هذه عدة فروق بين مسح الجبيرة وبين المسح على الخفين:
فالفرق الأول: أن الجبيرة يمسح فيها على الحدث الأكبر وفي الحدث الأصغر أيضاً.
وأما المسح على الخفين فإنه خاصٌ بالحدث الأصغر، فإذا أراد أن يغتسل للحدث الأكبر فإنه يجب عليه أن يخلع خفيه، كما ورد ذلك في حديث صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه: ( ولكن من بول أو غائط أو نوم ) فقط.
الفرق الثاني: أن يمسح على الجبيرة كلها.
أما بالنسبة للمسح على الخف فإنه لا يمسح عليه كله، وإنما يمسح على ظاهره بحيث يمر يده من أطراف الأصابع إلى ساقه.
الفرق الثالث: المسح على الجبيرة ليس مؤقتاً بمدة، وإنما يمسح إلى أن يخلع هذه الجبيرة، أو يبرأ ما تحتها.
أما المسح على الخفين فمدته محدودة للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، وعند الإمام مالك رحمه الله بأن المسح على الخفين مدته ليست محددة، وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله محددة إلا في حال الضرورة، وتقدم الكلام على هذه المسألة.
الفرق الرابع: لا يُشترط للمسح على الجبيرة على الصحيح تقدم الطهارة، فلو أن الإنسان وضع الجبيرة وهو على حدث فإن هذا صحيح ولا بأس به، بخلاف المسح على الخفين فإنه يُشترط لها تقدم الطهارة.
الفرق الخامس: المسح على الجبيرة عزيمة لا بد منها؛ لأن هذه الجبيرة مضطر إلى وضعها، فإذا كان كذلك فإنه يجب أن يمسح عليها، وأما المسح على الخفين فهو رخصة، إن شاء مسح وإن شاء ترك. كما قال المؤلف رحمه الله.
قال رحمه الله: [وهي رخصة له أن يمسح، وله أن يخلع، ويطهر ما كان مستوراً].
هذه خمسة فروق ذكرها المؤلف رحمه الله بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين.
هنا المؤلف فرق بين طهارة الحدث وطهارة الخبث.
فطهارة الخبث لا تشترط لها النية في إزالتها، وعلى هذا لو كان على ثوبه شيء من النجاسة فسقط في ماء، فطهره هذا الماء ولم ينو، أو سقط المطر عليه فطهره، فنقول: إنه يطهر ولا تشترط لطهارته النية.
أما بالنسبة لرفع الحدث فإنه تشترط له النية، سواء الحدث الأصغر، أو الأكبر، فلو أن الإنسان غسل أعضاء الوضوء وهو لم يرد رفع الحدث، وإنما قصد التبرد مثلاً، أو تعليم غيره... إلى آخره، فإنه لا يرتفع حدثه لعدم النية.
من الفروق بالنسبة للأمانات المالية كالزكاة، أو الكفارات، أو النذور.. ونحوها، أنها تشترط لها النية، فإذا أراد أن يعطي الفقير فلا بد أن ينوي أنها عن الزكاة الواجبة، أو عن الكفارة، أو عن النذر الواجب عليه؛ لأن الإنسان قد يخرج هذا المال وهو يقصد به التطوع، وقد يقصد به الهدية، وقد يقصد به عن الأمر الواجب عليه، فلا بد من النية التي تحدد.
أما بالنسبة للنفقات وأداء الديون، فتبرأ الذمة إذا حصلت ولو لم ينو، يعني: إذا أعطى زيداً ما يريد منه من نفقة إذا كان قريباً له، أو أعطاه ما يريد منه من دين إذا كان يريده منه، أو أُجبر وأخذت منه النفقة إكراهاً، وهو لم ينو ذلك، لكن أُخذت منه لكونه امتنع أن ينفق على قريبه، فنقول: بأن ذمته تبرأ، مع أنه لم ينو، وكذلك أيضاً في أداء الدين.
قال رحمه الله: [لكن الأجر والثواب فيها مرتب على النية لبراءة ذمته، والقيام بواجبه، والتقرب إلى الله بذلك].
نقول: تبرأ ذمته، لكن بالنسبة للأجر والثواب هذا لا بد له من النية، فمثلاً: في قضاء الديون أو الكفارات.. إلخ إذا امتنع من هذا الحق الواجب عليه فأخذ منه، فنقول: تبرأ ذمته، وما دام أنه لم ينو فإنه لا يحصل له الثواب.
إحداهما: أن العبادات لا بد أن يكون الشارع شرعها إيجاباً أو استحباباً، ومن تعبد بغير ما شرعه الله ورسوله فهو مبتدع، والعادات: الأصل فيها الإباحة، فلا يحرّم منها إلا ما حرمه الله ورسوله].
هنا فرق المؤلف رحمه الله بين العبادات والعادات بفرقين:
الفرق الأول: أن العبادات توقيفية، أي: متوقفة على النص، فلا يتعبد الإنسان بأي عبادة إلا بعبادة جاءت في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما بالنسبة للعادات فالأصل فيها الإباحة، مثل: ما يتعلق بالطعام، والشراب، واللباس، والركوب.. إلى آخره، فنقول: الأصل في مثل هذه الأشياء الإباحة ما لم تخالف الشرع.
قال رحمه الله: [والثانية: أن العبرة في العبادات بالنية، وبما في ظن المكلَّف، والمعاملات العبرة فيها بما في نفس الأمر، فلو تصرف تصرفاً ظنه صحيحاً فبان غير صحيح لم ينفعه ظنه، ولو تصرف تصرفاً صحيحاً وهو يظنه غير صحيح نفذ التصرف؛ لأن الشارع رتّب التصرفات على وجود أسبابها وطرقها، بقطع النظر عن نية المتصرف، وإن كانت نيته تؤثر فيها من وجه آخر بحسب ما قصده المتصرف وتوسل إليه].
الفرق الثاني بين العبادات والمعاملات: العبرة في العبادات بالنية، فالعبادة قائمة على النية، وأمرها مبنيٌ على حسب ما نواه الشخص، هل هذا تطوع، أو فرض؟
أما المعاملات فالعبرة فيها بما في نفس الأمر، دون قطع النية في شخص، فلو نوى أن يتصرف تصرفاً فاسداً في معاملة ما، ثم تصرف فيها بناءً على أنه فاسد، ثم تبين أن تصرفه صحيح، وأن الشروط قد اكتملت فنقول: هذا العقد صحيح.
والعكس بالعكس: لو تصرف وهو ينوي أنه تصرفٌ صحيح، ثم تبين أنه تصرف فاسد، فالعبرة بما في نفس الأمر، وهو أن هذا التصرف تصرفٌ فاسد، فلو قصد أن يعقد عقداً فاسداً ثم عقده فإذا هو صحيح فنقول: هو صحيح، فما دام توفرت الشروط فهو عقد صحيح، وما لم تتوفر الشروط فهو عقد غير صحيح، أما بالنسبة للعبادة: لو نوى أنها تطوع، فإنها لا تكون فرضاً، ولو نوى أنها فرض فإنها لا تكون تطوعاً.. إلى آخره.
ولهذا قال: [ولو تصرف تصرفاً صحيحاً وهو يظنه غير صحيح نفذ التصرف؛ لأن الشارع رتب التصرفات على وجود أسبابها وطرقها، بقطع النظر عن نية المتصرف، وإن كانت نيته تؤثر فيها من وجه آخر بحسب ما قصده المتصرف وتوسل إليه].
ذكر المؤلف رحمه الله أن النجاسة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مغلظة، مثل نجاسة الكلب، وهذا ظاهر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جعل في نجاسة الكلب الغسل سبع مرات إحداها بالتراب، لكن هنا قال المؤلف رحمه الله: والخنزير، فجعل نجاسة الخنزير كنجاسة الكلب مغلظة.
والصواب في ذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله من أن الخنزير نجاسته نجاسة متوسطة كسائر النجاسات وليست مغلظة، هذا هو الصواب، والنجاسات المتوسطة: هي التي يغسل فيها الإنسان -على الصحيح- حتى يغلب على ظنه أن المحل قد طهر؛ لأن النص إنما ورد في الكلب فقط، وأما وصف الله عز وجل له بأنه رجس فلا يلزم من ذلك أن تكون نجاسته نجاسة مغلظة، فالصواب: أن النجاسة المغلظة خاصة بنجاسة الكلب.
القسم الثاني: مخففة. كنجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ويكفي نضحه.
ودليله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وغيره من الأحاديث، وسيأتي النص.
وقال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك قيؤه ].
أيضاً أفاد المؤلف رحمه الله أن قيئ الصبي الذي لم يأكل الطعام نجاسته نجاسة مخففة يكفي فيه النضح، والصواب أن القيء كله طاهر، وأنه لا دليل على نجاسته، سواءٌ كان من الغلام أو من الجارية، أكل الطعام أو لم يأكل الطعام.
وقول المؤلف رحمه الله: [وكذلك يعفى عن الدم اليسير ونحوه].
والصواب أن يقال: يعفى عن سائر النجاسات سواءٌ كان دماً يسيراً أو غيره.
ودليل ذلك: حديث الاستجمار؛ فإنه مما لا شك فيه أن الإنسان إذا استجمر فإنه يبقى شيءٌ من أثر النجاسة، وهذا الأثر عفى عنه الشارع، فهذا يدل على أن النجاسة إذا كانت يسيرة فإنه يعفى عنها.
قال رحمه الله: [ومتوسطة: وهي باقي النجاسات، يكفي فيها على الصحيح أن تزول بأي شيء، وبأي عدد].
هذا مذهب أبي حنيفة -وهو الصواب-: أن النجاسة المتوسطة ليست مقيدة بعدد، بل يغسل الإنسان حتى يطهر المحل، يغسل غسلة، أو غسلتين، أو ثلاثاً.. إلخ، حتى يغلب على ظنه أن المحل قد طهر، وليس هذا مقيداً بسبع أو بعدد من الغسلات.
فالنجاسة تطهر بأي شيء، سواءٌ بالماء أو بغيره، أما رأي جمهور أهل العلم فالنجاسة لا تطهر إلا بالماء، والصواب أنها تطهر بأي شيء؛ لأن النجاسة عينٌ مستقذرة شرعاً، فإذا زالت بأي مزيل زال حكمها، فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فما دامت النجاسة موجودة فالأحكام المترتبة عليها موجودة، وما دامت غير موجودة فالأحكام المترتبة عليها غير موجودة.
قال رحمه الله: [أما المشهور من المذهب فلا بد فيها من سبع غسلات، إلا إذا كانت على الأرض فيكفي فيها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة وطعمها وريحها].
على المذهب النجاسة المتوسطة لا بد فيها من سبع غسلات، والصواب -كما تقدم لنا-: أنه لا يُشترط فيها العدد، وأن الإنسان يغسل حتى يغلب على ظنه أن المحل قد طهر ويكتفي بذلك، وأما الحديث الذي استدلوا به: ( أمرنا بغسل النجاسة سبعاً ) فهو غير ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
يذكر المؤلف أن الدماء ثلاثة أقسام:
القسم الأول: دماء نجسة، وهي دماء الحيوانات النجسة، وهذه لا يُعفى عن شيء منها، لا من القليل ولا من الكثير، فمثلاً: الحمار على القول بأنه نجس، إذا خرج منه دم فإنه لا يُعفى عن قليله ولا عن كثيره، وأيضاً الكلب إذا خرج منه الدم فلا يُعفى عن قليله ولا عن كثيره، وتقدم لنا أن الصواب في النجاسات أنه يُعفى عن يسيرها، سواءٌ كان ذلك فيما يتعلق بالدم أم بغيره، والأدلة على ذلك سائر أحاديث الاستجمار؛ فإنها دلت على العفو عن يسير النجاسات.
القسم الثاني: دماء طاهرة، وهي دماء الحيوانات المأكولة إذا ذُبحت، فما يبقى من الدم في العرق وفي اللحم بعد التذكية الشرعية طاهر، سواءٌ كان قليلاً أو كثيراً.
القسم الثالث: ما عدا ما سبق مما ذكره المؤلف رحمه الله، وحكمه: أنه نجس، فيشمل الدم الخارج من الحيوانات الطاهرة، فمثلاً: إذا انجرحت الشاة، أو البعير، أو البقرة.. أو نحو ذلك، فهذا الدم الخارج من الجرح نجس، وكذلك لو ذُكّيت، فما خرج من دم فهو دمٌ مسفوح نجس.
ويشمل كلام المؤلف رحمه الله دم الإنسان فهو أيضاً نجس، فلو انجرحت يد رجل ثم خرج منها دم أو حصل له رعاف فعلى كلام المؤلف رحمه الله يكون نجساً، وهذا موضع خلاف؛ فجمهور أهل العلم على أنه نجس، وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه طاهر، وهذا هو الصواب؛ لعدم الدليل على نجاسته، إلا ما يخرج من الفرج فإنه نجس.
هذا فرقٌ صحيح بين الحج والعمرة وغيرهما من العبادات، فالحج والعمرة يصحان من الصبي مطلقاً سواءٌ كان مميزاً أو غير مميز، ووليه ينوي عنه إذا كان غير مميز، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن امرأة رفعت للنبي عليه الصلاة والسلام صبياً فقالت: ألهذا حجٌ؟ قال: نعم، ولك أجر )، وإن كان مميزاً ينوي بنفسه إذا أذن له وليه.
أما بالنسبة لبقية العبادات كالوضوء، والغسل، والصلاة.. ونحو ذلك، فهذه لا بد لها من النية، والنية يُشترط لصحتها التمييز.
غليظة، وهي عورة المرأة المكلفة الحرة، فكلها عورة إلا وجهها].
ذكر المؤلف أن العورة في الصلاة ثلاثة أقسام، ثم بدأ بالقسم الأول: عورة غليظة وهي عورة المرأة في الصلاة.
وقول المؤلف رحمه الله: المكلفة: أي: البالغة، العاقلة.
وقوله: [الحرة]. هذا فيه نظر، فالأصل تساوي الأرقاء والأحرار إلا لدليل.
وقوله: [فكلها عورة إلا وجهها]، هذا دليله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة حائض -أي: بالغة- إلا بخمار ) فدل ذلك على أن المرأة لا بد أن تستر شعرها بالخمار.
وقوله: [إلا وجهها]، هذا فيه نظر، والصحيح: أن الوجه يجوز إبداؤه في الصلاة، وكذلك الكفان والقدمان، فلو أن المرأة صلت وقد أظهرت كفيها وقدميها فإن هذا صحيح.
ويدل لذلك حديث أسماء رضي الله تعالى عنها أنها قالت للنبي عليه الصلاة والسلام: ( يا رسول الله! إحدانا يصيب ثوبها دم الحيض أتصلي فيه؟ ) فدل ذلك على أن المرأة تصلي في ثوبها، وثياب نساء الصحابة الكم إلى الرسغ يعني: إلى أول الكف، وأما من جهة الأسفل فهو إلى الكعب.
قال رحمه الله: [وخفيفة: وهي عورة الذكر دون عشر سنين، فهي العورة وحدها].
يعني: العورة الخفيفة هي عورة الذكر دون عشر سنوات، أي: من حد التمييز إلى عشر سنوات، وفي المذهب يقولون: عورته السوءتان: القبل، والدبر. يعني: لو أن له ثمان سنوات وصلى وقد ستر فرجيه قبله ودبره فصلاته صحيحة، حتى لو بان فخذه، أو بان ما فوق السوءتين.
قال رحمه الله: [ومتوسطة وهي ما عدا ذلك من السرة إلى الركبة للرقيقة مطلقاً، وللحرة دون البلوغ، وإن بلغ -الظاهر: ومن بلغ- عشراً فما فوقها. والله أعلم].
العورة المتوسطة تكون للرقيقة مطلقاً سواءٌ كانت صغيرة أو كبيرة، والصواب في ذلك: أن الحرة كالرقيقة.
وقوله: [وللحرة دون البلوغ]. يعني: أن الحرة التي لم تبلغ فعورتها ما بين السرة والركبة، وهذا أيضاً فيه نظر، والصواب: أنها تتستر، لكن يُفهم من الحديث أن الحرة التي لم تبلغ لا يجب عليها أن تغطي رأسها؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )، فيُفهم منه أن غير البالغة لا بأس أن تصلي وقد كشفت رأسها، أو كشفت كفيها، أو قدميها، لكن القول بأن عورتها ما بين السرة والركبة، هذا فيه نظر.
قال رحمه الله: [ومن بلغ عشراً].
أيضاً: من بلغ عشراً أو أقل من عشر -كما في القسم الثاني الذي ذكره المؤلف- الصواب: أن عورتهم واحدة، وأنها من السرة إلى الركبة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر