وهي عشر قواعد من أخص القواعد في هذا الباب:
فالإثبات المفصل والنفي المجمل هو الغالب على الطريقة القرآنية النبوية طريقة أهل السنة والجماعة، ولكن يقع في القرآن إثبات مجمل ونفي مفصل، ومثاله في الأسماء قوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180] وفي الصفات وقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60]أي: الوصف الأكمل.
ومثال النفي المفصل في القرآن قوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] وقوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] لكن ينبه إلى أن ما يقع من النفي المفصل فإنه يتضمن ثبوت كمال الضد؛ لأن النفي المحض -أي: الذي لا يتضمن أمراً ثبوتياً- ليس بشيء، فلا يكون كمالاً، بل يكون في جمهور الموارد نقصاً ينزه الله تعالى عنه؛ ولهذا كل نفي مفصل في القرآن فإنه يتضمن ثبوت كمال الضد، فقوله: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] أي: لكمال عدله، وقوله: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] أي: لكمال حياته وقيوميته... وهلم جرا.
وهذه القاعدة يرد بها على الجهمية والمعتزلة الذين أثبتوا الذات المنزهة عن الذوات، ونفوا الصفات لأنها تستلزم أن تكون كصفات المخلوقين، فيقال: كما أثبتم لله ذاتاً لا تشابه الذوات يلزم أن يكون له صفات لا تشابه الصفات؛ فإن القول في الصفات فرع عن القول في الذات.
وهذه القاعدة يرد بها على نفاة متكلمة الصفاتية من الأشعرية ونحوهم الذين أثبتوا بعض الصفات ولم يروا فيها تشبيهاً، ونفوا بعض الصفات ورأوا في إثباتها تشبيهاً أو تجسيماً أو حدوثاً أو نحو ذلك.
فهذه القاعدة تدل على أن القول في الصفات واحد، فمن قال: إن غضب الله يؤول بالإرادة؛ لأن الغضب من صفات المخلوقين. قيل: والمخلوق يتصف بالإرادة. فإذا قال: إرادة تثبت لله ليست كإرادة المخلوقين، قيل: وغضبه ليس كغضبهم.. وهلم جرا.
قيل: إن قصد بالظاهر المعنى اللائق بالله سبحانه وتعالى فإن ظاهر النصوص مراد، وإن قصد بالظاهر التشبيه فإن هذا المعنى يعلم أن الرب سبحانه منزه عنه، ولكن لا يسلم ولا يجوز أن يجعل هذا المعنى الباطل هو ظاهر النصوص؛ لأنه يلزم منه أن يكون ظاهر القرآن كفراً، وهذا مما ينزه كتاب الله سبحانه وتعالى عنه.
وإذا كان كذلك فلا يعني هذا أنك لا تنفي نقصاً عن الله إلا إن كان النص القرآني صرح به، فإن هذه قاعدة -كما قال شيخ الإسلام - لم يلتزمها أحد من أهل السنة، بل ولا أحد من الطوائف، فإن القول بأن الله منزه عن الجهل صحيح وبدهي عند المسلمين، لكن التصريح بنفي الجهل لم يرد في القرآن أو السنة، مع أنه منفي عن الله سبحانه وتعالى.
إذاً: القاعدة: أن صفات الكمال المنصوص عليها في القرآن كل ما يقابلها ويضادها فإنه يعلم أن الرب منزه عنه، فلما وصف نفسه بالعلم دل على أنه منزه عن الجهل.. وهلم جرا.
وإن كان النص تارة يصرح ببعض هذه الأضداد، كقول النبي: (إن ربكم ليس بأعور)فإن الله موصوف بالبصر، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ربكم ليس بأعور) مع أن من وصف بالبصر على جهة الكمال، فإنه يعلم أنه منزه عن ذلك.
أما اللفظ الذي لم يرد ولكنه من الألفاظ الحادثة المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً؛ فإن طريقة السلف في هذا أنهم يتوقفون في اللفظ، ويستفصلون في المعنى، فإن كان صواباً قبل، وإن كان باطلاً رد، أما اللفظ فإنه يتوقف فيه من حيث الأصل، وإن كان مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم لا بأس به عند المناظرة كما قرره المصنف؛ وذلك كلفظ الجهة والجسم ونحوها.
