إسلام ويب

اصطفاء أرض الشامللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشام أرض مباركة، فهي مهبط الوحي وأرض الأنبياء، عليها جرت الكثير من الانتصارات العظيمة ضد أعداء الإسلام بمختلف نحلهم وأشكالهم، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التحصن بالشام عند الملاحم، فإن الله قد تكفل بحفظها ونصرة أوليائه بها.

    1.   

    اختيار الله أرض الشام واصطفاؤه من يسكنها

    الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في المسند وغيره من أئمة السنة في دواوينهم المشهورة، وصححه غير واحد من أئمة الحديث عن عبد الله بن حوالة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنكم ستجندون أجناداً؛ جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن )، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحالهم في نصرة الإسلام، وأنهم سيكونون جماعات متفرقة في الأرض، ( فقال عبد الله بن حوالة رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله! خر لي إن أدركت ذلك؟ )، أي: اختر لي يا رسول الله! أي الأجناد أكون فيها إن أدركت ذلك الوقت، ( فقال عليه الصلاة والسلام: عليك بالشام )، وفي رواية عند أبي داود وصححها الألباني وغيره: ( عليك بالشام, فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده ).

    في هذا الحديث العظيم يبين لنا عليه الصلاة والسلام حقيقة من حقائق هذا الدين؛ وهي أن الله عز وجل اصطفى أرض الشام واختارها من بين أرضه، ويصطفي إليها سبحانه ويختار من عباده من يسكن هذه الأرض، فهذه الأرض أرض البركة، وأرض التقديس والطهر، جعلها سبحانه وتعالى أرضاً للأنبياء ومهبطاً للوحي، جعلها مهاجر الأنبياء إليها يهاجرون منذ عهد أبينا إبراهيم عليه السلام, قال عنه سبحانه وتعالى: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:71]، فهي أرض مباركة للعالمين، والأنبياء هم أولى الناس بأن يباركوا فيها وأن تبارك بهم.

    ومكن فيها سبحانه وتعالى بعد ذلك لأوليائه وأنبيائه، فجعلها أرضاً للنبوة، وجعلها مملكة لدين الله، فعليها قامت دولة بني إسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين، وقامت أعظم دولة عرفها التاريخ ولن يعرف لها مثيلاً بعد ذلك وهي دولة سليمان, وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأنبياء:81].

    جعل الله عز وجل هذه الأرض أرضاً مختارة، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، ولعظمتها أقسم الله عز وجل بها في كتابه فقال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ [التين:1-2]، ثم قال: وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:3]، يعني: مكة؛ فأقسم بالتين وهو ينبت على أرض الشام، وأقسم بالزيتون والشام أرض الزيتون، وأقسم بطور سينين وطور سينين في أرض الشام، ثم جمع مع أرض الشام أرض مكة وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:3] .

    ولم ينقل نبيه صلى الله عليه وسلم من أرض خارج مكة والمدينة إلا إلى أرض الشام، فلم ينقله خارج الجزيرة إلى أرض غيرها, فجعل مسراه إلى بيت المقدس، ولم ينقله قبل نبوته صلى الله عليه وسلم إلا إلى أرض الشام.

    أرض الشام خيرة الله من أرضه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإليها يجتبي سبحانه ويجمع خيرته من عباده كما أخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث.

    1.   

    الشام مقياس لصلاح الأمة وقوة دينها

    الشام مقياس لصلاح هذه الأمة وقوة دينها، فكلما قويت هذه الأمة بدينها وعزت كانت أرض الشام ملكاً لها وتحت سلطانها، وإذا ذلت هذه الأمة وهانت خرجت أرض الشام عن سلطانها، هكذا جرت سنة الله تعالى في أنبيائه وأوليائه قبل محمد صلى الله عليه وسلم.

    لقد نصر المسلمون انتصارات عديدة على أرض الشام، نصر الله عز وجل بني إسرائيل بطالوت وجنوده، ونصرهم سبحانه وتعالى بـداود على جالوت وجنوده, وهذا كله على أرض الشام، ونصر الله عز وجل هذه الأمة بعد مبعث نبيها انتصارات عديدة على أرض الشام، فنصرهم الله في اليرموك ونصرهم في مؤتة، ونصرهم بعد ذلك في مواقع عديدة، فتحت أرض المقدس ودخلها الخليفة الراشد عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم توالت انتصارات الإسلام على هذه الأرض.

    لقد قامت على أرض الشام العديد من المعارك الفاصلة, وبإرادة من الله يجمع الجيش الإسلامي من أقطار الأرض إلى تلك البقعة، لقد جاءت جيوش الصليبين وتقاطرت على أرض الشام، واجتمعت من كل حدب وصوب من البلاد الغربية، وخرجت جيوش الإسلام من مصر والتقت مع الجيوش الشامية، وكتب الله عز وجل النصر للمسلمين على أرض الشام على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه.

    ولما سقطت الدولة الإسلامية خرج قطز بالجيوش المصرية وهي صانعة النصر، ولكنها لم تصنع النصر إلا على أرض الشام، وكانت موقعة عين جالوت، وهكذا توالت انتصارات المسلمين في ذلك الزمان، وفي عصرنا الحاضر وبعد عصرنا هذا سيكون قتال المسلمين لليهود ( حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله ) وهذا على أرض الشام.

    ويوم الملحمة الكبرى التي هي من علامات الساعة وقرب انتهاء الزمان، يوم يجتمع الصليبيون على أصنافهم واختلافاتهم، ويجمعون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يجمعون ثمانين غاية )، أي: ثمانين راية, (تحت كل راية اثنا عشر ألفاً)، أي: اثنا عشر ألف مقاتل، يعني: قرابة مليون مقاتل، ستجتمع الناس على هذه الأرض للفصل وللجهاد والقتال، وستكون الغلبة بإذن الله كما أخبرنا رسول الله لجيش الإسلام ولعسكر الإسلام.

    وسينزل عيسى عليه السلام على هذه الأرض شرقي دمشق، وسيهلك الدجال على أرض الشام، وستقوم دولة الإسلام في آخر الزمان على أرض الشام.

    هذه أرض الشام التي أراد الله تعالى لها أن تكون مهداً لرسالاته، ومهاجراً لأنبيائه، ومكاناً لتمكين عباده حين يتمسكون بدينهم، وحين يقوون ويعزون بتمسكهم بشريعتهم.

    وفي المقابل إذا فسدت الشام، إذا فسد أهلها فهم مقياس على من عداهم من الأمة، فإن الشام لا تفسد، والشام لا تخرج من تحت سلطان الإسلام إلا حين تبلغ هذه الأمة مبلغاً عظيماً في الوهن والفساد، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي صححه الألباني وغيره: ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم )، ليس لأنهم أسوأ منا حالاً، ولكن الله جعلهم مقياساً لصلاح هذه الأمة.

    فكلما صلحت الشام وعزت وتمكنت فهذا دليل على صلاح الأمة وعزتها وتمكنها، وكلما ذلت الشام وسيطر عليها أعداؤها فإن ذلك مقياس على فساد الأمة وعلى انحلالها.

    وبيت المقدس عنوان هذا المقياس، كلما قويت أمة محمد جعل الله عز وجل هذا البيت وهذه البقعة تحت سلطانها وإمرتها، وكلما ذلت هذه الأمة وتفرقت وتشتت جعل الله عز وجل سلطان هذا البيت لغيرهم وهكذا عبر التاريخ، وهذه الحقيقة التي أدركها الصالحون عبر تاريخ هذه الأمة الطويل منذ عهد الصحابة إلى أن حررت في عهد صلاح الدين .

    ويوم يرجع المسلمون إلى دينهم، ويوم يراجعون حساباتهم سترجع إليهم هذه الأرض لا محالة، والله عز وجل كتب على هذه الأمة الذلة حين تتخلى عن دينها، قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع, وأخذتم بأذناب البقر, وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم ).

    1.   

    الشام محل تأديب الله أولياءه عند فسادهم

    وكما أنه سبحانه جعل أرض الشام مكاناً لتمكين أوليائه، وجعل بقدره سبحانه وتعالى انتصارات المسلمين على هذه الأرض جعل أيضاً على هذه الأرض تأديب أوليائه, فكلما قل تدينهم، وكلما فسدت أخلاقهم جعل الله عز وجل تأديبهم على يد أعدائهم على هذه الأرض، منذ عهد الأقدمين حتى يومنا هذا.

    لقد عصى بنو إسرائيل قبلنا، وأمرهم نبيهم بأن يدخلوا الأرض المقدسة كما أخبرنا الله في كتابه حيث قال موسى لقومه: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [المائدة:21] ، فأبوا أن يمتثلوا أمر الله، وقالوا: لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا [المائدة:24]، يعني الجبارين, فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24].

    أراد موسى الخلاص من هؤلاء القوم: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:25]، فجاءهم الجزاء قال الله لهم: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:26] .

    جعل عقابهم في أرض الشام، فتاهوا في أرض سيناء أربعين سنة حتى عادوا إلى رشدهم، ولما عادوا إلى رشدهم وراجعوا دينهم مكن الله عز وجل لهم من أكتاف عدوهم وملكوا الأرض المباركة.

    وهكذا من بعدهم، إذ لما فتر تدين هذه الأمة جاء الصليبيون واحتلوا أرض الشام أو أكثرها، وأوقعوا في المسلمين مقاتل عظيمة، ففي ثلاثة أيام قتلوا سبعين ألفاً أو يزيدون، حتى أن قادة الصليبين أو بعضهم مشى بين جثث المسلمين والأشلاء إلى ركبه، ولما رجعوا إلى دينهم فتح الله عز وجل عليهم الأرض ومكنهم من عدوهم، ودخل الفاتحون بين المقدس، وأقاموا منبر الجمعة بعد تسعين عاماً من دق النواقيس على مئذنته.

    ولما فتر تدين المسلمين ابتلوا بالتتار فدخلوا الأرض وعاثوا فساداً على أرض الشام، ولما راجع المسلمون دينهم اقترح علماء المسلمين الصلحاء كـابن تيمية على الملك محمد بن قلاوون رحمه الله في مصر أن يخرج بجيش مصر إلى الشام، والتقت جيوش الإسلام مع التتار على أرض الشام، فلم تقم للتتار بعدها قائمة؛ بل دخلوا في دين الله، ولم تقم لهم بعد ذلك دولة.

    كانت سطوة التتار تأديباً للمسلمين على ما هم فيه من الوضع السيئ، فأرض الشام مقياس صلاح ومقياس فساد، إذا هانت هذه الأمة وأعرضت عن دينها جعل الله عز وجل الدولة عليهم لعدوهم، ليؤدبوهم وليرجعوا إلى دينهم.

    وما نعيشه اليوم ما هو إلا مرحلة من مراحل التأديب، فعلينا أن نستفيق وأن نرجع إلى جادة الصواب، وقد سلط الله عز وجل اليوم على الأكثرية المسلمة المتدينة بدين الرسول أقليات منابذة لدين محمد من فرق الباطنية في أرض سوريا وفي أرض لبنان, وسلط عليهم من ينتمي إلى الإسلام وليس له به صلة؛ بل سلط عليهم غير المسلمين صراحة، فصارت بعض أرض الشام يحكمها غير المسلمين علانية، وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ).

    هذه الأحداث ما هي إلا جولة من جولات التاريخ، ودرس وعبرة من عبر الأيام والزمان، إنه ليس درساً يوجه لأهل الشام وحدهم، إنه درس لهم ولمن وراءهم من المسلمين، درس لنا نحن، فلولا ما نحن فيه من التشبث بالدنيا، ولولا ما نحن فيه من حب الدنيا وكراهية الموت، ولولا ما نحن فيه من إيثار الدنيا على الآخرة, ولولا ما نحن فيه من التفرق والشتات ما كان لهم أن يصولوا ويجولوا على أهل الإسلام في أرض الشام.

    في يوم الهدنة الذي تواطأت فيه كلمة العالم كله على أنه يوم وقف إطلاق النار يقتل أربعون أو يزيدون، لا حياء من أحد ولا خوفاً من سلطان أحد مع أنهم ليسوا بأكثرية، ليسوا الأكثر, ليسوا الأقوى، إنهم مهما كثر عتادهم ومهما قوي سلاحهم، إنهم أمام أكثر من مليار مسلم بما يملكون من عتاد ورجال، ولكنه الضعف حين يتسلل إلى نفوس الناس.

    هذا مقياس لنا ودرس ينبغي أن نعتبر به، إذا فسد الشام فإنه دليل على فساد أحوال الأمة، وعلى الأمة أن تراجع حساباتها.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    حفظ الله للشام وتكفله بنصرة عباده

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! إنه رغم هذه الجراح الغائرة إلا أننا نتفاءل بيقين أن الغلبة وأن الكفة وأن الدولة لأهل الإسلام في سوريا وفي غيرها من بلاد الإسلام في الشام، الدولة القادمة لأهل الإسلام لا محالة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نطق بحديث عبد الله بن حوالة حين قال: ( عليكم بالشام فإنها خيرته من أرضه، وإليها يجتبي خيرته من عباده, قال عليه الصلاة والسلام: وقد تكفل الله لي بالشام وأهله )، تكفل الله وضمن الله حفظ الشام، وتكفل الله بنصرة أهل الشام.

    وكان بعض رواة الحديث من التابعين وهو أبو إدريس الخولاني يقول: (ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه) أي: من تكفل الله بنصرته فإنه لن يضيع، صحيح أنه يبتلى، صحيح أنه يمحص ويطهر، وهذا شأن أولياء الله في تاريخهم الطويل، يبتليهم الله ويسلط عليهم عدوهم فترة من زمنهم ليمحصهم وليربيهم وليؤدبهم, ولكنه لن يجعل لعدوهم الغلبة دوماً، ولن يجعل له التمكين دائماً, فالغلبة قادمة لا محالة.

    إن الله تكفل بالشام وأهله، وتاريخ الشام يثبت هذا, فإنهم يبتلون سنين، ثم يمكن لهم قروناً, يبتلون أعواماً ثم يطمئنون ويحكمون قروناً بعد قرون, هذه سنة الله في أرض الشام، ولكنه الابتلاء والتمحيص لهذه الأمة.

    هذه الأمة حين تسمع هذا الكلام في اختيار الله تعالى في كتابه للشام، وحين تسمع أخبار نبيها عن مكانة الشام، هذا يؤدي بها إلى حفظ هذا الواجب والقيام بالمسئولية، ورعاية الأمانة, فإن أرض الشام أمانة في أعناقها، حتى تورثها لأولياء الله من بعدها، وواجب هذه الأمة أن تقوم بنصرة الشام بقدر ما تقدر.

    ونحن على ثقة ويقين أن أعداءنا هؤلاء الذين يتوزعون الأدوار, وتتقلب فيهم الأشكال, مهلة بعد مهلة، ومؤامرة وراء مؤامرة ليعملوا آلة القتل في الشعب المسلم الأعزل، هذه الأدوار لن تنتهي، وهذا اللعب لن يقف عند حد إلا إذا رأوا أمة الإسلام أجمعت أمرها، وحزمت أمرها على مناصرة أهلها وأبنائها في أرض الشام.

    إن لنا تجارب عديدة مع عدونا في مشرق الأرض أو في مغربها، إنهم لن يرجعوا إلى جادة الصواب، ولن يعترفوا بالحقيقة إلا حين يرون أمامهم قوة تردعهم، أما والمسلمون يتفرجون، أما والمسلمون يتأملون ما يحدث وينتظرون العواقب فإننا لن نجني في الأيام القريبة إلا مزيداً من القتل والتنكيل.

    نحن نعرف طبيعة عدونا تمام المعرفة، كلما وجد أرضاً يخاف أن تكون بؤرة من بؤر الجهاد، كلما وجد بقعة يخشى أن تصبح مأوى للجماعات المسلحة، ومأوى للمقاتلين، كلما وقع هذا أمام عينيه جد في إحلال الأمن وفي إنهاء القتل، وما لم يخش هذه الخشية فإنه يظل يتلاعب, وما يعنيه إذا قتل مليون مسلم أو أكثر.

    هؤلاء الذين يتغنون بالسلام على سوريا، ويسعون بالسلام في سوريا، هم الذين قتلوا مليوناً أو أكثر، وهجروا ملايين على أرض العراق بالأمس، إنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولا يبقى لأهل الإسلام في سوريا إلا إخوانهم المسلمون ينصرونهم بقدر ما يقدرون.

    وقد قامت بعض الدول مشكورة بالمناداة بتسليح المقاتلين على أرض سوريا، ومنهم دولة قطر، وعلى المسلمين أن يدفعوا في اتجاه نصرة إخوانهم بما يملكون, فلا نبخل بشيء كما قلنا ذلك ونكرر.

    إننا عندما نرى حملات تعقد لجمع التبرعات للمسلمين في سوريا، ثم ترجع بغير المأمول، ثم تجمع غير المتوقع، هذا يعكس لنا أن الناس لا يزالون لم يعوا القضية على حقيقتها، ولم يدكوا الخطر كما هو, إن الشام في خطر، كما أن أعراضهم تنتهك ودماءهم تسيل وأرواحهم تزهق، إن ما يحل بهم إنما هو مقدمة لما سيحل بغيرهم من بعدهم، فهم عنوان لمن يليهم.

    وعلينا أن نعي هذه المسئولية، وندرك الدور الذي ينبغي أن نقوم به، بنصرتهم بكل ما نقدر، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يكتب لهذه الأمة أمر رشد.

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال! والإكرام! يا أرحم الراحمين.

    اللهم يا قوي يا عزيز، اللهم يا قوي يا عزيز، يا قوي يا متين، نسألك اللهم باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا استنصرت به نصرت، أن تنصر المسلمين المستضعفين في سوريا يا رب العالمين.

    اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.

    اللهم يا ودود يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما تريد! نسألك اللهم بعزك الذي لا يرام, وبملكك الذي لا يضام, وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تعجل بالفرج للمسلمين في سوريا يا رب العالمين!

    اللهم عجل لهم بالفرج، واكشف عنهم الكرب، اللهم انصرهم ولا تنصر عليهم، وأعنهم ولا تعن عليهم، وكن لهم ولا تكن عليهم.

    اللهم تول أمرهم برحمتك يا أرحم الراحمين، ولا تكلهم إلى أنفسهم ولا إلى أحد سواك طرفة عين ولا أقل من ذلك.

    اللهم أنزل عليهم سكينتك، وانشر عليهم فضلك ورحمتك، اللهم امددهم بمددك، وأيدهم بجندك يا قوي يا عزيز.

    اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعز الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين.

    اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واشغله في أمره، واجعل تدميره في تدبيره يا قوي يا عزيز.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً يا رب العالمين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718743

    عدد مرات الحفظ

    766191868