نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا |
فإذا هددوه صاح بهم صيحة خبيب:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي |
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزعِ |
وإذا اعتز الناس بدنياهم وقروشهم وعروشهم وجيوشهم اعتزَّ عليهم بدينه وإيمانه، وصاح صيحة سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم |
اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين ولبنان وفي أرض أفغانستان والفليبين وفي كل أرض يذكر فيها اسم الله.
اللهم وحد شملهم، وسدد رميهم، وفك أسرهم، واجبر كسرهم، وحقق بالصالحات آمالهم، واختم بالطاعات أعمالهم، اللهم إنا نسألك الشهادة في سبيلك بعد طول عمر وحسن عمل، مقبلين غير مدبرين، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم اجعل شتاتنا دولة، ويأسنا رجاء، ونسألك اللهم برد الرضا، ونور اليقين، وحلاوة الإيمان، وبر الصدق، والعلم النافع، والعمل الصالح، برحمتك يا أرحم الراحمين .. آمين.
أما بعد:
أيها الأحبة الكرام: إني سعيد بلقياكم، وأحس بالبهجة والسرور في قلبي، وأحس بأنني أعرفكم منذ زمن بعيد، ألستم أنتم الدعاة إلى الله؟
ألستم الذين ترفعون راية لا إله إلا الله محمد رسول الله؟
ألستم أنتم الذين تدعون لي وأدعو لكم في ظهر الغيب؟
أنتم ملح الأرض، وزينة الدنيا، والغيث الذي ينزل على الأرض الميتة فتهتز وتربو، وأنتم العافية للأبدان، فوالله لولا وجودكم في الأرض لدمر الله الأرض ومن عليها بسبب ذنوب المترفين: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
[هود:116-117].
يا غرباء الإسلام! وغرباء الإيمان! وغرباء الصراط المستقيم في زمن العمالة الخئون، والزعامات الفارغة، والشعارات الجوفاء، والهزائم الثورية، فسبحان الذي يثبتكم في غربتكم: فليكن شعاركم هنا والشهوة تحيط بكم صيحة يوسف الصديق أمام فتنة النساء الصارخة: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
[يوسف:23] هذه صيحتك يا أخي! إذا دعاك داعي الجنس صح به صيحة يوسف، فإذا لم تحس لها تأثيراً في واقعك، ولم تحس لها عفافاً في سلوكك، ففر إلى الله من جديد، وصح صيحته الثانية:
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِين َ
يوسف:33].
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم |
إما أن تكون ظالماً أو تكون مظلوماً، هذا هو الفرد العربي في جاهليته قبل الإسلام، ويقول قائلهم:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
وهذا هو الشعار الثاني، فبالله عليكم كيف تستقيم أمة، وكيف تنتصر على عدوها وشعارها الظلم والجهل؟
وجاء الإسلام، يبني الفرد، فإذا بالقرآن يقول: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً
[الفرقان:63] جاء القرآن إلى الفرد المسلم يربيه ويزكيه:
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ
[القصص:55].
جاء القرآن يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
[الأعراف:199].
جاء القرآن ينادي بصيحته الخالدة: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[النحل:90] أين هذه الصيحة الربانية الشمولية الإيمانية من صيحة ذلك الجاهلي الذي عندما يريد أن يفتخر؛ يفتخر بكأس من الخمر، أو بغزوة سلب ونهب، أو بوأد فتاة بريئة لا حول لها ولا قوة؟ حتى جاء الإسلام إلى محاسن الأخلاق ومكارم الأعمال - وكانت بعضها عند العرب - فنسفها من جذورها وأنشأها نشأة جديدة.
جاء الإسلام والعرب كرماء، فنسف الكرم من أجل المدح والجود، وجعله إنفاقاً في سبيل الله، فاعتبر كرم حاتم الطائي لا يساوي في ميزان الله جناح بعوضة، وجاء الكرم الجاهلي أمام الكرم الإسلامي الذي قدمه الصحابة والأنصار والمهاجرون كالشمعة أمام ضياء الشمس في وضح النهار.
وقد جاء الإسلام إلى الشجاعة العربية التي يضرب بها المثل فنسفها من أصولها، ثم أنشأها من جديد جهاداً في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، ثم حذر الإسلام العالم والمنفق والمجاهد يؤتى بهم يوم القيامة فيقال لأولهم: (علمتك فماذا عملت بعلمك؟ يقول: ما تركت باباً إلا وعلمته وعملت به، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، إنما ليقال عالم، وليقال قارئ، وقد قيل، خذوه إلى النار، ويؤتى بالمتصدق، فيقول: ما تركت باباً من الخير إلا أنفقت، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، إنما أنفقت ليقال جواد كريم ...).
ويؤتى بالمجاهد أمام الناس مجاهداً ولكن في قرارة نفسه قاتل من أجل هيئته أو حزبه أو زعامته أو رتبته أو راتبه أو شهوته: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وهكذا يبني الإسلام ذلك الضمير الإيماني، والصدق والإخلاص والوازع الديني في قلوب أفراده، فيحول الواحد إلى أمة، ما قيمة عمر بن الخطاب قبل الإسلام؟!
كان يقول عن نفسه قبل الإسلام: [كنت أغبى من حمار
أرأيتم كيف يبني الإسلام الفرد فيه فيحوله إلى أمة!
ربعي بن عامر من هو؟ أظنه راعياً من الرعيان، أو إنساناً مغموراً في جزيرة العرب ، ولكنه أصبح الآن ذا منهج، لم يتخرج من كليات ولا جامعات، ولم يتعلم فلسفة الكلام والمنطق، ومع بساطة ما أخذ من علم فهو يفترش التراب ويلتحف السماء، ولكنه تخرج من مدرسة القرآن والإيمان، فكان كلامه علماً وفهماً وموعظة وإعجازاً وبلاغة: [ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام ].
ومن يستطيع أن يتكلم بهذا الكلام لولا ذلك البناء العظيم الذي بناه الإسلام في نفوس الأفراد؟
وقاعدة هذا البناء - أيها الأحباب- هي قاعدة العقيدة؛ توحيد الله في أسمائه وصفاته وأفعاله، عقيدة الجنة وما فيها من نعيم، والرغبة إليها، والاندفاع إلى الأمام إلى أن يرتقي في أعلى درجاتها، عقيدة النار والابتعاد عنها وما فيها من عذاب: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ
[آل عمران:185] عقيدة اليوم الآخر التي عملت انقلاباً هائلاً في نفوس الأفراد، وعقيدة اليوم الآخر هي أزمة القرن العشرين اليوم، لو أن معسكر الشرق والغرب يعتقد بأن هناك حياة أخرى، وأنه سيحاسب المسيء فيعاقب، ويحاسب المحسن فيثاب لما رأيت هذا التدمير؛ لما رأيت شعباً يذبح ويخرج من أرض فلسطين، لما رأيت شعباً يذبح ويخرج من أرض أفغانستان، لما رأيت مجاعة قارعة، قارة كاملة تموت من الجوع ولا يتقدم إليها إلا اللجان الشعبية ومجهودات أفراد، والحكومات واقفة تتفرج، والقمح يحرق، والبن يحرق، والأموال تهدر على الشهوات والملاهي وليالي القمار والدخان الأزرق.
لو كان هناك إيمان باليوم الآخر لعرفوا أنهم بأمس الحاجة إلى الذرة يثقلون بها ميزانهم: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
[الزلزلة:7-8].
القرآن في المساجد إذا فتحت تقرأ فيه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ
[البقرة:275] تنتقل إلى واقع المجتمع الذي لا يطبق هذه الآية فتجده يتخبط كالذي يتخبطه الشيطان من المس، الربا الآن يعصف بالعالم كله، دول مخنوقة بالربا، اليهود الممولون استطاعوا أن يتحكموا في سياسات دول كبرى، ومنها هذه الدولة بالسيطرة الربوية بواسطة رءوس الأموال اليهودية التي قضت على اقتصاد فرنسا واقتصاد إنجلترا ، وجاءت الآن لتسطير على اقتصاد أمريكا.
