي المعركة الحاسمة التي قررت مصير الأمة الإسلامية كلها، وكان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤول ألف تأويل ويجد ألف مخرج، ويقول: نحن في حالة ضرورة، والكفار عددهم ألف، ونحن ثلاثمائة وأربعة عشر، والكفار عندهم خيول وإبل، وعندهم طعام وشراب، ونحن ليس عندنا شيء؛ حفاة عراة جياع، ونحن في أمس الحاجة إلى كل مجاهد ومقاتل، والحرب خدعة. كان بإمكانه أن يقول كل هذا، ومن يستطيع أن يقول له: لا. كلامك غلط؟ لا يوجد أحد، ولكنه صلى الله عليه وسلم آثر الالتزام بالمبدأ لأن الالتزام بالمبدأ بركة يا أخي المسلم.

    الالتزام بالمبدأ الإسلامي له بركة في الدنيا وله بركة في الآخرة، وهذا أمر معروف بين الناس يقولون: فلان يكذب، مباشرة الثاني يرد عليه يقول: دعه فإن عمر الكذب قصير، وعمر الصدق طويل.

    كعب بن مالك رضي الله عنه تخلف عن غزوة تبوك (غزوة العسرة) ما ذهب يجاهد في سبيل الله، وقد كان من المجاهدين ومن المؤمنين والأولين، بل ومن خيرة المجاهدين، لكن هذه الغزوة خدعه الشيطان كبشر فتخلف عنها، ولما عاد النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الأعراب يعتذرون، وكان يقبل عذرهم، ويترك أمرهم إلى الله إلا كعب بن مالك قال: يا رسول الله! لم أكن يومها أكثر عدداً ولا استعداداً مثل ذلك اليوم، ولكن نفسي ضعفت يا رسول الله! فصدق فنزلت توبته من فوق سابع سماء إذ تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا ومنهم كعب بن مالك .

    فيقول الإمام ابن القيم رحمة الله عليه: يا بن آدم إياك والتبرير عند التقصير، فما أنجى كعب بن مالك إلا الصدق.

    لنستمع ماذا يقول الله سبحانه وتعالى في هذه القضية، يقول: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82] انظر إلى هذه الآية كيف هي حلوة وعجيبة! أي: تكسبون الأصوات وتسترزقون الأصوات بالكذب؟! هذا لا يجوز، وتجعلون رزقكم في كل شيء؛ في الأصوات وفي التجارة، والأسهم، والشركات، والبيع والشراء، تذهب إلى صاحب الدكان وتقول له: بكم هذه البضاعة؟ يقول لك: والله والله والله كلفتني عشرة دنانير، تقول له: حسناً بعني إياها بسبعة دنانير، يقول: هه! خذها، انظر كيف هو كذاب ودجَّال، حلف بالله كذباً، وكذب على الناس، ويجعل رزقه من هذا الكذب، لذلك لا يبارك الله في هذا الرزق، كذلك لا يبارك الله في الأصوات التي تأتي عن طريق الكذب أيها الإخوة: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82].

    1.   

    حسن الخلق في الإسلام وما ينافيه

    استمع ماذا يقول الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم، أنا لا أقول بأن الكذب فيكم، كلا وحاشاكم أن تكونوا كذلك، ولكني أذكر في أول الدرس أن هذا للذكرى، وأنا أنتفع به كبشر وأنتم تنتفعون إن شاء الله بهذا.

    قال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق) أي إن أثقل شيء في الميزان بعد كلمة التوحيد، كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله هذه: حسن الخلق.

    إن كلمة التوحيد من حسن الخلق، أن يكون خُلُقك في توحيد الألوهية حسناً، فتعبد الله وحده ولا تشرك به شيئاً لا إله إلا هو، والدين الإسلامي كله خلق من أوله إلى آخره، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأعمال).

    الأشر والبطر والبغي

    ويقول عليه الصلاة والسلام، واسمعوا هذا التنبؤ النبوي العظيم، والله كأنه يتحدث عن زماننا هذا: (سيصيب أمتي داء الأمم -ما هو داء الأمم؟ أي الأمم التي مضت سادت ثم بادت، حضارات شيدوها ثم دمرها الله- قال: الأشر، والبطر، والتكاثر، والتشاحن في الدنيا، والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي) أي: يكون الظلم.

    نسأل الله العافية، انظروا كيف الترتيب! الأشر، والبطر، والتكاثر، وبعد التكاثر ماذا جاء؟ جاء التشاحن! الذي هو العداوة والبغضاء والعياذ بالله، والتحاسد، ثم يكون البغي، أي: يكون الظلم بين الناس.

    النفاق العملي

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان) وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، انظروا كيف أن هذا كان يصلي ويصوم ويزعم أنه مسلم، لكنه إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، فانطبقت عليه صفات المنافق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    الظن والكذب

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث) ويقول: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) سبحانه الله! إن هذين الحديثين من أعجب ما يكون، يعني: أنا أقوم بزيارة أخ لي في الله في إحدى المناطق، أعرف أنه رجل صالح ومرشح لنفسه لكي يصل إلى مجلس الأمة؛ لكي يدافع عن الحق، أقوم بزيارته وأذهب وأجلس عنده أسلم عليه وأخرج، فلا أخرج إلا وأسمع الإشاعات تجول وتصول في المناطق التي هو فيها والمجاورة حولها: الشيخ القطان يسعى لإسقاط فلان، ويذهب لإسقاط فلان، ويعمل اتحاداً مع فلان، وقال: كذا وكذا عن فلان وكذا عن علان، ويأتيني الناس، منهم من يتصل بالهاتف، ومنهم من يأتي إلى البيت، ومنهم من لا يتصل ولا يأتي، وإنما يحمل عن طريق سوء الظن، يحمل هذه الإشاعة، ويبدأ ينقلها من مكان إلى مكان، وهذا يزيد كلمة، وهذا يزيد عبارة، وأنا أضرب لكم المثل في نفسي وليس ذلك للحصر وإنما ذلك للمثال، وكثير من الناس اليوم ما أن يذهب إلى أخيه زيارة في الله، إلا وقد ظهرت الإشاعات عن يمين وعن شمال! هذا لا يحل وهذا لا يجوز: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).. (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) لا يجوز أن يحدث الإنسان بكل ما سمع حتى يتحرى ويتأكد، ويرد الذي سمعه إلى مصدره بفضل الله ومنته.

    والناس في هذا البلد أعطاهم الله صفة طيبة وهي: الجرأة في الحديث؛ لوجود حرية الكلمة، أصبح عند الناس خلق طيب وهو الجرأة في الحديث، أي إنه إذا سمع شيئاً أو أراد أن يناقش شيئاً لا يبالي، يقف ويسأل ويناقش ويجادل ويناظر، وهذه خصلة طيبة أن يعبر الإنسان عما في نفسه، ليس هناك كبت، وليس هناك نار، وليس هناك حديد، وليس هناك سجون، وليس هناك معتقلات، وهذا فضل عظيم من الله ومنة.

    لكن مع وجود حرية الكلمة يبدأ الإنسان يتخفى ويتستر، ويتجسس ويشيع وينقل، هذا لا يجوز ولا يحل يا أخي! فلننتبه إلى خطورة هذا الأمر بارك الله فيكم.

    السعي بالنميمة والتحريش

    ويقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: (لا يدخل الجنة نمام) النمام: هو الذي يفتن بين الناس، ومعنى (لا يدخل الجنة): أي حتى يعذب في القبر ويعذب في النار، فإذا طهِّر من هذا الذنب يدخله الله بعد ذلك الجنة إذا كان مسلماً موحداً، أما إذا كان يستحل النميمة ويقول: النميمة حلال وليست حراماً فهو كافر؛ ولا يرى الجنة ولا يخرج من النار والعياذ بالله؛ نسأل الله العافية، وأن يحفظنا بحفظه.

    ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (إن الشيطان قد أيس -يئس- أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم) انظر تحديد النبي صلى الله عليه وسلم، ما قال: الناس كثير .. من الناس من يعبدون الشيطان والهوى، بل قال: المصلون، المصلي الذي قلبه معلق في المسجد، ويحرص على صلاة الجماعة هذا لا يعبد الشيطان أبداً، شهادة من محمد صلى الله عليه وسلم، لكن ماذا فعل الشيطان؟

    قال: التحريش، نجوا من إشراك الشيطان مع الله رب العالمين، ولكن ما نجوا من التحريش، يقول: هذا قال عنه، وهذا فعل، وهذا ترك، وهذا طويل، وهذا قصير، وهذا كذا... ويبدأ يحرش ويحرش ويحرش فيفسد ذات البين، وإذا فسدت ذات البين قضى على الصلاة والصيام، والزكاة والحج والجهاد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين) الله أكبر!

    إذاً: فساد ذات البين تحلق الدين، تفرق بين الإخوان في البيت، أخوان من رحم واحد، ومن أب واحد، ومع هذا يختلف معه ويتعارك معه ويتجادل، ويعاديه ويتمنى هلاكه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم بسبب من؟ قال: بسبب تحريش الشيطان.

    احتقار المسلمين

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) أي: يكفيه شراً احتقار أخيه المسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك) الشماتة! الله أمرنا بستر عيوب الناس! لا أن نكتب منشورات ومقالات في صحف وكتابات، كيف هذا ونحن نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله؟

    أما نخاف من غضب الله وسخطه؟ أنا أتعجب كيف يحمل المسلم على أخيه المسلم! مهما أخطأ هذا المسلم فاستر عليه وانصحه بينك وبينه، أما أن يحمل منشوراً ويذهب يدور به من مكان إلى مكان فهذه شماتة ورب الكعبة إذ كيف تكون الشماتة إن لم تكن هذه؟!

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يعافيه ويبتليك) أي يعافيه الله من الذنب الذي أنت شمت به من أجله، ويبتليك به، والقلوب ليست في يدك ولا في يدي، القلوب بيد الله سبحانه وتعالى يقلبها كيف يشاء، أنت اليوم قد تكون صادقاً ومصلياً ومؤمناً لكنك شامت، هذه الشماتة تحتحت كثيراً من الطاعات والعبادات حتى تسقط، ثم يسلط الله سبحانه وتعالىعليك واحداً من عباده لا تدري من هو، فيبدأ يمشي ويسعى وراءك ويفضحك مثلما فضحت أخاك المسلم، وكما يقول صلى الله عليه وسلم: (عجباً للمرء يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه) أي: يرى العود، القشة في عين أخيه، وهو في عينه نفسه جذع نخلة لا يراه! انظر إلى التصوير النبوي صلى الله عليه وسلم، أي أن أخاك هذا عنده عيب صغير جعلت منه جبلاً، وأنت فيك عيوب كثيرة، ولا تبدأ بنصح نفسك ولا تراقبها.

    نحن كمسلمين يحكمنا الكتاب والسنة، لا يحل بث المنشورات والإشاعات، والأشرطة والفضائح، والتشهير والشماتة، هذا لا يجوز، من المستفيد؟

    الآن أصبحنا والله نرى هؤلاء الذين يضعون أيديهم بيد العلمانيين، ويضعون أيديهم بيد الأبالسة والشياطين، هم الذين أصبحوا يشمتون بنا -أيها الإخوة- هذا لا يجوز ولا يحل، أصبحوا هم الشامتين الآن، فرحوا لأنه جاءتهم معلومات ما حسبوا حسابها، ولو جاءت هذه الشماتة من عدو لقلنا: نعم هذا عدو، ولكن تأتي الشماتة من حبيب، وتأتي الشماتة من قريب، الشاعر يقول:

    وظلم ذوي القربى أشد مضاضة     على المرء من وقع الحسام المهند

    الأب عندما يشتمه الابن هذه كبيرة عظيمة! الأب يقهر ويبكي طول الليل، لكن لو شتمه أجنبي فقد لا يأبه، لماذا؟ لأن هذا ابنه رباه وتعب عليه، والآن يفعل فيه هذا الفعل؟! كذلك المسلم بالنسبة للمسلم: هذا أخي ومعي وفي دعوتي، لا يا أخي! لا ينبغي هذا، ولا ينبغي التشهير ولا الفضيحة.

    الغيبة

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم) هكذا يقول لواحد من الصحابة: (إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم) انظر كيف الحديث، وهذه الأحاديث كلها ما بين صحيح وحسن إن شاء الله.

