بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.
أما بعد:
فالصوم فضله عظيم، وثوابه كبير، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصيام جنة)، والجنة: ما يتخذه المحارب من درع يتقي به الضربات، يقال له المجن، فالصوم جنة؛ لأنه يتقي به العبد معصية الله عز وجل، لأنه كلما كثر الطعام والشراب كلما انبعثت النفس إلى المعصية، فالصوم يضيق مجاري الشيطان؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (الصيام جنة، فإن كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم إني صائم، والذي نفسي بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها ).
وقال صلى الله عليه وسلم في ثواب الصائمين: ( إن في الجنة باباً يقال له: الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم. يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ).
وجاء في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام فيمن صام رمضان: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وهذا الحديث وأمثاله مقيد باجتناب الكبائر.
فصيام رمضان يكفر صغائر الذنوب، أما الكبائر وهي: الذنوب التي ترتب عليها لعن من الله، أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، أو توعد صاحبها بوعيد بالنار في الآخرة، أو بحد في الدنيا، فهذه من الكبائر التي لا يكفرها إلا التوبة؛ كما جاء في الحديث الذي قاله صلى الله عليه وسلم في حق المكفرات: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر)، فالكبائر لا تكفرها إلا التوبة؛ فقد قال الله عز وجل في حق من اجتنب الكبائر: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ[النساء:31].
والصوم لا يجب إلا على من توافرت فيه شروط خمسة، وهي: الإسلام والبلوغ والعقل والإقامة والقدرة.
الصيام على خمسة أنواع: صوم واجب، وصوم مسنون، وصوم تطوعٍ، وصوم مكروه، وصوم محرم.
النوع الأول من الصيام: الصوم الواجب وهو على ثلاثة أقسام:
القسم الأول من الصيام الواجب: صيام رمضان: وهذا معروف ووجوبه مجمع عليه.
القسم الثاني من الصيام الواجب: صيام النذر: فلو أن إنساناً قال: لله علي أن أصوم شهراً أو لله علي أن أصوم ثلاثة أيام، فهذا الصوم صار في حقه واجباً؛ لأن الله تعالى قال في النذر: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ[الحج:29] ، أمرنا بالوفاء بالنذر، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).
القسم الثالث من الصيام الواجب: صوم الكفارات: مثل: كفارة الظهار لمن لم يجد رقبة.
لو أن إنساناً قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي، فالله عز وجل أوجب عليه أن يتوب؛ لأنه قال منكراً من القول وزوراً، فأوجب عليه كفارة وهي: عتق رقبة قبل أن يمس زوجته، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
ومثاله: الصوم في كفارة القتل الخطأ، فقد أوجب الله على من قتل مؤمناً خطأً أن يعتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
ومثله: كفارة من جامع في نهار رمضان؛ فإنه يجب عليه أن يكفر، بأن يقضي مكان اليوم الذي أفطر فيه بالجماع يوماً آخر ثم يكفر بعتق رقبة، فإن لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين.
ومثله: الصوم في كفارة الصيد في الحرم أو الصيد في الإحرام، قال الله عز وجل في حقه: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ[المائدة:95].
ومثله: الصوم في كفارة من حلف يميناً وعجز عن الخصال الثلاث: فلم يستطع أن يعتق رقبة، ولا أن يطعم عشرة مساكين ولا أن يكسوهم، فقال الله عز وجل في حقه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ[المائدة:89]، فهذا كله من صيام الكفارات. فهذا هو النوع الأول الذي نسميه: الصوم الواجب أو الصوم المفروض.
النوع الثاني من الصيام: الصوم المسنون. مثاله: صيام يوم عاشوراء وتاسوعاء، وصيام يوم عرفة، وصيام الإثنين والخميس.
وصيام الثلاثة الأيام البيض وهي: اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر العربي.
وكذلك صيام ستة أيام من شوال.
وصيام يوم وإفطار يوم، وهو خير الصيام؛ لأنه صيام داود عليه السلام، ونحو ذلك مما سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كصيام شهر شعبان، فقد ثبت عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت في ذلك: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان). يعني: كان أكثر شهر يصوم فيه النبي عليه الصلاة والسلام هو شهر شعبان، وكان يقول: (ذاك شهر غفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).
أما الحديث الذي جاء فيه قوله: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الصيام المسنون: صيام شهر الله المحرم؛ فإن نبينا عليه الصلاة والسلام قال في ذلك: (أحب الصلاة إلى الله بعد الفريضة: قيام الليل، وأحب الصيام إلى الله بعد رمضان: صيام شهر الله المحرم)، فيستحب للمسلم أن يكثر من الصيام في شهر الله المحرم.
وأما بالنسبة لصيام رجب فهو مشروع؛ لأنه من الأشهر الحرم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صم من الحرم واترك).
أما ما يعتقده بعض الناس أن لصيام رجب ثواباً مخصوصاً فليس بصحيح، وقد حقق هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه المسمى: تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب، ومما قاله: بأنه لم يثبت في صيام رجب ولا في تعيين يوم منه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح للحجة.
فالنوع الأول من الصيام هو الصيام الواجب، وهو على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صوم رمضان، والقسم الثاني: صوم النذر، والقسم الثالث: صيام الكفارة.
والنوع الثاني من الصيام: الصوم المسنون، وهو على الأقسام التي ذكرت.
النوع الثالث من الصيام: صيام التطوع. وهو الصوم في أي يوم لا يحرم فيه الصوم ولا يكره. يعني: لو أن إنساناً أراد أن يصوم في أي يوم فلا تنكر عليه، وهذا مما يغلط فيه بعض الناس، مثلاً: لو أن شخصاً وجد إنساناً صائماً يوم الثلاثاء أو يوم الأحد فقال له: لماذا تصوم هذا اليوم؟ لا هو يوم إثنين ولا يوم خميس ولا هو اليوم الثالث عشر ولا الرابع عشر ولا الخامس عشر؟! فنقول له: لا إنكار عليه؛ فإن الصوم مطلوب ولا يقدر عليه إلا أفذاذ الرجال، فمن صام تطوعاً في يوم لم ينه عن صيامه فلا نستطيع في مثل هذه الحالة أن ننكر عليه؛ لأنه من الطاعات المستحبة.
النوع الرابع من الصيام: الصوم المكروه. وهذا الصوم تندرج تحته أقسام عدة:
القسم الأول: صيام يوم الجمعة منفرداً. يعني: لو أن إنساناً أفطر يوم الخميس وأفطر يوم السبت وصام يوم الجمعة، فإننا نقول له: هذا صوم مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده). يعني: إما أن يصوم مع الجمعة الخميس أو يصوم مع الجمعة السبت، أما أن يفرد الجمعة بالصيام فهذا مكروه؛ لأن الجمعة عيدنا معشر أهل الإسلام، فإفراد الجمعة بالصيام مكروه.
القسم الثاني من الصوم المكروه: سرد صيام الدهر. فهذا مكروه، أن يصوم الإنسان العام كله، فقد كره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما في ذلك من المشقة والتشديد، فلما أخبر صلوات ربي وسلامه عليه أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه يسرد الصوم سرداً قال له: (لا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً ). وأرشده صلوات ربي وسلامه عليه بأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فقال: ( يا رسول الله! إني أطيق أفضل من ذلك )، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن يصوم الإثنين والخميس. فقال: ( إني أطيق أفضل من ذلك. فقال له: صم يوماً وأفطر يوماً. قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك، فكان عبد الله بن عمرو بن العاص يصوم يوماً ويفطر يوماً، فلما كبرت سنه رضي الله عنه كان يتحسر ويقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ). يعني: يا ليتني قبلت من النبي صلى الله عليه وسلم أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر.
القسم الثالث من الصوم المكروه -على رأي بعض أهل العلم-: صيام يوم السبت منفرداً. لكراهة التشبه باليهود؛ لأن يوم السبت هو يوم عبادة اليهود، ولكن الحديث الذي فيه النهي عن صيام يوم السبت لا يثبت عند محققي أهل العلم.
تنبيه: أولاً: حين نقول بكراهية صيام يوم الجمعة أو يوم السبت فإن صيام الفرض لا يدخل في ذلك، يعني: لو أن إنساناً صام يوم الجمعة قضاء ليوم من أيام رمضان فلا ينهى عن ذلك.
ولو أن إنساناً صام يوم الجمعة؛ لأنه نذر أن يصوم أيضاً لا ينهى، وإنما النهي عن صيام يوم الجمعة منفرداً إذا كان تطوعاً.
ومثله أيضاً: النهي عن صيام يوم السبت لو ثبت؛ فإنه محمول على التطوع.
ثانياً: النهي الوارد في الحديث عن صيام يوم السبت محمول على الإفراد، أما لو أن إنساناً صام مع الجمعة يوماً قبلها أو بعدها، أو صام مع السبت يوماً قبله أو بعده فلا إشكال ولا كراهة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يصوم يومي السبت والأحد ويقول في ذلك: (إنهما عيدا المشركين فأنا أحب أن أخالفهم) أي: لأن السبت عيد اليهود والأحد عيد النصارى.
القسم الرابع من الصوم المكروه: صيام يوم عرفة لمن كان في الموقف. أي: لمن كان حاجاً؛ لأن صيام يوم عرفة مسنون لغير الحاج، فقد جاء ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان واقفاً بعرفة اختلف الناس أصائم هو أم لا؟ فبعثت إليه أم سلمة رضي الله عنها بعس لبن، فركب صلى الله عليه وسلم على بعيره ثم شرب؛ من أجل أن يراه الناس )، فيعلموا جميعاً بأنه صلوات ربي وسلامه عليه ليس بصائم.
القسم الخامس من الصوم المكروه: صيام يوم الشك. وقد قيل فيه بالتحريم، ويوم الشك: هو يوم الثلاثين من شعبان، وهو يوم يشك فيه أهو من رمضان أم ليس من رمضان؟ وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامه؛ قال عمار بن ياسر رضي الله عنهما: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) لأن الله قال: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ[البقرة:184]؛ ولذلك نهانا عليه الصلاة والسلام أن نصوم قبل رمضان بيوم، ونهانا أن نصوم بعد رمضان بيوم؛ لئلا يكون حالنا كحال النصارى واليهود الذين افترض الله عليهم صيام رمضان ثم بعد ذلك مرض أحد ملوكهم فنذر إن عافاه الله أن يزيد في الصيام عشرة أيام، فصارت أربعين يوماً، ثم جاء آخر فزاد عشراً فصارت خمسين، ثم جاءهم في سنة من السنوات في الصيف فنقلوه إلى الشتاء، وصاروا يلعبون بهذه العبادة.
أما نحن المسلمين فصيامنا ليس إلا أياماً معدودة، وهذه الأيام قد تأتي صيفاً وقد تأتي شتاءً، وقد تأتي بين ذلك.
القسم السادس من الصوم المكروه: نذر صوم يوم مكرر في كل أسبوع. ومثاله: أن بعض الناس ينذر نذراً فيقول: لله علي أن أصوم يوم الخميس ما حييت. يعني: ينذر لله أن يصوم كل خميس ما دام حياً. فهذا مكروه لما فيه من التشديد على النفس؛ ولأن الإنسان يأتي للعبادة كارهاً لها فتكون أقرب إلى المعصية منها إلى الطاعة؛ ولأن العبادة مبناها على أمرين:
الأمر الأول: الحب. والأمر الثاني: الذل. حب مع ذل، وقد ذكر ربنا جل وعلا عن المنافقين أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا ينفقون إلا وهم كارهون، ولذلك ما يقبل الله منهم صلاة ولا نفقة، فلا بد أن تأتي للعبادة وأنت محب لها، ثم لا بد أن تتذلل بين يدي الله عز وجل.
القسم السابع من الصوم المكروه: صوم الضيف من غير إذن رب المنزل؛ لما فيه من الإعراض عن الضيافة. يعني: تنزل ضيفاً على قوم فإذا أتوك بالشاي قلت: أنا اليوم صائم، فهذا الصوم مكروه، إذ لا بد أن تستأذن؛ لأن المضيف في الغالب يتكلف للضيف، فلعله يصنع مع الشاي لقيمات، فإذا جئت ضيفاً عنده ثم تقول له: أنا صائم! يكون في هذا نوع من الإعراض عن الضيافة وتسببت بالأذية لرب المنزل.
فهذه بعض أنواع الصيام المكروه.
النوع الخامس من الصيام: الصوم المحرم، وهو عدة أقسام:
القسم الأول من الصوم المحرم: صيام يومي العيدين. أي: يوم الفطر ويوم النحر، فهذا صيام محرم بإجماع المسلمين، فمن وجدناه صائماً يوم الفطر أو يوم النحر نعلم أنه قد أتى ضلالة من الضلالات.
القسم الثاني من الصوم المحرم: صيام أيام التشريق. وهي: الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر، والتي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله)؛ ولذلك دائماً في تلك الأيام بعد الصلوات نكبر، فهي أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى.
القسم الثالث من الصوم المحرم: صيام المرأة من غير إذن زوجها، وهنا لا بد من القيد فنقول: صيام المرأة تطوعاً من غير إذن زوجها، وإلا لو صامت قضاءً، فلا تحتاج أن تستأذن زوجها؛ لأن هذا فرض الله، وفرض الله أحق أن يقضى، ولكن لا ينبغي للمرأة أن تصوم تطوعاً وزوجها شاهد، أما لو كان زوجها مسافراً فلا حرج؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها: (لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان).
القسم الرابع من الصوم المحرم: صيام الحائض والنفساء؛ لأنه إيقاع للعبادة على غير وجهها. فمن شروط صحة الصوم بالنسبة للمرأة نقاؤها من دم الحيض أو النفاس، فالمرأة الحائض أو النفساء لا ينبغي لها أن تصوم.
القسم الخامس من الصوم المحرم: صيام من يخاف على نفسه الهلاك أو تعطيل حاسة من حواسه، ومثاله: الشيخ الكبير الطاعن في السن الذي لا يطيق الصيام ويصر على الصيام.
ومثاله أيضاً: المريض الزمن، فبعض الناس يكون مريضاً والطبيب يقول له: إن الصوم لا يصلح لك، ولكنه مع ذلك يصر على الصيام، فهذا الإنسان نقول له: الصوم في حقك حرام.
القسم السادس من الصوم المحرم: صوم الوصال. ومعناه: أن تصوم ثم إذا غربت الشمس تستمر صائماً حتى إذا طلع الفجر وصلت يوماً بيوم، فتستمر صائماً، وهكذا تواصل؛ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة بالمسلمين؛ (فحينما قالوا: يا رسول الله! إنك تواصل؟ فقال: إني لست كأحدكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)، فلهذا لا يجوز الوصال.
إذاً مثال الصوم المحرم: صيام يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق، وصيام المرأة وزوجها حاضر، أما إذا كان مغترباً فيجوز لها أن تصوم، والخامس: من خشي على نفسه الهلاك أو تعطيل حاسة من حواسه، وكذا صيام الحائض والنفساء، ومثاله أيضاً: صيام الوصال؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عنه.
إن صيام رمضان افترضه الله عز وجل على المسلمين بعد الهجرة في شعبان من السنة الثانية، يعني: بعدما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومكث فيها سنة وبعض السنة، وفي شعبان في مثل هذا الشهر من العام الثاني من الهجرة افترض الله على المسلمين صيام رمضان، وقد أجمع أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسعة رمضانات. أولها في السنة الثانية من الهجرة، وآخرها في السنة العاشرة من الهجرة؛ لأن وفاته صلوات ربي وسلامه عليه كانت في ربيع الأول من العام الحادي عشر من الهجرة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل رمضان: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر). والمسلمون مجمعون على أنه يجب صيام رمضان على كل من قدر عليه من مسلم بالغ عاقل مقيم، ومن وجدوه مفطراً في نهار رمضان من غير عذر فإنهم لا يظنون به خيراً، ويجب على الحاكم وعلى من بسط الله يده فولاه الأمر أن يعزر من أفطر في نهار رمضان من غير عذر، وقد جيء لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل شرب الخمر في نهار رمضان. يعني: لم يفطر بماء ولا بلبن. بل أفطر بخمر؛ لأنه مبتلى والعياذ بالله، ولذلك تجدون الآن الخمارين منزعجين من اقتراب رمضان، وتضيق صدورهم يعني: كما قال أحدهم للآخر:
إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بكاسات صغارِ فإن الوقت ضاق عن الصغار
يقول له: لا تشرب بكأس صغيرة لا. بل اشرب من القربة مباشرة؛ لأن رمضان قد جاء، فـعمر رضي الله عنه لما جيء له بهذا السكران قال له: ويلك! وصبياننا صيام؟ ثم أمر به فضرب ثمانين سوطاً، ثم سيره إلى الشام. يعني: طرده من المدينة؛ لأن هذا ليس من حقه أن يقيم بهذه البقعة الطاهرة.
نقف عند هذا الحد إن شاء الله، ونسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر