إسلام ويب

محبة الرسول ونصرته [3]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اصطفى الله سبحانه وتعالى خيرته من خلقه؛ ليكون خاتماً للرسل ورسولاً للعالمين، وبين سبحانه فضله وحث على وجوب نصرته ومحبته واتباعه. وللمحبة أسباب تحققت كلها فيه صلى الله عليه وسلم؛ مما يوجب على المسلم محبته ونصرته واتباعه والاهتمام بسنته وقراءتها وامتثالها. ومن وسائل نصرته صلى الله عليه وسلم الغيرة عليه والدفاع عنه وعن سنته بكل وسيلة ممكنة، وإجلاله وتوقيره عليه الصلاة والسلام، وتعريف الناس بدعوته والدعوة إلى منهجه القويم، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه.

    1.   

    فضل النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب محبته واتباعه

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى نوه بشأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ورفع منزلته وأعلى قدره، وهذا اليوم الذي أنتم فيه هو اليوم الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، في اليوم الثالث من شهر ربيع الأول، وهو يوافق هذا اليوم الذي أنتم فيه، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، فنحن نشكر نعمة الله سبحانه وتعالى بمهاجر النبي صلى الله عليه وسلم باجتماعنا في هذا البيت من بيوت الله، نتدارس شيئاً من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، ونزداد حباً له؛ فقد شرط الله علينا حبه لصحة الإيمان؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )، وقال لـعمر: ( حتى أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك )، ولا شك أن أهل الإيمان يتفاوتون فيه، ومن تفاوتهم فيه تفاوتهم في حب الله ورسوله، فمن كان أشد حباً لله ورسوله كان أقوى إيماناً؛ ولهذا أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب العبد لا يحبه إلا لله، ومن كره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ).

    تزكية الله لنبيه عليه الصلاة والسلام

    إن هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم له حق عظيم على أمته بالمحبة والنصرة والاتباع؛ فقد اختار الله لنا أفضل الرسل وأرسله بخير شرائع الدين، وأنزل عليه أفضل الكتب، وختم به الرسالات من عند الله؛ فلا نبي بعده، وقد زكاه الله سبحانه وتعالى بكل أنواع التزكية؛ فزكى الله عقله فقال: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22]، وزكى بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكى منطقه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وزكى خلقه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وأثنى الله عليه ثناءً عطراً في كثير من آيات كتابه؛ فقد قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:1-18]، وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:1-3]، وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى:1-4]، وقال تعالى -بسم الله الرحمن الرحيم-: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4].

    وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته

    وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين اتباعه وتحكيمه في أمرهم كله؛ فقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقد دعا الله المؤمنين جميعاً إلى نصرته، فقد أخذ العهد بذلك على الأنبياء السابقين، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:81-82]، وقال تعالى في جوابه لـموسى عليه السلام لما أخذته وأصحابه الرجفة، فقال موسى: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [الأعراف:155-157]، ودعا الله المؤمنين إلى نصرته فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:38-41]، وقد نصره الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة؛ فنصره في الدنيا، فمكن له في الأرض، ونصره على من عاداه؛ فقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، وقال تعالى: إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، فكل ذلك من نصرة الله له، كما أنه نصره يوم القيامة فوعده المقام المحمود؛ فقال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، وهذا المقام المحمود لا ينبغي إلا لرجل واحد، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، خصه الله به من بين الثقلين -الإنس والجن- تشريفاً له وتكريماً.

    وكل هذا يقتضي منا زيادة محبته والحرص على اتباعه والسعي في نصرته، وهذه أمور هي من الناحية النظرية مسلمة لدى الجميع؛ فما منكم أحد إلا وهو موقن أنه يجب عليه أن ينصر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحبه حباً شديداً، أحب مما يحب أهله ونفسه وماله، لكن نريد أن نصل إلى نقاط عملية نطبقها في واقعنا وحياتنا، نزداد بها حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً له، ونزداد بها نصرة له؛ حتى نتمكن من هذه النصرة التي أخذ الله علينا العهد بها، فهي ناطقة علينا، ولا يستطيع أحد منا أن يتخلص منها إلا بعمله وما يقدم.

    التطلع إلى ما جاء به صلى الله عليه وسلم

    هذه النقاط العملية أولها: أن تتطلع - يا أخي- إلى ما جاءك به هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من عند الله، فالمعرض عنه الذي يمضي عليه اليوم واليومان والأسبوع والشهر والسنة لا يزداد علماً مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه عرضة للفتنة؛ فقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:124-127].

    لذلك لابد أن يخصص كل واحد منا يومياً جزءاً من وقته قل أو أكثر لتعلم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله؛ تحقيقاً لهذه النصرة، وزيادة لهذه المحبة، لا شك أنكم جميعاً تتفاوتون في ذلك، فالمتفرغون لطلب العلم ما عليهم إلا أن يخلصوا لله سبحانه وتعالى فيما تفرغوا له، وأن يواصلوا مسيرتهم على الطريق، فموعدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض، والذين لا يتفرغون لذلك لا بد أن يخصصوا جزءاً من أوقاتهم، فالموظفون والتجار وأصحاب الصنائع وأصحاب السيارات وغيرهم كل يخصص جزءاً من وقته يومياً لتعلم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كان يستطيع مزاحمة العلماء بالركب فبها ونعمت، وذلك الفضل العظيم، الذي لا يخيب صاحبه، ويقال لأصحابه: ( انطلقوا مغفوراً لكم، والملائكة يحفونهم ويرتفعون إلى ربهم وهو أعلم، فيقول: أشهدكم إني قد غفرت لهم، فيقول ملك: يا رب، فيهم عبدك فلان وليس منهم، إنما جاء لحاجته، فيقول: هم القوم.. ) أو: ( هم الرهط لا يشقى بهم جليسهم ).

    قراءة القرآن وكتب السنة لزيادة محبته صلى الله عليه وسلم

    وإن كان الإنسان لا يستطيع مزاحمة العلماء بالركب فعليه أن يجلس وقتاً من أوقاته إلى كتاب من كتبه، يقرأ في كتاب الله، يقرأ في صحيح البخاري، يقرأ في صحيح مسلم، يقرأ في موطأ مالك، يقرأ في أي كتاب من كتب الحديث، يقرأ رياض الصالحين، يقرأ الأربعين النووية، يزداد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جربت تجربة أظن أنها لا تخلف؛ أن كل من كان مؤمناً بالله ورسوله مصدقاً له إذا أخذ فراشه، وأوى إلى النوم فقرأ ثلاثة أحاديث من رياض الصالحين، فإنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام؛ لأنه يزداد محبة له، وبذلك يتعلق به فيراه في المنام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي )، كذلك الذي لا يستطيع قراءة الكتب عليه أن يسمع الأشرطة.

    عليكم -يا إخواني- أن تتنافسوا في اقتناء الأشرطة التي تتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضلها ما كان فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالشريط الذي يحوي كلامه لا شك أنه أفضل من سائر الأشرطة إلا ما كان يحوي كلام الله، وكذلك الكتاب الذي فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أفضل من غيره من الكتب التي فيها كلام الناس؛ ولذلك قال الترمذي رحمه الله لطلبة العلم في بلده لما ألف كتابه: (من كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم).

    فلذلك لابد -يا إخواني- أن نحرص جميعاً على اقتناء كتب الحديث وقراءتها، وأن يحصل لدينا من جديد في وقت إعراض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به إقبال على سنته، تعالوا - يا إخواني- نتنافس الآن في القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم باقتناء الكتب التي فيها كلامه، وتطبيق ذلك، فلن نزداد حباً له إلا إذا عرفناه.

    1.   

    أسباب المحبة وتحققها في النبي صلى الله عليه وسلم

    الحسن والجمال والكمال

    فالمحبة لها في الأصل خمسة أسباب: السبب الأول: الحسن والجمال والكمال، فمن كان حسن الصورة جميلاً لابد أن يكون محبوباً، يحبه رائيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأتم أحاديثه وأوصافه فهو أحسن الناس صورة، كأن وجهه فلقة البدر، قال: ( أوتي يوسف شطر الحسن، وأوتيت الحسن كله )، لم يبق شيء يتمدح به في كمال الصورة والحسن ولا في القوة في الجسم إلا جمعه الله فيه، فالله اصطنعه على عينه، واصطفاه من خلقه فكمله وجمله وجمع فيه الحسن كله، فإذاً هذا سبب من أسباب المحبة.

    حسن الخلق

    السبب الثاني: هو حسن الخلق؛ فكل من هو حسن الخلق متواضع للناس رحيم بهم محبوب لدى الناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، إذا قرأتم في سنته وسيرته وجدتم الشيء العجيب، يقول الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، يقول جابر بن عبد الله: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، ما سئل شيئاً قط فقال: لا، إن كان عنده أعطى، وإلا رد بميسور من القول )، وقال ابن عباس: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة )، قال للأعرابي يوم أوطاس حين ألجئوه إلى سمرة فتعلق بها رداؤه: ( إليكم عني، فلو كان عندي مثل سمر تهامة نعماً لقسمته بينكم، ثم لم تجدوني جباناً ولا بخيلاً ولا كذاباً )، وقد كان يقسم بينهم الغنائم فيعطي الرجل ما بين الجبلين من الإبل، ويعطي الرجل ما بين الجبلين من الغنم، ويعطي الرجل من الذهب حتى ما يقله - حتى لا يستطيع حمله- فيرجعون إلى ذويهم فيقولون: يا قوم، أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

    كذلك الشجاعة، حدث ولا حرج عن شجاعته، ما عرف البشر أشجع منه قط، أنتم تعرفون أن علي بن أبي طالب مضرب المثل في الشجاعة، يقول: (كنا إذا لقينا العدو اتقيناهم برسول الله صلى الله عليه وسلم).

    كذلك ما يتعلق بالرحمة، يقول الله فيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ [آل عمران:159]، لا أحد من الناس أرحم بالناس منه، يصفه الله بهذه الرحمة ويشهد له، فقد قال الله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، إنه الرحيم بالمؤمنين.

    الإحسان إلى الناس

    السبب الثالث من أسباب المحبة: هو الإحسان؛ فكل من أحسن إليك وأسدى إليك معروفاً فإن كان طبعك كريماً لابد أن تحبه.

    أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا

    كل من أحسن إليك إذا كنت كريماً لابد أن تكافئه بالمحبة، فهي أقل شيء من مقابل الجميل، هل تعلمون أحداً من الناس أسدى إليكم من المعروف ما أسدى إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

    إنه الذي هداكم الله به للإسلام، وقد كنتم ضلالاً أهل جاهلية، وإنه الذي علمكم ما يرضي ربكم جل جلاله، وإنه الذي قال فيما أخرج عنه البخاري في الصحيح: ( ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم )، وإنه الذي بذل نفسه من أجل هداية الناس أجمعين: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6]، لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]، (باخع نفسك) أي: مهلك نفسك، أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]؛ لشدة ذلك عليه.

    إذاً ليس أحد من الناس آمن علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أكثر إحساناً لدينا منه، فواضله وفضائله لا نعدها، وهذا سبب من أسباب المحبة.

    رجاء الخير من المحبوب

    السبب الرابع من أسباب المحبة هو: الرجاء؛ فكل من ترجو منه خيراً ومعروفاً تتعلق به وتحبه؛ لأنك تريد منه خيراً كثيراً، وأنتم ترجون من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخير والمعروف ما لا يمكن أن يوصف، فهو الذي ترجون جميعاً الدخول في شفاعته يوم القيامة، في الشفاعة الكبرى في الموقف، وهو الذي ترجون أن تشربوا من حوضه بيده شربة هنيئة لا تظمئون بعدها أبداً، وهو الذي تسألون عنه في قبوركم: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ وهو الذي ترجون الدخول في شفاعته في دخول الجنة، وهو أول من يحرك الحلقة فتفتح له أبواب الجنة الثمانية؛ فلذلك هذا الرجاء العظيم في خيره ومعروفه يقتضي محبته أيضاً وتعلق القلب به.

    الصلة والقرابة

    السبب الخامس من أسباب المحبة: هو الصلة والقرابة، فقريبك حتى لو لم يحسن إليك، ولو لم يكن زميلاً، ولو لم يكن حسن الخلق، ولو لم تك ترجو منه شيئاً، تحبه من أجل القرابة والصلة؛ ولذلك يقول الشاعر:

    بلادي وإن جارت علي حبيبة وأهلي وإن ضنوا علي كرام

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تنتسبون إليه جميعاً، فكل أنساب الدنيا منقطعة يوم القيامة بمجرد النفخ في الصور: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، والنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم باق: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [الإسراء:71]، تدعون به يوم القيامة، يقال: يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فيستجيب الصادقون من أهل السنة، فيقفون تحت لواء الحمد، وهو بيده اليمنى يرفعه صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: هذه الأسباب الخمسة متحققة كلها في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواحد منها وحده كاف لتحقيق المحبة، لكن لا يمكن أن تحصل هذه المحبة إلا بالتعرف عليه؛ فلذلك لابد من مراجعة سنته ومدارستها، والبرنامج السهل في ذلك: أنتم تعلمون أن كثيراً منكم - ولله الحمد -يسمعون أحاديث في المساجد في أدبار الصلاة من رياض الصالحين أو من الترغيب والترهيب، أو من غير ذلك من الكتب، اجعلوها عادة في بيوتكم، كل إنسان منكم إذا أوى إلى أهله بدل أن يجمعهم لأخبار الناس وما قالت الإذاعة وما قالت التلفزة، يحدثهم بحديث يقرءونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كان هو لا يقرأ فليقرأ ولده أو بنته أو زوجته؛ ليتعاونوا على قراءة حديث في البيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينور لهم المجلس، ويربطهم به، ويحقق لهم محبته، وهذا أمر سهل جداً، كما أصبح عادة في المساجد نريد أن يصبح عادة في البيوت، وأن تصبح البيوت مأهولة بالسنة، فيكون كل بيت مأهولاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ فيه في كل يوم وفي كل ليلة حديث على الأقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر ميسور، سهل جداً، فالحمد لله، الكتب مطبوعة ومشكولة، مضبوطة بالشكل؛ فبالإمكان أن تقرءوا، وأيضاً أغلب الأحاديث سهلة الفهم، ميسرة، كل الناس يفهمونها، إذا لم تستوعب كل معانيها على الأقل فهمت بعضها، فحصل لك النور والبركة من بعض ما فيها.

    1.   

    الوسائل العملية لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم

    الغيرة عليه صلى الله عليه وسلم

    الأمر الثاني الذي نريد تحقيقه من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم العملية هو حصول الغيرة عليه:

    لا شك أن كل إنسان منكم يغار على قبيلته، فأنتم تعلمون لو أن أحداً من قبيلة من القبائل وهو رمز فيها أو شيخ من شيوخها اعتدي عليه، فضرب أو هجاه الناس، أليس أفراد تلك القبيلة سيجيبون عنه ويدافعون عنه؟ ولو اعتقل أو حبس في دَيْن، أليسوا جميعاً سيدفعون عنه ذلك الدين؟

    لذلك لابد أن تحصل لدينا غيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولابد أن نؤثره على بني عمنا، ونؤثره على قبائلنا؛ فهو أحق بالأثرة، وأحق بالتقديم منهم جميعاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1]، لابد أن نقدمه على الناس جميعاً.

    وحصول هذه الغيرة يمكن أن يقاس في النفوس؛ فالإنسان إذا كان يرى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مرمياً على الأرض فلا يأبه به ولا يرفعه ليست لديه غيرة، والإنسان إذا كان يسمع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصلي عليه ليست لديه غيرة، والإنسان إذا كان يسمع اعتداءً على سنته أو تقصيراً فيها أو نقصاً فلا يستشعر نقصاً ولا ضرراً ليست لديه غيرة، لابد أن نحدث غيرةً في نفوسنا على النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي منا أن نستشعر أن هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الفرقان بين الحق والباطل، أرسله الله للتفريق بين الحق والباطل، كما قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213]؛ أي: يجتمع حقهم وباطلهم، مؤمنهم وكافرهم، تحت سقف واحد: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213]، وقال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، ففرق الله بهذا الرسول الكريم بين الحق والباطل، فهذا التفريق بسببه حصل العداء وحصلت الحروب، فيوم بدر لماذا كان؟

    يوم بدر، أليس بين الأقارب حمزة بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة؟ تعرفون أين يجتمعان في النسب، حمزة أبوه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وعتبة أبوه ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، فقط هذا النسب قريب جداً، لماذا يقتتلون إذاً؟ إنما اقتتلوا على أساس الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد فرق بينهم، فمن تبع الحق فإنه سعى لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، ومن تبع الباطل سعى لنصرة إبليس والتمكين لحزبه، وتعلمون الفرق بين الحزبين؛ ولذلك أنزل الله في الطائفتين يوم بدر: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الحج:19-23]، فرأيتم الفرق الشاسع بين الطائفتين والبون الكبير بينهما؛ لذلك لابد أن تعلموا أن حرب الحق والباطل مستمرة؛ فكل يوم من أيام الدنيا هو مثل يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب ويوم حنين، وإنما تختلف الأيام باختلاف رجالها، كما قال أبو حيان في ذكر القاضي عياض وكتابه "مشارق الأنوار":

    مشارق أنوار تبدت بسبتة فواعجبا تبدو المشارق بالغرب

    ومرعىً خصيب في جديب ربوعها ألا فاعجبوا للخصب في موضع الجدب

    فما فضل الأرجاء إلا رجالها وإلا فلا فضل لترب على ترب

    كذلك كل يوم إنما يفضله رجاله، فأنتم تعرفون رجال بدر الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه، تذكرون عبيدة بن الحارث بن المطلب وقد بترت ساقه ودمه يسيل وهو ينتظر الموت ويحمله صاحباه علي وحمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا وضع بين يديه قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لوددت أن أبا طالب حي حتى يعلم أنا أحق منه بقوله:

    كذبتم وبيت الله نبزى محمداً ولما نقاتل دونه ونناضل

    ونمنعه حتى نصرع دونه ونذهل عن أبنائنا والحلائل

    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة لكل للأرامل

    يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل

    فلذلك لابد أن يكون كل يوم من أيام الدنيا فيه تضحيات، وفيه رجال يريدون أن يصدقوا ما عاهدوا الله عليه، يريدون أن يتقدموا إلى الله سبحانه وتعالى ويقولون: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، يريدون أن يكونوا كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وما ذلك على الله بعزيز، فما نالوا ذلك بنسب ولا حسب، إنما نالوه بالعمل، والعمل ميسور قائم في كل زمان ومكان، وأصحاب التضحيات والبذل إنما يجازون من عند الله سبحانه وتعالى، ولا فرق بين أولهم وآخرهم، إلا أن الأولين قد نالوا عوناً بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، والآخرين قد فاتهم ذلك العون، فأجرهم أكبر من هذا القبيل؛ ولذلك قال: ( للواحد منهم أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله، منا أو منهم؟ قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً، ولا يجدون على الحق أعواناً )، وكذلك خفف عنهم كثير مما كان على أولئك السابقين؛ فقد أخرج الترمذي في السنن، من حديث نعيم بن حماد، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنتم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر به هلك، وسيأتي على الناس زمان من أتى منهم بعشر ما أمر به نجا ).

    لابد -يا إخواني- أن نحصل مثل هذه الغيرة في نفوسنا، وأن تكون جاهزة لدينا؛ فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لديهم هذه الغيرة، فدافعوا عنه بأنفسهم، وبذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عنه؛ ولذلك قال الشيخ غالي البصادي رحمة الله عليه:

    وقامت بنصر الله أنصار دينه وبيعت من الله النفوس النفائس

    تذكروا حالهم؛ فـحسان بن ثابت رضي الله عنه عندما بلغه هجاء أبي سفيان بن الحارث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

    ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء

    بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء

    هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

    أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

    هجوت مباركاً براً حنيفاً أمين الله شيمته الوفاء

    فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

    لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء

    وعبد الله بن أنيس رضي الله عنه يقول في خالد بن سفيان الخزاعي:

    أقول له والسيف يعجم رأسه أنا ابن أنيس فارساً غير قعدد

    إذا حارب المختار أي منافق سبقت إليه باللسان وباليد

    وكذلك زيد بن الدثنة رضي الله عنه لما أسر يوم بعث الرجيع فبيع بمكة هو و خبيب بن عدي تركوهما حتى انقضى الشهر الحرام، فأخرجوهما من الحرم لقتلهما، فلما قرب زيد للقتل قال له أبو سفيان بن حرب: (يا زيد، أتحب أنك بين أهلك وفي بيتك، وأن ابننا محمداً عندنا نقتله مكانك؟) فانتفض وقال: (والذي يحلف به زيد، ما أحب لو رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكان الذي هو فيه تصيبه شوكة وأنني بين أهلي) و خبيب بن عدي لما رفعوه للصلب والقتل سألهم أن يدعوه حتى يصلي ركعتين، فصلاهما، ثم قال: (والله لولا أن تخالوا بي الجبن لزدت)؛ أي: لصليت ركعات أخرى؛ لحبه للصلة، وكان محباً لها حباً شديداً، ثم بعد ذلك قال: اللهم بلغ نبيك صلى الله عليه وسلم عنا السلام، وأنشأ يقول:

    ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان لله مصرعي

    وذلك في ذات الإله فإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

    وكذلك ما فعل معاذ ومعوذ وعوف بنو عفراء في يوم بدر عندما استبقوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قالوا: يا عم، إذا رأيت عمرو بن هشام فأرناه، قال: وما حاجتكم إليه؟ قالوا: سمعنا أنه نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نريد أن نقتله، هؤلاء الشباب الثلاثة الصغار يستبقون أبا جهل يريدون أن يقتلوه؛ لأنه كان ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    كذلك نجد هذه الغيرة لدى المؤمنين يوم أحد؛ فهذه نسيبة تقف بين يدي النبي وبيدها سيفان تدافع عنه بيمينها وشمالها، وهذا طلحة بن عبيد الله كان يرد النبل عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انخرق الترس فجعل يده ترساً فكان يرد بها السهام حتى شلت يمينه، وهذا سعد بن أبي وقاص يقف بين يديه يرمي المشركين، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ارم فداك أبي وأمي )، ويقول: بل نفسي فداك يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهكذا نجد أبا عبيدة بن الجراح: (نحري فداء نحرك يا رسول الله)، ولما ضربه ابن قمئة بالسيف فدخلت حلقة من المغفر في جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرادوا انتزاعها فلم يستطيعوا، فانتزعها أبو عبيدة بن الجراح بأسنانه حتى سقطت ثنيتاه، فلقب "ساقط الثنيتين" وهكذا نجدهم جميعاً أدوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم وأموالهم، خرج أبو بكر من ماله جميعاً في سبيل الله، وخرج عمر من شطر ماله في سبيل الله، وجهز عثمان ثلاثة آلاف -جيش العسرة- بسلاحها وظهرها وأزوادها وأقتابها ومياهها، كل ما يحتاج إليه المجاهد كان خالصاً من مال عثمان بن عفان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يضر عثمان ما فعل بعد اليوم )، هذه الغيرة التي كانت لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه هي التي أدت بهم إلى التضحية في سبيل هذا الدين ونصره، وهي التي جعلت هذه الأمة تنتصر بين الأمم، وجعلت هذا الدين يبلغ ما بلغ الليل والنهار، لم تبق أرض يمكن أن يصلوا إليها بأرجلهم ولا بركابهم إلا وصلوا إليها، حتى وصل عقبة بن نافع رضي الله عنه إلى ضفاف هذا البحر الذي أنتم عليه، فغرز رمحه في الماء، وعاهد الله أن لو كان يعلم أن وراء هذا البحر ذا نفس منفوسة لخاض البحر إليه؛ حتى يبلغه دعوة الله أو يموت دونه، لو كان يعلم بوجود أمريكا لفتحها في ذلك الوقت، هذه الغيرة تعدم لدى كثير من الناس اليوم، وهي من تحقيق النصرة العملي، فلابد أن نحدثها في أنفسنا.

    إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره

    ثم بعد هذا لابد أن نتذكر أن مما يزيد نصرتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالنا له -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- لابد أن نحرص على إجلاله وتوقيره؛ فقد أمرنا الله بذلك، فقال: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:8-9]، وهذا التوقير يقتضي منا المبادرة للامتثال لكل أمر يأتينا من عنده، إذا سمعت أي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: افعل كذا، ليس لك أن تتريث ولا أن تنتظر، بادر إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سمعت أي نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزجر وتوقف عنده، ولا تتجاوز كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مقتضى التوقير، وقد كان أصحابه يوقرونه توقيراً عظيماً، يقول عروة بن مسعود الثقفي لما أتاه بالحديبية، وهو رسول قريش يريد المفاوضة، فقال: (يا محمد، إن قومك قد لبسوا جلود النمور، وصبحوا العوذ المطافيل، يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة أبداً، فارجع عنهم عامك هذا)، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع يصف ذلك المشهد الذي رأى، فقال: (يا معشر قريش، والله لقد زرت الملوك في ملكها، فلقد زرت النجاشي في ملكه، وكسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، فما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، فوالله إن تكلم لكأنما على رءوسهم الطير..) إصغاءً وإنصاتاً، (وإذا أمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وما امتخط إلا وقعت في كف أحدهم فدلك بها وجهه ورأسه) إجلالاً له، هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    كذلك التابعون من بعدهم، يقول مالك رحمه الله: (لو أدركتم ما أدركت، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، فقد أدركت جعفر بن محمد وكان ذا دعابة، فإذا ذكر عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى كأنه ما عرفك ولا عرفته، وأدركت محمد بن المنكدر، وكان إذا حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى رحمناه وقمنا عنه)، وكان مالك لا يحتذي حذاءً في المدينة؛ إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطأ التربة التي دفن فيها بنعل، يقتصر على محل الضرورة من المشي فقط، وما عمل علي بن أبي طالب مصراعي داره إلا بالمناصع، والمناصع أرض بالمدينة تبعد أكثر من كيلو من الحرم، علي لما أراد أن يعمل مصراعي داره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن يعملهما في المدينة؛ لما في ذلك من الأصوات، فخرج بهما إلى المناصع حتى يعمل مصراعي بابه؛ إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيراً له.

    هذا الإجلال والتوقير مفقود كذلك لدى كثير من الناس، فتعالوا بنا نعيده في نفوس الناس، تعالوا بنا نعيده في نفوسنا وأهلينا وذوينا، تعالوا بنا نعيده على الوجه الذي يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا إفراط ولا تفريط، فنحن نعلم أيضاً أن بعض الناس يبالغ مبالغات لا يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله، فإنما أنا عبد الله ورسوله )؛ فلذلك نقتصر على ما ثبت، وهو كاف، فيكفيهم من رفع منزلته ما رفعه الله به في الوحي الثابت، الذي لا يتمارى فيه أحد.

    تعريف الناس بدعوته صلى الله عليه وسلم

    كذلك من الوسائل العملية في النصرة تعريف الناس به وبدعوته، فكل إنسان منكم بالإمكان أن يسعى لتعريف الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل بيته؛ حتى يزدادوا محبة له، هذا العدد الكبير من الشباب لو أنهم اتخذوا خطة فيكون كل واحد منهم بعد صلاة العشاء في كل يوم من الأيام يعرف أهل مسجد بصحابي واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ عليهم سيرته من كتاب فقط، أو يكتبها من كتاب فيجعلها في ورقة ويجعلها في جيبه، ويعبر عنه بالحسانية أو بالولفية، أو بأية لغة أخرى، فيشرحها لقوم يعرفهم بصحابي واحد، أو بشيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ننشر تعريف النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته في الناس، فهذه وسيلة لنصرته.

    تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم

    كذلك من وسائل النصرة العملية التي يمكن أن نقوم بها تطبيق سنته في أنفسنا، وأنتم تعلمون أن أهل هذا الزمان يتبعون الموضات، وإذا نشر الإعلام صورة لمن يسمى بطلاً من أبطال الكرة أو غيرها من الألعاب حاكاه كثير من الشباب؛ فاختاروا ملابسهم على شكل ملابسه، وامتشطوا على هيئة ما يمتشط في رأسه، وفعلوا ما يفعله، فتعالوا بنا نستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، لا يمكن أن تجدوا قدوة ولا أسوة أفضل ولا أحسن ولا أكمل ولا أجمل منه، فتعالوا بنا نستن بسنته.

    هذه السنن الفعلية التي بين أيدينا تعالوا بنا ننفذها؛ فقد كان أصحابه رضوان الله عليهم إذا رأوا منه أي فعل بادروا إليه، عندما دعا عبد الله بن عمر فقال: ( ارفع ثوبك، رفعه، فقال: زد، فزاد، فقال: زد، فزاد )، فلما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح ابن عمر ساقه في ذلك المكان؛ ليعرف المكان الذي أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل إليه الإزار، جرح ساقه بظفره ليعرف المكان الذي ينبغي أن يصل إليه الإزار دائماً، وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بين شجرتين حافظ على المرور بينهما، وإذا رآه بال في مكان حرص على أن يبول فيه، وإذا رآه نزل تحت شجرة حرص على أن ينزل تحتها؛ محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الدعوة إلى المنهج النبوي

    كذلك من النصرة العملية السعي للدعوة إلى منهجه وما جاء به من عند الله؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه الله عاش فوق الأرض ثلاثاً وعشرين سنة، وكانت كلها دعوة إلى الخير، كلها دعوة إلى هذا الدين الذي جاء به من عند الله، وقد توفاه الله عز وجل بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة، فترك ذلك أمانة في أعناقنا، فتعالوا بنا فكل ساعة تنفقها في هذه الدعوة هي امتداد في عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما تهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ساعة من عمرك، وهو أهل لذلك، لو أهديت إليه كل ساعات عمرك لكفاك الله ما أهمك وما لا تهتم له، الساعة التي تنوب فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبلغ فيها رسالات الله لا شك أنها أكرم ساعاتك وأفضلها؛ فلذلك علينا جميعاً أن يخصص كل إنسان منا ساعات - ليست من فضلات أوقاته ولا من أدناها- يبلغ فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو فيها إلى منهجه وما جاء به، ويحتسبها امتداداً في عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيادة فيه، إذا احتسبت ساعة أو أكثر من عمرك امتداداً في عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فستستحيي من الله أن تعصي فيها.

    أنت أهديتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم، لا يعصي الله، فكيف تستغلها أنت في معصية؟! ستمسك نفسك وجوارحك جميعاً عن المعصية في هذه الساعة حين جعلتها امتداداً لعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ستحصر نفسك في المسجد، وتضحي بفساد بعض همومك الدنيوية، وتتعرض لبعض الأذى من جيرانك، وتنال بعض الأرق وبعض الأمور، لكن تذكر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناله في سبيل نصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله.

    إن علينا -يا إخواني- أن نخصص هذه الأوقات من أوقاتنا لنصرة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتبليغ عنه وأن نعتبر أنفسنا في ذلك الوقت رسلاً عنه، ومن فعل ذلك فهو شريك للماضين في الأجر، وشريك للآتين في الأجر، فهو شريك للماضين؛ لأنه بلغ عنهم مرادهم، وهو شريك للآتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من دعا إلى هدىً كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً )، والإنسان الذي يدعو إلى هدىً ويتمعر وجهه في ذات الله على الأقل حقق النصرة بما يستطيعه، ولو كان ذلك لحظة واحدة، يستطيع أن يحتسب عند الله موقفاً في يوم من الأيام سعى فيه لإعلاء كلمة الله، مع أن تمعر الوجه في ذات الله مضمون لصاحبه النضرة؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )، وهذا الحديث محتمل لأمرين: إما أن يكون المعنى أن ذلك حاصل، فهو خبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق، لا يمكن أن يخبر بالكذب، ( نضر الله امرأً )؛ أي: هذا قد حصل، وإما أن يكون دعاءً، ودعاؤه مستجاب لا يخلف، وأيضاً هذا يشمل هذه النضرة في الدنيا والنضرة في الآخرة، فهو شامل للدارين معاً: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها ).

    الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم

    كذلك من وسائل النصرة العملية أن ندافع عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت الذي تشوه فيه دعوته ويعتدى فيه على دينه، فكلنا فداء لهذا الدين، وأشرف أحوالنا أن نكون وقوداً لقطار هذا الدين وهذه الدعوة؛ فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: (أينقص هذا الدين وأنا حي؟!) كسر قراب سيفه وقال: (أينقص هذا الدين وأنا حي؟!)؛ لذلك لابد أن يحرص كل إنسان منا - ولو لم يكن كاتباً ولا صحفياً- أن يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يستطيع، إن كان لا يستطيع الكتابة استطاع توزيع المكتوب ونشره، إذا وجدت مقالاً في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوزيعك له وقراءته على الناس وتصويرك له ولو بأواق معدودات هو من عمل النصرة، تكون به مناصراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، توزيعك لشريط فيه ذكره صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه هو من النصرة؛ فالشريط هو لسان من لا لسان له، إذا كنت لا تستطيع الكلام فلديك كلام آخر ليس فيه رياء ولا سمعة، ولا تخشى منه الفتنة، فتوزيعك له لا تخشى منه المصائب التي يخشاها صاحب الشريط والمتحدث، فهو يخشى الرياء والسمعة وغير ذلك، لكن أنت بتوزيعك له لا تخاف شيئاً من ذلك.

    إظهار العداوة لكل من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم

    كذلك من وسائل النصرة العملية أن نحرص في هذا الوقت الذي نحن فيه على إظهار عداوة كل من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذل ما نستطيعه في سبيل هذه العداوة؛ فأنتم تعلمون أن أعداء الإسلام اليوم هم قوة مادية، لا تفهم الأمور إلا من خلال المادة، كل شيء عندهم قيمته المادة، الإنسان قيمته المادة والزمان قيمته المادة، كل شيء قيمته المادة؛ فلذلك كانت المقاطعة الاقتصادية لبضائع الذين يعتدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤذونه من أهم وسائل النصرة في هذا الزمان، وقد حققت المرجو منها وضاعفته، فقد كنا قبل أسبوع وزيادة في المؤتمر العالمي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنامة، واتصلت الشركات الدنماركية والغربية جميعاً وأرسلت الموفدين عنها، كل شركة تريد أن تناصر وتقول: إنها مستعدة لتمويل مؤتمر للنصرة في أي مكان نريده من أنحاء العالم، ووجدنا -سبحانه الله- إقبالاً عجيباً من كثير من التجار الغربيين على هذه القضية، وهم كفار، لكنهم أدركوا أن هذه المحاصرة فيها خطر كبير عليهم، ومقاطعة بضائعهم فيها خطر كبير مادي عليهم، وخسروا خسائر فادحة، فأرادوا التخلص من ذلك بالمبادرة إلى التقرب إلى المسلمين.

    كذلك لا شك أن هذا الحصار الاقتصادي مشروع، وهو من الجهاد في سبيل الله؛ فــأبو بصير و أبو جندل رضي الله عنهما لما كان صلح الحديبية يقتضي ردهما إلى المشركين هربا فلم يرجعا إلى المدينة، ولكن ذهبا إلى ساحل البحر، فأقاما معسكراً هنالك، فقطعا الطريق على أهل مكة، لا تأتيهم عير من جهة الشام، وتعرفون قصيدة أبي جندل:

    أبلغ قريشاً عن أبي جندل أنا بذي المروة بالساحل

    وكذلك ثمامة بن أثال الحنفي لما جاء مسلماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن مقاطعة قريش، فقال: (لا تأتيهم حبة واحدة من اليمامة بعد اليوم)، فطريق اليمامة - طريق العراق - قطعها عنهم حتى أصبح قريش يتوسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفتح لهم طريق تجارتهم، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بني النضير لما حاصر اليهود عليهم لعائن الله قطع نخلهم، فأقر الله ذلك الفعل في كتابه، فقال: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5]، والمقاطعة فيها خزي للفاسقين: وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5].

    كذلك هذه المقاطعة فيها أيضاً تحقيق لاستقلال هذه الأمة، واستغناء عن كثير من أمور الدنيا وحطامها، وتزهد فيها، وفي ذلك علاج للقلوب، وفيها أيضاً مساعدة لإخوانكم المجاهدين في سبيل الله، في فلسطين وفي أماكن مختلفة من العالم، إنما تمول الحرب ضدهم من بضائع تلك الشركات التي ترعى الإرهاب، وتمد القتلة والمجرمين بأموالها ليقتلوا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والاستغناء عن بضائع تلك الشركات لا شك أنه نصرة لأولئك المجاهدين الذين قاموا عنكم بالواجب، وتولوا عنكم فرض الكفاية، دفنوا أنفسهم ورءوسهم في القنابل والمتفجرات؛ دفاعاً عن هذه الملة، وعن بيضة الإسلام وحوزة هذا الدين.

    تكثير سواد المسلمين بتكثير الذرية

    كذلك لا شك أن من وسائل النصرة التي يمكن أن تقوموا بها جميعاً تكثير سواد المسلمين؛ فتكثير سواد المسلمين في أي درس أو حتى في صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة هو نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه زيادة لأتباعه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من نبي بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )، فسعيكم لتكثير سواد المسلمين حتى طلب الزواج لطلب النسل لتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو من باب النصرة؛ لأنه قال: ( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، وإلا فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء )، وقال: ( تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )، هذه مكاثرة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان في عهده -كما في حديث أم عطية- يأمر بإخراج العواتق والحيض وربات الخدور يشهدن الخير ويكثرن سواد المسلمين.

    نشر الصحف المدافعة عن النبي الكريم

    كذلك من وسائل النصرة العملية التي يمكن أن نقوم بها أيضاً الاشتراك في الصحف التي فيها نصرة؛ فدفعك للاشتراك في صحيفة تقرؤها ثم تعطيها جارك ثم توزع المقالات التي فيها على من تبلغه، كل ذلك نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى درس علمت به ومساعدة من يخرج معك، ولو بأن تدفع عنه أجرة الحافلة، هذا من نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية، وهكذا فهذه الأعمال - أعمال النصرة - لا نستطيع إحصاءها، وهي كثيرة جداً، وقد طبع أحد الإخوة كتاباً فيه تسع وتسعون وسيلة من وسائل النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالإمكان أن تكونوا جميعاً من جنود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تهيئوا أنفسكم لهذا المقام الرفيع، فأنتم جميعاً أهل لذلك بما اختاركم الله له من الهداية والإيمان، وبأن أرسل إليكم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنتم تتذكرون قول الشاعر رحمه الله:

    ومما زادني فازددت تيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيا

    تشريف عظيم شرفكم الله به حين أرسل إليكم محمداً صلى الله عليه وسلم وحين جعلكم من أمته.

    نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا أجمعين في قرة عينه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يبعثنا في زمرته، وأن يجعلنا من أمته وأتباعه، وأن يجعلنا من جنوده وناصريه.

    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756483239