إسلام ويب

والتفت الساق بالساقللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أوضح الشيخ حفظه الله تعالى أنه لا ملاذ ولا مهرب من الموت، ثم بين أحوال الناس؛ وأن منهم من يموت على خاتمة حسنة، ومنهم من يموت على خاتمة سيئة.

    1.   

    أحوال الناس عند الموت

    أقول لك أخي في الله، وأقول لكِ أختي في الله: لنتذكر! على أي حالٍ تكون هذه الميتة؟! نسأل الله حسن الخاتمة.

    هل تخرج الروح وقد أحب الله لقاءها وأحبت لقاء الله، أو تخرج هذه الروح على خاتمة سيئة؟! نسأل الله العفو والعافية.

    حسن الخاتمة

    سوء الخاتمة

    أما الآخَر فيقول الرب جل وعلا: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ [الأنفال:50] ماذا يعملون بهم؟ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال:50]، يا رب نسألك العافية.

    أخي في الله: قبل عدة سنوات أُعْلِن في إحدى الجرائد في إحدى الدول العربية -ومع الأسف الشديد- التي تدَّعي الإسلام: حصل حادث وفاة، وبُهِر الأطباء، وتعجبوا، وتحيروا مما رأوا من هذا المتوفى، ماذا رأوا فيه؟!

    رأوا فيه لكمات وضربات في وجهه وجسده، انظر أخي في الله! لو رجعوا إلى كتاب الله عز وجل لوجدوا ذلك وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال:50] لكن مع الأسف الشديد الغفلة عن كتاب الله، والإعراض عن كتاب الله جعلهم يتعجبون ويتحيرون، الله أكبر!

    فهذه الأحوال -أخي في الله- تكون عند الموت، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة.

    أخي في الله! ويا أختي في الله: اسألوا الله دائماً حسن الخاتمة، يقول الرب جل وعلا عن أولئك الذين يأتيهم الموت وهم على غفلتهم وإعراضهم: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] مددوني بضع سنوات! بالله عليكم هل يُجاب على هذا المطلب؟! لا؛ لأن العمر محدود والأنفاس معدودة رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] لماذا؟ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100] الجواب: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:100] ما هي؟ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99].

    1.   

    متاع الدنيا ظل زائل

    فيا أخي في الله: ويا أختي في الله! ما دمتم في زمن الإمكان فاغتنموا العمر في طاعة الله عز وجل، يقول بعضهم رحمه الله: عباد الله! اغتموا أوقات الفضائل قبل فواتها، وتأهبوا لِمَا أمامكم، وما أنتم قادمون عليه لا مَحالة، ألا وهو الموت.

    قال الله جل وعلا: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

    يا ليتنا نتدبر هذه الآية! وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] الحياة الدنيا التي شغلتنا الآن، واشتغلنا بها بما فُتِح علينا مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    يقول الرب جل وعلا أيضاً عن هذه الدنيا: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77].

    والرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أتقانا لله، وأعلمنا بالله -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن هـذه الدنـيا يقول: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عرف قدر هذه الدنيا فلم يرفع بها رأساً صلى الله عليه وسلم، إذا قرأتَ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عرفتَ كيف كان حال الرسول صلى الله عليه وسلم!

    نام الرسول على حصير فأثر بجنبه الشريف صلى الله عليه وسلم، ولما قال الصحابة رضي الله عنهم: (لو اتخذنا لك وطاءً ليناً -فراشاً ليناً- قال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة ثم قام وتركها) رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في أبياته نار، الرسول صلى الله عليه وسلم الذي مات ولم يورث درهماً ولا ديناراً، ولا شيئاً من متاع الدنيا ولا غيرها إلا أرضاً جعلها لابن السبيل صدقة، وبغلته التي كان يركبها صلى الله عليه وسلم، فأين الاقتداء يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!

    والله عز وجل يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] الذي قال الله له صلى الله عليه وسلم: وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ [طه:131] لماذا؟ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه:131] والزهرة إذا قُطِفَت ذبُلَت، لا إله إلا الله! وضرب الله لهذه الدنيا الأمثال الكثيرة في القرآن، ليبين حقارتها يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلماذا شغَلَتنا يا عباد الله؟!

    وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ [الكهف:45]: اسمع نهاية! المليارات، والملايين، والبلايين، والعقارات، والعوالِم التي لا يعلمها إلا الله، اسمع أخي في الله! وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف:45] ثم قال الله جل وعلا: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46] فالحياة الدنيا وما بها من الزينة، مآلها للدمار والزوال: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] يقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عرف قيمة هذه الدنيا، وقدر الدنيا: (لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس)، انظر! الأربع الكلمات هذه أحب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مما طلعت عليه الشمس، لماذا يا أخي في الله؟ لأن ما طلعت عليه الشمس كما قلت لك: والله لا بد له من الزوال والدمار؛ لكن الأربع الكلمات هذه يجدها في رصيده، في رصيد حسناته يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

    فيا أخي في الله! ويا أختي في الله! لا تشغلنكم الحياة الدنيا فقد شغلت الكثير عما هو أهم، فما هو الأهم؟ إنه عبادة الله عز وجل؛ العبادة التي والله الذي لا إله إلا هو ما خلقتَ إلا لأجلها، كما قال ربنا جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح مَن أسلم، ورُزِق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه).

    ويقول صلى الله عليه وسلم: (ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض؛ ولكن الغِنَى غِنَى النفس) اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.

    1.   

    تزود من دنياك لأخراك

    إخواني في الله: متى نستعد للموت؟! وبماذا نستعد للموت؟! بماذا نستعد للموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!

    اقرءوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اقرءوا كتاب الله جل وعلا.

    اسمع أخي في الله: ربُّنا جل وعلا ما أمر بالتزود من هذه الدنيا إلا من أمرين، انظر القرآن! كم فيه من آية؟

    سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما فيها من أحاديث! ما تجد أن الله جل وعلا أمر بالتزود من هذه الدنيا إلا من أمرين:

    التزود من العلم

    الأمر الأول: التزود من العلم :-

    كما قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] وهنيئاً لمن وفقه الله للعلم! هنيئاً والله لمن رزقه الله العلم! هنيئاً لمن نوَّر الله بصيرته بالعلم!

    أولاً: يحصل على الخيرية التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

    ويقول صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).

    هنيئاً لمن رزقه الله العلم! يقول الرب جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، يا ألله! زدنا مِن فضلك درجات، أخي في الله! درجاتٌ في الجنة، نسأل الله من فضله الجنة.

    ثانياً: يحصل له التمييز الذي قال الله تعالى فيه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9]، فعليك بالعلم ما دمت في زمن الإمكان، تفقه في دين الله.

    العـلم زَينٌ وخيرُ الناس يطلبهُ     والجاهلون لأهل العلم أعداءُ

    ففز بعلم تعش حياً به أبداً     الناس موتى وأهلُ العلم أحياءُ

    العلم .. العلم ..! نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع.

    التزود من التقوى

    الأمر الثاني الذي أمر الله بالتزود منه: التقوى :-

    كما قال جل وعلا: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197].

    ثم اسمع خبر الرسول صلى الله عليه وسلم لتعرف قيمة هذه الدنيا، لعلها أن تسقط من عينك وتهون في نفسك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الميت تبعه ثلاثةٌ: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع الأهل، والمال، ويبقى العمل) العمل الذي تهاون به كثيرٌ من الناس الآن!

    يقال للشخص: بادر إلى فرائض الله.

    فيقول: الله غفورٌ رحيم، الله غفورٌ رحيم.

    شخص يبيع هذا المعسِّل الخبيث وليس بمعسِّل، بل هو المسمم لكن مع الأسف الشديد يقول له أحد رجال الهيئة: صلِّ صلِّ.

    قال: نحن في جهاد، نحن في جهاد.

    جهاد! وهو يبيع هذا المعسِّل المخزي! رأيتم يا إخواني في الله!

    شخص يبيع بضاعة يقول له أحد رجال الهيئة: صلِّ صلِّ.

    قال: نحن في أمرٍ أهم.

    تأمل جواب هذا الشخص: نحن في أمر أهم! يعني: الدنيا أهم من الصلاة؟!

    مع الأسف الشديد! انظروا كيف انصرفت همم الناس إلى الدنيا نسأل الله العفو والعافية!

    نقول: يا أخي! النوافل نوافل العبادات، حث الرسول صلى الله عليه وسلم عليها!

    يقول: النوافل إذا فعلتَها تثاب عليها، وإذا تركتَها لم تعاقب عليها.

    ثم يذهب عمرُه في التقصير والتفريط، النوافل يتهاون فيها بل لا يؤديها، والفرائض يتهاون فيها، فكيف حاله؟!

    بادروا بالأعمال ما دمتم في زمن الإمكان

    بماذا تنتقل من هذه الدنيا؟! بم سترحل من هذه الدنيا أخي في الله؟!

    تنتقل بالعمل.

    ولكن كيف حالك إذا انتقلتَ من هذه الدنيا وأنت مفرط في طاعة الله؟!

    (إذا مات الميت تبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع الأهل والمال، ويبقى العمل) بالعمل الصالح أخي في الله! نسأل الله أن يرزقنا وإياكم عملاً صالحاً إنه على كل شيء قدير.

    قال بعضهم رحمه الله: عباد الله! استعدوا للموت، فإنه تَبَدُّلٌ من حال إلى حال ... الله أكبر! تَبَدُّلٌ من حال إلى حال، من حال الصحة والعافية إلى حال الموت، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله) بالله عليكم هل سمعتم عن شخص يصلي في قبره أو يتصدق أو يذكر الله أو يقرأ القرآن؟! أو سمعتم عن أحد خرج من قبره يبر بوالديه؟! أو خرج من قبره ليصل أرحامه؟! أو خرج من قبره يفعل أفعال الخيرات؟! لا.

    أبداً، لماذا؟

    لأنه مات وانقطع العمل (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

    إذاً: الموت كما قال رحمه الله: ... انتقال من حال إلى حال، وانتقال من دار إلى دار، من دار الدنيا، التي كان فيها مع الأهل، والأولاد، والأصحاب، يستأنس بهم؛ لكنه انتقل إلى دار البرزخ، انتقل من دار الدنيا إلى القبر، إلى عالم القبور، جاوَرَ الموتى، فمن الذي يؤنسه في قبره؟! من الذي يجالسه؟! لا أحد، إما عملٌ صالح يؤنسه ويستأنس به ويطمئن إليه، أو عمل خبيث يستوحش منه -نسأل الله العفو والعافية- كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وربنا جل وعلا يقول: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].

    1.   

    زيارة القبور تذكر الآخرة

    عباد الله: اعلموا علم اليقين أنه لا بد من فراق هذه الدار، ومَن شك في ذلك فليتذكر مَن سبقه من الأولين والآخرين؛ ... ولكن كيف تحصل هذه التذكرة ؟ أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: (زوروا القبور، فإنها تذكركم بالآخرة) واحمدوا الله -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- أنكم تزورون القبور لتذكركم بالآخرة، ولستم كمن يزور القبور يتوسل بأهل القبور، ويطوف بالقبور، ويندب الموتى: يا فلان! افعل كذا، وهو إنسان ميت أكلته الأرض! إنسان وهبه الله العقل، وميزه الله بهذا العقل، يقف على القبر ويقول: يا فلان! اقضِ حاجتي، يا فلان! اشفِ مريضي، يا فلان! ردَّ غائبي -اللهم إنا نسألك العافية-.

    الحمد لله يا إخوان، احمدوا الله عز وجل الذي نجاكم من البدع والضلالات، تأمل حال هذا الإنسان الذي وهبه الله العقل -خاصة إذا كان القبر في مسجد- ومع الأسف الشديد تجده يستقبل القبلة يصلي صلاة لا خشوع فيها، صلاة خفيفة لا يطمئن بها، ولا يرفع، ثم ينصرف إلى ذلك القبر وتبدأ دموعه تسيل: يا فلان! اقضِ حاجتي، يا فلان! افعل كذا، يا فلان!

    حينما كنت بين يدي الله عز وجل في الصلاة لماذا لا تفعل هكذا؟ الله هو القادر على كل شيء، الله هو الذي بيده أزمة الأمور، نسأل الله جل وعلا أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.

    فزيارة القبور على ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: زيارة شرعية.

    النوع الثاني: زيارة بدعية.

    النوع الثالث: زيارة شركية.

    أقول لكم: احمدوا الله عز وجل لأن زيارتكم ليست بدعية ولا شركية، ولكن نفذوا إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة) قف على القبر، قف على فلان بن فلان الذي كان يعمل معك، ويبيع ويشتري، ويأكل ويشرب، أين هو الآن؟

    صُفَّت عليه اللبِنات، وحُثِيَ عليه التراب، وحِيْلَ بينه وبين ما يشتهي، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة.

    أخي في الله: نعم إنها القبور!

    يقول بعضهم رحمه الله: فيا من اغتر بطول الأمل، ويا من غفل ولهى وسهى! تذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، الذي ما طلب أحداً فأعجزه.. إي والله! الموت ما طلب أحداً فأعجزه -نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة، أنها موعظة بليغة يا أخي في الله، هل سمعتم أن أحداً طلبه الموت وأعجزه وقال له: لو جئتنا بعد شهرين أو بعد سنتين، فنحن سكنا في العمارة، ائتِ بعد شهرين، أو سنتين، أو ثلاث سنوات، ثم بعد ذلك ائتِ واقبض الروح! أسمعتم هذا؟! لا يمكن، وهو لن يذهب لأنه موكل بقبض روحك، هذه وظيفته، فالموت لا يشاوره، ولا يسأل عن مركزه، ولا عن مرتبته، بل مباشرة يأخذ هذه الروح ويبقى الجسد منطرحاً على فراشه.

    ألا يكفي أنه نزل بسيد البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم! ألا تذكر حال حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم حينما نزل به الموت؟! تقول عائشة رضي الله عنها: (جعل يأخذ ماءً من ركوة عنده ويمسح وجهه بالماء ويقول: لا إله إلا الله! إن للموت لسكرات) ذاقها خير البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولما رأت فاطمة رضي الله عنها ما بوجهه من الكرب قالت: (وا كرب أبتاه! وا كرب أبتاه! قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم) صلى الله عليه وسلم.

    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاستعداد لهذا الموت.

    ثم إنه سفر بعيد، متى يرجع الميت؟!

    لا يرجع إلا يوم القيامة.

    1.   

    أبيات تبين حال الموتى

    يقول زين العابدين رحمه الله:

    ليس الغريب غريب الشام واليمنِ     إن الغريب غريب اللحد والكفنِ

    تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ     ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزنِ

    سفري بعيد وزادي لا يبلغني     وقوتي ضعفت والموتُ يطلبني

    ما أحلم الله عني حيث أمهلني     وقد تماديت في ذنبي ويسترني

    أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً     على المعاصي وعين الله تنظرني

    الله أكبر! رحمة الله عليك، رحمه الله، الله أكبر!

    أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً     على المعاصي وعين الله تنظرني

    كيف لو رأى الذين يتابعون قنوات الفضيحة، القنوات الشيطانية، التي أعدها أعداء الإسلام لهتك الأعراض، وهدم العقيدة والحياء والعفة والشرف، يا ليته يراهم رحمه الله! كيف لو رأى بعضَ الناس وقد أغلق الأبواب، ينتقل من محطة إلى محطة، وقد أطلق بصره فيما حرم الله عليه من مشاهدة المغنيات والراقصات والممثلات، اللهم إنا نسألك العفو والعافية.

    وإذا رأى الإنسان واقع أهل زماننا وقرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يعجب! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: الذين يَصْلُحون عند فساد الناس، أو يُصْلِحون ما أفسد الناس) فيدلك على أن في آخر الزمان يحصل فساد؛ لكن من يحوز على هذه الدعوة إلا من وفقه الله؟! طوبى .. طوبى! الله أكبر! اللهم اجعلنا ممن يحوز عليها يا رب العالمين! (طوبى للغرباء، قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: الذين يَصْلُحون عند فساد الناس، أو يُصْلِحون ما أفسد الناس).

    فيا أخي في الله! ويا أختي في الله! كونوا من المصلحين الصالحين، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

    يقول رحمه الله:

    أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً     على المعاصي وعين الله تنظرني

    يا زلة كُتِبَت! يا غفلة ذهبَت!     يا حسرةً بقيت في القلب تقتلني

    دع عنك عذلي يا من كان يعذلني     لو كنت تعلم ما بي كنتَ تعذرني

    دعني أنوح على نفسي وأندبها     وأقطع الدهر بالتذكار والحزنِ

    دعني أسحُّ دموعاً لا انقطاع لها     فهل عسى عبرة منها تخلصني؟!

    فالبدار .. البدار ..! إلى التوبة النصوح، قبل أن يحصل -إخواني في الله- ما أخبر به الله جل وعلا: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:29-30].

    ثم تذكر تلك المقدمات التي تكون قبل هذا الحدث العظيم، ما هي المقدمات التي سوف تَمُرُّ علينا جميعاً -يا عباد الله-؟!

    اسمع إلى زين العابدين يصف لنا تلك الأحوال، يقول رحمه الله:

    كأنني بين تلك الأهل منطرحاً     على الفراش وأيديهم تقلِّبني

    وقد أتوا بطبيب كـي يعالجني     ولَمْ أرَ الطبَّ هذا اليوم ينفعُني

    واشتدَّ نزعي وصار الموت يجذبها     من كل عرق بلا رفق ولا هونِ

    تصور -أخي في الله- وهو على فراش الموت، وقد اشتد النزع! لا إله إلا الله! ومع ذلك لا يقدر على الصياح من شدة الألم؛ لزيادة الكرب حيث قَهَرَ الموت كل قوة، وأضعف كل جارحة، فلم يبقَ له قوةُ حتى للاستغاثة، أما العقل فقد غشِيَه وشوَّشَه، وأما اللسان فقد حجَزَه وأبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها وأوهنها وخدرها، فإن بقيَتْ فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها غرغرةٌ من حلقه وصدره، وقد تغير لونُه، وارْبَدَّ وجهُه، وشخَصَ بصرُه، وحشْرَجَ، واقشعرَّ جلدُه، وتشنجت أصابعه، لماذا؟!

    لأنه يعاني من سكرات الموت

    واستخرج الروح مني في تغرغرها     وصار في الحلق مراً حين غرغرني

    وغمضوني وراح الكل وانصرفوا     بعد الإياس وجدوا في شرا كفني

    وقام من كان أولى الناس في عَجَلٍ     إلى المغسل يأتيني يغسلني

    وقال: يا قومُ نبغي غاسلاً حذقاً     حراً أديباً أريباً عارفاً فَطِنِ

    فجاءني رجلٌ منهـم فجرَّدني     من الثياب وأعراني وأفردني

    وأطرحوني على الألواح منفرداً     وصار فوقي خريرُ الماء ينظفني

    وألبَسوني ثياباً لا كمام لها     وصار زادي حنوطاً حين حنطني

    وقدموني إلى المحراب وانصرفوا     خلف الإمام فصلَّى ثم ودعني

    صلوا علي صلاة لا ركوع لها     ولا سجود لعل الله يرحمني

    ثم بعد ذلك؛ بعد القصور، والعمارات والدور، إلى أين المصير؟! لا إله إلا الله! وهل ترك ذلك النعيم بِطَوْعٍ منه؟ لا والله؛ لكن هذه نهاية الحياة الدنيا، لا إله إلا الله! نهاية القصور والفِلل والدور، ماذا بعدها؟

    وأنزلوني في قبري عـلى مَهَلٍ     وأنزلوا واحداً منهم يلحِّدني

    فقام محتزماً بالعزم مشتملاً     وصفَّف اللَّبِن مِن فوقي وفارقني

    وقال: هُلُّوا عليه الترب واغتنموا     حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ

    في ظلمة القبر لا أمٌّ هـناك ولا     أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنِّسني

    1.   

    نعيم القبر وعذابه

    يخبرنا الرسول الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم عما يحصل في القبور، فاسمع إلى هذا الحديث المتفق على صحته:

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه سمع قرع نعالهم ...) لا إله إلا الله! اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، لا إله إلا الله!

    تصوَّر -أخي في الله، ويا أختي في الله- إذا وضع الموتى في القبور وصُفَّت عليهم اللَّبِنات، وحُثِي عليهم التراب، سمعوا قرع نعال أصحابهم! هذا خبر الرسول صلى الله عليه وسلم. (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، ويأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ ...)يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لكن -أخي في الله- اسمع نتيجة المؤمن، نسأل الله الثبات على دينه.

    قال صلى الله عليه وسلم: (... فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبـد الله ورسـوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً ...) الله أكبر! هذه ميزة.

    فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله؛ لأن الله جل وعلا وعد المؤمن بالتثبيت، والله لا يخلف وعده، يقول الرب جل وعلا: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] سبحانه وبحمده! لا معقب لحكمه جل وعلا، هذا وعد من الله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم:27] نسأل الله الثبات على الدين.

    ثم قال صلى الله عليه وسلم: (... وأما الكافر والمنافق -يعني: إذا وُضِع في قبره، وتولى عنه أصحابه- يأتيه ملكان، فيقولان له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري لا أدري، كنت أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ، ويُضْرَب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين) والحديث متفق عليه.

    وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، وصححه الألباني ، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيضُ الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كَفَنٌ من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ويجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِي السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجِدَت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الريح الطيبة؟! فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيَسْتَفْتِحون له فيُفْتَح له، فيشيعه مِن كل سماء مقرَّبوها إلى السماء التي تليها، حتى يُنْتَهى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأتُ كتاب الله فآمنتُ به وصدقتُ، فينادي منادٍ من السماء: أن صَدَقَ عبدي، فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من رَوحها وطيبها، ويُفْسَح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومُك الذي كنت توعد، فيقول له: مَن أنت؟ فوجهُك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: ربِّ أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي).

    قال لي أحد الإخوة في الله، وهو من الذين يهتمون بالحديث جزاه الله خيراً، يقول: أعرض نفسي على هذا الحديث، مدة لا تَقِلُّ عن ثلاث سنوات. موعظة بليغة عظيمة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، انظر كيف تكون حال المؤمن عند خروج روحه، وما الذي يحصل لها، ثم اسمع -أخي في الله ويا أختي في الله- كيف حال الكافر والمنافق والفاجر والعياذ بالله: (وإن العبد الكافر -وفي رواية: المنافق- إذا كان في إقبال من الدنيا وانقطاع من الآخرة؛ نزل إليه ملائكةٌ سُودُ الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السُّفُّود من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟! فيقولون: فلان ابن فلان؛ بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يُنْتَهى بها إلى السماء الدنيا، فيُسْتَفْح له فلا يُفْتَح له، ثم قرأ رسول لله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، ثم تطرح روحه طرحاً، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31] فتُعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه .. هاه ..! لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه .. هاه ..! لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه .. هاه ..! لا أدري، فينادِي مُنادٍ من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه مِن حرها وسَمومها، ويضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، مُنْتِن الريح، فيقول: أبشِر بالذي يسوءُك، هذا يومُك الذي كنتَ توعَد، فيقول: مَن أنت؟ فوجهُك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملُك الخبيث، فيقول: ربِّ لا تقم الساعة) نسأل الله العفو والعافية.

    هذا الذي يحصل -أخي في الله- في القبر، ولذلك سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر قال: (نعم، عذاب القبر حق) رواه البخاري ومسلم.

    وعنها أيضاً رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني رأيتُكم تُفْتَنون في القبور كفتنة الدجال، قالت عائشة رضي الله عنها: فكنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب القبر) رواه البخاري ومسلم . انظر! الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غََفَرَ الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يتعوذ بالله من عذاب القبر.

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) رواه مسلم.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فَرَغ أحدكم من التشهد الآخِر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم.

    فيا أخي في الله: هذه وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعوذ بالله من عذاب القبر، كما كان نبيك صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من عذاب القبر.

    ثم إني أقول لك -أخي في الله، ويا أختي في الله-: احذروا، ثم احذروا من الأعمال التي تغضِب الله جل وعلا ما دمتم في زمن الإمكان! وذلك يحصل بالتوبة النصوح، نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا توبة نصوحاً.

    أخـي في الله! أخـتي فـي الله! وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:29-30].

    فهناك تـختلف الأحوال، قال الله جل وعلا بعد هذا السيـاق: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [القيامة:31] ما صَّدَّق عادمُ الإيمان، ولم يؤمن بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله، ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره، ثم إنه لم يصلِّ، وهكذا لما أخبر الله جل وعلا عن أحوالهم يوم القيامة إذا أعطوا كُتُبَهم بشمائلهم يقول الله جل وعلا: إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:33] لأن أهل التقوى الذين اتقوا الله عز وجل أول صفة لهم أنهم يؤمنون بالغيب، كما ذكر الله ذلك في سورة البقرة.

    فيا أخي في الله! ويا أختي في الله! الله .. الله ..! فيما يقوي الإيمان، ما الذي يقوي الإيمان؟!

    طاعة الله عز وجل، كما هو مذهب السلف أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، كلما تقرب العبد من ربه بطاعته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه زاد عنده الإيمان، وكلما ابتعد عن طاعة الله، وغفل وأعرض عن الله نقص إيمانُه، وربما ينسلخ من الإيمان بالكلية، نسأل الله العفو والعافية.

    1.   

    استعد ليوم الرحيل

    فيا أخي في الله ويا أختي في الله! نطرح هذا السؤال على الجميع، وأنا الذي سوف أجيب:

    متى ينزل الموت؟! من منا يعلم متى ينزل به الموت؟!

    الجواب: قـال الله جـل وعـلا: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].

    ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عمر : (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) رواه البخاري .

    قال ابن عمر رضي الله عنهما: [إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك].

    أخي في الله! ويا أختي في الله: إذا علمنا أنه لا يدري أحد منا متى ينزل به الموت فعلينا أن نستعد أولاً وقبل كل شيء بالتوبة النصوح، والرجوع إلى الله، ولا تعجب من هذا القول، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الذي غَفَرَ الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) هذا في صحيح البخاري.

    وقتان لا تقبل فيهما التوبة

    فيا أخي في الله! ويا أختي في الله! بادروا بالتوبة النصوح قبل طي الكتاب.

    ثم اعلموا: أن لقبول التوبة انتهاء عامٌّ لكل أحد، وخاص لكل شخص بنفسه:

    - فأما العام فهو: طلوع الشمس من مغربِها :-

    إذا طلعت الشمس من مغربِها فلن تنفع التوبة، قال الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158] والمراد ببعض الآيات: طلوع الشمس من مغربها، كما فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه).

    ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها).

    - وأما الخاص: فهو عند حضور الأجل :-

    فمتى حضر أجل الإنسان وعايَنَ الموتَ فلا تنفعه التوبة، ولا تُقْبَل منه كما أخبر الله جل وعلا: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:18].

    ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فهذه الحالة حالة حضور الموت، وبعد حضور الموت لا يُقْبل من العاصين توبة، ولا من الكافرين رجوع.

    إذاً: قبول التوبة يُرْجى بإذن الله تعالى لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] قبل أن تنقطع الآمال، وتحضر الآجال، وتساق الأرواح سوقاً، ويُغْلَب المرء على نفسه، قال الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:17].

    فبادر -أخي في الله- بالتوبة والرجوع إلى الله ممتثلاً أمر الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].

    ثم أخي في الله لا تيأس ولا تقنط من رحمة الله مهما عملتَ ثم تُبْتَ إلى الله عز وجل، فإن الله جل وعلا يقبل التوبة، يقول سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    فأجيبوا داعي الله يا أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم! يقول الرب جل وعلا: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54] أنيبوا: توبوا وارجعوا إلى الله.

    ثم أبشر أيها التائب! وأنت أيتها التائبة! فإن الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة:222].

    وأبشر أيها التائب! ويا أيتها التائبة بوعد الله الذي لا يُخْلِف الميعاد، يقول الرب جل وعلا: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً [مريم:60-61].

    أسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ألا يفرقنا من هذا الجمع إلا بتوبة نصوح.

    اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً.

    اللهم عافنا واعف عنا، ومن عذاب القبر والنار أجرنا، وفي جنة الفردوس أسكنا.

    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

    1.   

    لا مفر من الموت

    إخواني وأخواتي في الله: هذا الموضوع الذي سوف نقف عنده، موضوع ينبغي لكل خطيبٍ وكل واعظٍ أن يرشد به مسترشداً ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) الموت الذي أكثر الله من ذكره في القرآن: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة:29] الله أكبر! لا إله إلا الله! لماذا التفت الساق بالساق؟ لأنها انتهت إقامتها في هذه الدنيا، الله أكبر! أين مصيرها؟ مصيرها إلى بيت الوحدة، إلى بيت الوحشة، إلى بيت الضيق، إلى بيت الدود والبلى، إلا مَن وسَّعه الله عليه.

    إخواني وأخواتي في الله: ينبغي لنا أن نكثر من ذكر هذا الفادح العظيم، هذا الحادث الذي لا يدخل من الأبواب، ولا يستأذن على أحد، لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] الموت الذي لا تمنع منه الحصون المشيدة، أَيْنَمَا تَكُنُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] الموت الذي لا ينفع منه الفرار: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8] الموت الذي لا ينفع معه تطور الطب؛ لأن البعض من الناس الآن يقول: الطب تطور؛ لكن الموت الآن يأخذ بالكميات.

    أخي في الله: نعم. الموت يأخذ بالكميات، نسأل الله حسن الخاتمة!

    تسمع عن الطائرة الفلانية ماذا حصل لها! القطار الفلاني ماذا حصل له! السيارة الفلانية ماذا حصل لها! القرية الفلانية ماذا حصل لها بسبب زلزالٍ أو غرق، أو حريق أو إعصار!

    إذاً فالموت -نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة- هو الموت، مهما تطور الطب أخي في الله! فلا تغرك نفسك الخداعة وتقول لك: تطور الطب، والله الذي لا إله غيره، ثم والله الذي لا إله غيره، لو اجتمع أطباء العالم كلهم عند مريضٍ يحْتَضر نزلت به سكرات الموت؛ واللهِ ما يزيدون في عمره قليلاً أو كثيراً، لماذا؟ لأن العمر محدود، والأنفاس معدودة: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:26-27] أين مَن يَرْقِي؟! أين الطبيب؟! يأتي الراقي ويَرْقِي ويؤدي جهده، ويأتي الطبيب بمعداته؛ لكن هيهات .. هيهات ..! وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767372993