وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن ينبثق النور بعد عصور متطاولة من الظلم والظلام في بقعة نائية من عالمنا الأرضي، فما كان الناس يفكرون يوماً أن قيادة العالم ستنبعث من قلب الجزيرة العربية؛ فالدول المتحضرة والمتمدنة كالفرس والروم والأمم التي عندها بقايا من الحق كاليهودية والنصرانية كانت تتنازع القيادة السياسية والقيادة الفكرية في العالم، ولكن الله سبحانه وتعالى له حكمة، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]
تكونت الأمة الإسلامية والجماعة الإسلامية والعصبة المؤمنة في قبائل وأمم متخلفة حضارياً، ليس لها رابط سياسي، وليس لها ملك يوحدها، ثم عند بدء اجتماع الكلمة لتحقيق الخير الكبير في حياة البشر لم يكن الطريق سهلاً، بل كانت هناك عقبات وصعاب في الطريق، فاحتاج المؤمنون بهذه الرسالة أن يبذلوا جهوداً مضنية في هذا السبيل، وكانوا بحاجة دائماً إلى الزاد وإلى تجارب الأمم من قبلهم، وبحاجة إلى أن يتعرفوا إلى سنن الله سبحانه وتعالى في خلقه وفي عباده، وكان القرآن الكريم يتنزل؛ ليكوِّن الجماعة المؤمنة، وليمدها بالعطاء والخير، وليعرض عليها كيف يجري قدر الله في عباده.
فقد شاء الله سبحانه وتعالى في القديم أيضاً قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكوِّن جماعة على يد موسى عليه السلام، تحمل الحق الذي توالت الرسل في حمله، وكانت الجماعة المؤهلة لحمل المهمة جماعة مستضعفة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ [القصص:1-6].
فقوله: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يستفيد منها المؤمنون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كل عصر وخاصة في هذا العصر، حيث دُمِّرَ الكيان السياسي للإسلام، وشُتِتَ المسلمون، وقبضوا في كل مكان، وورثوا أثقالاً من التقاليد بعيدة عن الإسلام، اختلط فيها الحق بالباطل، وهناك رجال من هذه الأمة يحاولون أن ينهضوا بها مرة أخرى، يحاولون أن يرفعوا عنها أغلالها وقيودها، وأن يعالجوا مشكلاتها.
قوله: وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ أي: البقية الباقية من ورثة إبراهيم وإسحاق ويوسف ويعقوب، فهي الطائفة التي كانت بقية الخير في الأرض، فيها شر ولكنها بقية الخير، استعبدها فرعون ، وكان قد علم من أفواه بني إسرائيل بما تركه الأنبياء من قبل أنه سيولد في بني إسرائيل ولد ثم يبعث، ويكون هلاك فرعون على يديه، فأراد أن يستبق الأحداث، وأن يقضي على سلطانهم من قبل أن يوجدوا، فهو يضعفهم في أنفسهم؛ ثم يريد ألا يولد هذا الذي سيهلك ملكه، فـ َجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ، فإن كان المولود أنثى أبقوها حية، وإن كان ذكراً ذبحوه بالشفرة كما تذبح الغنمة.
قوله: إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، لكن إرادة الله سبحانه وتعالى فوق كل إرادة، ونريد أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً [القصص:5]، والإمامة: تعني: القيادة، أي: قيادة البشرية إلى الخير.
قوله: وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ أي: يرثون الأرض التي بارك الله فيها.
قوله: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ -أي: بقيام دولة-.
قوله: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:6]، فالله يريد أن يذل هؤلاء الطغاة، ويبين لهم ضعفهم.
ثم تبدأ القصة: المنقذ لا يزال في بطن أمه جنيناً، ويولد في وقت المحنة، ولكن الله يريد أن يجعله منقذاً، فلننظر كيف يجري قدر الله، وكيف يجري تدبيره سبحانه وتعالى؟! لقد أوحى الله إلى أمه: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7] ولكن الجواسيس (الطابور الخامس) سيكتشفون أن هناك وليداً.
قوله: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]، فإنَّّ تدبير الله غير تدبير البشر، فلو كان أحدهم يخاف على ابنه فسيضعه في صندوق ويحفظه في حجرة ويقفل عليه، أو في زاوية من الزوايا، لكن الله قضى أنْ يرمى في البحر، وهو النيل، فإن هذا الماء يأتمر بأمر الله سبحانه وتعالى والأرض كذلك، فتدبير الله غير تدبير العباد.
قوله: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ [القصص:7] أي: سنرجعه إليكِ وهو طفل صغير، وسنجعله رسولاً: وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7].
قال تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8]، أي: لتكون العاقبة أن يصير لهم عدواً وحزناً، وليكون هلاكهم على يديه.
فيأمر فرعون بذبحه، فكيف ينقذه الله سبحانه وتعالى؟! انظر إلى قدر الله كيف يجري، إذا أراد شيئاً؟!
قالت امرأة فرعون الملكة التي لها حظوة عند زوجها الملك: لا تَقْتُلُوهُ [القصص:9]، فلقد ألقى الله سبحانه وتعالى المحبة على موسى، بحيث لا يراه أحد إلا أحبه، قال تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39] فهذا الطفل الصغير يأسر قلب الملكة، فتقول: لا تَقْتُلُوهُ [القصص:9]، فيجري قدر الله بإبقائه حياً بعد أن أمر الطاغية بقتله؛ لأن الملكة ما قالت لا تقتلوه إلا وفرعون يريد قتله، ثم قالت: عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:9] فأبقي حياً، تريد أن تتبناه، ثم يصبح ابن الملك والملكة، ويتربى في بيت العز، لا يتربى في بيوت الذل ولا في بيوت المستضعفين؛ لأن القائد لا بد أن يكون شجاعاً، والله يقول: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، كيف يصنع على عين الله؟ يقدر الله له ظروفاً معينة وبيئة معينة؛ لينشأ فيها صالحاً للقيادة والريادة.
قال تعالى: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:11] أي: كأنها غير مهتمة، وهذا من الذكاء والفطنة، حتى لا يشتبهوا بها. َقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12] يعني: توجد هنا امرأة ترضعه لكم، فأتوا بها فرضع منها ففرحوا، فبعد أن كانوا يبحثون عنه ليذبحوه صاروا يبحثون عمَّن يهبه الحياة ويبقيه حياً، ويأخذون المرأة إلى الملكة وتطلب الملكة منها أن تسكن عندها فأبت، فكانت تأتي إليه وترضعه ثم تعود إلى بيتها، وكانت تأخذ على ذلك أجرة، وأصبح موسى معززاً مكرماً؛ ولذلك أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ من يفعل الفعل ويأخذ عليه أجراً مثل أم موسى، فله ثوابه وأجره عند الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [القصص:14]، وهذه هي فترة التكوين والتربية للقائد؛ لأن الإنسان إذا تربى على النعيم والترف المستمر، فإنه لا يستطيع مواجهة الصعوبات، فلا بد أن يتعود على الخشونة والشدة فيقدر الله قدره، فلابد لموسى أيضاً من مرحلة ثانية ليصنع على عين الله: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39].
قوله: فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ [القصص:18] أي: أن الذي كان يقاتل بالأمس، أحدث مشاحرة مع قبطي آخر، وقال: يا موسى! أدركني، قال: إنك لغوي مبين.
قال تعالى: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ استأجره [القصص:26]؛ فهاتان فتاتان ترعيان الغنم وتسقيانها باستمرار، وقد تعبتا، وكان موسى قوياً أميناً ينبغي أن يُستأجر، وصفة العامل أن يكون قوياً أميناً، وكل بحسبه، فالمحاسب قوي في معرفة المحاسبة وأصولها، والمهندس أمينٌ وقوي في صنعته؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لهدَّم العمارة، والمدرس إذا لم يكن أميناً وقوياً فكيف يدرس الطلاب ويفهمون منه؟! فهي قالت: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26]، فإذا بالشيخ يعرض عليه العرض ويقول: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القصص:27]، فكون الشيخ يعرض على موسى أن يزوجه إحدى ابنتيه ويسكنه معه في البيت ويشغله فهو أمر جيد، لكن مقارنة مع ما كان فيه من النعيم فهو أمر صعب، لكن الحكمة تقتضي أن يتفهم القائد الحياة بمختلف أشكالها وألوانها.
فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ [القصص:31-32]، تلمع مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [القصص:32] أي: من غير أذى، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [القصص:32].
فالداعية الذي يريد أن يدعو الناس ينبغي له أن يعرف المهمة التي يتحملها، ويحملها إلى البشرية، وينبغي أن يوقن بهذه المهمة، فموسى عرف مباشرة ما هي مهمته، ولذلك ينبغي لنا أن نعرف عندما ندعو الناس كيف نصلهم بالله سبحانه وتعالى، وكيف نجعل قلوبهم متصلة بالله جل وعلا، وينبغي أن نعطيهم من الأدلة والبراهين على صدق المهمة وصدق الرسالة ما تطمئن به قلوبهم، ثم بعد ذلك نرسلهم ليتحملوا الأمانة.
قال تعالى: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [القصص:39-40]، أهلكهم الله سبحانه، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص:41-42].
وهكذا جرى قدر الله سبحانه وتعالى في تكوين القائد، وفي تحمله الدعوة، وفي مواجهته للطغاة الظلمة، وفي إهلاكه للظالمين، وهذا دائماً يتكرر في كل عصر وجيل.
فإنما أنزل الله هذا النور ليستمر وليبقى إلى أن تقوم الساعة، وقد يضعف المسلمون حيناً وقد يقعون حيناً، ولكن الحق باق دائم إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.
ولذلك يقول سبحانه لنبيه: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر:23] وقال سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272]، أي: لا تستطيع أن تدخل الإيمان في قلوبهم، ثم يقول: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، يعني: فأنت تهدي بالدلالة والبيان والإرشاد والتوجيه وإقامة الحجة، وقال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، فيوم القيامة لا يقول الله لرسله: لماذا لم تدخلوا الإيمان في قلب فلان؟ ولكن سيقول لهم: لماذا لم تبلغوا فلاناً ولم تقيموا عليه الحجة؟
قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59] فقامت الحجة.
وقال سبحانه: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص:61]، فهل الذي وعده الله وعداً حسناً بأن يدخله الجنة مثل الذي يمتعه في الدنيا وهو من أهل النار؟!
اليوم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يزال ينادي في سنته: هلموا أيها الناس! إلى الله، وروسيا تقول: تعالوا إلينا، فعندي الحرية والحضارة والمدنية والكفاية، وأمريكا تقول: تعالوا إلينا، والقومية والاشتراكية تنادي، وكل هؤلاء يديرون ظهورهم للإسلام، لكن هؤلاء كلهم سيناديهم ربهم يوم القيامة: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ [القصص:62-63] من شياطين الجن والإنس والطواغيت الذين كانوا دعاة شر مثل فرعون في الحياة الدنيا: رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا [القصص:63] أي: هؤلاء كانوا تابعين لنا وطائعين لنا، ونحن الذين أضللناهم، وكم ستكون حسرة الضالين حين يسمعون الذين أضلوهم يقولون هذا الكلام: نحن أضللناكم وضيعناكم؟! أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ [القصص:63].
وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ [القصص:64] أي: نادوهم فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ * وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:64-65] أي: أرسلت لكم رسلاً من عندي يهدونكم إلى الصراط المستقيم ويدعونكم إلى توحيدي، فماذا أجبتم المرسلين؟ قال تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ * فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ * وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص:66-68].
قال تعالى: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] أي: أن مفاتيح الكنوز تحتاج إلى مجموعة من الناس ليحملوها، إذ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76] أي: يا قارون لا تفرح؛ فإن هذا الشيء عرض زائل لا يدوم، ولا يعني هذا أن نترك الدنيا للكفار، ولكن كما قال: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، أي: قدم لآخرتك، واستعمل هذا المال في طاعة الله، واستمتع به، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:77-78]، أي: ملكت ذلك بجهدي، وهذا النموذج متكرر في زماننا فمثل فرعون ، وقارون ، وصاحب الجنتين المذكور في سورة الكهف، نماذج كثيرة نراها ونشاهدها باستمرار في واقع الحياة، والإنسان الذي يتدبر القرآن بتمعن يرى هذا النموذج دائماً في واقعنا، كذلك ما جاء في قوله تعالى: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا [الأحقاف:17]، وهذه نماذج لأصناف من البشر نجدهم دائماً وباستمرار، ويحدثنا الله عنهم لنتبين صفاتهم.
قال تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79] وهذه فتنة، فقد نسي ضعفاء الإيمان أن هذا المتاع سيزول ويفنى فتمنوا مثله، ولكن المؤمنين الثابتين الصادقين الذين عرفوا حقيقة الدنيا قالوا: وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [القصص:80]، ويقول الله في سورة الزخرف: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا [الزخرف:33-35]، أي: لو كان الناس كلهم كفاراً، لأعطينا كل كافر في الدنيا بيوتاً مزخرفة ومزينة بالذهب والفضة؛ لنبين لهم هوان الدنيا عندنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) ولذلك فلن ينال الكفار في الآخرة فيها شربة ماء، قال تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50]، فإبراهيم عليه السلام يتبرأ من أبيه يوم القيامة، وذلك حين يلقى أباه وعلى وجهه القترة والغبرة، فيقول: يا إبراهيم! إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك، فيقول: أي رب! ألم تعدني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقال: انظر إلى ما وراءك، فإذا هو بذيخ متلطخ -أي: قد مسخ ضبعاً ثم يسحب بقوائمه ويلقى في النار.
قال تعالى: خَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأن اللهَ [القصص:81-82]، فيتعجبوا.
وقد كانت هذه القصص وهذه المعاني زاداً للمسلمين في بداية الدعوة، وزاداً للمسلمين على مر التاريخ، تثبتهم، وتقيم الموازين في نفوسهم، وتهديهم للتي هي أقوم، فهي غذاؤهم ونورهم، وما يزال المؤمنون يثبتون بهذه المعاني ويتدارسونها ويتبينونها.
الجواب: أولاً: لم يتعمد موسى قتل الرجل، وإنما وكزه ليدافع عن الذي من شيعته؛ فقضى عليه من غير قصد، فيعتبر هذا من القتل الخطأ وليس من القتل العمد.
ثانياً: يجب علينا أن نفرق في الحكم الشرعي بين الكافر المقاتل المحارب، وبين الكافر المهادن وأهل الذمة، فالمحارب لو دخل ديارنا خلسة، فإننا نقتله؛ لأنه ليس له ذمة، أما المهادن وأهل ذمتنا فلا بد من دفع الدية له؛ لأنه لا يقتل مسلم بكافر على الصحيح؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر)، ولكن عليه عقوبة شديدة، والرسول صلى الله عليه وسلم تهدد من قتل ذمياً وعليه نصف دية.
الجواب: الإله في اللغة وفي الدين هو الإله المعبود؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب، قال تعالى: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] أي: معبودٍ غيري، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84]، يعني: معبود أهل السماء ومعبود أهل الأرض، فهو الإله المعبود، وكلمة (لا إله إلا الله) تعني: ليس من إله يستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى، ومن الممكن أن تكون الشجرة معبوداً، والجدار معبوداً، والإنسان معبوداً فأي شيء يُعبد من دون الله فهو إله معبود.
لكن هناك إله حق وإله باطل، وليس من إله حق إلا الله سبحانه وتعالى، ومن الآلهة التي تعبد من دون الله: الأصنام، فاللات صنم، وأصل اللات: رجل صالح كان يلت السويق للحاج ويطعمهم، وكان بالطائف، وفي مرة من المرات جاء الحجيج، وانقطع السمن، فلت لهم السويق بالماء، فصار أطيب مما كان؛ كرامة من الله سبحانه وتعالى، فلما مات عكفوا على قبره واتخذوا له صنماً.
وأما العزى: فهي شجرة، وأما ود وسواع ويغوث فهم رجال صالحون، كان قوم نوح يعبدونهم، فهذه كلها آلهة.
وقد ذُكر في زمن الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله أنه كان هناك نخلة، وكانت المرأة تأتي هذه النخلة وتقول لها: يا فحل الفحول! أنا أريد منك زوجاً قبل الحول، ومن لم يأتها زوج تأتي إلى النخلة وتحتضنها وتعتقد أنها ستيسر لها أمر الزواج.
ولم يزل إلى اليوم أناس يعبدون الأموات والقبور ويستغيثون بهم ويستعينون بهم إلى يومنا هذا، فنقول: إن كل ما يدعى ويستعان ويستغاث به ويسأل فهو آلهة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر