فيا عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، اتقوه في أنفسكم ومسئولياتكم، فتقوى الله هي العز من غير جاه ونسب، والشرف من غير منصب وحسب، هي الغنى من غير مال، وبها صلاح الحال والمآل.
عباد الله! إن المسلم الحق يلتمس دائماً طريق الصواب، ليعيد لمجتمعه عافيته.
معاشر المسلمين! إن كل لحظة من لحظات حياة المسلم تتجسد فيها المسئولية بكل صورها أفراداً ومجتمعات.
روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
المسئولية في ديننا تعني: أن المسلم المكلف مسئول عن كل شيء جعل الشرع له سلطاناً عليه، أو قدرةً على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه، سواء أكانت مسئوليةً شخصيةً فردية، أم مسئوليةً متعددةً جماعية، فالمسئولية الشخصية هي: مسئولية كل فرد عن نفسه وجوارحه وبدنه وعلمه وعمله، عباداته ومعاملاته، ماله وعمره، أعمال قلبه وجوارحه، مسئولية لا يشاركه في حملها أحد غيره، فإن أحسن تحقق له الثواب، وإن أساء باء بالعقاب.
روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه).
فالمرء مسئول عن جوارحه، مسئول عن لسانه أن يلغ في أعراض الغافلين، أو أن ينقل الأراجيف والشائعات، مسئول عن قلبه أن يحمل الضغينة والشحناء والغل والحسد والبغضاء، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].
إن مسئولية تربية الأجيال وإعداد النساء والرجال مسئولية عظمى، يجب على المسلمين أن يولوها كل اهتمامهم؛ لأن مقومات سعادتهم أفراداً ومجتمعات منوطة بها.
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
ولذلك لا بد من الإعداد لها، لا بد من الإعداد للبرامج، وتضافر الجهود، وتولية الأكفاء، لتتم المسئولية التربوية سليمةً من تعثر الخطا بعيدةً عن التناقض.
فيا أيها المسلمون! ربوا أولادكم منذ نعومة أظفارهم على الإيمان بالله، واجعلوهم يستشعرون الأبعاد الحقيقية لكلمة التوحيد، فيكون إيمانهم نابعاً من يقين ومعايشة وإدراك لحقيقة الألوهية والربوبية، إن كثيراً من الأسر مع شديد الأسف لا تعنى كثيراً بتأصيل العقيدة، زاعمين أن التوحيد من المسلمات التي لا تحتاج إلى مزيد عناء، وذلك وايم الله توهين للأسس العقدية الصحيحة في نفس كثير من الأبناء، فعلى الأسرة أن تجتهد في تصحيح سلوكيات أبنائها، وغرس المثل الإسلامية في نفوسهم، وتأصيل العقيدة والأخلاق الحميدة التي جاء بها ديننا الحنيف، وليكن الأبوان قدوةً حسنة لأبنائهم، فلا يكون هناك تناقض بين ما يمارسونه من سلوك عملي وبين ما ينصحون به أبناءهم من كلام نظري.
وإنها لمسئولية عظيمة أن يبني الأبوان شخصية أبنائهم على أساس العقيدة الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، بالإيمان والهدى والخير والفضيلة يكونون أقوياء في مواجهة المؤثرات المحيطة بهم، لا ينهزمون أمام الباطل، ولا يضعفون أمام التيارات الفكرية الزائفة.
فيا أيها الآباء! اتقوا الله في أولادكم، وكونوا قدوةً لهم في الخير، وإياكم ثم إياكم أن تكون عملية التربية للخدم، فهم ضرر على الأسرة لما يحملونه في الغالب من أفكار وأخلاق وعادات ثبت في الواقع خطرها، وثبت لدى كل غيور شرها، أبعدوهم عن قرناء السوء، تابعوهم في جلواتهم وخلواتهم، كونوا الرقابة المقرونة بمشاعر المحبة والحنان والشفقة، وحذار أن تتسلل إلى الأسر ألوان من الغزو الفكري والأخلاقي الموجودة اليوم، فتهدم ما بنيتموه، وتنقض ما شيدتموه، نشئوهم على الخير والفضيلة والهدى، والبعد عن الرذيلة والردى.
عباد الله! كما تشمل المسئولية الأسرية حسن اختيار الزوجين على أساس الدين والأمانة والخلق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ، وبهذا الاختيار الحسن ينشأ جيل من الأفراد الصالحين، الذين يحققون العبودية الخالصة لله رب العالمين، ويقومون بأعباء الرسالة والدعوة، كما تتضمن المسئولية الأسرية حسن العشرة بين الزوجين، والقيام بالواجبات وأداء الحقوق، والتعاهد على التربية، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
فكيف يهنأ والد بالعيش وهذا الوعيد الشديد يطرق سمعه، وهذه العاقبة المحزنة تهدد أولاده، ألا فليتق الله القوامون على النساء من الأزواج والآباء، فليربوهن، وليأخذوا على أيديهن، وليلزموهن القرار في البيوت، والحجاب الشرعي، حتى لا يفتن ولا يفتتن بهن، وإن من الخطأ في الأمانة إهمال قضايا المرأة في حجابها وعفافها، والانسياق المحموم وراء الأزياء والموضات دون رقيب ولا حسيب، وتتضمن المسئولية الأسرية تسهيل أمور الزواج، وعدم المغالاة في الأمور وتكاليف الزواج والإسراف والتبذير.
عباد الله! ومن أعظم المسئوليات: مسئولية الكلمة، وأمانة الحرف، فليتق الله الكتّاب والموظفون وكتاب التقارير.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! ومن أعظم المسئوليات ما أوجبه الله عز وجل على عباده من واجبات، وحرم عليهم من محرمات، فالصلاة مسئولية عظيمة يجب على المسلم أن يقوم بها خير قيام، وأن يؤديها في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ويجب عليه أن يقوم على من تحت يده من الأولاد، يجب عليه أن يأمرهم بها لسبع، وأن يضربهم على ذلك لعشر، بل كما قال العلماء رحمهم الله: يجب على ولي الطفل أن يعلمه شروطها وأركانها.
الزكاة مسئولية عظيمة، يجب على المسلم أن يؤديها طيبةً بها نفسه لمستحقيها فور وجوبها، ومثل ذلك إذا كان على المسلم شيء من الكفارات والنذور فعليه أن يبادر بإخراجها، ومثل ذلك الصيام والحج، يجب على المسلم أن يبادر بإبراء ذمته.
ومن المسئولية العظيمة: حفظ الجوارح، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السمع، وكذا اليدان والرجلان، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
ومن المسئوليات العظيمة: مسئولية المال واكتسابه، فاحترزوا رحمكم الله من المكاسب الخبيثة من رشوة أو غش أو ربا أو بيع للمحرمات، أو انتقاص للعمل، حافظوا رحمكم الله على مسئولياتكم، وقوموا بها على الوجه الأكمل، يحصل لكم الهدى والسداد والسعادة في الدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وأن ترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم احفظ المسلمين والمسلمات في كل مكان، اللهم احفظهم بحفظك التام، واحرسهم بعينك التي لا تنام، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، واجعل اللهم تدميره في تدبيره، واجعل اللهم الدائرة عليه.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، اللهم وارض عن صحابة نبيك أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن بقية العشرة المبشرين، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر