أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!
إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث قبلها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع وصلى الله عليه ألفاً وسلم قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، الحمد لله الذي وفقنا لهذا الخير وجعلنا من أهله.
وأعيد إلى أذهان المستمعين وبخاصة الذين قلما يشهدون هذه الأنوار، أذكرهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).
وأخرى: أن الملائكة تصلي على من صلى المغرب وجلس ينتظر صلاة العشاء، تصلي عليه بلفظ: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه! حتى يصلي العشاء وينصرف ما لم يحدث، أي: ينتقض وضوءه وينصرف.
وأعظم من ذلك كله: أن طلب العلم فريضة، وليس من باب المستحبات، إن تعلمنا لشريعة الله فريضة فرضها الله علينا، على كل من أراد الله به خيراً ساقه حيث يحب ويرضى.
وها نحن مع سورة النساء ومع أحكامها المتعلقة بالنساء، بالأمس شرحنا آية واحدة وفهمناها وأكثرنا حفظها، وهي قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22].
هذه الآية نص في تحريم نكاح ما نكح الآباء والأجداد مهما علو وارتفعوا، حرم الله نكاح امرأة الأب وامرأة الجد وأب الجد.. وهكذا مهما علو، وكانوا في الجاهلية ينكحون نساء آبائهم، إذا مات الأب تزوج الابن بامرأته التي ليست أماً له، وانتهت هذه الفاحشة، وانتهى هذا المقت، وحل الإيمان بالمؤمنين وهداية الرحمن ورضاه عنهم، والحمد لله.
والآن مع الآية الباقية -وهي طويلة- إليكم تلاوتها فتأملوها:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
أولاً: المحرمات ثلاثة أنواع:
أولاً: محرمات النسب، والثاني: محرمات الرضاعة، والثالث: محرمات المصاهرة.
والإرث تقدم في هذا؛ فهيا مع محرمات النسب، قال تعالى: حُرِّمَتْ [النساء:23].
ولم يقل: حَرمتُ عليكم. من أجل الاختصار؛ ليحفظ كلام الله ولا ينسى.
الأمهات جمع أمهة، وعدل عنها للتخفيف قالوا: أم، فتجمع أم على أمات وعلى أمهات، وأم الشيء من يرجع إليها ويعود إليها لسلطانها لقدرتها، من ذلك أم القرى مكة، والمراد من الأم تلك المرأة التي ولدتها فأصبحت أمك لأنها ولدتك، وأمها التي ولدتها أيضاً أمك؛ لولاها ما كانت أمك ولا كنت أنت، وهكذا وإن علت علونا، (أمهاتكم) وهذا بداية بالأصول، الأم أصل وإلا لا؟ أصل.
ثانياً: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23].
وهذا أصول أيضاً سفلية، والبنات جمع بنت، الذكر ابن والأنثى بنت، وجمع البنت بنات، فالرجل يحرم عليه أن يتزوج أمه وجدته.. وهكذا، ويحرم عليه أن يتزوج بنته أو بنت بنته.. مهما نزلنا إذ الكل بناته (وبناتكم).
ثالثاً: وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23].
هنا الفروع، الأخوات جمع أخت والذكر أخ، إذاً والأصل أخوون؛ ولهذا يقال: أخوان وإخوان، ولا عبرة بهذا العبرة بأن نحفظ ونفهم، الأخوات محرمات، أختك محرمة، وبنتها محرمة، وبنت بنتها.. وهكذا مهما نزلنا، وسواء كانت أختك من أبيك فقط أو من أمك فقط أو منهما معاً شقيقة، لا تحل لك أختك سواء كانت من الأم فقط أو من الأب فقط أو منهما معاً، وبنتها مهما نزلت، (وأخواتكم).
رابعاً: وَعَمَّاتُكُمْ [النساء:23].
الفروع الآن، العمات جمع عمة، والعمة أخت الأب من أبيه ومن أمه، أخت أبيك هي عمتك، لا تقل: هذه أخت أبي من أمه فقط أو من أبيه فقط مطلقاً، العمات جمع عمة أخت الأب من الأم من الأب منهما معاً، عمات جمع عمة، تحرم عليك عمتك، وبنتها لا تحرم بالإجماع.
خامساً: وَخَالاتُكُمْ [النساء:23].
جمع خالة وهي أخت الأم، بنتها بنت خالتك ليست محرمة وإنما هي الخالة نفسها محرمة، سواء خالة من أب أو من أم أو منهما معاً النسبة موجودة مرتبطة بأمك من أبيها من أمها منهما معاً.
سادساً: وَبَنَاتُ الأَخِ [النساء:23].
بنت أخيك، لك أخ تزوج وأنجب بنتاً أنت تعتبر عمها، فلا يصح للمرء أن يتزوج ابنة أخيه لأنه عمها، فالعم لا يتزوج بنت الأخ.
سابعاً: وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23].
أختك زليخة تزوجت ولها بنت اسمها عفريتة هل يجوز أن تتزوجها؟ الجواب: لا؛ لأنها بنت أختك.
الآن هؤلاء سبعة حرمن بالنسب، أولاً: أمهاتكم، ثانياً: بناتكم، ثالثاً: أخواتكم، رابعاً: عماتكم، خامساً: خالاتكم، سادساً: بنات الأخ، سابعاً: بنات الأخت، هؤلاء المحرمات بالنسب لا بالمصاهرة ولا بالرضاعة، محرمات بالنسب، سلسلة الظهر وفقراته؛ لأنك تنسب إليهم وينسبون إليك.
أولاً: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23].
فمن أرضعته امرأة، وكان الرضاع خمس رضعات لا يحل له أن يتزوجها؛ لأنها أمه.
وهنا مسألة قد يستفيدها الفقهاء أو الأذكياء من أهل المجلس:
اختلف من عهد الصحابة إلى الأئمة في عدد الرضعات المحرمة:
فذهب مالك وأبو حنيفة رحمهما الله إلى أن الرضعة الواحدة تحرم، ورواية كذلك لـأحمد ، وهذا خلاف بين الأئمة سبقهم إليه الصحابة، قالوا: العبرة بأن هذا اللبن يتكون منه هذا الجسم ويصبح من دمه ولحمه، لكن عارض هذا حديث صحيح: ( لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان )، وفي لفظ: ( لا المصة ولا المصتان )، والقضية سهلة لأن أملج أدخل الضرع في فمه ما حصل شيء امتص قليلاً وصارت إلى حلقة، بخلاف رضع وتغذى وشبع، أما الإملاج إدخال حلمة الضرع في الفم ومص يمتصها ما تكون شيئاً.. ما يتغذى، أليس كذلك؟
والمسلك الذي ينبغي أن نسلكه -إن وفقنا الله- هو ما يلي: وهو الجمع بين هذه المذاهب حتى لا تتعصب لمذهب، العبرة بأن يطاع الله ورسوله، فنقول: إذا رضع وتغذى باللبن وشبع مرة مرتين ثلاثة أربعة خمسة فهو ابن لهذه المرضعة ولزوجها، ثم إن جاءنا من يقول: إن ولدي رضع من امرأة رضعتين أو ثلاثة فقط أو مرة واحدة نسأل: هل يريد أن يتزوج ابنتها أو تزوجها؟ فإن قال: يريد أن نزوجه إياها نقول: لا لا، لا تزوجوه، ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )، كلمة الهادي صلى الله عليه وسلم، ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )، وإن قال: يا شيخ تزوجت ولها أولاد، نقول: كم رضعة؟ قال: مرتين أو ثلاثة، نقول: لا بأس أبقي على هذا الزواج ولا حرج، هذا المسلك من خير المسالك، لكن يحرمه المتمذهبون الذي لا يرى إلا مذهبه، ما يستطيع أبداً أن يقول هذا، إن كان ممن يمنع منع، وإن كان ممن يجيز أجاز.
أقول: يقول الله تبارك وتعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23] كم الرضاع؟ ما هو الرضاع؟ معروف أن يمتص الغلام وهو في سن الرضاع لم يبلغ العامين، فهذا الرضاع يجعله ابناً لهذه المرأة وابناً لزوجها؛ لأن اللبن له بجماعه تكون هذا الحليب، وإلا فالمرأة إذا لم تتزوج لم يكن معها لبن.
إذاً: وحديث النسخ: ( كان النهي ثلاثاً ثم نسخن بخمس )، من جانب من يؤيد ومن جانب من لا يؤيد، وكما علمتم بالنسبة إلى المذاهب الأربعة مذاهب أهل السنة والجماعة ما وراءها لا نلتفت إليه، ما هم بأهل لهداية الله، وقد شقوا عصا الطاعة للمسلمين، نقول: ما دام من يقول: لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات، ومنهم من يقول: الرضعة الواحدة إذا تغذى بها الطفل أصبح ابناً وأصبحت المرأة أمه والأب، لما جاء في الحديث الصحيح: ( لا المصة ولا المصتان، ولا الإملاجة ولا الإملاجتان )، فهم منه أن الذي مص هذا يتغذى؟ هذا يشبع يعني؟ أملجت ثديها في فمه ما يحصل غذاء، فلا بد إذاً من تغذية تصبح دماً له ولحماً فيصبح ابناً حقيقة.
إذاً: فما المخرج إن كنتم غير متعصبين لمذاهبكم؟ في الحلقة هنا ما عندنا إلا قال الله وقال رسوله، ونعرف قول الله وقول رسوله من طريق أئمتنا وهداتنا، فنحن نجلهم ونكبرهم ولا نعد حتى خدماً لهم، بل نعالهم مثلنا، وعندما يختلفون ننظر في عوامل الاختلاف، ونسلك مسلكاً عليه طابع الرحمة المحمدية، بل الرحمة الإلهية.
فمن هنا أقول: إذا قال لك قائل: ابني يرضع من امرأة وأردت أن أزوجه هذه البنت؟ فنقول: اترك هذا. ما دام رضع مرة واحدة فقط نقول: اترك. ماذا يكلفك أن لا يتزوج ابنك؟ النساء كثيرات: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) وتستريح. لم تبق في كرب دائماً؟
وإن قال: يا شيخ! زوجناه وولد ماذا نصنع؟ إن قلنا له: كم رضع؟ قال: رضع خمس رضعات. نقول له: الآن يجب أن تفصلها عنه وتفصله عنها، هذه أخته. والأولاد يا شيخ؟ أولادهما يرثانهما ويرثون منهم، أما الاجتماع انتهى، هذه أخته. وإن قال: رضعة أو رضعتين أو ثلاثة لسنا متأكدين؛ نقول: ما دمتم غير متأكدين أنها خمس رضعات خلها مع زوجها وغض الطرف وهي زوجته وليست بأخته.
هل فهمتم هذه الهمجية أو لا؟ هذا أحسن مسلك، ينجو منه من على منهج سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، ما يتعصب لمذهبه الحنبلي ولا لمذهب الأحناف ولا المالكية ولا الشافعية، وإنما يبحث عما يرضي الله تعالى ويوافق منهج رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23] أولاً.
ثانياً: وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، إذا رضع مؤمن من امرأة فجميع بناتها أخوات له، وجميع بنات زوجها من امرأة أخرى أخوات له: يراهن، يجلس إليهن، لا تستر أخته وجهها عنه ولا.. ولا.. أخته كأخته لأمه وأبيه مطلقاً ولو كن سبعين أختاً.
إذا رضع الطفل في سن الرضاع -أي: في الحولين- أما بعد الحولين فلا قيمة له، ولا نلتفت إلى الخلاف؛ لأن العبرة بلبن يتغذى منه الجسم ويكثر لحمه وعظمه منه، أما من تجاوز الحولين وأصبح يجري فلا قيمة لهذا الرضاع.
إذاً: وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، هذه المرأة التي رضعها أصبحت أمه، أمها وأم أمها داخلة معها وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23] أو لا؟ محرمة. أختها خالة له، أخت أبيه الذي رضع عمته، وهكذا، ينزل هذا الرضيع منزلة الابن الحق، فلا يصح لهذا الذي رضع من امرأة أن يتزوج بنتاً من بناتها ولا بنتاً من بنات بناتها ولا من عمتها ولا من خالتها.. أبداً.
وأخوه من الرضاع إن كان له بنت يتزوج بنت أخيه؟ لا يصح أبداً، فتفهموا هذه.
وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23] لأن الحديث الذي يعطي هذه القاعدة: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) قاعدة عامة. كل ما حرم بالنسب يحرم بالرضاع، فلهذا لما يورد علينا العوام أسئلة نرتبك فيها، نقول: خذ القاعدة، هذا الولد الرضيع أعطه حكم الولد من النسب، لا يحل لهذا الرضيع أن يتزوج أخته من الرضاع، ولا بنت أخيه من الرضاع، ولا أخت أبيه من الرضاع، ولا أخت أمه من الرضاع، كالابن الأصل، والذي ما رضع لا علاقة له بهذا.
تأملوا هذه! الذي رضع من امرأة -بنتاً كان أو ابناً- جميع بناتها وبنات أبي زوجها من امرأة أخرى أخوات له؛ لأنها أم كالأم الأصلية جميع بناتها جميع أخواتها جميع عماتها لا يحل له، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والآية سواءً بسواء.
ابنان هذا رضع من هذه المرأة وهذا لم يرضع، كذا أو لا؟ هذا الذي رضع لا يحل له أن يتزوج من أم التي رضعها ولا من نساء أبيه ولا.. ولا، وهذا الذي ما رضع لا علاقة له، يتزوج أخت أخيه من الرضاع ما هو من النسب.
إذاً: فهن سبعة، من النسب سبعة، كذلك الرضاع سبعة: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23].
ومن هنا من اعتدى وتعدى هذه الحدود تمزق وتلاشى وهلك، إما لجهله فارتكب، وإلا لتمرده فارتكب.
أضرب لكم مثلاً: طبيب يقدم دواء، وأنت تعلم أنه طبيب، هل ترى أن هذا الدواء يضرك وهو يريد نفعك؟ الجواب: لا. منعك من أكل كذا أو شرب كذا، هل تراه أراد النكاية بك وتعذيبك؟ بل أراد نفعك لاعتقادك أنه عليم وحكيم يضع الشيء في موضعه، والطبيب قد يمكر وقد يغش، لكن الله العليم الحكيم الرءوف الرحيم، وهو يشرع لعباده وأوليائه مستحيل أن يشرع لهم ما يضرهم أبداً، أو يحرم عليهم ما ينفعهم، والله ما كان ولن يكون؛ لغناء الله واستغنائه عن خلقه، ما هو في حاجة إلى أن يزور أو يقول أو يشرع غير الحق، فلهذا إذا قال الله طأطئ رأسك وقل: آمنت بالله، آمنت بالله.
قلت هذا حتى لا تسألوا عن الأسباب التي جعلها الله ليحرم بها هذه.
قال: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23].
ثانياً: السبعة من المصاهرة: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23] أم امرأتك كجدتها لا تحل.
وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] مسألة بعينها ما هي؟ ربيبتك وهي بنت زوجتك، كانت زوجتك تربها، وأنت أيضاً تربها وتربيها، هذه الربيبة وهي بنت الزوجة.
امرأة تزوجت ومات زوجها وعندها بنت، وكبرت وأصبحت أهلاً للزواج، فإذا تزوجت أمها هل يجوز أن تتزوج هذه البنت بعدما تموت أمها أو بعدما تطلقها؟ الجواب: لا، هذه بنت زوجتك كبنتك فكيف تتزوجها؟
وَرَبَائِبُكُمُ [النساء:23] جمع ربيبة.
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23] هذا القيد ما هو بشرط. انتبهتم؟ قد تتربى الربيبة عند أبيها، فأمها مطلقة من عشرين سنة؛ فليس شرطاً أن تكون متربية في حجرك أنت، تزوجت أمها وهي صغيرة بنت عامين ثلاثة أربعة وتربت بلغت الخامسة عشر في حجرك، هذا القيد لا، وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]، والدخول هنا الوطء، الدخول هنا عليها في فراشها في غرفتها، لكن القرآن لسمو معانيه وكرامته ما يعبر بعبارة قد يستحي الأب أن يقولها بين يدي أولاده، قال: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]، هذه امرأة وهذه بنتها، تزوجت أنت الأم أو لا؟ هل يجوز أن تتزوج البنت؟
لا. وإن أنت عقدت على أمها فقط ما دخلت، ثم عدلت عنها لكبر سنها وأردت أن تتزوج ابنتها، يجوز أو لا يجوز؟
مرة ثانية. امرأة حسناء خطبتها وتزوجت بها، ثم تبين لك أن لها بنتاً في الخامسة عشرة أو العشرين من عمرها، قلت: نطلق أمها ونتزوجها، أو ماتت أمها؛ هل يجوز أن تتزوج الربيبة هذه؟ هنا دخلت بالأم أو لا؟ فإن أنت خطبت الأم وعقدت عليها، ثم بدا لك أن تتزوج ابنتها ما كنت تدري، قالوا: لها بنت أيضاً، هل يجوز أن يطلق تلك الأم ويتزوج بنتها أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأنه ما دخل بها، لو دخل بها ما صح.
مرة ثانية: تأملوا! أنت خطبت البنت وأمها موجودة، وعقدت عليها ولم تبن، هل يجوز أن تطلقها وتتزوج أمها؟ الجواب: لا، ما بنيت بالبنت، قال: وإن لم تبن بها؛ لأن الأم لا تكرب ولا تحزن إن أنت تزوجت ابنتها.
هيا نراجع القضية من جديد: يقول الله تعالى فيما حرم علينا: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23].
تأملوا! حرم الله تبارك وتعالى علينا الربيبة وهي بنت الزوجة، بقيد أو بدون قيد؟
بقيد، وهو: الدخول؛ فإذا دخل بالأم لا يصح أن يتزوج الربيبة وهي البنت، فإن لم يدخل بالأم يجوز أن يتزوج بابنتها، لم؟ لأن الأم تفرح، تتنازل عن حاجتها من أجل ابنتها بالفطرة أو لا؟ خطبتها وعقدت عليها وما بنيت بها وأردت أن تطلقها وقلت لها: زوجيني ابنتكِ، فهل تحزن الأم؟ والله ما تحزن بل تفرح، تقدم وتؤثر ابنتها على نفسها، بخلاف العكس، وهو: إن أنت خطبت البنت وعقدت عليها ولم تدخل بها، هل يجوز أن تتزوج أمها؟ الجواب: لا، أمها تكرب وتحزن وما تقبل، كيف تركت ابنتي وتريدني أنا؟ بالفطرة ما تقبل.
هذا معنى قوله جل جلاله وعظم سلطانه في محرمات نكاح المصاهرة: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23].
الحلائل: جمع حليلة، والحليلة هي زوجة الابن؛ لأن الابن تحللها وحل معها، فكيف يجوز أن تتزوج امرأة ابنك، حرمها الله تحريماً كاملاً: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، أما ابن بالتبني لا قيمة له، أن يكون من صلبك، والابن من الرضاع من الصلب، ما هو تكون من مائه؟ يحرم، فلا يحل لمؤمن أن يتزوج امرأة ابنه؛ لقوله تعالى فيما حرم: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، إذا كان ليس من صلبه بالتبني فقط ما يمنع، ما هو بابن له.
وهنا مسألة عويصة: هل ابن الزنا ابن؟
زنى الرجل -وأغواه الشيطان- بامرأة وأنجبت ولداً، كبر هذا الولد وهو يعرف أنه ابنه من الزنا وتزوج وطلق، هل يجوز أن تتزوج امرأته؟ الإمام الشافعي يقول: نعم، نكاح فاسد ولا بنوة ولا أبوة، والجمهور لا، ما دمت تعرف أن هذا ابنك من مائك، وإن كان الوقاع محرماً فهو ابنك ولا تتزوج ابنته؛ لأنه من صلبك: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] هذا من صلبك، من ظهرك، من مائك، وهذا الذي عليه الجمهور والذي نقول به؛ لأن كلمة: مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] ما يدخل فيه هذا؟ نعم يدخل، من صلبه، المني خرج من ظهره.
وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، وامرأة ابنك من الرضاعة تحرم أو لا تحرم؟ تحرم، لم؟ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] كيف أصبح ابنك؟ لأنه شرب من اللبن الذي تكون منك أنت ، ابنك من الرضاع ابن.. امرأته تعتبر محرمة عليك كامرأة ابنك من النسب سواءً بسواء، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ). العمة، الخالة، الأم، بنت، الأخ، بنت.. وهكذا مطلقاً، امرأة الابن، كذلك امرأة الابن من الرضاع محرمة.
وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23].
أما إذا تزوج زليخة وماتت أو طلقتها تنتهي العدة وتزوج أختها، ما جمعت، لكن لابد من مراعاة انقضاء العدة، انتبهوا.
ومن هنا يلغز، ويقال: متى يعتد الرجل؟ أعوذ بالله! الرجل عليه عدة، والمرأة هذه؟ قال: نعم، ما يسمى بالعدة يسمى بالتربص، ينتظر حتى تنتهي العدة، وإذا انتهت عقد على أختها وتزوجها.
إذاً: وَأَنْ [النساء:23] أي: وإن مما حرم الله عليكم وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23]، سواء شقيقتين من أب من أم مطلقاً، الجمع بينهما حرام.
هذه ظاهرة: الأخت مع أختها ما تبغضها إذا لم يوجد سبب البغض والعداء بينهما، كيف تتسبب فيها أنت؟ لا تريدها، ماتت أو طلقت أو كذا ما بقي شيء يؤلم، بل هي تقول: تفضل خذ أختي أنا كنت أحترمك وأحبك كذا خذ أختي، كما أحسنت إلي أحسن إليك، مثلاً.
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23] ما معنى سلف؟
مر من زمان أيام الجاهلية؛ إذ كانوا قبل نزول هذه الشرائع والأحكام كان يتزوج الرجل امرأة أخيه، يتزوج امرأة أبيه، يجمعون بين الأختين، الرضاع لا يعرفون له قيمة، لكن ذهبت الجاهلية وظلمتها بعد أن أنار الله البلاد بهذه الأنوار أولاً: نور الإيمان، لو كانوا لا إيمان لهم ما يقبلون هذا التشريع، يسخرون منها ، لكن لما آمنوا حيوا وتمت حياتهم وأصبحوا يفرحون بما يبين ويُشرح لهم، كحالكم أنتم أيها المؤمنون.
إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23] معفو عنه، لكن الذين تحتهم اثنتان ونزلت الآية أيقولوا: هذا شيء مضى؟ على الفور يباعدها، كجاهل ما يعرف لما تبين له أن هذا حرام على الفور يتخلى عنه، جاهل ما كان يظن أن السجائر حرام، ثم حضر الحلقة وسمع وعرف أنها محرمة على الفور يمزق تلك العلبة من السجائر ويغفر له ما مضى ولا حرج، لكن إن أصر يا ويله؛ لأن الله قال: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:23]؛ (غفوراً) لعباده (رحيماً) بهم، أي: بعباده المؤمنين، فمن كان تحته أختان وبلغته الآية على الفور يختار واحدة ويترك واحدة، التحقي بأبيكِ خذي حقكِ، ولا يحل أن يبقيهما ساعة واحدة، ما يقول: حتى يطلع النهار، بمجرد ما يبلغه الخبر يفارق، نعم.
مسألة: يقول: زوجة ابن الربيب، نحن تكلمنا على الربيبة أو لا؟ أما الربيب وهو ابن زوجته، هذا لو كانت له زوجة ومات أو طلقها يجوز أن يتزوجها زوج أمه، ما هو بابنه، فالله تعالى ذكر ربائب النساء ما له علاقة.
مما ينبغي التنبيه إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، إذا تحتك امرأة ولها خالة لا يجوز أن تجمع بينهما، أو لها عمة لا يجوز أن تجمع بينهما كما سيأتي.
إذاً قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23] نعم. هذا النسب سبعة.
وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23] سبعة كذا أو لا؟
ثالثاً: الصهر والأصهار: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] أي: لا حرمة ولا تضييق.
وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] وابن الزنا، من أصلابكم.
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:23].
اسمعوا هداية الآيات علكم تتأكدون من صحة ما فهمتم.
أولاً: تحريم مناكح الجاهلية إلا ما وافق الإسلام منها، وخاصة أزواج الآباء، فزوجة الأب محرمة على الابن، ولو لم يدخل بها الأب وطلقها أو مات عنها ]، وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ [النساء:22].
[ ثانياً: بيان المحرمات من النسب وهن سبع: الأمهات، البنات، الأخوات، العمات، الخالات، بنات الأخ، بنات الأخت.
ثالثاً: بيان المحرمات من الرضاع وهن: المحرمات من النسب ]، واحدة بواحدة.
[ فالرضيع يحرم عليه أمه المرضع له وبناتها وعماته وخالاته وبنات أخيه وبنات أخته ]، مطلقاً كالأول.
[ رابعاً: بيان المحرمات من المصاهرة، وهن سبع أيضاً: زوجة الأب بنى بها أو لم يبن، أم امرأته بنى بابنتها أو لم يبن، بنت امرأته وهي الربيبة إذا دخل بأمها -بالشرط هذا- وامرأة الولد من الصلب ]، وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء:23].
[ بنى بها الولد أو لم يبن، وكذا ابنه من الرضاع ] لما بينا.
قال: [ وأخت امرأته ما دامت أختها تحته لم يفارقها بطلاق أو بوفاة.
والمحصنات من النساء، أي: المتزوجات قبل طلاقهن أو وفاة أزواجهن وانقضاء عددهن ].
هذه ما ذكرناها؛ لأنها في آية أخرى بداية آية ثانية: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24].
هذه معناها: أيما امرأة تحت زوج ما طلقها ولا مات لا يحل لأحد أن يتزوجها بحال من الأحوال، امرأة محصنة محصَّنة بزوج تحته لا يحل أن يخطبها امرؤ أو يحتال عليها أو يتزوجها أبداً، ويستثنى من هذا كما سيأتي المحصنة في بلاد الكفر، إذا أعلنت الحرب بيننا وبين دولة كافرة، فسبينا النساء والأطفال، فهذه المرأة قد يكون زوجها ما مات، هل تعود إليه؟ غير ممكن، مسبية تباع، ففي هذه الحال صلة الكفر مانعة لها، لو أسلم زوجها لعادت إليه وجوباً، لكن مادام كافراً الإسلام يقطع بين الكفر والإيمان ويفصل بينهما، قال تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، يعني: الإماء المملوكات، منها هذه زوجها إيطالي ووقعت في الحرب أسيرة، تحل للمسلم الذي ملكها بالجهاد.
مسألة: هل يجمع بين أختين من الرضاع؟
ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع، قاعدة عامة.
وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر