أيتها النساء الحاضرات: أيتها الفتيات المستمعات! السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فهذه فرصة أخرى من الفرص الطيبة التي نلتقي فيها من وراء حجاب كما أمر الله سبحانه وتعالى، في هذا المبنى وفي هذه الكلية، أسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً.
أيتها الفتيات المسلمات: أيتها النساء! موضوعنا في هذا اليوم بعنوان: حاملة الأمانة، وهو موضوع خطير وحساس؛ لأنه ينبع من الأمانة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى لأدائها، قال الله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] هذه الأمانة التي أشفقت السماوات باتساعها والأرض بامتدادها والجبال بشموخها وثقلها أشفقن من حملها، وحملها الإنسان. والإنسان فيه ظلم وجهل، ولذلك كان حمله لهذه الأمانة يحتاج إلى إعانة من الله وتعليم وعون من الله ليقوم بهذه الأمانة: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].
فيجب عليك -أيتها المسلمة- أداء الأمانة التي كلفت بها إلى أهلها، وأنت تعلمين أن من أشراط الساعة تضييع الأمانة كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة).
ما هي الأمانات المرتبطة بك أيتها المرأة المسلمة؟
إن هذه الأمانات متعددة، فمنها: أمانة الجوارح، وأمانة العبادة، وأمانة العلم، وأمانة الزوج، وأمانة الأولاد، وأمانة المال، وأمانة الدعوة، وأمانة المشاعر والأحاسيس. هذه بعض أنواع الأمانة المناطة بك والتي أنت مكلفة بالقيام بها وإعطائها حقها.
إذاً -أنت أيتها المسلمة- تحملين أموراً ثقيلة، وأنت مكلفة بأداء مهمات صعبة، فاسألي الله العون والثبات لتحمل هذه الأمانة وأداء هذه المسئولية، والله قد وعدكِ بأنه سيعينك ويثيبك ويجزيك الجزاء الأوفى إذا كنت قمتِ بهذه الأمانات وتحملت التبعة: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء:124].. مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].. مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:40] فالله قد وعدكِ أنه سيعطيك ويضاعف لك ويكون معك؛ إذا أنتِ آمنتِ وإذا حييتِ الحياة الطيبة وقمتِ بأداء الأمانة إلى أهلها وحملتِ هذه الأمانة فأعطيتها حقها، والويل كل الويل لمن تضيع أو تقصر في حمل هذه الأمانة بأنواعها.
فلنأت أيتها المسلمات على بعض أنواع الأمانة، ولنذكر -يا حاملة الأمانة- لكِ شيئاً من هذه الأمانات علَّ الله تعالى أن يبصر بها، وأن يذكر المقصرات وأن يدفع المخلصات ويعينهن على حمل هذه الأمانات.
وينبغي أن تكفي اللسان عن استعماله فيما حرم الله، كالنطق بالكفر والاستهزاء بالدين، ككثير من هذه النكت أو الطرائف الموجودة التي فيها استهزاء بالجنة أو النار، أو يوم المحشر والحساب والجزاء، أو صفات الله سبحانه وتعالى، أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو صحابته، أو شيء من شعائر الدين والعبادات، وأن تكفي اللسان عن النطق بالبدع المخرجة عن الملة وغير المخرجة عن الملة، البدع التي هي شر ما عمل العباد، وتحسينها وتقويتها، فعليك الكف عن ذلك كله، والكف عن الدعوة إليها واتباع السنة، الكف عن القذف، كاتهام بريئة بأنها زانية، أو سارقة، أو أنها بنت حرام، أو سب وشتم ولعن، وما أكثر اللعن في أوساط النساء، عدي هذه الصفة الذميمة -اللعن- كما قال صلى الله عليه وسلم: من أسباب دخول النساء النار: (يكثرن اللعن) الكذب وشهادة الزور والقول على الله بلا علم، ما أكثر اللاتي يفتين بغير علم وينقلن فتوى لا أساس لها، ما أكثر اللاتي يعطين الآراء المجردة عن الأدلة، يعطين الأدلة من عقولهن القاصرة مجردة عن العلم، فيقلن على الله بلا علم، ما أخطر القول على الله بلا علم! وما أعظمه! وما أشد إثمه! وما أكثر المتساهلات بالإفتاء! أو الكلام بأحكام الدين بغير دليل ولا بصيرة ولا نقل لأقوال أهل العلم، ظناً وتخرصاً، أو تقول: هكذا هو بالعقل.
هذه الآفات من آفات اللسان خيانة للأمانة، أكثر ما يكب الناس في النار على وجوههم -يا فتاة الإسلام- هو حصائد ألسنتهم، كم أودى اللسان بمسكينات إلى النار، وكم أدخلهن جهنم من أبواب عدة، هذه المكالمات الهاتفية المحرمة مع الرجال الأجانب تجري في النهار والليل معصية لرب العالمين، خيانة للأمانة، استخدام اللسان فيما حرم الله، كلمات فاحشة، أنواع من الخنا والفجور يقال بالهاتف يتكلم بها مع من حرم الله الكلام معه، وبطريقة حرم الله الكلام بها هذه الخيانة من نماذج الخيانة للأمانة.
إن من الخيانة لجارحة العين، والإخلال بحقها استعمالها في معصية الله من أنواع النظر المحرم، كالنظر إلى صور الرجال بالفتنة والشهوة، والنظر إلى العورات -حتى عورات النساء- بأنواعها سواء العورات من وراء الثياب أو عورات من وراء الأبواب، والنظر إلى الأفلام والمسلسلات، وما أكثر اللاتي يخن الأمانة بالنظر إلى ما حرم الله من هذه الأفلام، التي تعلم الفحش وتعلم إقامة العلاقات المحرمة، والتي تنزع الحياء نزعاً من نفس المرأة المسلمة، والنظر إلى المجلات التي تلقي الشبه في الدين والعقيدة، المجلات التي تجرئ الفتاة المسلمة على الخروج وقول: لا، لتعاليم الشريعة، المجلات التي تجرئ الفتاة على إقامة العلاقات مع الجنس الآخر دون حياء ودون حواجز شرعية.
وتجنب السماع المحرم، كاستماع الكفر والبدع إلا لمن يرد عليها، والتجسس على خلق الله، والتي تستمع إلى حديث امرأة وهي كارهة لاستماعها يصب في أذنها الآنك -الرصاص المذاب- يوم القيامة.. استماع أصوات المغنين والمغنيات، بل حتى المنشدات التي يفتن النساء بأصواتهن حرام لا يجوز.. استماع المعازف وآلات اللهو والطرب، وما أكثر النساء اللاتي لا يبالين بسماع صوت وتر أو عود أو آلة موسيقية أو فرقة بأكملها.. قرآن الشيطان يصب في آذان المسلمات صباً تقبل عليه اللاتي لا يرجين الله ولا الدار الآخرة.. استماع الغيبة والنميمة والفحش، ثم استماع الصوت الفاجر عبر جهاز الهاتف في هذه الاتصالات المحرمة، هذا الاستعمال خيانة للسمع، وستحاسب هذه الفتاة على انتهاك حدود الله بهذا السماع المحرم.
وأما التذوق المحرم فأنواع لا تعد ولا تحصى، كتذوق الخمور والمخدرات والسموم والتدخين، أو الأكل والشرب حال الصيام دون عذر شرعي، وتذوق الأمور المشتبهة، كالأكل من بيوت الذين كسبهم من الحرام كموظفي البنوك الربوية، والأكل فوق الحاجة والتخمة، وتذوق طعام الفجأة -أو الفجاءة- وهي المرأة المتطفلة على القوم التي تأتي بغير دعوة، أو تدخل على امرأة أخرى في بيتها دون أذن، فتذوقك لطعام من يطعمك حياء منك من غير طيب نفس لا يجوز، ومن أنواع التذوق أيضاً المنهي عنه: أكل طعام المرائين في الولائم والدعوات، الذين يعقدون الولائم والحفلات رياء ومفاخرة، فلا تتذوقي طعامهم.
ثم طالبك الشارع بأن تمتنعي عن شم المحرمات وشم ما يحرم شمه في حالة معينة، كشم الطيب في الإحرام، أو شم الطيب المغصوب والمسلوب واستعماله، أو شم طيب الرجل الأجنبي والافتتان به، أو شم طيب الظلمة والتبخر ببخور أصحاب المحرمات.
وحرم الله عليك لمس أمور ومحرمات كمس جسد الأجنبي ولو من وراء حائل كمصافحة الأجنبي مثلاً، ويحرم عليك لمس كل ما لا يجوز النظر إليه ولو عورة المرأة، فلا يجوز مس عورة امرأة بغير ضرورة شرعية، لا بحائل ولا من وراء حائل، وكذلك مس الزوج في الصيام مساً يؤدي إلى إفساد الصيام، أو مس الزوج بشهوة في الإحرام وقبل طواف الإفاضة، ومس الأمور الضارة، ومس صفحات المجلات وأزرار مذياع الموسيقى وفديو الأفلام الخليعة، ومس سماعة الهاتف بالإثم والعدوان.
وحرم الله استخدام اليد، فمن خيانة اليد قتل النفس التي حرم الله، وضرب من لا يحل ضربه، ولعب الألعاب المحرمة، مثل ما كان فيه نرد، أو ورق اللعب المعروف، وكتابة الكفر والإلحاد، وقد سمعنا عن بعض النساء اللاتي يكتبن المقالات ويدبجنها وفيها خروج عن ملة الإسلام، وتشكيك في أهل الدين واتباع لمنهج أهل الكفر والعلمنة، ويكتبن المقالات لدعم تيار العلمنة والفسق في المجتمع، وتيار البدع والحداثة: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] كذلك كتابة الزور والظلم والافتراء، وعمل السحر باليد ووضعه في البيت أو في الطعام.. كتابة خطابات الحب والغرام والفسق، يوم تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء.. إمساك سماعة الهاتف لسماع الكلام المحرم، يوم تنادي عليهم جوارحهم بالويل والثبور يوم القيامة: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182] فهل تريدين أن تشهد عليك يداك بالخير أو بالشر يوم القيامة؟ يوم يتبرأ الإنسان من هذه الحواس التي استخدمها في المعصية، وتقول المرأة لحواسها: تباً لكن فعنكن كنت أناضل، يوم يختم على فيها فتشهد عليها رجلها ويدها وعينها وسمعها ولسانها بما عملت: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:25].
وتخان أمانة الرجل عندما يمشى بها إلى المعاصي، وكل ماشٍ في معصية الله فهو من جند إبليس.. موعد محرم لحفلة بدعية، كعيد ميلاد أو مولد أو حفلة محرمات، زفاف موسيقى وتصوير، ومناسبة اختلاط وحضور مجالس غيبة.
فهذه أمانة الجوارح وشيء منها، فهل ستقوم المرأة المسلمة بالوفاء بهذه الأمانة واستخدام هذه الجوارح فيما يرضي الله أم أنها ستندم ندماً يوم القيامة؟
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24].
أمانة العلم أمانة عظيمة.
فالمرأة الجاهلة أسهل شيء على إبليس وأهونه وأحقره، والمرأة العالمة بشريعة الله المتفقهة بدين الله ما أصعبها على إبليس وما أشد مراسها، بل إنه ربما يئس منها يأساً شديداً، حتى لا يكاد يستطيع أن يضرها بشيء. وهذا دين ليس بلهو ولا لعب، فلابد من القيام بأمانته: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] وقد أمرك الله بالقيام بهذه الأمانة وهي أمانة طلب العلم الشرعي، فقال الله لك وللنساء من قبلك: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34] وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) لما أحست النساء المسلمات بهذه الأمانة قمن مجاهدات جاهدات في حقها، وفي سبيل تحصيل العلم أحست المرأة أنها أمانة فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا، فاجتمعن، فأتاهن، فعلمهن مما علمه الله).
كان استشعار أمانة التعلم يدفع المرأة للاستجابة للأمر النبوي، للخروج لصلاة العيد حائضاً وغير حائض، وتقول إحداهن: (يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها).
الأمانة يا أيتها الفتاة المسلمة! يا أيتها الأخت في الدين والعقيدة! الأمانة هي التي دفعت النساء إلى التفقه في الدين وعدم الحياء في هذا الأمر، كما قالت عائشة : [نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين] جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق -هذه مقدمة جميلة- فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء، فقالت
الأمانة هي التي دفعت النساء الصالحات من أوائل هذه الأمة لحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، كما فعلت حبيبة محمد صلى الله عليه وسلم الفقيهة الربانية المبرأة من فوق سبع سماوات، أفقه نساء هذه الأمة على الإطلاق، تزوجها وهي بنت تسع سنوات وأقام معها تسع سنوات، وفي هذه التسع السنوات تعلمت علماً جماً؛ لأنها أحست بالأمانة، وأنها لابد أن تحمل الأمانة، توفي عنها النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها ثماني عشرة سنة، إنها أصغر منكن -يا أيتها المستمعات- إنها في السن أقل منكن -يا أيتها الحاضرات- في تسع سنين حفظت آلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وروتها، فلما مات عليه الصلاة والسلام ملأت أرجاء الأرض علماً، فروت علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه، عن زوجها وعن أبيها وعن غيرهم.
أمانة العلم هي التي دفعت نساء الصحابة إلى التعليم بعد أن حفظن العلم، رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة عن الفرائض، ولو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم علماً، كانت يتعجب من فقهها وعلمها ويقول الرجل: ما ظنكم بأدب النبوة. يقول عروة ابن أختها: لقد صحبت عائشة فما رأيت أحداً قط كان أعلم منها بآية نزلت، ولا بفريضة ولا بسنة ولا بشعر ولا أروى له ولا بيوم من أيام العرب ولا بنسب ولا بكذا ولا بفضائل، فقلت لها: يا خالة! الطب من أين علمتيه؟ فقالت: كنت أمرض فينعت الشيء ويمرض المريض فينعت له -يعني: يوصف الدواء- وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه.
هذه الأمانة في طلب العلم هي التي دفعت النساء المسلمات بعد ذلك للحفظ وأداء الأحاديث، وجعلت من النساء عالمات فقيهات بلّغن الأمانة، كانت بنت الإمام مالك تسمع من وراء الباب قراءة طلابه عليه، فإذا غفل أبوها ولحن القارئ وأخطأ؛ دقت الباب، فيعلم أبوها أن القارئ قد أخطأ فيقول: ارجع فالغلط معك. حتى جارية الإمام مالك اشترى خضرة وكانوا لا يبيعون الخضرة إلا بالخبز فقال لها: إذا كان عشية حين يأتينا الخبز فأتينا نعطك الثمن، قالت: ذلك لا يجوز، فقال لها: ولماذا؟ قالت: لأنه بيع طعام بطعام غير يد بيد، فسأل عن الجارية فقيل له: إنها جارية مالك بن أنس فهذا أشهب تعلم من جارية مالك بن أنس .
وهذه بنت سعيد بن المسيب رحمها الله ورحم أباها، هذه المرأة التي حفظت عن أبيها علماً جليلاً، هذه المرأة لما تزوجت وأراد زوجها أن يخرج للقاء أبيها العالم، قالت له: إلى أين تريد؟ قال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، قالت: اجلس أعلمك علم سعيد ، اجلس أعلمك علم أبي.
لما استشعرت النساء المسئولية قمن لله سبحانه وتعالى لتعلم أحكام الدين والشريعة، وحفظ القرآن والأحاديث.
كيف تقومين بأداء أمانة العلم الشرعي أيتها المرأة المسلمة؟
لابد أن تتعلمي كيف تقرئين القرآن، وكيف تحفظينه، وكيف تسمعينه، وكيف تتدبرين معاني القرآن؟ لابد على الأقل أن يكون عندك تفسير بسيط لمعاني القرآن، فتتعلمين معاني ما أنزل الله بدلاً من أن يكون طلاسم ومبهمات، وهو كلام ربك، وأنتِ تفهمين في الموضات والأزياء وفن الطبخ أكثر مما تفهمين من كلام الله، هذا لعمر الله من أعظم ما يسبب الخجل من النفس، مصيبة وطامة، بل هل تفهم سائر نسائنا معاني مفردات بسيطة في سور قصيرة يقرأنها دائماً، وهل يعرفن معنى الصمد والفلق والخناس والغاسق ووقب فضلاً عن معنى وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً [العاديات:1-2] أليس أمراً مؤسفاً ألا تعلم كثير من النساء معاني الآيات.
ثم لابد أن تتعلمي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعانيه، وتميزي بين الصحيح والضعيف، وما اشتمل عليه الحديث من الأحكام.
لابد أن تتعلمي العقيدة، فأركان الإيمان الستة مهمة جدا،ً والسيرة النبوية والفقه وأركان الإسلام، وأحكام النكاح، خصوصاً إذا أردت الزواج.
معرفة مخططات الأعداء، من حمل أمانة العلم -أيتها الفتاة المسلمة -الاستفتاء بالطريقة الشرعية.. سؤال الثقات من أهل العلم.. الصدق في السؤال وعدم التلاعب في صياغته كما يحدث من بعض النساء.. عدم تتبع الرخص والتنقل من شخص إلى آخر بحثاً عن منفذ اتباعاً للهوى، ولابد لك من القراءة في الكتب والبحث والاطلاع.
لقد أعطانا الله سبحانه وتعالى هذا المال واستخلفنا فيه؛ لينظر سبحانه وتعالى كيف نعمل بالمال، أنتِ تأخذين مكافأة من الكلية، وإذا توظفتِ تأخذين راتباً، وكثير من النساء عندهن أموال من عطايا الآباء أو الأزواج، وربما يكون عندها إرث؛ فتكون ذات مال، فماذا تفعل بهذا المال؟ والمال أمانة يجب القيام بها.
هل تؤدين زكاته؟
بعض النساء لديهن أسهم في الشركات، وأموال وأرصدة في المصارف، ومَن مِن النساء ليس لديها حلي؟ هذا كله من أنواع المال، وقد يكون لها أرض باسمها مسجلة، هل تعلم المرأة أحكام الزكاة لتؤدي حق المال؟
وأمانة المال أن تأخذه من حله فتصرفه في حقه، فهل تكسبه من حلال؟
بعض النساء يسرقن، والله! سمعنا عن حوادث مخجلة من دخول بعضهن إلى محلات وأسواق فيأخذن خلسة، فيخفين في الثياب، ويضعن في هذه المحافظ الموجودة والشنط اللاتي يحملنها، وربما سرقت المرأة من بيت امرأة أخرى، وربما أتت بعد سنوات تتوب وتقول: ماذا أفعل الآن هذه الأسورة التي سرقتها من بيت فلانة محرجة في ردها؟
بعض النساء يعملن في أعمال راتبها حرام؛ كأن تعمل في بنك ربوي أو تعمل في مكان فيه اختلاط وتبرج وفتنة، فكيف يجوز لها أن تعمل وما حكم الراتب التي تأخذه؟ وأعداء الإسلام يخططون لكي يفتحون مجالات عمل محرمة للنساء، فتعمل النساء فيها.
كثير من النساء في البلاد الإسلامية والعربية يعملن في مجالات عمل إما أن تكون محرمة أصلاً كالبنوك الربوية، أو محرمة لما يقترن بها من الاختلاط والسفور والتبرج واحتكاك الرجال بالنساء، ولمس المرأة للرجل ونحو ذلك، فهل هذا المال حلال عليها أم أنها ستسأل عنه يوم القيامة من أين اكتسبته وفيما أنفقته؟
أين تنفقين أموالك يا فتاة الإسلام؟ هل تنفق لشراء أفلام وقصص حب وغرام، أو لشراء مجلات تافهة تحطم العقيدة في النفوس وتزلزل كيان الدين، وتلقي الشبه عن النكاح وعن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وعن تعدد الزوجات وعن أمور كثيرة جداً في عدل الشريعة، وأن الشريعة ما عدلت، وأن الشريعة ظلمت المرأة؟
المجلات المحرمة الموجودة الآن المنتشرة ابتداء من فتاة الغلاف وحتى دعاية التدخين الموجودة على الغلاف الآخر، وما بينهما طامات كثيرة تشترينها بأموالكِ أنتِ.
تشترين ثياباً محرمة، تلبس إلى ما فوق الركبة، وعليها صور ذوات الأرواح، أو صور مغنيين. هذه الصورة الرعناء القبيحة، حيث تجد شعره كالمكنسة ويكتبون عليها سيدو ديدو، لا يكاد يوجد في محل من محلات السوق فنيلة أو قميص أو بنطلون أو فستان إلا وعليه شعار اللامبالاة والقباحة في الشكل والوساخة، يريدون أن يجعلوا من أجيال المسلمين نماذج من سيدو ديدو، وهذا مطبوع على كثير من هذه الملابس، فتشتريها النساء ويلبسنها.
تنفقين أموالك على هذه الملابس المحرمة، على ثياب شهرة، تنفقين أموالاً كثيرة في تفصيل ثوب عند خياطة لا يساوي المال الذي تصرفينه وتنفقينه؛ لأن الذي تنفقينه إسراف في الحقيقة؛ لأن سعره غير معقول وفوق العادة، يحمل عليه المباهاة والفخر على خلق الله، ولكي تمشين به متبخترة في الحفلات والمناسبات، ويشار إليك بالبنان: صاحبة الفستان الـ...، تشترين حجاباً غير شرعي، وتشترين خماراً عليه تطريزات وزخارف ونقوشات وألوان، وتشترين الكاب أو تلبسينه فوق الكتفين ليظهر حجم الجسد والكتفين.
تنفقين الأموال في تصفيف الشعر والموضات وفي التسريحات والنمص المحرم، لو كان تجملاً بطريقة شرعية؛ لقلنا نعم قبلنا ذلك، لكن قصات تشبه الرجال، وقصات تشبه قصات الكافرات فتشبه من جميع الأنواع.
تنفقين المال في توافه الكماليات، أنت تعلمين أن من خطط أعداء الله إلهاء النساء بهذه الأشياء والركض وراء السراب، وتقذف دور الموضة وأدوات التجميل بأشياء كثيرة جداً، وأنواع من العطورات غالية الثمن لا تحتاج إليها المرأة في الحقيقة؛ لأنها في الغالب تستخدم في الحرام، ووضعها عند الخروج بين الرجال، لو وضعتها لزوج ولو وضعتها في مجتمع نساء بشكل معقول بحيث لا تصل الرائحة للرجال، لا هي داخلة ولا خارجة ولا أثناء جلوسها لقلنا: نعم، أليس من الإسفاف والسخف أن تشتري بعض النساء صوراً لمطربين يعلقنها في الثياب أو يضعنها في الشنط.
تشترين ملصقات فيها عبارات إما تدعو إلى قومية أو حزبية أو عصبية جاهلية، فما هو مصير هذه الأموال؟ المرأة تدفع أموالها إلى بيوت الأزياء التي يديرها اليهود، وتتنافس مع زميلاتها في اقتناء الثياب الأوروبية بالأثمان الغالية، فتجدها تدخل إلى محل تطلب قماشاً يكون من النوع الذي لا بأس به.. بكم المتر؟ يقول: بكذا، تقول: هذا رخيص، ليس بجيد أما عندك أحسن؟ والبائع يجد فرصة للعب بالعقول والضحك والخداع، فيأتي لها بقماش مثله في النوعية، ولكنه يزيد في السعر لكي يرضي غرورها وجهلها، فتأخذه فرحة مسرورة، وتخرج إلى المحل ترقص على جبينها جهلاً وغروراً، وثمن الفستان يساوي راتب مدرس في شهر كامل، وفستان العرس يعادل راتب مدرس مدة سنة كاملة، رحمة الله على عائشة لم تكن تستجد ثوباً حتى ترقع ثوبها الأول، وقد جاءها يوماً من عند معاوية رضي الله عنه -وقد كان يصل أمهات المؤمنين- ثمانون ألفاً فما أمسى درهم واحد عندها، قالت لها جاريتها: هلا اشتريت منه لنا لحماً بدرهم، قالت: لو ذكرتني لفعلت. قالت عائشة لـعروة : [والله! يا بن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ناراً قط، قلت: يا خالة! ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح -شياه- فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا].
وكثير من النساء تفرط في هذه الأحكام، ولا تدري أين هي موجودة وموضوعة، وحتى بعض النساء اللاتي فيهن نوع من الدين والخير. والآن نحن في صيام الست من شوال، ما حكم صيام الست بغير إذن الزوج؟ إذا طهرت الحائض في النهار ماذا يلزمها في الليل؟ عندها مال للحج ويوجد محرم فما حكم الإنابة في الحج؟ إذا حاضت المرأة وهي تريد الإحرام ماذا تفعل؟ هل جدة ميقات للمرأة التي تذهب من هنا؟ وكيف تلبي المرأة؟ ما هي محظورات الإحرام؟ كيف تقصر شعرها في الحج والعمرة؟
العبادات أمانة ومسئولية، فمن من النساء اللاتي تعلم كيف تعبد الله؟ نسأل الله أن يكثرهن، ونحن على يقين أنه يوجد من الصالحات العابدات القانتات العالمات من تعرف كيف تعبد الله، لكننا نسأل الله أن يكثر هذا العدد وأن يزيل الجهل، ونسأل الله أن يفقه نساءنا في أمور الدين، وأن يصرفهن إلى العبادة، ويحبب العبادة إليهن.
قال عبد الله بن الزبير : [ما رأيت امرأتين قط أجود من
قال عروة : [كنت إذا عدوت أبدأ ببيت عائشة رضي الله عنها فأسلم عليها، فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] وتدعو وتبكي وترددها، فقمت حتى مللت القيام، فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت، فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي].
ولما بُعث إلى عائشة بمائة ألف درهم قسمتها، قالت بريرة : أنت صائمة، فهلا ابتعت لنا بدرهم لحماً؟ قالت: لو ذكرتني لفعلت. قالت: يا جارية! هاتي فطوراً -لما جاء وقت الإفطار- فجاءتها بخبز وزيت.
أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تصنع وتعمل بيدها وتتصدق في سبيل الله (أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يد) كانت زينب تعمل وتتصدق، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود -اجتهاد من زينب- فقال: ( حلوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد ) زينب أم المساكين، صالحة صوامة قوامة بارة زاهدة حميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل. هؤلاء النساء الصالحات اللاتي يتواضعن لله فيذكرن ذنوبهن وما أقل ذنوبهن! ونساؤنا اليوم مع كثرة الذنوب يتذكرن الأعمال الصالحة فقط.
هنا عندنا نساء ولله الحمد فيهن خير كثير في المجتمع، يصلحن قدوات، يجمعن صدقات، ويرتبن مرتبات للعوائل، يتفقدن الأرامل والأيتام والأسر الفقيرة، يتصدقن من حليهن.
الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعا النساء إلى الصدقة صرن يلقين من الحلي والأقراط، ويوجد -ولله الحمد- نساء لو قلنا في المسجد: ألقوا ما أنتم ملقون، لألقوا من الحلي والأقراط اقتداء بالنساء الأول.
كان الحسن بن صالح يقوم الليل هو وجاريته، فباع جاريته لقوم، فلما صلت العشاء افتتحت الصلاة فما زالت تصلي إلى الفجر، وكانت تقول لأهل الدار كل ساعة تمضي من الليل: يا أهل الدار! قوموا. يا أهل الدار! صلوا. فقالوا لها: نحن لا نقوم إلا الفجر، فجاءت إلى الحسن فقالت: بعتني لقوم ينامون الليل كله، أخاف أن أكسل من نومهم، فردها الحسن إليه رحمه الله.
كانت عجردة العمِّية تغشانا فتضل عندنا اليوم واليومين، فكانت إذا جاء الليل لبست ثيابها وتقنعت ثم قامت إلى المحراب، فلا زالت تصلي إلى السحر، يقول لها أهل الدار: لو نمت من الليل شيئاً؟ فتبكي وتقول: ذكر الموت لا يدعني أنام.
قال الهيثم بن جماز : كانت لي امرأة لا تنام الليل وكنت لا أصبر معها على السهر، فكنت إذا نعست ترش علي الماء في أثقل ما أكون من النوم، وتنبهني برجلها وتقول: أما تستحي من الله؟ إلى كم هذا الغطيط؟ فوالله إني لأستحي مما تصنع.
نحن الآن لا نطالب النساء أن يقمن كل الليل، لا والله! ولا أن يقمن كل النهار، لكن تضييع قراءة القرآن، والصيام، والسنن والنوافل فلا يعبدن الله إلا في رمضان وغيره من الأيام، منصرفات عن العبادات، أين أمانة العبادة في القيام بها أو بفقهها ومعرفة ما تنطوي عليه من الأحكام؟
( لا تأذن المرأة في بيت زوجها إلا بإذنه ).. ( لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله! إنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا ).. ( لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ) ما عدا الصيام الواجب.
فإذاً ستة من شوال يجب استئذان الزوج فيها.. (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها).. (والذي نفسي بيده! لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم أقبلت تلحسه ما أدت حقه) حديث صحيح. استشعرت المرأة المسلمة الأولى حق الزوج، فقعدت عنده، وسمعت كلامه، وأطاعت أمره، ولبت طلبه، وقامت بخدمته، وكنست بيته، وطبخت طعامه، وهيأت ثيابه، وربت أولاده، وحفظت بيته أثناء غيابه، هل تعلمين كيف كانت المرأة تحمل أمانة الزوج؟
أخرج الشيخان عن أسماء قالت: [تزوجني
بعضهم من دعاة تحرير المرأة، وبعضهم من الذين يرجمون بالغيب، أو الذين لا يحسنون نقل أقوال الفقهاء يشيعون ذلك، فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم جرت الرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، تطلب خادماً يقول لها صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم؟ تسبحين الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين حين تأخذين مضجعك) رواه مسلم ، هذا دليل على أن ذكر الله -يا فتاة الإسلام- يقوي الجسد.
إذاً أمانة الزوج طاعته.. دوام الحياء منه.. السكوت عند كلامه.. الابتعاد عما يسخطه.. طيب الرائحة له.. وغض الطرف أمامه، حفظ ماله لا إسراف ولا تبذير، وحفظ سمعته، فكيف تمشي المرأة متبرجة؟ أو كيف تمشي المرأة أو تذهب مع السائق وحدها؟ ماذا يقال عنه؟ يتهم بين الناس.. لا تدخل أحداً البيت إلا بإذنه.. تكليم الأجنبي من وراء الباب وبالهاتف بحذر وقيود وحدود وإيجاز على قدر الحاجة، دون لين ولا تكسر.
أمانة الزوج القيام بها في تربية أولادها، التجمل له، إذا نظر إليها سرته، الاعتناء بهندامها عند قدومه من سفره.. الابتسامة.. الطيب.. التجمل.. تحين الفرصة الملائمة لإخباره بالأشياء المؤلمة والمؤذية، قالت أم سليم لزوجها عن طفلها الميت: ( هو الآن أسكن ما يكون ) ثم أخبرته في الوقت المناسب.
إذاً ما حال المرأة التي إذا غاب عنها زوجها تلعب من ورائه، وتخرج وتسلم من ورائه، إذا غاب في العمل أو غاب في السفر، إن ذلك خيانة للأمانة -أمانة الزوج وأمانة الزوجية.
أما بالنسبة للفتاة المسلمة التقية النقية الزوجة الصالحة ما الذي يضمن ألا تلعب من وراء زوجها، ولا تكلم أجنبياً ولا تدخله إلى بيت زوجها، أو تخرج هي للفواحش؟
الجواب: حمل الأمانة التي هي موجودة في آية من كتاب الله: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] حافظات بمعنى إذا غاب الأزواج حفظن أنفسهن، وحفظت فرجها ونفسها.
ثم من قيام حق الزوج الأمانة أن تأمريه بالمعروف، فتأمريه بالصلاة وتوقظينه لصلاة الفجر وصلاة العصر، ولو كان راجعاً من الدوام ومتعب، فإن الرحمة به إيقاظه للصلاة وليس تركه نائماً.
وإذا كان الزوج من أهل السوء والعياذ بالله، إذا كان من أهل الأفلام والمحرمات ومن أهل المسلسلات والصحف الفاسدة والمجلات، إذا كان من أهل رفقاء السوء والألعاب المحرمة، ما موقف الزوجة؟
تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وإذا كان زوجها قاسقاً، صاحب خمور ومخدرات، فتجاهد زوجها حتى يترك الخمور والمخدرات، ويجوز لها طلب الطلاق طبعاً؛ لأن هذه العيشة لا يصبر عليها، فالزوج الفاسق الذي يسافر إلى الخارج يزني ويتباهى بالصور أمام أصحابه، وربما تواقح وقال لها بعضاً ما يفعل ليؤذيها، هي تجاهد في الله وتدعوه إلى الله وتنصحه وترغبه وترهبه، فإذا كان كافراً بالله يستهزئ بالدين وبالحجاب وبالصلاة ويترك الصلاة بالكلية وهو يعلم حكمها ما هو الحل؟ فارقته ولا تقعد عنده لحظة، فالمسألة الآن مفاصلة وتبري من الزوج الكافر.
ليس عبثاً أن يقول عليه الصلاة والسلام لرجل لما سأله: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك) ليس عبثاً أن تجعل الشريعة للأم ثلاثة أمثال ما للأب، إن هذا لم يأت من فراغ، ومعنى ذلك أن الأم قائمة بأمانة عظيمة تستحق أن تبر ثلاثة أمثال الأب، ليس عبثاً أن تجعل الجنة تحت قدم الأم، وهذا ليس مجاناً، معناه: أنها قامت بفضل عظيم، يخرج من حناياها الولد، وتحت جناحها يشب، إنها قوام البيت ومحوره، منه بدأ وإليه يعود.
المرأة المسلمة التي تنجب الأطفال تقرباً إلى الله لزيادة عدد المسلمين ولتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم للأمم يوم القيامة، المرأة تموت في النفاس فهي شهيدة، المرأة هي حاملة تربية الأولاد، فلا تتخلى عن وظيفة التربية للخادمة، وتتفرغ هي للفساتين وصاحباتها وزياراتها وخروجاتها، كيف هذه المرأة تكون تحت قدمها الجنة؟ هذه المرأة دعاؤها لولدها أو على ولدها مستجاب.
إذاً أنت تربين النشء، فعليك متابعة الأولاد في الصلاة، وتذكيرهم بأوقاتها، وأمرهم بها في السابعة.
وكذلك تعليمهم الصوم والترغيب في الوضوء ومتابعتهم عليه، وحثهم على التلاوة وسماع وحفظ القرآن الكريم وملازمة حلق حفظ القرآن، ومعالجة مشكلات الشباب والميوعة والدلع الزائد عند الأطفال، ومحاربة قرناء السوء وأثر الشارع والمدرسة السلبي أحياناً، إزالة عقد الخوف.. الجبن.. الخجل.. الشعور بالنقص.. الأخلاق السيئة.. الحسد.. العناد.. الغضب، مسئولية من باب القيام بأمانة الولد.
تعليم الأطفال الأخلاق الحسنة.. الرحمة.. الإيثار.. العفو، تعليمه آداب الطعام والشراب.. المجلس.. الحديث.. زيارة المريض.. السلام.. العطاس.. الأذكار هذه من القيام بأمانة الأطفال، عمل المسابقات للأطفال، قصص إسلامية تقرأ أسئلة عنها، أشرطة مسجلة طيبة.
بناتك أمانة في عنقك، أمرهن بالحجاب.. الترديد مع المؤذن.. الصلاة قبل النوم.. الفجر في وقته.. الرحمة الحقيقية في حمل الأطفال على الصلاة، نساء الصحابة يصومن أولادهن ويعطونهم اللعب من العهن والصوف لتسكيت ألم الجوع إذا كان الصوم لا يضره.. التشجيع على الصدقة، مع تحفيظهم أذكار الصباح والمساء وأذكار دخول الخلاء والعطاس والسلام والنوم والاستيقاظ وأذكار الصلاة، إذا صاح الديك ونهق الحمار ونبح الكلب بالليل والأحلام المفزعة.
تعليمه الاستئذان على الأبوين خصوصاً في دخول غرفة النوم، التفريق بينهم في المضاجع ومراقبة الذكور والإناث، وتحدث الطامات في البيوت بسبب غياب الوعي وموت الضمير.. محاربة الأخلاق السيئة كالكذب.. اصطحاب الأطفال في الحج والعمرة إذا تيسر.. تهيئة الألعاب المباحة وعرائس القطن والصوف والدمى المصنوعة من القماش للبنات، وتربيتهن على أعمال المنزل ورعاية الصغار وتحمل المسئولية، حتى ضرب الطفل ينبع من الأمانة الملقاة على عاتقك، أيتها الأم! فضربه فيه قيام بالأمانة الشرعية، وله حدود، فلا يجوز أن يتعدى عشر ضربات، ولا يجوز أن يكون بآلة قاسية، ويجب أن يباعد بين زمن الضربات ويفرقها ولا يجمعها في مكان واحد، ويجب أن يتجنب ضرب الرأس والوجه والعورة، ولا يجوز أن يضرب حال الغضب، ورفع اليد عن الضرب إذا توسل الطفل بالله تعالى، إعظاماً لله وإجلالاً له، ويجب أن يسبق الضرب ويتبعه شرح لسببه؛ لماذا حصل؟
قالوا لنا: المرأة اليابانية أفضل الأمهات في متابعة الأولاد، فهي تصطحب ولدها إلى الجامعة إذا أراد الاختبار في جامعة طوكيو، قالوا لنا: إحدى دور الحضانة التي تعذر فيها إجراء قبول للأطفال؛ لأن أعمارهم في حدود العامين، اختبرت أمهات الأطفال بالنيابة عن أطفالهن.
قلنا نحن: دعوة الأم المسلمة لابنها عند خروجه من البيت تساوي هذا كله: وفقك الله يا ولدي! وقاك الشر يا ولدي! كان الله معك يا ولدي! لو صارت الأم مربية حقيقة تربي النشء والله تفوق كل الأمهات في العالم، عندها أمومة الأم قبل العطش والجوع، الرضيع يتعرف على أمه من رائحتها ثم من صوتها، لغة الأم أول لغة يقلدها الطفل.
أثر غياب الأم أكثر سلبية على الأطفال بكثير من أثر غياب الأب؛ وهذا من أسباب قول الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] لأجل ذلك جعلت الحضانة للأم وكلف الرجل بالإنفاق عليها؛ لتقعد في بيتها وتتفرغ لصناعة الأجيال.
ما هو الفرق بين الأم والخادمة؟ فهناك أمهات يقصرن في أمانة الأطفال فيلقينها على الخادمات.
الفرق أن الأم تعتني بولدها بدافع الحب، والخادمة تعتني بدافع الواجب، في الوقت الذي تشعر الخادمة بالتعب والملل في خدمة الرضيع، تشعر الأم بالحب والحنان واللذة والسعادة في خدمة الرضيع، مساكين الأطفال الذين يعيشون أزمة حنان؛ لأن الأمهات انشغلن، وألقين بالأولاد على الخادمات، أزمة حنان تؤثر على مستقبلهم وتمزق نفسياتهم.
الأمانة هي التي دفعت حاملة الأمانة عائشة لما جاء صفوان بن معطل السلمي وهو رجل أجنبي قريباً منها، فاسترجع فسمعت صوته فاستيقظت وقالت: [فخمرت وجهي].
الأمانة هي التي دفعت حاملة الأمانة لما مر بها رجال أجانب في الحج وهي محرمة أن تغطي وجهها، فلما تجاوزوا كشفته، إحرام المرأة في وجهها، أين القيام بأمانة الحجاب الآن؟ أين أين .. ؟
هذه أنواع وأصناف الحجاب المزري تباع في الأسواق وتشتريها النساء، وثوب قصير، وثوب شفاف، وثوب ضيق، وثوب زينة في نفسه وشيء فيه مشابهة للرجال، وأنواع من الملابس فيها مشابهة للكفار، أين أمانة الحجاب يا أمة الله؟
a= 6000287>وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[البقرة:281].
المرأة المسلمة داخلة ومخاطبة بقوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
المرأة لها نصيب من قوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه) المرأة داخلة في حديثه صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها) كم حديث حفظت وأديت إلى الناس؟ يقول: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها) كم حديث يا أيتها المرأة حفظت؟ فأنت عليك تكليف: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها) كم أديتِ؟ قلن قولاً معروفاً، الدعوة في صفوف النساء من القيام بالأمانة، بيان الأحكام التي تختص بالنساء كأحكام الدماء الطبيعية مثلاً، دعوة الرجال من الأزواج والمحارم عليك أمانة، تعليم بنات جنسك أمانة، خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: ( والله ما مثلك -يا
عليك بأمانة في الدعوة إلى الله؛ لأن المرأة أقدر من الرجل على البيان والتبليغ في المجتمعات النسائية، المرأة قدوة متنقلة بين النساء، والرجل لا يمكن أن يتنقل بين النساء، المرأة إذا أمرت أختها بشيء فإنها تراعي حال المرأة لأنها امرأة مثلها.
المرأة التي تعيش في مجتمع النساء تعرف الأولويات ومع توجيه الرجال يتم النجاح.
المرأة تلاحظ الأخطار في واقع النساء، ولا يستطيع الرجل أن يلاحظ.
المرأة قادرة على التنبيه المباشر والرجل لا يستطيع أن يمسك المرأة ويكلمها مباشرة إلا إذا كانت من المحارم أو شيئاً بسيطاً.
المرأة عندها قدرة لإنكار المنكر، ونحن الرجال لا ندري عما يحصل في واقع النساء من المنكرات إلا إذا وصلنا من النساء، أنا إمام في المسجد لا أدري ما يحدث في مصلى النساء، لولا امرأة تخبرني أن بعض النساء يضعن عطورات، وبعضهن لا يكملن الصف، وتقف واحدة بينها وبين الأخرى متر، وهذه تأتي برائحة الطبيخ، وحفائظ الأطفال في المسجد، وبخور وطيب، والله ما أدري حتى يأتي الخبر من النساء فيتولى الرجل التنبيه، أنا المحاضر من وراء حجاب وجدران لا أعلم عن منكرات بنات الكلية، وما يدريني ما يفعلن حتى تأتي رسالة أو سؤال تقول: إن النساء بدأن في وضع علامة كرستيان ديور (hristian duar) ويخيطنها على الملابس، christian تعني: نصراني.
المرأة يمكن أن تخلو بالمرأة فتنصحها، لكن الرجل لا يمكن أن يخلو بالمرأة فينصحها.
صد تيارات العلمنة من النساء بشكل جماعي فصد تيار نزع الحجاب وقيادة السيارات وحرية الصداقات.. إلخ له معنى معين إذا جاء من النساء.
فإذاً عليك أمانة في الدعوة إلى الله، كلمة تعدينها فتلقينها، تأني.. وتذكير.. واختيار ألفاظ.. ونقل كلام العلماء.. والدقة في النقل.. وصحة الأحاديث.. وجودة الإلقاء هذه أمانة.
الكتابة والنصيحة والمراسلة هذه أمانة، إذا صرت مُدرِّسة فذلك مجال عظيم في الدعوة إلى الله هذه أمانة، تحفيظ القرآن ومشاركتك في تعليم النساء كيفية التلاوة أمانة، عقد الندوات أمانة.
فإذاً المرأة المسلمة عليها أمانة عظيمة في مجال الدعوة إلى الله بين بنات جنسها بالذات: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ [الأحزاب:72] الرجال والنساء: إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].
أيتها المرأة المسلمة: هذه طائفة من الأمانات الملقاة على عاتقك فهل قمت بالأمانة؟ وإذا أردتِ أن أقول لك ختاماً شيئاً عن أمانة المشاعر والأحاسيس فأقول لك كلمة مختصرة؛ لأن هناك أسئلة عن الموضوع:
أمانة المشاعر والأحاسيس هذه أمانة، الحب في الله أمانة.. البغض في الله أمانة.. بغض أهل الكفر والإلحاد والعلمنة وبغض الفاسق على حسب فسقه أمانة.. بغض أهل البدع على حسب بدعهم إن كانت مكفرة أو مفسقة أمانة.. بغض الراقصات والممثلات والمغنيات والفاجرات هذه أمانة.. محبة العلماء وأولياء الله والصالحات الداعيات القانتات العالمات أمانة، ثم الأخوة في الله والحب في الله أمانة، فلا تعبثي بها ولا تخلطي الحب في الله بالعواطف الجياشة والتعلق المذموم والعشق الإجرامي الذي يوصل إلى الشرك بالله، وإلى اتباع قولها دون الله، وإلى التفكير بها كل وقت وحين، وإلى كتابة الخطابات التي أشبه ما تكون بألفاظها الغرامية، هذه كلها من العبث بأمانة المشاعر والأحاسيس التي صانها الإسلام، أن تعكف واحدة على واحدة فقط دون باقي أخواتها في الله هذا شيء مشبوه، وأن تكون الحركات مريبة هذا أمر مشبوه، وأن تكون الألفاظ مشبوهة هذه خيانة للأمانة.
إذاً أمانة المشاعر والأحاسيس لا تخلطيها وتشوبيها بما يريب، وبما يغضب الله وبما يوصل إلى التعلق المذموم، وإلى عشق يفسد القلب ويزيل محبة الله.
هذا ما أردت أن أقوله لكِ، وأسأل الله لي ولك التوفيق والسداد والإخلاص وحسن النية وحسن الختام، أسأل الله أن يجعلنا في قبورنا آمنين مطمئنين، ويوم الفزع ويوم الحسرة والندامة يجعلنا من الفائزين السعداء، وإذا افترق الناس إلى أهل الجنة وأهل النار أن يجعلنا في صف أهل الجنة بحوله وقوته إنه أكرم الأكرمين.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولا تنسين الدعاء لنا وللجميع بالفلاح والنجاح، وأستودعك الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر