إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (58) - النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي [3]

عرض كتاب الإتقان (58) - النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي [3]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نزل القرآن على رسولنا الكريم، وفيه إعجاز للكافرين، إذ كانوا أهل بلاغة وفصاحة، فأنزل القرآن وفيه من الفصاحة والبلاغة ما لا نهاية له، ومن ذلك فواصل الآي، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقف عند كل فاصلة، وللفواصل علاقة بالآيات وتناسب شديد وباهر للعقول، وقد قسمها العلماء إلى أنواع، وهم فيها على قولين: قول بأفضلية الوقف على الفاصلة، وقول بمراعاة المعاني والوصل بما بعدها.

    1.   

    فواصل الآي

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    لعلنا نختم ما يتعلق بفواصل الآي، والمقطع القادم من فواصل الآي مقطع مرتبط ببلاغة القرآن في اختيار الفواصل.

    أمثلة تبين مناسبة خاتمة الآية لاستهلالها

    وذكر ابن أبي الأصبع أن فواصل القرآن لا تخرج عن أحد أربعة أشياء، وذكر مصطلحات: التمكين، والتصدير، والتوشيح، والإيغال. ثم بدأ يشرح كل مصطلح من هذه المصطلحات ويضرب عليه أمثلة.

    من الأمثلة التي ذكرها في مثل قوله سبحانه وتعالى: يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [هود:87] ثم قال: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود:87]. فختموا بالحلم والرشد.

    قال: لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف في الأموال، اقتضى ذكر الحلم والرشد على الترتيب؛ لأن الحلم يناسب العبادات، والرشد يناسب الأموال.

    مثلما قال: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، فهذه لطيفة جميلة، لكن لم يظهر لي مناسبة العبادات للحلم.

    يعني: عندنا أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ [هود:87].. أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ [هود:87] ثم قال في خاتمتها: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود:87].

    لكنها من اللطائف التي يستفاد منها.

    ثم ذكر أمثلة أخرى في مثل: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ [السجدة:26]، ثم قال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ [السجدة:27].. إلى قوله: أَفَلا يُبْصِرُونَ [السجدة:27].

    فذكر أيضاً ما يتعلق بفاصلة الآية في قوله: أَفَلا يَسْمَعُونَ [السجدة:26]، أَفَلا يُبْصِرُونَ [السجدة:27].

    قال: فأتى في الآية الأولى بـ يَهْدِ لَهُمْ [السجدة:26] وختمها بـ يَسْمَعُونَ [السجدة:26]؛ لأن الموعظة فيها مسموعة وهي أخبار القرون، وفي الثانية بـ يَرَوْا [السجدة:27] وختمها بـ يُبْصِرُونَ [السجدة:27]؛ لأنها مرئية.

    والمقصد من هذا هو ذكر التناسب بين فاصلة الآية وموضوع الآية وألفاظها، وهذا موضوع لطيف جداً، وقد اعتنى به العلماء كثيراً.

    ولهذا نجد صاحب نظم الدرر من أكثر من اعتنى بفواصل الآي، ولكن لم يكن يعتني بها على أنها فواصل الآي، وإنما كان يعتني بها على أنها خاتمة للآية، وعلاقتها بموضوع الآية أو بألفاظ الآية، ولكن السيوطي رحمه الله تعالى انطلق من كونها فواصل للآي، ولهذا أثار عندي مسألة وهي: هل يمكن أن يكون هناك بحث من خلال فواصل الآي بنفس الموضوع، أي: فواصل الآي وأثرها في المعنى الدلالي البلاغي، وليس المعنى الدلالي اللغوي.

    السبب في اختلاف الفواصل في سورة إبراهيم والنحل بعد قوله تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ..)

    فنلاحظ أن من الأشياء التي تثير السامع في قوله سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] قال: [ ومن بديع هذا النوع اختلاف الفاصلتين في موضعين والمحدث عنه واحد؛ لنكتة لطيفة كقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، ثم قال في سورة النحل: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:18] ]، ومثل هذا يبحثه أيضاً من يعنى بمتشابه القرآن، فنلاحظ أن علم الفاصلة لو أخذ بهذا المنظور فإن مصادره متعددة.

    قال المصنف رحمه الله: [ قال ابن المنير : كأنه يقول: إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها، فحصل لك عند أخذها وصفان: كونك ظلوماً، وكونك كفاراً ]، يعني: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، فالخاتمة في هذه الآية ارتبطت بالإنسان، قال بعد ذلك: [ يعني: لعدم وفائك بشكرها، ولي عند إعطائها وصفان ]، يعني: (ولي) أي: الله سبحانه وتعالى، [ وهما: إني غفور رحيم أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي، فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوفير ولا أجازي جفاك إلا بالوفاء ].

    وهذا الكلام كلام نفيس ودقيق من جهة ربط الآيتين بعضهما ببعض، ولا شك أن سياق الآيات أيضاً له مناسبة لم يذكرها ابن المنير ، فلو كان كلام ابن المنير هكذا فقط مطلقاً لقنا: يجوز أن يبدل آية النحل موضع الآية الأخرى في قوله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] التي في سورة إبراهيم، فلو قلنا في سورة إبراهيم: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) لما استقام؛ لأن إيثار ذكر ما يقوم به العبد مقابل النعم أولى في سورة إبراهيم، وإيثار ذكر مغفرة الله سبحانه وتعالى ورحمته في سورة النحل أولى لمناسبة السياق في الموطنين.

    فعندنا فائدتان لا تتنازعان، فهذه صحيحة وهذه أيضاً صحيحة، وما ذكره ابن المنير دقيق جداً.

    قال المصنف رحمه الله: [ وقال غيره: إنما خص سورة إبراهيم بوصف المنعَم عليه، وسورة النحل بوصف المنعِم؛ لأنه في سورة إبراهيم في مساق وصف الإنسان، وفي سورة النحل في مساق صفات الله وإثبات الألوهية ].

    إذاً: هذه الفائدة الثانية وهي مرتبطة بالسياق، فمثل هذه الفوائد لا تتعارض إطلاقاً.

    وأيضاً ذكر أمثلة كثيرة في هذا الموضوع.

    مشكلة الفواصل

    ثم ذكر تنبيهاً ثانياً سماه من مشكلات الفواصل، وهذه التسمية فيها لطافة وإن كان قد يعترض عليها بعضهم في كونه سمى شيئاً في الفواصل مشكلاً.

    والحقيقة أن جهة الإشكال تجيء من سبق الذهن في الفاصلة، ولهذا تجد أن هذه الآية التي سيذكرها الآن يختبر بها في مسألة سبق الذهن، وأنت اختبر بها بعضهم وهو غافل، قل لهم: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ [المائدة:118] سيسبق إلى ذهنه (الغفور الرحيم)؛ لأنه قال: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ [المائدة:118]، فيتبادر إلى الذهن (الغفور الرحيم)، ولكن الفاصلة جاءت فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118].

    ولو تأملنا المقام الذي يقومه عيسى عليه السلام في هذه الآية في يوم القيامة، وهل مقامه يوم القيامة مقام طلب المغفرة لمن أشرك بالله الشرك الأكبر وادعى لله الولد؟ لا شك أنه ليس مقام طلب المغفرة.

    ومع ذلك قال عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ [المائدة:118] حرف الشرط (إن) يدخل في باب الاحتمال، يعني: إن وقعت مغفرة لهم في هذا اليوم فمغفرتك صادرة عن عزة وحكمة، بمعنى: أنك القوي الغالب، فمغفرته سبحانه وتعالى ليست عن ضعف ولا عن جهل أو غير ذلك من صفات النقص، بل مغفرته سبحانه وتعالى وهو في تمام عزته، وكذلك إن غفر فمغفرته مرتبطة بحكمته أي: ليست عبثاً، وإلا كيف يتوعد هؤلاء الذين يدعون له الولد بالعذاب الشديد، ثم يوقع مغفرته؛ فإنه إن أوقعها فإنها تصدر من هاتين الصفتين.

    ولهذا يقول ابن القيم عندما علق على هذه الآية عبارة أنا أذكر معناها: بأن عيسى عليه السلام طلب لهم المغفرة من أوسع أبوابها؛ بأنه جعل مغفرة الله سبحانه وتعالى لهم في هذا المقام مبنية على العزة والحكمة، كما فسرنا قبل هذا.

    فهذه الفاصلة من الفواصل التي يقع فيها سؤال واستشكال.

    كذلك أيضاً في قوله سبحانه وتعالى: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] وفي سورة الممتحنة: وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الممتحنة:5]، فطلبوا المغفرة باسمه العزيز وباسمه الحكيم.

    وكذلك قوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ [النور:10]، فجاءت الحكمة.

    يقول رحمه الله: [ فإن بادئ الرأي يقتضي (تواب رحيم)؛ لأن الرحمة مناسبة للتوبة، لكن عبر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته، وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة.

    ومن خفي ذلك أيضاً قوله في سورة البقرة: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، وفي آل عمران: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29]؛ فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة ]؛ لأنها مرتبطة بالخلق، وفي آية آل عمران الختم بالعلم. ثم ذكر الجوابات عنها.

    فأقول: إن مثل هذا البحث وهي الفواصل المشكلة التي يقع فيها ما يخالف بادي الرأي عندنا، يعني: ما تخالف الظاهر فيما نظنه فهو يعتبر مشكلاً؛ لأن المشكل نسبي، وسبق أن تحدثنا عن علم المشكل وعلم المتشابه.

    فالمراد أن المشكل نسبي، ويقع في سؤال سبب اختيار هذه الفاصلة، والأمثلة كثيرة ذكرها في هذا الباب ويمكن أن يرجع إليها.

    فواصل لا نظير لها في القرآن

    التنبيه الثالث: فواصل لا نظير لها في القرآن.

    وهذه أيضاً مما يذكر من باب الفائدة مثل قوله: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، ذكرها من باب الفائدة.

    أنواع الفواصل

    أيضاً مما يتعلق بتممة الموضوع وهو موضوع أنواع الفواصل قال: [ التصدير ]: وهو الذي يسمى: رد العجز على الصدر، وهذا أيضاً مفيد جداً في التفسير، يعني: في فهم كلام الله سبحانه وتعالى، وأحياناً يرتبط بالمعنى من جهة التفسير، وكثيراً ما يرتبط بالبلاغة؛ بحيث أنه يبتدئ بموضوع ويختم بما يتناسب مع هذا الموضوع، ويكون ما بينهما ليس مرتبطاً بالموضوع ارتباطاً واضحاً أو ظاهراً مثل قوله سبحانه وتعالى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً [النساء:166] يعني: شهيداً ويشهدون.

    ومثل قوله تعالى: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، (هب) و(الوهاب).

    وفي قوله تعالى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الممتحنة:5] لو أردنا أن نقيس هذه الآية عليها ففي هذه إشكال، ولكن وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] ليس فيها إشكال؛ لأنه جاء على مقتضى الظاهر، أنه عندما قال: (هب) ذكروا اسمه الوهاب.

    طبعاً ذكر أمثلة، وقد يعترض على بعضها مثل قوله: قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ [الشعراء:168]، وهذا موافقة الكلمة الكلمة فقط دون أن يكون المراد بها المعنى؛ لأن (قال) من القول، و(القالين) من البغض مثل: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]، فهذه ليست بينها مناسبة إلا في اللفظ وفي الرسم فقط، أما في المعنى فلا.

    المقصود: أن رد العجز على الصدر يمكن أن يكون بحثاً وهو كثير في القرآن، بل أحياناً قد تكون موضوعات السورة فيها معنى رد العجز على الصدر، مثل بداية سورة الشعراء، كان الحديث في بدايته عن القرآن، وفي خاتمته عن القرآن نفسه.

    فمثل هذا يمكن أن ينظر فيه فيما يتعلق بالسور وهو رد العجز على الصدر، وتكون بداية السورة عن موضوع، ثم تأتي موضوعات متوالية يظن القارئ أنه لا علاقة لها ببعضها، ولا علاقة لها بما قبلها، لكن إذا تأمل يجد أنها كلها مرتبطة ببعضها ثم يعود الحديث صريحاً مرة أخرى عما ابتدئ به في مثل سورة الشعراء.

    وذكر ما يتعلق بالسجع مرة أخرى يقول: [ قسم البديعيون السجع ومثله الفواصل إلى أقسام.. ]، وذكرها.

    ولا نحتاجها؛ لأن هذه قضايا فنية ليس فيها كبير أثر على المعنى.

    والموضوع الذي يتعلق بالفواصل مليء، لكن نأخذ مما ذكر شيئاً سريعاً في التنبيهات التي ذكرها أنه قال: [ أحسن السجع وأعزه ما تساوت قرائنه مثل: مَخْضُودٍ [الواقعة:28]، و مَنْضُودٍ [الواقعة:29]، و مَمْدُودٍ [الواقعة:30] ].

    وهذا لا شك أنه أكثره، وأكثر إراحة للسمع حين سماعه، وهو الذي يقع عليه مسمى السجع.

    فواصل الآي وعلاقتها بالوقف

    وذكر أيضاً موضوعات أخرى مرتبطة بما يتعلق بهذا النوع، لعلنا نختم بهذا، وسبق أن ذكرت أنني سأذكر أمرين: الأمر الأول: ما يتعلق بقضية الفواصل ورءوس الآي من جهة القراءة ومن جهة الوقف عليها.

    نبتدئ أولاً بذكر ما يتعلق بها من جهة الوقف عليها، ونذكر كلام إمام من أئمة البلاغة المعاصرين وهو الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى، فقد تكلم عن الفواصل في مقدمته -المقدمة الثامنة- في الجزء الأول وقال: واعلم أن هذه الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز؛ لأنها ترجع إلى محسنات الكلام، وهي من جانب فصاحة الكلام، فمن الغرض البلاغي الوقوف عند الفواصل، لتقع في الأسماع فتتأثر نفوس السامعين بمحاسن ذلك التماثل، كما تتأثر بالقوافي في الشعر وبالأسجاع في الكلام المسجوع، فإن قوله تعالى: إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [غافر:71] آية، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:72] آية، ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ [غافر:73] آية، مِنْ دُونِ اللَّهِ [غافر:74]... إلى آخر الآيات.

    فقوله: فِي الْحَمِيمِ [غافر:72] متصل بقوله: يُسْحَبُونَ [غافر:71]، وقوله: مِنْ دُونِ اللَّهِ [غافر:74] متصل بقوله: تُشْرِكُونَ [غافر:73]. وينبغي الوقف عند نهاية كل آية منها.

    وقوله تعالى: وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [هود:54] آية، وقوله: مِنْ دُونِهِ [هود:55] ابتداء الآية بعدها في سورة هود.

    ألا ترى أن من الإضاعة لدقائق الشعر أن يلقيه ملقيه على مسامع الناس دون وقف عند قوافيه؟! فإن ذلك إضاعة لجهود الشعراء، وتغطية على محاسن الشعر، وإلحاق للشعر بالنثر.

    وأن إلقاء السجع دون وقوف عند أسجاعه هو كذلك لا محالة.

    ومن السذاجة أن ينصرف ملقي الكلام عن محافظة هذه الدقائق فيكون مضيعاً لأمر نفيس أجهد فيه قائله نفسه وعنايته.

    والعلة بأنه يريد أن يبين للسامعين معاني الكلام فضول؛ فإن البيان وظيفة ملقي درس لا وظيفة منشد الشعر، ولو كان هو الشاعر نفسه.

    وفي الموطن الآخر وهو يتكلم عن وقوف القرآن أكمل هذه الفكرة فقال: ولما كان القرآن مراداً منه فهم معانيه وإعجاز الجاحدين به، وكان قد نزل بين أهل اللسان كان فهم معانيه مفروغاً من حصوله عند جميعهم.

    أما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية، التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم بل خاصة بلغائهم من خطباء وشعراء، وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسنات الكلام من فن البديع، ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأعجاز النثر، وهي مرادة في نظم القرآن لا محالة كما قدمنا عند الكلام على آيات القرآن، فكان عدم الوقف عليها تفريطاً في الغرض المقصود منها.. إلى آخر كلامه.

    هذا الذي ذكرناه عن هذا الإمام فيما يتعلق بالاعتناء بالوقف على رءوس الآي هو المذهب الذي أراه، حتى لو كانت الآية مرتبطة بما بعدها؛ بناءً على العلة التي ذكرها الإمام.

    ويشهد لقوله ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، أنه طلب من ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، فلما قرأ عليه سورة النساء قطع النبي صلى الله عليه وسلم قراءة ابن مسعود عند قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: حسبك الآن.

    ولو نظرنا إلى الآية التي بعدها يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42]، والتي بعدها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، والآن وقف التمام على الآية التي بعدها؛ لأن القاعدة: إذا جاء (يا أيها الذين) فهي دلالة على الاستئناف وأن ما قبلها وقف تام.

    فالرسول صلى الله عليه وسلم قطع القراءة، فالقطع أبلغ من الوقف؛ فكونه قطع القراءة بمعنى أنه قطع قطعاً تاماً، مع أنه لم يبق إلا آية واحدة، فلو كانت قضية التمام مراعاة تامة لما بقي إلا آية، ولأكملها ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: حسبك، فما دام أنه قطع قبل التمام والقطع أبلغ من الوقف، فهذا يشهد بأن المراد رءوس الآي، وأنها من مقاطع الإعجاز، كما ذكر الإمام ابن عاشور رحمه الله تعالى.

    الوقف على مقطع من آية ثم وصله بمقطع بعده للإكمال

    وسنبني عليها الفكرة الثانية التي ذكرت أني سأذكرها، فبعض الأئمة المعاصرين من أئمة المساجد يقف على مقطع آية ثم يرجع ويصل من مقطع ويكمل، وسمعنا من يقرأ ويقول: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، ثم قال: الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:15-16]، هذا عندي خطأ محض؛ لأن فيه ارتكاب أمرين مرتبطين ببعض:

    الأمر الأول: الإخلال بنظم القرآن.

    الأمر الثاني: الإخلال بإعراب القرآن. والإعراب تابع للنظم.

    الآن إذا قلنا: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، ثم قال هو: الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:15-16]، نعرب المجيد بناءً على هذه القراءة مبتدأ، و(فعال لما يريد) خبر، ولكن نظم القرآن لا يساعده؛ لأن (ذو العرش) تبقى معلقة، فلا يصح في نظري مثل هذا وإن استملحه من استملحه من فضلاء الأئمة الذين أجزم يقيناً أنهم يستملحون هذا لهذا المعنى، لكن يغيب عنهم أو يغفلون عن الجانب الآخر.

    وفي هذا أمثلة كثيرة جداً: فمثلاً بعضهم يقف عند قوله سبحانه وتعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16]، ثم يقول: الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]؛ لأنه أصلاً في غالب الأسئلة يكون الجواب جزءاً من السؤال فيقفون بمثل هذا، وأذكر قديماً كنت وأخي الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري ندرس تفسير جزء عم في آخر سورة المطففين، وهي: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ [المطففين:34-35]، يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:35-36].

    وكنت أنا أجهل أن هذا فيه نوع من الإخلال بنظم القرآن، فلما قرأت كلام الطاهر بن عاشور أيقنت بأن مثل هذا الذي يفعله بعض الأئمة الآن بالنسبة لي أعتبره خطأ محضاً.

    كذلك قوله: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:1]، ثم أقول: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ [البينة:1-2]؛ لأنه يجعل البينة مبتدأ، والبنية في الحقيقة ليست مبتدأ.

    1.   

    الأسئلة

    الرابط بين قوله تعالى: (لعلكم تتفكرون) و(في الدنيا والآخرة) في سورة البقرة

    السؤال: قوله: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220]؟

    الجواب: هذه لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220] أمرها أسهل؛ لأن لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220] مرتبطة إعراباً بـ(تتفكرون) وليس فيها إشكال، نحن مشكلتنا في ارتكاب إعراب جديد، فالذي لاحظناه قبل قليل ارتكاب إعراب جديد ليس منصوصاً عليه؛ لأنه إخلال بالنظم، أما عندما يقول: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219] ثم يقف، ثم يقول: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220] فهذا أيسر من الكلام الذي قبله، والأولى عندي في قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219] الوقف؛ لأن الأصل في عد الآي التوقيف، والله سبحانه وتعالى لما وقّف النبي صلى الله عليه وسلم على رأس الآية فهذا التوقيف مقصود، وإن كان من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أيضاً مقصود، ولا شك إطلاقاً أن الأصل فيه أنه من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو متلقى من جبريل عليه السلام، وجبريل تلقاه عن الله سبحانه وتعالى.

    قاعدة في الوقف على ماله تعلق بما بعده من جهة الإعراب

    فـالطاهر بن عاشور يرى أن الآية لو ارتبطت بما بعدها من جهة الإعراب فالأولى الوقف؛ لأنها مقصودة، يعني: البديع هذا مقصود.

    ونقول هنا قاعدة عامة سواء في وقف التعانق أو في مثل هذه الأوقاف: لا يصلح لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219]، ثم أقول: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220]، إما أن تصل الجميع وإما أن تقطع.

    يعني بعضهم يقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] ثم يقول: لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، وهذا لا يصلح؛ لأنه يريد أن يجمع المعنيين، والصواب أن يقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] ويقف، ثم يقول: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].

    إذاً الذي يقع الخلل فيه: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2]، ثم يقول: فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، يعني: يكرر (فيه) مرتين في القراءة.

    فالذي عليه المحققون: أن (فيه) الظاهر هذا هو خبر (لا) النافية للجنس، وإلا يلزم منه أن يكون (فيه) الذي هو خبر (لا) النافية للجنس محذوفاً، يعني: لو أردنا أن نقرأ الآية بالتقدير (ذلك الكتاب لا ريب فيه فيه هدى للمتقين)، (ففيه) الأولى محذوف خبر (لا) النافية للجنس، و(فيه) الظاهرة تكون مرتبطة بقوله: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].

    والموضوع فيها يطول، لكن الصواب: عدم وجود التعانق في هذه الآية.

    وهذا كلامنا كلام نظري، وستجد كثيراً من السامعين الآن لا يدرك المعاني، فكيف إذا قطّعنا المعاني؟!

    يعني: كون المعاني تامة لا يدركها، فإذا قطعنا المعاني قد يقع عنده إشكال أكثر، فنحن كلامنا في الجانب العلمي، ولكن كون بعضهم يختار هذا، وهذا مذهب موجود وقرأ به بعض أئمة القراء للعناية بمقاطع الكلام، ونحن نتكلم فيما نرى أنه المذهب الأقرب إلى الصواب، ولكن المذهب الثاني موجود وفيه من يعمل به من العلماء، فإن ذهبت إليه فلا بأس، ولكن في مثل هذا الموطن وهو العناية بالمواقف، كما في قوله: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220] من أجل أن يتم المعنى، فهذا وجه حسن وعليه جماعة من العلماء من القراء وغيرهم.

    وإن ذهبت إلى الوقف على رءوس الآي فأنا أرى أنه لا بأس به، وقل أن يحدث إشكالاً، مثل قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، فهل أحد من العامة يفهم: أن (ويل للمصلين) أنه ويل لمن يصلي؟

    فقد يكون الوقف على مثل هذه المواطن من باب لفت الانتباه، إذا قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، لماذا؟ قال: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5]، أو غيرها من المواقف.

    لكنني أحب أن أنتبه إلى أن ما ذكره الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى مهم جداً في أن هذا من مقتضيات البلاغة.

    الوقف على قوله تعالى: (يا بني لا تشرك) ثم قراءة (بالله) على أنها قسم

    السؤال: قد يأتي بمعنى جديد مثل: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ [لقمان:13] ثم يقف، ثم يقول: بِاللَّهِ )) على أنها قسم إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟

    الجواب: هذا مخالف حتى لحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن في حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم: ( ألم تسمع إلى قول العبد الصالح: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] )، فلم يقل: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ [لقمان:13] ثم قال: بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، ولهذا نقول: لا بد من مراعاة الآثار في مثل هذا، وهي الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتفسير السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهذه قاعدة يجب أن ينتبه لها؛ لأن بعض الناس عندما يسمعنا نقول: السلف.. السلف، إذا أراد أن ينكر هذا يقول: من السلف؟ فنحن عندما نتكلم عن السلف في التفسير نقصد الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهم الذين ورد فيهم الحديث وهي ما تسمى بالقرون المفضلة.

    طبعاً هذا بناءً على جواز ذلك على من يقرأ بلا بسملة، فيصل آخر السورة بأول السورة التي تليها، هذا ليس فيه إشكال، فهو وجه من وجوه وصل السورة بالسورة.

    حكم البدء بماله تعلق بما قبله مثل: (في الدنيا والآخرة ...)

    تنبيه: البدء بمثل: فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:220] لا شك أنه ليس بحسن إطلاقاً؛ لأنه يعتبر بدء قبيح، لارتباطه بما قبله.

    وهذا يجب التنبيه له؛ لأن التحزيبات الموجودة عندنا الآن أي: الأجزاء، أحياناً تكون في مواطن غير تامة، ولهذا نجد مثلاً أئمة الحرمين يحرصون على إتمام الجزء إلى أن يقفوا على معنى تام.

    الوقف على قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ثم الابتداء بقوله: (عليكم ألا تشركوا)

    فمثلاً من القراءة الموجودة في الإذاعة: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ [الأنعام:151]، ثم يقول: عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا [الأنعام:151] من باب التحذير، وهذا مخالف لتفسير السلف، ولا يأتي واحد يقول: ما دام معنى لا يخالف تفسير السلف أو غيره فنقبله؛ لأن هذه القراءة فيها معنى جديد ولا نحتاج إليه، ولأن المعنى مذكور في تفسير السلف في هذه القراءة ومتضمن له، فإحداث هذا المعنى الجديد لا داعي له؛ وليس بصحيح.

    المقصود من ذلك: أن ننتبه عندما يقول: عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا [الأنعام:151] من باب التحذير: أنه عليكم ألا تشركوا، هو نفسه المدلول في قوله: تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام:151]، فالمعنى في النهاية واحد، فإذا كان المعنى واحداً فلا معنى لأن نجعل نظم القرآن على هذا الأسلوب وبهذه الطريقة.

    وهناك أمثلة كثيرة من طرائق القراء، أو الأئمة الذين نسمعهم خصوصاً في رمضان، فتسمع الختمة كاملة عند بعض الأئمة وتجده يتقصد بعض هذه من باب استثارة ذهن المصلين معه، وهو مقصد حسن، ولكن في نظري أن بعض المواقف فيها إشكال، مثل الذي ذكرنا قبل قليل.

    فجميع الوقوف اجتهادية

    كما قال ابن الجزري :

    وليس في القرآن من وقف وجب ولا حرام غير ما له سبب

    وأثر عن السلف عبارات في الوقوف، عن ابن عباس وعن الضحاك وعن عكرمة وعن الشعبي .. فمثلاً الشعبي يقول: إذا قرأت كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] فلا تسكت حتى تقرأ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، وهذا يشهد لمن يقول بتتبع المعاني؛ لأن قوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] رأس آية، وهذا مذهبه، و الشعبي من كبار التابعين.

    والسلف أيضاً في آية حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189] لهم عبارات فيها.

    وأيضاً في سورة الحديد عند قوله: الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ [الحديد:19].

    فلهم عبارات في الوقف والابتداء، ولكن هذه العبارات كانت عبارات عامة، وليست مثلما صارت فيما بعد، منها وقف تام، وكافي، وحسن، وقبيح، أو: صلي، وقلي، وجيم... إلى آخره، لا.

    فهذه موجودة عندهم، فكأننا نقول: إن أصول علم الوقف كانت موجودة، وكلامهم عن وقف السنة مشهور، وهو الوقف على رءوس الآي.

    فالوقوف التي لاحظنا بعضها قبل قليل، نجد عند المتقدمين شيئاً من بعض هذه الوقوفات التي يقال: إنها وقوفات مستقبحة أو مستبشعة.

    علاقة فواصل الآي بعلم تفسير القرآن

    السؤال: هذا المبحث الذي ذكره الإمام السيوطي في فواصل الآي يمكن أن يقال: إنه يندرج في علوم القرآن، ولا تعلق له بعلوم التفسير وأصوله، أرجو الفائدة؟

    الجواب: كونه من علوم القرآن هذا لا نختلف فيه، فيبقى هل له علاقة بعلم التفسير أو لا؟ نعم، لاحظنا من بعض الأمثلة أن له تعلقاً بعلم التفسير، فهناك بعض الأمثلة مرتبطة بالمعنى، وإذا ارتبط بالمعنى فله أثر في علم التفسير، وسبق ذكر بعض الأمثلة.

    كون مبحث فواصل الآي عقلياً أم نقلياً

    ويبقى عندنا: هل هو من المباحث العقلية أو النقلية؟ والجواب: أنه من المباحث العقلية، بمعنى أننا لا نجد فيه نقلاً عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من المباحث العقلية.

    فيكون عندنا مبحث عقلي وله ارتباط جزئي بعلم التفسير، فله ارتباط كما لاحظنا بعلم الوقف والابتداء من جهة، وله ارتباط بعلم البلاغة من جهة أخرى مثلما ذكر الطاهر بن عاشور ، وكونه من علوم القرآن هذا لا إشكال فيه.

    تنبيه: أي علم عندما نقول عنه: إنه عقلي، فإنه ليس عقلياً بحتاً، ولكن أغلب مسائله تكون عقلية، فالكلام عن أن هذه الفاصلة جاءت كذا، وهذه الفاصلة جاءت كذا.. مثل: عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:209]، وغيرها هل هي نقلية أو عقلية؟ هذا قصدي، وأما الكلام الذي ذكرناه قبل قليل فيما يتعلق بقضية الوقف فهذا استطراد مرتبط بعلم الوقف، وله ارتباط بعلم الفواصل من هذه الجهة.

    لعلنا نقف عند هذا، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756009105