فالمتكلمون في هذا المقام قالوا شيئاً من الهذيان في تكليف الله عباده بشريعة الإسلام، فقالوا: التكليف مأخوذ من الكلفة، وفي ذلك مشقة للنفس، وإتعاب للبدن، وإنما شرع الله هذه التكاليف لأمور ثلاثة:
أولها: للابتلاء المحض، ليتميز المطيع من العاصي. أفٍ لهذه العقوبة تباً لها، ما شرع الله شريعته للابتلاء فقط، إنما شرعها أصالة لينعم عباده في الدنيا قبل الآخرة، وليتلذذوا بذكره ويأنسوا بذلك، فوالله الذي لا إله إلا هو ما طابت الدنيا إلا بمحبة الله ومعرفته، وما طابت الجنة إلا برؤية الله ومشاهدته.
والأمر الثاني: قالوا: إن هذه التكاليف شرعت لنعوض عليها ثواباً، كالأسعار التي تبذل مقابل السلع عندما يشتريها الإنسان.
والأمر الثالث: قالوا: شرعت لرياضة النفوس، ليكون هناك فارق بين الإنسان وبين الحيوان البهيم.
لا يا معشر المتكلمين! شرع الله هذه العبادة ليكون الناس في جنة عادلة، لترقص القلوب طرباً بذكر الله وتأنس بذلك، ثم تصير بعد ذلك إلى جنة عرضها السماوات والأرض، كما سأقرر هذا عند حال النفس المطمئنة إن شاء الله.
إخوتي الكرام! وهذا الهذيان الذي قرره أهل الكلام هنا بسبب تكليف الله لعباده بهذه الأمور الثلاثة، هذوا أيضاً مثله بسبب احتياج العالم إلى خالقه، والفلاسفة يقولون: إن العالم محتاج بأسره إلى ربه لأنه حادث مخلوق، والمخلوق محتاج إلى خالق، والمتكلمون يقولون: علة احتياج العالم إلى ربه أنه ممكن، والممكن بين وجوده وعدمه لا بد من مرجح يرجح أحد الممكنين على الآخر، وكل من القولين باطل.
سبب احتياج العالم إلى خالقه: أن العالم بأسره فقير، وأن الله غني: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، والحدوث والإمكان دليل على فقر المخلوقات، لا علتان في احتياج المخلوقات إلى الله، إنما نحن بحاجة إلى ربنا في كل نفس تتنفسه من أنفاسنا لفقرنا:
والفقر لي وصف ذات لازم أبداً كما الغنى أبداً وصف له ذاتي
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم وكلهم عنده عبد له آت
فمن بغى مطلباً من غير خالقه فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي
علة احتياج المخلوق لخالقه أن المخلوق فقير، والخالق غني: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الزمر:7]، فعلة احتياجنا لربنا هي فقرنا، وغنى الله عنا، وشريعة الله شرعت لتزكو نفوسنا، وتكون في بهجة عاجلة مع ما لها من النعيم الآجل عند ربنا العظيم سبحانه وتعالى، وكل ما ذكر بعد ذلك هذا لا ننعم به، ولكن لم تشرع شريعة الله لهذه الأمور، إنما لتحصل التزكية، ويحصل بذلك اختبار وامتحان، ويحصل بعد ذلك ثواب على الطاعة التي كلفنا بها الرحمن، ويتميز الإنسان بذلك عن بهيمة الحيوان، لكن هذه ليست هي المقصودة أصالة، المقصود أصالة أن تزكو نفس الإنسان بمحبته لربه، وأن يرقص قلبه في هذه الحياة طرباً بمناجاة رب الأرض والسماوات: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
إخوتي الكرام! وإذا زكى الإنسان نفسه بشريعة الرحمن استراح، وقرت عينه واطمئن قلبه، وصار من أصحاب النفوس المطمئنة التي عناها الله بقوله: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
أما النفس المطمئنة فهي التي وحدت المرسِل، ووحدت المرسَل، وحدت المرسِل وهو رب العالمين الذي أرسل النبيين والمرسلين ليزكوا نفوسنا بشرع الله المبين، وحدته بالعبادة والتعظيم فما عبدت غيره، ووحدت المرسَل وهم الرسل الكرام عليهم صلوات الله وسلامه بالطاعة والمتابعة، وهذا هو مدلول لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا معبود إلا الله (توحيد المرسِل)، ولا متبوع ولا مطاع ولا إمام إلا النبي صلى الله عليه وسلم، (توحيد المرسَل).
هذه النفس الطيبة اجتمعت فيها القوتان: العلمية والعملية الإرادية، عرفت الحق واتبعته، عرفت الباطل واجتنبته، هذه النفس اشترت نفسها وذاتها من ربها ليعتقها من ناره وغضبه.
ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث مروي عن أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أنزل الله عليه قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، صعد عليه صلوات الله وسلامه وفداه أبي وأمي إلى الصفا، فنادى بأعلى صوته: يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من النار، لا أغني عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف! اشتروا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً، ويا عباس عم النبي صلى الله عليه وسلم! لا أملك لك من الله شيئاً، ويا صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم! لا أملك لك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم! سليني ما شئت من مالي لا أملك لك من الله شيئاً )، هذه النفس المطمئنة اشترت نفسها من ربها ليعتقها من ناره وغضبه، بعد أن اشترت نفسها بالإيمان بتوحيد المرسِل، وتوحيد المرسل، أعادت هذه النفس لخالقها وبارئها، فباعتها مرة ثانية بعد أن اشترتها: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، بعد أن ملكوا أنفسهم وأعتقوها من لعنة الله وغضبه وناره عندما آمنوا، باعوا هذه النفس مرة ثانية إلى الله فاشتراها الله منهم بأعلى ثمن وأغلاه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
ثبت في تفسير ابن جرير وطبقات ابن سعد عن محمد بن سعد القرظي عليه رحمة الله وهو من التابعين، قال: لما اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصار عند العقبة في بيعة العقبة لينصروه وليحموه وليذهب إليهم ليبلغ دعوة الله للناس، قال عبد الله بن رواحة في تلك الليلة المباركة: ( يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! اشترط لنفسك ولربك )، ماذا تريد؟ شروط بينها حتى نلتزم بها؟ قال: (أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم وأولادكم، وأشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً: فقال
أقسمت يا نفس لتنزلنه راضية أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة
أي: الجلب والضجيج والضوضاء.
ما لي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة
في شنة، أي: في قربة، وشبه نفسه كأنه ماء في قربة، فإذا انشقت القربة خرج الماء، وإذا ضرب هذا البدن خرجت الروح، فأعطاه ابن عم له قطعة لحم ليشد بها ظهره، ويتقوى بها على الجهاد، فمضغ منها مضغة واحدة، فلما سمع بضجيج القتال، قال: وأنت يا عبد الله لا زلت حياً، فطرحها من يده ثم قاتل حتى قتل، (ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل)، وجعفر بن أبي طالب عندما أخذ الراية قال تلك الأبيات الطيبة:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إن لاقيتها ضرابها
هذا حال الصحابة الأبرار بعد أن ملكوا أنفسهم باعوها لربهم سبحانه وتعالى، كان عدد المسلمين في غزوة مؤتة بحدود ثلاثة آلاف فقط، وعدد جيوش الروم زادت على مائتي ألف، فكل واحد من المسلمين يقابله ما يزيد على سبعين رجلاً من الروم، وثبت الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فلما آلت الراية لـخالد ، وحصل في الروم ما حصل من الانهزام، ما تبعهم، إنما عادوا إلى المدينة بسلام رضي الله عنهم أجمعين.
العلامة الأولى: يلهج صاحب النفس المطمئنة بذكر الله، ويفوض أمره إلى الله سبحانه وتعالى، ويتوكل عليه، ولذلك تراه منشرح الصدر قرير العين هادئ البال، ولو صب عليه جميع بلاء الدنيا يقول: الحمد لله، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، هذا صاحب النفس المطمئنة، يحفظ حدود الله، والله يتولاه في سائر أموره.
ثبت في مستدرك الحاكم ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وغير ذلك بسند صحيح، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: ( يا
ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، عندما أخذ أمنا هاجر رضي الله عنها وولدها إسماعيل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، من بلاد الشام إلى البلدة المباركة إلى مكة ليدعهما هناك بإذن من الله وإيحاء له بذلك، وكان إبراهيم مع زوجه هاجر وولده إسماعيل في الطريق، فكانت هاجر ليس معها في الطريق إلا جرة فيها ماء، فكانت إذا شربته در ثديها لبناً لولدها، وليس معهم غذاء غير هذا، فلما وصلوا إلى مكة أنزلها خليل الرحمن إبراهيم ووضع زوجه هاجر تحت دوحة تحت شجرة، ثم قفا وعاد، ولم يكن بمكة إذ ذاك أحد، ولما عاد توجه إلى الله وقال: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37]، فلحقته هاجر زوجه وقالت: يا إبراهيم ! إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لن يضيعنا الله ).
وفي رواية كما في صحيح البخاري : قالت: ( حسبي الله رضيت )، سبحان ربي العظيم! امرأة معها طفل رضيع ليس معهما إلا شنة من الماء، وليس هناك أنيس ولا ساكن، فكانت تشرب من هذا الماء ويدر ثديها لولدها لبناً حتى نفد الماء من الشنة، وولدها بعد ذلك تأثر، وبدأ يخبط برجليه من تألمه وجوعه وعطشه، فذهبت إلى الصفا تصعد لعلها ترى أحداً يمر تطلب منه معونة، فلما لم تر أحداً تنزل إلى الوادي ثم تصعد إلى المروة، وهكذا سبعة أشواط، فسن الله لنا السعي، وشرع لنا السعي في الحج والعمرة اتباعاً لهذه الأم المباركة صاحبة القلب المطمئن هاجر رضي الله عنها.
ثم لما انتهت من الشوط السابع سمعت صوتاً يناديها بجوار ولدها إسماعيل، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم إسماعيل ولد إبراهيم ، قال: وإلى من ترككما إبراهيم ؟ قالت: إلى الله، قال: لقد ترككما إلى كافل، ثم غمز جبريل الأرض برجله فنبعت عين زمزم، طعام وغذاء، فكان الماء، فجعلت هاجر تحوط هذا الماء وتقول له: زم، زم، أي: اجتمع اجتمع، ولو تركته لكان عيناً سائلاً معيناً إلى ما شاء الله.
هذا هو صاحب القلب المطمئن إلى الله، (لن يضيعنا الله) (حسبي الله رضيت)، هذا هو صاحب القلب المطمئن، صاحب القلب المطمئن قلبه حي، لا يفتر لسانه عن ذكر الله؛ لأنه إن فتر فقد مات قلبه، وذكر الله للإنسان كالماء للسمك، وكما أن السمك لا يحيا بدون ماء، فقلبك لا يحيا بدون ذكر لله على الدوام، ومراقبة له في كل آن.
ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت ) ، ولفظ مسلم: ( مثل البيت الذي يذكر فيه الله والذي لا يذكر كمثل الحي والميت ) ، صاحب النفس المطمئنة يكون نشيط النفس مبتهجاً؛ لأنه يحافظ على ذكر الله وعلى طاعته، وعلى الالتجاء إليه في كل وقت.
ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ).
صاحب النفس المطمئنة أمره إلى خير وفي خير، ويلهج بحمد الله في كل وقت، كما ثبت في مسند الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص، والحديث رواه الإمام مسلم عن صهيب الرومي ، ورواه أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ) ، لصاحب النفس المطمئنة التي زكت بشريعة الله المطهرة، ( إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ).
صاحب النفس المطمئنة كما قلت: يبتهج قلبه وينشرح صدره، ويذوق للإيمان حلاوة تتضاءل بجانبها جميع الحلاوات واللذات، كما ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي عن العباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ) ، ذاق طعم الإيمان إذا وحد المرسِل فعبده، ووحد المرسَل فاتبعه على حسب الشريعة التي فرضها المرسِل على لسان المرسَل: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، وبدون هذا لا يجد الإنسان لإيمانه حلاوة، ولا يكون في بهجة ولا لذة ولا سعادة، كما ثبت في المسند والكتب الستة غير سنن أبي داود ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ).
كما روى الترمذي في سننه وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وأبو يعلى في مسنده بسند حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أنه توفي رجل على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وهو من الأنصار- فقال بعض الصحابة: هنيئاً له الجنة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وما يدريك، لعله كان يتكلم بما لا يعنيه، ويبخل بما لا يغنيه )، أي: فلا يكون من أصحاب النفوس المطمئنة.
وورد الحديث في معجم الطبراني الكبير، وكتاب الصمت لـابن أبي الدنيا عن صحابي آخر وهو كعب بن عجرة ، عندما مرض وعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت أمه: ( هنيئاً لك الجنة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من هذه؟ فقال
ولذلك ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي شريح ، والحديث في صحيح البخاري والترمذي عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) ، فإذا كنت من أصحاب القلوب المطمئنة فاشتغل بما ينفعك في دنياك وأخراك، وإذا اشتغلت بما لا يعود عليك بفائدة، فهذا من علامات سخط الله عليك، وأنك لست أنت من أصحاب النفوس المطمئنة.
ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تكثر الكلام بغير ذكر الله؛ فإنك كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي )، وقد روى أئمتنا كما ذكر هذا الإمام ابن أبي الدنيا في كتاب محاسبة النفس: أنه مر حيان بن أبي سنان بحجرة قد بنيت، فسأل: متى بنيت هذه؟ ثم عاد إلى نفسه وقال: يا نفس! تسألين عما لا يعنيك! والله لأجعلنك تصومين سنة. وليس في هذا غضاضة ولا حرج، أن يطهر الإنسان نفسه بعقوبات شرعية، فما ضرب نفسه وما آذاها، إنما زكاها بمطهر شرعي يتقرب به إلى الله، فإذا اعتاد هذا اللسان الثرثرة والفضول، فنكسر فضوله وثرثرته بالامتناع عن الطعام والشراب لمدة سنة حتى لا يسأل عما لا يعنيه، لأعاقبنك بصيام سنة.
عباد الله! إذا كان الإنسان أصحاب النفوس المطمئنة الطيبة الرضية الفرحة المستبشرة، فهو كما قلت: في جنة عاجلة، مع ما له عند الله جل وعلا من النعيم في الجنة الآجلة، يكون حاله كحال القائل:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
إذا اتصف الإنسان بهذه الصفة بصفة النفس المطمئنة، يكون حاله كما قال بعض علمائنا:
كنت عبداً والهوى حاكمي وصرت حراً والهوى خادمي
بدلاً من أن تكون عبداً للهوى تصبح سيداً حراً، والهوى بعد ذلك تابعاً لك تقوده كما تريد، صاحب هذه النفس المطمئنة يقول ما قاله القائل:
كانت بقلبي أهواء مفرقة فاستجمعت بك مذ رأتك العين أهوائي
وصار يحسدني من كنت أحسده وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي
أي: صرت مرشداً لهم، معلماً داعياً لهم إلى الخير، فالولي يطلق بمعنى الناصر، وبمعنى المعين، ولا حرج في ذلك، فقوله: وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي، أي: بعد أن واليتك وعبدتك وزكت نفسي بشرعك صرت معلماً للناس بعد أن كنت مفرقاً ضائعاً.
صاحب هذه النفس يقول ما قاله بعض علمائنا:
ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
دخولي تحت قولك يا عبادي، (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) وأن صيرت أحمد لي نبياً، على نبينا صلوات الله وسلامه وفداه نفسي وأبي وأمي، هذا حال الإنسان إذا كانت نفسه مطمئنة.
الأمر الأول: أن الله أقسم بنفس المؤمن التي ما وصلت لدرجة النفس المطمئنة، أقسم لأنها تلوم صاحبها على تقصيره في العمل عندما يقصر في طاعة الله عز وجل، فالقسم هنا بنفس المؤمن، وفي ذلك مدح لهذه النفس، ولذلك أقسم الله بها، ولا يقسم جل وعلا بشيء إلا للإشارة إلى ما فيه من منفعة أو فضيلة، فقسم الله ببعض مخلوقاته يكون لأحد هذين الأمرين: إما لما في المقسم به من منفعة، وإما لما فيه من فضيلة، لما فيه من منفعة وآية عظيمة يستدل بها الناس على قدرة الله، أو لما فيه من فضيلة في نفسه، فهنا في هذه النفس فضيلة، كما أن فيها أيضاً آية عظيمة على قدرة الله، حيث إن هذه النفس تحصل فيها هذه المعاني وتلوم صاحبها على التقصير.
وقيل، وهو قول منقول عن بعض السلف، ولكن أئمتنا ذكروا أن الآية لا تدل على هذا القول فهو بعيد، وإن كنا سنذكره من باب الأمانة العلمية حسب ما قرر في كتب التفسير، قيل: إن النفس اللوامة بمعنى: اللائمة، والمراد النفس الفاجرة التي تلوم صاحبها على تقصيره في الدنيا، وعلى عدم اغتنامه من حظوظها، فإذا جمع ألفاً تلومه لم لم يجمع ألفين، وإذا حصل لذة تلومه نفسه لم لم يحصل لذات أخرى، نفس فاجرة تلوم صاحبها على تحصيل الدنيا، أي: تلومه ليحصلها وعلى تقصيره فيها، فهو مع تقصيره وفجوره نفسه تريد منه أن يزداد فجوراً، وعليه فليس القسم هنا فيه مدح لهذه النفس، إنما وقع القسم بهذه النفس لما فيها من دلالة عظيمة على قدرة الله سبحانه وتعالى فقط.
الأمر الثالث: أن المراد من النفس هنا جنس النفس البشرية فهو شامل للنفسين، وهما النفسان المتقدمتان، نفس المؤمن ونفس الفاجر، فنفس المؤمن تلومه لم قصر؟ ونفس الفاجر تلومه لم لم يكثر من التزود في هذه الحياة الدنيا من عرضها وزينتها وشهواتها ومعاصيها.
والذي يظهر -والله أعلم- أن القول الأول هو أرجح الأقوال، وهذا الذي اعتمده أكثر أئمة الإسلام، والقول الثاني: أن اللوامة هنا بمعنى الملومة، وهذا يمكن أن يفسر بالأقوال الثلاثة المتقدمة، فالنفس الملومة لامها الله وإن كانت نفس المؤمن لأنها ما وصلت لدرجة الكمال، وما وصلت لدرجة النفس المطمئنة، فلها شيء من لوم الله ومؤاخذته؛ لأنها ما وصلت لمرتبة الكمال، وإذا قلنا: إن المراد من النفس هنا النفس الفاجرة، فاللوم واضح لأنه عليه لوم ومؤاخذة وتقصير، ولكن كما قلت: أن الذي يظهر -والعلم عند الله- أن المراد من النفس اللوامة هنا: نفس المؤمن التي ما زكت تمام التزكية بالقوة العلمية والقوة العملية الإرادية، فما وصلت لدرجة الاطمئنان، فيها ما فيها من تقصير في بعض الأحيان، ولما في هذه النفس من طهارة وتقوى وإيمان تلوم صاحبها على فعله المعاصي والآثام.
وأما القراءة الثانية: فاتفق القراء العشرة على المد وإطلاق الألف: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) وقرأ التسعة في الجملة الأولى، ومعهم البزي أيضاً في الرواية الثانية عن ابن كثير، بإثبات الألف، وهي القراءة التي نقرأ بها: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2].
وعلى قراءة إثبات الألف بعد اللام: لا أُقْسِمُ في موضعين، هذه اللام في زيادتها إشكال كما قال أئمة التفسير؛ لأن ظاهر الكلام نفي للقسم، مع أن المراد إثبات القسم، مراد الله أنه يقسم بيوم القيامة، ويقسم بالنفس اللوامة، ولذلك أجاب العلماء عن هذا الإشكال، ووجهوا ذكر اللام هنا بثلاثة أجوبة معتبرة من أجوبة كثيرة قيلت:
الجواب الأول: أن (لا) هنا زائدة للتوكيد، وتقدير الكلام: أقسم بيوم القيامة، وأقسم بالنفس اللوامة، وزيد لفظ (لا) ليؤكد الله القسم، كما زاد الله هذا اللفظ في آيات كثيرة كقوله تعالى في قراءة: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)، والأصل: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك، وقوله: (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني)، أي: ما منعك أن تتبعني، فتزاد (لا) في الكلام العربي للتوكيد، وهنا كذلك، زيدت من باب التوكيد.
الجواب الثاني: قيل: أن (لا) نافية لشيء يقتضيه المقام، والتقدير: لا صحة لقولكم أيها المشركون في أن الله لن يبعث الناس يوم القيامة، أقسم بيوم القيامة أن يوم القيامة لحق، وأقسم بالنفس اللوامة أن يوم القيامة لواقع، فكلمة (لا) نفي لشيء يقتضيه سياق الكلام.
الجواب الثالث: أن الكلام في ظاهره جرى مجرى نفي القسم للإشارة إلى أن المقسم عليه ليس بحاجة للقسم عليه؛ لأنه في منتهى الظهور والوضوح، فالكلام في ظاهره نفي للقسم، لكنه في حقيقته إثبات للقسم وبصحة المقسم عليه، وهذا كما تقول لصديقك: أنا لا أقسم لك بالله أنني أحبك، وتقصد من هذا أن محبتي لك ظاهرة وواضحة، ليست بحاجة إلى قسم، إنما أن أقسم قسماً مؤكداً أنني أحبك، وهنا كذلك، تقدير الكلام: ليس يوم القيامة بحاجة إلى إقسام عليه، فهو واضح وظاهر، ولا بد من حصوله ووقوعه، فأراد الله أن يؤكد وقوعه بصيغة فيها نفي القسم في الظاهر، مع أن الواقع إثبات القسم: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، وعلى قراءة ابن كثير : (لأقسم بيوم القيامة)، اللام للتوكيد.
الأمر الثاني: هذه الآلات مع ما فيها من عظيم الدقة والصنع والإحسان، ما فيها ذرة من الآيات التي تشبه الآيات التي في نفس الإنسان، فالعقل الإلكتروني والكمبيوتر، وشريط التسجيل لا يخطئ، لا لأنه يقدر أن يخطئ ولا يخطئ، إنما حسب ما تلقنه يتلقن، ولا يستطيع أن يزيد ولا أن ينقص، ولا يستطيع أن يستنتج، ولا أن يستنبط، بخلاف نفسك البشرية، فإذا سمعت شيئاً تفاعلت معه ووعيته وحفظته، ثم تعبر عنه بنظيره، وبما يشبهه، ثم ترتب عليه بعد ذلك حلولاً، وأجوبة، وكل هذا لا يكون في الصناعات الحديثة، وعجيب أمر الإنسان يدهش من هذه الأمور التي صنعها بيده، ولا يدهش ولا يستغرب، ولا يعظم الله جل وعلا الذي خلق نفسه بين جنبيه، وفيها هذه القوة المفكرة الواعية المتأملة المتدبرة! ولا يستطيع أن يعي من أمرها شيئاً، ولا أن يعرف كنهها ولا حقيقتها! صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل:88].
ولذلك بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم مثالاً حسياً لأصحاب النفوس اللوامة، وللمؤمن عندما يقع في تقصير وخطأ، ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي يعلى بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته، يجول ثم يرجع إلى آخيته، وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان، فأطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين )، (مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته)، والآخية: هي الحلقة التي تدق في الحائط، ويربط فيها حبل، ويربط الفرس في هذا الحبل، لئلا يشرد ولئلا يهرب ويذهب إلى مكان بعيد، أو هي وتد وخشبة أو سكة من حديد تدق في الأرض ويربط فيها الفرس.
والفرس إذا كان مربوطاً في الآخية يجول بمقدار امتداد الحبل هنا وهناك، ولكن لا يستطيع أن يفارق هذه الآخية، فهي تشده كلما أراد الابتعاد والذهاب، وهكذا المؤمن مع نفسه المؤمنة، مع الإيمان الموجود في نفسه، عندما يقع في تقصير يشده إيمانه، يلومه إيمانه على التقصير الذي جرى منه، فأنت بمثابة الفرس، وإيمانك بمثابة الآخية، فكما أن الآخية تشد الفرس إذا أراد الهروب، فهكذا إيمانك يشدك ويؤنبك ويلومك إذا وقعت في تقصير وعصيان، (يجول الفرس ثم يرجع إلى آخيته، وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى إيمانه، فأطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين).
فهذا مثال للنفس اللوامة إذا وقع الإنسان في تقصير، ونفسه تلومه وتؤنبه وتوبخه.
الأمر الأول: أن يحاسب نفسه محاسبة دقيقة، على صغير الأمور وكبيرها، وأن يكثر من اللوم من نفسه لنفسه؛ ليرتقي إلى درجة الكمال، فإذا أكثر من حساب نفسه فهذا من علامات كياسته، ثبت في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم وسنن الترمذي وابن ماجه ، والحديث في درجة الحسن، عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني )، فما دام عندك محاسبة ومراقبة لنفسك وكثرة عتاب، فهذا من علامات كياستك وعقلك ورشدك، لكن إذا تخليت عن المحاسبة وأرخيت لنفسك العنان، وأتبعت نفسك هواها، فأنت عاجز أحمق، مغرور هالك.
ولذلك روى أبو نعيم في الحلية، والإمام أحمد في كتاب الزهد، وهكذا الإمام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق عليهم رحمة الله جميعاً، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنه أخف لكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتهيئوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).
فحاسب نفسك ثم جاهدها -وهذا الأمر الثاني- فإذا جاهدت نفسك لتفطمها عن التقصير الذي تقع فيه، لعلك تصل إلى درجة النفس المطمئنة بإذن الله، ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وقال: حسن صحيح، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( المجاهد من جاهد نفسه لله )، وفي رواية للإمام أحمد : ( المجاهد من جاهد نفسه في الله )، وفي رواية: ( المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله )، فجاهد نفسك، وهذا الجهاد له شأن عظيم، وهو الذي أشير إليه في الحديث الضعيف بأنه الجهاد الأكبر، كما روى هذا الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، والإمام البيهقي في الزهد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بسند ضعيف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة عندما رجعوا من غزوة تبوك: ( قدمتم خير مقدم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: جهاد النفس، وجهاد الهوى ) ، والحديث كما قلت ضعيف، ولكن المعنى صحيح صحيح، والذي لا يجاهد نفسه ليوقفها عند حدود الله جل وعلا لا يستطيع أن يجاهد عدوه، فهذا الجهاد ينبغي أن يحرص عليه الإنسان ليستعين به على جهاد أعداء الله من الكافرين اللئام، فجاهد نفسك -يا عبد الله- إذا وقعت في تقصير أو قصور، لتلتحق بأصحاب النفوس المطمئنة.
والجهاد بالنفس لا بد منه لا سيما في هذه الحياة، ورضي الله عن عبد الله بن المبارك عندما كان يقول: إن الصالحين قبلنا كانت تواسيهم أنفسهم على الخير عفواً، دون مجاهدة؛ لأن قلوبهم مطمئنة، وإن أنفسنا لا تواسينا على الخير إلا كرهاً، فينبغي أن نكرهها على ذلك. وهذا عن طريق المحاسبة والمجاهدة، فجاهد نفسك -يا عبد الله- بعد محاسبتها لتكون من أصحاب النفوس المطمئنة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر