إسلام ويب

زينب بنت جحشللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تضمن الدرس سيرة أم المؤمنين زينب بنت جحش، وفضلها، وذكر هجرتها مع أسرتها، وزواجها من زيد بن حارثة ترسيخاً لمبدأ التفاضل بالتقوى لا غير، وطلاقه لها ثم تزويج الله إياها لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لإبطال قاعدة التبني التي ترسخت في عقول الناس في الجاهلية.

    1.   

    من سيرة أم المؤمنين زينب رضي الله عنها

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعـد:

    فحيا الله هذه القلوب الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعنا وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

    أحبتي في الله: هذا هو لقاؤنا الثاني عشر وما زلنا بتوفيق الله جل وعلا نطوف مع حضراتكم في بستان سير أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ذلكم البستان الذي لا ينقطع عبيره، ولا ينتهي شذاه، ولا تذبل أزهاره، ولا تموت وروده، ولا يُشبع من رحيقه أبداً.

    فضائلها رضي الله تعالى عنها

    تعالوا بنا اليوم لنعيش في بيت النبوة مع الصوامة القوامة، مع الخاشعة العابدة، مع الورعة الزاهدة، مع التقية النقية، إنها أطول نساء النبي يداً، أي: أعظم نساء النبي صلى الله عليه وسلم صدقةً وإنفاقاً وبراً ورحمةً وإشفاقاً.

    إنها أم المساكين وسكن الأرامل واليتامى والمحتاجين، إنها الشريفة الطاهرة التي جمعت الشرف من جميع أطرافه وأسبابه، وحازت الفضل من جميع أبوابه، فزوجها أشرف خلق الله، وأمها عمة رسول الله، وخالها كوكب الأصفياء وسيد الشهداء حمزة ، وأخوها هو صاحب أول راية عقدت في الإسلام، وأول من لقب بأمير المؤمنين، إنها الشريفة الطاهرة التي أثنت عليها السيدة عائشة ثناءً عاطراً زكياً فقالت عنها: [هي التي كانت تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة خيراً في الدين ولا أتقى لله، ولا أصدق في الحديث، ولا أوصل لرحم، ولا أعظم صدقة منها رضي الله عنها وأرضاها].

    إنها الشريفة الفاضلة التي أثنت عليها عائشة في موضعٍ آخر ووقت آخر، وقالت كما ورد في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وابن سعد في الطبقات وسنده حسنٌ وله شاهدٌ في صحيح مسلم ، أثنت عائشة على هذه الشريفة الفاضلة فقالت عنها: (لقد نالت الشرف الذي لا يبلغه شرف في هذه الدنيا، فلقد زوجها الله نبيه صلى الله عليه وسلم ونطق به القرآن الكريم، ولقد قال لنا النبي عليه الصلاة والسلام: أطولكن يداً، أسرعكن لحوقاً بي) فبشرها النبي صلى الله عليه وسلم بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة.

    أعلمتم من هي؟

    إنها التقية النقية الشريفة الطاهرة الفاضلة التي كانت تفخر على جميع زوجات النبي بهذا الفخر، وبهذا الشرف الكبير وتقول لهن: [لقد زوجكن أهلكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات] إنها أُمنا أم المؤمنين: زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها التي زوجها الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري : [كانت زينب تفخر على زوجات النبي وتقول: لقد زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات] فمن هي زينب بنت جحش؟ وما الذي نعرفه عن أمنا رضي الله عنها؟

    نسبها ودخول أسرتها في الإسلام

    زينب ولدت في مكة قبل البعثة في بيت شرف وحسب ونسب، ولما بدأت نسمات الإسلام تفوح بأريجها العطر في أم القرى ، وبدأ أصحاب العقول الزكية النقية يقبلون على هذه الدعوة الجديدة بقلوبٍ متعطشة للتخلص من براثن الجاهلية، كان من أوائل من شرح الله صدورهم للحق أخو زينب ؛ عبد الله بن جحش رضي الله عنه وأرضاه.

    وما إن أسلم عبد الله بن جحش حتى أعلنت الأسرة كلها إسلامها لله جل وعلا، وأثار المشركين في مكة انتشار الإسلام بسرعة مذهلة، وأقض ضاجعهم في مكة انتقال الإسلام من مكة إلى المدينة المنورة وانتشاره في المدينة بسرعة منقطعة النظير.

    وبدأ المشركون في مكة يصبون جام غضبهم على الموحدين في مكة ، وتحت وطأة هذا العذاب وهذه الآلام أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن يهاجروا من مكة إلى المدينة المنورة ، وكان من بين هذه الأسر الكريمة التي هاجرت من مكة إلى المدينة أسرة بني جحشٍ رضي الله عنهم جميعاً، وعلى رأسهم السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها.

    1.   

    زينب .. وإرساء قواعد المجتمع الإسلامي الجديد

    ثم بعد ذلك أيها الأحبة! هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبدأ يرسي قواعد المجتمع الإسلامي، ويحطم ويدك قواعد المجتمع الجاهلي.

    (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ميزان عادل

    فإن من أهم القواعد التي أرساها النظام الإسلامي الجديد في المدينة قاعدة جليلة عظيمة كبيرة شاقة على هذه النفوس التي عاشت طوال هذه السنوات في الجاهلية ألا وهي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    ومن أهم وأخطر القواعد الجاهلية التي جاء النظام الإسلامي بتحريمها وببطلانها وبدكها من قواعدها قاعدةً خطيرةً سائدة في المجتمع الجاهلي ألا وهي: قاعدة التبني.

    قاعدة أرساها الإسلام وقاعدة دكها من أصولها.

    أما الأولى فهي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].

    وأما الثانية: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5].

    وشاء الله جل وعلا لإرساء القاعدة الأولى، وإلغاء القاعدة الثانية أن ينتدب لهذه المهمة الصعبة العسيرة الشاقة القدوة الطيبة، والأسوة الحسنة، والمثل الأعلى محمداً صلى الله عليه وسلم، لتحويل هذه الحقائق إلى واقعٍ متحرك، وإلى مجتمع منظور، وراح النبي عليه الصلاة والسلام يسقط جميع فوارق وقيم الجاهلية، ويصرخ في الناس بأعلى صوته ويقول: (دعوها فإنها منتنة).

    وراح النبي صلى الله عليه وسلم يعلن للناس قيماً جديدةً، وميزاناً عادلاً يتحاكم ويرجع إليه الناس، وينادي فيهم بأعلى صوته ويقول: أيها الناس! ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    ذلكم هو الميزان العادل الذي لا محاباة فيه لأحد عند الله جل وعلا؛ لا يرفع الشريف عند الله شرفه، ولا ينزل الوضيع عند الله وضاعته، والميزان إنما هو التقوى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    زيد بن حارثة وزواجه بزينب

    وحتى يحول النبي صلى الله عليه وسلم هذه القيم والمثل العليا إلى واقعٍ ملموس، وإلى مجتمعٍ متحرك ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ليطبق على نفسه وعلى آل بيته هذه القواعد الكبيرة، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مولاه وخادمه زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه ليخطب له أشرف امرأة في مكة ، ليخطب له ابنة عمته زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاه.

    وانتبهوا أيها الأحبة في الله! أقول: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليحول هذه القواعد والمثل العليا إلى واقع ملموس، وإلى مجتمع متحرك، ذهب ليخطب ابنة عمته زينب بنت جحش رضي الله عنها لخادمه ومولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، والحق أقول: إن زيداً لم يكن عبداً من العبيد، ولم يكن رقيقاً من الرقيق، وإنما زيدٌ من كرام العرب الأفاضل الشرفاء، فما الذي جاء به رقيقاً وعبداً إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟

    القصة بطولها ذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة وألخصها لكم: إن زيداً خرجت به أمه في يومٍ من الأيام لتزور أهلها، فأغار عليهم قومٌ فأخذوا زيداً وباعوه بعد ذلك في سوق عكاظ ، فاشتراه في هذا اليوم حكيم بن حزام وأهداه بعد ذلك إلى عمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، ولما تزوج النبي خديجة رضي الله عنها ورأى زيداً عندها، أعجب النبي بأدب زيد وفطرته وذكائه.

    فلما رأت خديجة ذلك قالت: [هو لك يا رسول الله] وأهدت خديجة زيداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتق النبي من يومها زيداً رضي الله عنه وأرضاه، وأحبه النبي صلى الله عليه وسلم حباً شديداً.

    ولكن أبا زيد كان لا يهدأ في ساعة من ليلٍ أو نهار، وكان يسأل عنه الركبان في كل مكان ومن كل مكان.

    ولما سمع أبوه أن ابنه عند محمد بن عبد الله بجوار الحرم في مكة -زادها الله تشريفاً- انطلق أبوه مع أخيه أي: مع عم زيد وأخذا الفداء وانطلقا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ودخلا على النبي في بيت الله الحرام وقالا للنبي عليه الصلاة والسلام: يـا بن عبد المطلب .. يا بن سيد قومه! لقد جئناك في ولدٍ لنا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ومن؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أو غير ذلك -أي: هل تظنون أني أفعل غير ذلك- بل ادعوه وخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فما أنا بالذي يختار على الذي يختارني فداء فقال أبوه وعمه: لقد زدت على الإنصاف يا بن عبد الله، ودعا النبي زيد بن حارثة رضي الله عنه وخيره النبي عليه الصلاة والسلام بعدما قال له: يا زيد أتعرف هؤلاء؟ قال: نعم. هذا أبي وهذا عمي، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: إن شئت ذهبت معهما وإن شئت ظللت معي.

    أتدرون ماذا قال زيدٌ أيها الأحباب؟ نظر زيد إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: والله ما أنا بالذي يختار عليك أحداً.

    إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث بعد، فما الذي جعل زيداً رضي الله عنه يختار النبي قبل البعثة؟ فما ظنكم به بعد البعثة؟ نظر زيد إلى الحبيب وقال: والله ما أنا بالذي يختار عليك أحداً، ففزع أبوه وعمه، ونظر إليه أبوه وقال: يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهلك؟ فنظر زيدٌ إلى أبيه وعمه وقال: والله لقد رأيت من هذا الرجل شيئاً وما أنا بالذي يفضل عليه أحداً قط.

    فبالله عليكم ماذا يفعل الحبيب أمام هذه الأخلاق السامقة؟ ماذا يفعل الحبيب أمام هذا الخلق العالي الغالي الشريف؟ أمام هذا الشاب الذي أصم الجميع بخلقه وفصاحة لسانه وحبه الذي تمكن من قلبه لمحمد بن عبد الله؟

    ما كان من صاحب الأخلاق صلى الله عليه وسلم إلا أن أخذه من يده وذهب به إلى الناس ووقف في الحجر ينادي على الناس ويقول: أيها الناس! اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

    فلما رأى أبوه وعمه ذلك انطلقا وقد طابت أنفسهما، فأي شرفٍ وأي فخرٍ أن يلقب زيد من هذا اليوم بـزيد بن محمد؟ ومن يومها ما دعي زيدٌ إلا بهذا زيدٌ بن محمد، أي شرف وأي فخرٍ لك يا زيد ؟

    وأحب النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا اليوم زيداً حباً شديداً ، حتى ورد في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وابن سعد ورواته ثقات والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر في الإصابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـزيد : (يا زيد أنت مولاي مني وإلي وأحب القوم إلي).

    وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما ولى النبي أسامة بن زيد بن حارثة إمرة الجيش طعن الناس في إمارته، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن تطعنوا في إمارته فلقد طعنتم في إمارة أبيه زيدٍ من قبل، وايم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإنه لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده) هذه مكانة زيد في قلب النبي أيها الأحباب.

    أخذ النبي صلى الله عليه وسلم زيداً وذهب ليخطب له شريفةً عظيمةً كريمة طاهرة من شريفات مكة ، زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، ودخل النبي على زينب، وكلم النبي زينب وحدثها وحدثته وقال لها: (يا زينب لقد جئت اليوم أخطبك لـزيد بن حارثة قالت: لا. أنا أيم قومي، وبنت عمتك، وأنا أشرف منه نسباً والله ما أنا بفاعلة، قال لها الرسول عليه الصلاة والسلام: ولكني قد رضيته لك يا زينب، قالت: ولكني لا أرتضيه لنفسي) قوة عجيبة! ولكني لا أرضاه لنفسي، وظل النبي يحاورها وترد عليه بمنتهى القسوة والشدة والغلظة .. أنا أشرف منه نسباً يا رسول الله، وما نست زينب أن زيداً رضي الله عنه ما دخل بيت أهلها إلا عبداً وتنظر إليه من هذا المنظار، أنا أشرف منه نسباً وإن رضيته أنت لي زوجاً يا رسول الله فلن أرضاه لنفسي، ووالله لن أفعل ذلك، فنزل قول الله جل وعلا الذي يعلم السر وأخفى، ويسمع دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، إن كل شيء في هذا الكون لا يغيب عن بصر الله ولا عن سمع الله.

    نزل قول الله جل وعلا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] الله أكبر! أي بيانٍ هذا؟ وأي إنذار؟

    (وما كان لمؤمنٍ) أي: زيد ، (ولا مؤمنة) أي: زينب ، إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

    إذا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم فيجب على كل مؤمنٍ ومؤمنة أن يقولا لله ورسوله: سمعنا وأطعنا، لا يختار لنفسه بعد اختيار الله، وبعد اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] واسمع إلى هذا التهديد الرهيب: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] فلما قرأ النبي الآيات على زينب رضي الله عنها وأرضاها، وهي صاحبة القلب التقي النقي نظرت إليه صلى الله عليه وسلم وقالت: (قد أطعتك يا رسول الله فاصنع ما شئت).

    إنه الاستسلام المطلق لأوامر الله ورسوله، ولا خيار، إنه الإيمان أو لا إيمان؛ إما إذعان لأوامر الله وإذعان لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك هو الإيمان في أجل وأعلى مراتبه، وإما إعراض عن أوامر الله وإعراض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم الطاعة لهما، وهذا هو الكفر بعينه.

    (قد أطعتك فاصنع ما شئت يا رسول الله)، إن هذه العبارة تحتاج منا إلى جمعة كاملة، ذلكم المقوم الكبير .. مقوم الاستسلام لله جل وعلا الذي به استحقوا أن يكونوا أهلاً لحمل هذه الأمانة بقوة وجدارة واقتدار.

    فزوج النبي زيداً زينبَ رضي الله عنهما، ولكن إذا تنافرت القلوب تنافرت الأبدان، وإن الحياة الزوجية إن خلت من الحب والمودة والرحمة أصبحت كالجسد الميت إن لم يدفن فاح عفنه ونتنه، ودفنه هو: الطلاق، تلبدت سماء هذا الزواج بالغيوم الداكنة السوداء التي زادت يوماً بعد يوم، ولم تنس زينب رضي الله عنها أن زيداً ما دخل إلى بيت أهلها إلا عبداً، وأحس زيد رضي الله عنه استعلاء زينب وترفعها عليه، وزيدٌ العربي الكريم الأبي لا يقبل هذه العزة وهذا الاستعلاء أبداً.

    ويذهب زيد إلى حبيبه رسول الله ويشكو إليه عيشته مع زينب ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أمسك عليك زوجك واتق الله) ويرجع زيد.

    ولكن سبحان من بيده القلوب يحركها كيف يشاء، إن النفور يستشري ويستفحل يوماً بعد يوم بين زينب وزيد، ويرجع زيدٌ مرة تلو المرة يا رسول الله: إني لا أطيق العيش مع زينب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أمسك عليك زوجك واتق الله).

    1.   

    زواج النبي من زينب وإبطاله لقاعدة التبني

    وفي يومٍ من الأيام علم النبي صلى الله عليه وسلم أن زيداً حتماً سيطلق زينب لماذا؟ لأن جبريل عليه السلام جاءه وأخبره أن زينب ستكون من زوجاته رضي الله عنهن، وأن الله تعالى سيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتزوجها بعد تطليق زيدٍ لها لإلغاء القاعدة الثانية التي ذكرتها، ألا وهي قاعدة التبني.

    ولما أخبر النبي بذلك على الرغم من قوته وجرأته وشهامته في مقابلة قومه في مسألة التوحيد والشرك، لما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أخفى في نفسه ما يعلم يقيناً أن الله سيظهره ويبديه، وخشي ما الذي سيردده الناس من المرجفين والمنافقين، بل وكيف سيستقبل المجتمع الإسلامي هذا التغيير الكبير؟ كيف يقول الناس: إن محمداً قد تزوج امرأة ابنه وكانت امرأة الابن بالتبني محرمة حتى ولو طلقها الابن بعد ذلك، هذا قانون جاهلي، ولكن الله جل وعلا أراد أن يدك هذا القانون، وأن يحرمه ويغيره.

    وخاف النبي عليه الصلاة والسلام أن يواجه المجتمع بهذا التغيير الجذري العميق، ويرجع إليه زيد ، فيقول له: (أمسك عليك زوجك واتق الله) بعدما علم يقيناً أنه سيطلقها وأنها ستكون زوجته بأمر الله جل وعلا لإلغاء التبني الذي حرمه الإسلام، ونزل العتاب الشديد -ولو كان النبي كاتماً شيئاً من الوحي لكتمه- نزل قول الله جل وعلا يعاتب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي خشي أن يواجه المجتمع بهذا التغيير الجذري وبهذه القاعدة الجديدة الكبيرة، وأخفى في نفسه هذا الأمر وهو يعلم أن الله سيظهره وسيبديه، نزل قول الله جل وعلا: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37] بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] الأمر والزواج من الله فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب:37] وإذ تقول يا محمد صلى الله عليه وسلم للذي أنعم الله عليه، لـزيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه بالقرب منك وأنعم عليه بتربيتك له في بيتك وعلى مائدتك وبيديك يا رسول الله وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [الأحزاب:37] بالعتق والتربية، أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37] وهو أن زيداً سيطلق زينب وتتزوجها من بعده وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ [الأحزاب:37] أي شرفٍ هذا الذي أقول؟ أقول: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ [الأحزاب:37] هل ذكر اسم زيدٍ في القرآن؟ نعم. إنه الصحابي الوحيد والرجل الوحيد في أمة المصطفى الذي خلد الله اسمه وذكره في القرآن إلى يوم القيامة.

    فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] الزواج من الله، تزوج النبي زينب بغير ولي وبغير شاهدٍ وبغير عقد؛ لأن الذي زوجها من فوق سبع سماوات إنما هو الله جل جلاله، فلما نزلت الآيات بعدما طلقت زينب وانقضت عدتها، قام النبي عليه الصلاة والسلام فدخل عليها بيتها بغير إذنٍ ولا ولي ولا شاهد، وكانت زينب تفخر بذلك على زوجات النبي وتقول: [لقد زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات] هذا هو معنى الحديث.

    يقول أنس بن مالك -والحديث في صحيح مسلم -: [فلما دخل النبي على زينب بنت جحش ذهبت أدخل معه إلى البيت فأرخى النبي بيني وبينه الستر ونزلت آية الحجاب] وهذه بركة أخرى من بركات زينب رضي الله عنها.

    1.   

    الرد على افتراءين على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل زواجه بزينب

    زوج الله رسوله صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات وانتهت القضية، إلا أن المجتمع لم يستقبل هذه القاعدة الجديدة بيسرٍ وسهولة، إنه نظام عميق امتد بجذوره إلى أعماق المجتمع.

    لم يستقبل المجتمع الإسلامي هذا الأمر بيسرٍ وسهولة، وانطلق المنافقون والمرجفون يرددون العبارات والكلمات: لقد تزوج محمدٌ حليلة ولده، لقد تزوج محمدٌ زوجة ابنه .. وترددت الكلمات والإشاعات في المدينة المنورة والنبي صلى الله عليه وسلم يتألم، إلا أن الله جل وعلا ما أهمل هذه القاعدة، بل نزل القرآن يؤكدها ويوضحها ويبين للناس أن الأمر سهل ميسور، إن علاقة النبي بـزيدٍ والمسلمين جميعاً هي علاقة النبي بقومه، وما كان زيد قط ابناً لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إنما هو زيد بن حارثة ، ونزل القرآن يوضح هذه الحقائق ويرفع الحرج عن قلب حبيبه صلى الله عليه وسلم، فنزل قول الله جل وعلا: مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [الأحزاب:38] إن فرض الله، وإن تشريع الله هو الذي ينبغي أن ينفذ وأن يطبق: مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً [الأحزاب:38-39].

    ويبين الله جل وعلا علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بـزيد مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [الأحزاب:40] هو الذي يعلم ما يصلح خلقه وهو الذي يعلم ما يفسد خلقه: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    الافتراء الأول والرد عليه

    وهكذا أيها الأحباب: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بـزينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، وتنتقل زينب إلى بيت النبي لتصبح من هذا اليوم أماً من أمهات المؤمنين، وزوجةً لرسول رب العالمين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

    أي شرفٍ هذا وأي فخرٍ تفتخر وتشرف به زينب أن يزوجها الله .. ولمن؟ لرسوله صلى الله عليه وسلم.

    ولكن هناك عقولاً أنهكها التحلل الأخلاقي وراحت تلهث وراء هذه النصوص الواضحة للي أعناقها لياً كبيراً للنيل من أطهر وأشرف رجلٍ عرفته الدنيا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وسقط في هذه الهوة السحيقة الكبيرة بعض محترفي وصناع الوضع، ووضعوا الأحاديث وروجوا الإشاعات وسجلوا الأكاذيب.

    ومما يؤلم القلب أنني وأنا أعد لخطبة زينب رضي الله عنها قرأت كثيراً وكثيراً فوجدت أن كثيراً من أمهات المراجع قد لوثت بهذا الخبر المكذوب الموضوع الذي نقله كثيرٌ منهم لبطون كتبهم بغير تدقيق ولا تمحيص لا للسند ولا للمتن، سأرد الآن بإيجاز على افتراءين وعلى تهمتين.

    أما الافتراء الأول: فخلاصته في خبرٍ موضوعٍ مكذوبٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- ذهب إلى زيدٍ ليزوره في بيته يوماً فهبت ريحٌ فكشفت الستر فرأى النبي زينب بنت جحش فوقعت في قلبه، فانطلق النبي وهو يقول: سبحان الله العظيم! سبحان من يقلب القلوب!

    هذه خلاصة الخبر المكذوب الموضوع، ومن يومها أراد النبي أن يتزوج زينب رضي الله عنها، أي سفه هذا؟ والله إنه لا يقبل هذا الأتقياء فما ظنكم بسيد الأنبياء، والله لا يقبل تقيٌ أن ينظر إلى زوجة أخٍ من إخوانه، وأن يتمنى أن يتزوجها بعده، أو وهي معه في حياته فكيف بسيد الطاهرين محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    وأنا أعجب! من الذي زوج زينب بـزيد ؟ من الذي ذهب إليها؟ من الذي كلمها؟ من الذي خطبها؟ ألم يرها النبي عليه الصلاة والسلام مع أن النساء لم يكن يحتجبن من الرجال قبل نزول آية الحجاب وهي ابنة عمة النبي عليه الصلاة والسلام التي تربت معه في بيته وبين أهله، أي سفه هذا؟

    هل ما رأى النبي زينب إلا في هذا اليوم الذي تفننوا فيه ونسجوا له إخراجاً سينمائياً حقيراً على غرار هؤلاء الأقزام بأن ريحاً هبت كشفت الستر فرأى النبي زينب فوقعت في قلبه! ما هذا؟ هذا يليق بقصة ينسجها مخرجٌ صاحب عقلٍ عفن.

    أما النبي؛ أما سيد الطاهرين؛ أما سيد النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده ما رأت البشرية أنقى ولا أطهر ولا أخجل ولا أصدق ولا أعف من محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    الافتراء الثاني والرد عليه

    وأما الافتراء الثاني الذي أكل عليه المستشرقون وشربوا قالوا: بأن النبي كان رجلاً شهوانياً لا تحركه إلا الشهوة.

    من أمثال الحقراء الأقزام ديرمنجم ، مهير ، أيرفينبخ ، لا منس وغيرهم وغيرهم من أفراخهم الذين تربوا على موائدهم وحجوا إلى قبلتهم، وشربوا من مستنقعهم القذر، وعادوا لينسجوا نسجهم في أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تحركه إلا الشهوة، والحق أقول لكم: إن كثيراً من الكتاب والأدباء والمفكرين الإسلاميين الذين ردوا على هذه الفرية ردوا رداً بالغ الهزال، لماذا؟ لأنهم انطلقوا في ردودهم من موقع الهزيمة النفسية، وبأنهم في قفص الاتهام مع نبيهم ويجب أن يدافعوا، سبحان الله! ولكن يجب على كل مسلم أن يعي هذا الأمر جيداً.

    أولاً: إن ردَّ فليعلم أنه يجب عليه أن يرفع هامة رأسه عالية لتعانق الجوزاء، وأن يمد رقبته خفاقة لتمتد إلى عنان السماء وليعلم أننا إن رددنا، فمن أهل الأرض جميعاً؟ من أهل الكفر؟ ومن أهل النفاق؟ ومن أهل القلوب المريضة لينالوا من أطهر رجلٍ عرفته الدنيا؟ وهل يضر السماء نبح الكلاب؟

    وثانياً: إن ردَّ فينبغي أن يعي جيداً أن لا يجعل نفسه ورسوله في موضع اتهام .. فيجعل من نفسه محامياً يدافع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ من أنت ومن أنا؟ ومن أهل الأرض جميعاً لينالوا من أشرف مخلوق عرفته الدنيا؛ من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وإنما نحن لا نرد على هذه الافتراءات إلا لأمرين اثنين.

    الأول: لنبين لهؤلاء المستشرقين أنهم يتعمدون الكذب، ويتعمدون التزوير للحقائق، ويتعمدون ليَّ أعناق الحقائق ليّاً.

    والأمر الثاني: لنبين للمسلمين الذين انخدعوا بأفكار وآراء هؤلاء المستشرقين الذين تربوا على موائدهم، وفرخوا في أحضانهم، لنبين لهم الحق حتى لا تزل قلوبهم والعياذ بالله.

    فأقول في إيجاز: إن الشواهد الواقعية والوقائع التاريخية الملموسة تقول وترفع صوتها بأن الرجل الشهواني الذي لا يتحرك إلا بالشهوة ولا تحركه إلا الشهوة حتماً ينتهي إلى ضياعٍ وإفلاسٍ وخسران، هذه قاعدة واقعية ملموسة فلا يوجد أبداً سياسيٌ أو زعيمٌ أو حاكمٌ أو قائدٌ تحركه الشهوة وتقعده إلا وانتهى حتماً بأمته إلى الذل والعار والهزيمة، واسألوا التاريخ، وليس ذلك منكم ببعيد.

    وما وجد أبداً تاجرٌ غنيٌ ثريٌ تحركه الشهوة وتقعده، وتدفعه الشهوة لإرواء غرائزه إلا وانتهى حتماً إلى إفلاس، وهذا أمرٌ يصدقه الواقع.

    وما وجد أبداً مفكرٌ ولا أديبٌ يتحرك بالشهوة وتسيطر على فكره وقلمه إلا انتهى فكره حتماً إلى تناقضٍ واضطراب، وهذا أمرٌ تؤكده الروايات التي تقرأ والتي صمت بها الآذان، وعميت بها الأعين في الليل والنهار ولذا فأنا أسأل:

    هل ذكر التاريخ مرة أن محمداً صلى الله عليه وسلم توانى لحظةً من لحظات ليله أو نهاره عن التخطيط والكفاح والجهاد لنشر دين الله؟

    ثم إني أقول: متى تزوج النبي؟ تزوج النبي في الخامسة والعشرين من عمره بـخديجة رضي الله عنها التي كانت في الأربعين من عمرها -اسمع أيها الحبيب- وظل النبي صلى الله عليه وسلم مع خديجة رضي الله عنها حتى توفاها الله عز وجل، لم يتزوج النبي عليها غيرها أبداً.

    أتدرون كم عاشت خديجة مع رسول الله؟

    عاشت خديجة مع رسول الله حتى بلغ الخمسين من عمره، وماتت خديجة رضي الله عنها وظل النبي بعدها لا يتزوج أكثر من عامين، وبعدها تزوج امرأةً عجوزاً؛ لأن زوجها قد قتل واستشهد، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام في الثالثة والخمسين من عمره، أبالله عليكم هذا سؤالٌ لكل من لم يمت الإنصافه في قلبه فيعمى بذلك عقله ويضل قلمه وفكره، رجلٌ في ريعان شبابه يتزوج بامرأة واحدة تكبره بخمسة عشر عاماً، ثم بعد ذلك وهو في الثالثة والخمسين -وسن الخمسين عند جميع الفقهاء هو سن الشيخوخة- بعد أن انقضى شبابه الزاهر الأنور وفي سن الشيخوخة يتزوج بنسائه كلهن من أجل شهوة؟! سؤالٌ نوجهه لكل من لم يمت إنصافه في قلبه؛ فيعمى بذلك عقله ويضل قلمه وفكره؟

    أسأل الله جل وعلا أن يجزي عنا نبينا خير ما جزى نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    1.   

    وفاة أم المؤمنين زينب رضي الله عنها

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها الأحبة: هكذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها التي قالت عنها عائشة كما ذكرت وخرجت الحديث آنفاً؛ لقد بلغت زينب الشرف الذي لا يبلغ في هذه الدنيا، فلقد زوجها الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وذكر ذلك في القرآن، وسيظل القرآن يتلى إلى يوم القيامة.

    وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يدا)، وفي صحيح مسلم تذكر عائشة رضي الله عنها أن النبي لما ذكر لهن ذلك كن يقسن أذرعتهن على الحائط، ولكن النبي كان يقصد شيئاً آخر، كان يقصد بأطولكن يداً أي: بأعظمكن صدقة وإنفاقاً على الفقراء والمساكين، وكانت هي زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، والتي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً) فبشرها النبي صلى الله عليه وسلم بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة.

    وفي الثالثة والخمسين من عمرها، وفي السنة العشرين من الهجرة تنام زينب رضي الله عنها على فراش الموت وكأنها كانت قد استعدت للقاء الله، فأعدت كفنها إلى جوارها فنظرت إلى أهلها وقالت: [أعلم أن عمر بن الخطاب سيرسل لي كفناً آخر وهذا كفني قد أعددته، فإن أرسل لي عمر كفناً فتصدقوا بأحدهما] وفاضت روحها لتسعد بعد ذلك سعادةً لا تشقى بعدها أبداً بصحبة نبيها وزوجها الحبيب محمدٍ صلى الله عليه وسلم في الجنة فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] رضي الله عن زينب ، وشكر الله لها طاعتها لله ولرسوله فأبدلها الله بذلك خيراً في الدنيا والآخرة وزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأن تكون معه في جناتٍ تجري من تحتها الأنهار في جنات النعيم في الدار الآخرة.

    فرضي الله عن زينب، وصلى الله على أستاذها ومعلمها ونبيها، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعنا به في دار كرامته ومستقر رحمته إنه ولي ذلك ومولاه.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

    اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756361947