    اليوم تجد واحداً يقعد معك في المجلس، أو يقعد معك على الرصيف، ويبدأ: فلان عوج، وفلان كذا، فتقول له: يا أخي! هذه غيبة، يقول: لا. هذا نقد بناء .. هذا نقد ذاتي.

    لا أدري من أين أتوا بهذه الكلمة الشيطانية، ويجرح أخاه المرشح جرحاً شديداً ويذهب وهو مرتاح، إن الأولين إذا اغتاب أحدهم أخاه المسلم صار حزيناً وكئيباً وضميره الإيماني يؤنبه، والآن إذا اغتاب أخاه المسلم أصبح مستأنساً، وأصبح فرحان، وقال: انظر ما صنعت به؟! والرسول صلى الله عليه وسلم؟ يقول: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي إذا لم يكن فيه فهذا بهتان عظيم، أشد من الغيبة والعياذ بالله.

    ويقول عليه الصلاة والسلام لما عرج به ليلة المعراج، وليلة المعراج هذه ليلة عظيمة شاهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أحداثاً خطيرة، اسمع ماذا يقول، يقول: (لما عرج بي مررت بأقوام لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم) ليسوا في الجنة أو على النهر إنما في النار، رآهم في النار يخمشون وجوههم.. لماذا يخمش وجهه ولا يخمش يده؟ لأن الوجه فيه الجهاز الذي نمَّ وبهت واغتاب، ففيه اللسان الذي قال به الغيبة، وفيه الأذن التي سمع بها النميمة والغيبة، وفيه العين التي أبصر بها ما حرم الله، فقال: يخمش وجهه، وكذلك والصدر لأن فيه القلب، فلو أن القلب أنكر الغيبة والنميمة ما نطق اللسان، فلهذا سلط الله مخالب النحاس على الوجه وعلى الصدر، ينتف في لحمه إلى أبد الآبدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله:

    احفظ لسانك أيها الإنسان     لا يلدغنك إنه ثعبان

    احفظ لسانك واحترز من لفظه     فالمرء يسلم باللسان ويعطب

    حتى يقول بعض الحكماء: إذا أردت أن أقول الكلمة تمنيت أن تكون لي رقبة نعامة أو زرافة، حتى أفكر فيما أقول قبل أن ينطق بها اللسان! فإن الكلمة ما دامت في فمك فأنت تملكها، فإذا خرجت منك ملكتك.

    يقول تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24] شهادة؛ اللسان ينطق يوم القيامة مع اليد والرجل، يقول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) انظر! (خلِّ جنبيك لرامي) هذا أتى يرميك ويتكلم فيك فأعرض عنه وأعطه جنبك ولا ترد عليه:

    خل جنبيك لرامي     وامض عنه بسلامِ

    مت بداء الصمت     خير لك من داء الكلام

    إنما العاقل من     ألجم فاه بلجام

    رب لفظ جر آجا     ل نيام وقيام

    البس الناس على     الصحة منهم والسقام

    ما المسلم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) انظر! كيف أن الشرع دائماً يقدم اللسان، فقال: (من لسانه ويده)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليقول الكلمة من رضوان الله، لا يعلم مبلغها يكتب له بها الرضا إلى يوم القيامة، وإن العبد ليقول الكلمة من سخط الله لا يدري مبلغها؛ يكتب عليه بها السخط إلى يوم القيامة) ما معنى يكتب عليه السخط؟

    يعني: يقول الله له -والعبد لا يدري- بهذه الغضبة الربانية التي غضبها عليه من هذه الكلمة: اعمل ما شئت لا أقبل لك عملاً.

    نعم هذه هي البلية، هذا هو السخط يكتب عليه إلى يوم القيامة فلا يرضى الله عنه، اعمل ما شئت لا أقبل لك عملاً، كما قال عن بعض الذين عاهدوا الله على أن ينفقوا فلما أغناهم الله نكثوا، فماذا قال عنهم؟ قال: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [التوبة:77] إلى يوم القيامة، وهنا تكون الخطورة يا أحباب.

