إسلام ويب

ابتلاءات إلهيةللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ابتلى الله سبحانه وتعالى اليهود يوم عيدهم وعبادتهم -يوم السبت- بكثرة الأسماك في البحر، وفي هذه الأيام تعددت الابتلاءات الإلهية بسبب الفسق والعصيان، فنجد الابتلاء البحري بكثرة أحواض السباحة المختلطة الفاضحة بين الرجال والنساء، ولم يكن البر من ذلك ببعيد فانتشرت أماكن ومحلات للدعارة والفجور والعياذ بالله. كما نجد الابتلاء في الوجاهة والوساطة وعمل المعروف للناس بدون مقابل، ويشتد الابتلاء على هذه الأمة عند الجهاد، فيعلم حينئذٍ الصادق من الكاذب.

    1.   

    الابتلاء البحري لليهود

    الحمد لله رب العالمين، اللهم لا تبتلينا فتفضحنا؛ فإنا ضعفاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

    عباد الله: إني أوصيكم ونفسي بتقوى الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]

    عباد الله إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم انصر المجاهدين، وأكرم الشهداء، وثبت الغرباء، وفك أسر المأسورين والمسجونين من إخواننا المسلمين، واجعل في أمتنا خليفة ربانياً يسمع كلام الله ويُسمعها، وينقاد إلى الله ويقودها، ويحكم بكتاب الله وتحرسه، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين ، وفي أفغانستان، وفي كل مكان برحمتك يا أرحم الراحمين!

    أيها الأحباب الكرام: إن لله ابتلاءات وامتحانات إلهية للبشر، امتحن الله الأمم السالفة فسقط منها من سقط، وبفضل الله نجحت أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الامتحانات العسيرة التي امتحن الله بها أمة يهود: الامتحان البحري.

    اختار الله لليهود يوماً للعبادة وهو يوم الجمعة، فرفض اليهود اختيار الله، وضيعوه، ونسوه، واختاروا لأنفسهم يوماً يتعبدون فيه، فكانوا يتركون الأعمال فيه وهو يوم السبت، فابتلاهم الله بالامتحان البحري في يوم السبت، فكثَّر الله الأسماك حتى تطفو على سطح الماء وتقترب من الساحل، فتمسك باليد، فاحتاروا. يوم السبت يجب التفرغ فيه للعبادة وهذا السمك لا يكثر إلا فيه، فذهبوا إلى أحبارهم وعلمائهم يستفتون، كما ذهب أصحاب الربا إلى بعض العلماء يستفتون، يسألون حِله وهو حرام، امتحانات للأمم.

    فقال علماؤهم الضالون: انصبوا الشباك يوم الجمعة، فتصيدها يوم السبت، وخذوها يوم الأحد، فتكونوا في يوم السبت في عبادة وطاعة، وشباككم منصوبة تصيد الأسماك فقد جمعتم بين الحسنيين، بين العبادة في يوم الجمعة، وصيد السمك تأخذونه في يوم الأحد.

    حيلة على الله وعلى شرع الله وعلى رسول الله، وفعل اليهود هذا، وانقسم الناس أمام هذه الحيلة إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: الذي احتال.

    القسم الثاني: الساكتون على الحيلة.

    القسم الثالث: الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

    فماذا فعل الله بعد هذا الامتحان؟

    هنا سقطوا. هذه قرية من قرى اليهود على البحر، والبحر كان لهم ابتلاء.

    صبر الله عليهم كثيراً، فلما عتوا وتجبروا؛ أنزل الله عليهم العذاب، فلم يستكينوا لله؛ فحولهم قردة، وأنهى ذراريهم، فلم يُبقِ منهم أحداً، نستمع إلى قوله تعالى في هذا الامتحان: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163].

    السبب في هذا الامتحان هو التمادي في الفسق: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:164-166].

    ثم جاء العذاب الذي يطاردهم أبد الدهر إلى يوم القيامة بسبب هذه الجريمة، وهو: كلما صارت لهم جولة ودولة وصولة، سلط الله عليهم خلقاً من خلقه يسومونهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، والتاريخ يشهد بهذا: فقد ذبحهم الرومان، والفرس، والآشوريون، والألمان، وستكون لهم مذبحة حتى في أمريكا، انتظروا وسيذبحهم الأمريكان؛ لأنهم الآن يسيطرون على اقتصادها، ويتحكمون في سياستها، ويأكلون خيـراتـها، ويصادرون ثرواتها، وسيأتي اليوم الذي يأذن الله به، وكما ذبحوا على يد النازيين سيذبحون على يد الأمريكان، وسيذبحون في فلسطين .

    فالقلوب المملوءة بالحقد والدم، والثأر سيأتي اليوم الذي تنتقم فيه، ويحقق الله فيهم هذه الآيات: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:167].

    1.   

    الابتلاء البحري لأهل الكويت

    انسحب الامتحان البحري إلى أمتنا، فليلة الجمعة ويوم الجمعة هو يوم العبادة، ليلة الجمعة العبادة فيها هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم الجمعة يذر فيه الناس البيع والشراء بعد الأذان ويتفرغون لصلاة الجمعة تفرغاً تاماً.

    وهناك سباق في الساعات، فمن قدم الساعة الأولى له كذا، ومن قد الساعة الثانية فله كذا، ومن قدم الساعة الثالثة فله كذا...، إلى أن تغلق الملائكة دفاتر السجلات، ماذا حدث لبعض هذه الأمة؟ ومن تستطيع أن تقول: إن الأكثر غثاء، حشر الناس في شقق ضيقة طوال أيام الأسبوع في مذاكرة ودراسة وانشغال في تحصيل لقمة العيش، فإذا جاء يوم الخميس بعثوا، وكما تعلمون أن الحلال واسعٌ فضيقوه -ضيقته الأنظمة- والحرام ضيقٌ فوسعوه؛ فأصبح الناس يذهبون إلى الحرام ويتركون الحلال.

    أما يوم الجمعة فتراهم في الأندية البحرية، يزدحم الشباب والشابات؛ كاسيات عاريات، يؤذن المؤذن: (حي على الصلاة) من المغرب إلى العشاء وإلى منتصف الليل وبعضهم إلى الفجر والأكثر لا يصلي، اختلط الناس ذكوراً وإناثاً دون تمييز إلا من رحم الله، تبحث عن الزي الإسلامي فلا تراه، عن الحجاب فلا تراه، إلا شاباً وشابة على رصيف أو على ظهر سيارة، أو في زاوية مظلمة، أو على شاطئ البحر أو صخرته يتناجيان ويتسامران ويتحادثان ويتغازلان.

    وأما الذين يدخلون البحر، فيطاردهم الامتحان، سبحان الله! لا يكثر الصيد إلا عند أذان المغرب، إذا قال المؤذن: (حي على الصلاة) بدأت خيوط الصيادين تصيد، من في القارب تقول له: يا أخي ادخل صلِ، يقول: اصبر السمك، كيف نصلي؟!

    والمغرب وقته فات، وإذا غاب الشفق الأحمر انتهى الوقت.

    ويظلون في هذا الامتحان منهم من ينجح ومنهم من يسقط .. صيد صيد صيد، ولا يعلم أنه يصيد السيئات ويهدر الحسنات، ويتشبه بأخلاق اليهود، ويدخل الظلام، وتختلط النجوم والصيد يتكثف ويتجمع، وإذا هو قد وقع في حبائل الشيطان وهو لا يدري.

    فإذا عاد بعد ذلك يصلي صلاة المغرب وجد أن الشمس قد غربت، وجرت خلفها الشفق، وخرج وقت الأداء، ودخل وقت القضاء، وبقيت له الحسرة، وركبه الإثم.

    وأما الذين يشاركون بما هو أسوأ من ذلك، وعلى وجه الخصوص في فصول الصيف، وأذكر أول ما بدأت المشروعات، كان هناك نادي للفتاة مخصوص -بهذا الاسم- يجمع الفتيات في (المايوهات) هذا منذ زمن قبل إصلاح الوجهات، وهناك فئة من الناس كبر سنهم، وشاب شعرهم، وهم في المراحل الأخيرة من عمرهم، وفي معترك الموت .. يأخذون المنظار وينظرون إلى الفتيات وهنَّ يلبسن الملابس الخليعة البحرية.

    يا أيها الشايب: لما تفعل هذا ورجلك على أبواب القبر؟

    قال: آخر الحياة موت. دعني أستمتع، الله يقول: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] وإذا به يفهم أن آخر الحياة موت، أي: أنا في سباق مع الموت، لتحصيلٍ وجمعٍ أكثر للسيئات والموبقات: بَلْ يُرِيدُ الْأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَه * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ [القيامة:-6].

    وتجد اسم هذه الفتاة على الساحل اسماً إسلامياً، وأبوها مسلم وأمها مسلمة، وهي تلبس هذا اللبس الفظيع الذي يكشف سائر جسدها، لتفتن الناس، وتغتال به عقيدة وأخلاق الشباب.

    إذاً الامتحان الذي تعرضت له الأمم تعرضنا له، وابتلينا به، وأصبحت مشروعات، والناس يتوافدون عليها ليالي الجمعة، ليالي العبادة والطاعة، فإذا جاء النهار انتشر الناس أيضاً مرة ثانية.

    وإن من أسباب انتقالي من مسجد (المجينـي) على البحر إلى مسجد (قرطبة) هنا هو هذا البلاء، فالذين لا يصلون الجمعة يأتون إلى (حديقة الشعب) في الساعة العاشرة هم وأطفالهم ونساؤهم يختلطون فيها، فيأتي المصلون فيوقفون سياراتهم في موقف (حديقة الشعب) فيغلقون الطريق على الذين لا يصلون، فإذا جاء وقت الغداء؛ أرادوا الخروج للشراء من المطاعم، فيجدوا أن السيارات قد أغلقت الطريق ومن ثمَّ يشتكون للمرور، فيسجل المرور المخالفة على المصلين ولا يسجلها على الذين لا يصلون.

    وكثرت الشكاوي، فكانت النتيجة أن انتقلت من المسجد البحري إلى المسجد البري لكثرة البلاء، يخرج المصلون فيجدون على سياراتهم مخالفات المرور، لماذا تغلق السيارة في الحديقة على الناس؟!

    إنه امتحان من الله لكل الناس: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7] ولم يجعل الله أي زينة إلا وفيها امتحان، الولد، المال، الوظيفة، الشهادة، الزوجة الحسناء، العمارات، المزارع: جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ لنمتحنكم، من يؤثر هذه الزينة فإنه سوف يؤخر الطاعة أو يهدر أو يترك الطاعة، ويدخل الناس جميعاً في هذه الامتحانات العجيبة.

    1.   

    الابتلاء البري

    أما الامتحانات البرية فحدث ولا حرج، بدأ الناس بالمزارع من أجل الإنتاج الزراعي، بعض الطماطم وبعض الباذنجان، وانتهت بعض المزارع حتى أصبحت مواخير في ليالي الجمعة ويوم الجمعة تجلب إليها الغانيات، والخمور، والمخدرات، وتصدر منها، وفيها الليالي الحمراء، والرقص، وعزف القيان، حتى أصبحت هذه المزارع مأوى لمن يأتي من الخارج ويتعجب، ويقول: عجباً للشباب الكويتي، لماذا يذهب إلى البلاد البعيدة وعنده كل شيء في بلده؟! أين؟ قال: في المزارع.

    الله سبحانه وتعالى ابتلى أصحاب المزارع ومنهم قصة أصحاب الجنة في سورة القلم ارجعوا إليها.

    امتحان بسيط، كان أبوهم يقطف الثمار ويزكي عن الحديقة، فقال الأولاد: الفقراء لن نعطيهم، فدمر الله مزرعتهم، وإن تدمير أخلاق الشباب اليوم أكثر من تدمير الزروع، ابتلاء فظيع!

    أتدرون أن أكثر من ثلاثين ألف شقة للعزوبية موجودة في الكويت للدعارة؟!

    هل خطر هذا ببالكم، ونتصل برجال الأمن في بعض المناطق، نقول: العمارة من أولها إلى آخرها تتحول ليلة الجمعة ونهار الجمعة إلى زنا وفجور وخمور، يقولون: نعلم، ولكن لا نملك أن نفعل شيئاً، صاحب العمارة من كبار المتنفذين، وقد جربنا، وألقينا القبض، وراقبنا، فكاد أن يمسح بنا الأرض، فتركنا الحبل على الغارب.

    من كان يظن أن فتيات يستأجرن شقق في عمارات، ليصطدن الشباب في الطرقات؟!

    جاءني أحد أولياء الأمور يقول: يا شيخ! تعال اقرأ على ابني آيتين، إنه مفزوع لا ينام الليل، قال: أوقف سيارته أمام المجمع الشمالي أو الجنوبي، وهو شاب نظيف نقي متخرج متفتح عزيز طاهر الثوب، يقول: فوقفت سيارة (مرسيدس) خلفه، وفتاة تدفعه وأخرى تجره لكي يدخلنه داخل السيارة ويخطفونه، قلت: أحدث هذا؟ قال: والله حدث، ونزع الولد نفسه؛ لأنه ابن وسيم جميل وجاءني يرتجف، وأصبح لا ينام الليل.

    سبحان الله! إذاً داء الأمم سرى فينا، والكثير سقط، لهذا صدرت الخطبة بقولي: اللهم لا تبتلينا فتفضحنا؛ فإنا ضعفاء.

    نسأل الله الستر في الدنيا والآخرة.

    اللهم استر أولادنا وبناتنا، ونساءنا وأرحامنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

    1.   

    ابتلاء أهل الوجاهة والوساطة والمسئولية

    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

    إن المحجة البيضاء لا تحتاج إلى أنوار وكشافات؛ لأن الليل فيها كالنهار، والامتحان والابتلاء يأتي في المراتب والدرجات والمناصب والوجاهات والوظائف، قال سبحانه: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165].. وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان:20].. انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21].

    وهذا التفاوت في درجات الناس في الوظائف والمراكز جعل الجميع في امتحان وابتلاء.

    أذكر أنه جاءني رجلٌ ذو أسرة ويحتاج إلى رخصة، ثم ذهب إلى المتنفذ لكي يأخذ منه الرخصة لعمل ما، فقال: والله إني أستطيع أن أعمل هذا لك، لكني متأسف! لن أوقع المعاملة دون أن آخذ منك شيئاً، عجيب! وكأنه لا يتم الشيء إلا بشيء، فقال: يا أخي! أنا ذو أسرة كبيرة، وأحتاج إلى هذه الرخصة، أعني أعانك الله، قال: لا. هي بالإمكان أن تتم، لكن بدون مقابل لا.

    وأصبح الناس هكذا، والله جل جلاله ذكر هذا في كتابه، فأخبر عن حال أقوام كل الأنبياء والرسل إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم في هذه القضية، قالوا: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ [هود:27] يسمون المساكين الفقراء البسطاء المؤمنين من أتباع الرسل والأنبياء يسمونهم أراذل، أراذل يا أعداء الله ورسوله! الذي يصلي ويصوم ويخاف ربه ويخلص ويصدِّق، فقط أنه فقير ليس عنده مال وفقير فهو رذيل؟!!

    ميزان منكوس ومعكوس، وهؤلاء المساكين الفقراء لو تحدث له أدنى وأصغر مشكلة تتحطم الأسرة، مجرد حادث سيارة يكلفه قيمة تصليحها تحطيم الأسرة كلها، تكثر عليه الديون، وينقطع ابنه عن المدرسة، ولا يستطيع أن يعالج، ولا يشتري الدواء، ولا يزوج بنته، كل هذا بسبب حادث سيارة بسيط وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود:27].. وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ أين أموالكم؟ أين أرصدتكم؟ أين سياراتكم الفخمة الفاخرة؟

    وعندما أرادوا أن يوجهوا تهمة الكذب إلى هؤلاء الصالحين من الفقراء، قدموها على طبق أرستقراطي دبلوماسي، قالوا: بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ الله أكبر! أي: نظن أنكم كاذبين.

    أحبابنا الكرام: إن الله يمتحن الأمة بهذا، فمن أوتي منصباً، أو مالاً، أو درجةً، أو مسئوليةً، أو تنفذاً، أو وجاهةً؛ فلينجح في الامتحان، وليسخرها لضعفاء الناس وليفرح، إن الله يسوق إليك هذا الفقير ليذكرك بفقرك إلى الله، ويسوق إليك هذا المحتاج ليذكرك بحاجتك إلى ملك الملوك، ويأتيك الضعيف؛ لأنك ضعيف أضعف فيروس يهجم على بدنك.

    1.   

    ابتلاء أمة الإسلام بالجهاد

    إن الامتحان العسير الذي امتحن الله به الأمة حكاماً ومحكومين هو: الجهاد، قال الله سبحانه وتعالى عن هذه الحقيقة، حقيقة الجهاد: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] نبلو: أي نمتحن ونختبر، والآن الجهاد ينادي في فلسطين ، وينادي في أفغانستان ، أما الأنظمة فهي عن الجهاد بعيدة، لا تحبه ولا تريده إلا من رحم الله، سقطت في هذا الامتحان العسير، منها من يصادر سلاح المجاهدين، ومنها من يغلق الحدود، ومنها من يطاردهم ويلقي القبض عليهم ويسميهم مجانين، بل ومنها من يتآمر على الجهاد القائم يريد أن يحوله إلى استسلام، ومنها من يفجر وينفر، ومنها من يسخر بعض الدعاة المتدينين الملتحين حتى يحاربوا الجهاد والمجاهدين، فمرة يسمونه جهاداً شركياً، ومرة يسمونه الجهاد قتل المسلمين للمسلمين، ومرة يقولون: لا تقاتلوا ولا تجاهدوا في فلسطين ولا أفغانستان ، لماذا؟ لأنهم يقولون: الجهاد الآن مخلوط ليس فيه وضوح.

    أما الصحف والجرائد والمجلات فيقولون: هذا جهاد أمريكي، هذا جهاد عميل، وإذا جاء المجاهدون يدعون كما دعا عبد الله عزام إلى الجهاد في سبيل الله؛ ثارت الأقلام العميلة تندد وتفضح وتشتم وتسب وتشِهِّر، وهو الذي فارق متاع الدنيا وزينتها وآثر الغبار، وهناك على خنادق أفغانستان ينادي: أيها الحكام افتحوا طريق الجهاد إلى فلسطين ، ستجدونني هناك على جبال القدس، وعلى قمة الأقصى أنادي حي على الجهاد.

    امتحن الناس بهذا، فنجح من نجح، وسقط من سقط، يا شباب الكويت : لماذا تعزفون عن الجهاد في أفغانستان ؟ تدربوا على الجهاد في أفغانستان استعداداً للجهاد في فلسطين، انتظروا، دوام الحال من المحال، سيأتي اليوم الذي يتدفق فيه المجاهدون إلى الأقصى، طال الزمان أو قصر، فتهيئوا، واستعدوا، وليكثر الشهداء، ولتسفك الدماء في سبيل ربنا إنه أكبر وأعظم وأحق أن تهدر الأرواح في سبيله، آثرنا الدنيا، وقعدنا مع القاعدين، والله ينادينا حي على الجهاد، حي على الجهاد، امتحان لكل الأمة، امتحان نجح فيه من نجح، وتأخر فيه من تأخر.

    أيها الأحباب الكرام: تفكروا وتدبروا وقد جعل الله أبواباً كثيرة لهذا الجهاد، جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، نسأل الله أن يحيي الجهاد في أمتنا، ويجعله روحها، ويجعله كيانها، ودينها، وعزها، وثباتها، ونصرها، وتمكينها، إنه على ذلك قدير.

    اللهم سدد رمي المجاهدين، اللهم ألحقنا بالشهداء والمجاهدين، الله اجعل أرواحنا في عليين، واجعل جروحنا ودماءنا مسكاً إنك على ذلك قدير، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين وأفغانستان وكل مكان، سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، واغفر ذنبهم، وحقق بالصالحات آمالنا وآمالهم.

    اللهم ارم عنهم، واقتل عنهم، ووحد صفوفهم، وادحر الشيطان عنهم، اللهم من أراد بنا وبهم سوءاً فأشغله بنفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدبيره تدميره، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم إنا ندفع بك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم.

    اللهم منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، ومجري الحساب، وهازم الأحزاب، اهزم أحزاب الباطل، اللهم كما بددت شمل الروس الشيوعيين وفضحتهم وعريتهم، وأسقطت مبادءهم، ومزقتهم أمام العالمين، فمزق اللهم البيت الأبيض، وأرنا فيه عجائب قدرتك.

    اللهم أعز المجاهدين في كل مكان، اللهم ارفع راية النصر على الأقصى الشريف، وارزقنا فيه صلاة طيبة مباركة إنك على ذلك قدير.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756547641