إسلام ويب

المرأة المسلمة والتحديات المعاصرةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المرأة لها دور كبير في المجتمع، فهي مصانع الرجال، والتحديات التي تواجه المرأة المسلمة كبيرة وكثيرة، فهناك تحديات في جانب الشهوات، وهناك تحديات في جانب الشبهات، فلتحرص المرأة على الإيمان واليقين ولتتحلى بالصبر في مواجهة هذه التحديات.

    1.   

    نماذج من النساء يضرب بها المثل في الكفر والإيمان

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن النساء نصف هذا المجتمع الأكبر من ناحية العدد، ولهن أثر بالغ في الصلاح والإغواء.

    امرأة نوح وامرأة لوط

    ولذلك ضرب الله تعالى بهن مثلاً للمؤمنين ومثلاً للكافرين وبدأ بمثل الكافرين في سورة التحريم؛ فقال سبحانه وتعالى: ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم:10]، ثم هذا المثل ضربه الله تعالى لامرأتين مهيأ لهما أسباب الرشد والصلاح فكانتا زوجتين لعبدين صالحين من عباد الله تعالى ونبيين مقربين من أنبياء الله تعالى فتوفرت لهما أسباب الصلاح والهداية ومع ذلك اتبعتا هواهما فلم تسيرا على منهج النبيين الكريمين عليهما صلوات الله وسلامه؛ فلذلك ضرب الله بهما مثلاً للذين كفروا.

    امرأة فرعون ومريم بنت عمران

    ثم عقب هذا المثل بضرب مثل للذين آمنوا فقال: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:11-12].

    فهذان المثلان أيضاً للذين آمنوا ضربهما بامرأتين صالحتين قد امتحنتا بأسباب الفساد، أولاهما امرأة كانت زوجة لملك مصر الطاغية فرعون عدو الله في هذه الأرض، وكانت معرضة للفتنة بأمور الدنيا فهي في مركز القوة والحكم، ومع ذلك اهتدت لما رأت نور الهداية، واختارها الله تعالى من هذا البيت المعادي فهداها لدين الله تعالى، فتابعت موسى وضحت بكل مصالحها وما تطلبه من ملذات الدنيا وشهواتها، فنالت الخلود بذلك، والثانية تلك المرأة الفاضلة التي امتحنت أيضاً بأنها نذرتها أمها لله تعالى، فسكنت من صباها في الكنيسة مع الرهبان والعباد؛ فانعزلت عن التربية وخرجت من بيت والديها، فما ربياها وما قاما عليها، ومع ذلك قامت من عند نفسها فأحصنت فرجها؛ فلذلك نجت من الشهوات فأنجاها الله تعالى من الشبهات، فكانت مثلاً للذين آمنوا بسبب حصانتها لنفسها وعفتها، وكانت بذلك من خير نساء العالمين.

    1.   

    خطورة النساء في المجتمعات

    إن هذا المثل البليغ الذي ضربه الله تعالى في خواتيم هذه السورة الكريمة من كتابه يدلنا على خطورة النساء وخطرهن في هذا المجتمع، فإن صلحن أصلحن وإن فسدن أفسدن؛ ولذلك ذكر الله تعالى قصصاً أخرى لبعض النساء في كتابه منهن امرأة عزيز مصر التي أرادت يوسف عن نفسه فثبته الله تعالى وعصمه، وقامت بخديعتها العجيبة للنساء اللاتي تكلمن في عرضها؛ فأحضرتهن وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ [يوسف:31].

    وكذلك من هؤلاء النسوة اللاتي كان لهن من الشأن ما قص الله عليهن في كتابه من التأثير بعض تفصيلات قصة لوط وما دلت به امرأته الظالمين على الملائكة المقربين؛ فبذلك كانت من حزب الشيطان، وأنجى الله لوطاً وأهل بيته من كيدها، وكانت قريباً من الظالمين وما هي من الظالمين ببعيد.

    تنبيه الرسول الكريم على أثر النساء وخطورتهن في المجتمع

    وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة عنه كثيرة إلى هذا الخطر وهذه الخطورة؛ فمن ذلك ما أخرجه البخاري و مسلم من حديث أبي سعيد الخدري و ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم العيد ثم قام متكئاً على بلال فوقف على النساء فوعظهن وذكرهن، وقال: يا معشر النساء! اتقين الله؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة من سطة النساء )، معناه: من أواسطهن، ( في وجهها سفعة )، معناه: تغير لون، ( فقالت: يا رسول الله! أنكفر بالله؟ قال: نعم، تكفرن بالله وتكفرن العشير )، ثم بين ذلك فقال: ( لو أحسنت إلى إحداهن دهراً ثم رأت منك سوءاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط ).

    وهذه الكثرة في النار تشعر بما لهن من الخطر على غيرهن والتأثير فيه؛ فكفرانهن بالله وكفرانهن للعشير لهن قوة في اجتذاب الآخرين؛ ولذلك وصفهن الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( وما رأيت أسلب لعقل الحليم منكن )، وبقوله: ( إنكن صواحبات يوسف )، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنكن ناقصات عقل ودين )، وفي حديث آخر: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب لعقل الرجل الحليم منكن )، وقد سماهن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبائل الشيطان، وحبائله معناه: الشباك التي يرمي بها فيصطاد، وذلك لما لهن من الدور البالغ في الاصطياد والتأثير على الناس.

    قصة البغي مع جريج الراهب

    لذلك قص علينا الرسول صلى الله عليه وسلم قصة الملأ من بني إسرائيل الذين كان فيهم رجل صالح فأرادوا أن يغووه عن دينه؛ فحاولوا بكل المحاولات وأرشدهم الشيطان إلى الدنيا، فنثروا عليه الدراهم والدنانير فأعرض عنها وما أثرت فيه، ثم وضعوا الخمر على بابه بالليل فكسرها وما أثرت فيه، فأرادوا باغية من البغايا وكانت من أحسن النساء؛ فرفعوا إليها الأمر، فقالت: أنا كفيلة بإغوائه والإتيان به، فذهبت إليه فتعرضت له في مصلاه، فأعرض عنها ولعنها، فلما أيست منه ذهبت إلى راع فمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت، وادعت أن ذلك من هذا الراهب واسمه جريج ، وكان من الصالحين، فجاءت بحملها فأخبرت أنه من جريج ، فأخذ بنو إسرائيل ولدها فذهبوا إلى جريج فهدموا عليه صومعته وأنزلوه منها؛ فسألهم عن الخبر، فقالوا: لقد زنيت بفلانة وهذا ولدك منها، فابتسم جريج ابتسامة الواثق بدينه، ثم دعا الولد فقال: يا غلام! من أبوك؟ فقال الغلام: أبي فلان الراعي، فتكلم في المهد، وأخبر عن نفسه؛ فكان هذا كرامة لهذا الولي والعبد الصالح .. فنجاه الله تعالى مما أرادوا به من الكيد والمكر؛ فعرضوا على جريج أن يعيدوا له صومعته وأن يبنوها له من الذهب، فامتنع فقال: أعيدوها طيناً كما كانت. وغير هذا من وسائل إغوائهن وإغرائهن كثير.

    1.   

    أنواع الشهوات المعاصرة التي تواجه المرأة المسلمة

    والذي يعنينا في عصرنا هذا من المؤامرات ما يحاك للنساء المؤمنات اللاتي يراد لهن الخروج عن دينهن وعن الصراط السوي الذي ارتضاه لهن بارئهن سبحانه وتعالى، وهذه المكايد والمفاتن تتجه في اتجاهين:

    أحدهما: الشبهات، والثاني: الشهوات، وسأبدأ بالشهوات أولاً لخطورتهن:

    فإن النساء ألين عرائك وعواطف من الرجال؛ فلذلك يقدمن العاطفة على العقل، ويتصرفن بحسب الهوى قبل أن يراجعن العواقب وقبل أن يتدبرن الأمور؛ ولذلك كان فيهن نقص في الدين يؤدي بهن إلى ضعف أمام العواطف والشهوات؛ فلهذا كان إغواؤهن وإغراؤهن بالشهوات أكثر من الرجال؛ لأن الرجال في أغلب الأحيان قد يمتعون بعقول تصدهم وتمنعهم عن اتباع المغوين والمهالك البادية التي يطلعون على عواقبها، أما النساء فكثيراً ما تغلبهن العاطفة؛ فيتبعن الهوى.

    الشهوات المالية

    والشهوات اللاتي يغوى بها النساء في عصرنا منها: الشهوات المالية؛ فإن النساء كثيراً ما يغوين باتباع الموضات وبما يحسنه ذوو الغوايات مما يروج في الأسواق أو ما يبهرج على النفوس من شهوات الدنيا ومناظرها الخلابة، وهذا ما تشاهدونه في كل العصور، وبالأخص في عصرنا هذا، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من فتنة الدنيا وأخبر بأنها: ( خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم، إلا آكلة الخضر؛ فإنها رتعت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت، ثم رتعت )؛ ولذلك كان تحذيره صلى الله عليه وسلم مما سيفتح على هذه الأمة من الدنيا بليغاً في كثير من المشاهد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ( إني والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تفتح لكم الدنيا أبوابها؛ فتنافسوها فتهلكوا )، وهذا ما حصل في كثير من العصور.

    وكذلك شهوات المطاعم والملابس والمساكن، وشهوات البطون باختلافها، وشهوات الفروج؛ فهذه مغواة للنساء قد وقعن فيها في كثير من الأحوال، ولهن في ذلك تفننات ووقائع مختلفة.

    شهوة حب الظهور والانكشاف

    كذلك من هذه الشهوات اللاتي يغوى بهن النساء شهوة حب الظهور والانكشاف؛ فالمرأة في الأصل ينبغي أن تكون مصونة محترمة وألا تخرج من بيتها إلا في مهمة دينية أو دنيوية؛ ولذلك كانت منوطة بالمروءة؛ فمروءة الرجل تقتضي منه صيانة حريمه وصيانة أهل بيته؛ ولذلك فإن المفرط في صيانة حريمه من الرجال منقوض الشهادة شرعاً مردودها، وهو المسمى بــ(الديوث) والمسمى بــ(القرنان) وهو الذي لا يغار على نسائه؛ فإنه عديم المروءة؛ ولذلك كان ناقص الشهادة وناقص الرجولة في الإسلام.

    وقد صان الله تعالى المرأة بقوامة الرجال على النساء؛ لما ذكرنا من قوة عواطف النساء على عقولهن؛ فأيدهن الله تعالى بقوامة الرجال عليهن، وشرف النساء بأفضل ما في الدنيا من الماديات، وشرف الرجال بأفضل ما في الدنيا من المعنويات، فأفضل ما في الدنيا من الماديات الذهب والفضة والحرير، وهذه الأمور شرف الله بها النساء وحرمها على الرجال؛ فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في إحدى يديه ذهباً وفي الأخرى حريراً، ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها )، وأفضل ما في الدنيا من المعنويات القوامة ورئاسة الأسرة أو رئاسة المجتمع أو رئاسة فئة منه، وهذه من خصائص الرجال؛ ولذلك خص الله تعالى الرجال بالإمامة العظمى في الدين؛ فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( لن يفلح قوماً ولوا أمرهم امرأة )، وكذلك بإمامة الصلاة في الجماعة -جماعة الرجال- فقد خص هذا الدين الرجال بها، وكذلك بالأذان خص الله تعالى به الرجال دون النساء، فالخصوصية بالأذان لا بالإقامة؛ فالإقامة ليست من خصائص الرجال دون النساء، بل تشرع للنساء أن يقمن الصلاة إذا أردن أن يصلين، ولكن الأذان مخصوص بالرجال، وقد ورد فيه الكثير من الفضل.

    نماذج مشرفة من الجهاد الدفاعي للمرأة المسلمة

    وكذلك خص الله تعالى الرجال بوجوب الجهاد الهجومي لا الدفاعي؛ فالجهاد قسمان؛ منه ما هو هجومي لإعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه خارج بقعة الإسلام، وهذا مختص بالرجال في الأصل، أما الجهاد الدفاعي وهو إذا دهم المسلمين في بلادهم العدو الكافر فهذا لا يختص به الرجال دون النساء، بل يجب على الجميع أن يقاتلوا دون بيضة الإسلام وأن يحموها؛ ولذلك لما جاء المشركون وأجلبوا بخيلهم وركابهم على المدينة يوم أحد كان للنساء موقف بارع في الدفاع عن بيضة دين الله تعالى؛ فقامت نسيبة رضي الله عنها بالدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كسر في يدها ثلاثة سيوف، وحتى ضربها ابن قمئة بالسيف في عاتقها حتى أغمده في لحمها، وكانت بعد ذلك لما برأت فيها أثر ذلك السيف إلى أن لقيت الله، وكذلك كان نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين و فاطمة رضي الله عنها يوم أحد مشمرات يحملن القتلى والجرحى، ويحملن القرب فيصببن الماء في أفواه الجرحى من المؤمنين، ويجتففن الجرحى، وحملت أم سلمة رضي الله عنها ابن عمها الشماس بن عثمان رضي الله عنه من الموقعة، فذهبت به إلى حجرتها في المدينة، حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفي فيها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى مصرعه فيدفن مع الشهداء.

    نماذج مشرفة من الجهاد الهجومي للمرأة المسلمة

    وكذلك كان لهن مواقف مشرفة أخرى في مواقع غير هذه، ومن ذلك ما يكون في الدفاع الهجومي ليس على سبيل الوجوب، ولكن على سبيل التطوع والنصرة لدين الله؛ فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل وقعة خرج فيها ما عدا غزوة بدر ببعض نسائه وكان يقرع بينهن؛ فمن خرجت القرعة لها خرج بها، فقد خرج بـعائشة رضي الله عنها في غزوة المريسيع التي حصلت فيها قصة الإفك، وخرج بـأم سلمة رضي الله عنها في غزوة الحديبية، وخرج بـعائشة أيضاً رضي الله عنها في غزوة خيبر، وخرج بنسائه وبـفاطمة في عمرة القضاء، وكذلك خرج بكل نسائه في حجة الوداع، وخرجت معه أم سليم بنت ملحان وغيرها من النساء في غزوة أوطاس - غزوة حنين - التي نصره الله تعالى فيها النصر المبين، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بــأم سليم بنت ملحان وفي يدها خنجر، وهي حامل متم بابنها عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ، لما مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يا رميصاء! ما تفعلين بهذا الخنجر؟ قالت: إن مر علي كافر بعجته به، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولها ).

    وكذلك كان لهن بعد رسول الله بعض البطولات والمواقف المشرفة في الدفاع عن بيضة الإسلام ونصرة دين الله، وذلك من التطوع؛ كما ثبت عن نسيبة أم عطية رضي الله عنها حين خرجت إلى اليمامة لتقاتل مسيلمة الكذاب وشاركت في قتله بيدها، وذلك أنه قتل ولدها حبيباً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقطعه إرباً إرباً، فكلما قطع منه عضو سأله: هل تشهد أني رسول الله؟ فيقول: إني أصم، ثم يقول: هل تشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول: نعم، فيقطع إرباً آخر حتى قتله، فكانت نسيبة رضي الله عنها من الذين هجموا على مسيلمة حين افتتح البراء بن مالك باب الحصن، فدخلت على القوم الذين وصفهم الله في سور الفتح بقوله: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:16]، فكانت هي من المستجيبين لدعاء الله تعالى، من الذابين عن نور الله تعالى، وعن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

    وكذلك كان للنساء بعد هذا من الأثر البالغ في الجهاد في سبيل الله تعالى تطوعاً شيء كثير، من ذلك أن أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم رضي الله عنها، وهي زوجة عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قد خرجت مجاهدة في سبيل الله في البعث الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ناس من أمتي ملوك على الأسرة.. )، أو: ( كالملوك على الأسرة، يركبون ثبج هذا البحر، هم في الجنة )، فكانت أم حرام منهم، فلما وصلت إلى الشاطئ الآخر للبحر المسمى ببحر الروم، وهو المعروف اليوم بالبحر الأبيض المتوسط سقطت عن راحلتها؛ فماتت شهيدة في سبيل الله في قبرص، ودفنت بها، وما زال قبرها اليوم معروفاً في قبرص، مجاهدة في ذلك الثغر، مقيمة الحجة على المسلمين.

    كذلك فإن هذا التطوع الذي قمن به قمن بنظائره من الجهاد الواجب؛ فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما حض على الجهاد وبين فضله، وبين ذلك للرجال قالت عائشة : ( يا رسول الله! ألنساء جهاد؟ ألنساء غزو؟ قال: لا، بل جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة )، فذكر أن جهاد النساء الواجب هو جهاد لا قتال فيه وهو الحج والعمرة، أما التطوع فيحل لهن أن يغزين متطوعات لإعلاء كلمة الله مجاهدات في سبيل الله إن عرفن من أنفسهن وعرف الناس منهن الشجاعة على ذلك وحماية أنفسهن وعدم الوقوع في يد العدو الكافر، وهذا ما حصل في تاريخنا الإسلامي في كثير من المشاهد المشرفة.

    شهوة التدين الزائد التي يغوى بها بعض النساء

    كذلك الصنف الثاني من الشهوات اللاتي يغوى بهن النساء: شهوة التدين الزائد التي قد يغوى بها بعض النساء؛ فإن كثيراً من النساء قد تغلبهن العاطفة على العقل أو على مقتضى الشرع؛ فيبدين تديناً فيه غلو في الدين؛ ولذلك فإن عبادة الجهال من حيث هي فيها شيء من الهوى دائماً، فكل جاهل بدين الله وإن كان مخلصاً محباً للخير لا بد أن يصاب بشيء من الهوى؛ لأنه يمكن أن يكيد له الشيطان بشغله عن واجب بمندوب، أو بشغله عن واجب أعظم بواجب أقل منه أو بإيقاعه في منهي عنه من حيث لا يشعر؛ ولذلك كان هذا من مكايد الشيطان التي يتعرض لها الإنسان المؤمن في عبادته لله تعالى، وهو سبب الغلو والإفراط في دين الله، والنساء قد يبتلين بشيء من هذا؛ فتكون المرأة المسلمة المؤمنة في بعض الأحيان عاجزة عن السفر أو مريضة أو فقيرة، ومع ذلك تجبر زوجها على أن يخرجها حاجة مثلاً، وقد أدت الفرض، فتكون بهذا قد كلفت زوجها ما لا يطيق، ولو أطاقه لم يكن ذلك لها؛ لأنها إنما يجب عليها الحج مرة واحدة في العمر ولا يحل لها أن تسأل للحج؛ لأن الحج إنما يكون من المال الخالص؛ فالله تعالى لا يقبل إلا ما كان طيباً؛ ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:

    إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير

    لا يقبل الله إلا كل طيبة ما كل من حج بيت الله مبرور

    وهذا من شعر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

    لذلك فإن ما نشاهده في بعض الأحيان من إيغال بعض النساء في الغلو في الدين أكثر مما يقتضيه الفقه في دين الله تعالى من هذا القبيل؛ كإيغالهن فيما يتعلق بترك التزين لأزواجهن وقصد التبتل مع أن الزينة للأزواج مطلوبة شرعاً، ولكن لما سمعن التحذير من الخروج بالطيب والتزين حملن على ذلك حالهن مع أزواجهن في بيوتهن، وهذا من الغلو المذموم، وكذلك لما سمعن ذم الخروج من البيوت تقاصر كثير من النساء عن الخروج إلى المساجد، ولم يشهدن الصلوات ولا الأعياد ولا الجمع ولم يستفدن من العلم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم تقصيراً واتباعاً لشهوة التدين الزائفة؛ لأنهن سمعن الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صلاة المرأة: ( أن صلاتها في غرفتها خير من صلاتها في دارتها، وصلاتها في دارتها خير من صلاتها بباحة الدار، وصلاتها في باحة الدار خير من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها خير من صلاتها في المسجد الجامع )، وهذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المقصود به صلاتها من النوافل، أما الفرائض فكان النساء يشهدنها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، وكان يقرهن على ذلك وكان يأمرهن أن يصلين من وراء الرجال، ولما كان الرجال قليلي الثياب في بداية الإسلام قبل أن يفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح كان يأمر النساء ألا يرفعن رءوسهن من السجود حتى يجلس الرجال لئلا ينكشف بعض الرجال فيرى النساء عوراتهم، وكذلك يأمر النساء بسرعة الانصراف ويأمر الرجال ألا ينصرفوا من المصلى قبل أن ينصرف النساء، وقد كن يشهدن صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس؛ كما روت ذلك عائشة رضي الله عنها فيما أخرج مالك في الموطأ.

    وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يمنعن من المساجد؛ كما ثبت في حديث ابن عمر في السنن الأربع والمسند: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات )، والمقصود بتفلات: غير متزينات ولا متطيبات، وكذلك ثبت في الصحيحين من حديث أم عطية رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهن بإخراج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى العيد ليشهدن الخير ويكثرن سواد المسلمين )، فتكثير سواد المسلمين مقصد شرعي مطلوب من الرجال والنساء، وكلما كان للمسلمين اجتماع يخصهم يراد به إظهار شعيرة من شعائر الإسلام وإعلاء شأن من شئون الإسلام وجماعة المسلمين كان الجلوس فيه جهاداً في سبيل الله حتى ولو كانت المرأة حائضاً؛ فإنها تخرج إلى العيد لتكفر سواد المسلمين في ذلك اليوم المشهود، وهذا ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على أهمية تكثير سواد المسلمين في اجتماعاتهم التي يعلى بها دينهم ويعز بها وتعز أركانه وشعائره؛ ولهذا فإن هذا التدين الزائف الذي قد يمنع من شهود الجمع والأعياد أو الجماعات والدروس والمحاضرات هو من هذا النوع من الشهوات المذموم.

    شهوة الإيغال في التعبد والمبالغة فيه حتى في الدعوة إلى الله

    وكذلك من هذا النوع من الشهوات شهوة الإيغال في التعبد والمبالغة، فيه حتى في الدعوة إلى الله تعالى قد ينطلي على بعض النساء اللاتي لهن كثير من الواجبات في البيوت ولأزواجهن حقوق، فيفرطن في بعض الحقوق مبالغة في حقوق أخرى قد تكون أسهل. فمثلاً قد تخرج المرأة مسافرة للتجارة وتقصد بالتجارة الإنفاق على ذويها وأهل بيتها، ولكن حفظها لأولادها وقيامها عليهم وإرضاءها لزوجها هو الواجب الأول، وخروجها للتجارة لا يحل إلا إذا كانت مع ذي محرم وأذن الزوج بذلك، وكذلك خروجها في بعض الأحيان للعيادة أو الزيارة أو السلام على بعض الأسر حتى ولو كانت تزور والديها وكان الزوج يمانع من ذلك في وقت ليس مما جرت العادة بزيارتها لوالديها فيه؛ فإن خروجها في ذلك الوقت من الإيغال المذموم واتباع شهوة معينة في النفس.

    شهوة الظهور والبروز

    كذلك من هذه الشهوات اللاتي يغرى بها النساء شهوة الظهور كما ذكرت والبروز، وهذا ما حصل لكثير منهن؛ فإن كثيراً منهن يحاولن الاعتداء على ما خص الله به الرجال من القوامة؛ فتجد المرأة لا ترضى إلا أن تكون سيدة البيت والقائمة بكل أموره وتجعل الرجل مهمشاً فيه، لا له ولا عليه! وفي بعض الأحيان قد تعتدي على سلطته في القيام ببعض وظائفه الخاصة كالولاية على بناته ونحو هذا مما يمنعه الشرع ويبطله.

    وكذلك قد تحاول المرأة أن تبرز وتخرج لتمارس بعض الأعمال التي يمارسها الرجال، وتسعى لأجل أن تجعل من نفسها رجلاً بعد أن جعلها الله امرأة، وما هذا إلا اتباع لشهوة وحظ النفس، وهو الذي أدى إلى خروج النساء في أول بلد خرجن فيه من بلاد الإسلام وهو تركيا، فقد خرجن للمشاركة في الثورة التي قام بها كمال أتاتورك اللعين حين قام على الخلافة الإسلامية فأسقطها وقوض بنيانها؛ فكان من النساء اللاتي تحلين بحلي النساء الغربيات الكافرات يد وساعد لهذه الثورة الخبيثة، وسعين في تطويق الخلافة الإسلامية وتقويض حياة النساء المؤمنات في تركيا، وما زال الأمر يسير على ذلك حتى وصلن في عصرنا هذا وفي أيامنا هذه لأن تكون رئيسة حكومة تركيا منهن من السافرات الفاجرات. وكذلك مثلاً في باكستان رئيسة الحكومة من هذا النوع، وفي بنجلادش أيضاً رئيسة الحكومة من هذا النوع؛ فيحكمن الآن فهذه ثلاث بلاد من بلاد المسلمين ودولهم تحكمهن نساء، وهذا من المؤسف ومن الشيء العجيب الذي ما كان العاقل الحليم يتصوره في العصور التي سبقت زماننا هذا، ففي آخر عهد الخلافة الإسلامية والدولة الصفوية لم يكن المسلم يتصور أن امرأة ستتصدر وتحكم في هذه البلاد.

    وكذلك كان هذا سبباً لخروجهن وتظاهرن في مصر عندما قامت الفاجرة بدعوتهن للسفور، وألقت الحجاب عن رأسها أمام الجامع الأزهر، وخرج معها ذوات الفجور من بنات أصحاب الدكاكين الذين لا غيرة لهم ولا إيمان لهم؛ فكان لهن الأثر البالغ الذي أدى إلى سفور النساء في مصر، ومنها انطلق ذلك إلى غير مصر من بلاد الإسلام، وما يزال يسري وقد غزا أكثر البلدان فشملها، وما ترونه اليوم في البلدان المجاورة لكم في الشمال والشرق وفي غيرها كله من آثار هذه الفتنة وهذه القباحة التي دعا إليها هذا الصنف من العاهرات الفاجرات من النساء، ويوشك أن تقوم هذه الدعوة أيضاً في بلادكم هذه، أعاذها الله من ذلك.

    1.   

    أنواع الشبهات المعاصرة التي تواجه المرأة المسلمة

    ثم الصنف الثاني مما يغير على النساء به الشيطان: الشبهات، وهذه الشبهات التي تلقى على النساء فتتلقاها عواطفهن بالقبول منها بعض الشبهات العقدية.

    دور المرأة في الترويج للشبهات والأفكار الهدامة

    كثير من الشبهات العقدية التي يتداولها الناس ويتربى عليها كثير منهم إنما روج لها النساء؛ ولذلك كان الغربيون في العصور الوسطى يروجون لبعض الأفكار الانحلالية بطريق دعوة النساء إلى الاقتناع بهن، ثم تشيع في أوساطهن ومنهن تصل إلى أوساط الشباب والرجال؛ فمن ذلك مثلاً دعوة هربرت سبنسر وغيره من المفكرين الذين جاءوا بأفكار مخالفة للدين المشوه الذي كان سائداً في الغرب، وهو الدين المحرف عن النصرانية، وكذلك ما جاء به ثيرباغ مثلاً في ألمانيا من الشيوعية، حيث حاول تصدير هذه الشيوعية النكراء عن طريق النساء؛ فغزا الرجال عن طريق النساء، وكذلك بعض الأفكار المنحلة التي تخالف عقائد الديانات السماوية كلها؛ كنظرية داروين الذي جاء بالنشوء والارتقاء، وزعم أن آدم خرافة وأن الإنسان في الأصل إنما هو قرد ثم تطور إلى حيوانات أخرى حتى وصل إلى مستواه المعهود اليوم، وأن السلالات الآدمية الإنسانية المعروفة لا ترجع إلى أصل واحد، وروج هذا فأقنع به بعض النساء فأدخلنه إلى بعض الشباب فشاعت هذه النظرية، وهي نظرية النشوء والارتقاء حتى أصبح من بين علماء المسلمين من يدافع عنها، وهي مخالفة لكل الكتب السماوية وكل الدعوات، وما جاء نبي قط إلا أثبت ما يخالفها، وكل الكتب السماوية جاء فيها التصريح بأن الإنسان كله من نفس واحدة، خلقه الله تعالى من نفس واحدة، هي آدم.

    شبهة نفي القدر

    كذلك من هذه الشبهات العقدية التي تروج فتتلقاها عواطف النساء بالقبول فتشيعها بعض الأفكار التي انتشرت في الصدر الأول من هذه الأمة منذ فكرة القدر، وهي نفي قدر الله تعالى وعلمه السابق، والزعم أن الأمر أنف وأن الله تعالى لا يعلم بأفعال العباد حتى تكون، وهذه الفكرة السيئة المخالفة للنص الثابت روجها بعض الرجال المنحلين وقام معبد الجهني بإشاعتها في البصرة، واقتفاه عليها بعض الغوغاء من النساء والصبيان، ثم شاعت عن طريق هؤلاء الغوغاء؛ ولذلك حاربها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفوا في وجهها؛ فلذلك أخرج مسلم في صحيحه عن يحيى بن يعمر أنه خرج مع صديق له فقال: ( لو قيض لنا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله عما أحدث من القدر قبلنا، فلما دخلنا المسجد الحرام قيض لنا عبد الله بن عمر فاكتنفته أنا وصاحبي، فظننت أن صاحبي سيكل إلي الكلام؛ فقلت: يا أبا عبد الرحمن ! إنه ظهر قبلنا

    قوم يزعمون أن الأمر أنف، فقال: إذا رجعت إليهم فأخبرهم أني منهم براء، وأنهم برآء مني، حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام، قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، فعجبنا له؛ يسأله ويصدقه! ثم قال: يا محمد! أخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: صدقت، فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت، ثم قال: أخبرني عن الساعة، فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ثم قال: أخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان..، قال: ثم انطلق فلبثت ملياً، ثم قال: أين السائل؟ أين أراه السائل.. )، وفي رواية: ( ردوا علي السائل، فمكثت ملياً قال: يا عمر ! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم )؛ فبين عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بروايته لهذا الحديث أنه لا يقبل الله تعالى إيمان أحد ما لم يؤمن بقدر الله تعالى النافذ وعلمه السابق، وأنه لا يكون شيء إلا بعلم الله تعالى ووفق ما كتبه في الصحف التي عنده فوق عرشه، في أم الكتاب.

    ترويج النساء لفكرة التشيع وفكرة الخوارج

    وكذلك من هذه الفكر الخبيثة التي روج لها من خلال النساء فكرة التشيع، وكذلك فكرة الخروج؛ فهاتان الفكرتان اللتان أشيعتا في الصدر الأول كان للنساء فيهما دور بارز؛ فالنساء سعين في ترويج فكر الشيعة وقمن بالمشاركة في التجزئة التي حصلت في المذهب الشيعي قياماً كبيراً، وكذلك سعين في إشاعة فكرة الخروج وكان منهن مناضلات في الخوارج سعين لهدم الخلافة الإسلامية، منهن غزالة ، وهي زوجة شبيب أو أمه، على خلاف في ذلك فهي التي كرت على الحجاج في مسجد الكوفة، وكانت نذرت لله تعالى أن تصلي ركعتين في مسجد الكوفة، فهرب الحجاج أمامها لقوة شكيمتها، وفيها يقول الشاعر:

    أسد علي وفي الحروب نعامة ربداء تنفر من صفير الصافر

    هلا كررت على غزالة في الوغى أم كان قلبك بين جنبي طائر

    وكذلك منهن فارعة بنت طريف أخت الوليد بن طريف الذي قاد الخوارج في أيام الخليفة هارون الرشيد ، ومكث سنتين وهو قوي محتو على بعض بلاد الإسلام، ينهب أموال الناس ويصدهم عن الحج وغيره، فأرسل إليه الخليفة يزيد بن مزيد فقتله، فخرجت فارعة تلبس الدرع وفي يدها السيف، فقالت المسلمين (أهل السنة) حتى ضرب يزيد بن مزيد فرسها فقتله، ثم قال: (قبحك الله! لقد فضحتي العشيرة) فولت مهرولة تنشد قصيدتها التي تقول فيها:

    بتل نهاك رسم قبر كأنه على جبل فوق الجبال منيف

    تضمن مجداً عاصمياً وسؤدداً وهمة إقدامٍ ورأي حصيف

    وغير هؤلاء من النساء اللاتي كان لهن أثر بالغ في إشاعة البدعة في المجتمع، وما ذلك إلا اتباعاً لبعض الشبهات التي يلقيها الشيطان على النساء.

    شبهة إشغال المرأة عن أولادها وواجباتها المنزلية

    وكذلك في العصور المتأخرة من الشبهات التي تلقى على النساء بعض الشبهات اللاتي تأتي من قبل بعض المتدينين؛ الذين يحاولون شغل النساء عن تربية أولادهن على المنهج الصحيح، ويشغلونهن بمظاهر خلابة من أمور الدنيا، فيقولون: لا يليق بالمرأة ذات المستوى الرفيع أن تتدنى إلى أن تكون حافظة للأولاد مربية لأبنائها؛ فعليها أن تودع أبناءها في الحضانة مثلاً، أو في دور التربية وتتخلى هي لاتباع شهواتها، وبذلك تفرط في المسئولية التي جعلها الله تعالى في عنقها، والتي أول من يخاصمها عنها يوم القيامة أبناؤها.

    شبهة حرمان المرأة من التعلم

    وكذلك يأتي بعض الناس فيروج لبعض النساء بعض الشبهات اللاتي تمنعهن من الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة وبالتي هي أحسن، فيقول: (المرأة من بيتها إلى قبرها) ويزعم هذا حديثاً، وهو مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضوع لا أصل له، وما عرف هذا في الإسلام أبداً، بل كانت المرأة -كما ذكرت- تخرج إلى المساجد وتخرج لإعلاء كلمة الله وتخرج إلى الحج والعمرة، وتخرج لطلب العلم وتعلمه، وكانت تساعد الرجال في ذلك، وأول من أذكره من ذلك خديجة بنت خويلد رضي الله عنها التي خرجت برسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الوحي إليه إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، وأمرته أن يقص عليه خبر ما رأى؛ فكانت مثبتة أبداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤازرة له على دين الله تعالى.

    شبهة منع المرأة من رفع صوتها ولو بذكر الله

    كذلك من هذه الشبهات التي تلقى على النساء فتمنعهن من الدعوة أن يلقي بعض الجهلة على أسماعهن ما يزعمه حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: ( لعن الله امرأة رفعت صوتها ولو بذكر الله )، ويزعم أن هذا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواقع أنه موضوع، مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرف في الإسلام هذا، بل كان النساء يعلمن، وكانت عائشة رضي الله عنها تخطب حتى تسمع الرجال خطابتها، وكانت جهورية الصوت بليغة، وكانت تحدث عن رسول الله، وقد روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على ثلاثة آلاف وثمانمائة حديث، وكذلك غيرها من النساء اللاتي اشتهرن برواية الحديث في كل عصر من العصور؛ ولذلك قال الذهبي رحمه الله تعالى بعد أن ذكر في كتابه (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) ذكر فيه ثلاثة آلاف وستمائة رجل مجروح أو ضعيف أو مجهول، ثم قال: (باب ذكر المبهمات والمجهولات ومن لم يسمين، ولا أعرف منهن من جرحت ولا من تركوها)، فلا يعرف الذهبي على كثرة اطلاعه وقد ألف كتباً في الرجال لا حصر لها، منها مثلاً (تذهيب التهذيب) (تهذيب الكمال في نقد الرجال) للحافظ المزي ، ومنها (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) ومنها (الكاشف في رجال الكتب الستة) ومنها (العبر في أخبار من غبر) ومنها (تاريخ الإسلام الكبير) ومنها (سير أعلام النبلاء) ومنها( تذكرة الحفاظ) ومنها (المعين) ومنها المجرد في رجال ابن ماجه ومنها (المعجم المختص) ومنها (معجم الشيوخ) ومنها (المغني في الضعفاء) ومنها (ديوان الضعفاء)..

    وكتبه الأخرى الكثيرة جداً في علم الرجال، وهذه الكتب على كثرتها يقول: (ولا أعرف منهن من جرحت ولا من تركوها) وذكر كثيراً من النساء في كتبه في الذين رووا الحديث.

    ولهذا كانت هذه الشبهة عائقة لكثير من النساء عن مشاركتهن في دورهن في إبلاغ ما تحملن من دين الله مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرط الإبلاغ على كل الناس؛ فقد ثبت في الصحيحين عنه أنه قال يوم خطبته في الحج وهو بجبل عرفات: ( ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فإني عسى ألا ألقاكم بعد عامي هذا )، ثم قال: ( ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، فرفع إصبعه إلى السماء ونكت فيها فقال: اللهم فاشهد.. اللهم فاشهد )، فالنساء كن حضرن معه في حجته وسمعن ما قال، وأخذ عليهن العهد كالرجال بإبلاغ ما قال؛ فلذلك تحملن ما يتحمله الرجال من إبلاغ ما تحملن من دين الله تعالى؛ ولذلك خاطب الله تعالى أمهات المؤمنين وشرط عليهن تبليغ ما تعلمن من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، شرط عليهن أن يعلمن الناس ما تعلمن وما سمعن، وما يتلى في بيوتهن من آيات الله وهي القرآن، والحكمة وهي السنة، وإذا كان أمهات المؤمنين هكذا فغيرهن من النساء يشاركهن في نفس الحكم من باب أولى؛ لأن أمهات المؤمنين قد فرض عليهن الحجاب، وأمرهن الله تعالى ألا يكلمن غير محارمهن إلا من وراء حجاب، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].

    شبهة خرق المألوف والعادة

    كذلك من هذه الشبهات التي تلقى على النساء ما يواجهنه في المجتمع من أنهن قد خرقن العادات، وخرجن على المألوف بين أمهاتهن والسابقات لهن؛ فكل من التزمت منهن سواء الطريق أو اهتدت إلى ما كان عليه زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته والمؤمنات المبايعات به ترمى وتنبذ؛ فيقال: قد خرجت عن المألوف والعادة، ومع ذلك لو كانت خرجت إلى السيئ فنبذت ما كان مألوفاً وتحلت بزي الكافرات أو خرجت سافرة من بيتها لم ينكر هذا عليها، ولم يزعم أنها قد خرجت على المألوف، وهذا ما تشاهدونه حتى في مجتمعنا هذا الذي ما زال فيه بقية الناس وأهل الصلاح؛ فإن كثيراً من النساء اللاتي التزمن بدين الله تعالى يعانين من كثير من المضايقات التي لا يلاقي عشر معشارها اللاتي قد انحرفن وخرجن عن الطاعة وخلعن جلباب الحياء، وهذا مشاهد لا يستطيع أحد إنكاره، والغريب أنه في الأسرة الواحدة قد يقع أن بعض بناتها تهتدي إلى الإيمان وتقوية هذه الشعلة في القلب؛ فيهديها الله تعالى لما يسر من تعلم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والدعوة إليه والالتزام به؛ فتعد منبوذة في مجتمعها، وتكون أختها شقيقتها في كثير من الأحيان منحلة منحرفة سيئة الخلق رقيقة الدين، فلا تعتبر منحلة ولا تعتبر غريبة على المجتمع؛ فتكون مقربة لدى والديها محبوبة على حساب الأخرى، وهذا ما قد شاهدناه وعرفناه، وهو مما يتقطع له القلب والكبد حزناً وألماً.

    شبهة النبز بالأوصاف القبيحة في وسائل الإعلام وغيرها

    ثم إنه مما يلقى عليهن من الشبهات أن ينبزن بالأوصاف القبيحة؛ وذلك لمحاولة إغوائهن وصدهن عما هن عليه، ومن ذلك بعض الكلمات السوقية اللاتي يواجهن بها في كثير من الأحيان، ولا شك أن الأخوات المؤمنات يعرفن كثيراً من هذه الألقاب ومن هذه الكلمات النابية، التي تواجههن في الأسواق وفي المحلات العمومية وغير ذلك، وكذلك من هذا بعض السخرية في وسائل الإعلام وفي غيرها من الملتزمات بالحجاب الذي أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومحاولة الدعوة إلى تشويه هذه الصورة وتقبيحها في أعين الناس وفي الرأي العام، وهذا إنما هو شبهة ملقاة في طريق الملتزمات، وامتحان لهن هل يصبرن على دينهن وهل يحافظن عليه ويزيدهن هذا تمسكاً بما هداهن الله إليه، أو يرجعن على أعقابهن والله تعالى غني عنهن، ولا يزدن دين الله تعالى شيئاً.

    شبهة المضايقات من بعض الآباء أو الأزواج

    وكذلك من هذه الشبهات ما يلاقينه من المضايقات من بعض الأزواج والآباء الذين تحملهم الغيرة المشبوهة أو الغيرة الزائفة على أن يمنعوا بناتهم أو نساءهم أو أخواتهم من الخروج إلى الدروس أو إلى المساجد أو تكثير سواد المسلمين، ويزعم ذلك خروجاً عن الطاعة أو انحلالاً من الخلق، أو تحمله هذه الغيرة الزائفة على أن يتهمها مع أنه يعلم أنها أصلح وأصدق في معاملتها مع الله ومعاملتها مع الناس من غيرها من اللواتي لو خرجن ما غضب عليهن وما تحركت فيه الغيرة المذكورة.

    شبهة إحياء بعض السنن الداثرة التي عرفت في الصدر الأول

    وكذلك مما يعانينه من الشبهات أن بعضهن قد تطبق بعض السنن الداثرة التي عرفت في الصدر الأول وطبقها النساء الأوليات، وأصبحت ممجوجة في بعض المجتمعات ميتة فيها، فإذا قامت المرأة المسلمة فطبقت السنة الثابتة الداثرة، التي سار عليها خير القرون وتأخر عنها الناس وانشغلوا عنها بما هو شر منها ولا محالة تجعل بذلك مخالفة للعادة خارجة عن النظام، ومن ذلك مثلاً من الأمور التي أصبح المجتمع يمجها ويكرهها حتى في أوساط الملتزمين أن المرأة كانت تهتم بمن يكون شريكاً لها في حياتها وفي اختياره، ولا ترضى إلا بذي الدين والأمانة والخلق والعلم؛ فإذا سعت المرأة إلى التعرف على هذا النوع من الناس أو سعت إلى خطبة من كان عند هذا المستوى ورضيت به كان هذا خروجاً عن تقاليد المجتمع، بدعة فيه؛ مع أنه السنة الداثرة، وهو ما عرف في الصدر الأول، و خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهي خير من نساء عصرنا كلهن، وأعلى منهن منزلة عند الله تعالى وعند الناس، قد أرسلت أختها لتخطب لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها من النساء في الصدر الأول كثير، وكان كثير منهن سبباً في إسلام وهداية كثير من الرجال الذين حافظوا على هذا الدين ونصروه ونشروه، من ذلك أم سليم بنت ملحان التي كانت سبباً في هداية أبي طلحة الأنصاري الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزنه بفئة أو مائة، وكان له البلاء الحسن في دين الله تعالى، ومع ذلك كل أعماله وغزوه وجهاده في ميزان حسنات أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها، ونظير هذا كثير.

    شبهة طلب العلم على يد الرجال العلماء

    كذلك من هذه الشبهات اللاتي تلقى على النساء في عصرنا هذا ما يشاع ضدهن إذا طلبن التعلم من بعض الرجال الأمناء، الذين استأمنهم الله تعالى على بعض وحيه وحملوا شعلة هذا الدين في قلوبهم حية متحركة؛ فأرادوا إبلاغ ما تعهدوا لله تعالى بتبليغه وعاهدوه عليه، فإن اجتماع بعض الأخوات المسلمات ببعض هؤلاء الرجال الذين يقتبس الإيمان من أفواههم ومن قلوبهم ومن وجوههم أصبح شبهة ومذمة لدى كثير من الذين غطى الله على قلوبهم وأفئدتهم، وقد ثبت في الصحيحين من حديث زينب زوجة عبد الله بن مسعود ( أن النساء أتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله! إن إخواننا من الرجال قد غلبونا عليك؛ فلو جعلت لنا يوماً من نفسك. فخصص لهن يوم الخميس ووعدهن فيه، فذكرهن ووعظهن وعلمهن )، وكذلك من بعده من الرجال كان كثير منهم يعلم النساء، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يرتب لتعليم النساء رجالاً مثل ما يرتب لتعليم الرجال رجالاً.

    وكذلك كن يروين الأحاديث عن كثير من الرجال وينقلن ذلك، ويحدثن أيضاً كثيراً من الرجال فيوفدن ما تحملنه من الأمانة، ومن مشاهير هؤلاء مثلاً بسرة بنت صفوان التي انفردت بحديث: نقض الوضوء بمس الذكر، الذي لم يروه رجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أحكام الرجال، ولم تروه إلا هذه المرأة، ورواه عنها صهرها مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، ورواه عنها عروة بن الزبير بن العوام واشتهر بعد هذين الرجلين؛ ولذلك يقول عبيد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم يقول: تذاكر أبي يوماً و عروة بن الزبير ما يجب منه الوضوء؛ فذكر عروة وذكر حتى ذكر مس الذكر؛ فقال أبي: ما أعرفه، فقال: بلى، حدثتني بسرة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من مس ذكره فليتوضأ ).

    وكذلك منهن بعض التابعيات المشهورات تلميذات عائشة و أم سلمة و صفية و جويرية مثل فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام تلميذة أسماء بنت أبي بكر التي أشبهتها خلقاً وخلقاً، وروت عنها جهادها وهجرتها وبيعتها، وكل أحاديثها، وكان زوجها هشام بن عروة بن الزبير بن العوام وهو ابن عمها وجدته أسماء كان لا يحدث عن أسماء إلا بواسطة زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير ؛ ولذلك أخرج مالك رحمه الله تعالى كثيراً من أحاديث هشام بن عروة وهو شيخ مالك عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام عن جدتها أسماء بنت أبي بكر في الموطأ، وأخرجه من طريق مالك البخاري و مسلم وغيرهما.

    ولذلك من الملح الحديثية ما حصل في رواية يحيى بن يحيى في الموطأ، وهي الرواية المشهورة بين أيدينا اليوم، والتي عليها الشروح، شرح عليها أبو عمر بن عبد البر في كتابه (التمهيد) و(الاستذكار) وشرح عليها الباجي في كتابيه (الانتهاء) و (المنتقى) وشرح عليها ابن العربي في كتابيه (المدارك) و (القبس) وشرح عليها المتأخرون مثل محمد بن عبد الباقي وغيره من المتأخرين شرحوا الموطأ على رواية يحيى بن يحيى المصمودي الليثي ، وهي الرواية المشهورة المروية لدينا الآن، هذه الرواية وقع فيها ملحة حديثية عجيبة في حديث أسماء ففيه في رواية يحيى : عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر ، فهنا عن أبيه زيادة في رواية يحيى ، وأبوه هو عروة بن الزبير وهو عم فاطمة و فاطمة زوجة هشام ، فإذا ثبتت هذه الرواية كان هذا من المزيد في متصل الأسانيد؛ لأنه ثبت في روايات الموطأ الأخرى حذف ذكر أبيه، وعلى هذا يكون عروة بن الزبير على جلالة قدره وهو من فقهاء المدينة السبعة، من التابعين الكبار، يروي عن أمه أسماء بنت أبي بكر بواسطة بنت أخيه فاطمة بنت المنذر زوجة ابنه هشام ، وإذا كانت الرواية غلطاً؛ فيكون هذا من الغلط الطريف الذي اشتهر ورواه الناس وتداولوا عليه.

    بعض الفتن التي تتعرض لها النساء في العصر الحاضر

    إن النساء في عصرنا هذا يتعرضن لبعض الفتن الماحقة، ثبت الله تعالى المؤمنات منهن على الصراط المستقيم، ومن هذه الفتن غير ما ذكرناه بعض التقاليد الموروثة عن المجتمعات التي ساد فيها بعض الأعراف الجاهلية أو على الأقل بعض الأعراف التي فهي غير محمودة أو مخالفة للمنهج المحمود، من ذلك مثلاً الاختلاط والتبرج، ومنه كما ذكرنا الحياء والخجل المانع من تعلم العلم والمشاركة في الدعوة، ومنه أيضاً عدم المحافظة على الطهارة والصلاة، ومنه عدم المحافظة على تعلم كتاب الله تعالى وحفظه، ومنه عدم المحافظة على تربية الأولاد الذين هم أمانة في أعناق النساء، ومنه عدم المشاركة في الجانب التعبدي في البيت، فالبيت لا يقوم إلا على أساس روحي مع الأساس المادي، وكثير من الناس يظن أن الأسرة يمكن أن تنبني من خلال توافق الزوجين على بعض الأمور المادية الدنيوية؛ كما إذا كان من مستوىً اجتماعي واحد، وكان الزوج غنياً وكانت الزوجة موافقة له كأن الأسرة قد بنيت وتم جهازها بهذا، والواقع خلاف هذا.

    1.   

    أساس بناء الأسرة المسلمة

    فإن الأسرة المسلمة لا تنبني إلا على أساس إيمان راسخ ومشاركة فيما يتعلق بالجانب الروحي في الأسرة؛ ولذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره أنه قال: ( رحم الله امرأً قام من الليل يصلي فأيقظ امرأته لتصلي معه، فإن هي أبت نضح في وجهها من الماء، ورحم الله امرأة قامت لتصلي من الليل فأيقظت زوجها ليصلي معها، فإن هو أبى نضحت في وجهه من الماء )، فهذا من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به، وهو مما يطلب من النساء في كل العصور، وبه تكون المرأة مشاركة في حسنات زوجها، مشاركة في تربية الأسرة وفي بنائها على الوجه الصحيح الأكمل؛ وبذلك تحصل لها الثقة حتى في المجتمع؛ فإن المجتمع اليوم لا يكاد يثق بعلم صادر من امرأة، ولا يكاد يثق بدعوة صادرة من امرأة، ولا يكاد يثق بفتوى صادرة من امرأة، مع أن كثيراً من النساء قد رزقهن الله تعالى من حدة الذكاء وفرطه ومن الفراغ لطلب العلم ما لا يتوفر لكثير من الرجال.

    وقد عرف في تاريخنا الإسلامي كثير منهن من المفتيات والراويات والمحدثات والقارئات، ومع هذا ما زال نقص الثقة بفتواهن وبعلمهن موجوداً في المجتمع، رغم هذا فقد نشأ منهن ولله الحمد في المجتمعات الإسلامية في مختلف البلدان، وأخص منهن بعض الأخوات المستمعات في هذا المسجد الكريم من نبذت هذه القيود، واستطاعت أن تتخلص وأن تتحرر من آثار الجهل، واستطاعت أن تفرض على المجتمع شخصيتها بقوة إيمانها، وقوة يقينها بالله تعالى، واليقين هو الذي تصدت به لجند الشبهات، وكذلك بصبرها الذي تصدت به لجند الشهوات، فاستطاعت أن تنتصر على نفسها وعلى شهواتها وخواطرها النفسية وحظوظها، واستطاعت أيضاً أن تنتصر على ما يحاك لها من المكايد؛ فتنبهت ووعت بواقعها وعرفت أحوال الناس، فلم تعد مخدوعة بالدعايات المزخرفة الزائفة التي اشتهرت في بداية هذا القرن، التي أشار إليها الشاعر بقوله:

    خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء

    كان هذا قديماً عندما كان الغواني مبلدات، لا يدركن ولا يعين شيئاً مما يكاد لهن، وأما اليوم وقد أنعم الله عليهن بهذه الصحوة المباركة فقد انتبهن ولم يعدن يغرهن الثناء، ولم يعدن ينخدعن وينطلي عليهن مثل هذه الشبهات السافرة، المحاربة لدين الله تعالى، فحافظن على دينهن ما استطعن وأحرزن بذلك ثقة مجتمعهن؛ فأصبحن محلاً للثقة في مكانهن المناسب، وبلغن ما اؤتمن عليه من دين الله تعالى.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم أجمعين، رجالاً ونساءً، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا من المستمعين للحق الناطقين به، ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن الذين ينفعهم ما تعلموا ويبلغوا ما تحملوا، ومن الذين تقوم بهم الحجة على العباد لله تعالى، ومن الذين يذكرون الله كثيراً ويحفظون ما أودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ميراثه.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756004206