إسلام ويب

مشاهد من أمريكاللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المجتمع الأمريكي مجتمع منحل متفسخ؛ تسوده الفوضى والخوف، وتعلوه الجريمة بمختلف ألوانها، بل لا تكاد تمر دقيقة أو ثانية إلا وتقع فيها جريمة، إما قتل أو سرقة أو اغتصاب أو غير ذلك، فلا يغتر أحد بهذا المجتمع الذي يصوره البعض على أنه قدوة؛ فإن هذا حاله، وما ذاك إلا لبعده عن الإسلام وتعاليمه، ومثل هذا المجتمع يحتاج إلى دعاة إلى الله، يقومون بتقديم الإسلام لينقذه من قسوة المادة والجفاف الروحي.

    1.   

    واقع الأمة الإسلامية

    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعاً أيها الإخوة الكرام! وأيتها الأخوات الفضليات! وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً. أحبائي يا ملء الفؤاد تحيةً تجوز إليكم كل سد وعائق لقد شدني شوق إليكم مكلل بالحب والتقدير والدعاء المشفق وأرقني بالمظلمات عليكم تكالب أعداء سعوا بالبوائق أردتم رضا الرحمن قلباً وقالباً وما أرادوا إلا حقير المآزق فسدد الله على درب الحق خطاكم وجنبكم فيه خفي المزالق طبتم جميعاً أيها الإخوة والأخوات وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا كما جمعنا وإياكم في هذا الجمع المهيب الكريم المبارك على طاعته، أن يجمعنا وإياكم في الآخرة مع سيد النبيين في جنته ودار كرامته؛ إنه ولي ذلك القادر عليه . أحبتي في الله! لقد سألني الإخوة الفضلاء أن أعلق على رحلتي الأخيرة إلى أمريكا في العشر الأواخر من رمضان، وإني لفاعل إن شاء الله جل وعلا، فأعيروني القلوب الأسماع؛ فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان، وقبل أن أشرع في التعليق بإيجاز شديد على هذه المشاهد الكريمة في هذا البلد الكافر، بل في قلعة الكفر على ظهر هذه الأرض، أود أن أقدم اليوم بمقدمة سريعة لابد منها. أيها الأحبة ! إنني أعلم علم اليقين أن الواقع المر الأليم الذي تعيش فيه أمتنا في هذه الأيام كان سبباً رئيسياً لأن تعصف رياح القنوط واليأس بكثير من قلوب شبابنا المتحمس، فبمقارنة سريعة أيها الأطهار! لحال الأمة في الواقع المعاصر، ولمكانة الأمة في القرآن الكريم، نرى أن البون شاسع، وأن الفرق كبير بين أمة زكاها الله في القرآن بقوله جل وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110], وبين واقع أمة بات كثير من أفرادها اليوم يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف، ويكفر بالله جل وعلا! حتى قال قائلهم: إن تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر ردة حضارية بكل المقاييس!! وقال آخر: إننا نحتفل الليلة بمولد السيد البدوي المهاب الذي إن دعي في البر والبحر أجاب!! وقال ثالث: إن مصر ستظل فرعونية ولو وقف الإسلام حجر عثرة في طريق فرعونيتـنا لنحينا الإسلام جانباً؛ لتطل مصر فرعونية!! وقال رابع: هبوني عيداً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم وقال خامس: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني

    سبب سقوط الأمة الإسلامية من القمة إلى الحضيض

    فيوم أن أمرت الأمة -إلا من رحم ربك- بالمنكر، ونهت عن المعروف، وتركت لواء الإيمان بالله جل وعلا سقطت من هذه القمة، وانحطت إلى هذه المكانة من الخزي والذل والهوان والعار، ولا رفعة لها إلا إذا حققت الخيرية من جديد؛ فآمنت بالله؛ وأمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر. ونرى أن الله قد زكى الأمة في القرآن بالوسطية، والوسط كما في رواية البخاري هو العدل، كما قال الحبيب. ولكن الأمة أيها الأحباب الكرام! قد حادت عن المنهج الوسط، وراحت تدور في فلك الشرق الملحد تارة، وتدور في فلك الغرب الكافر تارة أخرى، وتركت منهج الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وذهبت تجوب في بوتقة المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى! وزكى الله الأمة في القرآن أيضاً بالوحدة، فقال جل وعلا: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. ولكننا نرى الأمة الآن قد تمزقت إلى أجزاء، بل وتفتت الأجزاء هي الأخرى إلى أجزاء، وهذا يوم أن زال ظل الخلافة عن هذه الأمة، ودق الاستعمار اللعين هذا المسمار الخبيث، ألا وهو مسمار الحدود بين البلاد الإسلامية، فراحت البلاد تتناحر وتتطاحن من حين لآخر على هذه الحدود التي وضعها المستعمر اللعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومما يزيد الأسى والألم في قلوب الشباب والأخوات أنهم -وهم ينظرون حتى إلى الأمة من منظور مادي علمي بحت- يرون الأمة في مؤخرة الركب المادي والحضاري ببعيد، بل وإذا نظروا إلى الأمة وجدوا أن أمماً كثيرة غارقة في الكفر وأوحال الشرك والضلال، لكن هذه الأمم سادت، يرون هذه الأمم قد قادت، ويرون هذه الأمم قد قدمت للبشرية اليوم تقدماً علمياً رائعاً؛ فحولت العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذا التقدم المذهل في عالم الاتصالات والمواصلات، ويرون الأمة الموحدة تأتي وراء الركب ببعيد، حتى في ظل هذه النظرة العلمية المادية البحتة. وهنا كثير من الإخوة وكثير من الأحباب سيسأل: ما الذي جرى؟ وما الذي حدث؟ وما الذي غير الأمة إلى هذه الحالة المزرية؟ وما الذي بدل عزتها إلى ذل؟ وما الذي بدل علمها إلى جهل؟ وما الذي بدل قوتها إلى ضعف؟ وما الذي حدث لأمة دستورها القرآن، ونبيها محمد عليه الصلاة والسلام، وربها وإلهها هو الرحيم الرحمن جل وعلا؟ إننا نرى الأمة الآن تتسول على موائد الفكر المادي والعلمي الحضاري والإنساني من منظور المادة، ونراها تتسول على موائد هذا الفكر العلمي والإنساني وهي التي كانت بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى والتائهين الذين أحرقهم حر الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام، والآن نرى الأمة تتأرجح في سيرها، بل ولا تعرف طريقها الذي يجب عليها أن تسير فيه، كل هذا بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب هي الدليل الخريت في الدروب المتشابكة وفي الصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير فيها إلا الأدلاء المجربون. فما الذي جرى أيها الأحبة؟! والجواب في آية واحدة محكمة من كتاب الله جل وعلا، هي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، ورب الكعبة لقد غيرت الأمة وبدلت، في جانب العقيدة غيرت، وفي جانب التشريع بدلت، وفي جانب الأخلاق انحرفت، وفي جانب السلوك المعاملات ضلت، وهذا في الجملة، إلا من رحم ربك من بين أفرادها، نسأل الله أن يجعلنا ممن رحم. فهذه النتيجة التي تحياها أمتنا يا شباب الإسلام! وهي نتيجة عادلة؛ لأن الأمة قد تنحت عن أصل عزها ورفع شرفها. إذاً: إن رأيت المسلمين هنا أو هنالك تكال لهم الضربات، وتسفك دماؤهم، وتمزق أشلاؤهم، وتنتهك أعراضهم، وتسلب مقدساتهم؛ فعليك أن تزداد يقيناً بكلام ربك وكلام نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، فلن ينصر الله جل وعلا إلا من نصر دينه، ولن يعز الله جل وعلا إلا من أعز شريعته، ولن يستخلف الله جل وعلا في الأرض إلا من وحده وأخلص العبادة له، وإن شئت أن تعلم ذلك فاسمع لقول ربك جل وعلا: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47], واسمع لقول ربك جل وعلا: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:55] .. الآية، واسمع لقول ربك جل وعلا: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]. إذاً: أيها الأحبة الكرام! هذا الواقع الذي تعيشه الأمة إنما هو نتيجة عادلة لبعد الأمة عن منهج ربها وشريعة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أيها الأطهار! أود أن نفرق جميعاً بين الإسلام وبين المسلمين؛ فإن الإسلام دين الله، ودين الله باقٍ خالد، والمسلم الذي ذاق طعم الإيمان وذاق مع هذا الإيمان حلاوة الوعد بنصر الله، يعلم يقيناً لا شك فيه البتة أن الباطل مهما انتفخ وانتفش في فترة من الفترات فإنه غير غالب، وأن الحق مهما انزوى وضعف في فترة من الفترات فإنه غير مغلوب، فالمؤمن الصادق يعلم علم اليقين هذه الحقيقة الكونية الثابتة التي قررها الله بذاته وأكدها بنفسه جل وعلا في قوله في سبحانه: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].

    1.   

    أحداث من تاريخ الأمة المشرق

    أيها الموحد! أعرني قلبك وسمعك، وانتبه معي! واقرأ معي التاريخ قراءة سريعة جداً، فمن كان يظن أيها الأحباب أن تقوم للإسلام قائمة يوم أن كان الحبيب المصطفى وحده في مكة يدعو لدين الله؟! فقد أوذي صلى الله عليه وسلم، وألقي التراب على رأسه، وألقيت النجاسة على ظهره، وطرد من بلده ومن بيته، وهاجر أصحابه تارة إلى الحبشة، وتارة إلى المدينة، وبعد سنوات لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق جاء الحبيب إلى مكة مع عشرة آلاف موحد لله جل وعلا؛ ليحطم الأصنام حول الكعبة، وفي مكة زادها الله تشريفاً يأمر الحبيب بلالاً رضي الله عنه أن يرتقي على ظهر الكعبة ليعلن أنشودة التوحيد العذبة: الله أكبر .. الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن لا إله إلا الله؛ إنه وعد الله جل وعلا. ومن كان يظن أن تقوم للإسلام قائمة يوم أن ظهرت فتنة المرتدين بوجهها الكاذب بعد موت المصطفى صلى الله عليه وسلم، وظهر مدعو النبوة المهرجون الكاذبون؟! ويومها قيض الله للإسلام وللمسلمين ابن الإسلام البار الصديق رضي الله عنه، فقام الصديق فجيش الجيوش، وأخمد نار الفتنة في مهدها، وأطفأ هذه النيران المشتعلة التي كادت أن تلتهم الأخضر واليابس، وخرج الإسلام من هذه الفتنة كأعظم وأقوى ما يكون. ومن كان يظن أن تقوم للإسلام قائمة بعد الحروب الصليبية الطويلة المدمرة، التي دنس فيها المسجد الأقصى على يد الصليبيين في المرة الأولى؟! وها هو اليوم يدنس على أيدي اليهود في المرة الثانية، وأسأل الله جل وعلا أن يقيض للأمة صلاح الدين كما قيض للأمة ولمقدساته أول مرة صلاح الدين ؛ فقد قيض الله صلاح الدين بعد سنوات طويلة تزيد على قرن من الزمان، فطهر المسجد الأقصى، وحرر الأرض، وأعاد للإسلام وللمسلمين عزتهم في موقعة حطين الحاسمة، نسأل الله أن يعز الإسلام، وأن ينصر المسلمين. ومن كان يظن أيها الشباب! أن تقوم للإسلام قائمة يوم أن جاء التتار والمغول بهجماتهم الشرسة، فسفكوا الدماء، ومزقوا الأشلاء، وامتلأت الشوارع بالقتلى؟! وقع هذا بدون مبالغة، حتى جسد الإمام ابن الأثير رحمه الله هذه الفجيعة وتلك المأساة تجسيداً بليغاً في كلمات موجزة فقال: لقد أعرضت عدة سنين عن ذكر هذه الحادثة، فأنا أقدم رجلاً وأؤخر الأخرى، فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب بيديه نعي الإسلام والمسلمين؟ فيا ليت أمي لم تلدني! ويا ليتني مت قبلها وكنت نسياً منسياً! حتى قيض الله للإسلام البطل الشاب قطز ، فحرر الأرض، وأعاد للإسلام مكانته، وللمسلمين عزتهم في الموقعة الحاسمة التي تسمى (بعين جالوت) ومن كان يظن أن يرغم إخواننا الأفغان أنف الدب الروسي الغبي الوقح، وهم الذين يقلون عدداً وعتاداً وعدة؟! ولكن يوم أن تخلى إخواننا الأفغان عن شروط النصر كانت الفتنة. هذا الذي وقع ورب الكعبة لا يزيدينا إلا يقيناً في الله، ولا يزيدنا إلا تصديقاً لكلام الحبيب رسول الله، فيوم أن تجردت القلوب ورفعت الراية لتكون كلمة الله هي العليا كان النصر بحول الله جل وعلا، ويوم أن دب حب الدنيا في القلوب كانت هذه النتيجة التي نعلمها جميعاً، ولا ينبغي لنا أن ندفن رءوسنا في الرمال كالنعام، وأن نغض الطرف عن هذا الواقع، بل إنني أود أن أقول لكل شاب: إن هذا الواقع لا يزيدك إلا يقيناً في الله، ولا يزيدك إلا تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن من كان يظن أن يرغم إخواننا أنف الدب الروسي الوقح على أرض أفغانستان؟! ولكن للأسف الشديد يركز العلمانيون والضعفاء على الصورة المزرية، وعلى الهزائم دائماً وأبداً، مع أنه ينبغي أن نركز ولو قليلاً من الضوء على حجم الانتصارات التي لو قورنت بحجم ضعف المسلمين، وحجم قوة أعدائهم لكانت انتصاراً لا ينبغي أبداً أن يغض العاملون الطرف عنه، ولكن للأسف الشديد لا نركز إلا على الأخطاء، ولا تركز المجاهير المكبرة إلا على الزلات والسقطات، فإن زل شاب هنا أو هنالك ألصقت التهمة كلها بالإسلام ودين الله! بل وأصبح الدين اليوم مثاراً للخلاف، مع أن الدين هو الأصل الذي ينبغي أن يرد إليه كل خلاف، مع أن الدين هو الحصن الذي ينبغي أن يتحصن به كل عالم، لا أن ينصب أحد من نفسه مدافعاً للرب عن هذا الدين؛ فإن الدين عزيز، وإن الإسلام عزيز، وإن السنة غالبة، وإن رسول الله هو رسول الله حقاً وصدقاً، لا يحتاج هذا الدين إلى من يدفع عنه، أو إلى من ينصب نفسه مدافعاً ليدفع عنه، بل إن الدين هو الحصن الذي ينبغي أن يتحصن به كل خائف، وأن يلوذ إليه كل مضطرب؛ فإن الدين هو الأمن والأمان الذي يجب أن يأتمنه وأن يتحصن به كل داعية، وكل عالم، وكل مسلم ومسلمة. أيها الأحبة! حجم الانتصار في أفغانستان حجم كبير. ومن كان يظن أيها الأحباب! أن يصمد المسلمون في الشيشان في هذه البوتقة الصغيرة التي تقل عدداً وعدة وعتاداً وقوة عن هذا الجيش الروسي الجرار؟! ومن كان يظن أن تدوم الحرب إلى يومنا هذا؟! سمعت لقاءً على تلفاز أمريكا مذيع في الـ(CNN) يجري حواراً مع جوهار دوداييف رئيس دولة الشيشان ثبته الله وإخوانه، ويقول له: يوم أن قتل ولدك في أرض المعركة هل حزنت على قتله؟ أتدرون ماذا قال هذا الرجل؟ والله لقد قال كلاماً لا نسمعه إلا من العلماء المجاهدين كأمثال عبد الله بن المبارك وكأمثال شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال هذا الرجل: لا وقت للأحزان حتى نحرر الشيشان من الروس، وأن نرفع عليها من جديد راية الإسلام! هل كان أحد يصدق أو يظن أو يتوقع أن يسمع هذا الكلام في أرض دنست طيلة سبعين عاماً بالحكم الإلحادي الكافر المشرك على يدي الدب الروسي الغبي الوقح؟! لا ورب الكعبة! فلقد كان أحدهم إذا أراد أن يقرأ صفحة من كتاب الله اختفى عن العيون والأنظار ودخل تحت السراديب ليطالع صفحة من كتاب الله. ومن كان يظن أن تستمر الحرب في البوسنة إلى يومنا هذا؟! لقد أجمع المحللون والعسكريون ووكالات الأنباء والصحفيون على أن الحرب لن تستمر في الشيشان إلا أياماً معدودة، وأجمعوا على أن الحرب لن تستمر في البوسنة مع الصربيين الكفرة إلا أسابيع معدودة. وها نحن نرى -ولله الحمد- أن الحرب في البوسنة تحولت إلى ملحمة إسلامية رائعة، فلقد كنا نعلم أن المرأة البوسنية كانت تتزوج بالأمس القريب بالنصراني بدون أي قيود أو ضوابط أو شروط، ووالله ما عاد البوسنيون إلى إسلامهم إلا بعد هذه الحرب، فقد ردتهم هذه الحرب لهويتهم، وارتفعت من جديد كلمة الإسلام، وعلا صوت النبي عليه الصلاة السلام. وأقسم يقيناً لو علم الصرب أن هذه الحرب سترد البوسنيين إلى دينهم ما أعلنوها على البوسنيين يوماً واحداً بعد أن ذابوا في بوتقة هذا الغرب الكافر، ولكنه أمر الله يا عباد الله! إنها الساعات التي تسبق -إن شاء الله تعالى- ضوء الفجر؛ فإن أشد ساعات الليل سوادً هي الساعة التي يليها ضوء الفجر، وفجر الإسلام قادم ورب الكعبة! وأقول لكم: إننا لا نخشى على الإسلام، بل نخشى على المسلمين إن تخلوا عن الإسلام، فإن تخلى المسلمون عن الإسلام ذلوا، ووضعت النعال على رءوسهم، وانتهكت مقدساتهم، وسفكت دماؤهم، وانتهكت أعراض نسائهم، وهذا واقع لا ينبغي أن ننكره، فوالله ما نرى هذا الذي نراه الآن إلا لأن الأمة قد تخلت عن الإسلام، وهذه حقيقة ينبغي أن تستقر في القلوب والعقول. ولكن أقول: إن الإسلام دين الفطرة، ودين الكون كله، كما قال تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [آل عمران:83], ولو كفرت الإنس والجن، فالإسلام دين الله ودين الله قاهر.

    1.   

    من المبشرات بالخير الصحوة الموجودة اليوم

    وأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب! فإني أود في ظل هذه الرياح القاسية من رياح القنوط والشكوك التي تهب على قلوب كثير من أحبابنا وإخواننا أن أبشر، وأن أطمئن، لا من باب الأحلام الوردية لتسكين الآلام وتضميد الجراح، لا ورب الكعبة، بل هذا هو ما نراه بأعيننا. انظروا إلى هذا المشهد الذي يرغم أنوف المجرمين، ويرغم أنوف الحاقدين، إنه وعد الله، ألله أكبر! شباب في ريعان الصبا، وفتيات في عمر الورود، تأتي الفتاة من هنا ومن هناك وقد غطت جسدها كله، ويأتي الشاب وقد زين وجهه بلحية كريمة مباركة اقتداءً بحبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حمل روحه على كفه، وهو يعلم علم اليقين ما سوف يتعرض له من الأذى، وما سوف يتعرض له من البلاء، ولكنه الدين الذي استقر في القلوب يا عباد الله! إنه وعد الله ورب الكعبة! كما قال الشاعر: صبح تنفس بالضياء وأشرق والصحوة الكبرى تهز البيرقا وشبيبة الإسلام هذا فيلق في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا وقوافل الإيمان تتخذ المدى درباًوتصنع للمحيط الزورقا وما أمر هذه الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا هي نخلة طاب الثرى فنما لها جذع قوي في التراب وأغذقا هي في رياض قلوبنا زيتونة في جذعها غصن الكرامة أورقا فجر تدفق من سيحبس نوره أرني يداً سدت علينا المشرقا يا نهر صفوتنا رأيتك صافياً وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى قالوا تطرف ديننا لما سما قدراً وأعطى للطهارة موثقا ورموه بالإرهاب لما أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أو كان إرهاباً جهاد نبينا أم كان حقاً بالكتاب مصدقا أتطرف إيماننا بالله في عصر تطرف بالهوى وتزندقا إن التطرف أن نذم محمداً والمقتدين ونمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا من صانع الكفر اللئيم وأطرقا إن التطرف أن نبادل كافراً حباً ونمنحه الولاء محققا إن التطرف وصمه في وجه من حول البوسنة رماداً محرقا شتان بين النهر يعذب ماؤه والبحر بالملح الأجاج تمزقا يا جيل صحوتنا لك في كتاب الله فجر صادقا فاتبع هداه ودعك ممن فرقا لك في رسولك أسوة فهو الذي بالصدق والخلق الرفيع تخلقا يا دين صحوتنا ستبقى شامخاً ولسوف تبقى باتباعك أسمقا

    1.   

    صور من أجل الإسلام والمسلمين في أمريكا

    إنه وعد الله يا إخواني! ويا أحبابي! وأبشركم إن في أمريكا في العشر الأواخر من رمضان كان يصلي معي في (بروكلين) في نيويورك في مكان واحد من هذه الولاية الكبيرة مايزيد على خمسة آلاف موحد لله جل وعلا، يصلون التراويح والقيام في مسجد واحد، والله لقد أعلن الإخوة عن الصلاة في مسجد مصعب بن عمير ، ويوم أن حان وقت العصر قال الإخوة: سيضيق المكان بالمصلين، فراحوا إلى قاعة أخرى كبيرة مستأجرة، ونقلوا صلاة التراويح فيها، ورأينا الجموع الموحدة التي جاءت وقد ملت المعصية، جاءت تصرخ وتنادي وتبحث عن غذاء الروح، وقف هؤلاء جميعاً، وفي ليلة القدر رأيت العدد قد زاد عن ذلك بكثير. وفي أمريكا أيها الأحبة! لا أكون مبالغاً إن قلت: ما من يوم يمر الآن إلا ويدخل الإسلام رجل جديد، وقد أنطقت بعضهم الشهادة بلساني في العشر الأواخر، وهؤلاء يا إخواني -ورب الكعبة- إنهم يريدون شيئاً يسعد أرواحهم، برغم ما وصلوا إليه في جانب المادة! وفي جانب العلم! وهذا شيء لا ننكره. لكنهم والله تنظر إليهم فترى أحدهم يجري كالمطارد، ويضحك كالمجنون، ويئن من الألم، يريد شيئاً يسعد روحه.. يريد شيئاً يسعد نفسيته.. يريد شيئاً يسعد وجدانه! الفطرة الطيبة تصرخ في أعماقهم، ولكن أين الدعاة؟! صلينا المغرب والعشاء في إحدى المطارات وفي مدينة يانابلس قال أحدنا: كنا نصلي لله جل وعلا؟ فقال أحدهم: تصلون لمن؟ قلنا: لله. قال: ومن الله؟ ومن أنتم؟ ومن أي البلاد جئتم؟ فقلنا: نحن مسلمون.. نحن موحدون.. نحن محمديون. فقال: لا نعرفكم. والله يا إخوان إن منهم من لا يعرفون عن الإسلام إلا قليلاً، وإذا عرفوا شيئاً عن الإسلام لا يعرفون إلا الصورة المظلمة، ولا يعرفون عن الإسلام إلا القتل، ولا يعرفون عن الإسلام إلا السفك، ولا يعرفون عن الإسلام إلا الإرهاب، وجزى الله العلمانيين الذين يدندنون في الليل والنهار ليشوهوا صورة الإسلام وصورة الملتزمين الطاهرين والطاهرات شراً، فوالله لو عرفوا الإسلام على حقيقته لوحدوا الله جل وعلا، ولدخلوا في دين الله أفواجاً. اقترب أحدهم منا وقال: ماذا كنتم تفعلون؟ قلنا: كنا نصلي. فقال: لمن؟ قلنا: لله. قال: ومن الله؟ فأجابه أحد الإخوة. فقال: من أنتم؟ قلنا: مسلمون. قال: ومن أي البلاد؟ فلنا: من هنا، ومن هنالك. ولكن لفت نظره سجودنا، فقال: وماذا كنتم تصنعون حينما وضعتم الوجوه على التراب وعلى الأرض؟ فقال هذا الأخ: كنا نصلي لله، وهذا ركن من أركان صلاتنا يسمى السجود، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بين يديه جل وعلا، أتدرون ماذا قال يا إخواني؟! والله لقد نظر هذا الرجل وقال: إنه في بعض الأوقات تعصف بي حالات نفسيه وقلق ، وأحس باضطراب شديد وألم فضيع، ولا أحس براحة لهذه الحالة إلا إذا قمت ووضعت وجهي على الأرض كما رأيتكم تفعلون! إنها فطرة التوحيد ورب الكعبة! قال عز وجل: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]. وبعض الإخوة أخبروني عن شاب صغير، دخل عليهم بعد صلاة الفجر، وهو لا يجاوز الخامسة والعشرين من عمره، وأشار إليهم وأول كلمة قالها: أريد أن أكون محمدياً، أريد أن أكون مسلماً، فقالوا: من أنت؟ فقال: لا تسألوني، وبعد يوم ويوم وفي اليوم التالي اقترب منه واحد من إخواننا من مصر وقال: يا أخي! ما حكايتك؟ وما قصتك؟ فقال: أنا شاب نصراني من أصل أسباني، نشأت منذ نعومة أظفاري وأنا أحب المسيح عليه السلام، وقلبي متعلق به، ولكنني نظرت إلى أحوال النصارى في أمريكا فوجدتهم أبعد ما يكون من تعاليم المسيح عليه السلام، ففتشت عن الدين الحق فوجدت هذه التعاليم في دين الإسلام، وفي الليلة التي دخلت عليكم فيها جاءني المسيح في الرؤيا وأشار إلي بسبابته وقال لي: كن محمدياً. فخرجت من بيتي أبحث عن مسجد حتى دلني الله عز وجل عليكم، فدخل عليهم أيها الأحبة ودلوه على الإسلام، فأسلم لله جل وعلا، وأذن المؤذن لصلاة العشاء، وقام هذا الأخ الحبيب ليدخل مع إخوانه ليركع ويسجد لله رب العالمين، فانتهى الإخوة من صلاتهم ولازال أخونا ساجداً لله، وبعد أن انتهى الإخوة من الصلاة اقترب منه أحدهم فحركه فوجده قد قبض وفاضت روحه إلى الله جل وعلا!! والله ما من يوم يمر إلا ويدخل الإسلام في أمريكا مسلم جديد، أو مسلمة جديدة، وقد التقيت بمسلمة أمريكية فقلت لها: ما شعورك؟ فقالت: والله يا أخي إني أريد الآن أن أصرخ بأعلى صوتي لتستمع إلي كل امرأة في أمريكا: إنني قد وجدت ديناً يحفظ للمرأة كرامتها!! فاسمعوا أيها العلمانيون الكاذبون! يا من تدعون كل يوم إلى الحرية على مصراعيها! يا من تزعمون أن المرأة في الإسلام أمة! اسمعوا لمرأة دخلت الإسلام وذاقت طعم الإيمان، تقول: والله إني أود أن تستمع إلي كل امرأة بأنني وجدت ديناً يحفظ للمرأة كرامتها! إنه دين الله؛ فإن المرأة عندنا أيها العلمانيون لؤلؤة مصونة، وجوهرة ثمينة، وهل لرجل عاقل أن يلقي جوهرة ثمينة للأعين لتعبث بها؟ وللأيدي لتسرقها؟ لا والله! بل إننا ما حافظنا عليها إلا لأنها لؤلؤتنا المكنونة، ودرتنا المصونة، وأمنا، وأختنا، وبنتنا، وخالتنا، وعمتنا، فإذا لم نحافظ عليها وهي كذلك فعلى من نحافظ؟ وأبشركم أيها الأحبة الكرام! بأنه في شهر يناير في عام (94م) احتفلت وزارة الدفاع الأمريكية في البنتاجون احتفالاً رسمياً حضره عدد كبير من وفود العالم الإسلامي، وعدد كبير من وكالات الأنباء والصحفيين، أتدرون لماذا أقيم هذا الاحتفال؟ أقيم هذا الاحتفال لاختيار وتنصيب أول مسلم ليؤم المسلمين في الصلاة في الجيش الأمريكي، هذا الأخ برتبة نقيب يسمى عبد الرشيد محمد ، وهو في قمة الفهم، وفي قمة الوعي، قال كلمة ما سمعتها من عالم، قال: إن الغرب يتهمنا بأننا أصوليون؟ قلت: نعم. قال: يا أخي! مشكلتنا أننا لسنا بأصوليين، ليتنا كنا من الأصوليين، وليتنا عدنا إلى أصولنا، وليتنا أخذنا بأصول ديننا، لكنهم يتهموننا بذلك ولسنا والله كذلك، بل إنني أسأل الله أن يكون المسلمون من الأصوليين، وممن يعودون إلى أصلهم وإلى نبع شرفهم ونعيم كرامتهم ووجودهم.

    1.   

    عدد المساجد في أمريكا، وحال المجتمعات العربية والإسلامية فيها

    زاد عدد المساجد في أمريكا إلى ما يقرب من ألف وخمسمائة مسجد في حي واحد يسكن فيه أكثر من سبعين ألف مسلم، مشيت في هذا الحي وأحسست أنني في شبرا؛ فالمطاعم يكتب عليها باللغة العربية، وتشم رائحة الفلافل، وتشم رائحة أطعمتنا، وأنا أود من كل أخ يسافر إلى مثل هذه البلاد أن يتمسك بمظهره، وأن يعلن هويته، فإن اليهود هنالك يتعصبون لزيهم وهويتهم، فإذا مشيت بزيك هذا هنا أو هنالك يمر عليك كل أحد ويلقي عليك: السلام عليكم.. السلام عليكم، فيلقي عليك السلام لزيك ولمظهرك ولهويتك التي يجب عليك أن تعلنها وأنت في غاية العزة والرفعة والكرامة. أيها الأحبة الكرام! في أمريكا في هذا الحي وحده يقطن ما يزيد على سبعين ألف مسلم، بل لقد قدر لنا لقاء مع رئيس مكافحة الجرائم الأمريكية فقال قولة عجيبة جداً، وقف الرجل يتكلم فقال: إنني أتمنى أن تتحول كل أحياء أمريكا إلى مثل هذا الحي المسلم! فتعجبنا، وضجت القاعة ساعتها بالتكبير، لماذا؟ قال: لأن هذا الحي هو الحي الوحيد في أمريكا الذي تصل فيه نسبة الجريمة إلى الصفر، فلا سرقة، ولا خمر، ولا اغتصاب.

    1.   

    واقع المجتمع الأمريكي

    وقد قرأت إحصائية في الأيام الأخيرة في رمضان تشير إلى أنه في كل ست دقائق تغتصب امرأة في أمريكا، فقلت: سبحان الله! الزنا مباح، ولكن هذا شيء جديد، وسألت طبيباً سورياً عن سبب ذلك، فأجابني إجابة دقيقة فقال: يا أخي! لم تعد المرأة تكفي الرجل؛ لأنه نشأ منذ نعومة أظفاره فوجد المرأة أمام عينيه وبين يديه يأخذ منها في كل وقت كل ما شاء وكل ما يريد، فذهب الرجل يبحث عن شيء ليأخذه عنوة ليحس برجوليته وشخصيته، فترك هذا وذهب إلى هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وزاد عدد الشواذ في تلك البلاد على عشرين مليوناً، ونسأل الله أن يزيدوا، بل وزاد عددهم في الجيش الأمريكي الآن إلى ستة مليون شاذ، وهذه كلها -إن شاء الله جل وعلا- مبشرات، وليس معنى ذلك أنني أقول إن أمريكا ستسقط غداً؛ لأن هذا كلام يخالف الواقع، بل ويخالف السنن الكونية الربانية الثابتة.

    1.   

    ضرورة النموذج العملي في الدعوة إلى الإسلام

    أيها المسلمون! أعلنها بأعلى صوتي: لن نعيد الإسلام للبشرية بالخطب الرنانة، ولن نعيد الإسلام للدنيا بالمواعظ المؤثرة، لا ورب الكعبة! وإنما نعيد الإسلام للبشرية كلها بأن نقدم نموذجاً عملياً لهؤلاء، ونقول لهم: هذا هو الإسلام، وهذا هو دين محمد عليه الصلاة والسلام. وقد ذكرت في خطبة لي عن أمريكا أننا التقينا بأخت أمريكية تسمى كليرا محمد تلكم الأخت التي أنشأت وحدها خمسين مدرسة إسلامية في أمريكا، وفي فرجينيا أنشأت جامعة لتخرج فيها المعلمين الذين يدرسون في مثل هذه المدارس والكليات. أيها الأحبة الكرام! تلك بشائر مؤتمرات هنا وهنالك، ووفود وأعداد كبيرة، ونرى الناس يقبلون على دين الله عز وجل؛ فإن هذا الشعب يصرخ يريد غذاءً للفطرة، ويريد دواءً للروح، والروح الآن تصرخ: أعطوا البدن كل ما يشتهيه، وأعطوا البدن كل ما يريد، فصرخت الروح أريد غذائي.. أريد دوائي، أريد علاجي؛ لأن الروح يا إخواني! لا توزن بالجرام، ولا تقاس بالترمومتر، ولا تخضع لبوتقة في معمل تجارب، وإنما هذه الروح لا يعلم حقيقتها إلا الله وغذاؤها ودواؤها في منهج الله، قال عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126]، وأكتفي بهذا القدر، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا جميعاً صالح الأعمال، وأن يكتب لنا الخطوات في موازين أعمالنا وصحائف حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم .

    1.   

    واجبنا ودورنا نحو الإسلام

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد بارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: ما واجبنا؟ وما دورنا ؟ وأنا لا أملّ من تكرار هذا أبداً، فيجب علينا أن نعلم يقيناً أننا لن نعيد الإسلام بالخطب والمواعظ فحسب، وإنما نريد أن نرى النموذج الإسلامي الفريد. يقول أحدهم: لقد دخلت في الإسلام، وأردت أن أرى الإسلام بين أهله وأصحابه من المسلمين، فأتيت لحج بيت الله الحرام، ورأيت الصورة مقلوبة تماماً، يقول: فحمدت الله عز وجل الذي عرفني بالإسلام قبل أن يعرفني بالمسلمين!! الواقع أليم أيها الأحبة! لا ينبغي أن ننكره، فإن تشخيص الداء هي الخطوة الأولى لتحديد الدواء، ولا يمكن لطبيب أن يصرف لك دواءً إلا إذا شخص داءك، فتشخيص الداء خطوة أولى على الطريق الصحيح لتحديد الدواء، فإن واقع الأمة لا ينكر، فيجب علينا أيها الأحبة! أن يسأل كل واحد منا نفسه: مالذي قدمه لدين الله؟ وما الذي قدمه لدين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلنا مسئول عن هذا الدين، وهؤلاء من الذي سيقيم عليهم الحجة؟ بل إن شئت فقل: من الذي سيقيم الحجة على المسلمين الغثاء أولاً؛ ليحول المسلمون الإسلام في حياتهم إلى منهج حياة، ثم لينطلق المسلمون بهذه الأمانة العظيمة، وبهذا العبء الثقيل بحمل الدعوة إلى الله ليقيموا حجة الله على هذه الأمم والشعوب؟ ورب الكعبة! إننا مسئولون بين يدي الله، فإن وقف هؤلاء يوم القيامة وقالوا: ما سمعنا عن الإسلام، فماذا سيكون جوابنا أيها المسلمون؟ فلابد أن نقيم الحجة على خلق الله، إننا أمة مأمورة بحفظ الأمانة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، والحديث في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود . فلابد أن نحمل هذه الأمانه، فوالله لا فكاك لنا من عذاب الله إلا إن حملنا هذه الأمانة العظيمة، -أمانة الدعوة- وتحركنا بها بين المسلمين ابتداءً؛ ليحول المسلمون الإسلام في حياتهم إلى واقع يسمع ويرى، ثم ليتحرك المسلمون بعد ذلك إلى هذه الأمم الكافرة؛ ليقيموا حجة الله عز وجل عليهم، قال عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15].

    1.   

    مسئولية جميع المسلمين عن الدعوة إلى الله عز وجل

    أيها الأزهر!.. أيتها الأوقاف! .. أيها المسئولون! يا من عشتم للعروش والفروش والكروش! ستسألون عن هؤلاء بين يدي الله جل وعلا، أيها الدعاة أيها المسلمون جميعاً تحركوا، فإن عجزت أيها الأخ عن أن تتحرك لدين الله بلسانك وبدعوتك، فخصص جزءاً من مالك لدين الله، ولدعوة الله، ولحضور محاضرة إيمانية لداعية إلى الله جل وعلا ليتفرغ للدعوة إلى دين الله عز وجل، خصص راتباً لمحفظ للقرآن الكريم.. خصص راتباً لمرأة مسلمة تجيد التلاوة لتحفظ الأخوات، ولتعلم البنات العقيدة والقرآن، فإن لم يكن بلسانك فبمالك وبسلوكك وبأخلاقك. نريد أن نشهد الإسلام الآن شهادة سلوكية، وأنا أكرر هذا الكلام عن عمد، نريد أن نشهد الإسلام شهادة سلوكية واقعية عملية. نريد لك أيها الحبيب ألا تنظر إلى جهد الأمة كلها إلا من خلال نظرك إلى جهدك، فالكل ينظر إلى عيب غيره وينسى عيب نفسه، مع أن الله قد حذرنا من ذلك فقال: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، ففتش في نفسك، وفتش في عيبك أيها الحبيب! وهيا من الآن تحرك لدين الله، واستغل منصبك.. استغل كرسيك، واعلم أن كرسيك زائل، فالله الله أن يحول الكرسي بينك وبين الله، والله الله أن يحول الكرسي بينك وبين الجنة، واعلم بأن الكراسي لو دامت لغيرنا ما وصلت إلينا. فيا أيها الحبيب! فكر في منصبك وعلى كرسيك الذي جلست عليه كيف تبدع لهذا الدين؟ وكيف تقدم وقتك وهمك وفكرك وزجتك وولدك لهذا الدين، لتلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد امتثلت أمره، كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله علسه وسلم قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). أيها الموحدون! نريد أن نعد من الآن الكوادر الإسلامية المتخصصة التي تكون قادرة على تدبير شئون الحياة كلها من منظور الإسلام، ومن منطلق قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فافهموا الإسلام فهماً دقيقاً بشموله وكماله، وحولوه في حياتكم إبتداءً إلى واقع، وتحرك بعد ذلك للغرب، وإياك أن تحتقر دورك، فلا تحقرن وظيفتك، واغرس ولا تقل: لمن أغرس؟ ومتى تثمر؟ ومن يأكل؟ روى أحمد في المسند والبخاري من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها) فلا تقل: القيامة ستقوم، ومتى أغرس؟ ومتى تثمر؟ ومن يأكل؟ هذا ليس لك، فما عليك أيها الحبيب! إلا أن تغرس، وما عليك إلا أن تتحرك لدين الله، ونريد كل مسلم أن يقول لربه جل وعلا: يارب! لقد أعذرت إليك وبذلت كل ما في وسعي لدينك، فالله ما أمرك بأكثر من هذا، قال جل وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. وأخيراً أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا جميعاً بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين. اللهم اشف صدور قوم مؤمنين، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين. اللهم أنت غياثنا فبك نغوث، وأنت ملاذنا فبك نلوذ، وأنت عياذنا فبك نعوذ، يا ذا المن! ولا يمن عليه، ويا من يجير! ولا يجار عليه، يا ذا المن! ولا يمن عليه، ويا من يجير! ولا يجار عليه، يا من إليه يلجأ الخائفون! يا من إليه يلجأ الخائفون! يا من إليه يلجأ الخائفون! يا من عليه يتوكل المتوكلون! يا من إليه تبسط الأيدي ويرجوه المذنبون! يا من إليه تبسط الأيدي ويرجوه المذنبون! اللهم لا تعاملنا بذنوبنا، اللهم لا تعاملنا بذنوبنا، اللهم إنا نعترف لك بعجزنا، ونقر لك بضعفنا، ونقر لك بجرمنا، فاللهم لا تتخل عنا بذنوبنا، اللهم لا تتخل عنا بذنوبنا، اللهم لا تتخل عنا بذنوبنا. اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، وآمن روعاتنا، وفرج كربنا، واكشف همنا، وأزل غمنا، اللهم تقبل دعاءنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع. اللهم اربط على قلوب المجاهدين في كل مكان، اللهم اربط على قلوب المجاهدين في كل مكان، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، اللهم إنا نشكو إليك مكر المنافقين، اللهم إنا نشكو إليك كيد العلمانيين، اللهم رد كيدهم في نحورهم يا رب العالمين، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين، وأقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز المسلمين. اللهم فك أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واربط على قلوبنا وإياهم يا رب العالمين! اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءً وسائر بلاد الإسلام، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعلها سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين! أحبتي في الله: صلوا وسلموا على حبيبنا رسول الله؛ فلقد أمرنا الله جل وعلا بذلك في قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56], اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان؛ والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة، ويلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755777369