    لهذا فالله سبحانه وتعالى يقول للمؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] وأعمالنا ماذا تساوي بالنسبة لأعمال الصحابة؟ فماذا فعلنا نحن؟ نضحك ملء أفواهنا، وننام ملء عيوننا، ونأكل ملء بطوننا، الصحابة أوصلوا الدين إلى الصين، وأوصلوه إلى الهند والسند، وأوصلوه إلى أفريقيا ومجاهلها، وأوصلوه إلى كل مكان رضي الله عنهم، 80% منهم استشهدوا خارج المدينة المنورة ، ومع هذا فالقرآن يخوفهم؛ يقول لهم: إذا رفعتم صوتكم على النبي، أو قدمتم اقتراحاً أو تفلسفاً دون الحكم النازل؛ فأعمالكم كلها تحبط عند الله وأنتم لا تدرون؛ لأن الذي يدري يفتح صفحة جديدة ويستأنف حياته، لكن البلوى في الذي لا يدري، يأتي يوم القيامة ولا يجد شيئاً: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] لهذا كان صلى الله عليه وسلم وهم يخاطبونه يهمسون، حتى يقول النبي لـعمر : ماذا قلت؟ ماذا قلت؟ ويعيدها عليه ثلاث مرات حتى يسمع النبي صلى الله عليه وسلم مخافة أن تحبط أعمال عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    أحدنا ولا حول ولا قوة إلا بالله نقول له: قال الله في هذه المسألة فيقول: لا لم يقل، فنقول له: يا أخي هذا قرآن! قال الله سبحان وتعالى: كذا وكذا. فيقول: لا، لا. فيرد الآية ويرد الحديث ولا يبالي، ولا يهمه شيء!

    عيسى عليه السلام -انظروا إلى آداب الأنبياء!- هذا حديث من الإسرائيليات التي أمرنا ألا نكذبها، وأيضاً إذا كانت تخالف شرعنا ألا نصدقها، ولكن هذا مما يوافق شرعنا ولا يخالفه، يقول الحديث: مر خنزير بعيسى عليه السلام فابتعد عنه، وقال: امض بسلام، فالذين معه من تلاميذه الحواريين، قالوا: تقول لخنزير: امض بسلام! فماذا قال عيسى عليه السلام؟ قال: نعم، إني لا أريد أن أعوِّد لساني بذيء القول. أي: لا أريد لساني أن ينطق الكلمة هذه، حتى أنه مر على قوم فقالوا له شراً فقال خيراً، قالوا: تقول لهم خيراً وقد قالوا لك شراً؟! قال: نعم، كل ينفق مما عنده. أنا عندي خير فأعطيتهم، وهم عندهم شر فأعطوني منه.

    انظر! لم يرد عليهم الشر بالشر وهذا هو أدب القرآن، وهذه مذكورة في كتاب الله: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، ويقول الله سبحانه وتعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53] انظر! يقول لك: والله فلان هذا نزغة شيطان! ماذا تقصد بنزغة شيطان؟ نزغة شيطان - والعياذ بالله - لا يقول الكلام الطيب، وإنما دائماً يختار العبارات التي تفتن الناس: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53].

    والله سبحانه يبين عاقبة الكلام الطيب، اسمعوا يا أحباب! ماذا يقول الله، يقول: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ [الحج:24] الذي اهتدى إلى الطيب من القول ماذا له؟ قال: وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج:24] أي أن الذي يلتزم بهداية القول الطيب، نتيجته أن يثبته الله في الدنيا والآخرة على صراطه الحميد.

    والله سبحانه وتعالى يؤدبنا فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] والرسول صلى الله عليه وسلم دائماً يحذرنا ويبين لنا في الأحاديث الكثيرة: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).

    انظر ما أجمل هذا الحديث! يقول لك: لو عندك أموال بالملايين، هؤلاء الذين يشترون الأصوات بالرشاوي، حتى أني سمعت أن أحدهم بعد أن ضمن له مجموعة من الأصوات، أصبح ينتقل في بعض المناطق التي ينافس فيها إخوانه، ويقول: أعطني الجنسية وهذا المبلغ لك ولا تنتخب أحداً، لا أنا ولا غيري.

    انظر! يريد أن يحرق الأصوات - ولا حول ولا قوة إلا بالله - بعد أن ظن أنه ضمن النجاح لنفسه، وهذا أيها الأحباب! ماذا يقول الله سبحانه وتعالى وماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحقيقة؟ يقول: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم) يعني مهما أنفقت من مالك حتى تملك الناس فلن تملكهم، الناس تتغير قلوبهم إذا تغير المال، ولكن تملكهم ببسط الوجه، بالبشاشة والكلمة الطيبة والخلق الحسن: (إنما يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) هذا الذي تنفق منه لا ينفد ولا ينتهي.

    جاء رجل وقال: يا رسول الله! ما يدخل الجنة؟ - أي: علمني شيئاً أدخل به الجنة - قال صلى الله عليه وسلم: (تقوى الله وحسن الخلق قال: وما يدخل النار؟ - انظر.. هذا سؤال رجل عاقل يحب الخير، قال: وما يدخل النار؟ - قال: الفم والفرج) سبحان الله! الفم بالأكل الحرام، يأكل ولا يبالي أحلال أم حرام، والفرج -والعياذ بالله- الذي هو الفاحشة والزنا؛ نسأل الله العافية.

    يقول صلوات الله وسلامه عليه: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة) أي أنا مسئول أن أعطيه بإذن الله وأضمن له بيتاً في ربض الجنة، وربض الجنة ما معناه؟ الربض: مثل أن تقول: وراء السور، أي ليس داخل الجنة في وسطها إنما في المكان المتسع من المرابض الكبيرة المتسعة: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) والمراء: نوع من أنواع الجدل، قال: وإن كان محقاً.

    لا.. بل وزيادة على هذا، يقول: (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) أن يترك الكذب هذا معروف، ولكن وهو مازح هذه صعبة قليلاً، بعض الناس لا يصبح محبوباً، ولا يصبح مقبولاً، ولا يقبل عليه الناس إلا إذا قام ينكت ويفتري ويكذب، يقعد ويؤلف من هذه النكت، يشرق ويغرب، ويصعد وينزل كله من تأليفه، يقول لك: لا، حتى هذا، لا تعود لسانك الكذب، لكن بعض الناس -والعياذ بالله- أصبح يكذب على الله ورسوله، وينكت على الدين، وينكت على الصلاة، وينكت على القرآن، وينكت على الاستغفار، وهذا إن استحل هذا الفعل فقد كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأصبح الناس يستملحون مثل هذه النكات، ويحبونها ويحرصون عليها ويحفظونها!!

    قال: وإن كان مازحاً؟ (وببيت في أعلى الجنة - أعلى الجنة الفردوس - لمن حسن خلقه) أي: حاز الأخلاق كلها، فله بيت في أعلى الجنة بجوار محمد صلى الله عليه وسلم، لأن محمداً في أعلى الجنة صلوات ربي وسلامه عليه، اللهم اجعلنا منهم.

    1.   

    وجوب مساندة الصادقين

    وهذا نداء الله سبحانه وتعالى، يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] كونوا مع الصادقين تأييداً، كونوا مع الصادقين نصيحة، كونوا مع الصادقين دعماً، كونوا مع الصادقين دفاعاً؛ دافع عن أخيك وعن عرض أخيك إذا اغتابوه، كونوا مع الصادقين مالاً؛ إذا رأيته محتاجاً أو عليه ديون أو وقع في مشكلة فقف بجواره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

    ويقول صلى الله عليه وسلم لمن يكون مع الصادقين ويحرص على أن يكون فيهم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ...) ليس صادقاً.. انظر! أنت صادق والمفروض أن تكتب عند الله صادقاً، هذا حقك ولله الفضل والمنة ذو الجلال والإكرام، لكن أنت صادق في الدنيا، وصِدَّيق في الآخرة، انظر! صديق مثل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه: (يصدق ويتحرى الصدق) لأن الصَّادق هو الذي يَصْدُق، لكن الذي يتحرى الصدق هذا ليس فقط صادقاً، يتأكد منه ويدقق فيه ولا يخرج الكلمة إلى ووازنها وعدلها وضبطها، هذا هو الذي يتحرى الصدق، قال: هذا صِدَّيق، يكتب عند الله صِدَّيقاً: (وإن الكذب يهدي إلى الفجور ...) انظر! سبحان الله! لم يقل إن الكذب يهدي إلى ضياع المال، ولم يقل: إن الكذب يسحب منك الثقة، وهذا كله يحدث، ولكن اختار كلمة الفجور صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الكذب يهدي إلى الفجور) ما هو الفجور؟ المسابة والمشاتمة، والكلام القذر والإشاعة.. هذا كله فجور، نسأل الله أن يكفينا شره: (إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذاباً) ليس كاذباً! هناك كاذب وهناك كذَّاب والثاني أعلى درجة من الأول ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    والله سبحانه يقول مادحاً للمؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] ويقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] ويقول صلى الله عليه وسلم: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) الله أكبر!

