وبعد:
فنذكر في هذه الليلة إن شاء الله تعالى حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه؛ في عمل من أعمال الصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم وهم جياع، نرقق قلوبنا بسيرتهم معه، ونتأمل كيف عانوا ما عانوا لنصرة الدين، وكيف ذاقوا ألم الجوع وصبروا عليه ابتغاء وجه الله الكريم، وكذلك ما حصل من معجزاته عليه الصلاة والسلام في تكثير الطعام، الذي رآه الصحابة أمامهم فزاد إيمانهم.
فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في ذلك صبر، أفعندك شيءٌ؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأكافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيمٌ لي؛ فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرت له. قال: كثير طيب! قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال: قوموا. فقام المهجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك! جاء النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار معه، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم.
فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يقسم الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذوا منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة
) هذا الحديث قد رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب المغازي.يقول جابر : فعرضت كديةٌ، وهي القطعة الشديدة الصلبة من الأرض لم يستطيعوا قطعها وأعجزتهم، فلجئوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذه كدية قد عرضت في الخندق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رشوها بالماء، فرشوها، ثم قال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر من الجوع، أصابهم جهدٌ شديدٌ حتى ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطنه حجراً من الجوع.
كانوا يأتون بحجارة رقاق صفائح على قدر البطن تشد على الأمعاء فائدتها ثلاثة أشياء :
أولاً: أن الإنسان من الجوع ينحني ظهره فإذا شدوا عليه الحجارة اعتدل الظهر.
ثانياً: أن هذه الحجارة تبرد حرارة الجوع، والجوع له حرارة، فهذه الحجارة ببرودتها تطفئ شيئاً من حرارة الجوع، أو تمتص من حرارة الجوع التي بالبطن فتجعل الإنسان أصبر وأقدر على المقاومة.
ثالثاً: أن شدها على البطن والأمعاء يجعل الطعام قليل التحلل، فلا يتحلل منه كما لو لم تكن مربوطة.
شد النبي عليه الصلاة والسلام على بطنه حجراً وكان بإمكانه أن يكون أعظم ملوك الأرض، وعنده مفاتيح خزائن الأرض.
قال جابر : ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، أي: لا نطعم شيئاً ولا نقدر عليه، لما عرضت هذه الحجر، كان الناس جياعاً يعملون بأيديهم في حفر صخور صلبة في البرد، والمطلوب إنجاز المهمة بسرعة قبل أن يأتي كفار قريش ومن معهم من العرب، فلما وصلوا إلى هذه الصخرة الصلبة التي أعيتهم، استدعوا النبي عليه الصلاة والسلام فقال: رشوا عليه الماء، ونزل عليه الصلاة والسلام وبطنه معصوب بالحجر، فأخذ المعول أو المسحاة فضرب هذه الصخرة.
وفي رواية: فسمى ثلاثاً ثم ضرب، وفي روايةٍ لما ضربها قال: باسم الله وبه بدينا -يعني بدأنا- ولو عبدنا غيره شقينا، فحبذا رباً وحب دينا -حب: من ألفاظ حبذا، لما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الصخرة، قال الراوي: فعاد كثيباً أهيل، أي: تحولت الصخرة إلى رمل يسيل ولا يتماسك، فصارت الصخرة الصماء الصلبة رملاً ناعماً يسيل، كما قال الله تعالى: وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً [المزمل:14] أي: تحول الجبال إلى رمل سائل.
إنها من غنائم المسلمين وفتوحاتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام في وقتٍ الحصارُ فيه آتٍ، والعرب قد اجتمعت على حربه صلى الله عليه وسلم، واليهود من خلفه قد نقضوا العهد، والمنافقون يرجفون في المدينة .
ضرب الصخرة بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة. (ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس .. والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض -وهذا هو إيوان كسرى- ثم ضرب الثالثة وقال: باسم الله! فقطع بقية الحجر وقال: أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة) وفي رواية أنه لما قال ذلك فرح المسلمون واستبشروا وكان كلما كبر كبروا بتكبيره فرحاً واستبشاراً.
فجاء جابر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! ائذن لي إلى البيت، جاء تفصيل ذلك في رواية ابن عباس : احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق هو وأصحابه وقد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل دللتم على رجل يطعمنا أكلةً) قال رجل:ٌ نعم. وهذا كأنه جابر رضي الله عنه ولذلك استأذن رسول الله ليذهب إلى أهله، فذهب إلى امرأته وهي سهيلة بنت مسعود الأنصاري رضي الله عنها وسألها عما يوجد عندها فقالت: عندي شعير، في رواية: أنه صاع من شعير فقط، وله بهيمةٌ داجن، فذبحت وطحنت وصنعت خبزاً
وقوله في الحديث: والعجين قد انكسر، أي: رطب وتمكن منه الخمير، لأنه يحتاج إلى تخمر حتى يخبز، والبرمة بين الأثاث هي الحجارة التي توضع عليها القدر، وتكون في العادة ثلاثة أحجار، وهي أمكن لئلا يميل القدر ولا يسقط.
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله طُعيمٌ لي -وطعيم تصغير طعام، يعني أنه قليل- فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، وفي رواية: فقم أنت ونفر معك، وفي رواية: أن جابراً قال: كنت أريد أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فقط، لكنه عليه الصلاة والسلام فاجأه بقوله: (قوموا) فقام المهاجرون وتبعهم الأنصار ومن معهم.
فكشف عني غماً شديداً كلامُ المرأة.
ظنت أنه لم يعلمه فخاصمته، وقالت: بك وبك، فلما أعلمها سكن ما عندها، ثم تحولت القضية إلى إيمان فقالت: الله ورسوله أعلم، وهذا يدل على وفور عقلها، وكمال فهمها رضي الله عنها، هذه سهيلة بنت مسعود الأنصاري نسأل الله أن يحشرنا معها.
هذه المرأة وقع لها قصة أخرى مع جابر ، أي قصة التمر، وهي أن جابراً أوصاها لما زاره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكلمه (كان على
المهم أن جابراً رجع إليه فبين له، فأتاه فقال: يا رسول الله! إنما هي عناق وصاع شعير قال: (فارجع فلا تحركن شيئاً من التنور ولا من القدر حتى آتيها، واستعر صحافاً) كما في رواية.
ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة معه أمرهم بالدخول وقال: (ولا تضاغطوا) يعني لا تزدحموا وادخلوا برفق، ثم أخرج العجين، وتفل فيه صلى الله عليه وسلم، ودعا بالبركة، ثم إلى البرمة كذلك ودعا بالبركة وجعل يخمر البرمة أي: يغطيها، ثم ينزع اللحم من البرمة، وأمر الخابزة أن تأتي لتخبز، وأمر بالغرف، وأقعدهم عشرةً عشرةً، فأكلوا عشرة عشرة.
قال جابر : وبقيت بقية فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وفي رواية: فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعون، ويعود التنور والقدر أملأ مما كانا أي: أكثر امتلاءٍ مما كانت قبل أن يأكل منها ألف رجل، وقال عليه الصلاة والسلام في ختام القصة للمرأة: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة، قالت: فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع.
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قد حصل له من المعجزات في هذه القصة في مسألة فلق الصخرة، وأنه رأى اليمن والشام والعراق قد فتحت عليه.
هذه القصة فيها أيضاً علمان من أعلام النبوة؛ تكثير الطعام القليل، وعلمه صلى الله عليه وسلم أن الطعام الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر ويكفي ألفاً، فدعا ألف رجل قبل أن يصل؛ مع إنه يعلم أنه صاع من شعير وبهيمة، وكذلك آمن الصحابة بين يديه وهم يرون هذه المعجزات.
وقد جمع المعجزات عدد من العلماء منهم: القفال الشاشي في الدلائل ، وصاحبه أبو عبد الله القديمي وكذلك أبو بكر البيهقي ، قال النووي رحمه الله: وأحسنها كتاب البيهقي وهو دلائل النبوة مطبوع في مجلدات، وهذه القصة فيها نصر الصحابة للدين، وقيامهم بحفر هذا الخندق.
وكذلك في هذه القصة أن الأمل لا يفقد بالمؤمن؛ حتى مع الحصار وقوة الأعداء، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يوقن بنصر الله عزوجل، وأن الله سيتم هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه.
ويعتبر من التناجي أن يتكلما بلغة لا يفهمها الثالث إذا كان معهما في المجلس وحده، فإنه يعتبر أيضاً تناجياً محرماً.
فإذاً إما أن يعلم إذن صاحب البيت فيأتي بالأشخاص، أو يعلم أن صاحب البيت لا يرضى فلا يأتي بهم، أو لا يعلم هل هو راضٍ أو لا، فإذا أتى بأحد معه استأذن له قبل أن يدخل.
وكذلك في هذا الحديث: أن المرأة تعين زوجها على أمر الله ورسوله، وأن هذه المرأة الصالحة سهيلة بنت مسعود رضي الله عنها سألت زوجها: هل سألك عن الطعام؟ ثم قالت مستسلمة: الله ورسوله أعلم، وهذا من إيمانها، وهذا الذي قال جابر بسببه أنه قد كشف عنه الغم الذي كان به، فالمرأة الصالحة يكون كلامها سبباً في كشف الغم عن زوجها إذا اغتم.
وكذلك في هذا الحديث بركة ريقه عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا الحديث الدعاء بالبركة وأنه يكون سبباً في كفاية الطعام القليل للعدد الكثير.
وكذلك في هذا الحديث أنه ينبغي الرفق عند صاحب الوليمة وعدم التضاغط، وكذلك فيه التحلق عشرة عشرة إذا كان المكان ضيقاً، يأكل مجموعة ويمشون، ثم تأتي مجموعة يأكلون وينصرفون، وتأتي مجموعة ثالثة يأكلون وينصرفون، فيجعلون على نوبات كما حصل في حديث جابر هذا، فإنهم جاءوا عشرة عشرة فأكلوا وانصرفوا.
وكذلك في هذا الحديث أن المهاجرين رضوان الله عليهم أفضل الصحابة، ولذلكم خصهم بالذكر فقال: فقام المهاجرون.
وفي هذا الحديث أيضاً أن اليقين بنصر الله يكون مع المؤمن باستمرار، ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم بغنائم كسرى وقيصر وفتح صنعاء ، والمنافقون يقولون: محمد بـيثرب والكفار من فوقنا، واليهود من أسفل منا، وأحدنا لا يستطيع أن يذهب لقضاء حاجته، وهو يقول: إننا سنفتح مدائن كسرى وقصور قيصر!
فأما المنافقون فازدادوا ريبةً إلى ريبتهم وهم في ريبهم مترددون، وأما المؤمنون فزادهم إيماناً، ولذلك فرح المسلمون واستبشروا.
وكذلك في الحديث خدمة المرأة لضيوف زوجها، وأنها تعجن وتخبز وتغرف لهم الطعام.
وفي الحديث بيان ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الشدة، وأنها فتحت لهم الأمصار مع ما كانوا فيه من الجوع والفقر، ومع ما كانوا فيه من الظروف الصعبة الشديدة، ولكن علم الله سبحانه وتعالى إخلاصهم ففتح عليهم.
وفيه الافتخار بالرب والدين في قوله صلى الله عليه وسلم : (فحبذا رباً وحب دينا) رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً.
ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأُ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبـادي وأن صيرت أحمد لي نبيـا |
أنت الرب وأنا العبد.
فكون الله سبحانه وتعالى هو ربنا فخر، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم نبينا فخر، وأن الإسلام ديننا فخر، والقرآن كتابنا كذلك: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:44] أي: شرف لك ولقومك.
وفي هذا الحديث أن على المسلم إكرام أضيافه، وأن الله عزوجل يبارك إذا اتسع الصدر واتسع القلب.
هذا ما تيسر من شرح هذا الحديث، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن ينصر بهم الدين، وممن يبارك في أوقاتهم وأبدانهم إنه رب العالمين.
الجواب: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15].. إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51] فالذي يظن أن الله لا ينصر المسلمين فهو مسيء الظن بربه، مرتكب لكبيرة هي سوء الظن بالله، وهذا مصادم للتوحيد ومنافٍ له.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً متيناً في الذي يسيء الظن بربه، ونقل كذلك الشيخ سليمان رحمه الله في كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد في الفصل الذي عقده المصنف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد لوجوب حسن الظن بالله وخطورة سوء الظن بالله، وأنه منافٍ للتوحيد، فالذي يظن أن الله لا ينصر المسلمين، وأنهم سيبقون هكذا مهزومين إلى قيام الساعة، فهو إنسان سيئ الظن بربه، ثم إنه إما مكذب بالبشارات، أو إنه ضعيف إيمان، ألم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أننا سنفتح روما ؟ ألم يخبرنا أننا سنـتغلب على النصارى الذين سيسيرون إلينا في ثمانين راية، تحت كل رايةٍ ثمانون ألفاً، تسعمائة وستين ألف نصراني من بني الأصفر -من الروم- سيسيرون إلينا، وأننا سنلتقي معهم في مرج دابق قريباً من حلب في بلاد الشام في سوريا ، وأن المسلمين سينتصرون عليهم نصراً مؤزراً، وأنه سيموت ثلث أفضل الشهداء عند الله، والثلث الذين ينهزمون لا يتوب الله عليهم، والثلث الأحياء الباقون الذين ثبتوا سيكتب الله على أيديهم النصر، وأخبرنا أن مدينة قسطنطينية ستفتح بالتكبير جزء في البر وجزء في البحر، وأن المسلمين سيكبرون جميعاً فيسقط جزئها الذي في البر، ثم يكبرون جميعاً ويسقط جزؤها الذي في البحر، وتدخل في أيدي المسلمين.
ألم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن المسلمين سيقاتلون اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم .. يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله؟
ألم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن عيسى عليه السلام سينزل من السماء، وأنه سيكون مع المهدي في قيادة المسلمين لقتال الدجال وقتله، ومعه سبعون ألفاً من يهود أصفهان ، عليهم الطيالسة قد لبسوها، وأن عيسى سيقتله بحربة بيده؟
ألم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن عيسى سيحكم الأرض بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه لن يقبل إلا الإسلام أو القتل، وأن هذا الدين سيدخل كل بيت، سواء بيت صحراوي في الصحراء، أو في المدن، لا يبقى بيت مدر ولا وبر ولا حجر، ولا بيت صوف أو شعر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر.
فكل هذه المبشرات لا يجوز بعدها أن يقال: إن المسلمين سيبقون مهزومين إلى قيام الساعة، ومن قال ذلك فإما أنه ضعيف إيمان، أو جاهل، أو مكذب بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الله سينصر المسلمين على اليهود والنصارى قطعاً [100%] لاشك في ذلك، وإن لم ينتصر هذا الجيل فالجيل الذي بعده، أو الذي بعده .. وقال صلى الله عليه وسلم: (ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم، حتى يكون آخرهم مع المسيح بن مريم).
والجهاد لا ينقطع إلى قيام الساعة، ولعل تجميع الله تعالى لليهود من أقاصي الدنيا في هذا المكان تمهيداً لاستئصالهم، وأن تكون هزيمتهم عامة وشاملة، وكذلك لعل اتحاد أوروبا الآن وتقاربها هي التي ستمهد للحرب التي ستكون بيننا وبين النصارى، وهم الروم (بني الأصفر) الذين جاء ذكرهم في الحديث.
والذي يوقن بوعود الله، ويؤمن بقضاء الله تعالى وقدره يوقن بـ: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21] فقد حصلت في الماضي أحداث كثيرة ولم يكن يتوقع حصولها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وحده هارباً من مكة مع صاحبه، والكفار قد وضعوا مائة بعير لمن يأتي برأسه، ومع ذلك يقول لـسراقة بن مالك الجعشمي بأنه سيلبس سواري كسرى، ومن ذلك الموقف الذي حصل في الخندق ومر معنا، فإن المنافقين ما صدَّقوا أنه ستفتح كنوز كسرى وقيصر وصنعاء للمسلمين.
فهذه أمور كثيرة في التاريخ كانت لا تصدق إلا من قبل مؤمن بمن أخبر بها ثم حصلت، فما الذي يجعل من البعيد أن يحصل ما أخبرنا به، والمتأمل للواقع يجد أن الأحداث تتجه إلى تحصيل ما أخبرنا به من المعارك الفاصلة والملاحم التي ستقع في آخر الزمان.
الجواب: التمحيص للمؤمن في الدنيا يكون بأشياء، منها المصائب التي يقدرها الله عليه فيمحصه بها، فينظر أيصبر، فإذا صبر فالأجر العظيم لتكفير السيئات، يمحصه أيضاً بابتلائه بالعبادات؛ هل يقوم بها أو لا يقوم، يمحصه أيضاً بتسليط من يؤذيه من الأعداء، فيكون في ذلك فتنة: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:141].. مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179] (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة).
ولذلك لا يدخلها إلا من حصل له التمحيص، ومن التمحيص أيضاً هذه المبشرات التي أخبرنا بها؛ هل نصدق أم نشك، ثم التمحيص في القبر بفتنة تكفر الذنوب، فإن كفى وإلا فزحام المحشر مع الحر والشمس التي تصهر الذنوب وتكفرها، والمرور على الصراط، حتى يدخل الجنة في النهاية طاهراً نظيفاً.
الجواب: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن إذا أطعمه وأشبعه فإنه يحصل له الأجر، ولو أطعمه بأقل من الشبع يحصل له الأجر، لكن الأجور تتفاوت، وكلما كان الطعام أكثر في الإشباع كان الأجر أكثر.
الجواب: إذا لم يثبت هذا الحديث فهي بدعة، فبعض الناس مثلاً إذا قام إلى الصلاة قال: أقامها الله وأدامها.. وهذا ورد في حديث لكنه ضعيف فلا نقوله، أو إذا قام للتراويح أو الوتر قال هذا الدعاء، الدعاء صحيح، لكن التوقيت غير صحيح قال زكريا عليه السلام: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89] وبعض الناس بعد السلام من الصلاة يقول: تقبل الله وحافظ عليها، وبعضهم يقول: حرماً -أي: يصلي في الحرم- فيقولوا: جمعاً -يعني أجمعين- وبعضهم بعد الوضوء يقول: زمزم، ونحو ذلك فيجعلون عبارات معينة لم ترد في الشرع، فمن واظب عليها تحولت إلى بدعة، لأنه اختراع ذكر لم يرد في الشريعة، بقصد التعبد إلى الله، فهذا هو البدعة، وتعريفها: اختراع في الدين يقصد منه التقرب إلى الله.
جاء أبو موسى إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الرحمن إني خرجت من مسجد الكوفة فرأيت فيه عجباً. قال: وما رأيت؟ قال: رأيت قوماً حلقاً حلقاً، على رأسهم واحد يقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة. كبروا مائة، فيكبرون مائة وهكذا. قال: وما قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار أمرك، قال: هلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وأنا ضامنٌ لهم أن لا ينقص من حسناتهم شيء، ثم تلثم وخرج، فدخل المسجد فوجدهم على هيأتهم حلقاً، وقائل يقول: سبحوا مائة .. فيسبحون مائة، كبروا مائة .. فيكبرون مائة، فكشف اللثام عن وجهه، وقال: أنا أبو عبد الرحمن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أسرع هلكتكم يا أمة محمد! هذه ثياب نبيكم لم تبل، وآنيته لم تكسر، ثم زجرهم ووبخهم، وأمرهم أن يكفوا عن هذا الصنيع المبتدع.
قال: فلقد رأيت عامة هؤلاء يطاعنون يوم النهروان، يعني من الخوارج .
فلا يجوز إحداث شيء في الدين، أو ذكر من الأذكار لم يرد في الشريعة، ومن فعل ذلك يأثم، لأنه يزيد على الدين وكأنه يقول: إن الإسلام ناقص فجئت وأكملته، أو إن رسول الله قد خفي عليه ما علمته.
وهكذا المبتدع من جميع الجهات خاسر متضرر، ويزول الدين بهذه الطريقة، كل واحد يزيد فيه قليلاً حتى يصبح متغيراً، والقاعدة: أنه كلما أحييت بدعة أميتت سنة، وكلما أحييت سنة أميتت بدعة، ولذلك ترى البلاد التي فيها بدع كثيرة؛ السنة فيها ميتة، وليس عندهم من علم السنة إلا القليل، والبلاد التي فيها السنة ظاهره تجد البدعة فيها قليلة، وهذا قانون المدافعة الإلهي، إذا انتصرت السنة وهيمنت زالت البدع أو خفت، والعكس بالعكس.
الجواب: نعم. ولكن الأفضل أن يسلم مع الإمام وينصرف معه حسب الحديث، حتى ينصرف وقد كتب له قيام ليله، ثم يصلي مثنى مثنى إذا أراد الزيادة في بيته.
الجواب: هذا يقصد والله أعلم أنه غسل القدم اليمنى ثم لبس الجورب الأيمن ثم غسل القدم اليسرى ولبس عليها الجورب الأيسر؛ فيكون قد لبس الأيمن قبل أن يكمل طهارته، فلا يجوز له المسح عليهما إلا على طهارة كاملة: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) أي: بطهور كامل، فعليه أن ينزع اليمنى ويعيد لبسها على طهارة كاملة. وأبى شيخ الإسلام ذلك -رحمه الله- وهذا رأيه، وقال: بأن ذلك عبث لا تنظر إليه الشريعة ولكن الأحوط للإنسان أن لا يمسح إلا على جوربين قد لبسهما على طهارة تامة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر