إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
تكلمنا في الدرس السابق عما يتعلق بالمسابقات العلمية، وأشرنا إلى طرف من خلاف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة، وأن هذه المسابقات تُلحق بالقسم الأول وهو القسم المشروع الذي يجوز أخذ العوض عليه مطلقاً، أو أنه يُلحق بالقسم الثاني، وأن هناك خلافاً بين الحنفية وجمهور أهل العلم رحمهم الله، وأشرنا إلى دليل كل منهم.
ثم بعد ذلك تطرقنا إلى بعض مسائل الإجارة المنتهية بالتمليك، وذكرنا تعريفاً لها وتاريخ نشأتها، وذكرنا أن تعريف الإجارة المنتهي بالتمليك هو: تمليك منفعة مدة معلومة يتبعه تمليك العين بعوض معلوم... إلى آخره.
وأشرنا إلى بعض المسائل المترتبة على هذه المسألة، فذكرنا من هذه المسائل الشرط في العقد، وأن ما يشترطه أحد المتعاقدين مما له فيه منفعة ينقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: شرط صفة. وهذا جائز باتفاق الأئمة.
القسم الثاني: شرط يقتضيه العقد. وهذا جائز باتفاق الأئمة.
القسم الثالث: شرط مصلحة العقد. وهذا أيضاً جائز بالاتفاق.
القسم الرابع: شرط المنفعة، وذكرنا خلاف أهل العلم فيه، وأن الصواب جوازه.
ثم تطرقنا أيضاً لحكم اشتراط عقد في عقد، وأشرنا إلى أن جمهور أهل العلم يمنعون من ذلك.
والرأي الثاني وهو رواية عند الحنابلة واختاره شيخ الإسلام وابن القيم ، والسعدي أن هذا جائز.
والمسألة الثالثة: حكم تعليق عقد البيع على شرط مستقبل، ذكرنا أيضاً الخلاف في هذه المسألة، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى جواز ذلك.
والمسألة الرابعة: حكم تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل، وأيضاً أشرنا إلى الخلاف في هذه المسألة، وأن الصواب في هذا أنه جائز، وإذا جاز تعليق عقد المعاوضة فعقد التبرع من باب أولى.
وتطرقنا أيضاً للمسألة الأخيرة، وهي: حكم الوعد والإلزام به، وأيضاً ذكرنا في ذلك ثلاثة آراء، وأن جمهور أهل العلم يقولون: الوفاء بالوعد مستحب ولا يجب.
وذكرنا قول الإمام مالك رحمه الله وهو أنه إذا دخل الموعود في ورطة فإنه يجب على الواعد أن يوفي بوعده، وإذا لم يدخله في ورطة فإنه لا يجب عليه.
وذكرنا الرأي الثالث: أن الوفاء بالوعد واجب مطلقاً، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الذي تعضده الأدلة.
عندنا الآن ما يتعلق بأقسام الإجارة المنتهية بالتمليك، وحكم كل قسم من هذه الأقسام.
والإجارة المنتهية بالتمليك تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
وهذه الصورة جائزة؛ لأنها في حقيقتها عقد إجارة، فالمؤجر أجر المستأجر هذه العين ووعده وعداً غير ملزم أن يهبه هذه العين في نهاية مدة الإجارة، أو أن يبيعها عليه، فهذا جائز ولا بأس به، وحقيقة هذا العقد أنه عقد إجارة فقط.
مثال ذلك: أن يكون هناك اتفاق بين مستأجر ومؤجر على استئجار مولدات كهربائية لمدة عشر سنوات، كل سنة بكذا وكذا، فهذا عقد إجارة مع وعد من المؤجر للمستأجر أن يملكه هذه العين بعد انتهاء مدة الإجارة، فإذا انتهت مدة الإجارة فإن المؤجر يهب المستأجر هذه العين، إما لأن العمر الافتراضي لهذه الآلة قد انتهى، يعني أن هذه الآلة قد استهلكت، أو أن نقل هذه الآلات سيترتب عليه كلفة مالية قد تكون مساوية لهذه الآلات، أو تكون أكثر من قيمة هذه الآلات، فيقوم بهبة هذه الآلات للمستأجر، أو يقوم ببيعها له.
فحقيقة هذا العقد أنه عقد إجارة فقط، ولا يقترن به عقد بيع، فمثل هذا جائز؛ لأن الأصل في عقود الإجارة الجواز والحل.
فتلخص لنا أن القسم الأول وهو القسم الجائز: أن يُبرم عقد إجارة حقيقي على استئجار عين مدة معينة بأجرة معلومة مقسطة، يتبع هذا تمليك للعين لكنه تمليكٌ غير ملزم.. يعني: وعدٌ بالتمليك غير ملزم، فهذا جائز ولا بأس به، وهو في حقيقته عقد إجارة، وذكرنا مثالاً لذلك.
الأمر الأول: زيادة القسط على أجرة المثل.
الأمر الثاني: أن المستأجر يتحمل جميع تبعات الهلاك والتلف لهذه العين؛ سواءٌ تعدى أم لم يتعد، فرط أم لم يفرط، وسواءٌ فيما يتعلق بنفقات الصيانة أم بغيرها من النفقات التشغيلية لهذه العين.
الأمر الثالث: أن المستأجر إذا قصّر في دفع القسط -الأجرة- الواجب عليه، فإن المؤجر يستحق سحب العين منه؛ باعتبار أن هذه العين ملك له، ولا يعوّض المستأجر عن المبالغ الزائدة على أجرة المثل.
الأمر الرابع: إذا تم سداد الأقساط من قِبل المستأجر فإن العين المؤجرة تنقلب إلى ملك المستأجر.
هذه أمور أربعة تعتري القسم الثاني.
فتلخص لنا في القسم الثاني الممنوع: أنه عقد إجارة بأقساط معلومة، لكن هذا العقد يعتريه أربعة أمور:
الأمر الأول: أن هذه الأقساط زائدة على أجرة المثل.
الأمر الثاني: أن المستأجر يتحمل جميع تبِعات التلف والهلاك الذي يحصل لهذه العين؛ سواءٌ تعدى أم لم يتعد، فرّط أم لم يفرِّط، وسواءٌ فيما يتعلق بأجرة الصيانة أو أجرة التشغيل... إلى آخره.
الأمر الثالث: أن المستأجر إذا قصّر في هذه الأجرة المقسطة، فإن المؤجر يستحق أن يسحب منه العين المؤجرة؛ باعتبارها ملكاً له، ولا يعوّض المستأجر عن المبالغ الزائدة على أجرة المثل التي دفعها.
الأمر الرابع: أنه إذا انتهت مدة سداد الأقساط فإن العين تنقلب ملكاً للمستأجر.
هذا القسم ممنوع، ووجه المنع أنه توارد عقدان على عين واحدة: عقد إجارة، وعقد بيع.
عقد إجارة: لأن المؤجر يستحق سحب هذه العين من المستأجر إذا قصّر في دفع الأقساط، فدل على أن المستأجر لم يملك الآن، وإنما هو عقد إجارة، بدليل: أن المؤجر يستطيع أن يسحب هذه العين من المستأجر إذا قصّر في دفع الأقساط، أو قصّر في دفع بعضها، فدل ذلك على أن هذا العقد عقد إجارة، وأن المستأجر حتى الآن لم يملك العين.
وكذلك أيضاً مما يدل على أنه عقد إجارة: أن المؤجر يستحق الأجرة كاملة وهي الأقساط التي يدفعها المستأجر.
أيضاً هو في نفس الوقت عقد بيع؛ لأن المستأجر يتحمل ضمان تلف هذه العين وهلاك هذه العين، يعني: كل تبعات التلف والهلاك الذي يحصل لهذه العين يتحمله المستأجر.
فيجتمع الآن عليه عقد إجارة؛ لأنه ما ملك العين، وعقد بيع؛ لأنه في صورة تضمين المستأجر ما كان عقد إجارة إنما هو عقد بيع، لأن المستأجر تحمل جميع تبعات هذا التلف الذي يحصل لهذه الآلة والهلاك، فإذا تلفت هذه السيارة يكون من ضمان المستأجر، إذا حصل فيها شيء من التلف يصير من ضمان المستأجر، إذا احتاجت إلى تغيير إطارات بسبب الاستعمال يكون من ضمان المستأجر.
لو كان عقد إجارة لا يستقيم هذا، بل تكون هذه الأشياء من ضمان المؤجر، فالأصل أن المستأجر لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرّط.
إذا تعدى بأن فعل شيئاً لا يجوز له، أو فرّط بأن ترك شيئاً يجب عليه.. هنا يضمن، وما عدا ذلك فإنه لا يضمن.