    كان الواحد يتوقع أن يقول: أدَّ الأمانة إلى من ائتمنك وخن من خانك.. عاقبه بنفس العقاب، وحاربه بنفس السلاح، قال لك: لا، لا، لا.. (أدَّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) لا تعالج الخطأ بالخطأ، اليوم في حق واحد تقول له: تعال، أنت لماذا تعمل منشوراً في حق أخيك المسلم؟ قال: لأنه من قبل فعل فيَّ منشوراً! الله أكبر! أنت تعالج الخطأ بالخطأ؟! هذا لا يحل ولا يجوز.

    تعال يا أخي.. أنت لماذا تقول إشاعة في أخيك المسلم؟ قال: هو البادئ فعل فيَّ إشاعتين! هذا ليس هو طريق الإسلام، وليس علاج الإسلام للقضايا والمشاكل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا تخن من خانك).

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (المستشار مؤتمن) إذا جاءك واحد يستشيرك، لابد أن تكون أميناً في هذه المشورة، ولا تزد ولا تنقص عليها، والله يبين خبر أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وهو يدعو الله بهذا الدعاء العظيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء:82-84].

    انظر كيف أن إبراهيم يحرص على لسان الصدق، بل إن مرتبة الصدق والصديقية اشتهر بها إسماعيل عليه السلام حتى قدمها الله فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً [مريم:54] فقدم صدقه في الوعد على الرسالة والنبوة!

    هذا أمر خطير أيها الإخوة! عندما يقدمه الله سبحانه وتعالى لأنه لا يكون رسولاً ونبياً إذا لم يكن صادقاً، بل محمد صلى الله عليه وسلم ما صفته قبل الرسالة والبعثة؟

    الصادق الأمين، فلما صار الصادق الأمين جعله الله نبياً، اطلع الله على قلوب الخلق فوجد أطيبها وأزكاها وأطهرها قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل فيه رسالته، والله أعلم حيث يجعل رسالته؛ ولهذا يقول: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء:84]، وبعدها مباشرة: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].

    1.   

    بيان خطر النفاق وأهله

    والله يحذرنا من صنف ماكر يقول عنه: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11] وهذا هو الشر يوم أن يكون الإنسان عنده انفصام إيماني، وانفصام عقائدي، وانفصام خلقي، يلقى هذا بوجه، والآخر بوجه، ويحاول أن يلعب على الحبلين، يكسب من هذا قليلاً ومن هذا قليلاً.. هنا تكون الخطورة!

    اسمعوا هذه الآيات أما تتحدث عن هذا الصنف؟ إنها والله تتحدث عن هذا الصنف: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:8-11] انظر! ميزان الإفساد والإصلاح من الذي يوجهه ويحدده؟ الله سبحانه وتعالى وليس العبد، هم يريدون أن يحددوا من هو الصالح ومن هو المفسد، يقول الله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:12-13] أي: نحن ما طلبنا منهم أن يصيروا مثل أبي بكر وعمر ، ويجب أن يصبح خشوعك وإيمانك مثل محمد صلى الله عليه وسلم! من يستطيع أن يصير مثل محمد إذا كان الصحابة لم يستطيعوا ؟!

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أخشاكم لله، وأتقاكم له، وأعلمكم به) لا يوجد أحد يستطيع أن يلحق بمحمد صلى الله عليه وسلم، لكن يسير على هديه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فالآية تقول لهؤلاء: آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:13] وإن كانت الآية تعني الرسول وأصحابه، لكن الآية فيها جانب عظيم، أنها تفسح المجال أمام هذا الصنف، تعالوا وأسلموا كما أسلم الناس، وآمنوا كما آمن الناس: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13].

    أي كل المعلومات التي بنوا عليها أعمالهم وأقوالهم مبنية على جهل لأنهم لا يعلمون، وعلى عدم شعور، هناك يقول: (لا يشعرون) فالذي لا يشعر كيف يحدد الفضيلة وينصرها؟ وكيف يحدد الرذيلة ويحاربها؟ لا يشعر؛ وليس عنده شعور ولا إحساس، كذلك لا يعلم، فكيف يتخذ القرارات؟

    ولكن انظر إلى الانفصام الرهيب: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:14] الذين آمنوا يتلقونهم والآية تقول: (لقوا): أهلاً وسهلاً يا فضيلة الشيخ! ويقبله: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا [البقرة:14] انظر! الذين آمنوا قال: (لقوا): والشياطين الذين معهم السكر والمكر قال الله عنهم: (خلوا) خلوة: دخل واندس معهم! نسأل الله ألا يبتلينا كما ابتلاهم: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ [البقرة:14] الله أكبر..

    إذا خلوا في الخلوة، في مكان بعيد لا تدري من فيه ولا تعرف: قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] بالله وكتابه ورسوله والمؤمنين: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:15] وهذه صورة استهزاء الله بهم، أنه يبقيه على فكره ونكره ونفاقه إلى أن يموت، ويقبضه الله سكراناً أو عربيداً، نسأل الله أن يكفينا الشر: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:15-16].

    إذاً الضلالة يشترونها ويحرصون عليها، ويطرشون لها، وتصلهم منها هدايا، وتصلهم فيها مذكرات، ويخططون لها مناهج، ويرسمون لها، ويدفعون لها نقوداً، لكن تقول له: أخرج ديناراً في سبيل الله، اكفل يتيماً، انصر مجاهداً، أعط أمك، أعط أباك وأرحامك وجيرانك، لا يعطي أحداً: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً [البقرة:16-17] انظر! لم يقل الله: أوقد، بل قال: (استوقد) والسين في اللغة تسمى سين الطلب، أي أعوز حتى استطاع أن يشب النار، ناس في البر وعليهم برد وظلام ويجمعون الحطب، وبحث عن كبريت فما وجد، وبحث عن (ولاعة) فما وجد، فأخذ صخرتين وأخذ يطرق ويطرق حتى خرجت شرارة بعد تعب، وشبت النار واستوقد، (سين الطلب) أي طلب النار حتى تعب في تحصيلها: اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ [البقرة:17] ما زالوا متدفئين مستندين فرحين، فأطفأها الله عليهم..

    والواحد لما يرى النار أو النور من تنطفئ يصبح في ظلام دامس لا يرى شيئاً والعياذ بالله، نسأل الله أن يكفينا الشر.

    مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ [البقرة:17] أي نار هذه؟ قال: نار الإيمان وحرارته: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17] لم يقل القرآن: ذهب الله بنارهم، وإنما قال: بنورهم، وترك النار فيها الجمر تحرقهم يوم القيامة: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17] ثم بعد هذا لو أن واحداً منهم يريد أن يرد لا يستطيع أن يرد، أجهزة الاستقبال والإرسال التي عنده مغلقة: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18] نسأل الله أن يكفينا الشر.

    لهذا أيها الأحباب! يقول الله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة:115] ويقول سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24] أي هذا القلب الذي في صدرك، الله قادر على أن يحول بينك وبينه، فاحذر الله سبحانه وتعالى واتقه، وأكثر من لا إله إلا الله، وأكثر من ذكر الله سبحانه. والله سبحانه وتعالى يعنف على هذا الصنف، فيقول يوم أن يراهم يصرون ويصرون: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126] نسأل الله أن يكفينا الشر.

    اللهم إنا نسألك أمناً وإيماناً، اللهم إنا نسألك لساناً صادقاً، وعملاً صالحاً، وعقيدة سليمة، اللهم نسألك نور اليقين، وبرد الرضا، ونسألك الثبات يوم الفتنة، والإطعام يوم الجوع، والشرب يوم الظمأ، وأن تكسينا يوم العري، ونسألك اللهم العافية، وتمام العافية، ولباس العافية، والشكر على العافية في الدنيا والآخرة، اللهم اجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

    اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767121193