وبعبارة أخرى: أن الاشتراك في الاسم المطلق ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص في مثل قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] ذلكم أن الله وصف نفسه بالرضا فقال: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119] وأضاف صفة الرضا إلى المخلوقين فقال: وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119] وقال: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] وقال تعالى عن نفسه: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء:58] وقال عن عبده: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2] وقال عن نفسه: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:43] وقال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] وهلم جرا.
فهذا التوارد الذي تراه في القرآن في الاسم المطلق ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص، وإلا للزم أن يكون القرآن متناقضاً؛ إذا كان قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] يعني: أنه لا يوصف الله بصفة ثبت اشتراك بينه وبين المخلوق في اسم الصفة المطلق؛ فيلزم من هذا أن يكون القرآن متناقضا؛ لأنه نفى التشبيه وأثبته.
وإنما الاشتراك في الاسم المطلق ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص؛ لأن الاشتراك في الاسم المطلق ليس له وجود خارجي، إنما وجوده وجود ذهني، والوجود الخارجي من شرطه: الإضافة والتخصيص والتعيين. فإذا قلت: محبة. فهل فهمت أي محبة هنا؟ هل هي محبة الولد لأبيه، أو الأب لابنه، أو الزوج لزوجته، أو هي محبة المؤمن لربه، أو محبة الرب لعبده المؤمن، إذاً: هي لفظة مجردة لا تخصيص فيها ولا إضافة ولا تعيين؛ فإذا أضفت فقلت: محبة المؤمنين لربهم. أو قلت: محبة الله لعبده. أو قلت: محبة زيد لعمر. فعند الإضافة والتخصيص يكون معنى المحبة في المقامات الثلاثة مختلفاً، والماهية والحقيقة مختلفة.
إذاً: من طرق الرد على المخالف أن يقال: إن نعيم الجنة الذي وصفه الله في الكتاب أو في ما جاء في السنة النبوية في كثير من الأسماء يشترك مع نعيم الدنيا، ففي الجنة خمر وفي الدنيا خمر، لكن خمر الجنة ليس كخمر الدنيا؛ لأن الله ذم خمر الدنيا بل سماه رجساً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90] وهذا مجمع عليه بين المسلمين، فبالضرورة أن خمر الآخرة ليس مثل خمر الدنيا مع أن الاسم واحد، وكذلك الماء وغيره من الأسماء التي ذكرت في الدنيا وذكرت نعيم الآخرة.
فمثلما: حصل اشتراك في الاسم المطلق بين الخمر والخمر ولم تتماثل الحقيقة، فمن باب أولى إذا أضيفت صفة إلى الله وجاء اسمها في حق العبد ألا تكون الصفة كالصفة.
أي: إذا كان الاشتراك في الاسم المطلق لم يستلزم التماثل في الماهية والحقيقة بين المخلوقات كخمر الدنيا وخمر الآخرة فبين الخالق والمخلوق من باب أولى.
إذاً: من ينفي بعض صفات الله كالغضب والرضا ونحوه من الأشاعرة بحجة أن المخلوق يتصف بها أو أن إثباتها يستلزم تشبيهاً يقال: ما قولكم في علم الله؟ ألم تثبتوا لله علماً يليق به مع أن للمخلوق علماً، وأثبتم لله قدرة مع أن للمخلوق قدرة، بل ثبوت صفة القدرة للمخلوق أعرف وأشهر من ثبوت صفة الغضب، ومع ذلك قالوا: إن قدرة الباري ليس كقدرة المخلوق، فيقال: فكذلك الغضب والرضا.. وهلم جرا.
فإن كان النافي من المعتزلة والجهمية الذين ينفون كل الصفات كذلك قيل: أنتم أثبتم لله وجوداً مع أن المخلوق موجود، فحصل اشتراك في اسم الوجود، فإما أن تكون ماهية الوجود واحدة وهذا يعلم امتناعه، فإن الله واجب الوجود والمخلوق ممكن الوجود، ومعلوم بالضرورة العقلية والفطرية أن ثمة تبايناً بين وجود الخالق ووجود المخلوق مع الاشتراك في اسم الوجود.
فالقول في العلم وغيره كالقول في الوجود، فإن قلتم: إثبات العلم يستلزم أن يكون كعلم المخلوق، قيل: لم لم يلزم ذلك في اسم أو في صفة الوجود؟
إذاً الأشاعرة يرد عليهم بما يثبتونه من الصفات، ومن ينفي كل الصفات يرد عليه بصفة الوجود التي لا يستطيع أحد أن ينفك عنها.
وهذا هو السبب في عناية شيخ الإسلام بتقرير قاعدة الوجود والفرق بين أنواع الوجود، وأن الاشتراك باسم الوجود المطلق لم يستلزم التماثل في ماهية وجود الخالق ووجود المخلوق؛ لأنه يتحقق به إبطال لمذهب أصناف المخالفين.
وهي أن كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالخالق أولى به.. وهذا هو معنى قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60] وقد سماه من سماه من أهل السنة لما ذكروا الموقف من القياس بقياس الأولى.
فإن الكلام صفة كمال في المخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه من حيث هو صفة، وإن كان بعض المخلوقين قد يستعمل هذه الصفة في الكفر، والدليل على أنه كمال: أن الله أبطل ألوهية العجل لكونه ليس متصفاً به: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ [الأعراف:148] فدل على أن عدم اتصافه بالكلام دليل على نقصه، وأن الإله الحق يتصف بالكلام، وكذلك في قول إبراهيم عليه السلام: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42] حيث استدل إبراهيم على بطلان ألوهية الأصنام بكونها لا تسمع ولا تبصر.
فبما أن الكلام والسمع والبصر والإرادة والقدرة كمالات في المخلوق فالخالق أولى بها، ولكنها في حقه ليست كالصفات التي يتصف بها المخلوق.
وقلنا: لا نقص فيه بوجه من الوجوه؛ لأن بعض الصفات هي كمال في المخلوق لكنه كمال إضافي وليس كمالاً مطلقاً، أي: أنه كمال بشري، أي: أن الصفة عند تجريدها لا يمكن أن يقال عنها: إنها كمال، لكنها صارت كمالاً باعتبار حال بني آدم.
إذاً الكمال الذي إذا اتصف به المخلوق فالخالق أولى به هو: ما كان في المخلوق من الكمال المطلق، وليس المقصود بالمطلق التام، وإنما الذي هو كمال حتى في مقام التجريد، كصفة الإرادة. فإن الإرادة صفة كمال، سواء أضيفت إلى أي شيء.
وحتى لا تفهم هذه القاعدة خطأ توضح الفرق بين الكمال المطلق والكمال الإضافي في المخلوق؛ حيث إن بعض الناس إذا سمع هذه القاعدة قال: الشخص الذي يأكل ويشرب أكمل من الشخص الذي لا يأكل ولا يشرب، بل الذي لا يأكل ولا يشرب يكون فيه علة؛ إذاً: الأكل والشرب صفة كمال!
فنقول: الأكل والشرب كمال إضافي وليس كمالاً مطلقاً، بمعنى أنه عند التحقيق يعتبر نقصاً.. لماذا؟ لأن طبيعة تركيب الإنسان الجسمانية ينبني بقاؤها على مسألة الأكل فلو لم يأكل ويشرب لانتهى، وهذا نقص في بني آدم، ولهذا كانت الملائكة كما يقول شيخ الإسلام : كانت الملائكة صُمْد . وفي قوله تعالى: اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:2] في أشهر التفسيرين عند السلف أن الصمد: السيد، ولكن جاء في رواية عن ابن عباس صححها شيخ الإسلام ونصرها وصوبها وقال: إنها لا تعارض الرواية الأخرى عن ابن عباس والقول الآخر عند السلف أن الصمد: هو الذي لا جوف له . وقال: إن هذا كمال يتصف الله به؛ لأن التجويف نقص . ولهذا ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة لما خلق الله آدم تركه في الجنة ما شاء أن يتركه فجعل إبليس يطوف به -أي: يدور حوله- فرآه أجوف -أي: مجوف الداخل، بمعنى أنه يحتاج لقانون الأكل والشرب والشهوة.. الخ- قال: فلما رآه أجوف؛ عرف أنه خلق خلقاً لا يتمالك؛ ولهذا يأتي الشيطان الإنسان من هذه البوابة كثيراً.
فالمقصود: أن الأكل والشرب وإن قيل: إنها كمال في الإنسان إلا أنه كمال إضافي، أي: أن حقيقتها نقص من حيث التكوين الخلقي الأساسي، وفرق بين الكمال الذي هو كمال حتى في حال تجريده وإطلاقه، وبين الكمال الإضافي.
وهي محك النزاع بين السلف ومخالفيهم من نفاة الصفات، وهي: أن ثبوت أحد الوصفين المتقابلين يستلزم العلم بنفي الآخر، وأن نفي أحد المتقابلين يستلزم العلم بثبوت الآخر.
ومثالها: أن العلم باتصاف الله سبحانه وتعالى بالعلم يستلزم انتفاء الجهل، والمنفي هنا ليس هو محل خلاف بين المسلمين، فإذا أردت أن تبطل مذهب المخالف تستعملها على طريقة العكس: أن العلم بانتفاء أحد الوصفين المتقابلين يستلزم العلم ضرورة بثبوت الآخر، فتقول للمعتزلة: لما اتفقنا أن الله منزه عن الجهل لزم أن يكون موصوفاً بالعلم.
لما اتفقنا أن الله منزه عن العجز لزم أن يكون موصوفاً بصفة القدرة.. وهلم جرا.
إذاً: العلم بثبوت أحد الوصفين المتقابلين يستلزم العلم بنفي الآخر، فهذه القاعدة لا يخالف فيها أحد، لكن المصنف يستعمل عكسها للإثبات، يستعمل عكسها، وهو أن العلم بنفي أحد الصفتين يستلزم العلم بثبوت الصفة الأخرى المقابلة، لأن القاعدة تقبل الانعكاس الاطرادي، فهو يستدل بأنه ما دام المخالف يسلم بأن العلم بثبوت الصفة يستلزم نفي ضدها فإن الفرض العقلي الضروري يلزم منه صحة العكس أيضاً؛ لأن القاعدة منبنية على عدم الجمع بين المتقابلين.
فمن قال: إن العلم بثبوث أحد الوصفين يستلزم نفي الوصف المقابل؛ لزمه بالضرورة العقلية القاطعة أن يسلم بأن نفي أحد الوصفين يستلزم العلم بثبوت الآخر المقابل، فإن صفة الكمال دائماً يقابلها ويضادها صفة النقص، فإذا علمنا تنزه الباري عن صفات النقص لزم أنه متصف بصفات الكمال.
فهذه القاعدة قاعدة اطرادية وهي مبنية على قبضة قوانين العقل، وهو قانون: عدم الجمع بين النقيضين، وهو المذكور في مثل قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ [الطور:35] فإنهم خلق أنفسهم ممتنع، وخلقهم من غير شيء كذلك ممتنع، إذاً: لزم بالضرورة العقلية أن يكون الله هو الذي خلقهم.
وقد اهتم بقاعدة التقابل هذه شيخ الإسلام كثيراً، فقد أشار إليها في الرسالة التدمرية في القاعدة السابعة، وشرحها في كتبه شرحاً مطولاً، وهي محك الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة.
فالسلف -كما تقدم- يفرقون بين العلم بالصفة من حيث معناها وبين العلم بها من حيث كيفيتها، والمخالفون لهم يزعمون أن إثبات الصفة يستلزم التشبيه، فيقال: هذا مبني على أن العلم بالصفة يستلزم العلم بكيفيتها، أما من فرق بين المقامين والتزم أن العلم بالمعنى لا يستلزم العلم بالكيفية لم يرد عليه هذا الإشكال، وهذا معنى قول المصنف: أن كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل.
إذاً: المخالف في كثير من الأحوال جاء من ظن التلازم بين العلم بالمعنى والعلم بالكيفية، حيث أنه يظن أنه إن أثبت المعنى لزم أن يثبت العلم بالكيفية، ثم يبحث في الكيفية فلا يعرف إلا كيفيةً يختص بها المخلوق، فينفي الكيفية وينفي تبعاً لها المعنى الذي ظنه ملازماً لهذه الكيفية.
ومن هنا كان التفريق أصلاً في هذا الباب، سواء في تحقيق مذهب السلف أو في الرد على المخالف.
هذا محصل الإشارة لهذه القواعد، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا هداةً مهتدين، وأن يرزقنا حسن القول والقصد والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر