إسلام ويب

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية خص الله تعالى بها الأمة المحمدية، ولها فضل عظيم وأهمية كبيرة في الإسلام، وهي طريق الأنبياء والصالحين إلى يوم الدين.

    1.   

    خصائص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    هداية الناس إلى دين الله وحزبه

    فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأرض مسرحاً للخلاف بين حزبين هما: حزب الله وحزب الشيطان، وسر الخلاف بينهما هو الهداية والضلالة، فحزب الله يسعون لهداية أكبر قدر ممكن من الناس، وحزب الشيطان يسعون لإغواء أكبر قدر ممكن من الناس.

    والله سبحانه وتعالى قد كتب الهداية لمن يهديه، وكتب الضلال على من يضله؛ فمن اهتدى فبفضل الله ومن ضل فبعدل الله سبحانه وتعالى؛ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ[الرعد:41]، ولكنه رتب المسببات على الأسباب؛ فجعل من أسباب الهداية: دعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فذلك مما يهدي الله تعالى به الناس، ومن أسباب الهداية كذلك: سماعهم لوحي الله وعلمه؛ فهذا القرآن هدىً للمتقين كما وصفه الله بذلك.

    ومن أسباب هدايتهم كذلك: ما يقيمه الله تعالى عليهم من الحجج البينات، سواءً كان ذلك في الآيات المسطورة أو في الآيات المنظورة، ومن أسباب هدايتهم كذلك: ما يبتليهم الله به من أنواع البلاء؛ فإن من حكمة الله في البلاء أن يهتدي به أقوام لم يكونوا ليروا طريق الحق والنور إلا بعد أن يستمعوا ويتعقلوا، ولا يمكن أن يتم منهم ذلك ما دام طغيانهم في أشده وذروة سنامه؛ فيحتاجون إلى بلاء يرد طغيانهم إلى أسفل درجاته ليستمعوا إلى الحق فينتفعوا به فيما بعد.

    الاستجابة لأمر الله تعالى

    فلذلك شرع الله سبحانه وتعالى الدعوة إليه، ووصف بها نفسه تقديساً وتعظيماً لها؛ فقال تعالى: وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[يونس:25]، وقال تعالى: وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ[البقرة:221]، ووصف بها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[الأحزاب:46]، وأمره بها فقال: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ[القصص:87]، وقال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل:125]، وأمره أن يخبر عن نفسه وعن أتباعه بأنها طريقهم فقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ[يوسف:108]، وأخبر أنها أرضى الأقوال وأحسنها عند الله فقال: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ[فصلت:33].

    رفع البلاء عن الناس

    وقد جعلها الله تعالى سبباً لرفع البلاء عن الناس؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا تحقق مع وجود المنكر فإن عقوبته لا تعجل، بل يؤخرها الله سبحانه وتعالى فما دام المنكر ينكر فلا تعجل عقوبته، لكن إذا رضي الناس بالمنكر؛ فشهدوه ولم يغيروه؛ فإن العقوبة تشمل مقترفه والساكت عليه؛ فهما في الإثم سواء.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام

    ولذلك فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام؛ فقد عده النبي صلى الله عليه وسلم في شعائر الإسلام مع الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد؛ كما في حديث حذيفة رضي الله عنه فبين النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أن عناصر الإسلام الكبرى هي: الإسلام والصلاة والصوم والزكاة وحج البيت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، فعد ثمانية أجزاء بين أنها هي الشعب الكبرى للإسلام، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام) في عده لشعب الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فهي الإسلام في هذا المقام، ومعها الصلاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله.

    وقد فرض الله سبحانه وتعالى على العباد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعله شعاراً للمؤمنين وواجباً عليهم وجوباً لا بد من أدائه؛ فهو فرض عين في حق بعضهم وفرض كفاية في حق البقية؛ فمن كان تحت يده أهل أو أولاد أو له جيران يسمعون منه فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله فرض عين في حقه؛ لأن حق أولئك متعين عليه كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[التحريم:6]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )، وكما قال: ( ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم ولا يذكرونهم، فوالذي نفس محمد بيده ليعلمن قوم جيرانهم وليذكرنهم أو لأعاجلنهم العقوبة )؛ فلذلك لا بد من القيام بفرض العين إذاً في حق كل من رزقه الله أهلاً أو أولاداً أو جعل له جيراناً يمكن أن يستمعوا منه؛ فالدعوة حينئذ فرض عين في حقه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين في حقه.

    وكذلك من شهد المنكر أو شهد التقصير في المعروف فإنه يجب عليه تغييره إن كان فرداً؛ فهو متعين عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه مسلم في الصحيح: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه )؛ فلذلك تكون الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين في حق من تعين عليه ذلك؛ كالحاضر إذا لم يكن معه غيره أو لم يقدر غيره على التغيير أو ترك الغير؛ فكل ذلك يعين عليه القيام بهذه الشعيرة، أما ما سوى ذلك فإن الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق غير المتعين عليه ذلك فرض كفاية، وفرض الكفاية عند كثير من أهل العلم أفضل من فرض العين لأن ثوابه أكبر؛ فثوابه ثواب الناس جميعاً؛ لأنهم إذا تركوه أثموا جميعاً، فكذلك إذا فعله واحد منهم نال أجرهم جميعاً؛ لأنه رفع الإثم عنهم جميعاً.

    خطر التفريط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    ولا يمكن أن يترك هذا الفرض المتعين أو الكفائي إلا ترتب عليه الخطر والضرر؛ فإن الله تعالى غني عن عباده، وإذا أمرهم بأمر ففرطوا فيه فلديه من العقوبات الرادعة ما يصرفهم عما فعلوا؛ ولذلك فإنه يظهر البلاء والعصيان في الأرض ليكون ذلك تذكيراً للناس بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَهمْ يَرْجِعُونَ[الروم:41].

    وكذلك فإن كثيراً من أنواع الذنوب إذا حصلت فلم تنكر فإن البلاء يترتب عليها كما أخرج ابن ماجه في السنن و أحمد في المسند و الحاكم في المستدرك و ابن حبان و ابن خزيمة في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر المهاجرين! أعيذكم بالله أن تدركوا خمساً، فما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأمراض والأوجاع التي لم تكن في من مضوا من أسلافهم، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وعسف السلطان ونقص المئونة، ولا نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط الله عليهم عدواً من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، ولا منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما حكمت أئمتهم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم )، فهذه أنواع من البلاء رتبها الله على أنواع من الذنوب، فإذا نهي عن هذه الأنواع فإن البلاء سيتأخر، وإذا لم ينه عنها فكانت عرفاً بين الناس؛ فجعل المعروف منكراً والمنكر معروفاً؛ فإن ذلك إيذان بحصول عقاب الله سبحانه وتعالى فتحق كلمته على الناس بالعذاب العاجل، نسأل الله السلامة والعافية!

    خصوصية الأمة المحمدية بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    وإن هذه الفريضة العظيمة التي هي الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص هذه الأمة المحمدية التي مجدها الله بها وشرفها على غيرها من الأمم؛ فقال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ * وَللهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ * كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران:104-110]، وقال تعالى: وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ[التوبة:71].

    ارتباط استجابة الدعاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ربط الوعيد بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى يمنع استجابة الدعاء؛ ففي حديث حذيفة بن اليمان في سنن الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهوهن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يصب عليكم عذاباً من عنده فتسألونه فلا يستجيب لكم )؛ فلذلك ما يشهده الناس اليوم من التأخر في استجابة الدعاء وهم يلحون على الله تعالى وهو الكريم الحليم سببه من عند أنفسهم وليس من عند الله تعالى؛ فالله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وإنما سببه تباطؤهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم استجابة الدعاء بذلك.

    ولذلك لا بد أن نعلم أن سببين يرفعان استجابة الدعاء ويمنعان ذلك:

    السبب الأول: أكل الحرام؛ فالإنسان إذا كان يأكل الحرام ويعيش به؛ فينبت لحمه من الحرام ويجري دمه من الحرام؛ فإن دعاءه لا يستجاب، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا[المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب.. يا رب! وملبسه حرام ومطعمه حرام وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك )، فمن كان مطعمه حراماً وملبسه حراماً وقد غذي من قبل - قبل اجتهاده هو وإدراكه - بالحرام؛ فلا يمكن أن يستجاب له، وهنا لاحظوا الفرق بين قوله: (مطعمه حرام) وقوله: (وغذي بالحرام)، فمطعمه حرام أي: ما كان من كسبه هو وعمله بعد بلوغه وقيامه بمصالحه، وقوله: (وغذي بالحرام) أي: في صباه وصغره؛ فقد نبت لحمه من حرام عندما كان صغيراً وكان أهله ينفقون عليه من حرام؛ فهذا غير مؤهل أصلاً لاستجابة الدعاء.

    والسبب الثاني: هو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، كما سمعتم في حديث حذيفة بن اليمان .

    1.   

    بعض أسباب التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    اشتراط إفادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    وإن كثيراً من الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرطه ظن الإفادة كما يزعم ذلك بعض الناس؛ فيقولون: (من لا تظن إفادته إذا أمر أو نهي لا يؤمر ولا ينهى) ولكن هذا الشرط باطل، وليس عليه أي دليل، ويخالفه القرآن الصريح؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَهمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ[الأعراف:163-166]؛ فأحل الله عليهم أكبر عقوبة وهي المسخ، أن يمسخوا قردة وخنازير عندما أصروا.. أصر الفاعلون على المنكر وأصر الآخرون على نهي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فكانت العقوبة رادعة للجميع.

    ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى محقق لهدفين مبينان في هذه الآية: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَهمْ يَتَّقُونَ[الأعراف:164]، مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ[الأعراف:164]، أي: اعتذار إليه بأننا لم نشارك في المنكر وقد أنكرناه وكرهناه؛ فنبرأ إلى الله منه، وهذا هدف متحقق بمجرد الدعوة ولو لم يستجب لها.

    والهدف الثاني: هو قوله: وَلَعَلَهمْ يَتَّقُونَ[الأعراف:164]، أي: لعلك تطاع في أمرك ونهيك؛ فينكف العاصي عن معصيته وينكف المقصر في الطاعة عن تقصيره؛ فهذا كله مطلوب، وعلى هذا فلا يمكن أن تقصر الدعوة على مظنة النفع، بل لا بد من القيام بها.

    الظن بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة للسلاطين والعلماء والأقوياء فقط

    وإن كثيراً من الناس كذلك يظنون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إنما هو من وظائف السلاطين والعلماء والأقوياء، وهذا التصور غير صحيح، فهو من وظائف الأمة كلها، وهو من وظائف المؤمنين كلهم، وقد صرح الله بذلك في كتابه فقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ[آل عمران:104]، وقال تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَهمْ يَحْذَرُونَ[التوبة:122]، والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك أمر الجميع في قوله: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده )، فالأمر للجميع، وهو أمر متجه إلى الأمة كلها. وليس من المعقول أن نعلم أن المنكر ظاهر بارز منتشر، وهو ظاهرة تزداد كل يوم، ومن المعلوم أن كثيراً من المنكرات التي تشهد اليوم لم تكن منتشرة في العقود الماضية، وقد أدركتموها عند بداية نشأتها وقدومها إلى هذه البلاد، فما تشهدونه اليوم من تمام التبرج والاختلاط وغير ذلك من الأوصاف المذمومة، وما تشهدونه كذلك من شيوع أكل الربا حتى لا ينجو منه بيت، وما تشهدونه كذلك من الظلم والإسراف فيه، وما تشهدونه كذلك من تقاسم المال العام ونهبه، كل هذا من المنكرات الجديدة التي لم تكن معروفة لدى أسلافنا في عصرنا القريب السابق، فعصرنا الذي سبقنا لم يكن يعرف شيئاً من هذه المناكر، وإنما تجددت في العصر الذي نحن فيه ابتلاءً وامتحاناً من الله لنا، فإذا عطل الحاكمون شرع الله فلم يقيموا حدود الله؛ فكان القتل يحصل والسرقة تحصل والزنا يحصل وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات يحصل وأكل الربا يحصل، وغير ذلك من أنواع الفواحش التي تشهدونها في المجتمع؛ فعطل الحاكمون حدها الذي رتبه الله عليها، فهل يمكن أن يعطل الناس أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الاستقامة فتستقيم الأمة؟ لا يمكن أن يقع أبداً، إذا عطل حدها الرادع، عطله القادرون على إقامته فهم مسئولون عما عطلوا، لكن الأمة مسئولة عن أمر آخر رادع، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، وإذا عطل الحاكمون ذلك الذي يعنيهم؛ فليس ذلك عذراً لأن يعطل المحكومون الأمر الذي يعنيهم، بل الأمر واجب على الجميع، ولا بد من مبادرته قبل فوات الأوان، فالله قادر على أن يهدي الناس جميعاً في طرفة عين؛ ولذلك قال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ[يونس:99-100]، وهو قادر كذلك على الانتقام من جميع من عصاه في طرفة عين؛ كما قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد:4]، أي: ليمتحن بعضكم وهم الصادقون المخلصون الداعون إلى الحق، (ببعض) وهم العاصون الذين يبادرون إلى معصية الله فيكون ذلك امتحاناً للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، هل يخافون في الله لومة لائم؟ هل يؤدون الحق الذي عليهم أم يقدمون مصالحهم وأهواءهم؟ ويريدون السلامة في العافية العاجلة، ولا يريدون الثواب في العاقبة الآجلة.

    1.   

    الترغيب في القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركها

    إن علينا عباد الله! أن نعلم أن امتحان الله سبحانه وتعالى علينا سائر الآن ونحن ننتظر نتيجته، وسينادى بها على رءوس الملأ عندما ينادي المنادي: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ[يس:59]؛ فعليكم أن تحرصوا على النجاح في هذا الامتحان الذي امتحنكم الله به، وأن تعلموا أن من رسب فيه فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً ولا يضر أهل الأرض شيئاً، وسيصرفه الله ويأتي بخير منه؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[المائدة:54-56].

    سوء عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    إن هذه الفريضة لا يمكن تعطيلها بوجه من الوجوه؛ لأن الذي يعطلها إنما يرغب عما عند الله تعالى، وقد أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أمراء آخر الزمان فذكر ما يقعون فيه من الظلم والإسراف فقال: ( فمن أنكر سلم ومن كره برئ، ولكن من رضي وتابع )، فالذي يرضى ويتابع شريك لهم في أثمهم، ومن أنكر ذلك فإنه يسلم من العقوبة، ومن كرهه فإنه برئ من المشاركة فيه؛ فإذا لا بد أن يكون الإنسان قادراً على الإنكار؛ فيجب عليه الإنكار، أو أن يكون عاجزاً عن الإنكار فيجب عليه أن يكره حتى يبرأ على الأقل من ذلك إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا لم يكره فهو مشارك لهم فيه، وهذه الكراهة إنما هي بما يظهر عليه، أي: أن يتمعر وجهه في ذات الله؛ فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لنا أثر ذلك فقال: ( إنه كان فيمن قبلكم في قرية من القرى رجل لم يعص الله طرفة عين، فظهر الفساد في تلك القرية فأرسل الله ملكاً أن يهلكها، فقال: يا رب! فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين، قال: به فابدأ، إنه لم يتمعر وجهه في يوماً واحداً )، وإنكم تعلمون جميعاً أخص خصائصكم وأسماها وأعلاها وأغلاها هو هذا الدين، ولا خير فيكم إذا عدلتموه، فإذا رأيتم الناس يعتدون عليه، يهدمون جوانبه وهو بناء بناه الله؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس )، فرأيتم الناس يهدمونه من جوانبه فسكتم ورضيتم؛ هل فيكم خير بعد ذلك؟ أبداً؛ لأنكم لو اعتدي على منزل أي أحد منكم؛ فجاء الناس يريدون هدمه، أو حتى على أرض تنسب إلى قبيلته؛ فجاء قوم يريدن اقتطاع شبر منها؛ فإنه سيدافع عنها بكل ما يستطيع، فكيف إذاً لا تدافعون عن دين الله وهو أعظم من كل الأراضي وأعظم من كل الأملاك وأعظم من كل المباني، إنه شرفكم وخاصيتكم، وهو الذي ترجون به دخول الجنة وترجون به العافية في الدنيا، وإنكم لا تستطيعون الاستغناء عنه بوجه من الوجوه؛ فلذلك لا بد أن تدفعوا عن هذا الدين وأن تعلموا أنها بيعتكم مع الله سبحانه وتعالى، وإذا فرطتم فقد نقضتم العهد الذي عاهدتم عليه ربكم، وقد أكده عليكم في القرآن والتوراة والإنجيل؛ فقال تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ[التوبة:111]، ألستم رابحين حينئذ؟ إن أموالكم وأنفسكم لا تساوي شيئاً؛ فهي من خلق الله ومن نعمته، وهو الذي أعطاكم إياها، وقد اشتراها منكم بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين؛ إذاً: أنتم الرابحون، يعطيكم الأموال والأبدان والأنفس في الحياة، ثم بعد ذلك يشتريها منكم بجنة عرضها السماوات والأرض في الآخرة، إذا كان الحال كذلك فبادروا إلى الوفاء بهذه البيعة؛ فقد قال فيها: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111]، وإن الذين لا يفون لله تعالى بهذه البيعة هم المنافقون، فهل يرضى أحد منكم أن يعد في زمرة المنافقين؟ لا. وهل يرضى أحد منكم أن يأتي ظمآن يوم القيامة وهو يرى النبي صلى الله عليه وسلم على حوضه، وكيزانه بعدد نجوم السماء، وعرضه ما بين المدينة وحضرموت، وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، لا يظمأ من شرب منه أبداً، والنبي صلى الله عليه وسلم يسقي الناس منه بيده الشريفة؛ فيرد عنه، ظمآن يطرد كما تطرد غرائب الإبل؟ فهل يرضى أحد منكم بذلك؟ لا.

    إذاً: فاعلموا أن هذا الحوض لا يرده إلا من استقام على ما تركه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المحجة البيضاء؛ فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا إلى الحق، وإلا فسيطرد كما تطرد غرائب الإبل، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: ( سيستعمل عليكم أمراء يظلمون الناس ويكذبون في الحديث، فمن صدقهم في كذبهم أو أعانهم على ظلمهم؛ فلن يرد علي الحوض )، فهو ثمن قليل زهيد، يبيع فيه الإنسان شربة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم لا يظمأ بعدها أبداً، فبمجرد السكوت في الحياة الدنيا عن أمر لو قام فيه بالحق فإن الله سبحانه وتعالى سيعزه بالحق الذي يقوم به، ولا يمكن أن ينقص شيء من أجله ولا من رزقه ولا من جوارحه، ولا يمكن أن يقع عليه إلا ما كتب له، ( رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن )، والموتة التي كتبها الله على الإنسان لا بد أن يموتها، سواءً كان في المشرق أو في المغرب؛ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ[النساء:78]، فلا يستطيع الإنسان أن يتخلص من هذه الموتة بوجه من الوجوه؛ ولذلك فليعلم الإنسان أنه إذا كان ميتاً لا محالة؛ فعليه أن يكون صادقاً مع الله الذي يملك له الحياة والموت والنشور؛ فإنه لا يمكن أن يموت إلا بعد أن يأذن الله بموته، ولا يمكن أن يبعث إلا إذا أذن الله ببعثه؛ فالله هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يبعث الناس بعد الموت، وإذا كان الحال كذلك فهو الذي يستحق أن يخاف منه وحده، ومن سواه لا يملك لنفسه ولا لغيره حياة ولا موتاً ولا نشوراً؛ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ[الحج:73]، فكيف تهاب أهواءهم؟ وكيف يخشون في مقابل خشية الله تعالى! فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا[المائدة:44]؛ ولذلك قال الله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ[الأحزاب:37]، وقال: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[آل عمران:175].

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه زيادة للإنسان في عمره

    ثم اعلموا كذلك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والدعوة إلى أوجه الخير كلها هي امتداد في العمر؛ فأيكم لا يرغب في زيادة العمر، ما منكم أحد إلا وهو حريص على طول العمر؛ فاعلموا أن طول العمر فائدته رجحان كفة الحسنات يوم القيامة، وما سوى ذلك لا خير فيه، ولو عمر الإنسان عمر إبليس ولكن حلت عليه لعنة الله فكان من أصحاب الشمال فجر على وجهه إلى النار، فما فائدة هذا العمر؟! وهل لعمر إبليس فائدة؟! لا أبداً، فمصيره إلى النار وهو يعلم ذلك في هذه الحياة، يعلم في هذه الحياة وهو يمشي فيها أن مصيره إلى النار، وأنه حلت عليه لعنة الله؛ فلذلك فائدة العمر إذاً هي رجحان كفة الحسنات، ورجحانها إنما يتم بالبيعات الرابحة مع الله سبحانه وتعالى الذي يضاعف لمن يشاء، وهذه المضاعفة منها دعوة الإنسان إلى الخير؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من دعا إلى هدىً كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذك من أوزارهم شيئاً )، فمجرد نصيحتك لأخيك أن تمسك بيده وتبتسم في وجهه وتقول: يا أخي! دع هذا فإنه لا يحل لك، هذا القدر، ولو لم يستجب لك يرجح كفة حسناتك يوم القيامة، ويجعلك قائماً على حدود الله، فينقلك من حيز الواقع في حدود الله إلى حيز القائم على حدود الله.

    مثال من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن لا يفعل ذلك

    الذي يمنع هذه الأرض أن تغرق؛ فما هي إلا بمثابة السفينة المخروقة في عرض البحر، وقد أخرج البخاري في الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة؛ فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم؛ فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً )، فهذا مثال ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأرض، وهو مثال عجيب، مثلها بالسفينة التي تبخر عرض البحر، يركبها عدد كبير من الناس، بعضهم في وسطها وبعضهم في أطرافها، فالذين في وسطها كانوا إذا استقوا من الماء، إذا اغترفوا من الماء - من ماء البحر - يمرون بدلائهم على الذين في الأطراف، فخافوا أن يؤذوهم؛ فقالوا: نخرق في نصيبنا خرقاً ولا نؤذي من فوقنا، فإذا تركهم الذين في الأطراف يخرقون في نصيبهم خرقاً فهل سيهلك أولئك وحدهم؟ ستغرق السفينة بمن عليها وبما عليها؛ فلذلك لو ترك الفساد يسير على هذه الأرض؛ فإنما هو خرق يقع في السفينة.

    وأهل الفساد فيه متفاوتون، منهم من يفجر فيها القنابل الكبيرة، وهم أصحاب الفواحش والكبائر، ومنهم من يخرقها خرقاً خفيفاً صغيراً، وهم أصحاب اللمم والصغائر، ومنهم من يحاول تضعيفها بالنحت ولو لم يخرق، وهم أصحاب ارتكاب الشبهات والمكروهات؛ فالجميع يسعون لإضعاف هذه السفينة لتنكسر بنا في عمق البحر؛ فلذلك لا يمكن أن نرضى بهذا ولا بد أن نأخذ على أيديهم جميعاً وأن نحجزهم عن تصرفه هذا، ومن حقهم علينا أن نمنعهم من ذلك، حتى لو لم يكن الضرر واصلاً إلينا، ولو قدر أن الضرر يختص بهم فليس من النصيحة - التي هي الدين - أن نتركهم يضرون أنفسهم ويهلكونها، بل إن وظيفة الأنبياء هي منع الناس من الوقوع في النار؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، حتى إذا أضاءت ما حوله جعل الفراش يتساقط فيها وهذه الدواب؛ فجعل ينفيهن بيده وهن يقتحمن فيقعن فيها، ألا وإني ممسك بحجزكم عن النار )، (ألا وإني ممسك بحجزكم عن النار) فهو يمسك بحجزنا، والحجز: مكان عقد الإزار، فمكان عقد الإزار من الإنسان هو حجزته؛ فهو يمسكنا عن النار؛ فيحول بيننا وبينها؛ فلذلك هذه وظيفته ووظيفة كل من دعا بدعوته أن يحول بين الناس وبين أن يكبهم الله على وجوههم في النار.

    أجر هداية الناس إلى دين الله تعالى

    فعلى المؤمن السالك لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرص على أن يحول الله به بين أقوام وبين أن يكبهم على وجوههم في النار، أن يهدي على يديه أقواماً، فهذا مما يفرح به المؤمنون؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـعلي يوم خيبر: ( فوالذي نفس محمد بيده لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )، أي: خير لك من أن تملك ما على وجه الأرض من الإبل، فالإبل هي حمر النعم، ثم قال صلى الله عليه وسلم كذلك في معرض بيان الفرح بهداية إنسان واحد عندما خرج إلى شاب من اليهود ذكر أنه مريض؛ فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده من تمام خلقه وإحسانه إلى جيرانه، ( وخرج معه سعد بن أبي وقاص في رجال من الصحابة، فلما أتوا ذلك الشاب اليهودي وجدوه يجود بنفسه في السياق عند الموت؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فرفع رأسه إلى أبيه يستأمره؛ فقال له أبوه: قل ما أمرك به أبو القاسم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ومات؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد الله الذي أنقذه بي من النار )، فهذه نعمة عظيمة أن ينقذ الله بك إنساناً واحداً من النار، (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) ثم قال لـسعد وأصحابه: ( خذوا صاحبكم ) فلم يعد صاحب اليهود بعد أن قال هذه الكلمة العظيمة، وأصبح صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكلمة واحدة يقولها عند الغرغرة ينجيه الله بها من النار وينتقل بها بوناً شاسعاً؛ فقد كان قبل لحظات من اليهود، وهو الآن من الصحابة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

    فلذلك لا بد أن نفرح بهذه الهداية وأن نسعى لحصولها على أيدينا، وأن تكون من اهتمامنا.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زيادة في عمر النبي صلى الله عليه وسلم

    ثم اعلموا كذلك - رحمني الله وإياكم - أنكم جميعاً لا شك أنكم تحبون النبي صلى الله عليه وسلم حباً شديداً، ويحبون الزيادة في عمره، وإن دعوتكم إلى الناس هي زيادة في عمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عمره هو وظيفته، فليس عمره فقط السنوات التي عاشها فوق الأرض، بل عمره وظيفته بإبلاغ رسالة الله إلى الناس، فالساعة التي تمضيها يا أخي! وأنت تبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم وتدعو إلى ما دعا به وتقوم بوظيفته هي امتداد في عمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك أنتم جميعاً مستعدون لأن تضيفوا إلى عمر النبي صلى الله عليه وسلم عمراً، وكل إنسان منكم يضيف إلى عمره من عمره ما استطاع، فالساعات التي تمضيها في الدعوة إلى الله هي امتداد لعمر النبي صلى الله عليه وسلم وزيادة فيه؛ كأنك تهدي إليه هدية، وهي هدية المحبة، هدية محبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعوتك الناس إلى سبيله وإلى ما جاء به.

    1.   

    ابتداء الإنسان بنفسه في ما يأمر به ثم بأهله

    ثم إنكم جميعاً محتاجون غاية الحاجة لما يعينكم على أنفسكم؛ فالإنسان عرضة للشيطان وللنفس الأمارة بالسوء ولإخوان السوء، ولمفاتن الدنيا وشهواتها، وهو ضعيف أمام الشهوات وضعيف أمام الشبهات، وكل وقت يشكو ضعفاً في إيمانه وعجزاً عن الكف عن المعصية أو عجزاً عن الانطلاق في الطاعة؛ فإذا كانت يا أخي! تشكو هذا الفقر في مجال الإيمان، وهذا الفقر أشد من فقر الدم، فقر الدم الذي يصيب الإنسان أشد منه فقر الإيمان، ألا يكون الإنسان يجد رافداً يمد إيمانه ويزيده ويقويه، إذا كنت كذلك وأنت تعلم أن الإيمان يخلق في النفوس ويجد كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يزيد وينقص فأنت محتاج إلى زيادته ومده، ومن زيادته ومده ومما يعينك على التزامك بأوامر الله واجتنابك لنواهيه دعوتك إليه؛ لأنك من المستحيل أن تكون صاحب شهامة وقوة فتدعو الناس إلى خير ثم تخالف أنت فتتركه..

    ليس هذا من الشهامة أبداً؛ فمما يعينك على الالتزام به أن تدعو الناس إليه؛ لأنك إذا دعوتهم إليه فستبدأ بنفسك وتتقدم أمامهم، وإذا رأيت هذا الجدار سيسقط أو هذا السقف سيسقط وأنت موقن بسقوطه فصحت فينا: اخرجوا يا إخواني! قبل أن يسقط عليكم السقف، هل ستبقى أنت في مكان ونخرج نحن ونتركك؟! أنت أول من يخرج؛ لأنك قد شاهدت ذلك بأم عينيك؛ فلذلك هذا معين لك يا أخي! على اجتناب النواهي وامتثال الأوامر، وما أحوجنا جميعاً إلى ما يعيننا على امتثال الأوامر واجتناب النواهي.

    كذلك فأنت يا أخي! محتاج لا شك لإصلاح أهل بيتك، وما من إنسان له أولاد إلا وهو يريد أن يكونوا خيراً منه؛ ليراجع كل واحد منكم نفسه لو كان رزقه الله أولاداً أليس يحب أن يكونوا أفضل منه، وأعلم منه وأكثر منه مالاً وأكثر منه جاهاً وأكثر منه مكانة، وأكثر منه تقوى؟ كل إنسان كذلك، إذا كان الحال كذلك وأنت تريد لأولادك وأهل بيتك أن يكونوا من الصالحين ومن أولياء الله المقربين ومن العلماء العاملين ومن المجاهدين الصادقين؛ فاعلم أن مما يعينهم على ذلك أن تكون أنت داعياً إلى الحق؛ فإنهم سيسلكون طريقك فاتق الله فيهم، فإذا كانت أنت كذاباً، مدخناً، آكلاً للرباً، مقصراً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يعنيك إلا جمع حطام الدنيا؛ فإن أولادك لا يمكن إلا أن يسلكوا طريقك كما قال الشاعر:

    ألفا أباه بذاك الكسب يكتسب

    وسيسلكون طريقك على ذلك، وسيشق عليهم أن يتخلصوا من ميراثك الذي ابتليتهم به، وسيشق عليهم أن يتخلصوا من عدواك حتى بعد موتك، لكن إذا كنت داعياً إلى الله ولو كنت ضعيفاً، ولو كان علمك قاصراً ولو كان جاهك ضعيفاً، ولو كان مالك قليلاً، لكن كنت داعياً إلى الله بالتي هي أحسن، وتسعى لهداية الناس؛ فقد سلك أولادك الطريق من البداية حين ورثتهم هذا الخيط، وسينطلقون فيه فيكون ذلك عوناً لهم على الاستمرار عليه.

    1.   

    شرف وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    ثم إنك يا أخي! كذلك بسلوكك لطريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ستكون من شهداء الله في الأرض وهي وظيفة عظيمة، أيكم يا إخواني! لا يريد وظيفة؟! إن الناس يتنافسون في الوظائف، وأكبر الوظائف هي أكثرها مرتباً، وجاهاً ومكانة، هذه الوظيفة معروضة عليكم جميعاً الآن من عند الله الذي لا يخلف الميعاد، عرض عليكم وظيفة لا يزاحم بعضكم بعضاً فيها، ولا يمكن أن يوصل إليها بالرشوة ولا بالتملق والتسلق، ولا يمكن أن يوصل إليها بالنفاق ولا بالظلم ولا بالوساطة، هذه الوظيفة وظيفة الأنبياء الذين هم أشرف الخلائق، ومكانها هو المكان العظيم عند الله وهو القيام بالحجة على الخلائق، وأن يكون الرجل منكم يمشي على رجليه هوناً على هذه الأرض وهو حجة لله على عباده، وظيفة عظيمة، جد عظيمة، راتبها كبير جداً عند الله تعالى، ومكانة صاحبها عالية؛ لأنها ميراث النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، وهي معروضة عليكم جميعاً، وبمبادرتكم إليها لا شك ستربحون وستعرضون عن تلك الوظائف الأخرى التي لا خير فيها، وهي ندامة على أصحابها يوم القيامة؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنكم ستحرصون على الإمارة بعدي، وإنها ندامة يوم القيامة، وإنها نعمت المرضعة وبئست الفاطمة )، (إنها نعمت المرضعة)؛ ما دام الإنسان فيها رئيساً لدولة أو وزيراً في وظيفته؛ لأنه يتصرف كأنه لا رقابة عليه، لكن (بئست الفاطمة) الليلة الأولى التي يبيتها في القبر وهو يبيت مع الموتى، ولم يبت معهم قبلها ليلة عظيمة جداً، يبدو له فيها من الله ما لم يكن يحتسب؛ فلذلك قال: (وإنها نعمت المرضعة وبئست الفاطمة).

    التنافس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    عليكم إخواني! أن تتنافسوا في هذه الوظيفة المتاحة بين أيديكم، والتي لا يمكن أن تكون ضرراً يوم القيامة ولا ضرراً في هذه الحياة، وهي أشرف الوظائف وأعظمها، لا يستحيي الإنسان منها بوجه من الوجوه، إذا وجدها في صحيفته يوم القيامة فعرض على الله تعالى؛ ما وظيفتك؟ هذا وظيفته الأذى، كان يضرب الناس ويسجنهم، وهذا وظيفته العسف؛ كان يأخذ الضرائب على الناس، وهذا وظيفته إلحاق الأذى بالناس، وهذا وظيفته الكذب في صحافته وفيما يكتبه، وهذا وظيفته القيام بالقسط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي هذه الوظائف أشرف يوم القيامة؟! فإذا أعلنت بحضرة الملك الديان والملائكة والخلائق جميعاً، لا شك أن هذه الوظيفة التي لا يحتشم صاحبها هي الوظيفة الرفيعة التي ترضون بها جميعاً؛ فلذلك عليكم أن تبادروا إليها، وأن تعلموا أنه لا يضايق أحد منكم أحداً فيها؛ فهي مفتوحة للجميع، وكل فيها حسب طاقته ومستواه.

    1.   

    قيام جميع شرائح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    وقد جعلنا الله سبحانه وتعالى متفاوتين في قدر ما آتانا من الرزق والعلم والعقل، وهذا التفاوت بسببه رتب علينا هذه الحقوق جميعاً؛ فمن كان من العلماء فدعوته في الغالب إنما يستوعبها ويفهمها المثقفون ومن لديه مستوىً علمي، لكن من دونه ممن ليس لديه ذلك المستوى ولغته هي لغة أهل السوق؛ فيمكن أن يؤثر في أهل السوق مالم يؤثر فيهم ذلك الذي هو أعلى مستوىً منه، والمرأة تؤثر في النساء، والصبي يؤثر في الصبيان؛ طلاب المدارس، والتاجر يؤثر في التجار، والسائق يؤثر في السائقين، والخياط يؤثر في الخياطين.. وهكذا؛ فكل إنسان يؤثر في بني جلدته ومن هم على مستواه، ولا يمكن أن يؤثر فيهم من سواهم؛ لأنهم مرتبطون بديوان مخصوص، وهم فيه مشغولون؛ فلذلك إنما ينتفعون بمن كان على مستواهم ومن كان من أبناء جلدتهم ويتكلم بلسانهم، وقد قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهمْ[إبراهيم:4]؛ فكل نبي إنما يبعث بلسان قومه؛ فيخاطبهم بنفس المستوى الذي ينبغي أن يخاطبوا به؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه أبو ذر في أول إسلامه سأله فقال: ( يا رسول الله! من تابعك على هذا الأمر؟ قال: رجل وامرأة وعبد وصبي )، أربعة من أصناف الناس وشرائحهم، وليس المقصود هنا أنه لم يؤمن به إذ ذاك إلا هؤلاء الأربعة، فقد آمن به عدد ممن سواهم، لكنه أراد أن يبين أن كل شريحة من شرائح المجتمع قد دخلت الدعوة؛ فـخديجة بنت خويلد تعمل في النساء، و أبو بكر يعمل في الرجال، و علي يعمل في الصبيان، و بلال يعمل كذلك في شريحته.. وهكذا؛ فكل طائفة دخلتها هذه الدعوة فانطلقت فيها إلى غير نهاية، فهذه الدعوة ما هي إلا شلال ماء هو لين غاية اللين، ولكنه مع ذلك قوي غاية القوة، فقوته كانطلاق الشلال ولينه كالماء؛ قطرات، ولكنه مع ذلك يفلق الحجارة ويكسرها لقوته.

    فمن هنا احتيج إخواني! إلى أن يكون في كل شريحة من شرائح المجتمع سابقون بالخيرات بإذن الله، داعون إلى الخير، حجة لله تعالى على تلك الشريحة، قائمون بالقسط فيها، لا يخافون في الله لومة لائم، يرعون ما حدده الشارع من الآداب والأخلاق للقيام بهذه الدعوة حتى لا يكونوا من المنفرين؛ فإن كثيراً من الذين يمارسون الدعوة في الواقع هم من المنفرين؛ وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال لـمعاذ : ( إن منكم منفرين )، والمنفرون في الدعوة هم في الواقع قطاع الطريق، أتعرفون من هم قطاع الطريق؟ فقطاع الطريق ليسوا الذين يقطعون الطريق على الناس لأخذ أموالهم بالقوة، لكنهم الذين يقطعون عليهم طريق الهداية؛ يجدون الإنسان بالإمكان أن يستمع فيستفيد، وبالإمكان أن ينتفع بما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقطعون عليه هذا الطريق بتنفير ينفرونه به؛ فيكون بذلك قد حيل بينه وبين الدعوة وبين أهلها وشوه لديه الجميع، وهذا إنما هو قطع للطريق عليه وحيلولة بينه وبين طريق الله سبحانه وتعالى وطريق الهداية.

    1.   

    دواعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة من علامات المسلمين

    ثم إن عليكم يا إخواني! أن تعلموا أن هذه الدعوة إلى الخير إنما هي إظهار لشعار المسلمين؛ فأنت يا أخي! من المسلمين، لا يمكن أن تتنكر لذلك؛ ولذلك فأنت إذا كنت من قبيلة لها ميسم تضعه على الحيوان فلم تتنكر لميسم قبيلتك، بل ستسم حيواناتك بميسم قبيلتك، لكنك يا أخي! من قبيلة عظيمة هي المسلمون، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ[فصلت:33]، فحقق انتماءك لهذه القبيلة يا أخي! بميسم القبيلة، وميسم هذه القبيلة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، فهذه علامة هذه القبيلة التي هي المسلمون، كما قال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ[آل عمران:104]، فحقق انتماءك إذاً إلى الإسلام بتحقيقك لشعار هذا الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.

    شهادة الملائكة للقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    ثم اعلم كذلك يا أخي! أن دعوتك الناس إلى الخير يشهدها الملائكة فينقلون عنها التقارير إلى الله، فبمجرد أن تتحرك الغيرة في قلبك على دين الله؛ فالله تعالى ينظر إلى قلبك، وبمجرد أن تذهب وتخرج من بيتك ولا يخرجك إلا أن تعلم علماً أو تتعلمه أو تـأمر بخير أو تفشي السلام بين الناس أو توصل تبليغاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو بآية واحدة؛ ( بلغوا عني ولو آية )؛ فإن الله ينظر إليك والملائكة يكتبون خطاك، ويستبقون إلى كتابة ما تفوه به وتتكلم به.

    إنك يا أخي! دائماً تحب أن تمدح وأن يثنى عليك بالخير الذي فيك، ولا يسر أحداً منكم أن يذم ويعاب ويوصف بالأوصاف القبيحة أمام الناس، فإذا كنت يا أخي! تريد أن تذكر بالخير في الملأ الأعلى، وأن تقدم عنك التقارير إلى الله تعالى بأنك قد خدمت دين الله وأنك قد خرجت من بيتك، لا يخرجك إلا ذلك؛ فبادر يا أخي! واعلم أن الملائكة لا يفرطون ولا يقصرون، وهم يكتبون أعمالك دقيقة بدقيقة، ويرفعونها إلى الله تعالى، فالتقارير تتراكم عنده، والثناء عليك في الملأ الأعلى عند الله سبحانه وتعالى كاف، أليس كذلك؟ بلى، إذا ذكرت يا أخي! في الملأ الأعلى بحضرة الديان جل وعلا فهي منزلة لا يمكن أن يعدلها شيء؛ هذا هو مما يتنافس فيه المتنافسون.

    الوقوف ضد دعوات أتباع اليهود والنصارى وغيرهم إلى أديانهم

    إن علينا يا إخواني! جميعاً أن نعلم أن أتباع الديانات المحرفة المبدلة، من اليهود والنصارى وغيرهم، يبذلون قصار الجهود في التبشير بدينهم المحرف المبدل، الذي لا يغني عنهم من الله شيئاً، وهم يعلمون أنه غير مقنع، فهم يعلمون أن ما يدعون الناس إليه من التثليث، أن الواحد ثلاثة وأن الثلاثة واحد، يعلمون أن هذا غير مقنع لأحد، ويعلمون أن ما يقولونه كله تناقضات وباطل، فالنصارى يزعمون أن ذنوب البشر جميعاً تحملها المسيح بن مريم فصلب وقتل بسبب ذلك تطهيراً للبشر جميعاً، فهل هذا يدخل في عقل إنسان عاقل؟! فهذا لا يمكن أن يقتنع به أي أحد، ولو كان صبياً صغيراً، لا يمكن أن يقتنع بهذا أي أحد؛ فإذا كان الحال كذلك وهم يبذلون هذه الجهود الكبيرة من أموالهم وأوقاتهم وأبدانهم، وقد شاهدنا نساء أوروبا اللواتي يبشرن بالدعوة المسيحية يجبن أدغال إفريقيا في أوقات المطر الشديد في المناطق الاستوائية التي مطرها ليس كالمطر، ويتعرضن لعض البعوض المحمل بالفيروسات، ويدخلن في تلك المناطق والأدغال المخوفة من أجل دينهم المحرف المبدل، فأليس حريصاً بك يا أخي! وقد اختارك الله لأن تكون من خير أمة أخرجت للناس، وأرسل إليك أفضل الرسل وأنزل إليك أفضل الكتب، وشرع لك خير شرائع الدين أن تبشر بما آتاك الله؟! قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:58]، قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ[الأنبياء:45]، وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا[الفرقان:52].

    فأنت يا أخي! شريف على الله تعالى، شرفك بأنواع التشريف، وآتاك ما تستطيع أن تقنع به الآخرين؛ فإذا قلت لأحد: قل: لا إله إلا الله؛ فلا يستطيع أحد أن يقول لك: ما قلت له متناقض باهت لا نفع فيه، لا يستطيع أحد أن يقول ذلك؛ فكل العقلاء، صبياناً وبالغين وكباراً، مثقفين، جهالاً، وغيرهم جميعاً سيقتنعون بمبدئك الذي هو توحيد الله عز وجل، وأن من سواه جميعاً لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئاً، وكل الناس، حتى لو كانوا من الطغيان بمكان، إذا خاطبتهم بكلمة التوحيد؛ فإنهم لا بد أن يذعنوا؛ ولذلك فإن إبراهيم حين خاطب بها طاغية الأرض في زمانه - نمرود - سأله فقال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ[البقرة:258]، فقال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ[البقرة:258]، فأتى برجلين حكم عليهما بالقتل، فنفذ القتل في أحدهما وعفا عن الآخر، فقال: قد قتلت هذا وأحييت الآخر، فقال إبراهيم : فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ[البقرة:258]، لا يستطيع أن يجيب عن هذا؛ لأن الأمر واضح؛ فهذه أفعال الله؛ خلق السموات والأرض وهو أكبر من خلق الناس، كما قال الله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ[غافر:57].

    فإذا كنت يا أخي! لديك هذه المبادئ القويمة، وأنت ترجو من الله ما لا يرجوه من سواك، وأنت مؤمن بها وتحبها؛ فلماذا لا تدعو إليها؟!

    الوقوف تجاه مؤامرات الكفار على بلاد المسلمين

    كذلك يا أخي! اعلم أنك في وقت يتعرض فيه هذا الدين لمؤامرات كبيرة ضخمة عالمية، وأنت في زمان هو قبل الفتح، هذا الزمان الذي نحن فيه قبل الفتح، ولم يفتح بعد على المسلمين فيه؛ فالمسلمون مستذلون مستضعفون، وقوى الشر تقتسم خيراتهم وتنهبها؛ فأمريكا اليوم ها هي جاءت تطمع في خيرات بلادكم هذه، فبعد أن نهبها الفرنسيون مدة طويلة، سبعين سنة وهم ينهبون خيرات بلادكم. جاءت أمريكا اليوم وهي طامعة في نهب ما فيها من بقية الخيرات، وكذلك يطمع في دينكم النصارى واليهود، وما أتوا إلا لقصد تبديل دينكم وتغيير أخلاقكم؛ فهذه مؤامرة عامة على جميع أنحاء الأرض، لا تختص بها دولة دون دولة ولا بلد دون بلد، وأنتم تعلمون أن أمريكا ما غزت العراق إلا من أجل نهب خيراته والسيطرة على منابع النفط فيه وعلى هذا الشعب العريق الإسلامي.

    فهذا النوع من المؤامرات التي هي في زمانكم تقتضي منكم أن تكونوا من المبادرين إلى نصرة هذا الدين ما دامت الفرصة مواتية بين أيديكم، فغداً سيفتح على دين الله، غداً القريب سيفتح الله تعالى على المؤمنين المجاهدين الصادقين، وستقام دولة الإسلام وستقام حدود الله على الأرض، وسيغزى العدو في دارهم وسيفتح بيت المقدس وستفتح روما، كل ذلك سيقع ونحن نؤمن به إيماننا بالموت، ونعلم أنه آت لا محالة، لكن عليكم إخواني! أن تبادروا قبل أن يقع ذلك؛ ففرصتكم الآن قبل الفتح؛ لأنه إذا حصل الفتح فلن يكون أجر الذين أتوا بعد الفتح كأجر الذين أنفقوا وقاتلوا من قبل الفتح؛ فقد قال الله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا[الحديد:10].

    فعليكم يا إخواني! أن تبادروا الآن قبل أن يأتي الفتح، وأنتم لا تدرون هل سيأتي الليلة أو غداً أو بعد غد، لكن تعلمون أنه آت لا محالة؛ فهذه فرصة متاحة لكم الآن قبل أن يفتح الفتح، فإذا فتح فسيكون الناس حينئذ ولو كانوا مؤمنين مضحين لكنهم جاءوا وقد وجدوا خيمة الإسلام قد قامت فدخلوا فيها واستظلوا بظلالها، ولم يشاركوا في بنائها ولم يبذلوا أي جهد لإقامتها؛ فشتان بينهم وبين أولئك الذين بذلوا أرواحهم وعجلوا إلى الله ففتحوا أزرار قمصهم لاستقبال الرصاص وهم يقولون: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه:84]، وبين المتخلفين المتقاعسين، الذين يحول بينهم الجبن والخور، أو الطمع في أمور الدنيا، بين أن يقدموا تضحية لله سبحانه وتعالى وأن يبذلوا في حقه كلمة، مجرد كلمة.

    إنكم الآن تريدون السير في سبيل أسلافكم وأجدادكم، تريدون الآن أن تقتدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم بالخير وقد سبقوكم إلى الجنة، وسبقوكم إلى رضوان الله، وأنتم تعلمون أنهم خرجوا يوم بدر وهم أقل عدداً وعدة من عدوهم بأضعاف مضاعفة، خرجوا ولا يتعدى عديدهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وليس لهم من الخيل إلا ثلاثة، وليس لهم من السيوف إلا ثمانية، ومع ذلك نصرهم الله على عدوهم وكتب لهم رضوانه الأكبر الذي لا سخط بعده؛ ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )، فذنوبهم لا تقع إلا مغفورة، سبقتها المغفرة، يمشون على وجه الأرض يفعلون ما شاءوا وقد سبقت المغفرة ذنوبهم، وأنتم تريدون أن تسلكوا طريقهم ولا ترضون أن تسلكوا طريق عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من المنافقين أهل الخور والخوف والمذلة والهوان، الذين قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في مرجعه من تبوك: فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ[التوبة:83-84]، لا ترضون قطعاً بهذا الموقف المخزي المشين، إنما هذا الموقف راجع إلى ما فعلوه؛ فهم رضوا أن يكونوا مع الخالفين، وجاءوا يستأذنون ويعتذرون وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:90]، فهم يعتذرون بالأباطيل والكذب؛ ولذلك فالله غني عنهم، وقد أغنى عنهم رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا[التوبة:83]، فسد الباب أمامهم، ولم تعد الفرصة مواتية لمخرجهم، فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا[التوبة:83]، هذا الفصل بينه وبينهم في الدنيا، فصل بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا تمهيداً للفصل يوم القيامة؛ فإنهم يوم القيامة يحال بينهم وبينه بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، كما قال الله تعالى: يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ[الحديد:13]، أي: انتظرونا نقتبس من نوركم، قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ[الحديد:13-14]، فالسوق يجمع الجميع، والشارع يجمع الجميع، والمكاتب تجمع الجميع، والمدارس تجمع الجميع، قَالُوا بَلَى[الحديد:14]، كنتم معنا، وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ المَصِيرُ[الحديد:14-15].

    نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يجعلنا في قرة عين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يحشرنا تحت لوائه وأن يبعثنا في زمرته، وأن يسقينا من حوضه بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يجعلنا أجمعين من جنود رسول الله صلى الله عليه وسلم الناصرين له.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755804480