إسلام ويب

سورة الحشر - الآية [18]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله تعالى عباده بالتقوى في مواضع عدة من القرآن، وجعلها وصية للأولين والآخرين، وما من نبي إلا وأوصى قومه بها، وما من معاملة إلا وأمر الله فيها بتقواه؛ وذلك لأهميتها ومكانتها؛ بل رتب عليها ثماراً كثيرة في الدنيا والآخرة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ...)

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    ومع النداء الثامن والسبعين في الآية الثامنة عشرة من سورة الحشر؛ قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    مناسبة قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ...) بما تقدمه من الآيات

    هذه الآية جاءت بعد سياق تناول فيه ربنا جل جلاله خبر اليهود والمنافقين، أما اليهود فهم يهود بني النضير الذين أرادوا أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجهم الله عز وجل لأول الحشر، وسلط عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين، وأما المنافقون من أمثال عبد الله بن أبي فهم الذين قالوا لليهود: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر:11] .

    بعد ذلك وعظ الله المؤمنين بهذه الموعظة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18]؛ لأن الموعظة بعد ذكر المصيبة لها موقع في النفس لرقة القلوب والحذر مما يوجب العذاب.

    تعريف التقوى وتكرر الأمر بها في القرآن

    قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18] هذا الأمر تكرر في القرآن كما في صدر سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [النساء:1]، وفي خواتيم الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70]، وهي وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].

    والتقوى هي: فعل المأمور واجتناب المحذور، أو أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بأن تفعل ما أمرت به وتجتنب ما نهيت عنه، وكل هذا على نور من الله رجاء ما عند الله من أجر وثواب.

    معاني مفردت الآية

    قوله تعالى: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ[الحشر:18] أي: لتتأمل كل نفس فيما قدمته للآخرة.

    وقوله: مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] اللام هنا لام التعليل، أي: لأجل غد، والمراد بغد هو: يوم القيامة، ويعبر الله عز وجل عن يوم القيامة بالغد دلالة على قربه، كما قال سبحانه: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً [المعارج:6-7].

    وكلمة (الغد) يعبر بها عن المستقبل، كما في قول القائل:

    وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عمي

    أي: عن علم ما في المستقبل لا أدري شيئاً، ويريد باليوم الزمن الحاضر، وبالأمس الزمن الماضي، وبالغد الزمن المستقبل.

    وقوله تعالى: (واتقوا الله) كرر الأمر بالتقوى إما على سبيل التأكيد للأمر الأول أو على سبيل التأسيس لأمر جديد؛ فيكون قوله تعالى: (اتقوا الله) الأولى: في فعل الطاعات، (واتقوا الله ) الثانية: في اجتناب المحارم، وعلى قول من يقول بأنها للتأكيد كما في قوله تعالى: أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى [القيامة:34-35]، وكما في قوله سبحانه: كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر:3-4].

    أمر الأنبياء قومهم بالتقوى

    أيها الإخوة الكرام! هذه الآية المباركة فيها حث على تقوى الله في الجملة، وتقوى الله قد أمر بها سائر النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فنجد نوحاً عليه السلام يقول لقومه: أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:106-107]، وكذلك هود عليه السلام كما في قول ربنا: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:123-124]، وبعدها: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:141-142]، وقوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:160-161]، وقوله: كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:176-177]، فكل نبي كان يوصي قومه بهذه الكلمة.

    الوصية بالتقوى في كل شيء

    ولو تأملنا في القرآن فإننا نجد أن رب العزة والجلال سبحانه وتعالى يوصي بالتقوى في كل شيء، فمثلاً: في المعاملات المالية، كما يقول الله عز وجل في المداينة: وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً [البقرة:282]، ثم يختم الآية بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ [البقرة:282].

    وكذلك في المعاملات الأسرية، الله عز وجل حين تكلم عن الطلاق قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5]، إلى غير ذلك من الآيات.

    وقد بين الله عز وجل في صدر سورة البقرة أنه لا ينتفع بهداية القرآن إلا من كان تقياً، قال تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].

    ثمرات التقوى

    وثمرات التقوى قد بينها ربنا جل جلاله في القرآن.

    ومنها: حصول الكرامة كما في قوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    ومن ثمرات التقوى: حصول المحبة كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:4].

    ومن ثمرات التقوى: حصول الولاية، كما قال الله: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19]، وقال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]. وقوله: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ [الأنفال:34].

    ومن ثمرات التقوى: الفوز بالجنة كما قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً [مريم:63].

    ومن ثمرات التقوى: تيسير الأمر، وسعة الرزق، وأن يجعل الله للعبد من الهم فرجاً ومن الضيق مخرجاً.

    ومن ثمرات التقوى: حصول العلم النافع كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29]، ولذلك كان من دعاء عباد الرحمن: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74]، وكذلك كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم إني أسألك التقى والهدى )، يدعو الله عز وجل بأن يرزقه التقوى؛ لأن هذه التقوى لو حصلت ففيها خير الدنيا والآخرة.

    أسأل الله أن يهديني وإياكم.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756483690