الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[والثالث إن كان باثنين فصاعداً مع التوالي فهو المعضل، وإلا فالمنقطع، ثم قد يكون واضحاً، أو خفياً، فالأول يدرك بعدم التلاقي، ومن ثم احتيج إلى التاريخ، ثم الطعن].
هناك سقط عند قوله: (ثم احتيج إلى التاريخ) وهو قوله: [والثاني: المدلس، ويرد بصيغة تحتمل اللقي كعن وقال، وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق].
قول المؤلف رحمه الله تعالى: (فالأول معلق، والثاني مرسل)، تقدم لنا تعريف المعلق، وكذلك تقدم لنا تعريف المرسل.
أيضاً بقي أن ننبه على مسألة: وهي أن مراسيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم حجة؛ لأن الصحابة عدول، فإذا روى الصحابي عن صحابي آخر وأسقطه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحديثه حجة؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عدول.
والإمام أبو حاتم في كتابه (المراسيل) بنى غالب كتابه على ما سقط منه التابعي وبقي الصحابي، وهذا نوع من أنواع المنقطع؛ فالصحابي موجود، لكنه أسقط التابعي، أو سقط منه التابعي، فغالب هذه الصور جعلها من المرسل، وهو من المنقطع.
المعضل في اللغة: من أعضله أي: أعياه.
وأما في الاصطلاح: فهو ما سقط منه اثنان من وسط الإسناد على سبيل التوالي؛ لأنه إذا كان من أول الإسناد معلق، أو من آخر الإسناد مرسل، فالمعضل بين المعلق وبين المرسل، وهو: ما سقط منه اثنان من وسط الإسناد على سبيل التوالي.
ومن أمثلته: ما رواه الحاكم بسنده عن القعنبي عن مالك أنه بلغه عن أبي هريرة مرفوعاً: ( للمملوك طعامه وكسوته ). سقط منه راويان وهو محمد بن عجلان عن أبيه. إذاً: المعضل هو ما سقط من وسط الإسناد اثنان على سبيل التوالي.
الانقطاع في اللغة: ضد الاتصال.
والانقطاع: هو ما سقط منه واحد من وسط الإسناد، أو اثنان لا على وجه التوالي. ومثال المنقطع: ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة مرفوعاً: ( إن وليتموها
قال رحمه الله: (ثم قد يكون واضحاً أو خفياً، فالأول يدرك بعدم التلاقي ومن ثم احتيج إلى التاريخ)، لما بين المؤلف رحمه الله تعالى السقط من حيث الموضع، بين رحمه الله تعالى السقط من حيث الوضوح والخفاء، فقال بأن السقط من حيث الوضوح والخفاء ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: سقط جلي.
والقسم الثاني: سقط خفي.
السقط الجلي. قال: (يدرك بعدم التلاقي) يعني: الراويان لم يتعاصرا، ولم يتلاقيا، أو أنه لم تكن هناك معاصرة بين الراويين، أو أن الراوي ولد بعد وفاة المروي عنه هذا سقط واضح جلي، فقال: (يدرك بعدم التلاقي لكونه لم يعاصره، أو ولد بعد وفاته، ومن ثم احتيج إلى التاريخ) ولهذا العلماء رحمهم الله كتبوا في تواريخ الرواة مواليدهم، ووفياتهم، وتواريخ البلدان، واللقي ونحو ذلك، قال الثوري رحمه الله تعالى: لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا التاريخ، فقد يدعي أنه روى عن هذا الشيخ، وهو لم يرو عنه، يعرف ذلك بعدم التعاصر، أو يعرف ذلك بعدم اللقي، أو يعرف ذلك بأنه ولد بعد وفاته.. إلى آخره.
التدليس في اللغة: مأخوذ من الدلسة، وهي الظلمة، والتدليس يقسمه أهل الاصطلاح إلى ثلاثة أقسام:
تدليس الإسناد، وتدليس التسوية، وتدليس الشيوخ.
تدليس الإسناد: هو رواية الراوي عن شيخه ممن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه. يعني: بلفظ يحتمل السماع كعن. يعني: أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع من شيخه؛ لكن هذا الحديث لم يسمعه منه، ولم يصرح أنه سمعه منه؛ لكن أتى بصيغة موهمة، فهذا تدليس الإسناد.
فأصبح عندنا الفرق بين تدليس الإسناد والمرسل الخفي: أن تدليس الإسناد سمع، وأما المرسل الخفي فحصل اللقي كأن يلقاه في المسجد ونحو ذلك، وحصلت المعاصرة؛ لكنه لم يسمع منه؛ ولهذا قال: (وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلقه من حدث عنه)، حصلت المعاصرة لكن لم يحصل شيء من السماع، أو حصل اللقي لكن ما حصل شيء من السماع. وهذا ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
والرأي الثاني في المسألة: قالوا بأن تعريف المرسل الخفي في هذه الصورة إنما هو من تدليس الإسناد، وأنه إذا روى عمن عاصره ولم يلقه مظهراً عدم السماع. وهذا رأي المعلمي رحمه الله تعالى، أن يروي عن من عاصره ولم يلقه مظهراً عدم السماع، أو روى على غير سبيل الإيهام.
بقي عندنا نوعان من أنواع التدليس: تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ إن شاء الله، أيضاً الحكم على المدلس، وحديث المدلسين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر