إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب النكاح [19]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قد تتضرر المرأة بالبقاء تحت زوجها بسبب إيذائه لها، أو كراهيتها له أو غير ذلك، وقد جعل لها الشرع أن تتخلص من ذلك بالخلع، فتفتدي نفسها بما يتراضيان عليه من العوض، وتبين منه بالمخالفة، وهل الخلع طلاق أم فسخ؟ خلاف بين الفقهاء يترتب عليه آثار في العدة وعدد الطللقات وغير ذلك.

    1.   

    إجابات أسئلة البرنامج والتعليق عليها

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد العلمية! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية, حيث يشرح ضيفنا من خلاله كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله, فنرحب في بدء هذا اللقاء بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية, فباسمكم جمعياً نرحب بالشيخ عبد الله , فأهلاً ومرحباً بكم.

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين.

    المقدم: ترحبينا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم ونشكركم على هذا التواصل المبارك.

    ونسعد كثيراً بكم في هذه الحلقة, وبمداخلاتكم الهاتفية, أما التواصل عن طريق شبكة الإنترنت, فنظراً لوجود عطل في الشبكة نعتذر عن استقبال أسئلتكم، وكذلك عن استعراض إجابات سؤال الحلقة الماضية.

    وهذه مقدمة أيضاً نعتذر من خلالها لكم -يا شيخ- عن عدم استعراض الإجابات, وأيضاً ما طلبتموه من الإخوة في الدرس الماضي.

    الشيخ: الحرج مرفوع, والسبب في هذا هو العطل الذي حصل في الشبكة, ولا يستطيع الإخوة أن يتفادوا هذا الأمر, ولهذا تكون المداخلة من الإخوة عبر الهاتف إن شاء الله.

    ولعل هذا الدرس يكون آخر درس إن شاء الله, إذا كنا قد أنهينا باب الخلع, وبالتالي نرجو من الإخوة أن تكون مداخلاتهم قريباً من انتهاء الدرس, حتى يتسنى لنا شرح هذا الكتاب كاملاً، والله أعلم.

    المقدم: إذاً نطلب من الإخوة الراغبين في المداخلة معنا في هذا الدرس أن يرجئوا الاتصالات أو الأسئلة إلى ما بعد منتصف هذا الدرس, حتى يتسنى للشيخ بإذن الله تعالى إكمال هذا الجزء المقرر, ونفتح المجال بإذن الله تعالى لأسئلتكم, نستأذنكم يا شيخ عبد الله في القراءة.

    الشيخ: تفضل.

    1.   

    أحكام الخلع

    المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ باب الخلع:

    وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وخافت ألا تقيم حدود الله في طاعته, فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه, ويستحب ألا يأخذ منها أكثر مما أعطاها, فإن خلعها أو طلقها بعوض بانت منه, ولم يلحقها طلاقه بعد ذلك وإن واجهها به, ويجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون صداقاً وبالمجهول, فلو قالت: اخلعني بما في يدي من الدراهم, أو ما في بيتي من المتاع ففعل صح, وله ما فيهما, فإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم, وأقل ما يسمى متاعا, وإن خالعها على عبد فخرج معيباً فله أرشه أو رده وأخذ قيمته, وإن خرج مغصوباً أو حراً فله قيمته, ويصح الخلع من كل من يصح طلاقه, ولا يصح بذل العوض إلا ممن يصح تصرفه في المال ].

    تعريف الخلع لغة واصطلاحاً

    الشيخ: جزاك الله خيراً, بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    فهذا هو باب الخلع, والخلع بضم الخاء, مأخوذ من النزع والإزالة, تقول: خلعت الثوب, أي نزعته وأزلته من جسدك.

    وهو في الاصطلاح: فراق الزوجة على عوض منها أو من غيرها.

    الأدلة من القرآن على مشروعية الخلع

    الشيخ: وأما مشروعيته فإنه ثابت في الكتاب والسنة, وقول عامة أهل العلم, وإن خالف بعض أهل العلم في ذلك.

    أما الكتاب فقول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], وتفسير هذه الآية: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله, وحدود الله هي ما يجب لكل واحد من الزوجين على الآخر, فإن حدود الله هي الواجبات التي أوجبها الله سبحانه وتعالى في الشرع, ومن المعلوم أن رباط الزوجية رباط وثيق, وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21], وهذا الميثاق الغليظ له واجبات أوجبها الشارع الحكيم, مثل النفقة والكسوة والمبيت والسكنى للمرأة, وكذلك معاشرة الزوجة وبذلها نفسها لزوجها؛ لأن ذلك من واجبات النكاح.

    فإذا خشيت الزوجة ألا تقيم حدود الله, أي ألا تقيم الواجبات المنوطة بها من حقوق الزوجية, فإنها لها أن تفتدي نفسها.

    والافتداء هنا سمي افتداء في الشرع؛ لأنها تفتدي نفسها من زوجها لكي يفارقها, كالأسير يفتدي لأن يطلق سراحه, ومن المعلوم أن المرأة في يد زوجها في حكم الأسير, فليس لها أن تخرج إلا بإذنه, كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإنهن عوان عندكم)، بمعنى أسيرات.

    وقوله تعالى: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], أي: فيما دفعته لتفتدي به نفسها فيما دفعته, هذا الإطلاق يفيد أن لها أن تفتدي بما شاء وشاءت, سواء كان قليلاً أو كثيراً, ولم يحدد الشارع, والقاعدة الفقهية أن ما أطلقه الشارع فإن تقييده يحتاج إلى دليل, ولا دليل صحيح في هذا الباب.

    ولهذا جاء عند أهل السنن كـابن ماجه وغيره, عن الربيع بنت معوذ أنها قالت: إني خالعت زوجي على مقدار عقاص من الرأس, يعني مقدار عقاصها الذي في رأسها, فقضى به عثمان رضي الله عنه, فهذا يدل على القليل.

    الأدلة من السنة على مشروعية الخلع

    الشيخ: أما من السنة فقد جاءت أحاديث, وأصح شيء في الباب ما جاء في صحيح البخاري و مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه: أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي بعض الروايات أن اسمها جميلة قالت: (يا رسول الله! ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق, غير أني أكره الكفر في الإسلام) أي: أكفر كفر العشير, يعني أكره أنه مهما بذل لي من الخير فإنني لا أطيقه ولا أتحمله ولا أحبه منه.

    قال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم), هذا هو الحديث, وهذا هو الصحيح في هذا الحديث.

    وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم, وزيادة, قال: أما الزيادة فلا).

    وهذا الحديث في سنده ضعف, قال الترمذي: هذا حديث حسن, والترمذي إذا قال في الحديث إنه حسن فإنه ليس إسناده بذاك, وإن كان ظاهر إسناده الصحة, فقد رواه أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان به.

    وجاء مرسلاً بإسناد صحيح إلى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأما ما زاد فلا), كما رواه البيهقي، ولكنه مرسل من قول عطاء .

    وفي بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة), وهذا الحديث يذكر كثيراً أنه رواه البخاري في صحيحه, ولكن البخاري رواه ليس رضاء به, ولكن لبيان ضعفه, ولهذا قال: حدثنا أزهر بن جميل حدثنا عبد الوهاب الثقفي , حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس , ثم ذكر الحديث وقال: ( وطلقها تطليقة ), قال: لا يتابع على هذه الرواية عن ابن عباس, فهذا يدل على أن البخاري حينما ذكر هذا الحديث إنما ذكره على سبيل الضعف.

    ثم قال: حدثنا إسحاق الواسطي , حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس: (وأمره أن يطلقها), ثم قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    فهذه الروايات يذكرها الفقهاء (وأمره أن يطلقها) وهذا رواه البخاري, وكذلك رواية: (وطلقها تطليقة), قالوا: رواها البخاري , نعم البخاري رواه موصولاً, ولكن رواه لبيان ضعفه, بدليل قوله في الأول: لا يتابع عليه, والثاني قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فرجح البخاري أن لفظة الطلاق من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي ضعيفة من حديث أزهر ومرسلة, هذا هو الصواب.

    ورواه البخاري رضي الله عنه ورحمه بإسناد صحيح عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس وقال: (وأمره أن يفارقها), ولم يذكر لفظة الطلاق, هذه هي الأحاديث.

    وجاء عند ابن ماجه من حديث ابن عباس: (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة), وهذا الحديث ضعيف.

    أنا جمعت لكم الأحاديث يا إخوان, حتى إذا قلنا هذا حديث ضعيف, وقد سبق أن ذكرناه يسهل علينا الرجوع إليه.

    فهذا الحديث: (وأمرها أن تعتد بحيضة), حديث ضعيف, ضعفه الإمام أحمد و ابن معين و النسائي؛ لأن في سنده عمرو بن مسلم الجندي رواه عن عكرمة عن ابن عباس , و عمرو بن مسلم الجندي ضعيف كما ضعفه الإمام أحمد و ابن معين و النسائي رحمهم الله جميعاً.

    وجاء في بعض الروايات ألفاظ ليست صحيحة, قالت جميلة : والله لولا مخافة الله لبصقت في وجهه إذا دخل علي, وهذا الحديث ضعيف؛ رواه الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, ولا يعول عليه, ويذكره بعض الفقهاء, وليس بجيد.

    الحكمة من مشروعية الخلع

    الشيخ: وأما الحكمة من مشروعية الخلع, فهو تخليص الزوجة من زوجها على وجه لا رجعة له فيها إلا برضاها وعقد جديد.

    فالخلع هو تخليص الزوجة نفسها من زوجها على وجه -يعني بعوض- لا رجعة له عليها إلا برضاها وعقد جديد, وعلى هذا فلو خالعها وهي ما زالت في عدتها, فإنه ليس له أن يراجعها بعد ذلك, إلا برضاها وعقد جديد.

    وهذا هو قول ابن عباس و عبد الله بن الزبير , ولا يعلم لهما مخالف كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله.

    الخلع المكروه والمحرم والجائز

    الشيخ: والخلع إما أن يكون مكروهاً, ومثاله: إذا كانت حالة الزوجين مستقيمة, فإن طلب ذلك إما أن يكون محرماً أو مكروها, هذا هو مذهب الحنابلة.

    واستدلوا على ذلك بما جاء عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة), وهذا الحديث إلى الحسن أقرب, ورواه أبو أسماء الرحبي عن ثوبان , والبخاري يصحح مثل هذا الإسناد.

    وذهب جمهور الفقهاء كالمالكية والشافعية والحنفية, ونسبه ابن هبيرة إلى الأئمة الأربعة، قال: واتفقوا على جواز الخلع في حالة استقامة الزوجين؛ لقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4], قالوا: فإذا بذلت المرأة عوضها طيبة به نفسها فلها ذلك.

    والأقرب والله أعلم أنه لا ينبغي الخلع إذا كانت حالة الزوجين مستقيمة, ولا يسوغ أن يسهل الوالدان هذا العقد بأن يطلب الوالد من القاضي -ولو كانت الزوجة غير راضية- أن يطلب الخلع بعلل واهيات, وحجج باطلات؛ لأن رباط الزوجية وما يترتب عليه ينبغي احترامه.

    إلا أنه يستحب للزوج أن يقبل الخلع إذا تأذت المرأة ببقائها معه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاءت جميلة امرأة ثابت فقالت: يا رسول الله! والله ما أعيب على ثابت في خلق ولا دين, ولكني أكره الكفر في الإسلام, وفي رواية ابن جرير قالت: رأيته دميماً قصيراً ولا أرتاح له, وهذا الحديث في سنده بعض الضعف؛ لأن في سنده الحجاج بن أرطاة .

    على كل حال إذا كرهت المرأة وتأذت ببقائها معه, فينبغي للزوج أن يقبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـثابت: ( اقبل الحديقة ), فهذا دليل على جواز واستحباب أن يقبل, وأقل ما تفيده الأوامر الاستحباب.

    أما إذا كانت المرأة تتضرر ببقائها معه، مثل أن يكون غير عفيف, أو لا يؤدي حقها في المعاشرة, أو يكون سيئ الخلق, بأن يضربها أو مدمناً, وطلبت الخلع فمنع حتى تفتدي نفسها، فهذا ظلم لها, وهذا هو الأقرب، والله أعلم.

    قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة, أن تكون المرأة كارهة للزوج تريد فراقه, فتعطيه الصداق أو بعضه فداء لنفسها كما يفتدي الأسير, وأما إذا كان كل منهما مريداً لصاحبه, فهذا الخلع محرم في الإسلام, فـابن تيمية يرجح مذهب الحنابلة ويخالف مذهب الجمهور.

    إذا ثبت لنا هذا وبينا الأحاديث الواردة في هذا, فلنشرح باب الخلع, قال المؤلف: (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل, وخافت ألا تقيم حدود الله في طاعته، فلها أن تفتدي نفسها منه), يعني: ولها مندوحة أن تفتدي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاتب امرأة ثابت حينما طلبت الخلع .

    الخلع حق للمرأة أم للزوج

    الشيخ: وهل الخلع حق للمرأة أم حق للزوج؟

    الأقرب والله أعلم أنه حق للمرأة, إلا أنه لا يسوغ ولا يجوز لها أن تطلبه في حال استقامة الزوجية, ورضاهما, واعتدال مزاج كل واحد مع الآخر, فإن ذلك مؤذن بخراب الأسر، والشارع الحكيم أمر ببقاء الأسرة, ونهى عن التسرع في الطلاق, مما يدل على أن الشارع الحكيم يراعي بقاء الأسرة أيما مراعاة.

    المقدم: عفواً يا شيخ عبد الله ! ذكرتم قبل الدخول في باب الخلع, أن المرأة إذا كانت تتضرر من زوجها, قد يكون مثلاً يضربها أو أنه مدمن مخدرات أو غير ذلك, فهل تلجئ إلى الخلع, أم أنها تلجئ إلى الفسخ مثلاً؟

    الشيخ: أحياناً تطلب الفسخ, لكنها ليس عندها أدلة بأن زوجها يضربها, أو لا يعطيها حقها, فلا تستطيع أن تجد أدلة على هذا, فتطلب أن تفتدي نفسها.

    1.   

    مقدار عوض الخلع وخلاف الفقهاء فيه

    الشيخ: يقول المؤلف: (فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه), هذا الكلام يفيد مسائل:

    المسألة الأولى: أن لها أن تطلب الخلع إذا خشيت ألا تقيم حدود الله في حق زوجها عليها, هذا واحد.

    القول الأول في مقدار عوض الخلع

    الشيخ: المسألة الثانية: أن لها أن تفتدي منه بما بذلت, قل أم كثر, سواء كان مثل المهر أو أكثر منه؛ لقوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], وهذا هو القول الأول, وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والمعتمد عند الشافعية, أن الخلع بما زاد على المهر جائز بلا كراهة, ودليلهم في هذا أولاً:

    قالوا: لقوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], والإطلاق يفيد العموم, أي مثل المهر أو أكثر منه أو أقل, والقاعدة الفقهية تقول: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال, هذا هو القول الأول.

    القول الثاني في مقدار عوض الخلع

    الشيخ: القول الثاني: هو مذهب الحنابلة, وهو الكراهة إذا زاد على مهر المثل مع الجواز, ولماذا قالوا هذا؟ قالوا: أما الجواز فللآية: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], وأما الكراهة فلما جاء في بعض الروايات أنه قال: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم وزيادة, قال: أما الزيادة فلا), وهذا الحديث قلنا إن في إسناده ضعفاً, والأقرب والله أعلم أنه مرسل, كما قلنا إنه عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم, والأحاديث في هذا الباب ضعيفة.

    القول الثالث قيمة مقدار عوض الخلع

    الشيخ: القول الثالث: التحريم, وهو رواية عن الإمام أحمد، وهذا ليس بصحيح, ولهم أدلة لكن ليس هذا مجالها, لكننا نقول: الراجح والله أعلم الجواز من غير كراهة, شريطة ألا يكون المال كثيراً بحيث يصعب على المرأة أن تفتدي نفسها بذلك, مثل أن يطلب مليون ريال, فهذا ضرر عليها, وهنا لابد أن يتدخل القاضي ليعدل بينهما, والصلح خير, فيعدل بينهما القاضي ويعطيه زيادة على المهر, لكنه بحيث لا تتضرر المرأة, ولا يشق ذلك عليها, أو بحيث تعجز أن تفتدي نفسها؛ لعدم وجود المال, فهذه هي القاعدة, الأصل الجواز إلا إذا كان هذا المال تتضرر الزوجة به, أو يجعلها لا تستطيع أن تخالعه بذلك.

    حكم إدخال الزوج تكاليف حفل الزواج في عوض الخلع

    المقدم: يا شيخ عبد الله! في الوقت الحالي أحياناً يكون المهر محدداً ومعروفاً, أيضاً تكاليف المهر من حفل أو كذا, إذا أحب الزوج أن يدخل هذا فهل يجوز ذلك؟

    الشيخ: لا مانع, هذا هو القصد, أن المهر مثلاً خمسون ألفاً, تكلف هو زيادة ثلاثين ألفاً وقال: أريد ثمانين ألفاً، فلا حرج, لكننا نقول: الأولى ألا يزيد على الخمسين, يعني ألا يزيد على المهر؛ ولهذا قال ميمون بن مهران رحمه الله: من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان!

    وينبغي للزوج إذا رأى المرأة قد كرهت أو تضررت منه ولا تريده بأي حجج واهيات أو غيرها أن يطلقها, وهذا من كرمه ونبله, (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بنت الجون, فحسدتها جاراتها وقريباتها, وقلن لها: إذا دخل عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: أعوذ بالله منك! فلما دخل عليها صلى الله عليه وسلم واقترب منها قالت: أعوذ بالله منك), أي قلن لها: إذا أردت الحفاوة برسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن يزيد حبه لك, فإذا اقترب منك فقولي: أعوذ بالله منك, فلما اقترب منها قالت: أعوذ بالله منك, قال: ( لقد عذت بعظيم, الحقي بأهلك ).

    وهذا من كرمه عليه الصلاة والسلام, وقد بذل لها من المال ما بذل, فلما قيل لها: إن رسول الله طلقك, قالت: أنا كنت أشقى. كما جاء في الصحيح؛ ولهذا نقول: الأولى بالزوج أن يكون كريماً وفياً، كما قال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229], وهذا من الإحسان كما قال ميمون بن مهران .

    يقول المؤلف: (ويستحب ألا يأخذ منها أكثر مما أعطاها).

    وهذا بناء على صحة الحديث الوارد في هذا الباب, وقلنا: رواه ابن ماجه , والصواب أنه ضعيف, وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا فالأقرب هو مذهب الجمهور, أنه يجوز شريطة ألا تتضرر المرأة بذلك, أو يكون هذا المال الكثير سبيلاً يمنعها من وقوع الطلاق, أو من وقوع الخلع.

    1.   

    مذاهب العلماء في كون الخلع طلاقاً أو فسخاً

    الشيخ: يقول المؤلف: (فإذا خالعها أو طلقها بعوض بانت منه):

    هذه المسألة: هل الخلع بعوض يكون طلاقاً بائناً, أم يكون فسخاً, أم فيه تفصيل؟ ثلاثة أقوال:

    القول الأول أن الخلع طلاق بائن

    الشيخ: القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والمعتمد عند الشافعية, ورواية عند الحنابلة إلى أن الخلع طلاق بائن, سواء كان بلفظ الخلع, أو بلفظ الفسخ، أو بلفظ الطلاق, وعلى هذا فتعتد المرأة ثلاث حيض, أو ثلاثة أطهار على الخلاف الوارد في مسألة القروء.

    واستدلوا على ذلك بما جاء في رواية البخاري: (وطلقها تطليقة), وهذا الحديث -كما قلنا- ضعيف لأنه أخطأ فيه أزهر بن جميل ولا يتابع عليه.

    وأما الرواية الأخرى: (وأمره أن يطلقها), فقد رواه البخاري وقلنا الصواب إنه مرسل, فإن البخاري قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فلا تصح لفظة الطلاق كما مر معنا, على هذا فهذا القول مبني على صحة الرواية, والرواية ضعيفة.

    القول الثاني: أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق وبغيره فسخ

    الشيخ: القول الثاني: للحنابلة، وهو المذهب: إن خالعها بلفظ الطلاق صار طلاقاً, وإن خالعها بلفظ الفسخ أو المفارقة أو المخالعة صار فسخاً, هذا المذهب عند الحنابلة.

    والدليل على هذا قالوا: فإن خالعها بلفظ المخالعة, فإنه صح عن ابن عباس أنه قال: هي فسخ, وإن كان بلفظ الطلاق فإن لفظ الطلاق يصيره طلاقاً, سواء كان بغير عوض أو بعوض، فإن العوض لا يغير من صريح الطلاق شيئا.

    القول الثالث: أن الخلع فسخ

    الشيخ: القول الثالث: وهو المنقول عن أحمد وقدماء أصحابه كما قال أبو العباس بن تيمية, وهو الراجح والصحيح عن ابن عباس كما روى ذلك عبد الرزاق و البيهقي : أن ابن عباس رضي الله عنه قال: كل شيء أجازه المال فليس بطلاق, وهذا الحديث رواه عبد الرزاق وسنده صحيح.

    وهذا هو الراجح والله أعلم: فهو أن الخلع فسخ سواء كان بلفظ الطلاق أم كان بلفظ الفسخ أو الخلع, قالوا: لأن وجود المال هو بحد ذاته افتداء وبذل للعوض, ودليل ذلك قالوا: أن الله قال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229], ثم قال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], وهذا هو الخلع، ثم قال سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ [البقرة:230], فذكر طلقتين ثم الخلع ثم طلقة, فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً, وهذا صح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فسر هذه الآية بأنه خلع, وهذا هو الأقرب والله تبارك وتعالى أعلم, أي هذا هو الراجح، والله أعلم.

    وعلى هذا فإذا قلنا إن الخلع أو بذل العوض من قبل الزوجة لزوجها فسخ, سواء كان بلفظ الطلاق أم لا, وعليه فإن الراجح أن المفسوخة تعتد بحيضة لاستبراء الرحم, والحديث الوارد فيه: ( فأمرها أن تعتد بحيضة ), قلنا في سنده عمرو بن مسلم الجندي وهو ضعيف, إلا أن القاعدة: أن ما لم يكن طلاقاً فإنه يستبرأ بحيضة, كما صنع علي رضي الله عنه في الجارية, وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم (في جواري وسبايا أوطاس أن يستبرأن بحيضة), والحديث فيه صحيح.

    ثمرة الخلاف في كون الخلع طلاقاً أو فسخاً

    الشيخ: ثمرة الخلاف أننا إذا قلنا إنه فسخ، فلو فسخها بخلع ثم أعادها بعقد جديد, ثم فسخها ثم أعادها عشرين مرة فله ذلك, وإذا قلنا إنه طلاق فلا يسوغ له أن يخالعها أكثر من ثلاث, وتحسب عليه, فلو خالعها ثم تزوجها؛ ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها بانت منه, بناء على أن الخلع طلاق, والله أعلم.

    المختلعة لا يلحقها طلاق ولا رجعة للزوج عليها

    الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (ولم يلحقها طلاقه بعد ذلك وإن واجه به), يعني بذلك أنه متى ثبت الخلع سواء قلنا إنه طلاق أو قلنا إنه فسخ, فلا يسوغ له أن يراجعها ما دامت في عدتها, ولا يسوغ لو طلقها أن يعتبر طلاقاً؛ لأنه طلاق في غير محل ملك؛ لأنه لا يملك الزوجة بعقد, فإنه كما لو طلق أجنبية, وهذا هو قول ابن عباس و ابن الزبير ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة, والله أعلم.

    1.   

    صفة عوض الخلع وما يجوز فيه وما لا يجوز

    جواز الخلع بما يصلح صداقاً وبالمجهول

    الشيخ: يقول المؤلف: (ويجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون صداقاً وبالمجهول):

    الآن المؤلف دخل في عوض الخلع, فبين رحمه الله أن الخلع يجوز بما جاز أن يكون صداقاً, وقد ذكرنا أنه

    يجوز الصداق بكل ما جاز أن يكون مالاً أو ثمناً, وعلى هذا فيجوز الخلع بسيارة, ويجوز الخلع بالذهب الذي بذلته, ويجوز الخلع بمنفعة, ويجوز الخلع بمركب, ويجوز الخلع بتذكرة طيران, ويجوز الخلع بغير ذلك ما دام مالاً.

    بل يجوز الخلع بالمجهول, كأن تقول المرأة: خالعتك بما في يدي وهو لا يعلم ما في يدها، فيجوز, شريطة أن يكون هذا الشيء يمكن أن يصدق عليه أن يكون مالاً, قال أهل العلم: لأن الخلع إسقاط لحق الزوج من البضع, وليس فيه تمليك, وما كان فيه إسقاط فيتسامح فيه ما لا يتسامح في المعاوضات.

    المقدم: وهل يسمى غرراً يا شيخ؟

    الشيخ: لا يسمى غرراً؛ لأنه نوع من الإسقاط, وهذا فيه فائدة يا إخوان: أن الحقوق المكتسبة التي يسمونها حقوق الارتفاق, مثل حقي في الهاتف, أو حقي في التقديم في شركة وغير ذلك, يجوز أن أتنازل عنه وأضعه لك بمبلغ من المال, سواء حصل لك أو لم يحصل؛ لأن هذا نوع من الإسقاط والمصالحة لا على وجه العوض, كما ذكر ذلك صاحب كشاف القناع البهوتي رحمه الله.

    إذا قالت: اخلعني بما في يدي أو ما في بيتي ففعل

    الشيخ: على هذا فيجوز بالمجهول كما قال المؤلف: (فلو قالت: اخلعني بما يدي من الدراهم, أو ما في بيتي من المتاع ففعل صح), فعلى هذا فيجوز بالمجهول.

    حسناً! وما الحكم؟ يقول: (وله ما فيهما إذا كان في يدها شيء), أي: وله ما في البيت إذا كان فيه شيء.

    أما لو قالت: بيد خالعني بما في يدي, فظن أن في يدها مالاً, فقال: خالعتك, ففتحت يدها فلم يجد شيئاً, فله ما يسمى مالاً بالجمع, وهو ثلاثة دراهم, ثلاثة ريالات, ثلاثة دولارات, ثلاثة جنيهات, ثلاث ليرات.

    أو قالت خالعني بما في بيتي من متاع، فقال: قبلت, وإذا هي قد أخلت جميع متاع البيت, فإن له ما يمكن أن يسمى متاعاً, والله أعلم.

    المخالعة على معين يتبين أنه معيب

    الشيخ: الآن المؤلف حينما انتهى من المخالعة بالمجهول دخل بالمخالعة على معين, فبان معيباً.

    قال: (وإن خالعها على عبد فخرج معيباً, فله أرشه، أو رده وأخذ قيمته).

    المؤلف رحمه الله بنى هذه المسألة على بيع المعيب, فإن المعيب عند الحنابلة يجوز للمشتري أن يمسكه ويطلب الأرش, أو أن يرده ويطلب قيمة العبد إذا كان صحيحاً.

    أعيد! المؤلف بنى هذه المسألة على مسألة المبيع المعيب, والمبيع المعيب عند الحنابلة يجوز للمشتري أن يمسكه ويطالب بالأرش, أو أن يرده ويطالب بقيمة العبد سليماً, هذا هو مذهب الحنابلة وقول عند الشافعية.

    وذهب الحنفية والمالكية وهو اختيار أبي العباس بن تيمية والشيخ عبد الرحمن بن سعدي إلى أنه ليس للمشتري الذي اشترى المبيع المعيب, أو الزوج الذي خالع على معيب إلا أمرين:

    إما أن يمسكه معيباً بلا أرش, وإما أن يرده ويطالب بقيمته سليماً.

    قالوا: وأما المطالبة بالأرش فهي معاوضة جديدة تتطلب رضا الطرفين, والقاعدة الفقهية تقول: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه), كما روى ابن حبان و الدارقطني من حديث أبي سعيد.

    وهذا القول أظهر والله أعلم, إذ إن مطالبة المشتري بالأرش معاوضة جديدة, والتغرير به يمكن تفاديه بإرجاع المعيب، لكننا لو طالبنا البائع بالأرش لكان في ذلك ضرر على البائع, والقاعدة الفقهية تقول: الضرر لا يزال بمثله, والله أعلم.

    ومن أدلته: ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المصراة: ( لا تصروا الإبل والغنم, فمن ابتاعها بعدما حلبها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إما أن يمسكها، وإما أن يردها وصاعاً من تمر ), ولم يأمره بالمطالبة بالأرش بعد الإمساك, وهذا القول أظهر، والله أعلم.

    حكم ما إذا اخرج عوض الخلع مغصوباً أو حراً

    الشيخ: يقول المؤلف:(وإن خرج مغصوباً أو حرا):

    الآن دخل المؤلف في مسألة, وهو ما إذا ثبت أن المعين مستحق والمستحق مغصوب, أو لا يصح المالية عليه وهو الحرية, فما الحكم؟ يقول المؤلف: (فله قيمته), لأن المخالع رضي بمثل ما اتفق عليه, فله قيمته وهذا عدل وإنصاف.

    1.   

    من يجوز له الخلع

    الشيخ: المؤلف الآن شرع في من يجوز له الخلع, ومن يجوز له بذل الخلع, فقال: (ويصح الخلع من كل من يصح طلاقه) أي: الذي يصح طلاقه مسلماً كان أو ذمياً؛ لأن المسلم والذمي ملكا الطلاق بغير عوض, فبعوض أولى؛ وعلى هذا فكل من صح طلاقه صح خلعه.

    والذي يصح طلاقه هو البالغ العاقل, وعلى مذهب الجمهور ذكر الرجل؛ لأن الرجل هو الذي يملك الطلاق, والمرأة لا تملك الطلاق.

    مسألة: لو أن الزوج وهب الطلاق للمرأة, فهل يصح لها أن تطلق نفسها؟ الأقرب أنها وكلت بذلك, ولم تطلق إلا برضا الزوج.

    يقول المؤلف: (ولا يصح بذل العوض إلا ممن يصح تصرفه في المال):

    لو أن المرأة محجور عليها, وطلبت من الزوج أن يخالعها, فرضي ببذل المهر الذي بذله, فأعطته المهر الذي معها, فهل يصح هذا الخلع؟ لا يصح الخلع.

    واختلف العلماء, إذا رضي الزوج بالخلع, فبان العوض مستحقاً, فهل يثبت الخلع ويكون في ذمتها, أم له أن يرجع للعقد وكأن الأمر لم يكن؟ قولان عند أهل العلم.

    لو أن رجلاً قبل بالخلع على هذه السيارة, فبانت السيارة مستحقة مغصوبة, فإن العوض باطل, أو على هذا العصير فبان خمراً, فالعوض باطل, وإذا بطل العوض فهل يصح الخلع ويكون العوض في ذمة الزوجة, أم للزوج أن يعود إلى العقد الذي هو بقاء الزوجية أم لا؟

    قولان عند أهل العلم, فذهب القول الأول إلى أن الخلع ثابت؛ لأن الزوجة راضية, وبطلان العوض لا يبطل العقد كالنكاح, ويبقى في ذمة الزوجة، وله أن يطالب.

    والقول الآخر وهو رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية: أن الزوج إنما رضي بالخلع لوجود العوض؛ فإذا بطل العوض بقي العقد كما هو, وهذا القول أعدل وأظهر, والله تبارك وتعالى أعلم.

    وبهذا نكون قد انتهينا من باب الخلع, ونكون قد انتهينا من درسنا في الأكاديمية العلمية, الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون قد قدمنا ما يفيد المستمع والمستمعة, والمشاهد الكريم, ونسأل الله سبحانه وتعالى العون والسداد, وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين, ولا إلى أحد من خلقه, وأن نعوذ بالله أن نضل أو نضل, أو نزل أو نزل, أو أن نظلم أن نظلم, أو أن نجهل أو يجهل علينا, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    مسائل في الخلع

    إذا خالعت على مجهول ثم أخذت جزءاً منه دون علم الزوج

    المقدم: أحسن الله إليكم وبارك فيكم, شيخ عبد الله ، هناك مسألة في قضية الخلع إن أذنتم.

    الشيخ: تفضل.

    المقدم: في ما لو قالت المرأة في قضية الخلع: ما في حسابي في البنك فهو لك, وهذا مجهول طبعاً بالنسبة للزوج, ثم تصرفت في جزء من هذا المال دون أن يعلم الزوج؟ فما الحكم؟ وماذا لو علم؟

    الشيخ: أحسنت, سؤال جميل! المرأة أحياناً تقول: لك ما في بيتي من المال فقبل, فأخذت جزءاً من المال فأخذته, أو قالت: لك ما في حسابي عند البنك الفلاني, فقبل، ثم أخذت منه, فإن العقد ثابت من حين قبول الزوج ذلك, فلو فرض أن في الحساب ثلاثين ألفاً, فسحبت عشرة آلاف, فإن العشرة آلاف ثابتة في ذمتها, ويحرم عليها الأخذ منها.

    المقدم: جيد! نحن سنتوقف عند هذا الحد؛ لأن كتاب الطلاق وما يلحق به من أبواب ستشرح بإذن الله تعالى في الدورة القادمة من دورات الأكاديمية الفصل القادم, ضمن كتاب عمدة الفقه بإذن الله تعالى.

    هل يقع الخلع بطلب الزوجة وإن لم يرض الزوج

    الشيخ: هناك مسائل في الخلع, لعلنا نذكرها:

    المسألة الأولى: هل الخلع حق للزوجة أم حق للزوج؟

    بمعنى: لو أن الزوجة ذهبت إلى القاضي وقالت: لا أريد زوجي, وأكرهه وأريد طلاقه, وهذا مهره أريد أن أرده, فرأى القاضي أنه لا يمكن استمرار العلاقة الزوجية بينهما, فهل لابد فيه من رضا الزوج أم لا؟

    المعروف عند الحنابلة رحمهم الله أنه لابد من رضا الزوج بذلك, واستدلوا على ذلك فقالوا: لأنه في حكم الطلاق, وهو مذهب الجمهور؛ لأن الخلع عندهم في حكم الطلاق؛ بل هو طلاق بائن, قالوا: والطلاق لابد فيه من رضا صاحبه, وصاحبه هو الزوج، وعلى هذا فلابد من استئذانه وتطليقه.

    والقول الآخر في المسألة: هو أن الخلع حق للمرأة إذا خشيت عدم وفائها بحق زوجها عليها, وعدم استمرار العلاقة الزوجية في ذلك, ودليله قوله سبحانه: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], مما يدل على أن المرأة إذا افتدت فإن لها ذلك.

    وإن كانت هذه الآية ليست صريحة, فأصرح منها حينما جاءت جميلة امرأة ثابت بن قيس فقالت: (يا رسول الله! والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق), وفي رواية: (من خلق ولا دين, ولكني أكره الكفر في الإسلام, قال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم, قالت: اقبل الحديقة), وفي رواية: (وأمره أن يفارقها), وهذا يدل على أنه لم ينظر إلى استئذان زوجها, فهذا يدل على أنها لها ذلك.

    ثم إنني أقول أيها الإخوة: ما يثار في وسائل الإعلام في مسألة الخلع, وأن الخلع حق للمرأة, ينبغي ألا يتسرع فيه, ونقول كما هو ظاهر النص والله تبارك وتعالى أعلم: هو أن المرأة لا يسوغ ولا يجوز لها أن تطلب الطلاق في غير ما بأس, فإن ذلك رتب عليه الشارع وعيداً عظيماً, فقال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة).

    وجاء عند النسائي وقواه وإن كان في سنده بعض الضعف: (المختلعات هن المنافقات).

    وعلى هذا فما يثار في وسائل الإعلام بأن للمرأة أن تسأل الطلاق, فإذا رأت شخصاً أحسن حالاً من زوجها, أو شبب بها على زوجها وخبب, فقال لها: إذا طلقك زوجك فأنا سوف أتزوجك, فهذا بلا شك محرم, وقد قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: وأما إذا كان كل منهما مريداً لصاحبه, فهذا الخلع محرم في الإسلام؛ لأنه لو قيل به لما بقيت أسرة.

    ومن المعلوم أن الأسرة هي سبيل وسبب لنجاح المجتمعات الإسلامية, وتفوقها على المجتمعات الغربية.

    حكم اضطرار الزوجة إلى المخالعة والزوج هو المضار

    المقدم: في المقابل أيضاً -يا شيخ- لو كانت المرأة يلحقها ضرر من الزوج, أو كان يسيء العشرة معها, البعض قد يجبر الزوجة إجباراً على أن تخالعه بما يريد، والخطأ صادر منه؟

    الشيخ: هذه مسألة أخرى, وهي مسألة: إذا كان الرجل لا يعطي المرأة حقوقها فكرهته, فطلبت الطلاق فأبى, وأراد بذلك أن تخالعه, فهذا الخلع محرم، وهو قول عامة أهل العلم: يحرم على الرجل أن يطلب من المرأة أن تخالعه إذا كان يمنعها حقوقها, وأراد أن تفتدي نفسها منه, فهذا خلع محرم, والله أعلم, فيكون فسخاً، ويحرم عليه هذا المال الذي أخذه, ويجب عليه أن يرده، والله أعلم.

    1.   

    خاتمة البرنامج والدورة

    المقدم: طيب, أحسن الله إليكم! إذاً لعلنا نختم معكم هذا الدرس يا شيخ عبد الله, وكما ذكرتم أن الخاتمة طيبة, نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما سمعنا من توجيهات ومن شرح مبارك لكم, وهي حقيقة دقائق عشناها معكم, أو ساعات مرت كدقائق, نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً.

    ونشكر الإخوة الذين تواصلوا معنا هذا التواصل المبارك, من خلال اتصالاتهم الهاتفية, وأيضاً من خلال إجاباتهم على الأسئلة التي طرحتموها في كل درس, وهذا إنما ينم عن حرص ومتابعة مستمرة لهذا الدرس المبارك.

    الشيخ: ختاماً إن كان لي كلمة -يا شيخ ياسر - فأقول: ينبغي للطالب والطالبة اللذين يريدان تحصيل العلم الشرعي الصحيح, فأنا أقول: هناك طريقة بإذن الله تكون سهلة, وهو أن يأخذ أو تأخذ كتاباً من كتب الفقه, سواء كان عمدة الفقه أو زاد المستنقع, أو مختصر خليل من المالكية, أو المنهاج للشافعية, أو مختصر القدوري للحنفية, أو أي كتاب بحيث يستطيع الإنسان أن يمشي فيه, فأقول:

    يقرأ هذا النص, ثم يبحث ما معنى هذه العبارة, ثم يبحث عن الأدلة في هذا الباب, وينظر من صححها من أهل العلم, ثم بعد ذلك ينظر أقوال أهل العلم, أو ينظر الدليل، فإذا ثبت له المسألة بدليلها فإنه بإذن الله إذا استمر على هذا فسوف يجمع بين نورين, نور الفقه ونور الحديث.

    ومع الأسف أنك ربما تجد فقيهاً لكن بضاعته في الحديث مزجاة, فتجده يقلد المتأخرين ولا يعرف طريقة المتقدمين.

    أو تجد محدثاً يجيد العلل, لكن قراءته في الأصول والقياس والفقه قليلة, وبالتالي فإن الجمع بينهما, نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35], (ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين), ومعنى ذلك أن من لم يفقهه في الدين فما أراد الله خيراً, ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    المقدم: أحسن الله إليكم وبارك فيكم! أحبتنا الكرام سعدنا بتواصلكم من خلال هذا الدرس, ونشكر لكم طيب متابعتكم، ويجمعنا بإذن الله تعالى لقاءات قادمة في دروس مستمرة بإذن الله تعالى في هذه الأكاديمية, حتى ذلكم الحين نستودعكم الله.

    وختاماً نكرر شكرنا وتقديرنا لضيفنا صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية, والشكر موصول للإخوة الحضور معنا في هذا الدرس, ولكم أنتم أيضاً على طيب متابعتكم, ونستأنف معاً بإذن الله تعالى درس عمدة الفقه في المواعيد التي ستعلن بإذن الله تعالى لاحقاً خلال الدورات القادمة من الفصول الدراسية, حتى ذلكم الحين نستودعكم الله, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755939061