إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (40) - النوع الحادي والأربعون في معرفة إعرابه [2]

عرض كتاب الإتقان (40) - النوع الحادي والأربعون في معرفة إعرابه [2]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما يتعلق بمعرفة إعراب القرآن معرفة الأوجه الظاهرة والمحتملة للفظ، ومعرفة التراكيب المتشابهة للآية، وهذا يستفاد منه في قضية ترجيح وجه الإعراب الصحيح والمناسب، وكذا الترجيح بجعل الإعراب تابعاً للرسم، ويقدم المعنى على الإعراب كون المعنى هو الأصل عند حصول التنازع.

    1.   

    تابع معرفة إعراب القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فقد كنا بدأنا فيما يتعلق في كتاب السيوطي رحمه الله تعالى بالنوع الحادي والأربعين في معرفة إعرابه، وهذا النوع مليء جداً بالفوائد، ويصعب أن تتبع هذه الفوائد كما ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى، لكنني أنصح بقراءتها، وكذلك بقراءة مغني اللبيب لـابن هشام ، فهي مفيدة جداً لمن أراد أن يستفيد من علم النحو في تفسير القرآن.

    استوفاء جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه

    مما نقف عنده فيما يتعلق بهذا النوع الذي هو معرفة إعرابه وهو كما قلنا: إنه مهم للمفسر، وبعض القواعد التي ذكرها رحمه الله تعالى، منها الخامس في صفحة ألف ومائتين وسبع وعشرين حسب طبعة ‹المجمع›.

    قال المصنف رحمه الله: [ الخامس: أن يستوفي جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة، فيقول في نحو: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، يجوز كون الأعلى صفةً للرب وصفةً للاسم ].

    فهنا الآن في قوله: [ أن يستوفي جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة ]، فائدة ينتبه لها، وهي كما قلنا سابقاً: إن المعرب ينطلق من المعنى، فننظر الآن هل المراد تسبيح الاسم، أو تسبيح الرب؟ في قوله: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، يعني: سبح ربك الأعلى، أو سبح اسم الأعلى؟

    والصواب أن المراد به الرب، ولهذا القول الثاني الذي ذكره أضعف من القول الأول، وإنما المراد تسبيح الرب، يعني سبح اسم ربك الموصوف بأنه الأعلى.

    وبناءً على هذا إذا قلنا: إن المراد تسبيح الرب فإنه لا يتوصل إلى تسبيحه إلا بالاسم، فإذا قلت لك: سبح الله، فتقول مثلاً: سبحان ربي المجيد، فأنت الآن سبحت باسمه الرب وباسمه المجيد، فلم تتوصل إلى تسبيحه إلا بذكر اسمه، وهذا هو المعنى الدقيق لقوله سبحانه وتعالى: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وما جاء مثلها.

    كذلك أيضاً مما ينتبه له من باب الفائدة: أن (الأعلى) هنا الذي بلغ الكمال في العلو، يعني: أفعل هنا لا يلزم منها تفضيلاً، وإنما للدلالة على بلوغ الكمال في العلو، والعلو كما ذكر أهل السنة يشمل: علو المكان؛ لأن الله سبحانه وتعالى فوق العالم، وعلو القدر، وعلو القهر، كل هذه المعاني مضمنة في قوله: (الأعلى).

    معرفة التراكيب المتشابهة والمتناظرة

    ثم ذكر أيضاً في السابع قال: [ أن يراعي في كل تركيب ما يشاكله، فربما خرج كلاماً على شيء ويشهد استعمالاً آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه ]، ثم ذكر أمثلةً لذلك، هذا إذا تأملناه نجد أنه يندرج تحت تفسير القرآن بالقرآن، أو النظائر القرآنية؛ لأن مراده أنه عند تفسيرنا لكلمة أو لفظة ننظر إلى ورود هذا الأسلوب في مكان آخر، فيدلنا على صحة أحد الأعاريب في الآية المختلف في إعرابها، نذكر مثال ذلك في قوله: [ وخطئ من قال: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2]، إن الوقف على (ريب)، و (فيه) خبر (هدىً) ]، يعني الآن كأن من يعرب هنا يقول: (ذلك الكتاب لا ريب) ثم يقف، ثم يقول: (فيه هدىً للمتقين)، هذا الإعراب ضعيف، لماذا ضعيف؟ قال: [ ويدل على خلاف ذلك قوله في سورة السجدة: تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:2] ]، أنه لا يمكن هنا أن تفصل (فيه) عن (لا ريب)، بمعنى أنه الآن عندنا في ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] شبهة في فصل (فيه) عن (لا ريب)، أما في هذا الموطن فليس عندنا (فيه) شبهة؛ لأنه لا يمكن أن تفصل (فيه) في هذا السياق، فدل على أن قوله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] أن (فيه) صلة لـ (لا ريب)، يعني خبر (لا)، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2].

    إذاً: بناءً على هذا التضعيف أو التخطئة يضعف ما يحكى في هذا الموطن من وقف التعانق، وإنما الصواب أن يجعل الوقف على (فيه) جائزاً، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] جيم، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، والمعنى هو هدىً للمتقين، من أسباب أيضاً ضعف هذا القول أنه إذا احتمل الكلام التقدير والإثبات يقدم الإثبات على التقدير، فكون (فيه) الظاهرة هي خبر (لا) أولى من أن يقدر خبراً لها؛ لأنه سيكون معنى الكلام: ذلك الكتاب لا ريب فيه، فيه هدى للمتقين، سيكون عندنا (فيه) الآن مرة مقدرة، ومرة ظاهرة، ولا حاجة إلى هذا المقدر ما دام الظاهر معناه متناسق وواضح.

    كذلك يضعفه كون الوقف على (لا ريب) ثم البدء بقوله: (فيه هدىً للمتقين) مشعر بأن الكتاب فيه هدىً بخلاف الوقف على (فيه) مشعر بأن كل الكتاب هدىً، فإذاً لما نقول: (لا ريب فيه) ثم نقول: (هدىً للمتقين) هذا يشمل المعنى المذكور في الإعراب الأول، والذي يقول: (فيه هدىً للمتقين)، فإذاً هذا يقدم الإعراب في كون (فيه) الظاهرة خبر لـ (لا) النافية للجنس، يقدم من هذه الوجوه الثلاثة، وبناءً عليه يضعف حكم التعانق المذكور في هذه الآية.

    مراعاة الرسم واتباع الإعراب له

    أيضاً مما ذكره من القواعد قال: [ أن يراعي الرسم ]، وهنا نلتفت إلى أن الرسم محكم في الاختلاف، ولهذا قال: [ خطئ من قال في (سلسبيلاً): إنها جملة أمرية ]، عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى [الإنسان:18] ثم تقف، ثم تقول: سل سبيلاً، يعني سل من السؤال، أي: اسأل السبيل إلى هذه العين، هذا معنى قول هذا القائل، كيف خطأنا هذا القائل؟ خطأناه بأن قوله سبحانه وتعالى: سَلْسَبِيلاً [الإنسان:18] كلمة واحدة ولو كان كما قال لكانت (سل) منفردة و(سبيلاً) منفردة عنها.

    هنا في قضية الإعراب والرسم يلتفت إلى هذه القضية المهمة وهي أن الأصل في الإعراب أنه تابع للرسم، هذا هو الأصل ولهذا حكم الرسم هنا، وكذا ما ورد من الخلاف في قوله: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ [طه:63] والقراءات التي يمكن الرجوع فيها لكل القراءات وتخريجها، لكن في النهاية هذا الرسم صحيح، وهو على وجه إعرابي صحيح، وليس فيه أي إشكال.

    أيضاً مثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى [الأعلى:6]، هذه لم يذكرها السيوطي رحمه الله تعالى، ونضيفها لوضوحها، فبعض المفسرين قال: أن (لا) هنا ناهية، سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى [الأعلى:6]، والفاصل بين أن تكون نافية أو ناهية هو النظر في الرسم، فهل الصحابة أثبتوا ألفاً مقصورة، أو حذفوها، إذا رجعنا للمصحف نجد أنهم قد أثبتوا الألف المقصورة، فلو كانت ناهية لحذف حرف العلة، فلو كانت كتابتهم: (سنقرئك فلا تنس) لقلنا: إن (لا) ناهية، ولكن لما كانت (فلا تنسى) نقول: إن الرسم دال على أنها (لا) نافية، إذاً نحن الآن جعلنا الرسم حجة وأصلاً يحتكم إليه في الإعراب، أما مخالفة ما يسمى بالإملاء فهذه قضية أخرى لعلنا ننبه عليها بعد قليل حينما نتكلم عن مسألة مرتبطة بالرسم.

    التأدب مع كتاب الله في استعمال ألفاظ الإعراب

    ثم ذكر أيضاً من القواعد التي في الثاني عشر نذكر بعضها ونعلق عليها، قال: [ أن يجتنب إطلاق لفظ الزائد في كتاب الله، فإن الزائد قد يفهم منه أنه ما لا معنى له، وكتاب الله منزه عن ذلك، ولهذا فر بعضهم إلى التعبير بدله بالتأكيد والصلة والمقحم ].

    ثم ذكره ما قاله ابن الخشاب المحدث النحوي، المتوفى سنة خمسمائة وسبع وستين في هذه المسألة.

    هذه القضية التي هي قضية الزائد، كما تلاحظون السيوطي رحمه الله تعالى مسها مساً رقيقاً، وطرح فيها الفكرة طرحاً موفقاً في أن من كره التعبير بالزائد فإنه من باب التأدب مع كتاب الله سبحانه وتعالى.

    احتمالات معنى الزيادة في القرآن وحكمها

    ومن أطلق من العلماء وجود الزائد في القرآن، فنقول: لا يخلو كلامه من احتمالين:

    الاحتمال الأول: أن يريد أنها زادت في المبنى والمعنى، يعني زائدة لا يحتاج المعنى إليه وجدت في المبنى والمعنى لا يحتاجها، وهذا وقع فيه أبو عبيدة رحمه الله تعالى في مجاز القرآن في أمثلة قليلة، مثل: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ [البقرة:30]، قال: مجازه وقال ربك، و(إذ) زائدة، مع أنه لا يصلح؛ لأن (إذ) لها معنى، فلا يصلح أن يقال: بأنها زائدة، وكذلك في قوله: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ [الأنفال:5] وغيرها من الأمثلة، فهذا لا شك أنه غير سديد إطلاقاً، إذاً إذا ادعيت الزيادة في المعنى فهذا محال في كتاب الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يوجد شيء في المبنى وليس له معنى.

    يبقى عندنا من يقول: بالزيادة، فهو ينظر إلى جهة الإعراب أحياناً، وأحياناً ينظر إلى المعنى العام، وأحياناً يشترك الإعراب والمعنى العام، مثال ذلك: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3]، لما ترجع إلى جملة المعربين يقول: كما يقول: للتأكيد، نحن ندرس هذا التعبير الآن، لو قلنا: مقحمة هذه لفظة قريبة من زائدة، ولو قلنا: صلة فهي في الحقيقة من باب الاختلاف في العبارة، طيب هذه الآن في قوله: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3] الفرق بينها وبين هل خالق غير الله من جهة المعنى العام؟ مؤدى العبارتين من جهة المعنى العام واحد وهو نفي وجود خالق غير الله، لكن أيهما أقوى في النفي؟ لاحظ الآن صار في زيادة في قوة النفي، هل الأقوى في النفي: هل خالق غير الله، أو الأقوى في النفي هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3]؟

    فنقول: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3] أقوى في النفي، فصار لها دلالة، فمن نظر إلى الزيادة نقول: إما أنه نظر من جهة الإعراب، وإما أن يكون نظر من جهة المعنى العام، وبناءً على هذا فإن تعبيره بالزيادة لا يعترض عليه ما دام يثبت معنىً، وإن كان الأحب أن نقول: إن التعبير بالزيادة إن كان هناك لفظ أو مصطلح يمكن إطلاقه غير الزيادة فهو أولى وأحب، ولهذا الطبري رحمه الله تعالى كان يذهب إلى معنى الصلة، فيقول: صلة الكلام، ويبتعد عن لفظ الزيادة، وبعض المعاصرين حفظهم الله شنعوا على هذا الموضوع الذي هو موضوع الزيادة، وشددوا فيه من حيث اللفظ، وأقول هنا: يحسن أن ننتبه دائماً إلى أن القضية قضية أدب مع كتاب الله، وإننا حينما نناقش مثل هذه القضايا أمامنا كتاب الله سبحانه وتعالى، فنحن حريصون جداً على أن ننفي عنه كل شيء يدل على ما لا يحسن، مثل لفظ الزيادة، وعندنا أيضاً عقول علماء سبقونا ونطقوا بهذا الكلام، ونعلم أن فيهم من التقى والورع والصيانة لكتاب الله ما عندهم.

    فإذاً: نحن أمام جانبين: جانب التأدب مع العلماء من جهة، وجانب التأدب مع كتاب الله سبحانه وتعالى من جهة أخرى، ولا شك أن جانب التأدب مع كتاب الله مقدم، لكن إذا كان يمكن تخريج كلام هؤلاء العلماء على معنىً حسن فإنه أولى، ونقول: قد عبر فلان بهذا، والأولى لو عبر بكذا، فنكون حفظنا حق علمائنا من جهة، وتأدبنا معهم، وأيضاً حفظنا حق كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وتأدبنا معه، أرى أن هذا أولى من التشنيع، إلا إذا وقع أن أحداً من العلماء وقع في خطأ في أنه رأى أن هذه زائدة معنىً، وموجودة في المبنى فهذا لا شك أنه خطأ لا يغتفر، ويرد على صاحبه، ويغفر الله لمن قاله، هذا ما يتعلق باختصار بقضية الزيادة.

    السجع في القرآن

    ومثلها أيضاً، وأحب أن تنتبهوا لها قضية مصطلحات السجع، تجد بعض العلماء يناقش هل يوجد سجع في القرآن أو ما يوجد؟ وأصل السؤال أن السجع مصطلح، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فإذا كان السجع الحسن وارداً في الكلام ويسمى سجعاً فما المانع من أن يقال: إن في كتاب الله سجع؟ لا أرى أن هناك أي مانع، ولا هناك أي خلل؛ لأن النوع الموجود من السجع في القرآن هو النوع المحمود، وأما النوع المذموم الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: ( أسجع كسجع الكهان؟ )، فهذا قطعاً لا يوجد لا في كلام الله، ولا في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا حتى في كلام البلغاء المعروفين بالبلاغة، ولا في كلام الصحابة وكذلك تلاميذهم من التابعين، فإذاً السجع الذي يكون حشواً في الكلام هذا لا يوجد إلا عند العيي الذي لا يستطيع أن يفتح فيحتاج أن يركب هذه السجعات، مثل ما يقع من الكهان، فالكاهن يريد أن يلبس على الناس، وأن يعطيهم بعض الألفاظ التي تشدهم، ولكن في الحقيقة ليس تحتها أي معنى، فإذاً يكون المعنى تابع للسجع عندهم، أما إذا جاء السجع تابعاً للمعنى فهذا قمة البلاغة فلا ننفيه.

    هذا أيضاً باختصار ما يتعلق بالسجع، وقس على ذلك غيرها من مصطلحات كثيرة ترد في كتب علوم القرآن أو في كتب البلاغة، إذا استطعنا أن نوجد لها مصطلحات موازية وحسنة فلا بأس، لكن لا ننكر أو نشدد النكير في أمر قد استعمله العلماء، وله وجه صحيح معروف عندهم، وعند أيضاً المعاصرين، يعني ليس كل المعاصرين ينكر قضية السجع في القرآن، لكن كل العلماء يتفقون أنه لا يوجد من السجع المذموم شيء أبداً في القرآن، هذه قاعدة، أما المحمود فكثير، بل الأصل أنه موجود في القرآن، وهذا يفيدنا في أننا إذا جئنا إلى بعض الآيات في مثل قوله سبحانه وتعالى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3]، يورد بعض العلماء قولاً يقول: ولم يقل: وما قلاك بناءً على مشاكلة (ودعك) في رعاية الفاصلة التي هي السجع، فننظر في مثل هذا المثال، أولاً هل رعاية الفاصلة من حيث هي فاصلة مع تمام المعنى معتبر في كلام العرب وإلا غير معتبر؟ نجد هذا معتبر، يعني رعاية الفاصلة مع تمام المعنى معتبر عند العرب، فإذاً هذا بحد ذاته نوع من البلاغة والإعجاز والإيجاز، ثم ننظر بعد ذلك لما راعينا الفاصلة هنا لم يخل بالمعنى إطلاقاً، وإنما يقع الخلل لو كانت رعاية الفاصلة تؤثر على المعنى، أي: تخل بالمعنى، وهذا لا يوجد في القرآن؛ لأنه كلام الرب الخبير الحكيم، فمحال أن يوجد في كلامه سبحانه وتعالى مثل هذا النوع الذي لا يكون فيه الكلام تابع للفاصلة، وإنما الفاصلة تابعة للكلام، وأن يكون تاماً ومعروفاً، هذه قضية مرتبطة بما يتعلق ببعض المسائل التي تحدث عنها السيوطي رحمه الله تعالى في إعراب القرآن.

    ونأخذ مسألة الآن في التنبيهات، وأدع المسألة الأخرى التي هي الثالثة فيما يتعلق بقول عائشة لما قال عروة بن الزبير : سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ [طه:63]، وعن قوله: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء:162]، وعن قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا [المائدة:69]، فقالت: يا ابن أخي! هذا عمل الكتاب، أخطئوا في الكتاب. قالوا: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لعلنا نناقش هذا إن شاء الله في الدرس القادم، لكن نأخذ التنبيه الأول الذي ذكره.

    تجاذب المعنى والإعراب

    وفي قوله: [ قد يتجاذب المعنى والإعراب الشيء الواحد ]، قاعدة مهمة جداً في المعنى والإعراب قال: [ قد يتجاذب المعنى والإعراب الشيء الواحد، بأن يوجد في الكلام أن المعنى يدعو إلى أمر، والإعراب يمنع منه والمتمسك به صحة المعنى، ويؤول لصحة الإعراب ]، وهذا على قاعدة أن الأصل عندنا المعنى، فهذا مثال من أمثلة تقديم المعنى على الإعراب، وذكر مثالاً في قوله: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ [الطارق:8]، لعلكم ترجعون لها.

    الفرق بين تفسير المعنى والإعراب

    الثانية ونختم بها في قوله: [ قد يقع في كلامهم هذا تفسير معنىً، وهذا تفسير إعراب ]، وهذا يقع في كلام المعربين، يعني من له عناية بالإعراب، أحياناً يأتي على كلام أحد المعربين أو المفسرين فيقول: هذا تفسير معنىً، وليس تفسير إعراب، ما مراده بقوله: [ هذا تفسير معنى وهذا تفسير إعراب ]؟ يعني يقول: هذا من باب بيان المعاني وليس من باب بيان الإعراب، بمعنى أن المتكلم الآن يبين معنىً ولا يعرب.

    ثم قال: [ والفرق بينهما: أن تفسير الإعراب لا بد فيه من ملاحظة الصناعة النحوية ] الفعل، والفاعل، والمفعول، والحال.. إلى آخره. [ وتفسير المعنى لا تضره مخالفة ذلك ].

    لم يذكر مثالاً لذلك، وسأذكر مثالاً ذكره أبو حيان وغيره في قوله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، يقول ابن عباس : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، قال: أنتم، يقول أبو حيان : وهذا من ابن عباس إن صح تفسير معنىً لا تفسير إعراب؛ لأنه يؤول إلى زيادة (كان) الرافعة للاسم والناصبة للخبر، وهذا لم يذهب إليه أحد، وإنما تفسير الإعراب على هذا التقدير ما نقله النحويون أن (كان) تكون بمعنى (صار)، ومن صار إلى شيء واتصف به صح من حيث المعنى نسبة ذلك الشيء إليه، فإن قلت: صرت عالماً، صح أن تقول: أنت عالم؛ لأنك تخبر عنه بشيء هو فيه، فتفسير ابن عباس : (كنت) بـ(أنت) هو من هذا القبيل، فهو تفسير معنىً لا تفسير إعراب، وهذا يوضح لنا هذه المسألة، وأنا ذكرت مثالاً أحببت أن يكون واضحاً، وهناك أمثلة كثيرة، ولكن بعضها قد يكون فيه عسر وصعوبة، فحرصت على أن أورد لكم مثل هذا المثال لأوضح هذه الفكرة، بمعنى أن ابن عباس لما قال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران:110] قال: أنتم. هو لا يعرب، يعني لا يتكلم في النحو وفي قواعد النحو، وإنما يتكلم في المعنى، وكونه يقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، (كنتم) بمعنى أنتم، فما دام الله سبحانه وتعالى قد اختاركم فأنتم إذاً خير أمة أخرجت للناس، وليس حديثه الآن عن الإعراب، ولو أردنا أن نعرب لقلنا: (كنتم) فعل ناسخ، وتحتاج إلى اسم وخبر، إذا كانت ناقصة، أو تحتاج إلى فاعل إذا كانت تامة على حسب موقعها في الجملة، فهذا ما يتعلق بالمثال لقوله: تفسير معنى وتفسير إعراب، لكن هل إعراب (كنتم): أنتم؟ إذا قال: (كنتم) بمعنى أنتم معنى أنه أزال معنى (كنتم) مثلما لاحظ أبو حيان ، لكن أبو حيان يقول: إن ابن عباس يفسر المعنى ولا يعرب، وهنا يكون ما عندنا مشكلة، وفهم أبي حيان سديد ودقيق، ولهذا أيضاً ينتبه إلى هذه المسألة، وهذه نبه عليها الواحدي في مقدمة البسيط، نبه إلى أنك أحياناً لا تفهم كلام السلف إلا بفهم الإعراب، وذكر أنه سيجتهد في بيان بعض الأمثلة التي يقع فيها إشكال من تفسير السلف ويبينها بالإعراب مثلما فعل أبو حيان هنا.

    والأغلب في تفسير السلف بيان التفسير على المعنى ووجه الإشكال يريد أن يقول لنا أبو حيان : إن (كنتم) ليست بمعنى أنتم، لكنها تؤول إلى هذا المعنى بالطريق الذي ذكره، وإذا قلنا: (كنتم) بمعنى أنتم ألغينا الإعراب في (كنتم) أن تكون فعلاً ناسخاً وتحتاج إلى اسم وخبر.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756379494