إسلام ويب

أعداء الدينللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله سبحانه وتعالى بدعائه بأسمائه وصفاته، وحذر من سلوك طريق الملحدين، وعرف بنفسه في كتابه من خلال أسمائه وصفاته، فمن عرف ذلك وجب عليه أن يعرف خضوع الكون وإذعانه لله. وقد أخبرنا رب العزة أن عداوة الكفار للمسلمين سببها الدين ولن ينتهي حتى يترك المسلمون دينهم.

    1.   

    دعاء الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى

    الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئاً مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعيناً عمياً، وأذاناً صماً، وقلوب غلفاً، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم.

    اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أيها المسلمون عباد الله! إن ربنا جل جلاله الذي نعبده ونعظمه ونجله ونوقره له أسماء حسنى، وصفات على، قد وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومطلوب من المؤمن أن يصدق بهذه الأسماء والصفات، وأن يعبد الله عز وجل من خلالها، كما قال سبحانه: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، فادع الله عز وجل بهذه الأسماء وهذه الصفات، فالدعاء هو العبادة، كما كان يصنع رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم، كان يتوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، فيقول في دعاء الاستخارة: ( اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب )، وكان من دعائه: ( اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خير لي، وتوفني ما كانت الوفاة خير لي ).

    هجرة المسلم سبيل الملحدين في أسماء الله تعالى

    فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، قال أهل التفسير: الإلحاد في أسماء الله عز وجل وصفاته يتناول صوراً:

    من ذلك: أن المشركين كانوا يسمون أصنامهم بأسماء يشتقونها من أسماء الله جل جلاله، فيسمون صنماً بمناة من المنان، وصنماً باللات من الإله، وصنماً بالعزى من العزيز وهكذا، وهذا من الإلحاد في أسماء الله عز وجل.

    ومن الإلحاد أن يوصف الله عز وجل بما لا يليق بجلاله، كما قالت اليهود: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، وكما قالوا : إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181].

    ومن الإلحاد كذلك: أن يعطل الرب جل جلاله عن صفاته التي وصف بها نفسه، كما قال بعض الملاحدة: حي بلا حياة، عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، متكلم بلا كلام.

    ومن الإلحاد كذلك: أن يسمى الرب جل جلاله بما لم يسم به نفسه، كما سماه النصارى: الأب، أو كما سموا إلهاً تخيلوه بالابن، ومثلما سمى بعض الفلاسفة رب العالمين جل جلاله بالعلة الأولى، أو الفاعل الأول، أو المحرك الأول أو غير ذلك من الأسماء.

    والمسلم لا من هؤلاء ولا ومن هؤلاء، يسمي الله عز وجل بما سمى به نفسه، فإذا سئل المسلم البسيط الذي ما توسع في العلم، ولا تعددت معارفه، بأن قيل له: يا مسلم من ربك؟ أو قيل له: من هو الله؟ لكان جوابه على البداهة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، أو كان جوابه على البداهة: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:22-24]، أو كان جوابه: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأنعام:95-97].

    تعريف الله بنفسه من خلال أسمائه وصفاته

    الله جل جلاله الذي نعبده قد عرفنا بنفسه من خلال أسمائه وصفاته، عرف المسلم الموقن أن الله جل جلاله موصوف بكل كمال، منزه عن كل نقص: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وعلم بأن الله جل جلاله بكل شيء عليم، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم السر وأخفى: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61]، علم بأن الله عز وجل عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، وعنده علم الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السموات والأرض، وهو الذي ينزل الغيث، وهو الذي لا يحيط العباد بشيء من علمه إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، وهو الذي قال لهم: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، فالمسلم يعلم أن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1]، ويعلم بأن من قدرته أنه يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل جل جلاله وتباركت أسماؤه، يعلم المسلم بأن الله عز وجل عزيز لا يغالب، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف:57]، ومن قدرته جل جلاله أنه يرسل الرياح فتثير سحاباً فترى الودق يخرج من خلاله: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ [النور:43].

    ومن قدرته أنه يقلب الليل والنهار جل جلاله، ومن قدرته سبحانه وتعالى أنه أحصى كل شيء عدداً، وأحاط بكل شيء علماً، وخلق هذا الكون على نظام متقن مبدع، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117] ويعلم بأن الله عز وجل حكيم، ما خلق الخلق عبثاً, ولا تركه سدى.

    ومن حكمته: أنه شرع الحلال والحرام، ووضع العقوبات، ونظم الأمور، وهو مدبر كل شيء، كما أنه خالق كل شيء: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]، خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:4-8]، ويعلم السر وأخفى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].

    والمسلم الذي يقلب صفحات القرآن، وينظر في آيات الرحمن، لا تخطئ عينه قط أن لله عز وجل أسماء وصفات قد جاء به كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع أحداً من الخلق قامت الحجة عليه إنكارها، بل الواجب عليهم جميعاً الإيمان بها وتصديقها، والعمل بمقتضاها، وإمرارها على ظاهرها، والإيمان بمعانيها على ما جاءت به لغة العرب، لا نشبه الله بخلقه ولا نمثله.

    1.   

    مقتضيات الإيمان بأسماء الله وصفاته

    إن من مقتضى الإيمان بأسماء الله وصفاته أن نؤمن بأن الكون كله خاضع لله، مذعن لأمره، داخل تحت سلطانه، مسبح بحمده: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44]، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ [الحج:18].

    إن المسلم الذي يعرف أسماء الله وصفاته يزداد لربه حباً، ويزداد به تعلقاً، ويعلم أنه جل جلاله رحمان رحيم، وسعت رحمته كل شيء، كما قالت الملائكة في مناجاتها: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:7-9]، هذا دعاء الملائكة الذين قالوا: قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32].

    يا مسلم! إذا علمت بأن الله عز وجل رحيم، فإنك لا تيأس أبداً، ولا تقنط أبداً، فمهما بلغت ذنوبك كثرة، ومهما بلغت سيئاتك عظماً، تعلم بأن الرحيم جل جلاله قد قال: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وتقرأ في القرآن صفاته بأنه عفو، وأنه غفور، وأنه رحيم، وأنه تواب جل جلاله، وتقرأ أن الله عز وجل قال عن نفسه: عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156].

    فيا أيها المسلمون! إن الواحد منا لو تقدم لابنته خاطب، فإنه يحرص على أن يسأل عن اسمه وصفته ونسبه وعمله: أين ولد؟ وأين يسكن؟ ومن يخالط؟ وماذا يصنع؟ وما هي أخلاقه؟ وما طباعه؟ وما مواهبه؟ وما قدراته؟ ويسأل عن كل ما استطاع أن يصل إليه من خبر هذا الطارئ عليه، من أجل أن يكون فكرة عنه.

    فيا أيها المسلم! كيف تعبد رباً لا تعرفه؟ فاحرص على أن تقرأ في القرآن صفاته، وأن تتعرف على أسمائه من أجل أن تعبد رباً تعرفه، وتحيط به، ومن أجل أن تتعبده جل جلاله بهذه الأسماء، وبهذه الصفات العظيمة التي أخبر بها عن نفسه، مقتدياً بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان عليه الصلاة والسلام يطيل السجود، وكان من دعائه: ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ).

    أسأل الله عز وجل أن يعلمنا علماً نافعاً، وأن يرزقنا عملاً صالحاً، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يزيدنا إيماناً وهدى وتقى وعفافاً وغنى، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وتوبوا إلى الله واستغفروه.

    1.   

    سبب عداوة الكفار للمسلمين

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

    أما بعد:

    أيها المسلمون! فاتقوا الله حق تقاته، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    واعلموا إخوتي في الله! أنه لا أصدق من الله قيلاً، ولا أصدق من الله حديثاً.

    إن الله جل جلاله قد أخبرنا عن أعدائنا، ممن كفروا بربنا، وحاربونا على ديننا، أخبر عنهم بأنهم لن يرضوا عنا أبداً، حتى يحملونا على الكفر الذي وقعوا فيه، فقال سبحانه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، يعني: حتى تدخل في دينهم، وترضى بكفرهم: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، وديننا أغلى من لحومنا ودمائنا، وديننا أغلى من الأرض، وأغلى من العرض، وأغلى من المال، بل أغلى من النفس، فالدين مقدم على كل شيء، ومن أجل الدين شرع الله القتال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193]، فالدين كله لله، ليس دين المسجد، ولا دين رمضان، ولا دين الحج والعمرة، بل الدين كله لله: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63]، أي: خذ الدين كله، بأوامره ونواهيه، وأخباره ووعده ووعيده، بعبادته ومعاملاته، وأخلاقه وسلوكه، وجناياته وسياسته وثقافته، فتأخذ الدين كله من أجل أن تكون مسلماً حقاً، متحققاً بقول ربك: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].

    أيها الإخوة الكرام! إن هؤلاء تخرج منهم هذه الكلمات لئلا يبقى لمسلم عذر، ولا يجتمع في قلب مؤمن حب الله وحب عدو الله، ولا يجتمع في قلب مؤمن حب الدين وحب من يعادي الدين:

    كل العداوات قد ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك في الدين

    إن الذي يعاديك من أجل دينك، ويريد أن يبعضه ويجزئه ويحصره، فلو أنك رضيت بذلك فقد خلعت ربقة الإسلام من عنقك.

    فيا أيها المسلمون! إن من إيماننا أن نوالي في الله ونعادي في الله، وأن نوالي من والى الله ورسوله، ونعادي من عادى الله ورسوله، وأن نحب من يحبه الله ورسوله، ونبغض من يبغضه الله ورسوله، هذا مقتضى إيماننا: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ [المجادلة:22]، إن الله عز وجل ناصر دينه، ومعز أولياءه مهما تنكر للدين المتنكرون.

    ومن أخبار فلسطين تأتينا أنباء مزعجة، بأن اليهود عليهم لعائن الله سائرون في تطبيق خطتهم، وترويج إفكهم، يريدون أن يهدموا مسجد بلال بن رباح، والمسجد الإبراهيمي، بل حاولوا يوم الأحد قبل أيام أربعة أن يدنسوا حرمة المسجد الأقصى، يريدون أن يحتفلوا بعيد من أعيادهم الكفرية، لكن جنود الله عز وجل في بيت المقدس حالوا دون ذلك وما معهم إلا الله.

    أسأل الله عز وجل أن يثبت أقدامهم، وأن يقوي قلوبهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن يسدد رميتهم، وأن يربط على أفئدتهم، وأن يجعل النصر حليفهم، اللهم انصر من نصر دينك، واخذل من خذل دينك، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، اللهم ول علينا خيارنا، ولا تول علينا شرارنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليك، ويذل فيه عدوك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء، اللهم من أرادنا وبلادنا والإسلام والمسلمين بخير، فأجر الخير على يديه، ومن أرادنا وبلادنا والإسلام والمسلمين بسوء، فاجعل دائرة السوء عليه، وأشغله بنفسه، واجعل تدميره في تدبيره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768242274