حدثنا محمد بن منصور حدثنا يعقوب -يعني ابن إبراهيم - حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني خصيف بن عبد الرحمن الجزري عن سعيد بن جبير أنه قال: قلت لـعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: يا أبا العباس ! عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم حين أوجب! فقال: إني لأعلم الناس بذلك، إنها إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجاً، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالاً، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما علا على شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف البيداء، وايم الله! لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء.
قال سعيد : فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه ].
أورد أبو داود رحمه الله باب: وقت الإحرام أي: الوقت الذي يكون فيه الإحرام، فهل يكون من المسجد، أو من المكان الذي صلى الله عليه وسلم فيه في ذي الحليفة، فيحرم بعده، أو أنه يحرم ويهل إذا بعثت به راحلته، ومعلوم أنها كانت خارج المسجد، أو أنه يهل إذا علا البيداء؟ جاءت الأحاديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفة، ولكن أثر ابن عباس هذا يبين وجه اختلافها، وأن كلاً منهم حكى ما بلغه، وأنه لا تنافي بينها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أحرم في مصلاه بعد الصلاة، وهذا الحديث يدل عليه، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل ركعتين خاصتين بالإحرام، ولكنه صلى الظهر وأحرم بعد صلاة الظهر، ولم يرد عنه أنه صلى ركعتين خاصتين بالإحرام.
وقد جاء في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ذي الحليفة قال: أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة).
فهذا الذي جاء عن ابن عباس في هذا الأثر من أنه أوجب، أي: دخل في الإحرام بعد صلاة الظهر ركعتين.
والحديث في إسناده شيء من الكلام، فقد ضعفه الألباني ، ولا أدري وجه التضعيف، ولكن يشهد له ما جاء في الحديث: (صل في هذا الوادي، وقل: عمرة في حجة)، وهذا الشاهد أيضاً يحتمل أن يكون القول بعد الصلاة، ويحتمل أن يكون بينهما فترة، والحديث فيه شخص صدوق سيء الحفظ، وهو خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، لكن يمكن أن يكون هذا الحديث شاهد له، ويدخل أيضاً تحت عموم قوله: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) فهذا مطلق، لكن الذي جاء وتعددت فيه الرواية عنه صلى الله عليه وسلم أن ذلك كان عندما انبعثت به راحلته صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يقال كما قال ابن عباس : إنه أهل بعد ما صلى، وأهل بعدما انبعثت الراحلة، وأهل على البيداء، وكل حكى ما شاهده وعاينه، والناس لم يكونوا عنده دفعة واحدة في كل مكان، وإنما كانوا أرسالاً، فأدركه بعضهم وهو في المسجد، وأدركه آخرون وهو ينبعث براحلته، وأدركه آخرون وهو يعلوا البيداء صلى الله عليه وسلم، وفي كل هذه المواطن يحصل منه الإهلال والتلبية بالحج والعمرة، أي: بالنسك الذي أتى به صلى الله عليه وسلم، وكل حكى ما ظهر له، والأصل أن الناس يحرمون من ذي الحليفة، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) فإذا أحرموا من أي مكان من ذي الحليفة فإن ذلك سائغ.
وهذا الأثر عن ابن عباس يشهد له الحديث الذي قال فيه: (أتاني الليلة آت من ربي)، وإن كان ليس نصاً صريحاً إلا أنه يحتمل أنه أمر أن يحرم بالحج والعمرة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد حج قارناً على الصحيح، وجاء في ذلك أدلة كثيرة ذكرها بعض أهل العلم ومنهم ابن القيم في كتابه (زاد المعاد)، فإنه ذكر أدلة كثيرة تدل على أنه حج قارناً صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحديث الذي قال فيه: (أتاني آتٍ من ربي وقال: قل: عمرة في حجة) أي: حجة مع عمرة.
وقوله: (فمن هناك اختلفوا) أي: لكونها حجة واحدة، ولو كانت حجات متعددة لأمكن حمل بعضها على حجة والبعض الآخر على حجة أخرى، ولكنها حجة واحدة فقط، ولكن الجمع بينها هو ما قاله ابن عباس رضي الله عنه، وهو أن الناس لم يلقوه كلهم في مكان واحد، فبعضهم أدركه في المسجد، وبعضهم أدركه وهو راكب الناقة والناقة تنبعث به، وبعضهم أدركه وهو ينطلق بالبيداء، وفي كل منها يحصل منه التلبية، والإهلال بالحج والعمرة، فمن سمعه في المسجد قال: في المسجد، ومن سمعه في وقت انبعاث الناقة قال: عند انبعاث الناقة، ومن سمعه عند الصعود والظهور على البيداء: قال ذلك، وعلى هذا فلا تنافي بينها، فمعنى ذلك أن الإحرام حصل في المسجد، وعلى القول بأن الحديث لا يصح فحصوله في البيداء وفي وقت انبعاث الناقة أمر ثابت في أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل على أن بعضهم سمع هنا، وبعضهم سمع هنا، وكلام ابن عباس هذا في غاية الوضوح من ناحية التوفيق بين تلك النصوص.
محمد بن منصور هو الطوسي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا يعقوب يعني: ابن إبراهيم ].
يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبي ].
أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن إسحاق ].
ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وقد صرح بالتحديث.
[ حدثني خصيف بن عبد الرحمن ].
خصيف بن عبد الرحمن صدوق سيء الحفظ أخرج له أصحاب السنن.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن عبد الله بن عباس].
هو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أنه قال: (بيداؤكم هذه التي تكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، إنما أهل من عند المسجد) معنى تكذبون أي: تخطئون، فقد عرفنا أن الكذب بمعنى الخطأ عندهم، وأنه الإخبار عن الشيء على غير حقيقته، وقد يكون كذباً، وقد يكون خطأً بدون كذب، وكثيراً ما يأتي ذكر الكذب بمعنى الخطأ، وقد مر بنا حديث فيه ذكر الكذب بمعنى الخطأ، والمقصود أنهم قالوا: إنه أهل من البيداء، أي: أنه بدأ منها، وهذا هو الخطأ، ومن حصل منه الإهلال عند المسجد، ثم كرره فوق البيداء فهذا ليس فيه شيء، ولا بأس به، وإنما المحذور أن يبدأ الإهلال من البيداء، ولا يبدأ الإهلال من ذي الحليفة من عند المسجد، هذا هو المحذور، وإلا فكونه يهل من هناك ثم يتكرر منه الإهلال فهذا ليس ابتداءً، وإنما هذا استدامة وتأكيد وإظهار للشيء الذي سبق أن أحرم به من نفس الوادي.
إذاً من قال: إنه أهلّ من البيداء هو قول صحيح، ولكن ليس هو الابتداء، فالابتداء كان من قبل من مسجد ذي الحليفة، والناس الآن لا ينزلون إلى الوادي، ويحرمون إذا حاذوا المسجد، وليس بلازم أن ينزلوا إلى الوادي، لكن لو نزلوا وصلوا في المسجد للحديث الذي فيه: (صل في هذا الوادي المبارك) فهو أفضل.
القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن موسى بن عقبة ].
موسى بن عقبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم بن عبد الله ].
سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه قال له عبيد بن جريج : (إني رأيتك تفعل أموراً لم أر أحداً من أصحابك يفعلها، رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين) أي: اللذين من جهة اليمن، ويقابلهما الركنان الشاميان اللذان من جهة الحجر، وسمي: الركنان الشاميان بهذا؛ لأنهما من جهة الشام، وسمي الركنان اليمانيان بهذا لأنهما من جهة اليمن.
قوله: (وتلبس النعال السبتية، وأنك تصبغ بالصفرة، وأن الناس يهلون من أول الحجة وأنت تهل يوم التروية)، بين ابن عمر أن قدوته في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أما الأركان فالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يستلم إلا الركنين، فأنا لا أستلم إلا ما كان يستلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: أنه لم يكن يستلم الركنين الشاميين، وقد جاء عن ابن عباس أو ابن عمر -لا أدري أيهما- أن معاوية كان يستلم الأركان كلها، فقال له: لماذا؟ قال: لأنه ليس شيء من البيت مهجور، فقال له: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فقال له: صدقت أي: أنه ذكره بالدليل والحجة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، وقيل في استلام الركنين اليمانيين: لأنهما على قواعد إبراهيم، وأما الركنان الشاميان فليسا على قواعد إبراهيم؛ لأن أكثر الحجر من الكعبة، ففي الحديث أن قريشاً لما قصرت بهم النفقة اختصروها فجعلوها على هذا البنيان الموجود الآن، وجعلوا لهذه القطعة التي أخرجوها حجر حاجز؛ حتى يعرف أن هذه من الكعبة، فلا يطوفون في هذا المكان الذي هو غير مبني؛ لأن الطواف لا بد أن يكون بالكعبة كلها المبني وغير المبني، ولو طاف إنسان من داخل الحجر لا يصح طوافه؛ لأنه لم يطف بالكعبة كلها.
وبعض الناس يقول عن هذا الحجر: إنه حجر إسماعيل، وهذا غير صحيح، فليس بحجر إسماعيل، فإسماعيل وأبوه إنما بنيا هذه الكعبة على التمام، فليس هناك حجر لإسماعيل، ولكن هذا الحجر عملته قريش لما اختصرت الكعبة، وتركت جزءاً لم تبنه؛ لأن النفقة قصرت بها، فعملوا حاجزاً حجراً حتى يحجر ويمنع الناس من أن يصلوا فيه -أي: الفرض-، وكذلك حتى يطوفوا من ورائه، فهذا هو أصل الحجر، وليس كما هو مشهور عند الناس أنه حجر إسماعيل، فأكثر الحجر هو من جملة الكعبة.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم استلم الركنين اليمانيين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة، ولبنيتها على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها باباً كذا وباباً كذا، ولجعلتها ملتصقين بالأرض) ولو حصل ذلك فليس لأحد أن يمسح الركنين الشاميين أيضاً؛ لأن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو مسح الركنين اليمانيين، ولم يقل: لمسحتها لأنهما سيكونان على قواعد إبراهيم، والآن ليسا على قواعد إبراهيم، ولو جاء نص كذلك لأمكن أن يقال: إنها لو بنيت على قواعد إبراهيم لكانت الأركان كلها تمسح، لكن الذي ثبت هو مسح الركنين اليمانيين فقط، وهذا يدلنا على أن المسلم عليه أن يتقيد بالسنة، فالذي جاء مسحه وتقبيله يقبله ويمسحه، والذي جاء مسحه فقط يمسحه ولا يقبله، وهو الركن اليماني، وأما الحجر الأسود فيمسح ويقبل، يقبله أولاً وإن لم يستطع أن يقبله مسح بيده وقبل يده أو مسحه بشيء ويقبل ذلك الذي مسحه به، أما الأركان الأخرى، وكذلك الجدران التي بين الأركان فإنها لا تمسح ولا تقبل؛ لأن الذي يقبل هو الحجر الأسود فقط، والركن اليماني يمسح ولا يقبل، وما سوى ذلك لا يمسح ولا يقبل، وقول معاوية رضي الله عنه: ليس من البيت شيء مهجور. فالذي بين الركنين من البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم جدران الكعبة كلها، لكن الذي جاء عنه هو مسح الركنين اليمانيين.
و عبد الله بن الزبير بنى الكعبة على قواعد إبراهيم، ثم أعادها إلى ما كانت عليه عبد الملك بن مروان ، وقد قيل: إنه ندم لكونه لم يبلغه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي الأمر على ما هي عليه من ذلك الوقت إلى هذا الوقت، وهناك كلمة تؤثر عن مالك رحمه الله قالها للرشيد أو للمنصور الذي أراد أن يعيدها على قواعد إبراهيم، فقال له مالك : لا تجعل الكعبة لعبة للملوك، أي: أن كل ملك عندما يعلم أن هذا بناء فلان قبله ربما نقضه حتى يبنيه هو.
قوله: (وأما النعال؛ فقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أي: التي دبغت وذهب شعرها، (فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة) يعني يصبغ لحيته أو شعر رأسه وشعره عليه الصلاة والسلام كانت فيه شعرات بيضاء قليلة جداً، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صبغ بحناء أو كتم أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يصبغ بها، ولكن قيل: إن هذه الصفرة حصلت بسبب ما كان يتطيب به، فذلك أثر الطيب وتكراره في تلك الشعرات البيض القليلة التي في لحيته وشعره صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وأما الإهلال فإني لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) هنا يصف إهلال النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، والرسول صلى الله عليه وسلم أهل من ذي الحليفة، وجاء مكة وهو على إحرامه، ونزل بالأبطح وهو باق على إحرامه، وانتقل إلى منى وهو على إحرامه، وما حصل منه إهلال بالحج والعمرة من ذي الحليفة، ولكنه رضي الله تعالى وأرضاه قاس من يكون بمكة ويريد أن يحرم بالحج عندما تنبعث به الراحلة في مكة مثلما أحرم النبي عليه الصلاة والسلام عندما انبعثت به الراحلة في المدينة، فهذا ليس مطابقاً لفعله صلى الله عليه وسلم بمكة، ولكنه مطابق لفعله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهو يدل على الحالة الثانية التي جاءت في حديث ابن عباس ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عند انبعاث الراحلة، وهذا جاء عن ابن عمر وجاء عن غيره.
قوله: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها) أي: أنه توضأ وهي عليه، ولكنه كان يغسلها كلها، وليس معنى ذلك أن هناك شيئاً لم يصيبه الماء من قدمه.
وقول هذا الرجل لـابن عمر : رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها مشكل! لكن لعل هذا الشخص يتكلم عمن شاهده، وقد يكون شاهد عدداً قليلاً، وليس معنى ذلك أن كل أصحابه كانوا كذلك.
ولبس النعال السبتية ليس من السنن التعبدية، والأمر فيها واسع، فكل شيء ليس فيه مشابهة للكفار ولا موافقة لهم، وهو سائغ شرعاً فلا بأس به.
* فائدة: ذكر الحافظ في الفتح (3/ 474): أن ابن الزبير كان يمسح الأركان كلها ويقول: ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال له ابن عباس : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
وذكر أيضاً أنه حج معاوية وابن عباس ، فجعل ابن عباس يستلم الأركان كلها، فقال معاوية : إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين اليمانيين، فقال ابن عباس : ليس من أركانه شيء مهجور.
سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد بن جريج ].
عبيد بن جريج ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود في (الشمائل) والنسائي وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن عمر ].
قد مر ذكره.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس وفيه أن الإهلال كان عندما ركب الراحلة واستوت به، وهذا متفق مع ما جاء في حديث ابن عمر الذي مر قبل هذا من أنه أهل عندما انبعثت به الراحلة صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في المدينة أربعاً، وصلى العصر في ذي الحليفة ركعتين، وهذا يدلنا على أن المسافر يبدأ بأحكام السفر عندما يجاوز البلد ويخرج منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في المدينة أربعاً، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين؛ لأنه بدأ بالسفر، فالإنسان إذا سافر وخرج من البلد فعند ذلك يبدأ يقصر، لكن لو وصلت البيوت من المدينة إلى ذي الحليفة واتصلت بها، وصارت ذو الحليفة جزءاً من المدينة، فإنه لا يقصر فيها، فالمدينة -كما هو معلوم- يمكن أن تتسع، وأما الحرم فلا يتسع ولا يقبل الزيادة، وأما المدينة فتقبل الزيادة، وكلما امتدت فاسمها ما زال هو المدينة، سواء الذي في داخل الحرم، أو في غير الحرم، والمدينة الآن بعضها في الحرم، وبعضها ليس في الحرم، وكلها يقال لها: المدينة، لكن لا يقال لها كلها: حرم، فما كان خارج الحرم فإنه من المدينة وليس من الحرم، وما كان داخل الحرم فهو من الحرم ومن المدينة.
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا محمد بن بكر ].
محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن جريج ].
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن المنكدر ].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر وركب راحلته، ولما علا على جبل البيداء أهل)، والجمع بين هذا الحديث وحديث ابن عمر الذي نفى فيه الإحرام من البيداء، أن الإحرام الذي حصل بالبيداء إنما هو تكرار وتأكيد وليس تأسيساً، وأما التأسيس فقد حصل في ذي الحليفة، وأنس نفسه هو الذي روى الحديث المتقدم، وروى هذا أيضاً، فيكون قد حصل منه هذا وهذا، ولعل في الحديث اختصاراً، وقد فصل ذلك ابن عباس كما في الحديث المتقدم.
وفي هذا الحديث نص على أنه صلى الظهر، بخلاف الحديث الأول فإنه لم يذكر الظهر، لكن هنا نص على أنه صلى الظهر وأحرم.
روح بن عبادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أشعث ].
أشعث بن عبد الملك الحمراني ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن الحسن ].
الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك مر ذكره.
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على جبل البيداء) فهذا فيه تفصيل، وهذا لا يتأتى إلا أن يكون في الحج والعمرة، أو في بعض عمره؛ لأن هذا فيه تكرار لا يتأتى في سفرة واحدة، وإنما يكون مع التعدد، والتعدد لا يكون إلا في عمره صلى الله عليه وسلم، وقد خرج من المدينة معتمراً مرتين: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وأما العمرة الثالثة فليست من المدينة، وإنما هي من الجعرانة، والعمرة الرابعة كانت مع حجته، والفرع أماكن قريبة من المدينة فيها مساجد، وقيل: إنها قرية بعيدة منها، وأما أحد فهو من جهة الشمال، ومكة من جهة الجنوب، والذهاب من جهة أحد غير واضح، اللهم إلا أن يكون لم يذهب إلى ذي الحليفة رأساً، وإنما ذهب من جهة تبعد عن ذي الحليفة بحيث إنه يأتي من طريق آخر مثل الطريق الموجود الآن من وراء الجماوات الذي من جهة الجامعة، لكن هذا أيضاً ليس من جهة أحد، وإنما هو من جهة الغرب، وأحد من جهة الشمال، فلا أدري وجه الذهاب باتجاه أحد، وقد ضعف الشيخ الألباني هذا الحديث، ولا أدري وجه تضعيفه: هل هو من جهة المتن أو من جهة الإسناد؟! ويمكن أن يكون ذلك بسبب وذلك بسبب محمد بن إسحاق، فإنه وإن كان صدوقاً فإنه مدلس وقد عنعن.
محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
هو وهب بن جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبي ].
وهو ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه.
[ سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي الزناد ].
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة بنت سعد ].
عائشة بنت سعد بن أبي وقاص وهي ثقة، وقيل: لها رؤية، أخرج لها البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن أبيها ].
أبوها هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن
أورد أبو داود رحمه الله باب: الاشتراط في الحج، والاشتراط في الحج هو أن يقول المشترط: لبيك عمرة، أو لبيك حجاً، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو فمحلي من الأرض حيث حبستني، هذا هو الاشتراط في الحج.
في هذا الحديث أن ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إني أريد الحج أأشترط؟ قال: نعم، قالت: فكيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك! ومحلي من الأرض حيث حبستني).
و ضباعة بنت الزبير رضي الله تعالى عنها هي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، أبوها -وهو الزبير لم يدرك الإسلام، والذين أدركوا الإسلام من أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر ، وهم: حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب ، فاثنان وفقا، واثنان خذلا.
وقال الحافظ ابن حجر : من عجيب الاتفاق أن اسمي اللذين وفقا توافق أهل الإسلام، واسمي اللذين خذلا توافق أسماء الكفار، فواحد اسمه عبد مناف ، وهو أبو طالب والثاني عبد العزى ، وهو أبو لهب، واللذين وفقا ودخلا في الإسلام هما العباس وحمزة ، وهذان الاسمان يوافقان أسماء أهل الإسلام.
قوله: (لبيك اللهم لبيك! ومحلي من الأرض حيث حبستني) أي: في أي مكان يحصل لي فيه مانع، فذلك محلي الذي أتحلل فيه، فينتهي ذلك النسك بناءً على هذا الاشتراط.
وقد اختلف العلماء في مسألة الاشتراط، فمن العلماء من قال بعدم الاشتراط، ولعلهم لم يبلغهم الدليل، أو بلغهم من وجه لا يصح، ومنهم الشافعي ، وكان رحمه الله يقول: إذا صح الحديث قلت به، قال بعض أصحابه: وقد صح الحديث فهو مذهب الشافعي ، أي: حكماً؛ لأنه علق القول به على صحته، وقد صح فهو إذاً مذهبه.
وقال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث في (فتح الباري): وقد جمعت الأقوال التي قال فيها الشافعي : إذا صح الحديث فهو مذهبي في كتاب، وذكرت ما صح فيها من الأحاديث، وكان بعض أصحاب الشافعي يقولون كما في هذه المسألة: إذا صح الحديث فهو مذهب الشافعي، مثل مسألة الوضوء من لحم الإبل، فقد علق القول بوجوب الوضوء على صحة الحديث، قالوا: وقد صح الحديث فهو مذهبه، وهذا بناءً على قوله.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يشترط إلا من كان بحاجة إلى الاشتراط، كحال ضباعة رضي الله عنها.
وقال بعض أهل العلم: إن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لواحد هو كلام للجميع؛ وكل أحد يجوز له أن يشترط.
وهذا الشرط يفيد المشترط أن يتحلل إذا أراد ويترك إحرامه، ولا شيء عليه.
قال بعض أهل العلم: إن الحابس إنما يكون في الحصر والمنع من البيت، ولكن حديث ضباعة ليس في حصر بالعدو، وإنما فيه حصر بالمرض.
ولو أن شخصاً اشترط فتعطلت سيارته فالذي يبدو أنه ليس له أن يحل؛ لأنه يمكن أن تصلح السيارة، ويمكن أن يركب في سيارة أخرى، فليس هناك شيء يمنعه من أن يواصل السير.
وإذا كان المانع مرضاً لا يمكنه أن يذهب بسببه إلى مكة فلا بأس، وإذا كان مرضاً خفيفاً فإنه يذهب ويطاف به محمولاً، ويسعى محمولاً.
عباد بن العوام هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هلال بن خباب ].
هلال بن خباب وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عكرمة ].
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس مر ذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر