أيها الإخوة: موضوعنا في هذه الليلة يدور حول جوانب من حياة الإمام أحمد رحمه الله عز وجل، الذي كانت حياته بما فيها من أحداث وتفاصيل تصلح أن يجعلها المسلم قدوة يقتدي بها في كثير من جوانبها، ولعلنا نستعرض وإياكم في هذه الليلة بعض الجوانب التي يسمح الوقت بها، والتي سيلمح الأخ المستمع فيها فعلاً أشياء عظيمة من حياة هذا الإمام.
وهذا الإمام أيها الإخوة صحيح أن شهرته قد طبقت الآفاق، وأن الكثيرين من الناس يعرفون شخصيته، ولكن كثيراً من الناس لا يعرفون تفاصيل حياته، ولا يعرفون أحداثاً كثيرة جداً من حياة الإمام أحمد لو عرفها الإنسان فعلاً لدهش، يعني: بعض الناس الشهرة العامة موجودة لكن التفاصيل غير موجودة، لعل الإمام أحمد واحد من هؤلاء الناس.
وقد اعتنى علماء الإسلام بحياة الإمام أحمد عناية كبيرة، وألفت في حياته مجلدات، فمنها ما كتبه ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ، ومنها ما كتبه الذهبي رحمه الله في كتابه السير ، وفي كتابه تأريخ الإسلام ، ومنها ما كتبه ابن الجوزي في مجلد مستقل عن حياة الإمام أحمد رحمه الله، وغيرهم من أهل العلم، دلالة على عظمة مكانة هذا الرجل في قلوب العلماء فضلاً عن قلوب عامة الناس.
وقال الذهبي رحمه الله في السير : هو الإمام حقاً وشيخ الإسلام صدقاً أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن إدريس الشيباني ، يرجع نسبه إلى بكر بن وائل قبيلة معروفة من العرب، وقد مات أبوه في سن الشباب، وربي الإمام أحمد يتيماً، وقد ولد الإمام رحمه الله تعالى في ربيع الأول سنة (164هـ) وقد ضبطت سنة وفاة الإمام أحمد وسنة ولادته ولم يختلف فيهما أحد.
والإمام أحمد رحمه الله من رجال السنة، وينبغي أن ننبه قبل أن نبدأ إلى كلمة الإمام. كلمة الإمام كلمة عظيمة وكبيرة، ولذلك لا يصلح أن تطلق على أي واحد من الناس، ولو ارتفع كعبه في العلم أو الدعوة إلا إذا وصل إلى مرحلة عظيمة أصبح فيها فعلاً يأتم به العالم من المسلمين، يأتمون به عن صدق وحق؛ لأنه يصلح أن يكون أهلاً للإمامة، ولذلك ما أطلق هذا اللقب على كثيرين من السلف إلا على أنفار معدودين مثل الإمام أحمد رحمه الله، فهذا اللقب لا يُعطى جزافاً، ولا يصلح أن يطلق جزافاً على أي شخصية من الشخصيات النابغة المشهورة.
وقد رحل الإمام أحمد رحمه الله إلى البصرة والكوفة وحج خمس مرات، وكان شيخاً مخضوباً طوالاً أسمر، حسن الوجه معتماً، عامة جلوسه متربعاً خاشعاً.
هذا شيء عظيم، وهذه فعلاً قدوة عظيمة أن الإمام أحمد رحمه الله كان يزيد يومياً على ما هو عليه، والواحد منا الآن قد يزيد في يوم وينقص في أيام، وقد يرتفع في أيام ويتدهور حاله في أيام أخرى، ولكن أن تجد الرجل يزيد يوماً بعد يوم معنى هذا أن الرجل يربي نفسه تربية عظيمة، ولذلك ينبغي أن يضع الواحد منا نفسه تحت المجهر، وأن يضع لنفسه خطة معينة بحيث أنه يرتقي يومياً إذا استطاع وقد لا يستطيع، لكن يحاول أن يكون خط سيره إلى الأعلى، وليس أن يتدهور ويتقلب ويتذبذب كما هو واقع الكثيرين، وهذا شيء فعلاً قدوة أن الإمام أحمد يومياً يزيد عن الأيام السابقة.
وقال علي بن المديني رحمه الله: إن الله عز وجل أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: بأبي بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة، وقد كان لأبي بكر الصديق أصحاب وأعوان، وأحمد ليس له أعوان ولا أصحاب.
لما وقعت المحنة ما وقف إلى النهاية إلا الإمام أحمد رحمه الله فقط، هناك من وقفوا وقتلوا، ومن وقفوا ثم انتكسوا، وهناك من تخاذلوا أصلاً عن الوقوف، وهناك من تراجعوا وغيروا عقيدتهم، والذي ثبت إلى النهاية هو الإمام أحمد فقط في محنة خلق القرآن، قال الشاعر:
أضحى ابن حنبل محنة مرضية وبحب أحمد يعرف المتنسك |
وإذا رأيت لأحمد متنقصاً فاعلم بأن ستوره ستهتك |
وعن الحسين الكرابيسي قال: مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل -يعني بسوء- مثل قوم يجيئون إلى أبي قبيس -وهو جبل في مكة- يريدون أن يهدموه بنعالهم.
وكان أحمد رحمه الله عظيم الشأن، رأساً في الحديث وفي الفقه وفي التألف، أثنى عليه خلق من خصومه فما الظن بإخوانه وأقرانه، وكان مهيباً في ذات الله حتى قال أبو عبيد : ما هبت أحداً في مسألة ما هبت أحمد بن حنبل.
حتى إذا جاء يسأله يهاب، يخاف، ألقى الله عليه هيبة الإسلام.
وعن علي بن شعيب قال: لولا أن أحمد قام بهذا الشأن لكان عاراً علينا أن قوماً سبكوا فلم يخرج منهم أحد.
يعني: حتى موقف الإمام أحمد رحمه الله رفع رأس العلماء كلهم، الحمد لله أنه خرج منا واحد.
وقال أبو عبيد عن الإمام أحمد : ذاك رجل من عمال الله، نشر الله رداء عمله، وذخر له عنده الزلفى، أما تراه محبوباً مألوفاً، ما رأت عيني بـالعراق رجلاً اجتمعت فيه خصال هي فيه، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم.
وقال آخر: قام أحمد مقام الأنبياء، وأحمد امتحن بالسراء والضراء، وتداولته أربعة خلفاء، بعضهم بالضراء وبعضهم بالسراء، كلهم بلاء على الإمام أحمد ، ولكن طبعاً المأمون والمعتصم والواثق هم الذين عاملوه بالضراء، أما المتوكل الذي رفع الله به علم أهل السنة ورجع إلى عقيدة أهل السنة، فقد ابتلي الإمام أحمد في عهده بالسراء؛ لما أنعم عليه المتوكل به من الأموال الجزيلة التي رفضها كلها ولم يأخذ منها شيئاً.
وقال بعض السلف: أحمد بن حنبل قرة عين الإسلام.
وسئل أحد العلماء عن الإمام أحمد فقال: أنا أسأل عن أحمد بن حنبل !! إن أحمد أدخل الكير فخرج ذهباً أحمر.
وقال إسحاق بن راهويه : ما رأى الشافعي مثل أحمد ، ولولا أحمد وبذل نفسه لذهب الإسلام. يريد المحنة.
وقال الشافعي : خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل . هذه شهادة الشافعي.
وعن المروذي قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد؛ كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يُسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر، وكان كثير التواضع حسن الخلق، دائم البشر لين الجانب ليس بفظ، وإذا كان في أمر من الدين وتعرض للدين بحضرة الإمام أحمد كان يغضب في ذات الله عز وجل غضباً شديداً، وكان يحتمل أذى الجيران، وكان يجيب الدعوة في الأعراس والختان ويأكل، وربما استعفى من إجابة الدعوة، وكان إذا رأى إناءً من فضة أو منكراً في الوليمة خرج.
ومرة من المرات واحد من الناس كان عنده وليمة ختان، فدعى أهل العلم فدعى منهم الإمام أحمد ، فجاء الإمام أحمد متأخراً مع صاحبٍ له والناس قد اجتمعوا للطعام، ولما يأكلوا بعد، فقيل للإمام أحمد: إن في البيت آنية من فضة، فنظر إليها، فلما رآها خرج من المنزل، فخرج الضيوف كلهم وراءه، ما بقي في البيت أحد، قال الراوي: ونزل بصاحب البيت أمر عظيم، وأرسل وراء الإمام أحمد يحلف له أنه لم يقصد، وأنه لم يكن يعلم، فلم يرد عليه الإمام أحمد بشيء، يعني: كان الإمام أحمد من القدوة بحيث يتابعه عامة الناس، ولذلك سنعلم عند وفاته ماذا حصل، وفاة الإمام أحمد تبين فعلاً مكانته بين الناس.
وقال إسحاق بن إبراهيم : ما رأيت أحداً لم يداخل السلطان ولا خالط الملوك مثل أحمد بن حنبل ، ما كان أحد أثبت قلباً منه وما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب.
وكانت وفاة الإمام أحمد في (12) ربيع الأول، في يوم الجمعة، (سنة:254هـ) فرحمه الله عز وجل.
وبالنسبة لجوانب تهم طالب العلم والداعية إلى الله والمسلم عموماً في حياة الإمام أحمد فنحن نعرض لبعضها الآن.
بالمناسبة الإمام أحمد ما كان يتكلم عن نفسه بقليل ولا كثير، لذلك ما رويت لنا أخباره إلا من الناس المقربين إليه جداً مثل أولاده، وخاصة تلاميذه، وبقية الأخبار شائعة عند الناس معروفة من حال الإمام، وما وصل إلى الناس من أخباره في المحنة وعند وفاته وغير ذلك.
قال عبد الله : سمعت أبي يقول: ربما أردت البكور في الحديث -يعني أذهب مبكراً في طلب العلم- فتأخذ أمي بثوبي وتقول: حتى يؤذن المؤذن، وكنت ربما بكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش.
سبحان الله! كان يخرج قبل صلاة الفجر، تقول له أمه: لا، اجلس حتى يؤذن المؤذن!!
ومرة نزل في بيت رجل وأمه موجودة في الدار -أم الرجل- فذهب أحمد يطلب الحديث، فجاء سارق فسرق أمتعة البيت ومن بينها أمتعة الإمام أحمد ، فلما رجع إلى البيت قالت المرأة: دخل عليك السراق فسرقوا قماشك، فقال: ما فعلت الألواح؟ فقالت له: في الطاق، وما سأل عن شيء غيرها، ما سأل إلا عن الألواح التي كتب فيها العلم.
وقال أحمد : كتبت عن ابن مهدي نحو عشرة آلاف حديث.
وعن عبد الله بن أحمد قال: قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام.
يعني: أعطني الإسناد أعطيك الكلام، أو أعطني الكلام أعطيك الإسناد؛ من حفظه للأحاديث التي كان يكتبها.
وقال أبو زرعة لعبد الله ( ولد الإمام أحمد ): أبوك يحفظ ألف ألف حديث -يعني: مليون حديث- فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب فعرفت أنه يحفظ هذه الأحاديث.
قد يقول قائل مستغرباً: وهل هناك مليون حديث في الدنيا فعلاً؟!! فقال الذهبي رحمه الله معلقاً: فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدون في ذلك المكرر والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك -هذه داخلة في المليون- وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك، المرفوعة القوية تكاد تبلغ عشرة آلاف حديث.
وعن أبي زرعة قال: حزرت كتب أحمد يوم مات فبلغت اثني عشر حملاً وعدلاً ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه حدثنا فلان، كل ذلك كان يحفظه.
وقال أحمد الدورقي : لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق -الإمام أحمد رحمه الله رحل إلى عبد الرزاق في اليمن - رأيت به شحوباً بـمكة ، وقد تبين به النصب والتعب، فكلمته -يعني كأنه قال له: أتعبت نفسك في ذهابك إلى اليمن - فقال أحمد : هين فيما استفدناه من عبد الرزاق. أي: هذا شيء يهون في سبيل الفائدة التي حصلناها من عبد الرزاق .
وخرج عنه اختيارات من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم. وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله طائفة من عمق أو دقائق فقه الإمام أحمد رحمه الله.
هل كان الإمام أحمد رجلاً يحفظ العلم ثم يتلوه على الناس تلاوة، أو أنه كان أكبر من ذلك؟
مشكلة طلبة العلم، أو بعض أهل العلم في هذه الأيام، أن وظيفته فقط مقتصرة على الحلق، وعلى التعليم، وسرد الأحاديث أو سرد أقوال العلماء وسرد الآراء فقط، يعني: وظيفته فقط كأنه مسجل يتكلم، وبقية من بقي من أهل العلم ليست مهمته فقط سرد العلم على الناس، لا.
عن الحسين بن إسماعيل عن أبيه قال: كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمس مائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.
فإذاً هذا هو التكامل المطلوب في صاحب العلم ليس فقط أن يعلم، وإنما يكون قدوة يأخذ الناس من أخلاقه، ومن سيرته، ومن مواقفه، ومن ورعه، ومن زهده، ومن عبادته، وتقواه، وخشوعه لله عز وجل، وهذه خصلة نفتقدها كثيراً في حلق العلم، أنك تجد الواحد يسرد عليك، لكن شخصيته في بيته مع أهله، أو في العمل الذي يعمل فيه مختلفة تماماً.
وقال عبد الله : كان أبي إذا خرج يوم الجمعة لا يدع أحداً يتبعه. والمشهور أن العالم إذا ذهب إلى مكان سار الناس وراءه، لكن أحمد رحمه الله من تواضعه كان لا يرضى أن يسير وراءه أحد.
وربما وقف حتى ينصرف الذي يتبعه. يعني: لو رأى واحداً يتبعه، أو أحس به، فإنه يقف حتى يمضي ذلك الرجل، ثم يمشي بعده، لأن قضية الاتباع تؤثر في نفس المتبوع، ولذلك يقول ابن مسعود رحمه الله ورضي عنه وأرضاه لطائفة من الناس كانوا يتبعونه: [ارجعوا فإنها ذلة للتابع وفتنة للمتبوع].
وكان أيضاً غنياً عما في أيدي الناس، لما خرج إلى عبد الرزاق انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه من بعض الجمالين؛ يشتغل عند أصحاب الجمال الذين ينقلون حتى يحصل نقوداً، إلى أن وصل صنعاء وعرض عليه أصحابه المواساة فلم يأخذ منهم شيئاً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان قال: بلغني أن أحمد بن حنبل رهن نعله عند خباز بـاليمن.
يقول إسحاق بن راهويه زميله في الرحلة: كنت مع أحمد عند عبد الرزاق ، وكانت معي جارية وسكنا في الأعلى، وأحمد أسفل البيت، قال: وكنت أطلع فأراه يعمل التكك -وهي الأشياء التي تربط الأزار أو السراويل حتى لا تقع، يعملها ويبيعها ليتقوى بها- ولما وصل إلى عبد الرزاق اطلع على فقر الإمام أحمد ، فدمعت عيناه، فقال: بلغني أن نفقته نفذت، فأخذت بيده، فأقمته خلف الباب وما معنا أحد، فقلت له: إنه لا تجتمع عندنا الدنانير إذا بعنا الغلة أشغلناها في شيء، وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها، وأرجو ألا تنفقها حتى يتهيأ شيء -يعني: لعلك ما تصرفها حتى يأتينا شيء آخر نعوضك إذا صرفتها- فقال لي: يا أبا بكر! لو قبلت من أحدٍ شيئاً قبلت منك -يعني: انظر إلى لطافة الرد، كيف يرد، يقول: لا أريد، لكن قال: لو قبلت من أحد شيئاً قبلت منك.
وكان ربما أخذ القدوم وخرج يعمل بيده ويبيع. وقال صالح ولده: ربما رأيت أبي يأخذ الكسر ينفض الغبار عنها ويصيرها في قصعة ويصب عليها الماء، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رماناً ولا سفرجلاً ولا فاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنب وتمر، وقال لي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلاً دقيقاً فتبيع الأستار بدرهمين أو أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا.
وقضية الاستغناء الآن ليست حاصلة عند الكثيرين، بل إن كثيراً من النفوس اليوم تتطلع وتتشوق إلى ما في أيدي الناس، وصحيح أن عصرنا يختلف عن عصر أولئك الناس في متطلبات المعيشة، ولذلك لا بأس أن يحرص الإنسان على الكسب، وأن يحرص على المعاش، وإذا كان به طاقة على الصبر على حالات الشدة قد يكون الأفضل الصبر، لكن قد لا يكون للإنسان صبر وقد تكون تعقيدات الحياة كثيرة، والاهتمام بالكسب الشخصي مهم، ولذلك يقول ابن المبارك رحمه الله وكان يشتغل في التجارة فسئل عن سبب اشتغاله، فقال: حتى لا يتمندل بنا هؤلاء. يقصد لو أن الإنسان احتاج وما عنده ولا يصبر فلا بد أن يلجأ إلى غيره، فقد يستغل حاجته بعض السفهاء، وخصوصاً إذا كان يشتغل في وظيفة من الوظائف فيصبح كأنه عبد ذليل للشخص الذي يعمل عنده، أو أنه عبد ذليل ينتظر ماذا يعطى من الراتب مثلاً، ويخشى أن يقطع عنه الراتب، ولذلك التحرر في كسب العيش أمر مهم، وكلما استطعت أن تتحرر ولا ترتبط بالآخرين في كسب العيش، حتى أن الآخرين يحتاجون إليك لا أنت تحتاج إليهم فهذا أحسن، ولكن هذا الوضع صعب الآن، وليس كل الناس يستطيعون الاشتغال بالتجارة، بل قسم كبير منهم في الوظائف، لكن حاول قدر الإمكان حتى لا يتمندل بك أهل السوء، وإذا تمندل بك أهل السوء فإنهم لا بد أن يفرضوا عليك أشياء فيها تنازل عن دينك، أو مواقف مخزية قد تقفها مضطراً لأنك محتاج إلى المال، وكثير من الناس وقعوا في مواقف مخزية بسبب الحاجة.
وقال الميموني : كثيراً ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء، فيقول: لبيك لبيك. لبيك يعني: المسارعة في الاستجابة للسؤال، مع أن ذلك السائل هو المحتاج، ولكن الإمام أحمد هو الذي يقول: لبيك لبيك، كأنه خادم مطيع عند ذلك السائل.
الإمام أحمد جاءت له فرصة الأموال، وصارت تأتيه من كل حدب وصوب، وصار الناس يعطونه أشياء، حتى لما كان في وقت الشدة كانت تأتيه هدايا من أناس مخلصين، وكانوا يؤكدون له أنها من مال حلال ويقول أحدهم: هذا من إرث أبي، ويقول آخر: عندي اثنا عشر ألف درهم أعطيتك منها كذا (شيء بسيط) فكان يرفض.
ومرة كانوا يضعون له شيئاً في البيت، كصرة مال يضعها زائر خفية، فإذا اكتشفها الإمام أحمد أرجعها إليه، وإذا لم يعرف صاحبها فرقها على الفقراء، ومرة دق الباب، يقول ولد الإمام أحمد : دق الباب فتحت الباب فإذا بقصعة من الطعام مملوءة وضعها الرجل ومشى بسرعة، والإمام أحمد كان يجوع في فترات حتى لا يجد شيئاً، حتى أنه ربما اضطر إلى مواصلة الصيام، ما عنده شيء يأكله، فلما أدخل القصعة فرآها الإمام أحمد وقد امتلأت بأنواع الطعام قال: فمكث ساعة يفكر كيف يصنع؟ ثم قال: اذهبوا بهذا إلى بيت عمي، وأعطوا أولاد صالح ، وكان أولاد صالح قد أتت له ذرية وكان فقيراً، فقال: وأعطوا ولد صالح هذا.. وهذا وزعه وما أكل منه شيئاً.
وجاءته بعد ذلك أموال في أيام المتوكل الذي رفع المحنة عن الإمام أحمد فكان يرجعها ولا يقبل منها شيئاً، ولو أدخلت عليه بالقوة فرقها.
ومرة جاءه مالٌ فرده، بعد سنة واحد من أولاده الذين عاشوا في الفقر، يقول: يا أبتِ لو أخذنا ذلك المال -يعني: لو كنا أخذنا ذلك المال الذي جاءنا قبل سنة- فقال أحمد: لو كنا أخذناه لكان الآن قد فني.
وقال صالح : قلت لأبي: إن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار، فقال: يا بني! ورزق ربك خيرٌ وأبقى.
إذاً.. الإمام أحمد قدوة في تعليم الأولاد، قدوة في تربية الأهل، بعض الناس قد يكون عفيفاً متعففاً، صابراً على الشدة، لكن أهله بخلافه، وما أكثرهم!
هو قد يصبر، وقد يحرم نفسه من أشياء كثيرة من متاع الحياة الدنيا، لكن أهله بخلافه لا يصبرون، فإذاً المسألة ليست أن تصبر أنت وأن تعف نفسك فقط، المسألة أن تربي من حولك وخصوصاً الأهل والأولاد على هذه الخصلة.
قارن هذا وبين واقع الناس اليوم الذين قد يدعون التدين ولكنهم من ناحية النظافة الشخصية في أسوأ الحالات، وربما نفروا من حولهم بسبب عدم اعتنائهم بأنفسهم، وبثيابهم، وبشخصياتهم، فسبَّب ذلك عند الكثيرين انطباعاً سيئاً عن الدين، ولذلك يجب أن يؤخذ الإسلام جملة بلا تفريط وخصوصاً ما يصد عن سبيل الله، هذا ينبغي أن تحافظ عليه على أن تمنع الأشياء التي تصد عن سبيل الله، خصوصاً إذا كنت أنت السبب لا بد أن تراقب نفسك مراقبة شديدة.
انظر! سبحان الله العظيم! يقول: إذا كنت أعرف قدر نفسي فماذا ينفعني كلام الناس وأنهم يدعون لي ويذكروني، وأنا أعرف نفسي أني لست بهذه المنزلة؟! وهو أعلى من هذه المنزلة.
وقال عباس الدوري : حدثنا علي بن أبي فزارة جارنا قال: كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت لي يوماً: اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي، فأتيت فدققت عليه وهو في دهليزه، فقال: من هذا؟ قلت: رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب، فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا، فوليت منصرفاً، فخرجت عجوزٌ فقالت: قد تركته يدعو لها -رأته ذهب غاضباً، فقالت: قد تركته يدعو لها- انظر الآن واحد يقول للناس ويعلمهم يقول لهم هذا ولكنه في نفس الوقت يدعو لها (من استطاع أن ينفع أخاه بشيء فلينفعه) بدعاء، برقية، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي!! استقبلته!!
وبالمناسبة فإنه يجب أن نكون حذرين في الروايات، فنحن لا نريد أن نرفع الناس فوق المنزلة التي أنزلهم الله إياها، ونبالغ، والمبالغة خطيرة جداً؛ لأنها تفقد واقعية الشيء، خصوصاً من الناس المفكرين، إذا أنت الآن جلست تسرد على الناس أحاديث ضعيفة مقتوك، لذلك الحافظ الذهبي رحمه الله كان ينقد الروايات.. مثلاً في رواية تقول: لما مات الإمام أحمد أسلم يوم موته من اليهود والنصارى عشرون ألفاً.
لما تقول هذا الكلام قد يقول الناس: يا الله! إعجاباً، لكن الإمام الذهبي رحمه الله يقول: وهذه الحادثة لا يمكن أن تكون قد وقعت، ولم يروها إلا شخص واحد، ولو كانت وقعت لتوافرت الهمم والدواعي على نقلها، فلما لم ينقلها إلا واحد شككنا في صحتها، مع إعجاب الذهبي الشديد بالإمام أحمد ، فأنا أنبه أثناء العرض هنا أن ليس المقصود أن نأتي بأشياء نهول فيها ونضخم ونكذب، ولكن الأشياء التي أتى بها النقاد فأقروها وسكتوا عليها ولم يتعقبوها تذكر، والإمام أحمد لا يستبعد منه أبداً أن يحصل هذه الكرامة، لا يستبعد أبداً أن يكون مجاب الدعوة وحياته هذه الحياة.
وقال المروذي : قلت لـأبي عبد الله : ما أكثر الداعي لك، ما أكثر الناس الذين يدعون لك، قال: أخاف أن يكون هذا استدراجاً.
وقلت له: قدم رجل من طرسوس فقال: كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل رفعوا أصواتهم بالدعاء، وكنا نمد المنجنيق ونرمي به عن أبي عبد الله -يعني: لا ينسون من محبة الناس للإمام أحمد ، حتى المجاهدين يرمون المنجنيق ثم يقولون: هذه رمية عن الإمام أحمد - ولقد رمي عنه بحجر والعلج على الحصن متترس بدرقة فلما رموا الحجر فذهب برأسه وبالدرقة، قال: فتغير وجه أبي عبد الله وقال: ليته لا يكون استدراجاً. أي: ليت هذا لا يكون استدراجاً حتى أنا أغتر من هذا الكلام وأخرج عن التقوى.
وعن عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبي وذكر عنده الشافعي رحمه الله فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه.
أحمد يقول عن الشافعي : ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه، نحن استفدنا منه أكثر، ومع ذلك عبد الله ولد الإمام أحمد يقول: كل شيء في كتاب الشافعي حدثنا الثقة فهو عن أبي. هذه قضية مهمة في كتاب الشافعي .
الشافعي له مسند إذا قال: حدثنا الثقة -يعني أحمد بن حنبل - ما استعمل لفظ الثقة بدون اسم إلا للإمام أحمد .
وقال المروذي : وذكر لأحمد أن رجلاً يريد لقاءه، فقال: أليس قد ذكره بعضهم أليس اللقاء شيء بغيض يتزين لي وأتزين له؟
وقال: لقد استرحت ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت ألا أحدث، وليتنا نترك، فقلت له: إن فلاناً قال: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها وإنما زهد في الناس أيضاً، قال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟ الناس يريدون أن يزهدوا فيَّ.
والشهرة مشكلة؛ لأنها تعدم الإخلاص إعداماً، فإنك: عندما ترى الناس يسيرون بذكر فلان وقصة فلان، وبعضهم يؤلفون القصص لرفعه، فيقولون مثلاً: فلان يحفظ كذا وكذا، فلان تتلمذ على يد فلان وفلان من العلماء، هو إذا سمع بذلك قد يسر ولا ينفي مع أن هذا كذب ويشتهر، ولكن هؤلاء سرعان ما يأفل نجمهم سريعاً، ولكن لا يبقى على مر العصور وعلى مر الأزمان إلا الناس الذين اشتهروا فعلاً على أساس من تقوى الله ورضوانه.
الواحد قد يضيق ذرعاً ببعض الأسماء اللامعة في الأفق وهي على غير شيء، ويقول: إنهم يذكرون صباحاً ومساء، ولكن يا أخي تخيل بعد مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة كيف يكون؟ اقرأ التاريخ، بعض الناس في وقت من الأوقات كانوا مشهورين جداً لكن بعد ذلك طوى الدهر صفحاتهم.. بعض الناس تقال لهم عبارات المديح ويسكتون وهم لا يستحقونها، الإمام يقال له عبارات الثناء وهو يستحق أكثر منها وكان لا يسكت، يقتدي به الإنسان، فيعرف إذا أثني عليه ماذا يقول، وكيف يكون موقفه، بل إن الواحد ليستحقر نفسه وهو لم يبلغ مبلغ شيء في الدين ويثنى عليه، ومن هو بجانب الإمام أحمد؟
وهذه فائدة تربوية مهمة، فمن أخطر الأشياء أن تثني على شخص في وجهه، حتى لو كان رجل دين تقياً وورعاً، إذا أثنيت عليه في وجهه فكأنك قطعت عنقه، ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن المدح في الوجه، وقد تفسد نيته وإخلاصه بمدحك له، ولذلك يا أخي وفر مدحك قليلاً، وفر الثناء قليلاً، اثن عليه إذا كان من أهل الخير لكن ليس في وجهه، وكثير من الناس وصلوا إلى الغرور ووقعوا في الهاوية، لأنه يثنى عليه في وجهه، فيصيبه الغرور ويدخله الكبر، ويقول: أنا أذكر، وأنا شأني مشهور، وأنا يعرفني فلان وفلان، وأنا كلماتي وصلت إلى تلك الأنحاء، فلذلك احذر من الثناء على واحد في وجهه.
وقال الخلال : أخبرنا علي بن عبد الصمد الطيالسي قال: مسحت يدي على أحمد بن حنبل وهو ينظر فغضب وجعل ينفض يده ويقول: عمن أخذتم هذا؟ أي: ممن تعلمتم هذه التصرفات؟
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله ذكر أخلاق الورعين، فقال: نسأل الله ألا يمقتنا.. أين نحن من هؤلاء؟! والإمام أحمد من أورعهم.
وقال المروذي : أدخلت إبراهيم الحصري على أبي عبد الله ، وكان رجلاً صالحاً، فقال: إن أمي رأت لك مناماً وهو كذا وكذا وذكرت الجنة. يقول: أمي رأت لك مناماً يا أحمد في أشياء وذكرت الجنة، فقال: يا أخي إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا فخرج إلى سفك الدماء، كان الناس يخبرونه بمثل هذا فصار أمره إلى أن سفك الدماء. الرؤيا تسر المؤمن ولكن لا تغره.
فأن ترتقي بشخص مثلاً في إيمانه، وكيف تجعله أخشى لله وأتقى وأورع، هذه مسألة صعبة جداً؛ لأن الخشية في القلب بالقدوة لا بالقول، ولذلك الناس لا يصلحون في هذا الجانب إلا بالتربية وبالقدوة، وهذا مثال كيف كان الإمام أحمد رحمه الله يربي الناس على هذا.. عن عاصم بن عصام البيهقي قال: بت ليلة عند أحمد بن حنبل ، فجاء بماء فوضعه، فلما أصبح جاء الإمام أحمد ونظر إلى الماء بحاله فقال: سبحان الله رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل!! فهو قد وضع له الأداة التي يقوم بها الليل، فلما رآه لم يقم عاتبه بلطف.
وكان الإمام أحمد رحمه الله شديد الاتباع للسنة جداً، حتى أنه مرة احتجم وأعطى الحجام ديناراً، وقال: لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام ديناراً.
وعن إبراهيم بن هانئ النيسابوري قال: كان أبو عبد الله حيث توارى من السلطان عندي.
الإمام أحمد جاءت عليه فترة في زمن الواثق اختبأ فيه من السلطان، فاختبأ عند إبراهيم بن هانئ النيسابوري ، ولما يكون الإنسان له أصدقاء في الخير وله أعوان في الخير فإنه يستفيد منهم في لحظات الشدة، ولذلك اختبأ عنده الإمام أحمد رحمه الله في وقت الشدة، فذكر من اجتهاده في العبادة أشياء، وقال: وكنت لا أقوى معه على العبادة، وأفطر يوماً واحداً واحتجم.
وقال عبد الله بن أحمد ذاكراً عبادة أبيه: كان أبي يقرأ كل يوم سُبعاً -يعني: يختم القرآن في سبعة أيام- وكان ينام نومة خفيفة بعد العشاء، ثم يقوم إلى الصباح ويصلي ويذهب، ويقول: ربما سمعت أبي في السحر يدعو لأقوام بأسمائهم، وكان يكثر الدعاء ويخفيه، ويصلي بين العشائين، فإذا صلى عشاء الآخرة ركع ركعات صالحة، وكانت قراءته لينة، ولا يترك صوم الإثنين والخميس وأيام البيض.
وقال زهير بن صالح: حدثنا أبي قال: سمعت أبي كثيراً يتلو سورة الكهف، وكثيراً ما كنت أسمعه يقول: اللهم سلم سلم. والدعاء باللهم سلم سلم ورد في دعاء الأنبياء عندما يجوز كل نبي بأمته على الصراط المضروب على متن جهنم، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ودعاء الأنبياء يومئذٍ: اللهم سلم سلم)
وقد بلغ من عبادته أنه ما تركها وهو في السجن، بل إنه قال: كنت أصلي بأهل السجن وأنا مقيد.
وقال المروذي : كان أبو عبد الله إذا ذكر الموت خنقته العبرة، وكان يقول: هان علي كل أمر الدنيا إذا ذكرت الموت إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنما هي أيام قلائل، ما أعدل بالفقر شيئاً، ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر.
لماذا كان الإمام أحمد لم يخرج إلى خارج البلاد ويسكن في الصحراء ويعتزل الناس؟ هو يتمنى هذا الكلام، لماذا لم يفعله؟ لأن الناس يحتاجون إليه، لأن موقعه بين الناس موقع مهم، لأن عزلته عن الناس فيها ضرر على نفسه وعلى الناس، والإنسان المؤمن كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أحسن وأفضل من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) والاعتقاد الموجود عند البعض بأن على الإنسان أن يخرج عن المجتمع ويعتزل الناس أحسن له في الدين اعتقادٌ خاطئ؛ لأنه سيضعف، لكن الذي يعيش المحنة يقوى عوده ويصمد، إلا في حالة واحدة، إذا كان آخر الزمان، وصارت الفتنة شديدة جداً بحيث أن الرجل لا يحتمل القعود، ولو قعد لفتن في دينه، فعند ذلك لا بد من الخروج، وقد يحصل حالات من هذا في بعض البلدان، فيترتب على المسلم أن يخرج؛ لأنه لو جلس واستقر لفتن في دينه، ونكص وارتد على عقبيه، فتكون السلامة في الخروج.
قال أبو داود : كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط.
وعن المروذي قال: قلت لأحمد : كيف أصبحت؟ قال: كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرائض، ونبيه يطالبه بأداء السنة، والملكان يطالبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملك الموت يراقب قبض روحه، وعياله يطالبونه بالنفقة؟!!
الإمام أحمد رحمه الله مع كل هذا الظلم، قال ابن أبي حاتم : بلغني أن أحمد بن حنبل جعل المعتصم في حلٍ يوم فتح عاصمة بابك وظفر به أو في فتح عمورية . لأن من حسنات المعتصم أنه فتح عمورية ، فلما فتح عمورية عفا عنه الإمام أحمد ، ولما أمسك بـبابك ، وهذا بابك زعيم الخرمية طائفة من الملاحدة وكان لهم عاصمة وصارت لهم شوكة، لما قاتلهم المعتصم وظفر بهم قال الإمام أحمد : هو في حل من ضربي. مع أنكم ستسمعون بعد قليل كيف ضربه.
وقال ابن جماعة : سمعته يقول؛ الإمام أحمد : كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعاً -المبتدع لا أحله- حتى يرجع من البدعة.
وقال: وقد جعلت أبا إسحاق المعتصم في حلٍ ورأيت الله يقول: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22] وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم يوم القيامة بسببك؟!
والناس اليوم حتى من طلبة العلم وبعض الدعاة قد يظلمون، وقد يساء إليهم جداً، ولكنهم قد يحملون في أنفسهم حقداً وغلاً، يحملون في أنفسهم أقل شيء سخطاً على من ظلمهم، ولكن المقتدي المتأسي بالإمام أحمد رحمه الله يرى العفو عن الظالم إذا رجع عن ظلمه للناس وعن بدعته، والعفو عند المقدرة من الأشياء التي تؤثر في الظالم جداً، وتجعله في صفوف الصلحاء، وكثيرٌ من الناس الذين عفا عنهم الإمام أحمد قد تحسنت أحوالهم جداً.
وقد كان الإمام أحمد رحمه الله ورعاً غاية الورع، ما أحوجنا إلى الورع في هذا العصر الذي كثرت فيه الشبهات، في الأموال والرواتب، وكثير من الوظائف، وكثير من المدخولات، كثر فيها الحرام وكثرت فيها الشبه، والمأكولات كثرت فيها كثيراً.
قال بعضهم: لقد حضرت من ورعه شيئاً بـمكة أنه أرهن سطلاً عند فامي -بائع الثوم- فأخذ منه شيئاً ليقوته -أعطاه السطل رهناً وطلب شيئاً ليأكله - فجاء يوماً من الأيام فأعطاه فكاكه، فأخرج إليه الفامي سطلين فقال: انظر أيهما سطلك؟ فقال الإمام أحمد : لا أدري، ثم إن الإمام أحمد قال: أنت في حل منه -لأنه يخشى لو أخذ واحداً منهما ألا يكون سطله- وما أعطيتك الآن من المال فكاك السطل هو لك، قال الفامي: والله إنه لسطله وإنما أردت أن أمتحنه فيه، ولكن مع ذلك لما أخبره رفض الإمام أحمد أن يأخذه.
وقال: قال أحمد بن محمد الدستوري : ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاقترض منه دقيقاً فجهزوه بسرعة، لاحظ الإمام أحمد أن الخبز جهز بسرعة فقال: كيف ذا؟ قالوا: تنور صالح مسجر -ولده صالح كان عنده تنور، وكان التنور هذا ساخن أصلاً، ولذلك نضج الخبز بسرعة- فخبزنا فيه، فقال: ارفعوا، وأمر بسد بابٍ بينه وبين صالح ، قال الذهبي: لكون صالح قد أخذ جائزة المتوكل. وكان قد أعطى أحمد وأولاده، فالإمام كان متورعاً عن المال الذي جاء من المتوكل في يد ولده صالح ، حتى أنه ما رضي أن يأكل من الخبز الذي خبز في تنور ولده.
سئل أحمد بن حنبل عن أحمد بن رباح فقال فيه: جهمي معروف بذلك، وإنه إن قلد شيئاً من أمر المسلمين كان ضرراً على المسلمين؛ لما هو عليه من مذهبه وبدعته، وسئل عن ابن الخلنجي فقال فيه أيضاً مثلما قال في أحمد بن رباح ، وذكر أنه كان من شرهم وأعظمهم ضرراً، وسألته عن شعيب بن سهل ، فقال فيه: جهمي معروف بذلك، وسألته عن المعروف بأبي شعيب فقال فيه: إنه جهمي معروف بذلك، وسألته عن ابن الثلجي فقال: مبتدع صاحب هوى، وابن الثلجي هذا حنفي دافع عنه زاهد الكوثري في بعض كتبه، وزاهد الكوثري من أعيان المبتدعة في هذا العصر، وقد مات، وتأثر به كثيرون، فدافع عن ابن الثلجي وقال: لعل طعن أحمد فيه مشكوك فيه، ولعل الرواية فيه غير صحيحة وهذا ليس بكذا.. لماذا؟ دفاعاً عن المبتدعة، والإمام أحمد يقع فيهم.
فإذاً، منهج الورع لا يمنع أن يقول الإنسان بالعدل وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] والإنسان إذا طَلَبَ رأيك في شخص وأنت تخاف أن يتأثر به هذا السائل فلا بد أن تبين له السلبيات التي هي فيه، وهذه المسألة فيها مزلقٌ خطير، يعني: بعض الناس يُسأل عن شخص، وهذا الشخص فيه عيب لكن لا يتأثر به كأن يكون عيباً خفياً، يعني: واحد عنده أخطاء لكن لا يتأثر الناس بها؛ لأن أخطاءه في بيته أو في شخصه، فيأتي واحد يقول: فلان فيه كذا وكذا وكذا، تقول: يا ابن الحلال اتق الله لماذا تطعن في فلان؟ يقول: الجرح والتعديل، فصار باب الجرح والتعديل مفتوحاً على مصراعيه كل واحد يتكلم كيف يشاء، وأحياناً تجد الناس بين إفراط وتفريط، إما أن تجده يطعن في أناس صالحين، أو يذكر سلبيات لا داعي لذكرها ولا حاجة لذكرها، أو تجد واحداً يسكت على فلان وعلى أخطائه ولا يغير، ولا يعترف بخطئه؛ لأنه يقدس ويعظم هذا الشخص، كلاهما بلية ابتلي بها كثيرٌ من المسلمين، وحتى من الناس الذين يدعون القيام بدين الله وحمل لواء الإسلام.
وعن عبد الله بن محمد الوراق قال: كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب ، فقال: اكتبوا عنه الحديث فإنه شيخ صالح، فقلنا: إنه يطعن فيك -يعني يتكلم عليك- قال: فأي شيء حيلتي شيخ صالح قد بلي بي، أي: ابتلاه الله عز وجل بأن يطعن علي ماذا أفعل له، لكن اكتبوا حديثه، هل هناك عدل مثل هذا؟ مقارنة بكثير من المسلمين اليوم قد تجد اليوم واحداً من الناس إذا سئل عن فلان وقد يكون عالماً، أو من أهل العلم، أو طالب علم ينفع الناس، فيقول: لا، لا تأخذ عنه حرفاً، ولا تحضر مجالسه، ولا تستمع له! وذلك لأن بينه وبينه خلافات شخصية!
نقول: حتى لو كنت محقاً في خلافاتك الشخصية مع هذا الرجل، لكن العدل أن تقول للناس: اسمعوا له، واحضروا له، حتى لو كان بينك وبينه خلاف شخصي، ما دام أنه لا يقول ببدعة، ولا يدعو الناس إلى بدعة، وليس عنده أخطاء في الأصول، أو ليس عنده أشياء يضل الناس بها، أو يفتي بغير علم.
وكان رحمه الله يعمق التصورات الإسلامية المهمة في الناس، فمثلاً: يدعو الناس إلى اتباع الكتاب والسنة، والإقبال عليهما، ويبين للناس خطورة رد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إنه بلغ من أمره في هذا أنه نهى الناس عن كتابة الرأي، يعني: كتابة الآراء، وأمرهم أن يقتصروا على الآثار، لخوف الإمام أحمد رحمه الله أن يترك الناس الكتاب والسنة ويتعلقوا بأقوال الرجال، ولذلك كان كتب أقوال بعض الرجال ثم تخلص من كتبه، وسأله رجل: أكتب كتب الرأي؟ قال: لا، قال: فابن المبارك قد كتبها، قال: ابن المبارك لم ينزل من السماء، إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق. يعني: القرآن والسنة؛ لأنه وحي من عند الله.
طبعاً هذا الشيء يعتمد على الظروف والمناسبات؛ لأنه قد لا يجد الإنسان مكاناً آخر، ولكن إذا وجد وهو في جو المحنة فيكون من المناسب أن لا يمكث في مكان واحد فترة طويلة؛ لئلا يكتشف أمره فيتحول، لو جلس الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار مدة طويلة ربما اكتشفوا أمره، فهو جلس المدة التي خف فيها الطلب ثم تحول.
ناس يجلسون بعد العشاء ما يصلون الليل يزعمون أنهم يذكرون الله، يجلسون صامتين هكذا إلى نصف الليل، وبعد ذلك واحد يذكر ويتكلم وناس يزعقون، والزعق هذا ما كان عند الصحابة ولا عند التابعين، فالإمام أحمد قال: ما أرى لك صحبتهم مع أن ظاهرهم الخير، لذلك كثير من الناس في هذه الأيام يخدعون ببعض المبتدعة من أهل الشر، لأنهم يرونهم يبكون، ويكثرون من ذكر الهل ويزعقون، فيقول: هذا من أولياء الله، وهو في الحقيقة من المبتدعة في دين الله، فإذاً التثبت في أحوال هؤلاء أمر مهم، أمر مطلوب حتى يعرف حالهم فيجتنبوا، وحتى يكون الإنسان على بصيرة.
ومن منهج الإمام أحمد رحمه الله اعتزال أهل البدع، وهذه قضية مهمة، تمس الحاجة إليها في هذه الأيام؛ قال المروذي : لما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف حذر منه أبو عبد الله وأمر بهجرانه، أمر الناس بتركه، أي: الوقف في قضية خلق القرآن بعض الناس قالوا: القرآن مخلوق، بعض الناس قالوا: لفظي بالقرآن مخلوق، وهؤلاء أيضاً مبتدعة، وبعضهم قالوا: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق؛ هؤلاء الواقفة ، فالإمام أحمد بدع الواقفة ، ونهى عن الصلاة وراءهم، وأمر بهجرهم، ولا عليه فلان كبير صغير، مشهور مغمور؛ ما دام أنه وقع في البدعة وما رجع منها حذروا الناس منه.
رجل يجلس مع زوجته لا يختلف معها في كلمة، هذا شيء ليس سهلاً، ولكن هذا الرجل رحمه الله بلغ عدله ورفقه حتى في أهل بيته حتى ما اختلف معهم في كلمة.
انظروا الآن الفتنة عن الدين كيف تكون بالترهيب والترغيب، أول شيء حملوه فرفض، سجنوه رفض، ضربوه، ثم قال له المعتصم: لماذا تقتل نفسك؟ واحد يقول: شد قطع الله يدك، ثم يأتي ويقول: لماذا تقتل نفسك؟ إني والله عليك لشفيق، وجعل عجيف -وهو رجل من أعوان الظلمة- ينخسني بسيفه، وقال: أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟ في وجود المعتصم وأعوانه وجنوده وعساكره وأحمد بن أبي دؤاد ومن معه من المعتزلة يناظرون الإمام أحمد وهو يرد عليهم، وجعل بعضهم يقول: ويلك! إمامك على رأسك قائم يقصد الخليفة، وقال بعضهم: يا أمير المؤمنين! اقتله ودمه في عنقي، وجعلوا يقولون: يا أمير المؤمنين! أنت صائم وأنت في الشمس قائم أرح نفسك منه، فقال لي: ويحك يا أحمد ما تقول؟ فأقول: أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به، فرجع فجلس، ثم قال للجلاد: تقدم وأوجع قطع الله يدك، ثم قام الثانية وجعل يقول: ويحك يا أحمد أجبني، فجعلوا يقبلون عليه ويقولون: يا أحمد إمامك على رأسك قائم، وجعل أحدهم يقول: من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع؟! حتى يخذلونه، يقولون: من الذي من أصحابك وقف مثل موقفك؟! لا أحد وقف فلماذا أنت تقف؟ والمعتصم يقول: أجبني إلى شيءٍ لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي، ثم رجع وقال للجلاد: تقدم، فجعل يضربني سوطين ويتنحى، وهو في خلال ذلك يقول: شد قطع الله يدك، فذهب عقلي، ثم أفقت بعد ذلك، فإذا الأقياد قد أطلقت عني، فقال لي رجل ممن حضر: كببناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية -يعني حصيراً- ودسناك، قال أبي: فما شعرت بذلك -لأنه كان قد أغمي عليه- وكاد أن يموت من هذا الدوس على جسده، ولكن الله أنجاه.
فإذاً تعرض الإمام أحمد أيها الإخوة لشتى أنواع الطغيان، ضرب، جلد، حبس، داسوه، سبوه، لعنوه، شتموه، جمعوا عليه الأجناد والحراس، حتى في منظر قال: لما دخلت قصر المعتصم رأيت أجناداً قد أشهروا السلاح ما رأيتهم من قبل، ولكن مع ذلك صمد صموداً ما صمده أحدٌ ولذلك صار إمام أهل السنة، واستحقها بلا منازع.
وأعطي ثياباً فجعل يبكي ويقول: سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة، حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم، وما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام فكيف بمن يجب علي نصحه، يا صالح ! وجه هذه الثياب إلى بغداد تباع ويتصرف بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئاً، فباعها وتصدق بثمنها.
وكان مع ذلك يخرج ويرابط، ولما صارت المحنة قالوا لـأبي عبد الله : التقية، شرع الله التقية.. فقال: ما تقولون في حديث خباب؟ (إن من كان قبلكم كان ينشر بالمنشار لا يصده ذلك عن دينه) وقال: لست أبالي بالحبس ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلاً بالسيف إنما أخاف فتنة السوط فأتراجع. فسمعه بعض أهل الحبس، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله ، فما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي. فكأنه سري عنه وانبسط، يعني: ما دام أنه سيغيب عن الوعي بعد السوطين يتحمل السوطين وخلاص.
وكان قد استفاد من أحد السراق كان محكوماً عليه عند المعتصم بالسجن وكان يضرب، فقال: يا أحمد! إني أصبر على الضرب وأنا على الباطل، أفلا تصبر عليه وأنت على الحق؟! فقال الإمام أحمد : فثبتني كلامه.
الآن تصور كم الناس الذين اهتدوا في السجن على يد الإمام أحمد ؟! جلس في السجن يصلي بالناس ويعلمهم.
واشتدت علته يوم الخميس ووضأته فقال: خلل الأصابع. انظر ما نسي السنة وهو على فراشه، قال: خلل الأصابع، فلما كانت ليلة الجمعة ثقل وقبض صدر النهار، والذي يموت يوم الجمعة من أهل الصلاح ماذا له؟ يؤمن من عذاب القبر كما ورد في الحديث الصحيح، فلما مات صاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء حتى كأن الدنيا قد ارتجت، وامتلأت السكك والشوارع، وصلى عليه الناس، وحزر الذين صلوا على الإمام أحمد ما بين سبعمائة ألف وألف ألف وستمائة ألف، اختلفت الإحصائيات، وهذا غير الناس الذين صلوا على ظهور السفن على شاطئ بغداد ، وحتى بلغ الزحام أن الناس قد فتحوا بيوتهم للذين يريدون أن يتوضئوا لصلاة الجنازة، وتعطلت الأسواق ببغداد ، وأغلقت الدكاكين، واجتمع الناس من كل حدب وصوب، فصلوا عليه، اجتمعوا في فلاة فصلوا عليه فتقدم فجأة واحد من أعوان السلطان أمير البلد ليصلي حتى يظهر أمام الناس، والناس ما دروا من الذي كبر، فلما درى الناس بعد ذلك ذهبوا إلى المقبرة فأعادوا الصلاة أفواجاً، انظر ثقة الناس بالإمام أحمد ونصرتهم لماذا؟ لأن الإمام أحمد هو الذي علمهم بنفسه كيف ينفروا من الظلمة.
وقال أحمد قبل أن يموت رحمه الله: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز. وفعلاً صار يوم موت الإمام أحمد آية من آيات الله البينات.
يقول عبد الوهاب الوراق : ما بلغنا أن جمعاً في الجاهلية ولا الإسلام شهد الجنازة مثل جنازة أحمد ، حتى بلغنا أن الموضع مسح وحزر على الصحيح فإذا هو نحو من ألف ألف، وأظهر الناس في جنازة الإمام أحمد السنة والطعن على أهل البدع، فسر الناس بذلك والمسلمون على ما عندهم من المصيبة لما رأوا من علو الإسلام.
قال الذهبي رحمه الله: وكذا استفاض وثبت أن الغرق الكائن بعد العشرين وسبعمائة بـبغداد عام على مقبرة أحمد وأن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ثم وقف بقدرة الله وبقيت الحصر حول قبر الإمام بغبارها، هذا الإمام الذهبي يقول: وكذا استفاض وثبت، لما جاء الطوفان في بغداد وقف عند مقبرة أحمد حولها الماء وهي ما جاء لها الماء، وبقيت بغبارها، كرامة من الله لهذا الرجل.
وختاماً أيها الإخوة! فإن دراسة سير هؤلاء العلماء الأجلاء يطمئنك أن الله يقيظ لهذا الدين من ينصره، وأنه مهما كان ليل الجاهلية فإن الله يظهر أقواماً يقيمون هذا الدين.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم وابعث في المسلمين من يجدد لهم دينهم، ويعيدهم إلى الملة السمحاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر