إسلام ويب

حفظ الله للإنسانللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اقتضى عدل الله سبحانه أن يحفظ أولياءه في الدنيا والآخرة ما داموا ملتزمين الطريق الموصل إلى حفظه، وذلك بحفظ حدوده وفعل أوامره واجتناب نواهيه، وقد نبه سبحانه على ذلك عموماً ونبه على البعض خصوصاً لأهميته كالصلاة وحفظ الفروج، ومدح سبحانه الحافظين لحدوده وأكرمهم بالنعيم المقيم في الجنة.

    1.   

    طريق حفظ الله للإنسان

    الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده وصححه العلامة الألباني رحمهم الله جميعاً؛ في سلسلة الأحاديث الصحيحة عن التابعي الجليل حميد بن هلال رحمه الله, يروي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الطُفاوة, يعني: من قبيلة الطُفاوة يسكنون موضعاً بالبصرة، يقال له: الطُفاوة, يقول حميد : (كان رجل من الطفاوة يمر علينا -يعني: يمر على حيهم- فجاء الحي فحدثهم، وقال: أتينا المدينة -يعني: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فبعنا بياعتنا -أي: بعنا البيوع، وتخلصنا من البضائع التي كانت عندنا, وكانوا يأتونها حال كفرهم- قال: فقلت: لأنطلقن إلى هذا الرجل, يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلآتين من بعدي بخبره, أي: فأنقل خبره إلى القوم من ورائي, فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو يريني بيتاً ), يشير له إلى بيت ويقول له: ( هذا البيت كانت فيه امرأة خرجت في سرية من سرايا المسلمين ) أي: خرجت مع بعث من بعوث الجيش تخدم الجيش وتقوم على الجرحى والمرضى، ( وتركت في بيتها ثنتي عشرة عنزاً وصيصيتها ) الصيصية: الإبرة الكبيرة, السنارة التي تنسج بها، ( فقدت عنزاً من غنمها وصيصيتها, فقالت: يا رب, إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه, وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصيتي, قال عليه الصلاة والسلام: فأصبحت وعنزها ومثلها, وصيصيتها ومثلها), أصبحت في الصباح وقد رد الله عز وجل عليها العنز ورد عليها أخرى, ورد عليها الصيصية ورد عليها أخرى, ثم قال عليه الصلاة والسلام لهذا الرجل: ( وهاتيك ) يعني: هذه ليست غائبة, ها هي موجودة ( فاسألها إن شئت, قال الرجل: بل أصدقك يا رسول الله ).

    هذا الحديث العظيم فيه بيان هذا المعنى العظيم, وهو: حفظ الله عز وجل لهذا الإنسان ما دام هذا الإنسان مشتغلاً بحفظ حدود الله, وحفظ الله عز وجل لهذا العبد ما دام هذا العبد مشتغلاً بطاعة الله.

    هذه الوصية الجامعة التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك الصبي الصغير, وهي وصية لمن وراءه من الناس، وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لـابن عباس : ( يا غلام, إني أعلمك كلمات ), وفي بعض الروايات: ( كلمات ينفعك الله بهن ), لمن كان حريصاً على المنفعة, لمن كان حريصاً على حفظ دينه, وحفظ نسبه, وحفظ ولده, وحفظ ماله, وأهم من ذلك وأعظم حفظ آخرته, حفظ مستقبله الحقيقي, والحياة الحقيقية, من كان حريصاً على حفظ هذه المعاني كلها, فهذه هي السبيل الآمن, هذه هي الطريق المختصرة, ( احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك ), (احفظ الله يحفظك), هذه الكلمة الجامعة التي يتحقق بها كل ما يريده الإنسان ويتمناه, ماذا تريد؟ لماذا تسعى؟ لماذا تناضل؟ لماذا تتعب؟ ألا تتعب لحفظ مالك؟ ألا تتعب لحفظ ولدك؟ ألا تتعب لتؤمن مستقبلك؟ ألا تتعب لتريح نفسك؟ إذا أردت الراحة والدخول عليها من أوسع أبوابها بسبيل آمن مسلوك؛ فعليك بهذه الوصية الجامعة؛ ( احفظ الله يحفظك ), إذا حفظت الله فأنت موعود بكل خير عاجلاً وآجلاً, موعود بحفظ نفسك, فإن الله عز وجل يبعث عليك من يحفظك مساءً وصباحاً, وأوصاك النبي صلى الله عليه وسلم بأن تسأل الله تعالى هذا الحفظ في كل صباح وفي كل مساء فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول في كل صباح ومساء: ( اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة, اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي, اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي, واحفظني من بين يدي ومن خلفي, وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي, وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ), علمك عليه الصلاة والسلام أن تطلب الله عز وجل أن يحفظ عليك نفسك وأهلك ومالك ودينك, وأن يحفظك من مضلات الفتن, وأن يحفظك من الشرور كلها في كل صباح ومساء, وكذلك علمك أن تسأله هذا الحفظ إذا جئت إلى فراشك, فقال وهو يعلمنا كيف نقول إذا جاء أحدنا إلى الفراش: ( اللهم إن أمسكت نفسي ) يعني: قبضتها ( فارحمها, وإن أرسلتها ) أبقيتها حية وأرسلتها في عداد الأحياء ( فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ), أي: احفظها بالحفظ الذي تحفظ به عبادك الصالحين, الحفظ الذي يثمر سعادة الدنيا وسعادة الآخرة, الحفظ الذي يثمر راحة الدنيا ونعيم الآخرة, ليس كثرة المال, وليس كثرة الولد فحسب, بل حفظ الدين وحفظ الدنيا, ( فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ), هذا الحفظ يا أخي الكريم سبيله القريب أن تحفظ حدود الله, أن ترعى الله, أن تراقب الله, فتتأمل فيما أمر الله فتفعل, وتتفكر فيما نهى الله فتجتنب, وتتأمل فيما حد الله فلا تتجاوز, لا تقفز, لا تتعد, إذا فعلت هذا فأنت موعود بكل حفظ في هذه الدار وبعد الممات.

    1.   

    نماذج من حفظ الله لأوليائه في الدنيا

    أما في الدنيا فإن الله عز وجل يقص علينا في كتابه قصة ذلك الرجل الصالح, حين بعث نبيين من الأنبياء, وأحدهما واحد من الخمسة أولي العزم من الرسل؛ موسى عليه الصلاة والسلام من خيرة خلق الله, ومن أفضل خمسة خلقهم الله تعالى, أرسله الله من بلاد بعيدة, من أرض فلسطين في سفرة بعيدة رحلة شاقة إلى مسافات بعيدة؛ ليحفظ الله عز وجل به جداراً لرجل كان صالحاً في حياته, خبأ تحته كنزاً لولديه, أرسله الله مع نبي الله الخضر عليهما السلام, فقص علينا سبحانه وتعالى قيام هذين النبيين الشريفين الكريمين ببناء الجدار, ليسا من عمال الناس, وليسا من سفلة الناس, بل من خيار خلق الله, من أشراف خلق الله, وبعثهم الله في رحلة طويلة ليبنيا ذلك الجدار, لا لعلة, ولا لسبب؛ إلا ما قاله الله: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82], إنه حفظ الله لهذه الذرية, أنت تسعى وتكسب, وتهتم الليل والنهار, تريد بذلك سعادة الأبناء من بعدك, بل وبعضنا لسذاجة رأيه, ولحماقة عقله يرتكب أنواع المحرمات ويكتسب الأموال الطائلة من الربا, لا يبالي في أي أنواع المكاسب وقع, وهمه أن يحفظ لهذه الذرية رصيداً يؤمن به الحياة, نكب عن الطريق وانتكس عليه الصراط, وسلك غير المسلك, ولو أراد حفظ أبنائه وذريته لأيقن يقيناً بأنه لا يحفظهما بشيء كما يحفظهما باكتساب المال الحلال, وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ [الكهف:82], طاعتك لله, حفظك لحدود الله, قيامك بحقوق الله, به تحفظ ذريتك من بعدك؛ كما يروى عن سعيد بن المسيب حيث كان يخاطب ولده الصغير، ويقول: يا بني, لأزيدن في صلاتي ليحفظني الله عز وجل فيك, أي: أزيد من الصلاة وأكثر منها من أجل أن يحفظك الله عز وجل بعد مماتي بسبب هذه الصلاة, هذا هو طريق الحفظ, إذا أردت أن تحقق مصالحك على أتم الوجوه وأكمل المنافع؛ فأقرب طريق إلى هذا أن تحفظ وترعى حدود الله.

    وأبو الطيب الطبري رحمه الله؛ القاضي الشافعي المشهور, قفز يوماً من السفينة وعمره قد جاوز المائة, قفز من السفينة إلى البر ولم يتأثر بشيء, فعاتبه بعض الطلاب: لماذا تقفز هذه القفزة على كبر سنك, ربما انكسر لك عظم, أو أصابك مكروه, فقال: حفظناها في الصغر فحفظها الله عز وجل لنا في الكبر, أعضاء, حواس, عظام, حفظناها عن معصية الله فحفظها الله عز وجل لنا في الكبر, والواقع خير شاهد على هذا, نرى أكثر علماء الشريعة الذين حفظوا كتاب الله, ووعوا شريعة الله, نرى الواحد منهم في الثمانين, بل وفي التسعين, وفي المائة من عمره والقنوات خير شاهد على هذا, يتحدث بذاكرة واعية, وبقلب حاضر, يستحضر النصوص من الكتاب ومن السنة, وينقل لك الأخبار, ويحدثك عن التاريخ, ويستنبط لك الأحكام, بعد المائة من عمره, وتجد آخر في السبعين من عمره قد أصابه أنواع من الخرف, لا لشيء, إلا لأن هذه الأعضاء حفظت حال الصحة, حفظت حال الشباب, حفظت حال القوة, استثمرت في طاعة الله, كانت مسلطة على طاعة الله, فحفظها الله عز وجل في الكبر, ترى الواحد منهم في المائة والعشرين وهو يحدثك بعقل راجح, ورأي سديد, ولسان مصوب, وغيره يتحدث بأنواع الخرافات والأوهام, حفظوها في صغرهم, فحفظها الله عز وجل لهم في كبرهم.

    وفي المقابل كما يروى عن بعض السلف أنه رأى شيخاً كبيراً يتكفف الناس في الطريق, أي: يسأل الناس في الطريق, فقال كلمة هي حكمة, هذا ضيع الله عز وجل في شبابه, فضيعه الله عز وجل عند ضعفه, من اتقى الله حفظ نفسه, ومن ضيع أمر الله إنما يضيع نفسه, هذه الوصية من تأملها وتفكر فيها وجد فيها أبواب الخير مشرعة على أكمل الوجوه.

    ولهذا يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله عن هذا الحديث, يقول: تفكرت في هذا الحديث فأدهشني, أي: أصابني بالدهشة, ثم قال: فوا أسفاه على الجهل بهذا الحديث, وا أسفاه حين يجهل الإنسان الطريق التي توصله إلى حفظ الله, الطريق التي توصله إلى حفظ مقاصده ومراميه في دنياه وأخراه, كيف نحفظ الله؟ هذا ما ستسمعونه في الخطبة الثانية.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

    1.   

    جزاء الحافظ لحدود الله

    أخي الكريم! اعلم يقيناً بأن الحافظ لحدود الله هو الآمن يوم القيامة, الحافظ لحدود الله هو المفلح يوم القيامة, يوم يقوم الناس لرب العالمين, يوم يبعث الناس خائفين فزعين, يحشرون حفاة عراة غرلاً, يمشون تحت حر الشمس وقد قربت من رءوسهم على مقدار ميل المكحلة, وهم يتصببون عرقاً, بعضهم قد سال العرق فوصل إلى كعبيه, وبعضهم إلى ركبتيه, وبعضهم إلى حقويه, وبعضهم إلى ترقوته، وبعضهم قد ألجمه العرق إلجاماً, والحافظون لحدود الله في مأمن من ذلك كله, هكذا قال الله جل شأنه في سورة ق, وهو يتكلم عن الجنة والنار: يوم يلقى أصحاب النار في النار وتقول هل من مزيد, لا يزال فيَّ سعة, ولا يزال فيَّ مكان, فألقوا إلي المزيد من العصاة والمجرمين, يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30], وفي المقابل الصورة الأخرى, قال: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31], (أزلفت), يعني: قربت لهم الجنة, كيف تقرب الجنة؟ بعض العلماء يقول: تقرب الجنة بذاتها, والله على كل شيء قدير, وبعضهم يقول: يقرب أهلها منها فيحشرهم الله عز وجل على مقربة من الجنة حتى لا يتعبوا في السعي إليها, حتى لا ينصبوا في المسير إليها, حتى لا يشق عليهم الذهاب إليها, (أزلفت) قربت إليهم, وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31], وهذا تأكيد لما سبق, وأنها في مكان قريب, هي قريبة منا اليوم, وقريبة منا غداً إن كنا من أصحابها, إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:6-7], وكل ما هو آت قريب:

    هَذَا مَا تُوعَدُونَ [ق:32], يبشرون, ويقال لهم هذا القول؛ ليزداد فرحهم ولتكمل مسرتهم, بعد أن رأوا إكرام الله لهم, يحشرهم قريب الجنة, دون عناء, ولا مشقة, ولا نصب, ولا كد, يقال لهم مع هذا مقولة الإكرام, مقولة التهنئة, مقولة التبشير: هَذَا مَا تُوعَدُونَ [ق:32], هذا الذي كنا نعدكم في الدنيا, هذا الذي كنا نمنيكم في الدنيا, هذا الذي كنتم تقرءونه في كتاب الله, وتسمعونه على المنابر, ويبلغكم رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذا ما توعدون, لمن؟ من الذي ينال كل هذا؟ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق:32], الحفيظ: الحافظ لحدود الله, الذي كان مراعياً لحق الله, فيحفظ الله في كل ما يأمر وينهى, مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:33], هذه الخصلة, وهي حفظ حدود الله بعيداً عن أعين الناس, هذه الخصلة وهي القيام بحقوق الله دون أن يراك أحد من الناس, أن تراقب الله فتمتثل ما أمرك, وتجتنب ما نهاك, ولا يراك أحد من الناس, أن تحفظ الله في المغيب, هذه الخصلة هي عنوان الصلاح, هي عنوان التقوى, إن كنت من المتقين فهذه أبرز صفاتهم, أهم علاماتهم. ووصف الله الزوجات, النساء الصالحات, بهذه الخصلة العظيمة, فقال: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34], يعني: مطيعات لله, مطيعات للأزواج, فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34], تحفظ حدود الله, وتحفظ حقوق الزوج حين لا يراها أحد من الناس, حين الغيب, حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34], أي: بالحفظ الذي أمر الله عز وجل به أن تحفظ هذه الحدود, من رزق هذه الخصلة فقد فتحت له أبواب السعادة, ومُكِّن من الخير من أوسع أبوابه.

    فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدينا لأحسن المقال, وأن يوفقنا لأحسن الأعمال, وأن يأخذ بأيدينا إلى كل خير, ويعصمنا من كل شر وضير, اللهم يا حي يا قيوم, برحمتك نستغيث, أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين, اللهم يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين, أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا, وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا, اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات, اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه, وافتح للموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه, اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين, واخذل الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201], وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    معالم حفظ العبد لربه

    حفظ الصلاة كما أمر الله

    الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! حفظ الله ليس أمنيات نتمناها, إذا سمعنا منينا أنفسنا بأننا من الحافظين, بل حفظ الله حده الله في كتابه, فأمرنا بحفظ حدوده عموماً, وذكر سبحانه وتعالى عبادات خاصة, وأموراً خاصة؛ لشديد أهميتها, أفردها سبحانه وتعالى بالذكر, وأكد بالأمر بحفظها, أمرنا بحفظ حدوده جملة وبشرنا إن فعلنا ذلك, فقال في الآية الطويلة في سورة التوبة: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112], بشر المؤمنين إن هم حفظوا حدود الله, قال: وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35], حفظ لحدود الله كلها, فكل ما أمر الله عز وجل به فيفعل, وكل ما نهى الله عز وجل عنه فيجتنب, لكن هناك أمور لشديد الاعتناء بها أفردها الله بالذكر أهمها الصلاة, عماد الدين, وركن الإسلام الركين, من ضيعها كان لما سواها أضيع, ومن حفظها كان لما سواها أحفظ, الصلاة أفردها الله بالحفظ في كتابه مرة بالأمر, فيقول سبحانه وتعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238], يعني: صلاة العصر, وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238], ومرة بالوعد بالثواب لمن امتثل هذا الأمر، فيقول: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ [المؤمنون:9-11], فالحفاظ على الصلاة بأن تؤديها في وقتها, وأن تحافظ على شروطها, فتتطهر لها كما أمرك الله, وتؤدي أركانها وواجباتها كما أمرك الله, فتحافظ عليها من هذه الناحية, وتحافظ على قلبك فيها, فالمحافظون على الصلاة موعودون بجنة الفردوس.

    حفظ اللسان والفرج

    ومن الأمور التي كلفنا الله عز وجل بحفظها: حفظ اللسان, وحفظ الفرج, وهما البوابتان العظيمتان إلى الجنة, أو البوابتان العظيمتان إلى النار, فقال عليه الصلاة والسلام: ( من يحفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ), احفظ لسانك, فلا تتكلم إلا بخير, واحذر أن تتكلم باللغو, احذر أن تتكلم فيما لا تدري ما معناه, احذر الاستهزاء, احذر المزاح بما يغضب الله, احذر كل كلمة حرمها الله, فقد قال عليه الصلاة السلام: ( رب كلمة لا يلقي لها الإنسان بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً ), أي: سبعين سنة وهو يهوي في نار جهنم والعياذ بالله, لو رمينا بحجر من أعلى قمة في الدنيا لوصلت إلى الأرض في دقيقة أو أقل من الدقيقة؛ فكم بعد قعر جهنم؟ كم هي المسافة بين أعلاها وأسفلها؟ كم هو البعد السحيق بين أعلاها وبين واديها الأسفل؟ والإنسان يهوي فيها سبعين سنة يتردى في دركاتها بسبب كلمة قالها لم يحسب لها حساباً, ولم يعط لها بالاً, ( رب كلمة لا يلقي لها الإنسان بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً ), احفظ فرجك عما حرم الله تضمن لك الجنة, وهذه وصية القرآن, والله عز وجل في كتابه في غير موضع يأمر بحفظ الفروج, ويمدح الحافظين للفروج, ويعد سبحانه وتعالى الحافظين للفروج بالأجر الجزيل, يقول تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30], فالطهارة والزكاة, والنماء, والسعادة في حفظ فرجك في هذه الدنيا, ولرحمة الله عز وجل بنا أمرنا بأن نحفظ المقدمات لحفظ الفرج؛ وهو حفظ العين, العين إلى ماذا تنظر؟ ماذا تشاهد؟ احفظ عينك لتكون مقدمة لحفظ فرجك, قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31], هذه البلية التي ابتلينا بها اليوم, هذه المصيبة التي وقعت في ساحتنا اليوم, مصيبة النظر إلى ما حرم الله, والتي تجر كثيراً من الناس في أحيان كثيرة إلى الوقوع في ما حرم الله عز وجل على الفرج, الوقوع في معصية الله بسبب النظر آفة عظيمة أصيب بها كثير من الناس, يا من كان حريصاً على حفظ دينه! يا من كان حريصاً على إرضاء ربه! احفظ بصرك عما حرم الله, قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30], البصر بريد القلب ورسوله فكل ما وقع عليه النظر تمناه القلب وتعلق به, وكما قال الشاعر:

    وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

    رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

    (العين تزني وزناها النظر), واليد تزني, والأنف تزني, واللسان يزني, كل هذا زنا محرم, لكن أعظم الزنا زنا الفرج, قال: ( والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ), إذا أردت أن تحفظ نفسك من مساخط الله؛ احفظ عينك عما حرم الله, اتق الله, واحفظ ولدك, لا يقع ولدك بسببك فيما حرم الله, راقب ما الذي يشاهده الأبناء والبنات في البيت, ماذا تنقل إليهم القنوات, وماذا يشاهدون في الشات والإنترنت والحجر المغلقة المظلمة, ما الذي يتأمل فيه الأبناء والبنات, احفظ الله في هؤلاء الأبناء حتى يحفظك الله أنت عاجلاً, ويحفظ هذه الذرية من بعدك, قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30], فالزكاة والطهارة والفلاح في هذه الدنيا بحفظ حدود الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755796751