فلما توارد على هذه العين عقدان مختلفان: عقد البيع، وتبين لنا كيف عقد البيع؟ بأن التضمين لاحق بالمستأجر، ولو كان عقد إجارة لكان التضمين للمؤجر صاحب العين، فكما نلزم المستأجر أن يصلح الإطارات، أو أن يضمن تلف العين.. إذا تلفت تكون من ضمانه، أو حصل عليها ولم يتعد ولم يفرّط تكون من ضمانه... إلى آخره، هذا أصبح عقد بيع.
وكون المؤجر يملك سحب هذه العين إذا قصّر المستأجر في دفع الأقساط؛ فإن هذا يدل على أنه حتى الآن ما ملك، وأنه عقد إجارة، فباعتبار التضمين جعلناه بيعاً، وباعتبار تقصيره أيضاً أصبح عقد إجارة.
فلما توارد هذان العقدان على هذه العين وهذان العقدان أحكامهما مختلفة وآثارهما متباينة لم يصح هذا العقد.
عقد البيع يختلف عن عقد الإجارة، فعقد البيع الملك -ملك العين- يكون للمشتري، والضمان يكون على المشتري.
وعقد الإجارة الملك للمؤجر، وضمان العين على المؤجر؛ ما لم يتعد المستأجر أو يفرِّط، فكيف نجمع على هذا الشرط الذي استأجر؟
نجمع عليه الضمان، يعني تبعات عقد البيع، ونجمع عليه أيضاً تبعات عقد الإجارة، فهو الآن ضمن هذا المستأجر، جمعنا عليه تبعات عقد البيع بحيث أننا ضمناه، وجمعنا أيضاً عليه تبعات عقد الإجارة؛ بحيث أنه لما قصّر سحبنا منه هذه السلعة، فهو يضمن هذه السلعة باعتبار أنه مالكاً، وهو ليس مالكاً، وإذا قصّر سحبناها منه.
فلما توارد هذان العقدان على هذه العين أصبحت ممنوعة من هذا الوجه؛ لأن هذا فيه ظلم وإجحاف لهذا المستأجر؛ بحيث إنه ليس مالكاً فتسحب منه السلعة إذا قصّر، وأيضاً ليس مستأجراً تمام عقد الإجارة بحيث إنه لا يضمن.
فاجتمع عليه تبعات عقد البيع واجتمع عليه أيضاً تبعات عقد الإجارة، فكان في هذا ظلمٌ للمستأجر وضرر عليه.
وتقدم لنا من الضوابط: منع الظلم، ومنع الغرر.
ولهذا جاءت الفتاوى بتحريم مثل هذه الصورة، ففتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة رقم (198) أفتت بتحريم هذه الصورة، وكذلك أيضاً مجمع الفقه الإسلامي في جلسته الثانية عشرة أفتى بتحريم هذه الصورة.
كما ذكرنا أن هذه الصورة تضمنت الظلم والغرر لهذا المستأجر؛ حيث حملناه تبعات عقد البيع، وحملناه أيضاً تبعات عقد الإجارة.
قال بعض الباحثين هذه الصورة حقيقتها بيع بالتقسيط، لكن طمع المؤجر حمله على أن يستقل مزايا عقد الإجارة، ومزايا عقد البيع جميعاً لنفسه، وذلك بتحميل تبعات عقد الإجارة وعقد البيع المستأجر، فيكون في هذا ظلم وضرر، فيكون ممنوعاً منه.
الضابط الأول: أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك المؤجِّر لا على المستأجر.
ونستثني من ذلك شيئين:
الشيء الأول: إذا تعدى أو فرّط المستأجر فالضمان عليه.
الشيء الثاني: ما يتعلق بالنفقات التشغيلية. نقول: الضمان على المستأجر، مثلاً: نفقات الزيت، أو البنزين... إلى آخره.
وما عدا ذلك من تلف العين، أو هلاكها، أو تلف بعضها أو ما تحتاج إلى صيانة... أو غير ذلك، فالأصل أن يكون ذلك على المالك المؤجر؛ لأن العين المستأجرة -كما يقول العلماء- إنها أمانة في يد المستأجر لا ضمان عليه، إلا إذا تعدى أو فرّط.. فإنه يضمن، وإذا لم يتعد ولم يفرّط فإنه لا ضمان عليه. هذا الضابط الأول.
الضابط الثاني: أن المستأجر إذا قصّر في دفع الأقساط المتفق عليها بين المؤجر والمستأجر، فإنه يرد له ما زاد على أجرة المثل، فقد تكون أجرة المثل في هذه السيارة في الشهر خمسمائة ريال، يأخذ منه المؤجر ألف ومائتي ريال كل شهر، فإذا قصّر المستأجر في دفع هذه الأقساط للمؤجر بناءً على أنه عقد إجارة، فللمؤجر أن يسحب منه هذه العين، لكن يجب على المؤجر أن يرد على المستأجر ما زاد عن أجرة المثل.
الضابط الثالث: ما يتعلق بالشرط الجزائي.. للمؤجر أن يشرط على المستأجر شرطاً جزائياً؛ يعوضه عن الضرر الذي يلحقه مقابل عدم إتمام العقد.
ويكون هذا الشرط الجزائي بقدر ما حصل عليه من الضرر، فيُنظر كم حصل عليه من الضرر مقابل عدم إتمام هذا العقد، يُدفع إليه، وما زاد على ذلك فإنه لا يدفع إليه.
وهذا هو الصواب فيما يتعلق بالشرط الجزائي.. نقول: يصح اشتراطه مقابل الضرر الذي يلحق المشترط، أما ما زاد على ذلك فإنه ليس له أن يأخذه.
وبهذا أفتت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية.
إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة أصبح عقد إجارة.
اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله، وهذا الخلاف ينبني على المسائل التي ذكرنا، فذهب بعض العلماء إلى منع هذا العقد مطلقاً؛ بناءً على أن جمهور أهل العلم يمنعون اشتراط عقد في عقد، ويمنعون تعليق عقد البيع على شرطٍ مستقبل، ويمنعون تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل، وأن الوفاء بالوعد غير لازم، فإذا كان غير لازم لأنه لم يف به لم يحصل المقصود من هذا العقد.
فالرأي الأول قالوا: حتى ولو ضُبط بهذه الضوابط فإنه ممنوع، ودليل المنع ما تقدم، قالوا: شرط عقد في عقد. والجمهور يمنعونه، تعليق عقد البيع على شرط مستقبل، تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل، أن الوفاء بالوعد غير لازم.
والرأي الثاني: أن هذا القسم جائز ولا بأس به، ما دام أنه يُضبط بهذه الضوابط التي ذكرناها.
وأما اشتراط عقد بعقد، أو تعليق عقد البيع على شرط مستقبل، أو تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل... إلى آخره، فقد تقدم أن الصواب أن هذا جائز ولا بأس به، يعني: لا بأس أن الإنسان يشترط عقداً في عقد آخر.
فعقد الإجارة يُشترط في عقد البيع، وهذا لا بأس به، وأيضاً لا بأس أن المؤجر يقول: إذا سددت الأقساط أبيعك السيارة، عقد البيع هنا على شرط مستقبل أو تسديد الأقساط، هذا لا بأس.
أيضاً لا بأس أن يقول المؤجر: إذا سددت الأقساط وهبتك السيارة، هذا عقد هبة مبني على شرط مستقبل.
وتقدم أن اشتراط عقد في عقد جائز، وأن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل جائز ولا بأس به، وكذلك أيضاً تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل جائز ولا بأس به، وأيضاً تقدم أن الوعد يجب الوفاء به.. فالمؤجر إذا وعد المستأجر وقال: إذا أتممت الأقساط بعتك السيارة، وهبتك السيارة؛ فإن الوفاء بالوعد واجب ويجب عليه أن يلتزم به صيانة وقضاء، وأن هذا القول هو الصواب.
فإذا توفرت هذه الشروط، وتوفرت هذه الضوابط، وتبين لنا أيضاً المسائل السابقة التي رُتّبت على هذه المسألة، وأن هذه كلها جائزة ولا بأس بها، أصبح هذا العقد صحيحاً.
الصورة الأولى: عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة.
قالوا: هذه صورة لا بأس بها وجائزة، يعني: يعقد عقد الإجارة ويعد المؤجر المستأجر -الذي أخذ هذه السيارة بالأقساط- أنه يملكه إياها في نهاية المدة، وهناك ثمن على أنه يملكه إياها بدفعة قدرها كذا وكذا، فهنا مجمع الفقه الإسلامي بجدة أفتوا بجواز هذه الصورة، ما دامت توفرت الضوابط الثلاثة السابقة.
الصورة الثانية: عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة بسعر السوق.
يعني: يتفقان على الأقساط، ويتفق المؤجر والمستأجر على أنه في نهاية هذه الأقساط يقوم المؤجر بعقد البيع للمستأجر، لكن بسعر السوق، كم تساوي الآن السيارة؟ فيبيعه هذه السيارة، فهذه أيضاً أجازها مجمع الفقه الإسلامي.
وأيضاً: البيع بسعر السوق هذا موضع خلاف، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى جوازه، فلو قال مثلاً: اشتريت منك السلعة بما يتبايع به الناس، أو بما ينتهي إليه السوم، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن مثل هذا جائز ولا بأس به.
الصورة الثالثة: عقد إجارة مقرونٌ بوعد الهبة.
يعني: يعقد له على هذه السيارة بهذه الأقساط إلى آخره، ويعد المؤجر المستأجر على أنه إذا أتم سداد الأقساط فإنه يهبه هذه السيارة، أو يهبه هذه المحركات، أو المولدات... أو غير ذلك.
فهنا مجمع الفقه الإسلامي قالوا بأن هذا جائز ولا بأس به.
الصورة الرابعة: عقد إجارة مقترن بهبة معلقة على شرط وهو سداد الأقساط.
يعني: في الصورة السابقة وعده بأن يملكه، وفي الصورة الأخيرة جعل التمليك في الهبة مبنياً على سداد الأقساط، يعني: إذا قمت بتسديد الأقساط في مواعيدها فإنني أملكك هذه السيارة. فهذه الصورة أيضاً أجازها مجمع الفقه الإسلامي.
الصورة الخامسة: عقد إجارة، وللمستأجر في نهاية المدة ثلاثة خيارات:
الخيار الأول: أن يقوم برد السلعة إلى المؤجر.
الخيار الثاني: أن يتملك هذه السلعة بثمن يتفقان عليه.
الخيار الثالث: الاستمرار في عقد الإجارة.
وهذه الصورة أيضاً أجازها مجمع الفقه الإسلامي.
هذا ما يتعلق بهذه المسألة وهي مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك.
القسم الأول: جائز. وهو عقد إجارة حقيقي على عين معلومة، بأقساط معلومة، يتبع ذلك تمليك لهذه العين بوعد غير ملزم، يعني: يستأجر منه هذه السيارة، أو يستأجر منه هذه المعدات، ويتبع هذا أن يملك المؤجر المستأجر هذه العين، لكن ليس هناك وعد ملزم بينهما.. إن أراد المؤجر أن يملكه ملكه، وإن أراد أن لا يملكه لا يملكه، لكن يتفقان على أن هناك وعداً لا يلتزمه المؤجر. وضربنا لذلك مثلاً.
القسم الثاني: الممنوع. وهو التي يتوارد عقدان على عين واحدة: وهو عقد البيع، وعقد الإجارة.
وذكرنا سبب المنع وهو ظلم المستأجر؛ لأن المستأجر يتحمل تبعات عقد البيع، وأنه ضامن لما يحصل من التلف والهلاك في هذه العين كلها أو بعضها، مع أنه لم يتعد ولم يفرّط، فالأصل أنه لا ضمان عليه، فهو يتحمل تبعات عقد البيع، مع أنه ما ملك، ويتحمل أيضاً تبعات عقد الإجارة.. بحيث أن هذه السلعة إذا لم يسدد هذه الأقساط فإنه يقوم المؤجر بسحبها منه؛ بناءً على أنها ملكٌ له.
فطمع المؤجر حمله على أن يستغل المستأجر، ويلحقه تبعات عقد البيع وتبعات عقد الإجارة، ولهذا قلنا بأن هذه الصورة محرمة ولا تجوز.
ومع الأسف أن هذه منتشرة كثيراً، وقلنا بأن الفتاوى صدرت بتحريمها كفتوى هيئة كبار العلماء، وكذلك أيضاً وقرار المجمع الفقه الإسلامي.
القسم الثالث: المضبوط بالضوابط التي أشرنا إليها، وقد ذكرنا ثلاثة ضوابط:
الضابط الأول: ما يتعلق بالتضمين، وأن الضمان يكون على المؤجر، إلا أن المستأجر يضمن إذا تعدى أو فرّط.
كذلك أيضاً ما يتعلق بنفقات التشغيل؛ فإنها تكون من ضمان المستأجر.
أيضاً ما يتعلق بالشرط الجزائي، قلنا بأن المؤجر له أن يشترط شرطاً جزائياً، لكن هذا الشرط إنما يكون مقابل ما لحقه من الضرر دون زيادة.
والشرط الثالث: أن المؤجر إذا أخذ العين فإنه يرد ما زاد على أجرة المثل.
وذكرنا الخلاف في هذه المسألة، وأن الصواب الجواز، وذكرنا شيئاً من الصور التي ذكرها مجمع الفقه الإسلامي، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر