الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[ثم الوهم إن اطلع عليه في القرائن وجمع الطرق فالمعلل، ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن ].
تقدم لنا الحديث الموضوع، وذكرنا تعريف الوضع، وحكم الوضع، والأسباب الحاملة على الوضع، وذكرنا أيضاً جملة من الكتب التي ألفت في الموضوعات، وممن اشتهر بالوضع: عبد الكريم بن أبي العرجاء يقول: وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحلل الحرام، وأحرم الحلال. قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: تعيش لها الجهابذة. يعني: تبينها، وفعلاً عاشت لها الجهابذة، وميزوا الحديث الصحيح من الحديث الموضوع، ميزوا المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً منهم غلام الخليل ، هذا أحد الزهاد، وكان لا يأكل اللحم، ويقتات الباقلاء، ولما مات أغلقت حوانيت بغداد تبعاً لجنازته؛ وضع أحاديث قال: نرقق بها قلوب العامة.
تقدم الموضوع، والمتروك، والمنكر، والرابع المعلل: (ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن، وجمع الطرق فالمعلل)، المعلل: اسم مفعول من أعله بكذا فهو معل، وأما في الاصطلاح تقدم لنا تعريف العلة عندما تكلمنا على شروط الحديث الصحيح، وقلنا بأنها: وصف خفي غامض يقدح في صحة الحديث، وعلى هذا فالمعلل: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها.
وكيف يطلع على العلة؟ قال المؤلف رحمه الله: (بالقرائن وجمع الطرق)، لا يمكن أن تطلع على العلة في الحديث إلا إذا جمعت طرق الحديث، وأيضاً إقامة القرائن على ذلك، فعندنا أمران لا بد منهما:
الأمر الأول: وجود القرينة.
والأمر الثاني: جمع الطرق.
وجمع الطرق هذا مهم جداً في معرفة علل الحديث، يقول ابن المديني رحمه الله تعالى: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه.
وكذلك الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى يقول: السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع طرقه، وينظر اختلاف رواته، ويعتبر مكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان.
فلا بد من جمع الطرق وأيضاً لا بد من القرائن، والقرائن: هي ما يتعلق باختلاف الرواة من حيث الإتقان، والحفظ، وكثرة العدد، والضبط، وزيادة التوثق... إلى آخره، إذا توفرت مثل هذه الأشياء فإنه يتمكن من معرفة الحديث المعلل، فنفهم هاتين المسألتين:
المسألة الأولى: أن الحديث المعلل إنما هو خاص بحديث الثقات.
والمسألة الثانية: أنك لا تعرف العلة في الحديث إلا عن طريق أمرين:
الأمر الأول: القرائن، كما ذكرنا فيما يتعلق باختلاف الرواة من حيث الضبط، والحفظ، والإتقان، وزيادة العدد... إلى آخره، وأيضاً ملازمة الشيخ والأخذ عنه، فهذه كلها قرائن تفيدك في معرفة العلة في الحديث.
الأمر الثاني: جمع الطرق، لا بد من جمع الطرق، فإذا جمعت الطرق يتبين لك الحديث المعلل من غيره، وهذا لعله يأتينا النظر بذلك بأمثلة بإذن الله.
وأما في الاصطلاح: فهو ما غير سياق إسناده، أو أدخل في متنه ما ليس منه.
القسم الأول: مدرج المتن، وهذا هو الذي اهتم به العلماء رحمهم الله تعالى.
القسم الثاني: مدرج الإسناد، ومدرج الإسناد تحته صور، والحافظ رحمه الله ذكر له أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف، ومن أمثلة هذه الصورة التي ذكرها الحافظ رحمه الله تعالى: ما رواه الترمذي رحمه الله تعالى من حديث الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال: ( قلت: يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ ).
الحافظ يقول في الشرح بأن رواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش ؛ لأن واصلاً لم يذكر عمراً بل رواه عن أبي وائل عن عبد الله ، فهذا القسم جماعة يروون الحديث بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف كما تقدم.
القسم الثاني من أقسام مدرج الإسناد: أن يسوق الإسناد فيعرض له عارض، فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن أن ذلك من الإسناد، فيرويه كذلك.
ومثاله: ثابت بن موسى دخل على شريك بن عبد الله وهو يملي ويقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سكت، فلما نظر إلى ثابت قال: ( من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار )، فظن أن ذلك من الحديث، فأضيف وأدرج في الإسناد.
بقيت صورتان من صور المدرج في الإسناد إلى الدرس القادم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر