إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [35]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المهم للباحث في علل الحديث أن يضم إلى علم الرواية علم الدراية والمقصود به فهم المدارس الفقهية في عصور الرواية، بحيث يتيسر له معرفة علل بعض الأحاديث التي قد تبدو في أول الأمر صحيحة السند من حيث الصناعة الحديثية التي تغفل الجانب المذكور، وتمثيلاً لذلك فقد وردت أحاديث تدل على استحباب رفع اليدين في عدة مواضع ومع هذا ورد حديث يقول: (افتتح النبي صلى الله عليه وسلم صلاته ثم كبر قال: ثم لا يعود)، ورغم صحة إسناده ظاهراً إلا أن علماء الحديث الكبار حكموا بضعفه، لتأثر راويه بمدرسته الفقهية التي لا ترى الرفع في غير تكبيرة الإحرام، وهو خطأ غير متعمد.

    1.   

    فهم المسائل الفقهية وعلاقة ذلك بعلل بعض الأحاديث

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنتكلم في مقدمة مهمة فيما يتعلق بالتدرج في فهم المسألة الفقهية في الدين، ثم رابط ذلك فيما يتعلق بفهم علل بعض الأحاديث التي سترد معنا بإذن الله عز وجل.

    أشرنا مراراً إلى أن عمل السلف الصالح من الصحابة وكذلك أيضاً من التابعين له أثر على ما يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام مما ينسب إليه من الأحاديث في أبواب العلل، وأن هذا الأثر يتضح عند طالب العلم بمقدار تتبعه ودقته في النصوص الواردة عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى.

    يتضح هذا في مسألة نتكلم عليها وهي مسألة الإشارة أو رفع اليدين في الصلاة ومواضعها وعلاقة هذا بالفقه الوارد عن الصحابة عليهم رضوان الله، بالنسبة للمواضع التي يكون فيها رفع اليدين في الصلاة جاء في ذلك جملة من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأحاديث على أنواع: نوع يذكر الرفع في كل موضع يعني: في كل خفض ورفع يرفع الإنسان يديه.

    النوع الثاني: نوع يذكر الرفع في تكبيرة الإحرام فقط.

    والنوع الثالث: يذكر الرفع رفع اليدين في المواضع المشهورة وهي: تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع من الركوع، والرفع من التشهد الأول، هذه أربعة مواضع.

    النوع الرابع: أنه يذكر هذه المواضع الأربعة إلا الموضع الرابع الذي هو الرفع من الركوع، وهي: تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع من الركوع فقط ثم لا يكون بعد ذلك رفع اليدين، ويكون ذلك في كل ركعة بالنسبة للركوع بالنسبة لما بعده.

    النوع الخامس في هذا: أن الرفع كله في الصلاة لا يجوز وهو يبطلها حتى لو كان في تكبيرة الإحرام، هذه أنواع الأحاديث الواردة المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي سنتكلم على شيء منها في هذا المجلس بإذن الله تعالى.

    المتأمل للوارد عن الصحابة عليهم رضوان الله مما يفعلونه وكذلك أيضاً مما ينسبونه للنبي عليه الصلاة والسلام يجد أنهم يتفقون على نوع ويختلفون على أنواع، وذلك أنهم يتفقون على أصل الرفع فإذا اتفقوا على أصل الرفع يسقط لدينا النوع الخامس وهو المنع من الرفع كله يعني: أنه لا يوجد رفع في الصلاة، فهذا يسقطها باعتبار شذوذها ولو كان الإسناد صحيحاً فكيف إذا كان الإسناد مطروحاً ويأتي الكلام عليه بإذن الله.

    بالنسبة للرفع الذي جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله جاء عن نحو ثلاثين صحابياً رفع في الصلاة ولم يثبت عن أحد أنه خالف في هذه المسألة، وقد نص على هذا غير واحد من الأئمة كما نص على ذلك البخاري رحمه الله في كتابه جزء رفع اليدين قال: لم يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع في الصلاة، يعني: أنهم جميعاً رفعوا، حتى قال الحاكم وغيره: لا يوجد سنة في الدين اتفق عليها الصحابة عليهم رضوان الله كما اتفقوا على هذه السنة يعني: سنة الرفع رفع اليدين في الصلاة مما يدل على استفاضتها وتأكدها واشتهارها عنهم قولاً، وكذلك أيضاً عملاً، وذلك لاستفاضة أيضاً الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.

    موضع الخلاف الوارد لدينا في هذا الباب نستطيع ضبطه من جهة عمل الصحابة والصحابة ثبت لديهم أنهم رفعوا من جهة الصلاة أصلاً، وآكد الرفع تكبيرة الإحرام فهم يطبقون عليها، يجمع الصحابة عليهم رضوان الله على تكبيرة الإحرام من جهة الرفع رفع اليدين فيها، وبهذا نعلم أيضاً أن الأحاديث التي تمنع من تكبيرة الإحرام أنها مردودة أيضاً.

    بالنسبة للنوع الثاني والثالث وهو ما يتعلق بالرفع برفع اليدين في كل خفض ورفع، وما يتعلق برفع اليدين في المواضع الأربعة أو المواضع الثلاثة، نجد أن من يقول بتكبيرة الإحرام أنه يكون في الرفع أنه يكون في تكبيرة الإحرام فقط نجد أن هذا القول هو قول مدرسة فقهية معينة وهي أهل الكوفة لديهم القول بهذا وهم من يقولون برفع اليدين في تكبيرة الإحرام فقط، ولا يقول بهذا من المدارس الفقهية وإن وجد من الآحاد لا يوجد مدرسة فقهية تقول بقول الكوفيين في هذا الباب، ثم توسعت مدرسة الكوفيين وأصبحت مدرسة أهل الرأي سواءً كانت في الكوفة أو في غيرها، فهؤلاء الكوفيون يقولون بهذه المسألة، هذه المدرسة القديمة الموجودة التي يفتي بها الكوفيون من الطبقة الكبرى من التابعين ومن جاء بعهم الذين يقولون بالإشارة باليدين في الصلاة في تكبيرة الإحرام فقط أصبح لها أثر على الأحاديث المروية على النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الرأي تارةً يطوع الحديث لا عن عمد وربما أيضاً من بعض الأجلة من الفقهاء فربما رووا الحديث وقلبوا معناه من غير قصد ليتوافق مع الفقه الموجود لديهم، وهذا أمر ينبغي أن ينتبه إليه أنه يؤثر على الاستنباط ويؤثر على الرأي ويؤثر على الفتيا، أن الرأي إذا جاء الحديث إلى بلد وقد توطن فيها رأي سابق فإن هذا الرأي السابق يحاول صياغة النص ليتوافق معه، يظهر هذا في أول حديث معنا، وهو الحديث التالي..

    1.   

    حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود)

    جاء في حديث البراء عليه رضوان الله تعالى أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود )، هذا الحديث أخرجه أبو داود ، و الترمذي ، و النسائي ، و الدارقطني ، و البيهقي من حديث يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    هذا الحديث فيه التكبيرة الأولى وما يتعلق بتكبيرة الإحرام ثم لا يعود النبي عليه الصلاة والسلام بعد ذلك، يحدث بهذا الحديث يزيد بن أبي زياد ، ويرويه عن يزيد بن أبي زياد جماعة من الرواة منهم سفيان بن عيينة ، يقول سفيان بن عيينة : حدثني يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع يديه إذا افتتح صلاته، وإذا ركع، وإذا رفع من الركوع )، يقول: سمعته بمكة ولما كان بالكوفة حدثني بهذا الحديث فقال: حدثني يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء فقال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح صلاته رفع يديه ) يعني: بعد تلك التكبيرة، فهو لم يقلها ذلك إلا في الكوفة، فقد أثر عليه أهل الكوفة لأن الرأي موجود فيهم، وهذا يكون لأنه أولاً: لديه ضعف فقي الحفظ.

    الأمر الثاني: أنه يقبل التلقين، وضعف الحفظ وقبول التلقين بينهما تلازم فغالباً أن الراوي إذا كان لديه شيء من سوء الحفظ يقبل التلقين فيقال له: الحديث على كذا؟ فيقول: نعم، وهذا لا يكون من الحافظ الراسخ، ولهذا حمل سفيان بن عيينة فرقاً بين رواية يزيد بمكة وبين روايته بالمدينة وأثر هذا الحديث وأثر فقه أهل الكوفة على يزيد بن أبي زياد في هذا، ولهذا نجد الرواة الثقات الكبار الذي يروون هذا الحديث عن يزيد بن أبي زياد ممن لم يرووه عنه بالكوفة أو رواه عنه بالكوفة على غير وجهه إما بلا تلقين فإنه رواه شعبة بن الحجاج ، و خالد الطحان ، و هشيم بن بشير ، ورواه كذلك سفيان الثوري ، ورواه سفيان بن عيينة على الوجهين، هذه الزيادة هي زيادة منكرة أنكرها سائر الأئمة من النقاد، أنكرها الإمام أحمد رحمه الله، وأنكرها كذلك أبو داود وقال: ليس هذا بصحيح، يعني: هذه اللفظة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء ، وكذلك يعلها جماعة من الأئمة كـأبي حاتم وكذلك الدارقطني و البيهقي وغيرهم من الأئمة.

    يزيد بن أبي زياد هو راو ولأأتنميسضعيف في ذاته ولا يحتج بحديثه، وزاد ذلك أنه روى حديثاً في بلد يقولون بقول فروى ذلك على ما يوافق رأيهم، هذا الأمر من المسائل المهمة في معرفة الراوي والبلد التي يحدث فيها ولو لم يكن منها، وربما يحدث بحديث في بلد هو ليس من أهلها فيتأثر برأي الفقهاء الذين يقولون بقول فيلتمس أدلة تؤيد ذلك وربما قلب الدليل.

    أهمية ربط علم الرواية بعلم الدراية

    ولهذا نشير مراراً أن في أبواب العلل أن على طالب العلم ألّا يفك علم الرواية عن علم الدراية ولا يجعل بينهما تلازماً، وليس المراد من ذلك هو علم الدراية الفقهية الموجودة عند المتأخرين وهو فقه المذاهب، بل المراد بذلك هو الفقه الأول الذي له أثر على أبواب العلل، تغيرت المدارس الآن وتشكلت تجد أن مدارس في السابق كانت تقول بقول أهل الرأي ثم انقلبت، ومدارس أخرى تكون مثلاً تلتزم قول الأوزاعي ثم انقلبت، ولهذا نقول: المراد بذلك هي حقبة زمنية ضبطها مهم لطالب العلم، لأن ثمة تلازماً بين هذا وهذا.

    هذه المدرسة هي المدرسة الكوفية التي تقول بالرفع في تكبيرة الإحرام فقط أثرت على أحاديث كثيرة في هذا الباب، أحاديث مرت بالكوفة وليست منها، وأحاديث كوفية هي موجودة في الكوفة، ولهذا هذا الحديث الذي جاء من حديث يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عليه رضوان الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمّل الأئمة فيه يزيد بتأثره بأهل الكوفة وأنه قبل التلقين فتلقن، حتى إن هذا الحديث جاء عن البراء من غير هذا الوجه فحملوه أنه ما دخل الكوفة بمثل هذا الوجه إلا من طريق فأُخذ وقُلب معناه، ولهذا قد روى أبو داود في كتابه السنن هذا الحديث من وجه آخر، يرويه من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن أبي ليلى عن الحكم عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء ، فذكره بهذا اللفظ، وهذه ليست متابعة لـيزيد بن أبي زياد ، ولهذا جزم الإمام أحمد رحمه الله كما ذكر عنه ابنه عبد الله قال: هذا الحديث هو حديث يزيد بن أبي زياد ، وذلك أن يزيد هو الذي يرويه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وانظروا إلى من رواه بعد ذلك! من رواه بعد ذلك كوفيون، لو كان لدى الكوفيين ما كان ثمة حاجة إلى رواية يزيد بن أبي زياد ، فـمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو راوي الخبر هو ابن عبد الرحمن وأخوه عيسى أيضاً من أهل الكوفة، إذا كان لديهم هذا الحديث من غير طريق يزيد بن أبي زياد لما احتاج أهل الكوفة أن يشتهر لديهم حديث يزيد بن أبي زياد ولديهم حديث أبيهم وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى من وجه يثبت، فدل على أن مراد هذا الحديث إنما هو حديث يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    هذا الحديث على كل حال وهو في الطريق الثانية لا يعضد طريق يزيد بن أبي زياد ولو كان من غير حديثه، لأن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ليس بأحسن حالاً من يزيد بن أبي زياد بل إنه أشد منه ضعفاً، ومثل روايته لا تنجبر بغيرها فضلاً أن تقوم بنفسها، ولهذا تعد هذه الرواية رواية مردودة.

    ثم أيضاً أن هذه الرواية جاءت من راويين يقبلان التلقين ويحتمل أن هذا الحديث قد لقنوا فيه وصاغوا هذا الحديث على ما هم عليه، ولهذا يتضح أن أحياناً بعض الأحاديث تكون أسانيدها ثقات كبار رواة كبار يروون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلبون معناه وفق تلك المدرسة ولو كان الراوي ثقة لكنه يتأثر بالفتيا التي توجد عندهم، فيجزم العلماء للترابط الفقهي بين المدرسة وبين الرواية على وجد العلة، ولهذا جاء في بعض الأحاديث في هذا عن عبد الله بن مسعود مرفوعة ويأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.

    يتضح هذا الأمر مزيداً في الحديث الثاني..

    1.   

    حديث ابن مسعود: ( افتتح النبي صلى الله عليه وسلم صلاته ثم كبر قال: ثم لا يعود)

    الحديث الثاني هو حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله وهو أنه ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( افتتح النبي صلى الله عليه وسلم صلاته ثم كبر قال: ثم لا يعود )، حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر الإسناد الصحة، يرويه الإمام أحمد وكذلك أبو داود و الدارقطني وغيرهم من الأئمة.

    هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود يرويه عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرويه عن عبد الرحمن بن الأسود عاصم بن كليب و عاصم بن كليب يرويه عنه سفيان الثوري ، فهذا الإسناد ظاهره الصحة، يرويه عن سفيان الثوري وكيع ويرويه عن وكيع أحمد ويرويه جماعة أيضاً عن وكيع بن الجراح غير الإمام أحمد ، ويرويه أيضاً عن سفيان جماعة من الرواة يروونه عن سفيان الثوري وذلك كرواية معاوية بن هشام و الأشجعي كلاهما عن سفيان الثوري فإنهم يتابعون في ذلك وكيع بن الجراح .

    ويروى أيضاً من غير طريق سفيان الثوري يرويه ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الطرق إذا أراد الإنسان أن ينظر إليها يجد أنها كوفية، يظهر هذا من خلال: اعتماد أهل الكوفة على مدرسة عبد الله بن مسعود أخذ علقمة لهذا، عبد الرحمن بن الأسود في روايته أيضاً عن علقمة ، عاصم بن كليب في روايته عن عبد الرحمن بن الأسود ، سفيان الثوري الذي عليه يدور هذا الحديث، الأئمة يكادون يطبقون على أن هذا الحديث بهذه الزيادة مردود، لكن أين موضع العلة؟

    ممن الوهم في حديث ابن مسعود؟

    وقع عند العلماء نوع من التباين في إلحاق الوهم في هذا، أين الوهم، وأين يوجد؟ وهؤلاء أئمة، أبو حاتم يقول كما في كتابه العلل: يقال: أخطأ سفيان الثوري في هذا الحديث، تحميل سفيان الثوري مع جلالته فيه نظر، فالأصل أنه لا يخطئ، لكن أنا أريد أن أنبه في أبواب العلل أن المدرسة الفقهية السائدة أحياناً تؤثر على القوي أحياناً في قلب الرواية، فكيف بقلب الرأي! ولهذا سفيان الثوري رحمه الله حمله بعض الأئمة هذه الرواية، سفيان الثوري هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي من أهل الكوفة ومن أئمة وأجلة الكوفيين، ومن حفاظ الدنيا ليس من حفاظ الكوفة، لكنه أيضاً ينزع منزع أهل الرأي والكوفة وإن كان من أهل الأثر في أبواب كثيرة من مسائل الدين مسائل ما يتعلق خاصةً في أصول الديانة وفروعها، والمسائل العظام، لكن في مسائل الرأي ينزع في الكثير من الفروع منزع أهل الرأي، حمله بعض الأئمة هذا.

    ومن الأئمة من تهيب منزلة سفيان وحمله لـوكيع بن الجراح ، كما جزم بهذا الإمام أحمد رحمه الله، وكذلك ابن حبان كما في كتاب الصلاة، له كتاب في الصلاة جمع فيه سنن الني صلى الله عليه وسلم حمل فيه وكيع بن الجراح ، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: وكيع لا يأتي بالحديث على وجهه، يعني: ربما زاد فيه، لكن هذا يشكل أن الحديث جاء من غير طريق وكيع عن سفيان الثوري ورواه عن وكيع جماعة، أكثر الرواة لا يذكرونه وبعض الرواة لأن وكيعاً يذكره يرويه نعيم بن حماد الخزاعي و يحيى أبي يحيى عن وكيع ويذكرون هذه الزيادة، وأكثر الرواة على عدم ذكرها عن وكيع .

    يروى هذا الحديث من وجوه أخر عن سفيان الثوري أيضاً من غير رواية وكيع وتذكر هذه الزيادة، سواءً حملنا سفيان أو حملنا من قبله أو حملنا من بعده فإن التأثر في ذلك إنما هو لفقه البلد، هذا هو الأصل سواءً ألحقنا العلة بهذا أو ألحقناها بهذا أو ألحقناها بهذا، لهذا ذكرنا تلك المقدمة ابتداءً أن طالب العلم إذا أراد أن ينظر في مسألة من المسائل من مسائل الدين ومسائل الأحكام أن ينظر إليها ابتداءً من جهة العمل، من جهة عمل الصحابة وأقوالهم، بحيث يستطيع أن يعرف وأن يشكل المدارس، يجد أن عبد الله بن مسعود له قول في هذه المسألة عند أهل الكوفة بدأ هذا القول من هناك وأخذ يتشكل، والأحاديث تكون معتدلة فإذا دخلت الكوفة تغيرت، وتجدها عند غير الكوفيون على منحى آخر، التأثر في هذا إذا لم تربطها بالمدرسة الفقهية الموجودة في ذلك البلد ربما فات عليك وربما تقول بتقوية هذا الحديث.

    يوجد من المحدثين المتأخرين من ينظر في هذه الرواية وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي عليه الصلاة والسلام ويتهيبها ويقول بصحة هذا ويعمل بها، ولهذا تجد مدرسة أهل الرأي إلى اليوم لا يرفعون أيديهم إلا في تكبيرة الإحرام وهم الأحناف، ويقولون بتصحيح هذه الأحاديث التي يطبق حفاظ الدنيا الأوائل على ردها وأنها غلط، وإنما التأثير إنما وقع في ذلك بسبب هذه المدرسة.

    آلية النظر في الرواية بلحاظ الدراية

    لهذا أقول: إنه ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن ينظر في حديث من الأحاديث كحال حديث عبد الله بن مسعود هذا ينظر في المسألة الفقهية الواردة فيه، ما هي المسألة الفقهية الواردة فيه بعيداً عن عبد الله بن مسعود الرواة عنه وبعيداً عن باب الرواية، ينظر إلى هذه المسألة ثم يقوم بالرجوع إليها في الدين عامة ما عمل الصحابة في هذا، هل أطبقوا على مثل هذا الأمر، على ماذا يتفقون، ثم ينظر في المدارس، ينظر في المدينة وفي مكة وفي مدرسة الشام ومصر واليمن وخراسان وغير ذلك، ثم ينظر في المدرسة التي تقول بهذا الحديث أين هي، ينظر إليها في هذا البلد هي التي تقول بهذا الحديث، يربط بين تسلسل المدرسة في هذا البلد وبين رواة الحديث، وما الذي جعل أهل هذا البلد ينفردون بمثل هذه الروايات التي لا توجد عند غيرهم، يبدأ يتضح لطالب العلم مسألة الترجيح في أبواب الفقه بعيداً عن مسألة الرواية الترجيح في مسائل الفقه ويكون لديه ملكة في هذا الأمر.

    الأمر الثاني: يكون لديه قوة ويستوضح ذلك لديه ظاهراً في مسائل إعلال متن لا يعله غيره وربما لا يعله غيره مثلاً من أهل عصره أو من أهل بلده أو نحو ذلك لظهور هذه العلة وجلاءها، ويتضح هذا كما في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى ظاهر الإسناد الصحة، لا يستطيع أحد أن يتكلم على مثل هؤلاء الرواة على سبيل الانفراد، ولكن إذا جاء على سبيل الاتصال والتركيب ثم ربط الفقه بهذا البلد فإنه يستطيع أن يجزم على مثل هذه الرواية بالرد، لهذا نجد الأئمة يطبقون على رد هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود مع صحة إسناده، رده الإمام أحمد و أبو داود السجستاني ، و البخاري في جزء رفع اليدين رد هذا الحديث وقال: إن هذا الحديث غير محفوظ، وقال: المحفوظ هو ما يرويه ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فرفع يديه ثم أطبق )، يعني: أنه طبق في الصلاة التي نسخت التي يرويها عبد الله بن مسعود .

    ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يديه في تكبيرة الإحرام لا يعني أنه لم يعد، فكلمة: (لم يعد) هذه جديدة، فهو فهم إنما فهم من هذا الحديث، إنما هو ذكر شيئاً قبل وما ذكر شيئاً بعد، ويلزم من هذا لو قلنا: إن ما لم يذكر في الحديث أنه لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام يلزم من ذلك أن التشهد والسجدات والتسليم لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذه الزيادة إنما جاءت قال: ولا يعود أو لم يعد، هذا إنما صيغت فقهياً في هذا الحديث.

    ولهذا جاء في رواية ابن إدريس في روايته عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود لم يذكر فيها أنه لا يعود، فذكر الحديث على نحو آخر، قال البخاري رحمه الله لما أخرج هذا الحديث في كتابه جزء رفع اليدين قال: وهذا هو المحفوظ من حديث عبد الله بن مسعود ، ضعف هذا الحديث جماعة على ما تقدم: الإمام أحمد و أبو داود ، كذلك ضعفه الدارمي رحمه الله، وكذلك يحيى أبي يحيى ، وجماعة من الرواة يردون هذا الحديث.

    مظهر آخر لتأثر الرواية بالمدرسة الفقهية

    ونجد أيضاً حتى ندرك هذا المعنى أن هذا الحديث بتأثر هذه المدرسة به أنه جاء من وجه آخر على هذا المعنى: جاء من حديث محمد بن جابر يرويه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود بنحو رواية وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب بهذا الحديث، هذا الإسناد كوفي وهذا إسناد كوفي أيضاً، إذا أردت أن تنظر إلى باب الرواية فقط تقول: هذا يتابع هذا ويعضده، هذا يتابع هذا وهذا يعضده، نقول: إن القضية ليست متابعة، إنما هو تأثر مدرسة فقهية أينما اتجه أثر على الرواية.

    وقوع الخطأ بسبب التأثر غير المدرك

    قد يقول قائل: هل تخطئ هؤلاء الأئمة؟ لا نخطئ هؤلاء الأئمة، ولكن هذا تأثر غير مدرك وغير متعمد فيؤثر على الراوي، فيروون الحديث على نحو ما يدركون أن عبد الله بن مسعود ذكر أن النبي رفع في تكبيرته الأولى فقط، ثم ذكر أحكاماً أخرى فظنوا أنه حينما ذكر هذه يعني: أنه لم يكبر في شيء بعدها.

    الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يطبقون على أن الرفع كان في غير تكبيرة الإحرام، وجاء عن بعضهم أنه كان يرفع في كل خفض ورفع، وهذا جاء عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله بإسناد صحيح، ثبت عن عبد الله بن عمر بإسناد صحيح.

    إذا قلنا بهذا نستطيع أن نقول بشذوذ الأحاديث التي تمنع من رفع اليدين مطلقاً وهي أشذها وأبداها.

    الأمر الثاني: أن النقول التي تقول بأن الرفع فقط هو في تكبيرة الإحرام أيضاً هذا قول شاذ والأحاديث الواردة في هذا شاذة لمخالفتها للعمل الوارد عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وأيضاً لعللها الإسنادية، وكذلك أيضاً في كلام النقاد عليها.

    ونأتي إلى معنى آخر وهو في الرفع عند التكبيرات في كل خفض ورفع أضعف الأقوال الذي يمنع من الرفع مطلقاً ثم يليه مرتبةً من جهة الضعف الذي يقول الرفع في تكبيرة الإحرام فقط، وهو الذي يقول به أهل الكوفة، ثم يليه بعد ذلك الذي يقول بالرفع في كل موضع، يعني: في السجود وفي غيرها، باعتبار أن الأحاديث الواردة في هذا معلولة، ويأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى.

    والرابع في هذا: الذي جاء عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله جاء في بعض الروايات عن النبي عليه الصلاة والسلام ولم يأت في بعضها أن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يده حينما رفع من التشهد الأول، هذا جاء في البخاري من حديث عبد الله بن عمر ، وتفرد بروايته من هذا الوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا من هذا الوجه، لهذا نقول: إن أصح الرفعات: الإحرام، يليها الركوع، ثم الرفع من الركوع، وأدناها هي مسألة الرفع من التشهد الأول، هذه الصحيحة الأربعة أصحها تكبيرة الإحرام، ثم يليها الركوع، ثم الرفع من الركوع، وأدنى الصحيح في هذا هي عند القيام من التشهد الأول.

    ثم نخرج من دائرة الصحيح إلى دائرة الضعيف، دائرة الضعيف أشذ الأقوال في هذا القول بعدم الرفع مطلقاً، ثم يليه الذي يقول بتكبيرة الإحرام مطلقاً، ثم الذي يقول بالرفع مطلقاً وهو يعاكس هذه الأقوال.

    أهمية اجتماع الحس النقدي والحس الفقهي

    وبهذا يتضح أن المدرسة الفقهية لها أثر وأن طالب العلم إذا أراد أن ينظر في مسألة من المسائل لابد أن يتصاحب لديه الحس النقدي والحس الفقهي، فالحس النقدي والحس الفقهي لابد من تلازمهما لطالب العلم، وإلا إذا انفك هذا عن هذا وقع لديه شيء من الخلل والتقصير في هذا إما يصحح الرواية إذا تجرد وانعزل عن الفقه لا أقصد فقه المتأخرين، ففقه المتأخرين لا علاقة بالعلل إطلاقاً، الذي له أثر في أبواب العلل هو فقه المتقدمين، ونستطيع أن نقول إلى سنة مائة وعشرين أو مائة وثلاثين للهجرة هو الذي في الغالب أنه يؤثر على أبواب العلل، فهم هذه المدارس من الأمور المهمة، ولهذا طالب العلم إذا أراد أن ينظر في مسألة من المسائل أو ينظر في حديث لابد أن يجمع بين هذين الأمرين فيبدأ بالمسألة من علو، المدارس الفقهية المتأخرة تبدأ بالفقه من سفول، تبدأ من دنو ثم تصعد، فيتشكل الرأي لديه قبل أن يصل إلى الدليل، فإذا جاء إلى الدليل طوعه، وأصبح أشد من الكوفيين، وانظر كيف تأثر الكوفيون وقلبوا أحاديث وأسانيدها فيها كبار، ليس ثقات فقط بل حفاظ كبار، كيف تأثرت مثل هذه المدارس؟ فكيف لا تتأثر مدرسة بعد ألف وأربعمائة سنة!

    ولهذا إذا أخذت تبحث مسألة ثم نظرت فيها في كلام شيوخ أهل بلدك وتشربت من هذا الأمر ثم على ضوء هذا أخذت تأخذ الحديث من الأسفل ماذا ستفعل؟ إذا كان أهل الكوفة طوعوا الحديث بانحنائة يسيرة فماذا ستفعل به أنت؟ ستلويه لياً كاملاً، حتى يتوافق مع القول الذي يقول به أهل البلد، وأولئك هم أصحاب زكى ورواية وجلالة وأئمة من جهة الحفظ والرواية، فهم أئمة الحفظ والرواية، لا يمكن أن يقال إنهم يقلبون حديثاً ويغيرونه أو يتعمدون شيئاً من هذا القبيل، لا يمكن أن يقال هذا، ولكن يقولون لهذا تجد الأئمة يحترزون حينما ينسبون الخطأ لأمثال هؤلاء، فهذا أبو حاتم رحمه الله لما جاء لهذا الحديث في كتاب العلل قال: يقال، وجعل المسألة قول، يعني: كأنها شخص آخر تهيباً لمقام سفيان الثوري لجلالته وإمامته في باب الرواية، إذا أدرك هذا فإن هذه القاعدة من أهم إن لم تكن أهم القواعد في باب العلل إذا ضبطت، فإنه يفتح لطالب العلم باب عظيم من فهم وترجيح المسائل من فهم العلل أيضاً وإدراكها، ووجود نفس في مثل هذا لا يوجد عند غيره.

    كذلك فإن طالب العلم إذا أخذ باب الرواية مجرداً لأخطأ، فهذا الحديث لو أعطيته لطالب علم ليس لديه هذا الترابط ثم قلت له: انظر على سبيل الانفراد في هذا الحديث سيحكم بناء على الصنعة الحديثية عليه بالصحة، ووجهة نظره من جهة القواعد الحديثية صحيح، ووجد له متابع، بل إنه يرى أنه يوجد عدة متابعين له ويقول بصحته وهو من هذه الجهة منفكة عن غيرها فإن وجهة نظره صحيحة، ولكن الخطأ لديه هو في التأصيل في هذا الباب.

    1.   

    حديث: (من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له)

    الحديث الثالث في هذا الباب: هو حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له )، هذا الحديث رواه الحاكم في كتابه المدخل من حديث محمد بن عكاشة عن المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    هذا الحديث حديث مردود، فقد تفرد به محمد بن عكاشة وهو متهم يرويه عن المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الحديث مردود إسناداً لوجود مطروح فيه، ومردود أيضاً متناً لمخالفته للأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، هو ما رد تكبيرة الإحرام، ولو ردها لكان أشد، ويأتي معنا حديث هو أشد منه طرحاً في هذا الباب ويخالف الأصل وهي الإشارة كلها، وهذا الحديث قال: ( من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له )، وذكر الركوع وما ذكر تكبيرة الإحرام.

    إذاً: هو يخالف كل الأحاديث الصحيحة الواردة فيما يتعلق برفع اليدين في الركوع، وكذلك أيضاً في الرفع من الركوع، ولو كان إسناده صحيحاً والراوي له صدوقاً لكان مردوداً وذلك لأمور، منها:

    أولاً: التفرد في هذا الباب، منها المخالفة لمن هو أوثق منه، كذلك أيضاً تفرد مثل الحاكم في كتابه المدخل في إخراج مثل هذا الحديث أمارة أيضاً على رده، وذلك أن الأئمة عليهم رحمة الله في أمثال هذه الروايات التي تتعلق بأحكام الدين والعبادة في العبادة فإنهم لا يدعونه، لأنه لابد أن تمر عليهم وهم كالمنخل، إذا تركوا شيئاً فلابد أن يكون فيه شيء، لما جاء من بعدهم من الرواة أرادوا أن يبحثوا عن أحاديث غير موجودة عند الأوائل فوجدوا أمثال هذه الأحاديث الساقطة ثم أخذوها ونقلوها كنوع من حب الزيادة الفطرية، ونوع أيضاً من الحفظ ولو الشاذ في هذا بحيث يعرف النقلة في مثل هذا الأمر الشاذ وغير ذلك، والذي أرى أن الأئمة الذي جاءوا بعد طبقة الرواية لو تركوا الأحاديث المرفوعة عن النبي عليه الصلاة والسلام التي تركها الأوائل في المسائل الظاهرة لا التي تعمدوا تركها مما لا علاقة لها بالأحكام لو تركوها لكان أخير، لأن مثل هذا الحديث ما حاجتنا إليه؟ فيه محمد بن عكاشة و المسيب بن واضح يشغل الناس بالنقد والبحث عن علة وما ترك أولئك الكبار في مثل هذه المسألة -في مسألة الصلاة- إلا لأنه مردود، هؤلاء الأئمة لهم وجهة نظر رحمهم الله وهم أئمة أجلة لا شك أنهم مجتهدون مأجورون، ولكن أريد أن أنبه أن ثمة مصنفات تتعلق بمسائل الأحكام تركها الأئمة عمداً واعتنى بها من تأخر ثم أوردوها بأسانيد فيها من الخطأ ما فيها، ويظهر في هذا أيضاً نفس الكوفيين لأنهم يقولون بالرفع في تكبيرة الإحرام ويقولون فيما عداها فأخذوا يشددون في المرويات في هذا وذلك في زمن التعصب والشدة في هذا الباب.

    أشد من هذا الحديث هو حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من رفع يديه في الصلاة، فلا صلاة له )، يعني: كلها حتى تكبيرة الإحرام، هذا لم يقل به أحد مطلقاً، هذا الحديث الغريب جاء بنحو الإسناد السابق يرويه مأمون بن أحمد وليس محمد بن عكاشة ، عن المسيب بن واضح لكنهما التقيا في المسيب بن واضح وهذا رواه وجعله من مسند أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفرد به المأمون بن أحمد أيضاً وهو مردود الحديث، هذا هو أطرأ أحاديث الباب وأشدها رداً، وتفرد المأمون بن أحمد هو أيضاً مردود يرد به أيضاً كل النكارات التي وردت في الحديث السابق هي أشدها موجودة في هذا الحديث.

    1.   

    حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في تكبيرة الإحرام ثم لا يعود)

    الحديث الخامس في هذا الباب: هو حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في تكبيرة الإحرام ثم لا يعود )، هذا الحديث جاء من حديث مالك بن أنس يرويه عن مالك بن أنس عبد الله بن عون الخراز ، وهذا الحديث موضوع، وسبب وضعه أنه تفرد به عبد الله بن عون عن مالك وهو متهم في هذا الحديث، كذلك أيضاً هو لا يروى هذا الحديث عن مالك بن أنس بأي وجه من الوجوه مع كثرة حديثه وكثرة أصحابه.

    كذلك أيضاً من علله: أن هذا الحديث يخالف فتيا عبد الله بن عمر وفعله، عبد الله بن عمر ألم يرد عنه أنه كان يكبر في كل خفض ورفع؟ نعم، وهذا الحديث يقول أنه لا يكبر إلا في تكبيرة الإحرام، وهذا يخالف مذهبه أعلاه وأدناه، أعلاه من جهة التكبير في كل خفض ورفع، وأدناه من جهة تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع من الركوع، وكذلك أيضاً الرفع عند القيام من التشهد الأول، حكم عليه بالوضع جماعة، حكم عليه البيهقي رحمه الله، و الحاكم وغيرهم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718653

    عدد مرات الحفظ

    754291643