إذاً: القرآن الآن محبوس ومعطل عن واقع الناس، في المجتمع المسلم الأول، والفرد المسلم الأول كان القرآن هو منهج حياته، يتلقى عشر آيات فيفهمها ويعقلها، ويحفظها ويطبقها، الآن أصبح القرآن للمؤتمرات والحفلات، أي واحد يريد أن يفتح له بنكاً ربوياً يأتي بمقرئ ويضع على رأسه العمامة ويلبسه الجبة، ويفتتح، ومن ثم يملأ جيوبه بأموال البنك الربوي، أي واحد يريد أن يفتح ملهى يأتي بواحد حاله كالأول، وكلنا نسمع عن ممثلات يذهبن إلى الحج والعمرة، ومن ثم تأتي إحداهن وتفتح ملهاها في سبيل الله أسبوعاً مجاناً .. مهازل!!!
إذاً: بناء الفرد المسلم كلبنة للأسرة المسلمة، والأسرة المسلمة كلبنة للمجتمع المسلم، والمجتمع المسلم هو متنفس الدين والعقيدة، وبه يترجم القرآن والعقيدة، وبدون هذا التسلسل لا يكون، أي: كل واحد منك يأتي هنا ليبني نفسه في هذا المؤتمر بناءً محكماً ليسد ثغرة في أسرته، وأسرته تسد ثغرة في مجتمعه، ومجتمعه يطبق القرآن والسنة، فتنشأ دولة الإيمان، وصدق من قال: (أقيموا دولة الإيمان في نفوسكم تقم لكم في أرضكم).
أحدنا عندما يقرأ في معاني الأخوة أن أعلى درجات الأخوة الإيثار، وأدنى درجات الأخوة خلو الصدر، فيجد نفسه دون أدنى درجات الأخوة، أي: أعلاها الإيثار، وهو: أن تعطي أخاك ما أنت محتاج إليه، وأدناها خلو الصدر: أن تنام في الليل وصدرك خالٍ على أخيك المسلم، ونحن عند أدنى درجات الأخوة نجد أنفسنا في خلو الصدر تحت الصفر .. اثنين تحت الصفر .. ثلاثة تحت الصفر، ودرجات تهبط حتى يصبح الواحد منا ينام في الليل وهو يفكر كيف ينتقم ويقهر أخاه، وكيف يجادله ويخاصمه، وكيف لم يقل بهذه الحجة فيفضحه أمام الناس، وكل ليلة هكذا القلب يلتهب بالحقد والحسد والغيبة.
وأدنى درجات الأخوة هذه بُشِّر بها مسلم ثلاث مرات على لسان رسول الله بالجنة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يوماً بين الصحابة، فقال: (يدخل عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة -فمر عليهم رجل مغمور، قال: هذا، وفي اليوم الثاني أشار إليه، وفي اليوم الثالث أشار إليه- فذهب
جرب يا أخي! هذه الليلة، اذهب ثم ضع رأسك على الوسادة بهدوء، وقل: اللهم إني عفوت ما بيني وبين عبادك فاعف ما بيني وبينك فأنت أجود وأكرم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، انظر! تنام وأنت مرتاح، تخيل زعماء العرب لو ناموا وقالوا هذا الكلام، لا شك أنهم لو قالوا ذلك لما رأينا أموالاً منهوبة، ولا أعراضاً مسلوبة، ولا أوضاعاً مقلوبة، ولا أمة منكوبة، ولكن لا يقولونها.
الإيثار، وما أدراك ما الإيثار، لو حدثتك عما قام به الفرد المسلم في عهده صلى الله عليه وسلم لتعجبت، أيستطيع أحدكم أن تكون له زوجتان في أمريكا ، فيأتي أخوه الفلسطيني الحافي المسكين، ويقول: يا أخي! أنا ليس عندي هوية، ولا عندي أرض، ولا عندي قبر أدفن فيه، وأنت تقدر أن تحل لي مشكلة الزواج، فأخوه يقول له: نعم. عندي زوجتان انظر إلى أرغبهما إلى نفسك أطلقها فإذا انقضت عدتها زوجتك إياها! ما أهون الكلام وما أشد التنفيذ!
الفرد المسلم في الدولة الإسلامية فعل ذلك، ويشهد التاريخ، وتشهد البشرية، ذلك المجتمع السامي الراقي الذي لم يتحقق مثله من يوم أن ذهب إلى ساعتنا هذه، معظم المؤتمرات ترفع فيهم شعارات العدالة والأخوة والمساواة، والذين يرفعون هذه الشعارات يذبحون الشعوب ذبحاً، يذبحون العدالة باسم العدالة، وتهدر الكرامة باسم الكرامة، وتقتل الأخوة باسم الأخوة، والإسلام لم يطنطن كثيراً ولم يدندن، وإنما هاجر الصحابي من مكة فترك كل شيء إلى المدينة ترك كل شيء حتى الزوجة، وكان القرآن والإسلام يحل جميع الأزمات بسهولة ويسر وبساطة، شخص يريد أن يتزوج، يقول: أعندك المهر؟ يقول: لا. يقول: التمس ولو خاتماً من حديد، يقول: لا أجد شيئاً، يقول: فكم تحفظ من القرآن؟ يقول: سورة كذا، يقول: زوجتك بما تحفظ من القرآن، الآن الزواج في بعض دول الخليج يكلف على حد أدنى ثلاثين ألف ريال، وعلى حد أعلى مليوناً، تأتيني رسائل تقول: بأنني يا حضرة الشيخ! يكلف زواجي مليوناً، اجمع لي التبرعات في المسجد، أهذا من الإسلام أيها الأحباب؟!
الإسلام عندما يبني الفرد لا ينظر إلى هذه الماديات أو الشكليات وإنما ينظر دائماً إلى قيمة الإنسان، فأعظم قيادة في الإسلام تتشرف أن تقول: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، وأشرب كما يشرب العبد، وإنما أنا عبد) من قال ذلك؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، الذي تهفو جميع التيجان إلى نعاله ولا تكاد تصل، الذي زكى الله قلبه: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى
[النجم:11] وزكى بصره:
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى
[النجم:17] وزكى لسانه
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
[النجم:3-4] وزكى خلقه كله:
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ
[القلم:4].
محمد هذا هو الذي يقول: (كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، (الناس سواسية كأسنان المشط).
هذا كلام عجيب، ترى اليوم الذين يسرقون الملايين لا تقطع أيديهم، والذين يسرقون (الملاليم) هم الذين تقطع أيديهم، وصدق الشاعر إذ يقول:
عجباً كيف اكتشفتم آية القطع ولم تكتشفوا رغم العوادي والبلاوي ذلاً مشتركاً من القمة إلى القاعدة، كلنا في الذل سواء، قادة ومقودون، لا أحد ينكر ذلك، أرض فلسطين مغصوبة، والمسجد الأقصى يدخله اليهود.
ذل متبادل ومشترك، ومع هذا لم يعثروا على آية واحدة من آيات الجهاد.
وبعد أن يضرب الإسلام سوراً وقائياً على الفرد المسلم يمتحنه ويختبره ليرى قوة (المصل) فيه، هل (البلازما) عنده قوية، أم أنه ضعيف أقل ميكروب من فيروس الزكام أو فيروس النظام يقضي عليه.
ثم نجد هذه التجربة يخوضها أحد أفراد المجتمع المسلم الأول وهو كعب بن مالك ، وكلكم يعرف قصته، كعب بن مالك رضي الله عنه تخلف عن غزوة واحدة فقط، حضر كل الغزوات السابقة، ومن الأولين، ورجل صالح، ولكن هذه المرة كبشر ضعفت نفسه، فلم يخرج إلى هذه الغزوة، فكانت العقوبة التالية:
أولاً: إقامة جبرية في بيته لا يخرج إلا للصلوات.
ثانياً: مقاطعة تامة من المجتمع المسلم النظيف - ما دام أنه لوث نفسه بهذه الخطيئة - حتى تنزل توبته من الله.
ثالثاً: سحب زوجته من بيته والذهاب بها إلى بيت أهلها.
من يطيق ذلك؟ لو فعل بواحد من العرب اليوم واحدة من هذه الأمور لذهب ووضع يده بيد إسرائيل وأمريكا وروسيا وانتقم من مجتمعه كله، بل يفعلون الأهاويل في المجتمعات والمجتمع يكرمهم ويخدمهم، أنا لما سمعت حادثة اغتيال الرئيس ريجن، ثم بعد ذلك سمعت حادثة العفو عن الجاني، وقالوا: اتضح أنه مجنون، وهدوه، فتعجبت! وتذكرت القصيدة التي تقول:
في بلاد المشركين |
يبصق المرء بوجه الحاكمين فيجازى بالغرامة |
ولدينا نحن أصحاب اليمين |
يبصق المرء دماً تحت أيادي المخبرين ويرى يوم القيامة |
عندما ينثر ماء الورد والهيل على وجه أمير المؤمنين |
انظر! مأساة! الشعب يتفانى في خدمته وهو يتفانى في إبادته.
كعب بن مالك ثلاث مقاطعات هائلة لا يُكلم، زوجته ليست معه، لا يحضر في الجماعة إلا في الصلوات، يُسَلِمُ ولا يردون عليه السلام، في هذه الظروف النفسية الحالكة جاءته رسالة من الإمبراطورية الرومانية تقول له: إنك لست بأرض ذل، فإن كان صاحبك قد قلاك وهجرك فتعال إلينا نعطك الدور والقصور والمال الوفير. فلما جاءه الكتاب وهو يمشي وحيداً فريداً بكى، وقال: والله إن هذه أشد عليَّ مما أنا فيه، أي: وصول هذا الكتاب يساومني على ديني وعرضي، وشرفي وإخلاصي لأمتي أشد عليَّ مما أنا فيه، فطواه وألقاه في التنور، ثم صبر واحتسب، فماذا كان جزاؤه من الله؟ أن أعلن الله له التوبة من سابع سماء.
التربية الوسطية القرآنية أوجدت هذا الصنف، فهو لين وذليل لإخوانه، حتى لا يكلمُ الواحدَ منهم إلا ويقول: فداك أبي وأمي، نحري دون نحرك، وفي الجانب الآخر يقول: مرني يا رسول الله! آتك بعنقه إنَّ هذا قد نافق. سبحان الله! أيها الإخوة ! هذا الموقف حدث عندما قام حاطب بن أبي بلتعة وهو صحابي جليل من المجاهدين في بدر، كانت أسرته في مكة ، والرسول صلى الله عليه وسلم جهز الجيش وأراد أن يفتح مكة، فخاف على أولاده؛ لأنه في زحمة القتال والحرب قد يقتلهم الكفار، فأرسل رسالة إلى معسكر الكفر يخبرهم بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى تكون له عندهم يد بيضاء فيحمون أولاده في خضم المعركة، ولكن الله كشف هذا الأمر، وأخبر الرسول به، واستدعى حاطب بن أبي بلتعة، فقال: (ما الذي دفعك لذلك يا
في نفس الوقت التقت الشدة بالرحمة والرفق، إنه توازن أمة الوسط في تربية الفرد المسلم على منهج القرآن الفريد، نحن الآن نحتاج إلى هذا الأسلوب التربوي، عودوا إلى القرآن فاقرءوه، وإلى السنة فتدبروها، وإلى العقيدة الإيمانية فتمسكوا بها، وإلى الدعوة إلى الله، وليكن خروج أرواحكم أهون عليكم من خروجكم من الدعوة إلى الله، وليكن شعاركم في ثباتكم على هذا الدين ما قاله معن بن عدي رضي الله عنه، عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى الناس عليه، قال بعض الصحابة: يا ليتنا متنا قبله ولم نشهد وفاته، فقال معن بن عدي: [ بل أنا ما أحببت أن أموت قبله، قالوا: لم؟ قال: لكي أصدقه ميتاً كما صدقته حياً ].
هذا الذي نريده في الفرد المسلم ونحن نبنيه، فإذا بنيناه وضعناه على ثغرة ونحن في غاية الاطمئنان، لا يتهافت على موائد الظالمين عند التلويح بالذهب كما تهافت أصحاب الثورات الزائفة وباعوا مبادئهم وأصبحوا تجار قضايا، نقلوا الثورة من الخنادق إلى الفنادق، بل إن التربية الإيمانية والقرآنية هي التي يخبر الله عنها: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
[آل عمران:146-148]..
فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا
وهي دولة الإيمان:
وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ
وهو الجنة:
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: وأنا أحبك في الله، الله!! هذه أفضل كلمة أسمعها. أوقفت عن الخطبة بسبب اللقاء التاريخي العظيم بين قائدين كبيرين من قادة عالم العروبة، تم هذا اللقاء فكتبت الصحافة عندنا: لقد اندفعت الآمال في قضية الشرق الأوسط، وإن حرب الخليج سيحقق توقيفها بهذا اللقاء التاريخي بين الزعيمين، فعلمت أنه دجل وضحك على أذقان الناس، وأن الجيل المسلم سيضلل عليه، فخطبت واضعاً هذا اللقاء على المشرحة الإسلامية، وذكرت فيه قصيدة للشاعر أحمد مطر الذي سيباع ديوانه في معرض الكتاب عندكم هنا إن شاء الله، وقد أحضرته معي، فسامحوني فلم أحضر معي إلا ستين نسخة وأنتم عددكم كبير، فقال الشاعر في هذا الموقف التاريخي:
أيها الناس قفوا نضحك من هذا المآل |
رأسنا ضاع فلم نحزن ولكنا غرقنا في الجدال عند فقدان النعال |
والرأس الذي ضاع هي الخلافة الإسلامية العظيمة التي كان المسلمون يأوون إلى ظلها، الخلافة التي درسناها في مناهجنا بالاستعمار العثماني البغيض، ومفاسد هذا الاستعمار، والسلطان عبد الحميد لما قال له هرتزل اليهودي: إنني سأؤدي ديونك وديون دولتك، وسأنشئ لكم الجامعات فلا تحتاجون إلى الجامعات الخارجية، وسأعطيك الملايين كمصروف خاص لك من أجل أن تمنحنا بعض الأرض على فلسطين لنقيم عليها وطناً قومياً لنا، فقال في وجهه وصرخ: إن أرض فلسطين ليست ملكي، إنما هي ملك المسلمين، ولا أريد أن يكتب التاريخ أنني بعت أرضاً للمسلمين فأدخل من أسود أبوابه، فلما قال ذلك تآمر عليه الماسونية العالمية، والصهيونية العالمية، ويهود الدونمة، ومن كان معهم في ذلك الوقت من الفرق الضالة، ثم أزاحوه عن الخلافة، وأقرت المؤتمرات التي عقدت في العالم كله ذلك الوقت، بل وأصرت على أن يطاح بالخلافة، وجيء بـأتاتورك الذي أباد الإسلام والمسلمين، ومنع الأذان باللغة العربية، وكان يخاطب حصانه فيقول: لو كنت أعلم أنك عربي مسلم لقتلتك.
ولما هلك أتاتورك وجاء مَنْ بعده فرّج الله عن بعض المسلمين فأذنوا باللغة العربية، فخرَّ الشعب التركي المسلم باكياً على وجهه فوق الأرض لما سمع نداء: الله أكبر! الله أكبر! يعود من جديد، هذا هو الرأس الذي ضاع، والآن السلفادور نقلت سفارتها إلى الكويت تعال! اعملها قضية، أمريكا تريد أن تنقل سفارتها إلى الكويت تعال! اكسر أنف أمريكا ، وكأن القضية قضية نقل سفارة، شعب كامل يذبح فتحولت من أرض فلسطين إلى قضية الشرق الأوسط وأخيراً إلى نقل سفارات، ما هذا؟ هذا يقول:
رأسنا ضاع فلم نحزن |
ولكنا غرقنا في الجدال عند فقدان النعال |
لا تلوموا نصف شبر عن صراط الصف مال |
فعلى آثاره يلهث أقزام طوال |
كلهم في ساعة الشدة آباء رغال |
أبو رغال هذا هو العربي الذي دل أبرهة الصليبي على هدم الكعبة، أبرهة لم يكن يعرف طريق الكعبة، فواحد من عالم العروبة الملاعين، قال له: كم تدفع؟ قال: أدفع لك كذا، قال: أنا أدلك، فدله، فكل من يتآمر على المسجد الأقصى فهو أبو رغال، كل من يضع يده بيد يهود هو أبو رغال، مهما كانت عنده من شهادات الميلاد والوفاة أن الديانة مسلم فهو أبو رغال .
لا تلوموه فكل الصف أمسى خارج الصف |
وكل العنتريات قصور من رمال |
لا تلوموه فما كان فدائياً بأحراج الإذاعات وما باع الخيال في دكاكين النضال |
هو منذ البدء ألقى نجمة فوق الهلال |
ومن الخير استقال |
هو إبليس فلا تندهشوا لو أن إبليس تمادى في الضلال |
نحن بالدهشة أولى من سوانا فدمانا صبغت راية فرعون |
وموسى السامري فلق البحر بأشلاء العيال |
وبرحم الأمهات |
ولدى فرعون قد حط الرحال |
ثم ألقى الآية الكبرى يداً سوداء من ذل السؤال |
أيها الناس لماذا أثمر السحر |
فها نحن بـيافا نزرع القات ومن صنعاء نجني البرتقال |
أيها الناس لماذا نهدر الأنفاس في قيل وقال |
نحن في أوطاننا أسرى على أية حال |
يستوي القرد لدينا والغزال |
فبلاد العرب قد كانت وحتى اليوم هذا لا تزال تحت نير الاحتلال |
من حدود المسجد الأقصى إلى الأرض الحلال |
فالقصيدة طويلة، إلى أن قال فيها:
لا تنادوا رجلاً فالكل أشباه رجال |
وحواةٌ أتقنوا الرقص على شتى الحبال |
ويمينيون أصحاب شمال |
يتبارون بفن الاحتيال |
كلهم سوف يقولون له بعداً ولكن عندما يبرد فينا الانفعال |
سيقولون تعال وكفى الله السلاطين القتال |
إنني لا أعلم الغيب ولكن صدقوني: ذلك الطربوش من ذاك العقال |
الجواب: نعم والله صحيح. حدث في التاريخ، ولكن مع الأسف يا ليت التاريخ يعيد نفسه.
الجواب: لا. المرأة الأولى التي تربت على المنهج القرآني لم تكن تقول مثل هذا، إنما تقول هذا المرأة التي تربت على المسرحيات والتمثيليات، والصحف والجرائد والمجلات، هي التي تقول: بأنني لا أريد الزوج الجديد، وإنما هذه امرأة تربت على قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
[الأحزاب:36].
فالرسول كان حياً موجوداً، وأقر هذا الفعل فأصبح تشريعاً بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان المسلمات يعترضن هذا الاعتراض الذي جاء من حرية المرأة، ومساواة المرأة، والثورة مع المرأة.
الجواب: ماذا أقول لكم - يا أحباب - عن أفغانستان ! هذه تحتاج إلى محاضرة كبيرة، ولكن لعل بعض الإخوة سيحاضركم، وكنت أتمنى أن يحضر أحد المجاهدين إلى هنا، وأنا لست من المجاهدين حتى أحدثكم، وإنما مع الأسف إنني من القاعدين، وأتمنى أن أكون من المجاهدين، وإن كنت ذهبت إليهم ثلاث مرات وشاركتهم مشاركة بتكثير سوادهم، ولكنني لست من المجاهدين، ولا أستطيع أن أقول ذلك، وأسأل الله أن يغفر لي تقصيري، فكلامي في هذا المجال كثير وفعلي قليل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! يكفي أن أقول لكم عن الجهاد الأفغاني: أنه يكفيه نصراً يوم أن بدأ الجهاد خمسة، واتخذ أولئك الخمسة القرار في حرب روسيا الكبرى، خمسة أشخاص تبايعوا فيما بينهم على رفع راية الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي، يا جماعة هل هذا معقول؟ نعم. مقعول وقد حدث، في الأول كنا نقرأ عن بيعة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: سبعون صحابياً بايعوه وهو في مكة ، ثم قالوا: يا رسول الله! ائذن لنا نأت بسيوفنا على قريش فنستأصلها، قال: لا. ليس الآن، هؤلاء السبعون الذين بايعوا محمداً صلى الله عليه وسلم بعد خمس عشرة سنة من هذه البيعة قادوا الجيوش ليحطموا روسيا وأمريكا (الفرس والروم) وها نحن نسمع التاريخ يعيد نفسه، خمسة يتعاقدون على الجهاد، ثم يصبحون خمسمائة ألف مجاهد، تبكي روسيا منهم، ويتآمر العالم كله ضدهم، وهذا بحد ذاته نصراً كنصر أبي بكر الصديق عندما ركب حصانه، وقال للصحابة: [والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه] إنه موقف بطولي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر